أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيد القمني - عار علينا أن نكون همج القرن الحادي والعشرين















المزيد.....

عار علينا أن نكون همج القرن الحادي والعشرين


سيد القمني

الحوار المتمدن-العدد: 3078 - 2010 / 7 / 29 - 11:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الحق أن نقف مع المصطلحات المراوغة الملتبسة بمفاهيم تعطي تلك المصطلحات مشروعية زائفة ، ويترتب على إعطاء الشرعية لتلك المصطلحات كوارث حقيقية ، لأننا نهوى ضياع الحق بيننا رغم نص الحديث “لعن الله قوما ضيعوا الحق بينهم” .

انظر معي إلى القنوات العربية الفضائية وقد ارتدت ملابس المارشاليه وتحولت إلى وزارات حرب ، وتوالى إذاعة البيانات العسكرية ، وإعلانات الحرب الواردة إليها ، من مختلف جيوش المسلمين الملثمين ، وهم يجزون الأعناق ، ويرفعون الرؤوس المقطوعة أمام العالم بحسبانه شرعا إسلاميا وتنفيذا على الطريقة الإسلامية.

ألا تشير الظاهرة إلى حالة خلل فاضح في العقل العربي وفي سياسة الحكومات العربية ؟

انظر إلى ما تقدمه هذه القنوات الفضائية عن العراق من العراق ، فهي لا ترى إلا بعين واحدة لأن الأخرى عميت بصيرتها ، وإلى مدى الانحياز السافر إلى إرهاب القاعدة فرع العراق الفصيح ضد شعب العراق ، وهو الإرهاب نفسه الذي يمارس عمله في أراضي المسلمين شرقا وغربا ، وبخاصة في أرض أصحاب تلك القنوات الفضائية. وتعجب هنا لما يمكن أن يجمع اللدودين ، فلا تجد سوى الخطأ الأمريكي المبكر بإعلان الرغبة الأمريكية .. في التدخل السافر عندما يتطلب الأمر وفي حينه في أي دولة في الشرق الأوسط ، مما أثار توجسا لدى الحكومات بعض هذه الدول كان أبرز تجلياته هو تأييد القاعدة في العراق لإرباك الخطط الأمريكية أطول فترة ممكنة دون النظر إلى العواقب المترتبة على هذه المواقف وما تفعله من خسائر بشرية في الجانب الأمريكي لن تنساه أمريكا أبدا ولا لحظة واحدة ، وهو ما يقوله تاريخ أمريكا في قدسية مواطنيها ، وبسبيل تحقيق المطلوب جماهيريا لتصعيب الموقف على الأمريكان يتم تزييف الحق على المسلمين والخلط بين معنى الكفاح الوطني من أجل تحرير الإرادة أو الأرض ، وبين مفهموم الجهاد في الإسلام ، وهو الخلط الذي ننعيه على العالم الذي لا يريد التمييز بين الكفاح الوطني ضد الاحتلال كما في فلسطين المحتلة ، وبين مفهوم الإرهاب.

والمصيبة أننا من يمارس هذا الخلط في المفاهيم والاصطلاحات بامتياز لا يبارى. فنحن نؤكد للعالم أن حربنا في فلسطين هي حرب لتحرير الأرض ، بينما نمارس فعل الجهاد لا فعل التحرير وما أبعدهما عن بعضهما معنى ومبنى ، فالجهاد لا ينشغل بتحرير الأرض بل ينشغل بحقه في السماء بعد الشهادة حيث الحور العين وأنهار الخمر والنعيم الخالد ، أما فعل تحرير الأرض فهدفه التحرير بغض النظر عن الذهاب إلى الجنة أم إلى الجحيم.

والجهاد لابد أن يزيح بالضرورة مفهموم المواطنة لأنه لا يحارب من أجل وطنه وناسه ، إنما من أجل الله وطاعة لأمره ، ومفهوم الكفاح الوطني لا يشغله سوى إرادته ووطنه وينفتح لكل المواطنين ليشاركوا فيه من أي عنصر ، بينما مفهوم الجهاد يقصي من العمل الوطني كل أبناء الوطن من غير المسلمين ، ويدافع عن الله ومقدساته قبل وطنه – ويؤدي إلى نفور الضمير الدولي الذي تجاوز الطائفية والعنصرية .. ويشق الصف الوطني شقا ويمزق وحدته.

