أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - على عجيل منهل - المفكر عبد الرحمن الكواكبى - 1854--1902- بين محاربة الاستبداد و تعليم المرأة















المزيد.....


المفكر عبد الرحمن الكواكبى - 1854--1902- بين محاربة الاستبداد و تعليم المرأة


على عجيل منهل

الحوار المتمدن-العدد: 3087 - 2010 / 8 / 7 - 20:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد كتب على ضريح المفكر الخالد عبد الرحمن الكواكبى الذى توفى فى القاهرة متأثرا بسم دس له في فنجان القهوة عام 1902 حيث دفن فيها.ونقش على قبره بيتان- لحافظ إبراهيم الشاعر المعروف.
هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى-- هنا خير مظلوم هنا خير كاتب
وأقرؤوا (أم الكتاب) وسلموا-- عليه فهذا القبر قبر الكواكبي
عبد االرحمن الكواكبي (1854 - 1902 م) مفكر وعلامة عربي سوري رائد من رواد التعليم ومن رواد الحركة الإصلاحية العربية وكاتب ومؤلف ومحامي وفقيه شهير
ولد في سنة 1849 في مدينة حلب لعائلة لها شأن كبير.
في مدينة حلب التي كانت تزدهر بالعلوم والفقهاء والعلماء درس الشريعة والأدب وعلوم الطبيعة والرياضة في المدرسة الكواكبية التي تتبع نهج الشريعة في علومها، وكان يشرف عليها ويدرّس فيها والده مع نفر من كبار العلماء في حلب...
بدأ الكواكبي حياته بالكتابة إلى الصحافة وعين محرراً في-- جريدة الفرات -التي كانت تصدر في حلب،وعرف ألكواكبي بمقالاته التي تفضح فساد الولاة، ويرجح حفيده سعد زغلول الكواكبي أن جده عمل في صحيفة "الفرات" الرسمية سنتين تقريبا، براتب شهري 800 قرش سوري.‏
ولذلك رأى أن ينشئ صحيفة خاصة، فأصدر في حلب صحيفة "الشهباء" عام 1877، وكانت أول صحيفة تصدر باللغة العربية، وسجلها باسم صديقه كي يفوز بموافقة السلطة العثمانية ايامها وبموافقة والي حلب ،‏لم تستمر هذه الصحيفة طويلاً، إذ لم تستطع السلطة تحمل جرأته في النقد، فالحكومة كما يقول الكواكبي نفسه --"تخاف من القلم --خوفها من النار-
بسبب حبة للصحافة والكتابة تابع جهاده الصحفي ضد الاستبداد فأصدر عام 1879 باسم صديق آخر جريدة "الاعتدال" سار فيها على نهج "الشهباء" لكنها لم تستمر طويلا فتوقفت عن الصدور.
بعد أن تعطّلت صحيفتاه الشهباء والاعتدال، انكبّ على --دراسة الحقوق-- حتى برع فيها، وعيّن عضواً في لجنتي المالية والمعارف العمومية في حلب، والأشغال العامة -النافعة-ثم عضواً فخريا في لجنة امتحان المحامين للمدينة.‏
استمر-- الكواكبي بالكتابة ضد السلطة-- التي كانت في نظره- تمثل الاستبداد،--- وعندما لم يستطع تحمل ما وصل اليه الامر من مضايقات من السلطة العثمانية في حلب التي كانت موجوده آنذاك-- سافر الكواكبي إلى-- آسيا الهند والصين وسواحل شرق آسيا وسواحل أفريقيا وإلى مصر --حيث لم تكن تحت السيطرة المباشرة للسلطان عبد الحميد، وذاع صيتة في مصر وتتلمذ على يدية الكثيرون وكان واحدا من أشهر العلماء.
أمضى الكواكبي حياته مصلحا وداعية إلى النهوض والتقدم بالأمة العربية وقد شكل النوادي الإصلاحية والجمعيات الخيرية التي تقوم بتوعية الناس وقد دعا المسلمين لتحرير عقولهم من الخرافات وقد قسم --الأخلاق إلى فرعين فرع أخلاقي يخدم الحاكم المطلق- وفرع يخدم الرعية أو المحكومين ودعا الحكام إلى التحلي بمكارم الأخلاق لنهم الموجهون للبشر ودعا لإقامة خلافة عربية على أنقاض الخلافة التركية وطالب العرب بالثورة على الأتراك وقد حمل الحكومة التركية المستبدة مسؤولية الرعية
ألف العديد من الكتب وترك لنا تراثا ادبيا كبيرا من-- كتب عبد الرحمن الكواكبي- طبائع الاستبداد -وام القرى -كما ألف العظمة لله -وصحائف قريش- وقد فقد مخطوطين مع جملة اوراقه ومذكراته ليلة وفاته، له الكثير من المخطوطات والكتب والمذكرات التي طبعت وما زالت سيرة وكتب ومؤلفات عبد الرحمن الكواكبي مرجعا هاما لكل باحث.

