أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد جاسم الساعدي - الاحباط وهامشية المكان في الثقافة العراقية- القصة نموذجا















المزيد.....

الاحباط وهامشية المكان في الثقافة العراقية- القصة نموذجا


عبد جاسم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 3074 - 2010 / 7 / 25 - 15:35
المحور: الادب والفن
    


نظمت مدرسة طليطلة للمترجمين في اسبانيا بين 21 -23 1996 ندوة ثقافية بعنوان "الهجرة والترجمة والثقافات:الوهم والواقع" شمل اللقاء المحاور الآتية:
1- هل توجد سياسة ثقافية إزاء الهجرة؟
2- أسواق الثقافة.
3- التجليات الأدبية للهجرة.
4- ترجمة الثقافات.
اشترك عدد كبير من الأساتذة الجامعيين والمستعربين والباحثين بشؤون الهجرة والترجمة والثقافات بعروض نقدية من بينهم الدكتور محمد اركون والشريف الفرجاني والحبيب السالمي وباسل جاسم ووليد صالح ومي غصوب وواسيني الأعرج وحازم صاغيةو صلاح نيازي وعبد جاسم ألساعدي.
ووظف فريق الترجمة الفورية طاقاته وخبرته إلى لغات: العربية والانجليزية والألمانية والفرنسية والاسبانية. واسهم مستعربون وباحثون من جامعات ومعاهد اسبانية وهولندية وألمانية وفرنسية وانجليزية بتقديم عروض ، حظيت بمناقشات نقدية مهمة، شارك الكاتب عبد جاسم ألساعدي بمداخلة نقدية عنوانها "الإحباط وهامشية المكان في الثقافة العراقية: القصة أنموذجا".
تتشكل منذ حوالي عشرين عاما ظاهرة ثقافية عراقية في خارج موطنها وبعيدا عن نكهة اللغة والصراع والمكان والإنسان عند لحظة الكتابة، لكنها تمتد إلى هناك، وتنسج خيوط تواصلها بطريقة مأساوية وواقعية، مع المكان والزمان والتجربة بتفاصيلها العراقية الموشومة بالسجن والحرب والموت والخوف والقهر.. تختلط فيها لهجات عربية وشامية ويمنية ومغاربية ومفردات روسية، وأخيرا انجليزية وألمانية وفرنسية، بل "نصوص" في لغات أجنبية، تجمع بين النص المسرحي والشعري والقصصي والفن التشكيلي.
والظاهرة التي نعنيها تحديدا ذات مرجع سياسي/ يساري، هجر أصحابها في مطلع السبعينيات لاشتداد حملات البطش عليهم لأنهم رفضوا الانقياد لمشيئة الحزب الحاكم منذ انقلابه العسكري عام 1968.
وهجر آخرون بأعداد كبيرة أواخر السبعينيات، حينما انفرط عقد التحالف الجبهوي بين قيادة الحزب الشيوعي ونظام الحكم في العراق، فأخذت الحملة طابعا منظما على كل التيارات اليسارية، في التنظيمات النقابية العمالية والمهنية والثقافية التي رفضت إعلان الولاء للسلطة والحزب الحاكم، فاتبعت أبشع أساليب التنكيل تحت شعار "الولاء أم المعارضة".فتعرض الصحفيون والأدباء إلى ضغوط لا حصر لها ذات طابع مادي ومعنوي لاستمالتهم وضمهم إلى منظمات الحزب الحاكم ومؤسساته لوجودهم في الواجهة الإعلامية ويعملون في قنواتها.
فغضت السلطات الحاكمة النظر عن طرق وأساليب الهرب التي اتبعها القادرون عليها من الطبقة الوسطى في الإيفاء بشروط السفر والهجرة، وبخاصة من الصحافيين والكتاب والمعلمين والأكاديميين والأطباء وذوي المهن الأخرى، وصل بعضهم إلى كردستان العراق وهناك أعيد تشكيل فصائل الحركة المسلحة، التي ضمت عددا غير قليل من "المثقفين" المنتمين إلى الحزب الشيوعي وأصدقائهم.. يحملون معهم اليأس والإحباط وفشل التجربة برمتها.
