أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عقيل الناصري - الإرهاصات الفكرية للمساواتية الحديثة في العراق الحديث















المزيد.....



الإرهاصات الفكرية للمساواتية الحديثة في العراق الحديث


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 934 - 2004 / 8 / 23 - 12:11
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


2- الإرهاصات الفكرية للمساواتية الحديثة في العراق الحديث:
 
كانت مركزية الدولة الحديثة، التي نشأت بمثابة التضاد الصارخ للبنية الزراعية /القبلية- المركزية الزراعية التي سادت أبان المرحلة العثمانية، " تشكل قاطرة جبارة لمحقه بقوة العلاقات التجارية الجديدة وجبروت التكنولوجيا والتنظيم العسكري والإداري الأرفع... إن المركزية الحديثة لا يمكن أن تعيش أولاً بدون تنظيمات مكينة: جيش دائم يحتكر وسائل العنف في المجتمع وينتزعها من الجماعات الصغيرة ونظام تعليم موحد يتجاوز عزلة الطوائف والمذاهب والطرق، وينتج عناصر ذات ثقافة موحدة ضرورية للأجهزة الموحدة ذاتها المتمركزة الآن على لغة قومية موحدة في شكل طباعي، نُظم اتصالات ( طرق، سكك حديدية، تلغراف، ونقل بحري) وصناعات حديثة...[1] ".
مثل هذا الظرف الإطار العام للانتقال إلى مركزية الدولة التي بدأت جنينياً في مطلع القرن المنصرم واكتسبت زخماً أكبر بعد إنشاء الدولة العراقية عام 1921. وطالما إن السلطة الدولة تعد من أهم مصادر الحضارة، لذا فإن تضاؤل تلك السلطة في مجتمع يتاخم أوسع منطقة للبداوة, سيؤدي بطبيعة الحال إلى استفحال العصبية القبلية وما يتصل بها من منظومة قيم البداوة الاجتماعية المتناقضة بطيبعتها مع سلطة الدولة.
في الوقت نفسه لم يصل اقتصاد المجتمع العراقي آنذاك " إلى مستوى الكائن لذاته، ومن أجل ذلك فإن الوعي الطبقي لم يكن قادراً بسبب من طبيعته ذاتها، لا على الظهور بمظهر واضح ولا على التأثير بوعي في الحوادث التاريخية. إن الشيء الواضح في هذه المجتمعات ليس انقسامها إلى طبقات بل إلى " عصبات " بالمعنى الواسع للكلمة (قبيلة، أبناء منطقة جغرافية, جماعات حرفية ومهنية...الخ) ومن ثم فإن الوعي بالانتماء إلى إحدى هذه العصبات كان وحده السائد. إن الوعي العصبي باعتباره عاملاً تاريخياً ملموساً يخفي ويقنع الوعي الطبقي ويمنعه حتى من إظهار نفسه [2] ".
ويكمن سبب ذلك في كون أن " ... تقاليد جميع الأجيال الغابرة تجثم كالكابوس على أدمغة الأحياء. وعندما يبدو هؤلاء منشغلين فقط في تحويل أنفسهم والاشياء المحيطة بهم، في خلق شيء لم يكن له وجود من قبل، عند ذلك بالضبط في فترة الازمات الثورية كهذه على وجه التحديد نراهم يلجأون في وجل وسحر إلى استحضار أرواح الماضي لتخدم مقاصدهم ويستعيرون منها الاسماء والشعارات القتالية والازياء لكي يمثلوا مسرحية جديدة على مسرح التاريخ العالمي في هذا الرداء التنكري الذي اكتسى بجلال القدم  وفي هذه اللغة المستعارة... [3]" .
وعند دراسة الوعي الاجتماعي وتجلياته لابد من التوكيد والوقوف على طبيعة وماهية المرحلة التاريخية، لان الوعي يختلف بإختلاف مرحلة التطور ويستنبط سماته من سمات المرحلة.. ففي مجتمع العبيد مثلاً يكون الوعي الاجتماعي الجمعي ذات طبيعة ميثولوجية (اسطورية)، في حين يكون في مجتمع الاقطاع في علاقته بالعالم ذات طبيعة دينية لاهوتية، وسيكون ذات طبيعة صنمية في المجتمعات الراسمالية.
 هذه الانماط الثلاثة لاشكال الوعي تؤكد الشكل العام المجرد أكثر من خاصهِ الملموس، وتشترك جميعها في صنع وعي زائف متماثل في الجوهر, لكنه مختلف في المظهر الخارجي حسب. وسيكون أكثر تشوهاً في المجتمعات المتخلفة غير المتبلورة طبقياً حيث تقترن الاشكال الثلاثة بعضها بالبعض الآخر فالديني بالميثولوجي وكلاهما بالصنمي.
نلمس ملموسية بعض مما ذكر أعلاه في تاريخية تطور المجتمع العراقي, الذي " كانت تسوده القيم البدوية بكلا جانبيها السلبي والإيجابي " المتلاقحة مع البذور الحضارية التي نشأت في رحم المدن– وخاصةً الكبيرة منها منذ مطلع القرن المنصرم. حيث كان يتعايش فيها ازدواجية نمطية من القيم الاجتماعية: البدوية والحضرية وما بينهما من صراع الاضداد. كانت القيم الأخيرة تتبلور ببطء شديد لكنها كانت في حالة ارتقائية عكس الأولى التي كانت في حالة انتكاس تراجعي, وهذا ما تجلى في العديد من المظاهر منها ما له علاقة بإضمحلال الولاءات الدنيا وظهور مرتكزات فكرية تعتمد الفكر الحديث كنقيض للافكار السلفية. وهذا ما وسم القرن العشرين برمته.
 لقد وجدت الدولة العراقية كينونتها الذاتية في مؤسساتها الحديثة التي انشأتها والتي من خلالها أمست هي إحدى عتلات التطور والتغيير. ونظرا لكون المجتمع العراقي ذو خصوصية تجلت في كونه يضم العديد من التكوينات العرقية والدينية كالعرب والكرد، التركمان والاشوريين، الأرمن والشبك والكلدانيين, من المسلمين والمسيحيين، اليهود واليزيدين والمندائين وغيرهم , فقد مَثَلَ هذا التنوع الأثني/الديني قاعدة الانطلاق نحو تكوين الهوية الوطنية العراقية في امتدادها نحو الأمة العربية. رغم كون صيرورة هذه الهوية في اطار الدولة الحديثة كان نتيجة تفاعل العاملين الداخلي (ذو الفعالية القليلة) والخارجي (الأكثر فعالية). بمعنى آخر كان للعامل الاخير دور أكبر في تكوين هذه الصيرورة كما له دوراً اولوياً فيها, مما أفقد الدولة الحديثة بعضٌ من سمات المجتمع الثقافية لعدم تعبيرها الكامل عن المجرى الطبيعي الداخلي لسنن التطور.
كانت (ثورة) العشرين في الوقت نفسه, تعبيراً عن تأثير دور العوامل الداخلية ومساهمتها في انشاء الدولة العراقية وتحديد شكل الحكم فيها بحيث يُحكم بصورة غير مباشرة من قبل بريطانيا. أي أنها سمحت للعراقيين بنصيب اقل من نصيبها في بناء ومن ثم إدارة الدولة الجديدة وتحديد مساراتها.
أن تأثير العامل الخارجي في تكوين دولة العراق يكاد ان يكون أحد قانونيات تكوينها الذي يتماثل مع أغلب التجارب في بلدان العالم الثالث حيث فرضت بالقوة مضامين واشكال مؤسسات الدولة الحديثة وانساقها الادارية من قبل الدول الخارجية المستعمِرة ( دول المراكز الرأسمالية).