الكواكبى والمرأة

ان موقف أي مفكر من-- المرأة ومكانتها ودورها في المجتمع --أحد أهم- المؤشرات التي تعكس مستوى استنارة ذلك المفكر وتقدميته-- ومدى قدرة المشروع الفكري الذي يطرحه على النهوض الفعلي بالمجتمع، انطلاقاً من حقيقة أن أي مشروع جدي لا يمكن أن يجد طريقه إلى التحقق الفعلي -ما لم يسند إلى -المرأة --المكانة التي تستحقها والأدوار التي يمكن أن تقوم بها في عملية بناء ذلك المشروع

كثيرة هي الإشارات التي تؤكد أن علاقة حميمة متميزة قوامها الحب والمودة والاحترام كانت تجمع الكواكبي بقريباته النساء، وربما كان ذلك يعزى،إلى القيم المبكرة التي غرستها فيه خالته (صفية) التي تولت تربيته وتعليمه في أنطاكية بعد رحيل أمه ولم يكد يتجاوز السادسة من عمره. وفيما يبدو، تركت تلك السيدة المتعلمة المثقفة بصماتها واضحة على نفسية الطفل ا-، فجعلته يعامل المرأة في حياته العملية معاملة احترام وتوقير،ل
لقد كانت تجمع الكواكبي بزوجته (فاطمة) علاقة حب شديدة، وصفت من جانب إحدى سيدات العائلة بأنها علاقة "حب بين عاشقين"--.
ويظهر الود الذي يكنه الكواكبي لزوجته وبناته ولا يتردد في الإفصاح عنه بصورة واضحة في رسالة يرسلها لولده -أسعد -أثناء زيارته لإسطنبول-- حيث يقول عن زوجته: "إذا هي نسيتنا فنحن لا ننساها، ولا تخرج من فكرنا لا في النهار ولا في الليل...-- وينهي رسالته لولده بقوله: "وحافظوا على توصياتنا لكم، خصوصاً من جهة كسب رضاء ودعاء والدتكم ومداراة وملاطفة خواتكم...
وفي حادثة طريفة تبرز متانة العلاقة بين الكواكبي وبناته وحميميتها ووصولها إلى مستوى غير مألوف من التواصل الودود في تلك الفترة الزمنية التي حفلت بمظاهر التشدد في العلاقات الاجتماعية بوجه عام، نجده يرتدي ثوباً بدائياً غير متقن التفصيل من صنع ابنته -عفيفة- لتي لم تكن قد بلغت الرابعة عشرة من عمرها حينئذ، وعندما تطلب منه زوجته أن يخلعه فوراً لسوء حياكته، يصر على الاستمرار في ارتدائه قائلاً: " لن أخلع شيئاً خاطته لي ابنتي، وسأظل أفخر به"، لينتهي الجدال بأن تسمح له زوجته بارتدائه في البيت فقط، دون الظهور به أمام الغرباء-

إلا أن العلاقة الدافئة المميزة بين الكواكبي وقريباته من النسوة لم تحل دون تبنيه نظرة غريبة إلى طبيعة المرأة، يغلب عليها الطابع السلبي، وتشي بقدر غير قليل من الارتباك والالتباس في فكر الرجل وتأثره بما اختزنته الثقافة الشعبية من شوائب تنتقص من مكانة المرأة وتنسب إليها بعض الصفات الحاطة لمكانتها مقارنة بالرجل.