واستقر ذوو الشهادات الدراسية بكثافة عددية يعملون في الجزائر واليمن، وبقي عدد من الصحافيين والأدباء في دمشق وبيروت وقبرص يعملون في ميدان الصحافة وبخاصة "الفلسطينية".
وبعد انهيار النظام السوفياتي ودول أوربا الشرقية، غادرها عدد آخر من العراقيين ليستقروا في بلدان النظام الرأسمالي خصوصا انكلترا والسويد والدنمارك وأمريكا وكندا وألمانيا واليونان بصفة لاجئين سياسيين.
فالتقت كفاءات علمية متنوعة الاختصاصات والتجربة، إلى جانب كتل وأفراد وتيارات سياسية قديمة ومستحدثة، ظهرت بعد حرب الخليج الثانية، تعتمد حسب ولاءاتها الدولية والإقليمية على مصادر مالية أهلتها لتكوين مؤسسات إعلامية وصحافية، استقطبت عددا كبيرا من الصحافيين والكتاب العراقيين اليساريين للعمل معها، لأسباب "مادية" تتصل بظروف المعيشة... واستدرج بعضهم وفق إغراءات وامتيازات أخرى، للدخول في برامج اللعبة السياسية مستغلين أسماءهم الثقافية.
فنشأ حال من القلق والصراع النفسي للتعارض بين اتجاهين متقاطعين ومتضادين، يكتشف الكاتب والشاعر والفنان والصحافي انغماره في مؤسسة إعلامية أخرى، ذات لغة ومفردات وإيقاعات مختلفة أتت بفعل برامج سياسية لا تتصل بضمير الكاتب ولا أسباب هجرته ومعاناته ودوافعه الإنسانية، بل بدوافع ترتبط بحجم المبالغ المدفوعة من اجلها، ربما لتحقيق أغراض أيديولوجية تجتمع فيها خبرة طويلة ومتنوعة الاختصاصات والمعرفة، لتأكيد معاني القهر والإحباط بجانبه المعنوي والأدبي، الذي يسهم في شل طاقات الإبداع من جهة ويخلق انكسارات نفسية واجتماعية لدى الكاتب تجعله يدور في حلقة "الاتهام" والشعور بالذنب لأداء لا يثق بأهدافه والاطمئنان إليه.
لكن السؤال الذي يهمنا من الإصدارات الثقافية في الخارج، هو مدى إمكانات التحرر من أعباء الماضي وسطوته السياسية بتقديم رؤية نقدية جريئة، تنبع من المعرفة وحرية المكان والقدرة على تجاوز الخطاب السياسي التقليدي؟!
بمعنى آخر هل صار النص القصصي يحمل وظائف اجتماعية وفكرية بالإضافة إلى وظائفه الفنية، ليكشف عن تراكمات من الأسئلة المتعلقة بالانتماء والوطن والإنسان والحزب والسلطة والهجرة والاغتراب وغيرها؟
يلحظ القارئ إن حلقة اجتماعية مفقودة في النص، من دونها يظل عائما يطفو على الأحداث ولا يسبر أغوارها فالاضطهاد والخوف والسجن والحرب، وما إلى ذلك لا يعالجها النص العراقي المنغمر في الاشتغال عليها من حيث أصولها الاجتماعية والدينية بل بوصفها "ظاهرة" تقتضي الإدانة والتحريض، فتقترب عندئذ من "وصفة" سياسية/ معارضة ترتبط بحجم الصراعات الأيديولوجية لا الإنسانية فتأتي الكتابات القصصية في الغالب بمحاور واحدة تابعة لنمط العلاقات السياسية وموازينها بين "المد والجزر" وبين الائتلاف والخلاف فتهتز مفاصل النص وتضطرب رؤيته، لكونه لم يؤسس مسافة فنية وفكرية تحرره من الخضوع لخانتي "الانتماء والمعارضة"، كما لم توضع المسافة بين الكاتب وأبطاله، فانعدمت "الحرية" المطلوبة في الإبداع، وظهرت "شخصيات" لا تتعدى الانتماء لإحدى الخانتين الممثلة بين الجلاد والضحية في منظور الكاتب، يملي عليها آراءه فلا يدعها تفلت من أسره، وتمارس حريتها في النص.
