أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جاسم المطير - عن رؤية رشيد الخيون في لاهوت السياسة ..















المزيد.....


عن رؤية رشيد الخيون في لاهوت السياسة ..


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 3074 - 2010 / 7 / 25 - 11:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عن رؤية رشيد الخيون في لاهوت السياسة ..
جاسم المطير
كنت في الأيام القليلة الماضية برفقة الصديق رشيد الخيون وكتابه المعنون لاهوت السياسة . أول شيء أقوله أنني كنت برفقة الخيون في كتاب ٍ ، هذه المرة ، وليس في مقالة ٍ كما في العادة ، إذ لا تفوتني قراءة أية مقالة من مقالاته النقدية الجميلة أو العلمية الثقيلة حتى ولو كانت معلقة على قمة جبل سيناء ..
الحق أقوله أنني قرأت ، للمرة الأولى ، أفكار الخيون في كتاب ٍٍ اعتبرته فتحا جديدا في موسوعية التأليف العراقي عن موضوعات إسلامية ، بل في موضوعات عن هويات القوى ، والأحزاب ، والمنظمات ، والشخصيات ، التي تقود وتنظم (حركة الإسلام السياسي) . يتكون الكتاب من 476 صفحة من الحجم الكبير . هي المرة الأولى التي يصلني فيها واحد من كتب رشيد الخيون من بغداد إلى هولندا ، رغم حاجتي الدائمة إلى متاع ثقافي بهذا المستوى ، خاصة وان هولندا محرومة من تسويق الكتب العربية ، والعراقية تحديدا ، إذ لم نجد فيها من يهتم ببيع وتسويق الكتب العربية الجادة منذ أن تخلى عن هذا النشاط ، قبل سنوات ، الفنان انتشال التميمي الذي كف عن استيراد الكتب ليزخر نشاطه بالمهرجانات السينمائية العربية .
كان كتاب (لاهوت السياسة) قد حط رحاله في مكتبتي ، كهدية من الصديق الكريم فيصل نصر ، فكلما يعود من زيارته إلى بغداد يكون أسمي ضمن حساباته بحمل بعض الكتب هدية لي . تلك هي صفة أبي غزوان الجالبة للسعادة .
قرأت هذا الكتاب ــ الصادر عن (دار دراسات عراقية بغداد – اربيل – بيروت) ومن توزيع دار الجمل ــ بنوع من اللهفة مأخوذة من عنايتي بمتابعة خارطة الحركات السياسية المعاصرة في العراق المعنية بالإسلام ، بعد تغيير نيسان 2003 وسقوط دكتاتورية صدام حسين . كان الكتاب ممتعا ومفيدا ومثيرا وربما بإمكاني وصفه بأنه ، حاجة ثقافية في المكتبة السياسية العراقية ، يبحث عنها المثقفون والسياسيون لصلتها الجذرية بواقع الحركات السياسية الكبرى في (عراق جديد) لم يخلو من ظاهرة (تطور جديد) في الحركة السياسية – الدينية داخل مجتمع متخلف يحتاج فيه غالبية الناس إلى وعي واستنارة ضروريتين باتجاه نشر أفكار الديمقراطية داخل نطاق المجتمع كله .
لا اكشف سرا حين أقول أن قراءتي لهذا الكتاب زودتني برؤية مهمة وبمعلومات غنية لحواس وأفكار البرية السياسية ، التي يجول فيها ، الآن ، كثير من السياسيين العراقيين . بعضهم كان من مكوّني العقل السياسي المعارض لنظام صدام حسين ، وبعضهم الآخر أفرزته كينونة الأوضاع السياسية المتصاعدة ، التي اتقدت ، بنزعات جديدة وبأهداف جديدة ، بعد سقوط الدكتاتورية فامتلأت الساحة السياسية ، في المنطقة الخضراء ببغداد ، وفي خارجها في كل أنحاء العراق ، بفيض من القوى والشخصيات والحركات الجديدة . بين هؤلاء السياسيين الجدد الكثير منهم لا يجول في تفكيرهم غير تحويل الدولة إلى تابع للدين وبعضهم الآخر لا يملك إحساسا عميقا بضرورة بناء المستقبل على أسس ديمقراطية لعدم اتساع معارفهم وتجاربهم السياسية المفترض فيها معاينة تجارب الدول الديمقراطية العالمية .