طبيعة المرأة عند الكواكبي:
--يبدو أن مفكرنا الكواكبي لم يسلم من التأثر بمكونات الثقافة الشعبية المتغلغلة عميقاً في ثنايا الوعي العربي على الرغم من ثقافته الدينية الواسعة ورحابة أفقه الإنساني، فنجده مثلاً يعزو عدم أهلية كثير من سلاطين بني عثمان للحكم إلى جملة من الأسباب منها: قضاء معظم أوقاتهم قبل تقلدهم الحكم وبعده في معاشرة السراري والجواري والإماء؛ ما أفضى إلى أن تتغلب "على طباعهم خصائص النساء، من شدة الحلم، وسلامة الصدر، والميل إلى المشاحنة، والغلو في الزينة الظاهرية، والاعتماد في تكريم الناس على شرف المنتسبين إليهم.. إلى غير ذلك من صفاتهن"-. وبغض النظر عما إذا كان الكواكبي يعتبر أن تلك الخصائص مكونات أصيلة ثابتة أم مكتسبة متحولة في طبيعة المرأة، فإن خطابه السالف يضمر شكلاً من أشكال النظرة الدونية إلى المرأة، وذلك بدعوى حيازتها خصائص تنزع عمن يحملها الجدارة لتقلد مراكز الحكم!
وحول طبيعة المرأة أيضاً مقارنة بطبيعة الرجل، يواصل الكواكبي تنظيراته بصورة اعتسافية قد لا يسندها أساس علمي موضوعي، مستمداً من الثقافة الشعبية بعض مقولاتها الشائهة التي--- تصور المرأة كائناً مراوغاً ومحتالاً ومسكوناً بالدهاء---، فيقول في فقرة عجيبة غريبة كأنها تستحضر كيد النساء ومكرهن في رواية من روايات ألف ليلة وليلة: "إن الرجال ميالون بالطبع إلى زوجاتهم، والمرأة أقدر مطلقاً من الرجل في ميدان التجاذب للأخلاق، ولا يتوهم عكس ذلك إلا من استحكم فيه تغرير زوجته له بأنها ضعيفة مسكينة مسخرة لإرادته، حال كون حقيقة الأمر أنها قابضة على زمامه تسوقه كيف شاءت، وبتعبير آخر يغرّه أنه أمامها وهي تتبعه، فيظن أنه قائد لها، والحقيقة التي يراها كل الناس من حولهما دونه أنها إنما تمشي وراءه بصفة سائق لا تابع.