وعندما نعلن أن ما يحدث في فلسطين هو جهاد فلابد أن يفهم الغرب أن ذلك هو الإرهاب عينه ولا نلومن إلا أنفسنا ، لأن مفهوم الجهاد الإسلامي يقع اليوم موقع الهمجية المجرمة قانونا بفعل اختلاف الزمان عن الزمان .. فقد وضع مفهوم الجهاد في زمن وظرف عالمي مختلف ، زمن قوة عربية طالعة ، وفراغ قوي ناشئ عن انهيار وسقوط دول كبرى. وضع على عاتق المسلمين فتح بلاد الدنيا وإخضاعها لعرب الإسلام ، لذلك يحمل المفهوم ضمنا العداء المسبق لشعوب العالم غير المسلم بسبب العقيدة وحدها ، وهو ما لا يكفي اليوم مبررا ، ويحتاج تفعليه إلى قوة عظمى لا نملك قدرة لمجرد تخيلها ، خاصة أن مفهوم الجهاد على المستوى الأخلاقي يفترض ملاحق منها الإغارة والسلب والنهب والسبي وركوب نساء العدو وهو ما تجاوزته الدنيا ، وأصبح للحروب قواعد أخلاقية مرعية.

الجهاد عندما يقف أمام المستحيل يتحول إلى قوة تدمير منفلتة أينما كان ضرب بغض النظر عن النتائج وعن الأهداف ، ولا يصبح له من هدف سوى التدمير لذاته ثأرا للهوان والمذلة ، فيتحول إلى قدرة عاجزة هي إرهاب فصيح صريح. بعد إدراكه أنه مع ما يحمل من قوة دفع استعمارية لاحتلال العالم ونهب ثرواته وتغيير ثقافاته ، لا يحمل ما يمكن أن يحققها في واقعه ، والسماء ترفض الالتفات إليه لتمده بمعجزات لا تحدث طوال الوقت .

أيا كان تصنيف الجهاد فإنه فعل حرب ، هو إعلان حرب ، وإعلان الحرب مخول فقط لسلطة الدولة ورئيسها ، قياسا على كونه كان شأنا خاصا بالزعيم المؤسس للدولة الإسلامية النبي محمد ، ومن بعده كان للخليفة وحده وهو ما يوضحه النموذج البكري في حرب الردة التي رفض فيها مشورة الصحابة وكان القرار لأبي بكر ، وعندما بدأ لكل من ليس ذى صفة بأصدار قررات الحرب ، انقسم المسلمون إلى فرق لكل منها قائد يعلن الحرب فكانت الفتنة الكبرى وما تلاها من كوارث ، ويعود اليوم للأمس فنجد إعلان الحرب (الجهاد) أصبح مساحة مستباحة لأي أفاق يعتلي منبرا سواء ضد حكومته وبلاده أو ضد الغير ، أو إعلان التحالف العسكري من المسجد مع المجاهدين في بلاد أخرى وأحيانا من التليفزيون ، كما يحدث في تأييد مشايخنا للقاعدة فرع العراق ، وهو بحد ذاته إعلان حرب على العراق وشعبه وهم أهلنا وناسنا ، وإعلان حرب على أمريكا ، وأمريكا يا إخواننا لا تنسى أبدا ، بل إنها في مسألة الثأر أكثر صعيدية من أي هريدي في العالم .

و معنى ما يحدث من الحضرات أن كلا منهم قد نصب من نفسه خليفة يعلن الجهاد من موقعه ، رغم أن تكرار إعلان هذا الاصطلاح اعتمادا على الخلط بينه وبين مفهوم التحرير هو اعتداء صارخ على القانون ويجب إدانته قانونيا إذا أردنا للدولة هيبة يجب أن تكرسها فورا إزاء الخلفاء الموتورين ، لأنه اعتداء على نظام الدولة واختصاصاتها العظمى التي لا يجوز للأفراد الأعتداء عليها بهذه الفجاجة والعلنية التي تمر دون عقاب ، مما يؤدي إلى المزيد من الطمع في سحب مساحات من هيبة الدولة وسيادة القانون.