بل أقول بصراحة أن كتاب (لاهوت السياسة) أداة مكتبية ضرورية لمتابعة وقائع واحتمالات العملية السياسية الجارية ، في هذه المرحلة ، ببغداد ، حيث تهتز صخور الأرض تحت بناء حركات سياسية قديمة وأصيلة ، بينما يتثبت ، كما يبدو ظاهريا ، بناء جديد في عالم لاهوتي مرتبط ارتباطا وثيقا بعالم السياسة ، بل يمكن القول ، من خلال اطلاعي على ما قدمه رشيد الخيون في كتابه ، أن هناك حالة حب وغرام قوية بين (اللاهوت) و(السياسة) داخل فصائل واسعة في الحركة الوطنية والاجتماعية في العراق ، مما يعني وجود صعوبات جديدة ومعاناة جديدة يواجهها العلمانيون العراقيون ، الذين يريدون خطا مستقيما يفصل ، بين الدين والدولة ، بين الدين والسياسة ، كي يتم تحرير الشعب العراقي من آلام الطائفية ، التي تأتي أفكارها وسلبياتها من علاقة الدين بالسياسة ، أو من تبعية أحداها للأخرى ، أو من خلال إخضاع مصالح إحداها للأخرى . وهي ، بصورة عامة ، علاقة لا تخلو من وجود أخطار يومية تجعل حياة الإنسان في العراق ذي المكونات الاجتماعية والمذهبية المختلفة في ظلام وغموض . بل أنها علاقة تجعل الشعب العراقي ، كله ، مسجونا في جسد العلاقات الطائفية ، وتجعل جسورها المهتزة مهددة بكل حدث أو واقعة أو (قدر) ملتبس في أسبابه وحيثياته . تلك العلاقات يراها الكثير من السياسيين المتزنين ومن العقلانيين العلمانيين أنها مولّدة لمشاكل عديدة ولصعوبات عديدة تعيق تطور المجتمع ، بينما يراها كثير من أصحاب الدين والمذاهب أنها تساعد في الدعوة والتبشير بالرسالة الإسلامية عبر ما يسمى الإسلام السياسي .
بهذا الصدد أشار الدكتور رشيد الخيون ص 10 : ( اشتدت ظاهرة الإسلام السياسي في العراق بعد انتصار الثورة الإيرانية ، التي لم يكن بينها وبين اندلاع الحرب بين الدولتين إلا سنة وبضعة شهور شباط 1979 – أيلول 1980 والحرب التي خدمت تلك الظاهرة الدينية ، وما جهز الأحزاب الدينية بالكوادر والأتباع والمسلحين هي عمليات التهجير ، التي طالت الشيعة على وجه الخصوص ، وفي مقدمتهم طائفة الفيليين الكورد . فقد تأسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق 1982 ، وتشكلت ذراعه العسكرية ، فيلق بدر بعد عام من ذلك ، وهناك أعاد حزب الدعوة بناء نفسه ، بعد الخسائر الكبيرة التي طالته في الهجمات الشرسة ضده ، من إعدامات واعتقالات ، حتى عاد إلى العراق 2003 بعد أن فقد الكثرة من أعضائه ) .
من هذا المقطع الصغير نتعرف على حقائق مهمة هي :
(1) المنطق العملي يشير إلى أن طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة العراقية مولودة في بيئة الدين والسياسة الإيرانية أو أنها تقليد مباشر لها .