وفي أطروحة طافحة بالسخرية اللاذعة يضرب صاحب طبائع الاستبداد ـ مع الأسف الشديد ـ بعيداً في بيداء التجني على المرأة والتحامل عليها والاستبداد بها، زاعماً أن استبدادها بالرجل هو من ضمن مقدمات "تتعلق نتائجها بالاستبداد الاجتماعي المحمي بقلاع الاستبداد السياسي"(- فنجده يقول: "إن البشر المقدر مجموعهم بألف وخمسمائة مليون نصفهم كَلّ على النصف الآخر، ويشكل أكثرية هذا النصف الكَلّ نساء المدن. ومَن النساء؟ النساء هن النوع الذي عرف مقامه في الطبيعة بأنه هو الحافظ لبقاء الجنس، وأنه يكفي للألف منه ملقح واحد، وأن باقي الذكور حظهم أن يساقوا للمخاطر والمشاق أو هم يستحقون ما يستحقه ذكر النحل، وبهذا النظر اقتسمت النساء مع الذكور أعمال الحياة قسمة ضيزى؛ وتحكمن بسن قانون عام به جعلن نصيبهن هين الأشغال بدعوى الضعف، وجعلن نوعهن مطلوباً عزيزاً بإيهام العفة، وجعلن الشجاعة والكرم سيئتين فيهن محمدتين في الرجال، وجعلن نوعهن يُهين ولا يهان ويَظلم أو يظلم فيعان؛ وعلى هذا القانون يربين البنات والبنين، ويتلاعبن بعقول الرجال كما يشأن حتى أنهن جعلن الذكور يتوهمون أنهن أجمل منهم صورة. والحاصل أنه قد أصاب من سمّاهن بالنصف المضر! ومن المشاهد أن ضرر النساء بالرجال يترقى مع الحضارة والمدنية على نسبة الترقي المضاعف. فالبدوية تشارك الرجل مناصفة في الأعمال والثمرات فتعيش كما يعيش، والحضرية تسلب الرجل لأجل معيشتها وزينتها اثنين من ثلاث وتعينه في أعمال البيت، والمدنية تسلب ثلاثة من أربعة وتود أن لا تخرج من الفراش، وهكذا تترقى بنات العواصم في أسر الرجال. وما أصدق بالمدنية الحاضرة في أوروبا أن تسمى المدنية النسائية لأن الرجال فيها صاروا أنعاماً للنساء"--
على الرغم من طرافة فكرة الكواكبي حول تقسيم العمل القائم بين الرجال والنساء--- وتصويره تلك الفكرة بقالب هزلي تهكمي،-- إلا أن من الواضح أن الرجل يقلب حقائق التاريخ وينسفها معيداً كتابتها بطريقة ربما لم يسبقه أحد إليه! فهو يجعل من إجبار المرأة على الانكفاء في بيتها وإفناء شبابها وصحتها في أعمال منزلية مرهقة ومملة ومغلقة للأفق، وفي مناكفة الأبناء واحتمال مشاكساتهم، دون أن تنال من التقدير أو الأجر الحد الأدنى الذي يتناسب مع ضخامة أعبائها، يجعل من كل ذلك امتيازاً تحايلت المرأة من أجل خداع الرجل والاستئثار به! متناسياً أن الرجل هو الذي قام بسنّ ذلك القانون المجحف بحق المرأة وفرضه عليها بذريعة الحفاظ على الشرف. ولو وجد أن ذلك القانون يضر بمصالحه وامتيازاته، وهو صاحب الأمر والنهي في واقع الأمر، لسارع إلى نقضه وتبديله، وهذا ما يجرى فعلاً في أيامنا، فبعد أن اكتشف الرجل أن بالإمكان تطوير ذلك القانون ليزيد من مكاسبه ويخفف من التزاماته، عمد إلى تطويع القانون بحيث أجبر المرأة على الخروج من البيت للعمل المأجور خارجه، ضارباً الصفح عن مزاعمه القديمة بشأن الشرف التليد، دون أن يجعل المرأة في حل من شيء من التزاماتها المنزلية المألوفة، لتصبح المسكينة خادمة في البيت وخارجه!

ومما يثير الاستغراب والدهشة أن--- الكواكبي، ---وهو العالم الفقيه المتضلع في أمور الدين، لا يكتفي بطروحاته الظالمة تلك بخصوص طبيعة المرأة، بل إنه أيضاً يقحم الشريعة نفسها في عملية إثبات صحة أفكاره دون توافر ما يسوغ ذلك من أدلة شرعية، إن لم تتعارض تلك الأفكار مع الأدلة الشرعية ذاتها! فهو فيعزو بعض أوامر الشريعة المتعلقة بالمرأة إلى وعي الشرع بدهاء المرأة قبل أي شيء آخر! قائلاً: "وما قدّر دهاء النساء مثل الشريعة الإسلامية، حيث أمرت بالحجب والحجر الشرعيين حصراً لسلطتهن وتفرغهن لتدبير المنزل، فأمرت باحتجابهن احتجاباً محدوداً بعدم إبداء الزينة للرجال الأجانب، وعدم الاجتماع بهم في خلوة أو لغير لزوم. وأمرت باستقرارهن في البيوت إلا لحاجة. ولا شك أنه ما وراء هذه الحدود إلا فتح باب الفجور، وما هذا التحديد إلا مرحمة بالرجال وتوزيعاً لوظائف الحياة".