هذه الخصوصية العامة في نشوء الهوية العراقية كانت ولا تزال لحد الآن, تثير الكثير من الإشكاليات السياسية في تحديد أولوية الانتماء الجمعي للعراق أم للعرب؟ أي من منطلق: أولوية عراقية العراق أم اولوية عروية العراق؟ لقد تجلت هذه المعادلة في الكثير من مفاصل الصراعات السياسية بين القوى العراقوية والعروبية منذ تكوين الدولة ووسمت عراق القرن المنصرم برمته.
لقد تكاثفت بعد احتلال العراق جملة من الروافد الفكرية وعدد من المؤثرات الاجتصادية/ السياسية، المحلية والدولية [4] لتهز المجتمع بصورة عنيفة وأحدثت نهوضاً فكرياً وبلورة وعياً اجتماعياً متنامياً في تجليه السياسي والفلسفي والذي تمحور، لمدة طويلة، حول:
 الاستقلال السياسي وإنهاء الاحتلال ثم الانتداب؛ وتحديد العلاقة المستقبلية مع بريطانيا؛ وما له علاقة بالهوية الوطنية ووحدتها؛ التخلف واجتثاث أهم عواقبه المتمثل في الفقر المدقع للاغلبية السكانية؛ وامكانية الخيار بين النظامين الملكي والجمهوري. رافق ذلك اكتساب التطرف السياسي مزيداً من القوة وصار الاعتدال بغيضاَ.
كما يمكن تلمس هذا الوعي، المتناسب مع طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة آنذاك، حتى في تجلياته الدينية التي ناهضت الاحتلال البريطاني منذ عام 1915، ومن ثم تعمق بجملة من الانتفاضات التي شملت العديد من المدن وبقيادة دينية، توجتها (ثورة) العشرين التحررية التي يعتبرها د. غسان سلامة بمثابة المنطلق ل: " اللحظة الليبرالية في العراق الحديث والمتولدة عن النضال من أجل الاستقلال من جهة وعن المحاكاة للممارسات السياسية في المجتمعات الغربية من جهة أخرى والتي امتدت في اقطار الوطن العربي أيضاً حتى نهاية الخمسينيات من القرن المنصرم ... " [5].
في الوفت ذاته يمكن اعتبارها أيضاً:  " من أهم الأحداث في تاريخ العراق الحديث من حيث أثرها في تنمية الوعي السياسي. إنها كانت بمثابة مدرسة شعبية تعلم العامة فيها بعض المبادئ والمفاهيم التي كانوا يستهجنوها من قبل، كالحرية والاستقلال والقومية والوطنية وما أشبه. فقد كانت هذه المفاهيم محصورة سابقاً في نطاق الأفندية ومن لف لفهم، بينما كان العامة يعدونها من الأمور التي لا تعطي خبزاً. فلما قامت ثورة العشرين تغيير الحال تغييراً مذهلاً حيث صارت تلك المفاهيم محور اهتمام العامة وأخذوا يلهجون بها ويهتفون لها يوماً بعد يوم[6] ".
 رغم أن هذه المفاهيم التي بدأت بالشيوع " كانت مجردة وليس مفاهيم لها مفعول اجتماعي[7] "  عضوي فعال ومؤثر، لكنها مع ذلك كشفت أمام العراقيين آفاقاً لا عهد لهم بها، مما فتح الأذهان والمدارك، رغم سيطرة الوعي الميثولوجي والديني والقيم المضادة للتحديث.
 يجسم هذه الصورة, زكي خيري بقوله: " كان أبي عندما يجلس مع أقرباءه من الرجال كنا نسمع منه ومنهم كلمات جديدة و فكرات جديدة لا عهد لنا بها من قبل، بل أخذ يتكشف لنا عالم جديد تتضاءل أمامه كل تصوراتنا السابقة بما فيها تصوراتنا ومشاهداتنا بصدد الحرب (الأولى) التي عشناها لأربع سنوات عجاف[8] ".
ضمن هذه الخارطة من المتغيرات الموضوعية والذاتية، الداخلية والخارجية، انتشرت في العراق ببطئ ودون انذار مسبق أفكار جديدة ذات طبيعة مساواتية تناهض الاستبداد[9] الاجتماعي والسياسي والثقافي وتحاول الاطاحة بسلطة التقليد. انطلقت في البدء من تفسيرات دينية متحررة، أو بل الأحرى من أفكار استندت على الأبعاد الجوهرية للعدالة الاجتماعية من المنظور الديني، لتتحول منذ منتصف العشرينات وبصمت هادئ في البدء، إلى تيار فكري علماني التوجه, علمي المنطق، أنطلق بزخم من الخلفية الاجتماعية/ السياسية لمضامين ثورة العشرين وما صاحبها من تنامي في الوعي السياسي وتدفق المشاعر المضطربة ومن حالات القمع والقسوة التي أخمدت فيها الثورة، والتي كانت في بعض أوجهها تعبير عن المعارضة الاجتماعية ضد سياسة الاحتلال التي تمحور مضمونها الأرأس  في تعزيز دور رؤساء العشائر والتي عبرت عنه مس بيل بالقول: " نعيد للشيخ نفوذه وسلطانه ونؤازره بحيث نجعله مسؤولاً لقاء ذلك عن سلوك قبيلته [10] "
أثارت هذه الظروف وغيرها مكامن البحث ليس عن الاستقلال السياسي حسب، بل اكتسبت قبل ذلك بسنوات لدى جيل الشباب, الذين كانوا يمثلون مجموعة اصفار مهملة في معادلة السلطة, مشاعر الشك والاستفهام حول المحيط الاجتماعي وما ينتابه من قيم وأفكار، من عادات وتقاليد، من قدسية للنصوص ووتبجيل للقديم بكليته، حتى ظهرت مشاعر التمرد بينهم.
كما "وتعمق كذلك الانزعاج الفكري, الذي عبر, أول ما عبر, عن نفسه في سنوات مطلع القرن والذي كانت جذوره تمتد إلىاستنفاد الاسلام, وأصبح ميل الشباب المتعلم إلى الشك بالأمور التي يراعا كبار السن مثالية أو يعتبرونها مسلَّمات أكثر بروزاً وانحسر احترام هؤلاء الشباب للتقاليد[11]"
وكان من بوادر هذا التمرد أن طرحت لأول مرة فكرة التنظيم النقابي للعمال وبرزت هذه الفكرة بعد أن تشكلت مجموعة صغيرة من الاحزاب السياسية بعد صدور قانون الجمعيات لعام 1922, حيث تقدم " النقابي المعروف محمد صالح القزاز وجماعته من عمال السكك بالمطالبة بالسماح لهم بتشكيل نقابة عمالية، إلا أن مطالبتهم وجدت معارضة من قبل الحكومة. ومع ذلك فقد كانت تلك البادرة بداية لتجمع العمال وتعاونهم حول أهداف يسعون لنحقيقها تتضمن ضمان حقوقهم ...[12] "
في الوقت ذاته بدأت مجموعة من النساء المتعلمات التكتل والتنظيم من أجل الدفاع عن مكانتهن في المجتمع ورفع الحيف والاضطهاد عنهن.. فتأسس عام 1923أول نادي نسوي في العراق أطلق عليه أسم (نادي النهضة النسائية). لكن النادي سرعان ما واجه مقاومة شديدة من القوى التقليدية والمحافظة وأشتدت آوار معركة فكرية قوية بين هؤلاء والقوى التقدمية الفتية قبل تبلورها..أثارت في بعض جوانبها استفهامات عديدة وشكوك حول النظرات للحياة فكانت الحجرة المرمية في الماء الراكد.
