أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رويدة سالم - أحلام رهن الاعتقال : هكذا رأيت الإله














المزيد.....

أحلام رهن الاعتقال : هكذا رأيت الإله


رويدة سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3080 - 2010 / 7 / 31 - 01:16
المحور: الادب والفن
    


سمعت صدىً كانسياب الخرير، رفعتُ وجهي لأرى زائري. كان عجوزاً يختصر عمرُهُ تاريخ البشر. شعره الأبيض و لحيته الطويلة زاداهُ مع السنين وقاراً و حكمةً. بعينيه حزنٌ دفين و على شفتيهِ ابتسامة تسامُح و عطْف و رحمة. ثوبه الحريري الأبيض ( المرتوق برقعٍ حمراءَ قانية ) يُعانق جسده النحيل بعشق . تقدَّم نحوي طافياً بين سُحُبْ قُطنية ناصعة البياض تحفُّ به ملائكته النورانية ذات الألف جناح...
تعرَّفتُ إليه يوم انتزعوني من حضن والدتي في المستشفى . يومها صرختُ أن يتركوني ارحل معها فلم يهتم أحد لصراخي . بعد ذلك تعلقت بأذيال والدي الذي لم يلحظ وجودي في صراعه مع الساعات المعلقة في كل جُدران أيّامه. كان العالم من حولي كبيراٌ مُخيفاً يُرعِبُني النظر في وجهه فجاء العجوز الوقور ليحميني ..
يُرافقني كل يوم إلى المدرسة و يُحدثني قُبَيْل النوم عن الجنة الخضراء التي توجد فيها أمي.
زارني كما تعوَّد أن يفعل كلما انتابني الحزن و الخوف ، كان صوتٌه عذبُ الهمسِ رقيق الكلمات داعبَ فيَّ روح الطفلة التائهة في كونٍ لا تستبينُ معالمه كالإنسان العاجز أمام المستحيل ..
أَلَفْـتُ معهُ أغاني السعادة و الخلود و قاسمته خبزي و آمالي و أحلامي . استأنست به و اطمأن له قلبي ، مسحَ دمعةً كانت لا تزال على خدي فشعرتُ بدفءٍ يسري في قلبي و يملؤني طمأنينة سرعان ما تبددت حين قال
أنها المرة الأخيرة التي يزورني فيها لأني كبرت و كما لا تنموا الأحلام إلا في عالم الأطفال يودع الإله البشر يوم يتركوا عالم الحكايا و الخرافات ليسبحوا ضد التيار. جلس قبالتي ليودعُني فأشحتُ بوجهي عاتبةً. رَبَتَ على راسي مبتسماً ، و دون أن ينبس بحرف كانت كلماته تنساب إلى عقلي سلسة حلوة متناغمة فـتُسعِـدُ نفسي و تُدغدغني و أرنوا إليه فأرى الهالة النورانية التي تحيط به تكبر و تكبر، حتى استحال عجوزي إلى نورٍ أضاء قاعة الدرس التي كنت محتجزة فيها ثم أضاء المدرسة بل المدينة كلها. ركعت ملائكته خاشعة
دخلت المعلمة و لم تنتبه للعجوز و لا لمن حوله. ابتعدوا ليفسحوا لها المكان و انتحوا ركناً قصياً من القاعة .....
تضائل نور العجوز و بهت و تقلّصَتْ أجنحة مُرافقيه . ثم بدأ حجمه يتقلص شيئا فشيئا. مددت له يدي لأتشبّث به. لكنه ضَلَّ يتضاءل فلم أعد أستبين إلاّ ابتسامةً حزينة على مُحيّاه. ثم اختفى إلى الأبد في حين تردد بالمكان صدىً مخيف:
- لا تشوهوا صورتي كما فعل البشر قبلكم. يكفي ثوبي رتقاً. مللت لعبتهم الدامية و إدعاءاتهم الكاذبة. قَتَلَ أنبيائهم وأوليائهم الحياة باسمي لأنهم أكثر مخلوقاتي بشاعة و وحشية.
التفت إلى المعلمة أرجوها أن تعيده لي فاعتذرت قائلة :
- صغيرتي ، أُصدِّق كل حكاياتك. طفلة أنت بحثتِ عن تفسيرات و بنيت عالمك الخاص بمعالم توهمت وضوحها ..
حدثـتها عن كل ما علّمني إياه العجوز و عن أغانينا الحلوة التي ( ربما ) زادها خيالي بهاء وسحراً فابتسمَتْ واستطردَتْ قائلةً :
- إنه موجود بخيالك فقط ، صنعه الخوف الإنساني والوحدة فيك وأعطياه جسداً و روحاً و لساناً يُردِّد ما نُريد نحن البشر سماعه ..
كان كلامها أشدُّ إيلاما من وداع عجوزي الحنون . عَـزَّ عليا فقد عالمي السحريّ و فراق الأحلام ، فقد كان أنيسي في رحلتي لاكتشاف العالم وكان وجوده يعطي لحياتي معنىً ، إنَّـهُ إلهي المسالم المحب فهل يُعقّلُ أن يكون الإله وهماً !!!؟.
أيقظتني معلمتي من شرودي فرفعت إليها عيوني المبتـلّة بدموع الخيبة . كان وجهها هادئاً ملائكياً واثقاً ، آتاني صوتها الرزين من الهوة العميقة التي تفصل إنساناً متحضراً عن طفلٍ غرير ساذج بسيط :
- إنك تكبرين يا بُنَيّة ، و ستنجحين في مواجهة نفسك و العالم ، ثقي أن الوهم سيسقط فأستعدّي لمواجهة الحقائق القاسية.
كم تمنيت أن يدوم حلمي مع عجوزي الذي رأيتُ فيه إلهاً يستحق كُلَّ حُبّي و احترامي فهو لم يكن دموياً و لم يلتفت لجنسي و انتمائي ، و لم يتوعدني يوماً بنارٍ أبديه. لم أعهد منهُ سوى الحبَّ و التسامح و العطف.
هكذا تمنيتُ أيضاً أن يكون إلهكم... كعجوزي الطيب الرحيم...



#رويدة_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القطيع العربي : كرة القدم نموذجا
- أحلام رهن الاعتقال/ الحرية شمس يجب ان تشرق
- القطيع العربي و ثور الدالية
- أحلام رهن الأعتقال / الإله يتعثّر بجلبابه
- شفير الهاوية [الجزء 3 و الاخير ]
- شفير الهاوية [الجزء 3 الاخير ]
- شفير الهاوية [الجزء 2]
- شفير الهاوية [الجزء 1 ]
- ضحايا [ الجزء 6 ] 
- المراة بين الدعارة الشرعية و سفاح المحارم [الجزء 3]
- ضحايا [ الجزء 5]
- ضحايا [ الجزء 4 ]
- المراة بين الدعارة الشرعية و سفاح المحارم [الجزء 2 ]
- المراة بين الدعارة الشرعية و سفاح المحارم [الجزء 1 ]
- ضحايا [ الجزء 3]
- ضحايا [الجزء 2 ]
- ضحايا [الجزء 1 ]
- الذكورة البدائية و السوط المقدس
- عندما تؤمن النساء بأمجاد -ذكورة- مقدسة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رويدة سالم - أحلام رهن الاعتقال : هكذا رأيت الإله