هذا ما يفسر إن الأدب العراقي، يفتقد إلى حد كبير إلى عنصر الديمقراطية فيه، الذي يعني التوغل في المجتمع والنظر إليه من زاوية الانتماء إلى طبقاته الاجتماعية، من دون نظريات إيديولوجية جاهزة، وكأنه حقل تجارب سياسية تتغير حسب عقود واتفاقات، وهذا لا يتأتى إلا من خلال التفاعل المشبع بحياة الناس وأعماقها الداخلية والدخول في صميم معاناتها وصراعاتها وجذوة لغتها ومفردات لهجاتها، وحكاياتها اليومية.
فليس غريبا أن يبقى هذا الأدب المضمخ بالموت والحزن والخوف تابعا للظاهرة السياسية، من دون أن يستشرف المستقبل بمخيلة الإبداع وحريته ويفتح آفاق التحرر من الكوابيس الثقيلة.
فخلا النص من عناصره الفنية المتمثلة بالطرفة والحكاية الشعبية وحرية "الحوار" في السرد القصصي.
والسؤال، هل تمنح الحرية في الغربة، الإبداع طاقة خاصة في الخلق والتخيل والتجاوز؟ أم إن هناك عوامل أخرى ذاتية أيديولوجية واجتماعية تقيد حرية الإبداع وتحجزه في فضاءات محددة؟
ان الانجازات الكبيرة في الإبداع هي التي اخترقت الحواجز والمحرمات وكسرت مجموعة قيود عارضة، تحوم عند لحظة الإبداع، لصرفها عن التواصل الحميمي في القبض على الأشياء السائبة والمفقودة وبأدوات فنية تتطلع إلى الحرية أيضا.
وتحظى ذاكرة الطفولة على اختلاف روافدها الاجتماعية والثقافية بالنصيب الأوفر في الأعمال القصصية، منها ما يتعلق بالدفء والحنين إلى الدفقات الشعورية الأولى في البيت و المدرسة، وإلى حكايات الأم والجدة ومرابع الصبا التي تستدعيها مشاعر الإحباط وانكسار الذات، بعد رحلة طويلة من الانتماء والحلم.
فالمكان في الخارج أصبح أداة وعامل تأثير لاستدعاء "الماضي بكل تفاصيله لكنه لم يبلغ بعدا فنيا يكون مستوى التدقيق به والنظر إليه من زاوية نقدية، لان الارتباط بالماضي لم يزل محملا بالعاطفة والحنين والتجربة الذاتية، كما ان حال الاغتراب، لم تكتمل ملامحه في الإبداع، لعدم التفاعل معه، بل يكاد يكون "جافا" منقطعا معه، لان الأسئلة تأتي من الماضي.

والاغتراب الذي ظهرت معانيه في الأدب القصصي في الخارج، يمكن قراءته بمفهومه الشعري، إذا صح التعبير، نعني به قلق "البطل" القصصي واضطرابه وصعوبة تآلفه مع محيطه الاجتماعي الجديد، بخاصة حينما تسري فيه أسباب تهميش الإنسان وانتزاع جمالية وجوده وتمرده.
فالاغتراب يمثل لحظة إبداع، يخرج النص عن القواعد الموصوفة أو الموضوعة سلفا، ويأخذ أبعاده النفسية لتوافر شرط الحرية ومحاورة الذات، بقصد استجلاء العناصر الفاعلة فيها، بما في ذلك "الماضي" من خلال الاسئلة.

فالعودة إلى الإبداع عندئذ، حصانة وحماية موقتة من أسراب "النمل" والديدان المتكومة خلف الأبواب! كما انه ملاذ شخصي يمكن أن يتعرض للاهتزاز، لان الخارج موبوء يدفع باتجاه النكوص والانكفاء على الذات.
فالأدب القصصي يتنفس ملء رئتيه من الحياة والمجتمع والنشاطات الإنسانية وفاعلية المنظمات وطموح التغيير والارتقاء نحو آفاق التحرر من العبودية والاستبداد وتحقيق الوجود الإنساني بعيدا عن الهيمنة والتسلط السياسي والأيديولوجي.