بكل تأكيد، لا يمكن أن تكون الشريعة الإسلامية قد انطلقت في ذهابها إلى وجوب ستر المرأة وتقييد اختلاطها غير المبرر مع الأغراب من أرضية افتراض الدهاء في المرأة، ففي هذا حكم سلبي جائر لا يمكن للشريعة السمحة أن تتورط بإطلاقه على النساء، هؤلاء اللواتي كرمهن الله جل جلاله ككل ولد آدم بقوله عز من قائل: "ولقد كرمنا بني آدم..." وأكد عدم اختلافهن في الأصل عن أشقائهن الذكور بقوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وشدد على عدم التفريق بينهن وبين الرجال في الحساب فقال جل ثناؤه: "ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً
ويستمر الكواكبي وبما يستثير المزيد من الدهشة في--- مسلسل تحامله على المرأة،--- محاولاً إضفاء مسحة دينية على أفكاره لمنحها بعض الشرعية فيقول: " وقد أمرت الشريعة برعاية الكفاءة في الزوج، وذلك أيضاً مرحمة بالرجال. وأكثر الأئمة المجتهدين أغفلوا لزوم تحري الكفاءة في جانب المرأة للرجل، وأوجبوا أن يكون هو فقط كفؤاً لها كي لا تهلكه بفخارها وتحكمها. على أن لرعاية الكفاءة في المرأة للرجل أيضاً موجبات عائلية مهمة، منها: التخير للاستسلام والتخير لتربية النسل، وللتساهل في ذلك دخل عظيم في انحلال الأخلاق في المدن، لأن التزوج بمجهولات الأصول أو الأخلاق، أو بسافلات الطباع والعادات، أو بالغريبات جنساً أو الرقيقات، مفاسد شتى. لأن الرجل ينجر طوعاً أو كرهاً لأخلاق زوجته، فإن كانت سافلة يتسفل لا محالة، وإن كانت غريبة بغّضته في أهله وقومه، وجرّته إلى موالاة قومها والتخلق بأخلاقهم. ولا شك أن هذه المفسدة تستحكم في الأولاد أكثر من الأزواج"

في الوقت الذي نتفق فيه مع الكواكبي فيما ذهب إليه من القول بأهمية أخذ مسألة الكفاءة في المرأة للرجل بعين الاعتبار، إلا أننا نجد في خطابه تشدداً مبالغاً به وجمعاً غير مستساغ بين فئات من النساء يصعب الجمع بينهن، فهو يضع "سافلات الطباع والعادات" في سلة واحدة مع "الغريبات جنساً أو الرقيقات"، معتبراً أن في الزواج منهن جميعهن "مفاسد شتى"، وفي هذا ما فيه من مجافاة الحق والابتعاد عن الصواب؛ فلقد تزوج الرسول الكريم (محمد) عليه الصلاة والسلام الذي يجسد لمعاشر المسلمين أسوة حسنة بنص القرآن الكريم-من -صفية بنت حيي بن أخطب---ابنة أحد ألد أعداء المسلمين من اليهود، كما اقترن بـ-مارية القبطية-- التي أهداها إليه (النجاشي) ملك الحبشة، فلم تكونا سبباً في تبغيضه عليه السلام في أهله وقومه، أو جره ـ وحاشاه أن ينقاد إلى ذلك ـ إلى موالاة قوميهما والتخلق بأخلاقهم!