كما برزت من بين هؤلاء المتمردين فئة من المثقفين (الانتلجينسياIntelligentsia -) الرواد تطرح الفكر الاشتراكي والعلمي بأفق نهضوي شامل[13]، في معالجة مشاكل الحياة وتعقداتها وبالضد مما كانت تطرحه (الانتلجنسيا) التقليدية من تصورات لفهم الماهيات الاجتماعية للحياة وغائياتها وكيفية تفسير العالم واشكاليات تغيره, وأخذت الفئة الاولى تلعب دوراً في تأجيج الصراع الفكري المحتدم بين الفئات الاجتماعية بكل قدرة وشجاعة، وصاغت ملامح للمجتمع المنشود، ضمن معطبات الواقع المادي القائم آنذاك.
 لقد دخلت هذه الأفكارالجديدة إلى عقول مثقفي العراق بطرق مختلفة منها :
- من خلال الكتب والمجلات والصحف العربية [14]والأجنبية؛
- ومن خلال الصلات المباشرة التي أقامها بعض المثقفين مع عناصر اشتراكية في الخارج ؛
- عن طريق الالتقاء بعناصر شيوعية أثناء الحرب العالمية الأولى والتي شارك فيها بعض المجندين العراقيين؛ عبر ما كان ينقله زوار العتبات المقدسة؛ من خلال الصلات المنظمة التي أقمتها العناصر التي التزمت بالفكر الاشتراكي مع الأممية الشيوعية.[15].
- ومن خلال العمال الواعيين المستقدمين" من الهند وإيران، ومن المعروف أن هناك حركة ثورية في الهند سبقت مثيلاتها في العراق، وقد تشكل الحزب الشيوعي الهندي منذ عام 1917. كان الوعي الطبقي لدى العمال الهنود وكذلك الوعي السياسي أعمق مما كان لدى العمال العراقيين . ويصدق هذا ايضاً على العمال الإيرانيين لاسيما إذا عرفنا أن الحزب التقدمي المعروف في إيران والذي قاد مسيرة الوعي الاشتراكي العلمي وهو حزب تودة كان موجوداَ منذ العشرينيات[16] ".
- كما لعبت الدعاية المناهضة للفكر والنظام الاشتراكي في روسيا،التي تبنتها سلطات الاحتلال والقوى المحافظة بصورةٍ غير مباشرة, دوراً كبيرا في التعرف على معلومات وحقائق ومحاسن الاشتراكية.. وخلقت تساؤلات حول جوهر هذا التظام الذي اعتبرته قوى الاحتلال ( سيئاً) .
 لقد " كانت جريدة العراق التي كان يمولها ويوجهها سلطة الاحتلال، قد أخذت على عاتقها متابعة ما يحدث في روسيا ونشره أمام القارئ  بصورة تعطي انطباعاً سيئاً عن الننظام الجديد ، فكتبت عدة مقالات وتعليقات عن النظام الاشتراكي تحاول التهجم عليه وتشويهه، ولكن مع ذلك فإن ما تكتبه يظهر بين ثناياه مزايا هذا النظام ، إضافةً إلى ذلك فهناك مقالات كانت تعطي صورة حسنة عن الاشتراكية وتبين بعض محاسنها  [17]" .
بدء هذا الفكر يتسلل بهدوء إلى عقول المثقفين النيرة، كوسيلة ومنهج للخروج من واقع التخلف ومن ما تطرحه الحياة من استفهامات بصدد القضايا الملحة، التي تبحث عن تفسيرات علمية خارج المنطق السلفي التقليدي والتقديس اللاهوتي. وبدأت هذه الفئة بمعالجة القضايا الاجتماعية الحساسة التي لها علاقة حياتية بالناس, من منظور علمي جديد لتقوض ما متداول من أفكار غيبية. 
أثارت هذه الأفكار موجات من الاهتزاز في الأذهان وصراع في الحياة الفكرية الراكدة، تبشر بمُثل جديدة غير متعارف عليها وجذرية مقارنةً بالنسبة بالانتليجنسيا الليبرالية ما بلك عامة الناس، الذين سمعوا:" صيحات تطالب بالنظام الجمهوري وتحرر المرأة ومساواتها بالرجل[18] والمطالبة بالحرية الفكرية والاهتمام بالمشاكل الاجتماعية... إن التحسس بواقعها في الحياة السياسية والاجتماعية كان قد بدا بصورة جلية منذ بداية العقد الثاني[19] " من القرن الماضي. وبصورة موجزة نرى مفاهبم عصر التنوير الاوربي المتمحورة فلسفياً حول: ( الفرد- العقل- الطبيعة0 التقدم- السعادة), قد بدأت تتسلل إلى عقول الفئات المثقفة.
 لقد اقترنت هذه المطالبة بالدعوة إلى الاستقلال الوطني بعلاقته الجدلية بالديمقراطية.. لأن هذه الاخيرة لا يمكن تحقهها إلا ضمن الدولة المستقلة. كما لا يمكن ضمان الاسنقلال الحقيقي دون النظام الديمقراطي.. في الوقت نفسه فإن مضمون الحركة الاستقلالية ينطلق من المشاركة الواسعة للعديد من الفئات والطبقات الاجتماعية . والتي بدورها تمثل ركيزة للديمقراطية.
يوضح لنا النشاط التاريخي للحركة الديمقراطية, مدى ارتباطها بالمضامين الاجتماعية بالقول كما يشير إلى ذلك أحد الرواد الأوائل : " كنت أنظر أن المقدرة المالية لكل من الاقطاع والاغنياء بصورة عامة انعكست في سيطرتهم على الجهاز السياسي وبحكم عدائي للجهاز السياسي ودفاعاً عن الديمقراطية دخلت المفاهيم الديمقراطية تفكيري.. وهذا كان قد نتج عن تأثري بالثورة الفرنسية التي اشبعت مفاهيمي السياسيةبمضامين اجتماعية. ولتحقيق الديمقراطية لابد من التأكيد على الشعب والمطالبة بخدمته وتحسين أحواله الاجتماعية والاقتصادية.. فأتخذ مفهوم الديمقراطية عندي مضامين اجتماعية...  [20]"
 ويؤكد ذلك أيضاً أحد رواد الجيل الثاني, بالقول إنه " لم يقتصر على مقاومة الحكم الاستعماري والعمل على التحرر منه, بل استهدف إلى جانب ذلك, أن يكون الحكم الذي تنشده في ظل الاستقلال التام دستورياً ديمقراطياً. وهكذا كانت الديمقراطية طابعاً للحركة الوطنية الاستقلالية في العراق منذ بدابتها وطيلة مسيرتها [21] ". هذا النشاط كان القاسم المشترك بين الحركات والاحزاب الليبرالية ورواد الفكر الاشتراكي والتقدمي في عراق تلك المرحلة.
 وقد ظهرت في العراق قبل بروز مجموعة الرواد الاشتراكيين, موجة الليبراليين و(الطبيعيين)، حسب ما أطلقه الناس عليهم, الذين طرحوا أراء مادية لا تخلو من البساطة والسذاجة العلمية, غير واضحة المعالم والحدود " لا تعترف بالروحيات أو الغيبيات وذلك في كل ما يتعلق بمظاهر الحياة, ينكر هذا الفكر وجود حياة أخرى بعد الموت ويعتبر الانسان مادة عرضة للتلف والتحلل ومن ثم التحول إلى مواد أخرى دون أن يكون من بينها شيء أسمه الروح التي تخلد الانسان بعد الموت كما نؤكد ذلك الاديات السماوية [22]".
