رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3079 - 2010 / 7 / 30 - 23:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل عشرون عاماً ربّما , شاهدتُ وسمعتُ خبراً علمياً من التلفاز , مفادهُ / أنّ المبيدات الحشرية والزراعية , تصبح عديمة الجدوى تقريباً , بعد عدّة أجيال لتلك الحشرات .
حيث أنّها تؤقلم نفسها تدريجياً على ذلك المُبيد , أيّ تتعود عليه فلا يعود ينفع معها.
لذلك على الباحثين الإستمرار في إكتشاف الجديد دوماً .
وقتها تسائلتُ في خُلدي : هل التطوّر يحدث بهذهِ السرعة ,أم يحتاج الأمر الى ملايين السنين ؟
لكنّي قلتُ حينها ,أنّ التكيّف ربّما ليس هو نفسه التطوّر و أنّ ما ينطبق على البشر أكيد ليس نفسهِ على الحشرات .
أتذكر ذلك , عندما أسمع اليوم كلام العلماء عن التطوّر .فهم يقولون :
أنّهُ لا يحتاج ملايين السنين كي نلحظهُ , بل أحيانا أقل من ذلك بكثير وقد يصل الأمر
الى ملاحظة التطوّر خلال الجيل الواحد نفسهِ ... فهل يُعقل ذلك ؟
***
حسب العالم ريتشارد داوكنز Richard Dawkins , فأنّهُ لايوجد في الغرب اليوم عالِم مُعتبَر ولا حتى رجل دين مثقف , يرفض نظرية التطور .
فأسقف إكسفورد و رئيس أساقفة كانتربري وحتى البابا نفسه , لا مشكلة لديهم , مع نظرية التطور .
يقول داوكنز : { إنّ رجال الدين المثقفين في الغرب عموماً , إستسلموا وتوقفوا عن محاولاتهم لدحضهِ (علم التطوّر ) , بعد أن إطلعوا على الأدّلة وشاهدوها بأمّ أعينهم , لكنهم مستمرين في تضليل الشعوب , إنّهم اليوم يؤمنون بالتطوّر , دون أن يبذلوا الجهود لتثقيف الناس , بأنّ آدم وحواء لم يكن لهما وجود أبداً . ولو ضغطتَ عليهم , لقالوا بأنّ تكرارهم لتلك القصة , لا يُقصد منهُ سوى المعنى الرمزي لها } .
هههههههههههههههه , شفتم إزاي ؟ تلك إذن فلسفة رجال الدين .
***
الكتاب الأخير لداوكنز بعنوان
The Greatest Show on Earth: The Evidence for Evolution
أو أعظم عرض على الأرض / دلائل التطوّر
وهذا رابط موقع العالم داوكنز وكتبهِ ومحاضراتهِ وأفلامهِ
http://richarddawkins.net/pages/books
و بإنتظار عثوري على الترجمة العربية الكاملة والجيدة لهُ , سأقدم لكم فكرة عن ذلك العمل الرائع لهذا العالم المحبوب الذي سيطر على عقول وقلوب كل من سمعهُ أو قرأ لهُ .
***
في الفصل الأول من الكتاب يناقش داوكنز , نظرية التطور لداروين ( الأصح القول / نظرية الإرتقاء الطبيعي ) !
ويبدأ معنا خطوة خطوة وكلمة بكلمة وحتى حرفاً بحرف .
فيبدأ بالتفريق بين كلمة النظرية بمعناها العام من جهة و المعنى العلمي لها / أي ال Theory التي تبدأ كفرضية , ثمّ يتم تأكيدها أو نفيها لاحقاً .
وبهذا الشأن يقول داوكنز :
{ قد تبدأ الفكرة بمرحلة الغوص في وحل السخرية ، قبل أن ترتقي بخطوات مؤلمه إلي أن تصل إلي مرحلة الثيوريم أو الحقيقة } .
ويضيف بما معناه
{ كلّما زادت محاولاتنا لدحض نظرية معيّنة , وفشلنا في ذلك أو ذهبت محاولاتنا سدىً , بحيث تبقى تلك النظرية صامدة وكُتِبَ لها النجاة .. كلّما أصبحت تلك النظرية أقرب الى ما يسميهِ الإحساس البديهي لدينا بال .. حقيقة } .
ولا توجد نظرية تعرضت لهذا الكمّ الهائل من الهجوم عبر التأريخ البشري , كما تعرضت له نظرية التطور ل داروين ,منذ ظهورها.. يُضيف داوكنز .
وحسب رأيهِ فإنّها اليوم تحولت الى واقع , حيث يقول : النظرية تصبح حقيقة وواقع عندما يستخدم تطبيقاتها البشر ( مثلاً نظرية فيثاغورس الشهيرة ) .