تعليم المرأة عند الكواكبي:
يسجل للكواكبي حماسه الكبير في دعوته إلى تعليم المرأة، فهو يعد عدم تعليمها سبباً من أسباب انحلال الأخلاق المتفشي في المجتمع، داحضاً وببرهان منطقي متماسك ادعاءات الذين يزعمون أن تعليم المرأة حقيق بالنيل من عفتها، إذ يقول: " إن لانحلال أخلاقنا سبباً مهماً آخر يتعلق بالنساء، وهو تركهن جاهلات على خلاف ما كان عليه أسلافنا، حيث كان يوجد في نسائنا كأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي أخذنا عنها نصف علوم ديننا؛ وكمئات من الصحابيات والتابعيات راويات الحديث والمتفقهات، فضلاً عن ألوف من العالمات والشاعرات اللاتي في وجودهن في العهد الأول بدون إنكار، حجة دامغة ترغم أنف غيرة الذين يزعمون أن جهل النساء أحفظ لعفتهن؛ فضلاً عن أنه لا يقوم لهم برهان على ما يتوهمون، حتى يصح الحكم بأن العلم يدعو للفجور وأن الجهل يدعو للعفة؛ نعم ربما كانت العالمة أقدر على الفجور من الجاهلة، ولكن الجاهلة أجسر عليه من العالمة. ثم إن ضرر جهل النساء وسوء تأثيره في أخلاق البنين والبنات أمر واضح غني عن البيان..."-.
هذا، ولا تقتصر آثار عدم الاهتمام بتعليم المرأة عند الكواكبي على المستوى الأخلاقي فحسب، بل إنها تمتد لتطال نظام الحكم نفسه أيضاً؛ فهو يعتبر أن "ترك الاعتناء بتعليم النساء" أحد الأمراض القديمة التي لازمت إدارة الحكومة العثمانية منذ نشأتها وأسهمت في إيصالها إلى مستنقع الاستبداد الذي تتخبط فيه-
ويبدو أن إيمان الكواكبي بأهمية التعليم للمرأة قد حدا به إلى الاهتمام بتعليم بناته اهتماماً قد لا يقل درجة عن اهتمامه بتعليم أبنائه الذكور؛ ففي رسالة موجهة إلى ولديه -أسعد و رشيد- أرسلها إليهما أثناء تجواله في عدد من بلدان شرقي إفريقيا نجده يقول: "لاحظوا مسألة أحمد ومكتبه (أي مدرسته)، وكذلك نظيرة وفاضل (وهؤلاء هم أولاده الصغار-
بالإضافة إلى تربيته على يد امرأة متعلمة مثقفة هي خالته (صفية)، ووقوفه على منابع الثقافة الإسلامية المستنيرة التي تحث على تعليم البنات، واطلاعه على أحوال الأمم الغربية التي تعنى بتدريس الإناث، ربما يمكن القول إن عناية الكواكبي بتعليم بناته قد تعمقت بتأثير من الصخب الذي شهده الوطن العربي حول قضية تعليم المرأة، ذلك الصخب الذي ترددت أصداؤه في نفوس الكثير من المفكرين العرب، الذي نرجح أنه لم يبدأ مع صدور كتاب (رفاعة الطهطاوي) الموسوم: (المرشد الأمين للبنات والبنين) عام 1872، ولم ينته مع صدور كتابي (قاسم أمين) المعنونين: (تحرير المرأة) و (المرأة الجديدة) في عامي 1899 و 1900 على التوالي-
ويولي الكواكبي للمرأة دوراً مهماً في تربية الأبناء لا يقل عن أهمية دور الرجل، جاعلاً من عملية التربية عملية متتابعة مستمرة يشترك المجتمع كله وليس الأبوان فحسب في تنفيذها، فيقول: "التربية تربية الجسم وحده إلى سنتين، هي وظيفة الأم أو الحاضنة، ثم تضاف إليها تربية النفس إلى السابعة، وهي وظيفة الأبوين والعائلة معاً، ثم تضاف إليها تربية العقل إلى البلوغ، وهي وظيفة المعلمين والمدارس؛ ثم تأتي تربية القدوة بالأقربين والخلطاء إلى الزواج، وهي وظيفة الصدفة، ثم تأتي تربية المقارنة، وهي وظيفة الزوجين إلى الموت أو الفراق-
أن الكواكبي يمثل واحداً من أبرز مفكري النهضة العربية الحديثة ريادة وجدة وتميزاً في مقاربة موضوع الاستبداد والتنظير له ولخطورته وامتداداته بصورة عميقة شاملة، مقارنة بغيره ممن عاصروه من المفكرين العرب وتصدوا للبحث في الموضوع نفسه. غير أن لكل عالم هفوة كما يقال، ويبدو أن هفوة الكواكبي التي يصعب تجاهلها أو اغتفارها تكمن في موقفه الرجعي من المرأة بوجه عام، الذي يتعارض بصورة صارخة مع مجمل خطابه التقدمي المستنير. والواقع أن من الصعب اغتفار مثل تلك الهفوة، بل الخطيئة إذا جاز التعبير، من صاحب طبائع الاستبداد على وجه الخصوص، فليس من المقبول تحت أي ذريعة من الذرائع أن ينزلق مفكر نذر حياته وفكره لمقاومة الاستبداد إلى الوقوع فيه وممارسته ضد المرأة، التي تقف في مجتمعنا العربي في مقدمة الفئات المقموعة المضطهدة، ويشكل وضعها المتعثر المأزوم عقبة جدية في وجه أي مطمح مشروع لنهوض الأمة وتقدمها.
لقد آمن الكواكبي بأهمية تعليم المرأة ولم يدخر وسعاً في الدعوة إلى ذلك وتطبيقه في محيطه العائلي، وهذا يسجل له بكل تأكيد، بيد أنه توقف عند ذلك الحد منسجما،ً بهذا القدر أو ذاك، مع طرح تقليدي لا يرى ضيراً في تعليم المرأة، شريطة ألا يخرج بها ذلك التعليم في الواقع العملي من محيط بيتها، جسداً وفكراً!
غير أن الكواكبي سرعان ما أخذ من المرأة بشماله ـ على قلته ـ ما أعطاه لها بيمينه، فلم يدر بخلده، ولو نظرياً، ضرورة استحضارها عضواً مهماً جديراً بالحضور والمشاركة عندما كان يفكر بتأسيس جمعيته الإصلاحية الافتراضية التي استغرقت صفحات كتابه (أم القرى). وليت الأمر وقف عند هذا الحد من التجاهل والتهميش، فعندما خطرت بباله وقرر استدعاءها لم يفعل ذلك إلا وهو يجرها إلى قفص الاتهام بدعوى ضلوعها في تسبيب التخلف والاستبداد، ملصقاً بها حزمة من التهم المنكرة، التي تجعل منها كائناً طفيلياً مخادعاً قرر أن يعيش عالة على الرجل، لا يتورع عن التحايل وحبك المؤامرات لإخضاع آدم واستغلال سذاجته!
ويبدو أن المؤثرات التقدمية المستنيرة في فكر الكواكبي، متمثلة في ثقافته الدينية المنفتحة، ودعوات إنصاف المرأة في بلدان الغرب والشرق، وبيئته العائلية الودودة التي احتضنت صيغاً راقية من صيغ التفاعل بين الذكور والإناث، يبدو أنها كانت في حالة صراع محتدم مع المؤثرات الرجعية الظلامية في فكره، هذه التي تجسدت في الموروث الثقافي السلبي والتأويلات الدينية المغلوطة المجحفة بحق المرأة. وفيما يظهر، فقد كانت الغلبة ـ بكل أسف ـ للمؤثرات المتخلفة الظلامية، ليأتي فكر الكواكبي المتعلق---- بالمرأة فكراً مضطرباً مشوشاً مثقلاً بالكثير-- مما يمكن اعتباره انحرافاً عن المسار الطبيعي--- لفكر الرجل المعادي للاستبداد والمحارب له.