 كان الشاعر جميل صدقي الزهاوي من اوائل من نادى بهذه الافكار. ومن ثم ظهر أحد دعاة التحرر وهو الكاتب ميخائيل يوسف تيسي, الذي كان أكثر معرفةً بقوانين الحياة والتطور من سابقه الزهاوي. وقد ألف كتاباً  فكري اسمه " (ماهية النفس ورابطتها بالجسد)، بدأ يوجه انتقاده للمجتمع باسلوب ساخر وبتعابيير بسيطة وهو يعبر عن أفكار وآمال الفئات الفقيرة والمضطهدة في المجتمع، ويعتبر أول كاتب عراقي يخاطب العامة بشكل مباشر وباسلوب يفهمونه. كتب عدة مقالات بعنوان (نقدات كناس الشوارع )[23] ".
 هذه الافكار التي أطلقها الكاتب أثارت بالضرورة ردود فعل قوية لدى الفئات الاجتماعية المحافظة والتقليدية، ومثقفيها التقليديين الذين أصدروا الفتاوى الخاصة بتكفيره من قبل رجال الاديان السماوية الثلاث، وقادت الحملة مجلة الزنبقة.[24] ولكنه استمر في دعوته من خلال الصحافة حتى تعرض لمحاولة إغتيال. وأصدر جريدة (كناس الشوارع) ثم (الناقد) الاسبوعية, كما أصدر مع حسين الرحال جريدة (سينما الحياة), وأثر هذه الحملة عليه انسحب من ميدان الصحافة والكتابة ليدخل في  الوظيفة الحكومية ويطويه النسيان.
في الجانب الأخر واستكمالاً للصورة أعلاه من الصور الاجتماعية لرواد النهضة المتنورين المنادين بالاشتراكية والاصلاحات الجذرية التقدمية, تكونت جماعة مجلة (الصحيفة) أو ما تعارف عليه الادب السياسي(بجماعة حسين الرحال) في منتصف العشرينات.
 يوضح تاريخ الحركة الاستقلالية أن هذه الجماعة سبق لها قبل تكونها كمجموعة منظمة متميزة أن اشتركت من خلال قلمها ونشاطها الفكري في تجسيد ابعاد هذه الحركة من خلال الصحف الوطنية التي تصدت للمشروع البريطاني قبيل تأسيس الدولة وتبلور توجههم الفكري.
 وقد استقطبت جريدة الاستقلال, لصاحبها الضابط السابق في الجيش العثماني عبد الغفور البدري, هذه الاقلام وقد شارك في الكتابة فيها كما يذكر, فائق بطي في موسوعته الصحفية, مجموعة من الكتاب, قاسمهم المشترك تحقيق الاستقلال السياسي ضمن البعد الديمقراطي وما يشتق منه من مهام وآليات, قبيل توزعهم على الاتجاهات السياسة/ الفكرية.. فكان منهم: عوني بكر صدقي؛ حسين الرحال؛ مصطفى علي؛ فهمي المدرس؛ باقر الشبيبي؛ محمد يونس السبعاوي؛ سامي خوندة وطالب مشتاق وغيرهم [25].
 بمعنى أخر خرج رواد الفكر الاشتراكي من واقع صميم الحركة الاستقلالية العراقية ومتحسسين لمطالب الجماهير الشعبية بعيداً عن مصالح القاعدة الاجتماعية للسلطة والفئات المتحالفة معها من تجار كومبرادوريين وملاكين كبار وضباط المؤسسة العسكرية الكبار.. وبعد تكون الدولة وتوضح الابعاد الطبقية لقاعدتها الاجتماعية.. تغيرت الرؤيا الفلسفية وتجلياتها السياسية/الاجتماعية لأقطاب هذه المجموعة ونضجت حولها افكارهم وتجذرت دعواتهم لتصب في عمق مصالح الفئات الاجتماعية الفقيرة وتلك الطبقة الجديدة.. لتضعهم في خارطة الحركة السياسية. وتؤكد على مطاليبهم المتمحورة حول تتحقيق الرفاه العام والخروج من حلقات الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية, والتي هي  حق مشروع لكل فرد بغض النظر عن موقعه في الهرم الاجتماعي.[26]
 وقد " لعبت الصدف وعلاقات القرابة وتقارب السكن في تعارف بعضهم على بعض وقربتهم من بعض صفات مشتركة عديدة أوجدت فيما بينهم نوعا ًمن التماسك والاستقطاب[27] "..
 وكان قطب هذه المجموعة الكاتب حسين الرحال, الذي شكل أول حلقة دراسية  " ماركسية في العراق أو أنه بث– بالأحرى– أول العناصر الماركسية في تفكير جماعة أدبية لا رسمية كانت موجودة قبل ذلك التاريخ... وكان من بين الأعضاء الأساسيين في الجماعة محمد سليم فتاح طالب الطب أبن المسؤول السابق في الحكومة العثمانية وصهر الرحال، ومصطفى علي، هو معلم مدرسة، أبن نجار والرجل الذي اصبح في عهد الجنرال عبد الكريم قاسم وزيراً للعدل، وعبد الله جادو الموظف في إدارة البريد والبرق وأبن متعهد ثياب وعوني بكر صدقي وهو معلم– صحافي وابن مسؤول صغير أصبح في أواخر الخمسينيات رئيس تحرير(جريدة صوت الأحرار) ذات الميول الشيوعية، ومحمود أحمد السيد (رائد القصة العراقية الحديثة- ع.ن) الذي كان أبرز من في الجماعة بفارق كبير[28] ". ويمكن أن نضيف إليهم: إبراهيم القزاز وكمال صالح وفاضل محمد البياتي[29].
لقد كانوا في البدء يجتمعون في إحدى غرف (جامع الحيدرخانة) الذي كان إمامه والد محمود أحمد السيد ومن ثم في مقر المجلة أو مقهى محلة (قنبر علي) ومن ثم في مقر نادي التضامن أومقرات التجمعات السياسية والعمالية القريبة من افكارهم. لقد أثرت هذه المجموعة في العديد من المريدين والمؤيدين منهم: حسين جميل، عبد الفتاح إبراهيم، زكي خيري، رشيد مطلك، عبد القادر إسماعيل البستاني وأخيه عبد الله ، أمينة الرحال[30]، عاصم فليح، مهدي هاشم، محمد صالح القزاز، عبد القادر السياب، علي حيدر سليمان، عبد المجيد حسن، إبراهيم حلمي، محمود أحمد المدرس وغيرهم ممن اصبحوا أعضاء في نادي التضامن ومن ثم توزع أغلبهم على مختلف الاحزاب السياسية المعارضة ذات المنحى اليساري والديمقراطي.
ولاجل بث افكارها وتصوراتها, أسست المجموعة مجلة نصف شهرية ناطقة باسمهم اسمها (الصحيفة)[31] التي استقطبت عدد من الكتاب والسياسيين منهم: عبد الحميد رفعت وعبد الكريم محمود وطالب مشتاق وعبد القادر صالح ومحمود شوقي الداوودي، كذلك معروف الرصافي وحتى جميل صدقي الزهاوي وغيرهم.[32]" . اتخذت جريدة (الصحيفة) مقر لها في غرفة متواضعة مقابل سينما (الوطني) (في شارع الرشيد, محلة سيد سلطان علي- مقابل اورزدي باك– ع.ن) وكثيراًُ ما كان محرروها يجتمعون في الليل في مقهى تقع في محلة (قنبر علي) تعرف ب(مقهى النقيب) للمداولة فيما ينشرونه[33] ".