(2) المنطق العملي نفسه يشعرنا أن للحزب السياسي الديني في العراق (ميليشيا مسلحة) ولدتها ظروف النضال ضد الدكتاتورية لكن وجودها متواصل أيضا بعد سقوطها .
(3) أن حركات الإسلام السياسي الكبرى الناشئة في وسط العراق وجنوبه ذات مذهب شيعي . هناك حركات إسلامية في محافظات في شمال وغرب وشرق بغداد ذات مذهب سني .
(4) لكن الإسلام الكردي – السني ولد بظروف مماثلة تقريبا كما جاء في فقرة لاهوت السياسة القائلة : ( أما الحركة الكوردية الإسلامية فهي الأخرى استفادت من الثورة الإيرانية ، لكن مع الحذر من استغلالها طائفيا ، وكثيرا ما وقعت وسط تجاذب إيران من جهة والحزبين الكرديين العلمانيين ، الديمقراطي والإتحاد ، من جهة أخرى . ص10 من لاهوت السياسة).
جاء كتاب رشيد الخيون (لاهوت السياسة) متضمنا مقدمة وبابين : الباب الأول تناول فيه الأحزاب والتنظيمات الشيعية ، بينما تناول الباب الثاني الأحزاب والجماعات السنية . نجد في الباب الأول احد عشر فصلا ، بينما اقتصر الباب الثاني على ستة فصول .
كانت كل الفصول قد احتلت موقعها ألمعلوماتي المتسلسل عن حركة ونشاط ودور المرجعية ، وأوائل تنظيمات الإسلام السياسي ، وحزب الدعوة الإسلامية ، والعمل والوفاق الإسلاميين ، والمجلس الإسلامي الأعلى ، والصدريون ، وحزب الفضيلة ، وجماعة الخالصي ، وجماعة البغدادي ، و(المهديون) . أما في الجانب السني فقد تناولت فصول الكتاب الستة الأخيرة تكوين ونشاط الحزب الإسلامي وحزب التحرير والكتلة الإسلامية وهيئة علماء المسلمين والجماعات السنية المسلحة .
كان بحث الخيون قد تركز على مصدرية وجود (لاهوت السياسة) والتأمل في صعوبات مساراته وعمليات التجاذب والانشقاقات التي صاحبته وعن طبيعته الدينية والمذهبية وغير ذلك من المعلومات الفكرية والبنية الفوقية لتلك الأحزاب والحركات .
الإنسان العراقي المتميز بوعي سياسي ناضج كان خلال السنوات السبع الماضية مستغربا اشد الاستغراب عن أسباب تعاظم حركة اللاهوت السياسي في العراق بقفزة سريعة وواسعة ومفاجئة حال سقوط النظام الدكتاتوري . كثير من الباحثين والمتابعين يحاولون معرفة أسباب وجود الميزان السياسي العراقي بشكله الحالي و أسباب ميله نحو تنظيمات وأحزاب اللاهوت السياسي . هل التجسيد الحالي في صورة التوازن السياسي العراقي ناتج بصورة طبيعية أم هناك إرادة عليا إلهية أو دنيوية أو كبرى فرضت هذا التوازن ..؟ هل ساهمت السياسة الأميركية العلنية أو الخفية منذ دورها في مؤتمرات المعارضة قبل سقوط صدام حسين أو في دور السفارة الأمريكية في بغداد الموصوفة ، بعد سقوطه ، بأنها اكبر سفارة بالعالم ..؟ هل هناك دور حاسم للسعودية وتركيا ومصر وسوريا وإيران ودول الخليج في تنسيق ، جزئي أو كلي ، في ميزان وميزات اللاهوت السياسي وصراعه في الشارع العراقي عموما وفي قصور المنطقة الخضراء خصوصا ..؟
كنت أتمنى وربما غيري يتمنى أن يطلع على جهود كفاءة فكرية ، مثل كفاءة رشيد الخيون ، تحل وتفكك واقعا عراقيا ، جماهيريا ، متحركا بقوة ، مرئيا بوضوح ، لم يكن متوقعا دوره الحالي في السياسة العراقية حيث تنامي الصحوة الدينية ، السنية والشيعية ، وبجانبها المسيحية والصابئية والإيزيدية والشبكية وغيرها ، كي نحصل على جواب لتلك الأسئلة التي لم يتجرأ احد من الباحثين ، حتى الآن ، على مساءلة أو تحديد الجهات المسئولة عن محرك المخيلة والواقعية الدينية الإسلامية ، المعتدلة منها وغير المعتدلة ، المعتمدة على الرمزية والتقديس ، وجعلها تتبوأ مركزا قياديا رئيسيا في الحركة السياسية العراقية المعاصرة ، بديلا للمخيلة والواقعية الديمقراطية التي كانت قارئا قديرا مستمرا في العراق طيلة كل عقود الدولة العراقية قبل 9 نيسان 2003 .