ويلاحظ ان البطولة في هذا المجال بقيت في شرنقتها تعاني العزلة والهامشية والانحسار، لأنها لم تخرج في اغترابها عن مساحة المؤلف "البطل" الراوي، لذا لم تقدم إضافات فنية جديدة لضعف السرد القصصي وخلوه من توافر عناصر الحرية في الإبداع ومنها حرية الحوار وفق الاختلاف والتضاد بين شخوص النص وان تعارض مع رأي المؤلف ولعل الصمت والشعور بالوحدة والعزلة والخوف وإهمال الضرورات اليومية في الحياة، أكثر المعاني تعبيرا في اغتراب البطولة، يمكن قراءتها لدى عدد كبير من القصاصين العراقيين في الخارج.
فالاغتراب ليست حالة فردية مؤقتة او هامشية، يمكن ان تزول بانتفاء أسبابها، انها معقدة ومركبة في دواعيها، ينظر إليها في بعدها الإنسان في النص، باعتباره احد أشكال التعبير في المواجهة والمعاناة الداخلية والاضطراب النفسي والاجتماعي.
كما انه ليس الانزواء والانسحاب التدريجي من المجتمع والحياة، كالذي عند الصوفية والخوارج.
لعله اغتراب الذات المجاورة لقلق الكاتب في الإبداع الذي يمثل عنصر الاستجابة لتشكيل الأشياء والقبض عليها، لئلا يزحف المحيط الغث للسطو عليها وتهميشها، وتلك سمة الإبداع وإحدى وظائفه الاجتماعية والإنسانية في مقاومة الحصار والاختناق الرامي إلى تهميش الإنسان و"تقزيمه" ونزع جماليات وجوده.
ويشعر البطل القصصي، الذي يمثل كما ذكرنا، المؤلف، بهموم الغربة ومعاناتها إلى حد الاضطراب والشعور بالخوف والهامشية، لعدم إمكان التعايش مع "المكان" والتآلف معه.
يمكن أن يلحظ القارئ الغطاء الخارجي للمدن العربية والأجنبية في القصة مثل:
دمشق وعدن وبيروت والجزائر ووهران وطهران والشارقة وموسكو ولندن وبودابست ومالمو وباريس وغيرها.. كأنها محطات عابرة، تثير الذاكرة وتشكل عامل تحفيز إلى الكتابة.
من هنا، يمكن القول، إن الثقافة العراقية في المهجر، لم تزل قابعة في مواقعها القديمة، ولم تغادر محيطها الجغرافي القديم الذي يأتيها عبر الذاكرة والحنين إلى حركة الطفولة والمكان وتتابع التجربة الذاتية، بجانبها السياسي المعبأ بمشاهد الموت والخوف والحزن.
ولا أظن إن أدبا عربيا قديما وحديثا، حمل مفردات الخوف ومعانيه المتأصلة في روح الإنسان والجماعة، مثلما حمله ويجري التعبير عنه في الأدب العراقي ....
غير إن السؤال في الإبداع، عن أصول تلك الظاهرة وخلفياتها الاجتماعية، يبقى، كما يبدو معلقا إلى حين توافر ظروف ومعطيات تسمح بإزالة الأسوار الثقيلة والتخلص من "التخندق" الأيديولوجي/ الحزبي، الذي ورثته فئة المثقفين اليساريين في العراق، طوال عقود من الزمان، وانغمرت في الاشتغال به، على المستوى الذاتي وفي مؤسسات ثقافية وإعلامية وفق شعارات "يقينية" تابعة لنوع الخندق وتبدلاته.
فبقيت تشكيلاتها الثقافية في الخارج محصورة في الاتجاه الأيديولوجي/ الإعلامي نفسه، تردد شعاراتها القديمة، حتى تحولت إلى هياكل منخورة من داخلها تتجاذبها أمراض الغربة التي تصيب المثقفين في الشعور بالإحباط وانهيار "اليقين" والانسحاب إلى الذات والاعتكاف بعد فشل شكل العمل الجماعي وشروطه المحصورة في الإطار ذاته.
ان البنية الثقافية العراقية ذات خطاب سياسي/ أيديولوجي موجه، سرعان ما يتعرض للتلف والانهيار، في اقل من عقد من الزمان لوجود دورات عنف وتقلبات سياسية ونزعات "قبلية" موروثة تحرمه من إعادة النظر بمساره وتطوير أدواته المعرفية باتجاه حضاري نقدي، يسمح في الاعتراف بالآخر والتفاعل معه.