 وكانت " الجريدة جديدة في نوعها والأولى نوعياً في عراق العشرينيات. وخلافاً للصحف العراقية الأخرى لم تسع إلى كسب الرزق بل إلى تغيير الناس. ولم يكن همها الأخبار بذاتها أو أنباء الفنانين، بل الأفكار. وركزت الصحيفة على المشكلات الاجتماعية ولم تتعامل إلا هامشياً مع الموضوعات السياسية.. ولم تتردد الجريدة، في فترة كان التعبير فيها عن الرأي مشحون بالمخاطر، في مهاجمة المعتقدات والأحكام المسبقة المتأصلة في قلوب الناس وأعطت هذه الأمور كلها جريدة (الصحيفة) طابعاً خاصاً بها وسجلت فتح منظورات جديدة في الذهنية العراقية...[34] ".
وإذا جازا القول، أن نطلق على هؤلاء ومريديهم أسم الرواد الأوائل للفكر الاشتراكي والتقدمي النهضوي[35]، فالضرورة تستوجب أيضاً الاشارة إلى الفئات الليبرالية, أو ما يطلق عليها (بالمعتدلون), والتي ساهمت وإياهم في نشر النظرات النقدية المستندة إلى العقلانية والنظرة الطبيعية والموقف من الفرد كقيمة عليا. وكان أغلبهم من العناصر البعيدة عن الاغلبية السكانية بسبب أصولها الدينية (المسيحية على وجه الخصوص)، حيث سمحت لهم الظروف يالتحصيل العلمي في اوربا الغربية:منهم الطبيب سليمان غزالة ( 1854- 1929) والأب انستاس ماري الكرملي( 1866-1947) وغيرهم[36].
سلك كم كبير من هؤلاء الليبراليون طريق التعايش مع سلطات الاحتلال والحكومات الملكية وجزء صغير منهم ساهم أو/و انتمى في الحركة الوطنية المعارضة وألتقوا مع رواد الفكر الاشتراكي في رسم الخريطة السياسية المعارضة, في الوقت الذي تركوا بصماتهم على سيرورة عملية الصراع الاجتماعي والفكري بين التقليد والحداثة وفي نشر الفكر العلمي والعلماني.
  زاد هذه الصيرورة الاجتماعية حركة ودفعا, التفاعل العضوي للجيل الثاني من رواد الفكر الاشنراكي والذين مثلتهم ما أصطلح عليه ب[ جماعة الأهالي أوالشعبيين] الذين تأثر الجزء الأكبر منهم بأفكار الرواد في البدء، ومن ثم اشتق بعضهم لنفسه طريقاً أخر غير الطريق الماركسي، (الشيوعي تحديداً)، وهم ممن كانوا يؤمنون بالأفكار الإصلاحية, الذين " جميعهم نظروا إلى الاشتراكية في الإطار الأرحب للديمقراطية والحريات الليبرالية، فلم تكن الاشتراكية بالنسبة لهم نقيضاً لليبرالية أو بديلاً عنها، بل كان ينظرون إليها كامتداد للقيم الليبرالية وأوصلوها إلى آفاق جديدة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية [37] ". لقد فهموا الاشتراكية من منطلقاتها المتمحورة حول الإنسان وإرتقائيته المستمرة، ومن خلال تغيير ظروفه البيئية وبالأساليب المتوائمة والمتزامنة مع الواقع المادي آنذاك.
هؤلاء الرواد ومريديهم, راسموا أحد أهم روافد تاريخ العراق المعاصر السياسية والنهضوية, مثلوا البدايات الأولى لتكوين (الانتلجنسيا)[38] العراقية الحديثة من خلال: نظراتهم الفلسفية للحياة والموقف منها, وتمردهم العقلاني على قيود التقاليد وتحكم القوى الغيبية والتقليدية واللا أدريه، ووقوفهم ضد نفوذ السلفية غير الواعية لتغيرات الحياة والظروف والأزمنة, ودعوو الرواد إلى الديمقراطية الحقيقية المعتمدة على مرتكزاتها المنطلقة من النظرة العقلانية ومن الانسان باعتباره مقياس الوجود وأثمن رأسمال والتخلص من الهيمنة الماورائية. وباعتبار الاسلوب الديمقراطي آلية لتداول السلطة والحرية كمستند له.
 هذا الموقف وضع جماعة الرواد في ازدواجية متناقضة تكمن في أعماق المثقف (الذين اغلبهم من الفئات الوسطى المتقلبة بحكم ذاتها وموقعها الطبقي) وهي رغبته في التحديث والعصرنة ومحاكاة المدنية الحديثة من جهة، وحماية نفسه من انهيار القيم الاجتماعية المحلية التي تعتمل في ذاته  لكونه منتسب إلى المجتمع الذي ولد وترعرع فيه في ظل تأثيرات القيم المعرفية المحتكرة من قبل الفئات التقليدية من جهة ثانية. أي انتابت نفسية المثقف علاقة تناقضية بين التفكير والممارسة والتي هي علاقة متجاذبة/متنافرة, على المستويين الاجتماعي والنفسي/الذاتي. وأثرت في مواقف وكنابات الكثيرين منهم.
أدى دأب الرواد على عرض تصوراتهم الفكرية لتغيير الحياة, إلى نوع من زيادة التعصب الاجتماعي ضدهم من فبل القوى الدينية والتقليدية والسواد الاعظم غير المتعلم، والتي كانت في الوقت نفسه عاملاً مهماً في تفتيتهم وإشاعة ضعف الثقة في نفوسهم بعد صمودهم إزاء الحملات المناهضة التي شنت ضدهم من كل قوى الماضي. ومن جهة أخرى أثرت هذه الوضعية في نفسيتهم وتركيبتها التي تعودت إن لم تكن قد تحجرت إلى حدٍ ما, على عدم التأقلم مع الحديث والجديد من القيم وأضعف استجابتهم له.
ومع ذلك فقد أدى هؤلاء الرواد دورهم في التأسيس لفئة المثقفين وأصبحوا يعبرون عن ظاهرة جديدة تمثل بداية النهضة المعرفية، الذي أكمله الجيل الثاني على تعدد مشاربه الفكرية، والذين أمسوا حاملين جذوة التغيير المنتظر وعنصراً عضوياً في التغيير الاجتماعي.
وبقدر ما أرخ ومَثَلَ هؤلاء الرواد (الليبراليون والاشتراكيون) بداية النهضة الحديثة للعراق المعاصر وحرثهم الجريء في أرض لم تكن ممهدة لحركة التحديث بسبب الهيمنة العثمانية وعواقبها المعمقة للتخلف,وغيرها من العوامل, أوضحت بذات القدر مدى شدة المقاومة التي بذلتها الأرستقراطية القديمة والمؤسسة التقليدية وخاصةً الدينية وعلى الأخص السنية منها، التي كانت من "... أكثر الجماعات العربية قدرةً على التأثير في السياسة، وقد تبنوا حتى انهيار الدولة العثمانية موقفاً رافضاَ لحركات التجديد. فقد كان النظام القديم يسمح لهم بامتيازات كثيرة ، فكانت لديهم في ظل النظام القديم مكانة دينية عالية. وكانوا يعتبرون أنفسهم وسطاء بين السكان والسلطة العثمانية ... وقد كان السلطان عبد الحميد قد أعطى السادة السنين لقب الأشراف.. فانتهزوا هذه الفرصة ليستغلوا هذا الامتياز ووضعوا معظم أراضي الوقف تحت إدارتهم...[39] ".