لكن مثال داوكنز لم يكن عن نظرية فيثاغورس بالطبع بل عن شيء ذي علاقة بنظرية التطور نفسها , ألا وهو المضاد الحيوي أو Antibiotics
فهذا المضاد الحيوي الذي يصفه الطبيب لمعالجة الإلتهابات و يفرض علينا أن نتبع إرشادات دقيقة في أخذه ك ((كورس)) لفترة معينه مع مراعاة الدقة للفتره بين كل جرعة و أخرى , ليس إلاّ علم مبني علي أحدى تطبيقات نظرية التطور.
لذلك يقول داوكنز { إنّ هذا الكتاب هو عبارة عن الدلائل الإيجابية بأن التطور ليست مجرد نظرية بل أنه حقيقه } .
نعم أعزائي , التطوّر حقيقة نعيشها ونلمسها يومياً .
لذلك فهو خصص جميع فصول الكتاب لإيراد المزيد من الأدلّة التي تسمو بتلك النظرية الى مرتبة الحقيقة الثابتة .
ثم بدأ مشوارهِ بتعريف كلمة (( الحقيقة )) نفسها حسب قاموس أوكسفورد , حيث تعني : الواقع المنظور , أو الشهادة الثقة . وبعيداً عن التخمين طبعاً .
ثم أكمل مشوارهِ بشرح كيفية تطابق هذا التعريف لكلمة الحقيقة مع نظرية التطور بالتمام والكمال .
........
أنا في الواقع مندهش لطريقة معلمي الثاني / داوكنز , حيث يقوم بتعريف كلّ كلمة لنا حتى لا يبقى شكّ في مفهومنا لما يتحدث عنهُ ,لاحظوا شرحهِ كلمة (نظرية) وبعدها (الحقيقة) .
أعتقد إنّهُ لا يُخاطب المختصين فقط , بل يُخاطبنا جميعاً , نحنُ الناس العاديين .
وهذا الإسلوب بالنسبة لي هو الأروع بالطبع .وأنا نفسي أحبذهُ كثيراً في كتاباتي .
يؤكد كلام داوكنز (عن علم التطوّر وحقيقتهِ ) , بروفيسور علم الأحياء والمتخصص في علم الخلايا / كينيث ميلر , الذي تُدّرس كتبهِ على نطاق واسع في الولايات المتحدة , وهو كاثوليكي ملتزم كما يصف نفسهِ , يقول :
إنّ نظرية التطوّر هي الحقيقة بعينها , بقدر ما أنّ نظرية الجاذبية حقيقة معروفة وثابتة .
......
ثم هناك إجابة على تساؤلات من قبيل
إذا كان الإنسان تطوّر عن الشمبانزي فلماذا هذا الأخير ما زال حيّاً ؟
( هناك خطأ شائع بأنّ الحيوانات تنحدر من بعضها البعض والأمر ليس كذلك , لكننا نشترك بجد واحد)
ثم لماذا أخذ داروين كل هذا الوقت ليظهر على الساحة ؟ ( فكرة التطوّر قديمة جداً و لها ذكر في كتب الإغريق ) , وذكر ذلك كارل ساجان .
ويجيب داوكنز نفسه و يقول :
أن الأسباب عديدة, فقد يكون السبب هو أن عقولنا مرعوبة بالوقت الطويل الذي يحتاجه أي تغيير جذري لكي يحدث .
أو عدم التوافق بين ما نسميه الأن الوقت الجيولوجي العميق و بين مدة حياة الشخص .
و قد يكون التلقين الديني هو سبب عدم تقبلنا لها.
و قد يكون السبب هو التعقيد المهول لعضو حيوي .. كالعين .
وما تمّ شحن عقولنا بهِ من أننّا من إنتاج مهندس بارع .
ثم يُطيل داوكنز في الحديث عن وجود الصفات الكامنة في الجينات وظهورها بالصدفة ( مثل خلط ورق اللعب ) وأنّ داروين نفسهُ لم يكن يعرف عن الجينات الشيء الكثير بل أنّ عالم وقس ألماني إسمهُ / جورج مندل كان مُعاصر لداروين هو أوّل من تحدث عنها وما تحملهُ من أسرار .
وهناك عشرات من الأسئلة التي يفصلها ويجيب عليها داوكنز بمنتهى الوضوح والشفافية .
http://3asal.wordpress.com/2010/01/12/%D8%A3%D8%B9%D8%B8%D9%85-%D9%85%D8%B3%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D9%88%D8%AC%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6-%D9%A2-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9%D8%A9-%D9%83%D8%AA%D8%A7/
رابط يضم غالبية معلومات هذه المقالة
تحياتي لكم
رعد الحافظ
30 يوليو 2010
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