إن التأمل الفكري ، والجهد الفكري ، لكشف معضلة الشتات الديمقراطي وهبوطه و كشف أسباب الصعود اللاهوتي ، إنما غايته تمكين المواطن العراقي من معرفة تطور الأوضاع المستقبلية في بلده ، وبنفس الوقت لتسهيل سبل منع أصحاب السوء من استخدام اللاهوت والسياسة ، في صياغة العلاقة بين الدين والإرهاب وتسويغ جرائم وفتاوى قتل الناس تحت واجهة مقاومة الأمريكان والدفاع عن حقوق الله .
كما أن ضرورة البحث العلمي – الحضاري في أصول لاهوت السياسة ومختلف تفسيراته وعناصر قياداته ، كما فعل الخيون في كتابه ( لاهوت السياسة ) إنما هو وسيلة معرفية أساسية تحقق لحمة المجتمع لبناء مستقبل الشعب العراقي ووطنه ، مما يستلزم ، بالتالي، التعرف ليس فقط على بعض طقوس (النهوض اللاهوتي) في السياسة ، بل التعرف على التقدير العلمي القويم على (القاعدة الجماهيرية) التي يستند إليها اللاهوت السياسي في تغذية مراكزه .
رشيد الخيون قدم لنا ، نحن القراء ، نورا واضحا ، بانوراميا ، سلـّطه على نجوم اللاهوت السياسي العراقي ، أي على التنظيمات والشخصيات القائدة للإسلام السياسي في العراق الجديد ، وعلى نزعاتها وبعض صور انشقاقاتها وخلافاتها أو اختلافاتها الفكرية والسياسية . نعم لقد ضم كتابه رؤية عميقة مهمة لنخب العقيدة الإسلامية في السياسة ولنخب العقيدة السياسية في الإسلام .