#على_عجيل_منهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسماعيل مظهر 1891- 1962- بين -اصل الانواع و وتحرر المرأة
- المفكر فرح انطون 1874-- 1922- - ومفهوم --التساهل و- التسامح ...
- المعلم بطرس البستانى-1819 -1883 من تأليف القواميس- الى- الدع ...
- هدى شعراوى- علم- من اعلام تحرير المرأة العربية
- المفكر أسعد داغر-1886-1958- يتهم - نحن المثقفين علة تخلف الن ...
- المفكر سلامة موسى- 1887 -1958- وحرية المرأة - و مساواتها بال ...
- لطفى السيد --استاذ الجيل - رائد التطور التعليمى و الاجتماعى ...
- المفكر شبلي شميل (1850-1917)---- المرأة والرجل , وهل يتساويا ...
- ابو حيان التوحيدى -يفسر الضحك
- حماس والمرأة فى غزة -تمنع عرض الملابس النسائية وملصقات الملا ...
- المنطقة الجنوبية فى العراق - ضحايا الامراض الكيمياوية والسرط ...
- حسين الشهرستانى-ارفعوا ايدكم عن الحركة العمالية - مجزرة للحر ...
- الامر بالمعروف والنهى عن المنكر و زراعة المخدارات-محافظة اال ...
- من تراث معاداة المرأة العربية - عباس محمد العقاد - عدو المرأ ...
- جبال القمامة فى العراق-وحرامية امانة العاصمة --وحكومة الخبز ...
- من تراث معاداة المرأة المسلمة- ابو حامد الغزالى نموذجا
- المناطق المتنازع عليها- الحدود الادارية للمحافظات العراقية- ...
- وثيقة طريفة فى اوراق رفاعة الطهطاوى(1801 - 1871 ) - تعهد بعد ...
- حكومة تصريف الاموال- الاعمال- فى بغداد- حكومة الخبز الحافى
- المرأة الفلسطينية و شرب النارجيلة و قرار منعها فى غزة


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - على عجيل منهل - المفكر عبد الرحمن الكواكبى - 1854--1902- بين محاربة الاستبداد و تعليم المرأة