كما " اعتمدت  فئة العلماء في دخلها على الاوقاف أو على عطايا الحكام والناس مقابل وظائف مهنية كانوا يؤدونها تتمثل بالخطابة في المساجد وامامة الصلاة والوعظ و احياتاً الاحتساب (أي مراقبة الاسواق). أما الاتجاه السياسي لهذه الفئة فقد كان اتجاهاً محافظاً لا يخرج عن اطار الدعوة لنظام الخلافة الاسلامية. وقد استمدوا نزعتهم المحافظة هذه من الفرضيات الدينية للاسلام التقليدي. تلك الفرضيات التي تنظر إلى العلاقة بين الله والانسان على أنها, في الاساس, علاقة السيد بالعبد, فعكست نفسها في خضوع المواطنين لحكامهم على الصعيد الدنيوي. لذلك لم تكن سلطة الحاكم المطلقة على اتباعه موضع شك أو تساؤل صارخّين من قبل هذه الفئة في تلك الحقبة [40]"
لقد جابه هذا الموقف المعارض للنزعة التحررية للرواد النهضويين الأوائل، ومن منطلق المصالح الخاصة، ليس القوى التقليدية فحسب بل كافة عناصر القاعدة الاجتماعية للحكم الملكي رغم وجود عناصر ليبرالية بينهم، وعلى الأخص عندما شخصت دراسات الرواد مواقع الاستغلال الطبقي، وسوء آلية إدارة الحكم, وعقم المنطلقات الفكرية التي كان الحكم يعالج بها المشاكل والاستفهامات التي تطرحها الحياة بإلحاح، وعدم محاربتها للتقاليد القديمة البالية وترسباتها في ذهنية الفرد.
اتخذت هذه المواجهة (الأسطورية) شكل التحدي والنزاع السافر المقترن بالوعد والوعيد ومحاولات الاحتواء أو التسفيه والتشهير حتى بلغ التهديد بالإرهاب المادي والمعنوي أو بالتلويح بهما من على منابر المساجد والمضابط الجماعية والصحافة[41]. لقد أثاروا منابع الوعي الديني والأخلاقي وتجلياتهما عند الناس البسطاء لمناهضة الرواد الذين اتهموهم بالإباحية وبكونهم مرتعاً للكفر والإلحاد والعمالة والتخريب. وقيموا حركة التجديد بذات موقفهم من جريدة (المقتطف)[42] عندما وصفها أحد الكتاب السلفيين بالقول: " هي مذاهب تخالف ما نطق به السلف والمدون في مصنفاتهم، جهلنا خير من علم فاسد يفسد علينا آراءنا وأراء أجدادنا [43] ".
كما وقفت قوى الاحتلال موقفها الطبيعي إزاء كل الحركات الفكرية التحررية في عموم مستعمراتها، إذ بدأت بمراقبة هذه المجموعة في العراق عبر أجهزتها الأمنية التي أنشأتها عام 1918 (التحقيقات الجنائية) التي كان يديرها الضباط البريطانيين, والذين توسموا كافة الوسائل لمنع انتشار الافكار التقدمية، خاصةً عندما تبنت جماعة الرحال لأول مرة إشراك العمال في الخريطة السياسية والدفاع عن مصالحهم عبر صياغة مطالبهم وتوجيه تحركاتهم، سواءً من خلال الحزب الوطني العراقي المعارض أو بصورة مباشرة عبر الاتصال بممثليهم.
في هذه الظروف توقفت مجلة (الصحيفة) عن الصدور بسبب الضائقة المالية من جهة وبسبب عدم تماشيها مع ذوق القراء البسطاء وموقف القوى المحافظة والرجعية من جهة ثانية.. وبعد ذلك اصدر حسين الرحال بالتعاون مع ميخائيل يوسف تيسي جريدة (سينما الحياة). ثم عاودت مجلة(الصحيفة) الصدور ثانيةً في مايس 1927. لكن لم تستوعب السلطة وقاعدتها الاجتماعية افكار المجلة وما تثيرها من اشكاليات فكرية وسياسية, فعمدت إلى إغلاقها. [44]
لقد ارسى هؤلاء الرواد حجر الاساس للافكار التقدمية ذات الابعاد الاشتراكية, وخاضوا صراعاً رهيباً من أجل ذلك.. أثمر عن حركة اجتماعية واسعة نهضوية المضامين, ألقت بظلالها على واقع العراق السياسي ووسمت ماهياته. فتكون الجيل الثاني من الرواد ليتطور إلى حركة ذات شقين :
-  الديمقراطي الاصلاحي
  - والرديكالي الشيوعي.             
وبرز من بين الجيل الثاني للرواد مثقفون وسياسيون نهضويون آخرون كان لهم دور في تعضيد وتعميق فكر التغيير العضوي المسترشد بالفكر الاشتراكي العلمي وبالنظرة الراديكالية لآليات التغيير وهدفه الاجتماعي ولمنفعة الطبقات المنتجة والمسحوقة في الوقت نفسه. برز من بين هؤلاء:
 قاسم حسن ويوسف سلمان يوسف ومهدي هاشم وزكي خيري ويوسف متي والأخوين البستناني عبد الله وعبد القادر وعزيز شريف وغيرهم من العاملين بالثقافة ومنتجيها وبالفعل السياسي المعارض في فترة الحكم الملكي وبالعملية السياسية البناءة في الحكم الجمهوري وخاصةً عهده الاول تموز1958- شباط 1963.
أثمر نضال الرواد في نمو الأفكار الاجتماعية الإصلاحية بشقيها الراديكالية– التي مثلها لاحقاً تيار اليسار عامةً والحزب الشيوعي على الأخص، والإصلاحية ممثلةً بجماعة الأهالي ومن ثم لاحقاً الحزب الوطني الديمقراطي, الذي كون تياراً رديكالياً واسعاً في الساحة السياسية العراقية يحسب له حسابه، طيلة النصف الاول القرن العشرين، رغم ضعف شكله وامتداداته الاجتماعية ومن ثم تشظيه التنظيمي في العهد الجمهوري.
 لقد وجد التيار الإصلاحي بشقيه أرض خصبة ومناخ ملائم للتطور في الأزقة والمحلات الشعبية الكادحة في المدن، ولدى الفلاحين وفقراءهم في الأرياف.. ومما ساعد في تطوره إخفاق الحكومات الملكية في تحقيق التنمية الاجتصادية المنشودة والاستقرار السياسي، لذا أفرز وعيا سياسياً مناهضاً  ومناضلاً له قوته في التأثير، واستمد بعض من مكوناته من استمرارية صمود شقه الراديكالي ونضاله المستمر من أجل تحقيق المطالب الشعبية في كل الظروف.
أثر برنامج الرواد من الجيلين الأول والثاني، بصورة كبيرة على أجيال من المثقفين السياسيين وعلى الكثير من الضباط (الانتلجنسيا العسكرية), وقد صاغ من بعضهم معالم أثرت في واقع المجتمع العراقي وآفاق تطوره المادي والفكري, وخاصةً لدى اتباع المدرسة العراقوية في الثلاثينيات , وهذا ما سوف نتطرق إليه في الفصل الخامس, وأولئك المساهمين الأوائل في حركة الضباط الأحرار منذ نهاية الاربعينات، الذين قادوا فعل التغيير الجذري، منهم :
 عبد الكريم قاسم، محي الدين عبد الحميد، عبد الوهاب الأمين، وصفي طاهر، عبد الوهاب الشواف، ناظم الطبقجلي،إسماعيل علي, عطشان ضيول الازيرجاوي، صبيح علي غالب، إبراهيم الجبوري، غضبان السعد, طه الشيخ أحمد، جلال الأوقاتي، سليم الفخري، فاضل عباس المهداوي، داود الجنابي، ماجد محمد أمين،عادل جلال, فاضل البياتي، سعيد مطر , هاشم عبد الجبار, خزعل السعدي, كامل الشماع,خليل إبراهيم العلي, حامد مقصود, قاسم الجنابي, المقدم فتاح الشالي, عبد الجواد حامد, إبراهيم عباس اللامي, عبدالله الشاوي,نصطفى عبد الله, حافظ علوان, عبد الله مجيد, عبد الرزاق غصيبة, حميد مولى, رشيد كمال الدين,, احسان البياتي,, محمد جواد العسلي وعشرات غيرهم.