لكن ماذا عن القاعدة ، عن (الجماهير المنجذبة) بقوة وراء هذه النخب . ما هو محركها ..؟ ما هو معنى الحياة الإنسانية التي صوّت حولها أكثر من 8 مليون عراقي لصالح اللاهوت السياسي في انتخابات 7 – 3 – 2010 ..؟ ما هو الملهم الأيديولوجي الذي يجعل (كمـّا هائلا) من الجماهير العراقية يندفع سياسيا وأخلاقيا وراء أقطاب اللاهوت ..؟ ما هو (الشيء) الذي جعل بعضا من القاعدة الإسلامية السنية يتبعون أبو مصعب الزرقاوي ، مثلا ، ليكونوا وقودا للأعمال الانتحارية الهمجية ..؟ ما هو الشيء الذي يجعل عادة تعذيب الإنسان الشيعي لنفسه قانونا دينيا مجسدا في وسط العراق وجنوبه باللطم والتطبير حتى وصل نموذجه إلى السويد وهولندا وأمريكا ..؟ ما هو الشيء الذي دعا هؤلاء وأمثالهم من الخليط الحزبي الغريب يضحي ويحارب ، الآن ، كما كان يخطط ويريد منهم صدام حسين نفسه ..؟
إن كما هائلا من جماهير ما قبل نيسان 2003 كان لا يعتريه التغيير في زمن صدام حسين ومثاله تنظيمات (جيش القدس) الذي ضم 8 ملايين عراقي حال تشكيله . كان شذوذ هذا الكم الهائل من الناس (التابعين) ، غير الواعين ، أنهم اندفعوا أو دُفعوا إلى التطوع بمباهج دينية أوجدتها الدعايات والبرامج الدينية في (الحملة الإيمانية) التي اشرف حزب البعث على وضعها وربطها في جيش اسمه (القدس) بينما منتسبيه من الرجال والنساء لا يعرفون شيئا عن تراث القدس ولا عن حقيقة أهداف الجيش المسمى باسم تلك المدينة التي يراد لها أن تساهم في تعبئة قومية يصاحبها الهتاف والتصفيق المتواصل لصدام حسين الذي أعلن نفسه ذات يوم قائدا طليعيا لحملة إيمانية هدفها فك رموز آيات الله لتزكية أساليب حكمه غير الإنسانية .
أين ذهب هذا (الكم الجماهيري) بعد سقوط نظام دكتاتوري معاد للأحزاب والنخب الإسلامية المعارضة ..؟ هل هناك من يستطيع معارضة الرأي القائل أن غالبية الملايين الصدامية الثمانية انتموا طوعا أو قسرا أو تسترا ، والأصح هو أن النفاق دفعهم إلى قواعد اللاهوت السياسي العراقي الجديد ، بقصد غسل ماضيهم وذنوبهم المنافقة أيضا حين انتموا لقواعد صدام حسين ، وتنشيفها بمنشفة يقدمها لهم( اللاهوت ) الذي قام بتحليل فوقيته القيادية رشيد الخيون . ألا يستحق هذا الواقع جدلا واسعا حول علاقة النفاق بالسلطة او علاقة النفاق بالسياسة أو علاقتهما معا بالدين ..؟ لا أرى أن قضية أعظم من قضية تحول مواقف المنافقين من هذا النظام إلى ضده ومن هذا الحزب إلى ضده حين يهيمن عليهم موقفا نفعيا شاملا .
في الفصول الستة من الباب الثاني أزاح رشيد الخيون الستار عن بعض القوى والأحزاب التي وسمت نفسها ، بشكل أو بآخر ، أنها من صنف (المقاومين) للاحتلال الأمريكي ومن (المجاهدين) الذي ما فعلوا شيئا في العراق طيلة السنوات السبع الماضية غير إلحاق الأذى به وبشعبه وباقتصاده . هاجموا بيوت الفقراء العراقيين ونسفوها.. اضطهدوا جموع الكادحين في الأسواق الشعبية وقتلوهم بأنواع المتفجرات التدميرية ، وبالتالي فأنهم خلقوا محنة اجتماعية - إنسانية كبرى في المجتمع العراقي اسمها محنة الأرامل واليتامى .
لم يكتف الباحث القدير رشيد الخيون في إلقاء ضوء من هذا القبيل على المنظمات الإسلامية السنية المسلحة بل كرس وقتا ناضجا لتحليل الكثير من جوانب السياسة التي تمارسها القوى السياسية السنية المشاركة بما يسمى العملية السياسية وبالانتخابات البرلمانية أيضا ، منها مثلا ما تعلق بالحزب الإسلامي العراقي في الفصل الأول من بداية الباب الثاني . قال : ( انه يصعب تحديد خلفية تاريخية للإسلام السني) رغم انه تناول برؤية صائبة تماما كثيرا من الأفكار المتعلقة بالمعارضة الإسلامية وبالجهاد من اجل العدل ، وهي بالتأكيد تشكل بعض الخلفيات الهامة التي دفعت بعض الإسلاميين للبدء بمرحلة تأسيس حزب إسلامي عراقي وتحريكه في الساحة السياسية العراقية . كان الحزب الإسلامي في أول محاولة للوجود العلني قد جرت بعد ثورة 14 تموز حين اصدر الزعيم عبد الكريم قاسم قانونا خاصا يجري على ضوئه تأسيس الأحزاب بعد أن كاد نشاط الإخوان المسلمين يتوقف في العراق بعد اضطرار رئيس الحزب محمد محمود الصراف إلى مغادرة العراق بعد إطلاق سراحه في أيلول 1959 .