لقد حلت نوازع التحصن في المواقع القديمة والدفاع عن الفشل واضطراب الرؤية، سواء في داخل العراق، حيث انغمرت فئة من المثقفين اليساريين في العمل مع مؤسسات الدولة الإعلامية وصارت جزءا من خطابها السياسي والثقافي لسنين طويلة، تروج لشعارات الحزب الحاكم وتثني على "منجزاته وآمال" تحقيق الاشتراكية، تحت قيادته وفي ظل التحالف الجبهوي معه، غاضين النظر عن التعذيب والموت الذي يجري لمثقفين آخرين رفضوا الانقياد والدخول إلى خيمته.
من المفيد الإشارة إلى ان بعض المبدعين العرب، استشرف المستقبل القاتم للعراق في وقت مبكر ونبه إلى مخاطر نمو الدكتاتورية واستشرائها في مواقف عملية وإبداعية، دللت على حريتهم في الابداع والحياة، ما أحرج السائرين خلف الدكتاتور يلهجون بنعمه ويبشرون العالم بمآثره ويدافعون بحماسة عن أقواله، يرددون مفردات لغته، يرسمون لوحات العراق الجديد في ظله.
كان الشاعر الفلسطيني معين بسيسو تلقى دعوة لحضور مهرجان "المربد" الشعري فكتب تعليقا نشرته مجلة "الطليعة" المصرية في عددها الرابع في نيسان/ ابريل، السنة السابعة لعام 1971 يقول: "حينما استدعى القيصر نيقولاي الأول الشاعر بوشكين في أعقاب هزيمة انتفاضة الديسمبريين ضد القيصرية، سأله لو كنت في بطرسبرج إبان الانتفاضة، فأين سيكون موقفك؟ وأجاب الشاعر بلا تردد: سيكون موقفي إلى جانبهم يا مولاي".
وحينما تدعو وزارة الإعلام العراقية الشعراء العرب إلى مهرجان شعري، في الوقت الذي تغيب فيه أصوات شعراء العراق وراء الجدران الخرساء (بقصر النهاية) وفي الوقت الذي لا يملك فيه شعراء العراق إلا أصابعهم المهشمة العريانة أقلاما- يكتبون بها فوق جدران الحجرات المظلمة في الوقت الذي يعيش فيه – في المنفى- عدد من شعراء العراق، لا يملك الشاعر إلا أن يأخذ موقف بوشكين، وان يصرخ: ان موقفي إلى جانبهم هناك وفي قصر النهاية، في المنفى.. من اجل هذا أرى أن ارفض الدعوة التي تلقيتها لمهرجان البصرة الشعري، الذي سيعقد في أول نيسان/ ابريل المقبل فمن حق الشاعر أن يقلب كأسه ويرفض الخمرة المغشوشة وحفلات الكوكتيل التي تقام تحت الأضواء وهناك وراء الجدران تقام للشعراء حفلة كوكتيل من نوع آخر...
وتعتبر رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر، من أهم الأعمال الإبداعية التي امتلكت الحرية في النظر إلى الجذر الاجتماعي والقبلي لظاهرة القمع والدكتاتورية في العراق منذ أوائل السبعينيات، في الوقت الذي كان فيه عدد من المثقفين العراقيين جزءا من الماكينة الإعلامية للحزب الحاكم.
أما في خارج العراق، فقد بقيت "المجموعة" تحرس مواقعها القديمة، تحمل معها تراكمات الخيبة وفشل تنظيراتها، فلم تستطع ان تنجز ولو مشروعا ثقافيا واحدا، بالرغم مما كانت تتوافر عليه من دعم دولي ومالي، وإمكانات ثقافية تجمع بين الصحافة والفن والكتابة والتجربة.
ويلاحظ إن مكان الاغتراب، وفر الحرية الفردية في نزع كوابيس قديمة والتحرر من سطوتها تدريجا، بظهور علامات نقدية جريئة، لتفكيك الماضي وخطابه السياسي. غير انه لم يتخذ حتى الآن طابعا جماعيا في الحوار والنقد، على الرغم من نشأة منتديات ثقافية عراقية – اجتماعية عدة في العالم.