                     
 
 
 
 
 
 


[1]  فالح عبد الجبار، الدولة والمجتمع المدني، مصدر سابق، ص.54
[2]  مصطفى التواتي، التعير الديني عن الصراع الاجتماعي في الاسلام ، ص.47، دار الفارابي ، بيروت 1986
[3] كارل ماركس، 18 برومير لويس بونبارت، ص. 138، دار التقدم موسكو، المختارات في 4 اجزاء، التاريخ بلا.
[4]  كان لثورة اكتوبر الروسية دورا كبيرا في العملية السياسية في المنطقة وخاصة عندما فضحت البنود السرية لاتفاقية سايكس- بيكو الخاصة بتقسيم مخلفات الدولة العثمانية بين الدول الاستعمارية، وقد اعتقد الانكليز إن هناك تأثير للثورة الروسية على العراقيين مما شجعهم على الثورة عام 1920، وذهبوا إلى الاعتقاد بوجود احتمال مساعدتهم للثوار. هذا التخوف الاستعماري كان له اساس مادي تمثل في النداءات التي وجهها قادة الثورة الروسية إلى شعوب الشرق المسلمة، ثم اعقبتها الاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها مع إيران وتركيا ذات الطبيعة المتكافئة. كما  كان لإعلان مبادئ ولسن الأمريكية ونجاح الانقلابين العسكريين في إيران وتركيا من العوامل الدولية المؤثرة. 
[5]  مستل من د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي , ص. 195, مصدر سابق.
[6]   د. علي الوردي ، لمحات اجتماعية ، مصدر سابق، الجزء السادس، ص. 310. "
[7]  محمود العبطة المحامي، رجل الشارع في بغداد، ص. 225 ، بغداد مطبعة الأمة 1962،  مستل من عامر حسن فياض، جذور الفكر الديمقراطي, مصدر سابق،ص. 51
[8]  زكي خيري, صدى السنين في ذاكرة شيوعي عراقي مخضرم ، ص. 34، إستكهولم 1995، دار النشر بلا.
[9]  الاستبداد " ليس فكرة يمكن عزلها من مجمل نواحي الحياة، كما أنه ليس مؤسسة منفصلة عما حولها من هيئات اجتماعية وإنما هو نظام شامل... أنه فعل مؤثر. وبما أن الفكر مبدأ الفعل وراسم وسائله ومحدد غاياته لذا كان طبيعياً أن يحاول الكواكبي معرفة نوع العلاقة التي تقوم بين الفكر وفعل الاستبداد... إنها ليست علاقة عارضة، بل علاقة صميمية بحيث لا يوجد استبداد بدونها. إن الفكر ليس متاثراً بوضع سياسي معين بل هو مؤثر أيضاً". د. محمد جمال الطحان، علاقة الاستبداد، ص. 84 مصدر سابق. للمزيد راجع د. إمام عبد الفتاح إمام , الطاغية, مصدر سابق
[10]  مستل من د. عامر حسن فياض، جذور الفكر الديمقراطي، ص. 80، نصدر سابق.
[11]  بطاطو, الجزء 2,ص. 41.مصدر سابق. لقد عبر جميل صدقي الزهاوي عن حالة التمرد بقوله  عام 1925:
           سئمت كل قديم عرفته في حياتي    إن كان عندك شيء من الجديد فهاتِ
أو قوله التحريضي  عام 1928:
          ثوروا على العـادات ثورة حانقٍ     وتمـردوا  حتـى علـى الأقـدارِ 
كما عبر معروف الرصافي عن هذه الافكار بالقول:
          متىتطلق الايام حـرية الفكــر    ونبسط العقل من عقله الأســــر
         ويصدح كـل بالحـقيقة ناطقــاً    ويترك مـا لـم يدر منها لمن يدري
أما الجواهري فله حصته آنذاك في إعلاء شأن العقل وتفضيله على سواه كالعاطفة مثلاً التي هي كالماء بالنسبة للعقل/ النار.. يقول في احدى قصائده :
        سلطت عقلي على ميلي وعاطفتي     صبراً كما سلطـوا  ماءً على النـارِ
[12] د. عبد الرزاق فهد المطلك، ص. 66، مصدر سابق.
[13]  نلاحظ أن هذه الفئة الجديدة تتشابه، في بعض الحالات، في شكل ومضمون ما طرحته فئة المثقفين الأوربيين، حيث رفعت راية التمرد العقلاني ضد الشعوذة الدينية، وضد قيود التقاليد والقيم القديمة كذلك الموقف من طغيان النفوذ الروحي لرجال الدين وتفسيراتهم لمظاهر الحياة الاجتماعية ونظرتهم الفلسفية لمعادلات الكون.
[14] لعبت الصحف والمجلات العربية وتحديداً من بلاد الشام ومصر, دوراً مهماً في نشر الافكار العصرية في عراق سنوات بداية القرن الماضي الحبلى بالافكار والاراء الجديدة, اكثر مما لعبته الصحف الاجنبية نظراً لقلة القارئين باللغات الاجنبية, لذا كانت : المقتطف, المقطم,العروة الوثقى, الهلال, البلاغ, المؤيد, المقتبس والسياسة .. من المطبوعات المقرؤة بين مثقفي العراق آنذاك, الذين كان لبعضهم علاقات معها مثل: أحمد عزت الاعظمي وجميل صدقي الزهاوي وهبة الدين الشهرستاني وعلي الشرقي ومحمد رضا الشبيبي وحسين الرحال وغيرهم.
[15] للمزيد راجع عزيز سباهي ، عقود من تاريخ، مصدر سابق، ص. 89
[16]  د. عبد الرزاق مطلك الفهد ، ص. 65، مصدر سابق.
[17]  المصدر السابق، ص. 69
[18] يعتبر الشاعر جميل صدفي لزهاوي اول من أطلق الدعوة لتحرير المرأة العراقية.. وله في هذا الموضوع العديد من القصائد الشعرية المثيرة والخارجة عن المؤلوف التقليدي، رغم انه لم يكن يؤخذ دوماً على محمل الجد. من هذه القصائد على سبيل المثال قصيدته (الحياة أو الموت) التي يقول فيها:
               أيها الفقراء لا تيأســــوا   من الحـــياة أيها الفقراء
               رفعت أخيراً فوق را بيــة   الـهدى راية بلشفية حمراء
لم تدل حياة الشاعر السياسية على تأييده للفكر الماركسي. ومع هذا فإنه ساهم في نشر هذا الفكر التحرري. استلت القصيدة من بطاطو، الجزء الثاني، ص, 45, مصدر سابق .وللمزيد عن فكر ودور الزهاوي في نشر الفكر الليبرالي راجع, د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي، ص.ص.164 – 170.   
[19]   عامر حسن فياض، جذور الفكر الاشتراكي، مصدر سابق، ص. 53.
[20] د. جليل العطية, عبد الفتاح إبراهيم: شاهد على احتلالين/ مجلة الثقافة الجديدة,ص.90, العدد 311, غام 2004.
[21] حسين جميل, أزمة الدمقراطية في الوطن العربي، مستل من د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي, ص. 274, مصدر سابق.
[22] د, عبد الرزاق مطلك الفهد, ص. 73، مصدر سابق.
[23]  المصدر السابق , ص. 75. وقد جمع مقالاته وصدرت بجزئين حسب المصدر المذكور, لكن د. عامر حسن فياض يقول في هامش الصفحة 158 من كتابه جذور الفكر الديمقراطي, أنها كانت في خمسة أجزاء.