في الثاني من شباط 1960 قدمت مجموعة من الإسلاميين طلبا لتأسيس حزب باسم الحزب الإسلامي العراقي وقد قدم الطلب من قبل إبراهيم عبد الله شهاب ونعمان عبد الرزاق السامرائي وصبري محمود ووليد عبد الكريم الاعظمي وإبراهيم منير المدرس وفليح حسن الصالح وفاضل دولان ومجيد الحاج حمد والحاج محمد اللامي وعبد الجليل إبراهيم يوسف والدكتور جاسم العاني وقد درس الطلب من قبل وزارة الداخلية فطلبت إجراء بعض التعديلات على منهاج الحزب وبصورة عامة كان عبد الكريم قاسم غير راغب في تأسيس مثل هذا الحزب لذلك فقد رفضت وزارة الداخلية الموافقة على منح إجازة الحزب فاعترض المؤسسون على قرار الرفض لدى الهيئة العامة لمحكمة تمييز العراق التي أجازت الحزب مما اغضب عبد الكريم قاسم ، أدى هذا الغضب بالنتيجة إلى مضايقة نشاط الحزب ثم تعطل بعد اعتقال عدد من قادته وهروب البعض الآخر إلى مصر والسعودية .
لقد أعطى الدكتور رشيد الخيون جهدا كبيرا لتطور هذا الحزب السني الذي مر بفترات صعبة واجه فيها قمعا من مختلف الأنظمة آخرها نظام صدام حسين مما جعله يعيش حالات العزلة من شباط 1960 لغاية 9 نيسان 2003 حين يمم وجهه نحو تنظيمات سنية أخرى لتكوين تحالف برلماني أوصل عددا من قادته إلى البرلمان كما أوصل رئيسه طارق الهاشمي إلى منصب نائب رئيس الجمهورية ، بالاعتماد على جيل سياسي – سني جديد لا نعرف مدى علاقته بالجيل الستيني الذي قدم طلب إجازة العمل العلني في زمن عبد الكريم قاسم .
كما ذكــّرنا جهد رشيد الخيون بحزب إسلامي آخر هو حزب التحرير الذي نشأ في العراق عام 1953 كفرع لحزب التحرير في الأردن الذي أسسه تقي الدين النبهاني حيث نقل منهاجه إلى العراق بعض الطلبة الأردنيين الدارسين في بعض الكليات العراقية ، خاصة في كلية التجارة والاقتصاد . لم يحقق هذا الحزب أي صلات في المحافظات كما ذكر الخيون في البصرة والناصرية مثالا لا أظنه دقيقا . إذ لم يجد هذا الحزب أية صلة غير مع طالب من البصرة هو سعيد أبو معاش ( شيعي) وطالب آخر من الناصرية لا أتذكر اسمه ، الآن ، لكنني أتذكره شيعيا أيضا ، وسرعان ما تركا عضوية الحزب عام 1954 . وما يؤكد معلوماتي أن الموقعين على طلب تأسيس حزب التحرير المقدم في ا شباط 1960 لم يضم وجوها من البصرة أو الناصرية الذي ما زاد وجوده الكلي عن بضع خلايا سرية طلابية في كليات العاصمة ، بغداد ، سرعان ما انفرطت قبل وبعد ثورة 14 تموز حين رفضت وزارة الداخلية إجازته وقد اعترض المؤسسون لدى محكمة تمييز العراق التي أيدت قرار الداخلية .