وكان خلط مفهوم التحرير بمفهوم الجهاد سبيلا إلى التباسات ذات نتائج شديدة الخطورة ، أولا لأن الكفاح المسلح (التحرير) هو قرار أهل البلد المعتدي عليه وحدهم لأنهم الأدرى بمصالحهم ، هم ينظمونه ويعلنونه ويحددون كيفيته ويضعون له خططه وأهدافه ، وقد لا يعلنون هذا الكفاح أصلا كم حدث في العراق عندما وقف العراقيون ينتظرون النتائج في حرب يصعب فيها تحديد المواقف الواضحة حسب ما لدينا من مفاهيم .

لكن الالتباس بين مفهوم التحرير دفع الكثير من العرب إلى تأييد فعل القاعدة فرع العراق بحسبانه جهادا ، خاصة مع الرأي الفقهي المتفق عليه أن الجهاد فرض كفاية يقوم به بعض المسلمين حتى يسقط الإثم عن كل المسلمين في عدم المشاركة ، فالجهاد مسئولية عامة ويتحول إلى فرض عين في حال الاحتلال. ولأن أهل العراق وشعبه دفعتهم حكمة الحصار وسنين الطغيان إلى التريث والتمهل وهو الموقف المتمثل في آية الله السيستاني الذي يرفض العنف سبيلا حتى اليوم ، فإن مفهوم الجهاد قد أتاح للمسلمين من القاعدة أن يعلنوا هذه الحرب وهم غير عراقيين ليجعلوا من العراق ساحة تصفية حسابات ثأرية ، يقتلون فيها العراقي وضيوفه من مختلف البشر أكثر مما يقتلون من الأمريكان.

تلحق بمصيبة إعلان الجهاد خارج زمنه وظرفه التاريخي مصيبة ملازمة له تبرر له وتمهد له بالفتوى ، رغم أن للفتوى سلطة مختصة بها تقوم بإصدارها وفق محددات صارمة ، ورغم أن الفتوى جزء من سلطة الدولة ، وكانت جزءا من سلطان الدولة الإسلامية طوال تاريخها منذ أقامها النبي. ولا تصدر الفتوى إلا بعد موافقة الخليفة أو الحاكم ، وهي بهذا المعنى حكم القضائي يتأسس أولا وأخيرا على العدالة. لكنك تجد اليوم من يقوم بتكفير الناس والشعوب والأمم تبريرا لفعل الجهاد دون محاكمة عادلة للآخر وللذات ، ولو أجرينا محكمة للذات بضمير شفاف ، لوقعنا على أنفسنا أسوأ الجزاء لما قدمته أيدينا في حق أنفسنا أولا .

لقد قدس المصري القديم العدالة (ماعة) وجعلها ربة منزهة وهي قانون رباني (مع) الإنسان أينما كان ، وتقديسا لها كان عليه أن يعمل بفعل (ماعت) ، لكننا اليوم وبعد ثلاث أديان سماوية كبرى نترك للإرهاب يحكم فينا وفي الدنيا بالظلم من داخل كهوف الجبال ، ونفذ أحكامه علنا بحسبان ذلك صحيح الإسلام. لقد كان الحكم والقضاء والإفتاء للنبي ثم لخليفته ثم لنائب الخليفة ، والآن للمحكمة والقضاء ، فهل آن للدولة والعدالة أن تسترد هيبتها بإيقاف هذه المهازل ؟ إن هذه الفوضى الكارثية باسم الإسلام تجعلنا نحمل عارا لا يمحى ، عار أن نكون همج القرن الحادي والعشرين.

2006



#سيد_القمني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أولاد الأبالسة
- تسونامي : يد الله الباطشة ؟!
- نحن ميراث العرب
- نحن مازلنا قرودا؟!
- الدين الرسمي والإسلام الأصلي
- قانون روما وقانوننا
- لقد عادوا بنا للعصر الحجري
- الاستبداد بمساندة السماء
- اساتذة العلم فى بلادنا
- قمة السقيفة قراءة مخالفة
- تبسيط مفهوم القيم
- ما نشرتة مجلة الإذاعة والتلفزيون المصرية عن حوارها مع سيد ال ...
- ظاهرة التكفير في ميزان العقل و الدين
- زواج القاصرات
- اليوجينيا الوطنية
- كعبة سيناء
- الشيخ .... و الغوغاء ؟ !
- أبعاد ظاهرة الحجاب و النقاب ( 4 من 4 )
- أبعاد ظاهرة الحجاب و النقاب ( 3 من 4 )
- أبعاد ظاهرة الحجاب و النقاب2من4


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيد القمني - عار علينا أن نكون همج القرن الحادي والعشرين