[24]  للمزيد راجع المصدر السابق,ص. 77-82
[25] للمزيد راجع فائق بطي, الموسوعة الصحفية , ص. 52 وما بعدها, مطبعة الاديب, بغداد 1976
[26]  عرف العراق القديم هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم ف " فضلاً عن واجب تحقيق الرفاه العام نرى أن السلطة السياسية في العراق القديم كانت تجد نفسها أمام واجب تحقيق العدالة, بقدر ما راحت العدالة تمثل على حد قول جاكوبسن (( شيئاً من حق كل انسان)). فمنذ الالف الثاني قبل الميلاد أضحى الناس يشعرون أن العدالة حق مشروع لامنة شخصية ". د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي، ص. 293, مصدر سابق.
[27]   عزيز سباهي، مصدر سابق، ص. 102. ويشير بطاطو إلى " ظاهرتان محليتان (لعبتا) دورهما في نشر خطوط التأثير, كانت احدهماهي حميمية العائلة العراقية الكبيرة... وكانت الثانية هي المودة بين أهل المحلة, أي الحي في المدينة ". بطاطو، الجزء الثاني، ص. 64.
[28]  حنا بطاطو، مصدر سابق، ج.2، ص. 43.
[29]  عامر حسن فياض، جذور الفكر الاشتراكي ، مصدر سابق، ص. 144
[30] والدها كان ضابطاً في الجيش العثماني، وهي شقيقة حسين الرحال، وزوجة عوني بكر صدقي. وهي أول امرأة مسلمة عراقية تنزع الحجاب التقليدي (العباءة). كما كانت أول امرأة تتسنم مركزاً حزبيا عالياً، إذ تم انتخابها عضوة في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في أعوام 1941-1943 أيام قيادة يوسف سلمان يوسف( فهد) للحزب. 
[31] صدر العدد الأول منها في 28/ 12/ 1924. وقد دأب الادب السياسي خطأً على اطلاق كلمة جريدة وليس مجلة.
[32]  عامر حسن فياض، مصدر سابق ص. 162، كذلك بطاطو، مصدر سابق، ج.2، ص.48-53
[33]  المصدر السابق، ص. 154
[34]  بطاطو، مصدر سابق، ج.2.ص.44
[35]  حول الرواد الأوائل للفكر الاشتراكي والتقدمي يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:د. عبد اللطيف الراوي، الفكر الاشتراكي في النقد والأدب العراقي المعاصر 1918- 1958، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب جامعة بغداد 1975؛ حنا بطاطو، مصدر سابق، الجزء الثاني؛ عامر حسن فياض، جذور الفكر الاشتراكي مصدر سابق؛ كذلك لذات المؤلف، جذور الفكر الديمقراطي في العراق الحديث1914-1939وزارة الثقافة 2002 بغداد؛ د.عبد الرزاق مطلك  الفهد ، تاريخ الأحزاب السياسية في العراق 1946-1958، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة كلية الآداب، 1975؛ ولذات المؤلف بدايات الفكر الاشتراكي، مصدر سابق؛  عزيز سباهي، عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ، مصدر سابق. د. مظفر عبد الله الأمين، جماعة الأهالي، منشؤها ، عقيدتها ودورها في السياسة العراقية، لندن 1998؛ عبد اللطيف الراوي، المكونات الأولى للفكر الاشتراكي في العراق، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 69 آذار 1974؛ مقابلة مع حسين الرحال أجراها د. عبد الرضا الطعان، الثقافة الجديدة، العدد 4 – نيسان 1975 .
[36]  للمزيد حول الأب الكرملي راجع كوركيس عواد( الأب انستاس الكرملي- حياته ومؤلفاته) بغداد 1960, أما بالنسبة إلى الدكتور سليمان غزالة فيراجع د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي,ص.243, والذي يصفه بكونه ينتزع " بجدارة لقب رائد المفكريين العراقيين" ومن ترجمته لحياته المعتمدة على كتاب( د. سليمان غزالة, حياته الشخصية والوظائفية, بغداد 1929), يتضح أنه درس في الموصل وبغداد ثم صار مديراً للعلوم والتعليم العربي في مدرسة الاليانس الاسرائيلي, ثم درس في فرنسا ونال شهادة الطب عام 1886وعين طبيبا صحيا على جميع انحاء العراق. وعين عام 1923 بعد تأسيس الدولة عضوا في المجلس التأسيسي العراقي. وله أكثر من 14 كتابا في مختلف العلوم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والادبية. حتى أنه " نسج في نتاجاته الفكرية الغزيرية المنشورة وغير المنشورة أفكارا واضحة تنم عن التعلق بالحرية في مفهومها الخاص الفردي وبمفهومها العام الوطني".
[37]  عامر حسن فياض، مصدر سابق، ص. 180
[38] مصطلح روسي الاصل, تطور مضمونه بالترافق مع التطور الحضاري فقد استخدم لاول مرة للدلالة على الفئة الاجتماعية ذات الثقافة الاوربية الغربية , ومن ثم اطلق بعد النمو العاصف للعلاقات الرأسمالية وتعمق تقسيم العمل, على العاملين في الحقل الفكري. للمصطلح عدة تعاريف.. تتفق أغلبها في الجوهر الذي معياره العام هو التحصيل المعرفي/العلمي, وتختلف في سعة الشمول للفئات المنضوية تحته, بحيث يذهب البعض إلى شمول كل الخريجين الجامعيين بضمنهم طلاب الجامعات.. في الوقت الذي يحصره البعض فقط في العاملين في انتاج المعرفة واعادة انتاجها. رغم أن المرحلة الاجتماعية ودرجة التطور والظرف التاريخي للبلد ودلالتها تلعب دورا في تحديد مضمون المصطلح والمشمولين به.
[39]  فرهاد إبراهيم ، الطائفية السياسية، مصدر سابق، ص. 59
[40]  د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي, ص. 133, مصدر سابق.
[41]  لقد تم الاعتداء  فعلاعلى بعض هؤلاء الرواد مثل ميخائيل يوسف تيسي, كما طعن أحد الجهل شخصاً اعتقد انه عوني بكر صدقي..
[42] لعبت الصحافة العربية دورا مهماً في زرع المفاهيم الحديثة  وتنميتها في أرضية المجتمع العراقي.. وكانت منها (المقتطف) لصاحبها المفكر العربي شبلي شميل " التي وصلت الاعداد الاولى منها إلى بغداد عام 1876 قاومها المحافظون لأنها, في نظرهم, تنشر عقائد جديدة وخطرة ... وهكذا لعبت المقتطف دوراً مهماً في شيوع الافكار الغربية الحديثة في اةسلط المثقفين العراقيين لا سيما في العلوم الطبيعية والانسانية وبالذات النظريات التطورية لدارون وسبنسر ..." عامر حسن فياض , جذور الفكر الديمقراطي, ص. 370-371, مصدر سابق. ويشير ذات المؤلف إلى أنه وصلت للمجلة خلال يوبيلها الذهبي, من مثقفي العراق 58 موضوعاً اغلبها مقالات علمية. وكانت لصاحبها صلات مع بعض المثقفين العراقيين.
 [43] مستل من د. عامر حسن فياض، جذور الفكر الاشتراكي والتقدمي مصدر سابق.
[44]  راجع للمزيد, د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي، ص. 158 وما بعدها, مصدر سابق.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور الفـرد في التاريـخ - عبد الكريم قاسم نموذجاً


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عقيل الناصري - الإرهاصات الفكرية للمساواتية الحديثة في العراق الحديث