إن إحساس المواطنين العراقيين ، خاصة المواطنين من ذوي الميول والانتماءات الديمقراطية والمستقلة أن حركة (الإسلام السياسي) أو (لاهوت السياسة) هو إحساس تشاؤمي عميق لأن تجربة السنوات السبع الماضية قد قامت على نشر الطائفية السياسية ، التي مزقت النسيج الاجتماعي وهددت بنشوء حرب أهلية كما أبعدت نظام الحكم عن أساليب العمل العقلاني وشاعت في إدارة الدولة أساليب تافهة وفاسدة ومؤذية ومخربة اعتمادا على (المحاصة الطائفية) وإبعاد الكفاءات العلمية ( التكنوقراط) التي بإمكانها منح الثقة الكبيرة لتنمية الشروط الإنسانية في أداء قيادة الدولة وموظفيها بنجاح حق .
لقد كانت الطائفية السياسية التي قادها ولا يزال يقودها لاهوت السياسة ، في غياب وجود قانون ديمقراطي لتنظيم عمل الأحزاب السياسية ، هو السبب في بقاء شقاء الشعب العراقي وبقاءه ضائعا متخلفا في عصر الديمقراطية القادر على نقل الشعوب من حالات اليأس إلى حالات الأمل ، ومن حالات التخلف إلى حالات التقدم ، بشرط أن يتخلى اللاهوت الديني عن السياسة وأن يتخلى السياسيون عن جعل الدولة تابعة لدين معين أو لمذهب معين أو لتقاسم حصصي معين .
أتخيل أن رشيد الخيون كان جدليا ناجحا وعميقا في كتابه . كان شديد النزاهة في تقييمه . كان دستوريا وحداثيا ووجدانيا في مناقشات مشاكل السياسة العراقية . متمنيا على ضوء ذلك أن يجد كتاب (لاهوت السياسة) مكانا متميزا في حوارات الثقافة العراقية الجديدة وصولا إلى دروب الخلاص من ظلاميات التعصب من كل الأنواع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 24 – 7 - 2010



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفاسدون يصومون في رمضان ويسرقون ..!
- البرلمان العراقي ليس حرا .. عاطل رغم انفه ..
- عن بغداد والأربعين حرامي
- بغداد مدينة تتميز بعجائب الزمان والمكان ..!
- مؤتمر القمة العربي رقم 47 في بغداد ولعبة الفساد المالي
- فريق الإسلام السياسي الصومالي يتغلب على فريق طالبان الأفغاني ...
- حقوق اليهود العراقيين والفيلية و ثورة 14 تموز
- المهرجانات الثقافية أحسن وسائل المتعة خارج الوطن ..‍‍!
- عن صوفية عبد الكريم قاسم وتحدي الفساد المالي ..
- الصمت المقدس يضيّع العدالة والمساواة ..! يوسف سلمان يوسف / ن ...
- الكهرباء : نظرة وابتسامة وقبلة وانقطاع ..!!
- بعض الحكام العراقيين يعشقون الكذب عشقا ..!!
- وزارة الثقافة العراقية منعزلة عن ثقافة العالم ..
- عن بعض أمنيات التكوين الروحي لمباراة كأس العالم ..
- • اطمئنوا .. لم يقتل حر البصرة أحدا لكنه يقلي البيض ..!
- لو كان أبونا آدم حيا لما استخدم النفط والكهرباء ..!!
- حكامنا يريدون من الديمقراطية ان تنتمي اليهم ..
- الساكتون عن الخليفة غير الراشد شلتاغ بن عبود المياحي..
- خلفاء بغداد اكتشفوا أخيرا أن (زينة) ليست بطلة ..!!
- ثلاثة شهور مالكية ذهبت مع الريح ..!


المزيد.....




- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جاسم المطير - عن رؤية رشيد الخيون في لاهوت السياسة ..