ولعل انعقاد مهرجان القصة العراقية في لندن بين 24- 27 تموز/ يوليو العام1996، يمثل إحدى ركائز التحول الثقافي عند العراقيين في الخارج، ويمثل تجربة جديدة فاعلة، جديرة بالدرس والملاحظة.
فالاستقلالية والتحرر من قرارات الهيمنة وما يعد وراء الكواليس والصراعات الشخصية والتوظيف "المنفعي" والأيديولوجي، لأي نشاط ثقافي، كما كانت مألوفة لعقود في الحياة الثقافية قد وضع كل ذلك جانبا، فجاءت المبادرة حرة مستقلة، لا يقف خلفها كابوس ولا تدعمها جهة سياسية أو أيديولوجية، نضجت من خلال التحاور والمشورة بين القصاصين العراقيين ومشاركة عدد من الكتاب العرب، فأستقبل ديوان الكوفة هذا الجهد، وقدم قاعته طوال أيام المهرجان مجانا.
شارك خمسة عشر قاصا وروائيا وخمسة باحثين ونقاد، حضروا من شتى بلدان العالم على نفقتهم الخاصة وفي ضيافة أصدقاء لهم في لندن، يعرضون تجاربهم القصصية والفنية، في المحور الأول ليومين متتاليين، وقدم الباحثون مداخلاتهم النقدية، في المحور الثاني ليومين آخرين.
كانت "الحرية" في نقد التجربة بمفاصلها السياسية والأيديولوجية والنفسية وعرضها على الجمهور لمناقشتها، من دلالات التحول وعلاماته الصحية.
فظهرت آراء جديدة، تعكس مدى الشغف في بلورة رؤية نقدية، بالاستفادة من التجارب الثقافية في العالم، التي توفرها الغربة في الاحتكاك والتعامل، بخاصة، لدى عدد من المثقفين العراقيين الذين أتقنوا لغات أجنبية ودخلوا تفاصيل الحياة في مجتمعات مختلفة.
وللمرة الأولى في تاريخ النشاطات الثقافية لليساريين العراقيين سواء في داخل العراق او خارجه، يتابع مهرجان القصة في لندن جمهور متنوع في الانتماءات الأيديولوجية والدينية والقومية والثقافية وبحضور مكثف طوال أيامه الأربعة.
وشارك في التحضير وتقديم عروض نقدية وإدارة بعض الجلسات عدد من الكتاب العرب، الذين أسهموا في إنجاح المهرجان.
وحظيت التجربة المستقلة بدعم الصحافة العربية ومتابعتها، فظهرت كتابات نقدية مهمة في هذا الإطار، تناولت الدروس المستقاة من النشاط الثقافي في اجتماع العراقيين لأول مرة بمختلف انتماءاتهم واشكالياتهم الفكرية والأيديولوجية.



#عبد_جاسم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكفاءات العراقية في الخارج
- المنظمات والنقابات في دائرة المدنية والثقافة النقدية
- ازمات بنيوية في الثقافة العراقية
- على هامش مؤتمر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
- قناة السومرية ... نقطة نظام
- الحركة العمالية في العراق
- اتحاد أم اتحادات ؟
- الحملات الانتخابية
- التعليم في العراق ونظرية التربية النقدية
- من شقاوات الحزب والثورة !
- مغامرة العوم في أعالي الفرات
- الجامعة المستنصرية : الخوف والعنف وهبوط المستوى العلمي
- العنف وانقلاب 8 شباط 1963 في الذاكرة العراقية...
- رواية (مكان أسمه كميت) الواقع والمتخيل في السرد القصصي
- التعليم في العراق: الواقع والآفاق
- في قاعة اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين!
- حملة لتفعيل الحوار وثقافة المجتمع المدني
- المؤلف/ الراوي/ البطل في القصة العراقية القصيرة في المنفى*
- كتاب (الحركة الوطنية في العراق وإضراب عمال الزيوت النباتية)
- العراق بين ثقافتين...ثقافة المجتمع المدني وثقافة العنف


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد جاسم الساعدي - الاحباط وهامشية المكان في الثقافة العراقية- القصة نموذجا