أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يعقوب بن افرات - المسيرة الخائبة لتحرير جلعاد شليط















المزيد.....

المسيرة الخائبة لتحرير جلعاد شليط


يعقوب بن افرات

الحوار المتمدن-العدد: 3071 - 2010 / 7 / 22 - 11:25
المحور: القضية الفلسطينية
    


المسيرة التي تملأ أخبارها وسائل الإعلام من أجل إطلاق سراح چلعاد شليط تزداد حدّة وتخلق رأيًا عامًّا مؤيّدًا لموقف "بكلّ ثمن". وما هو الثمن؟ نتنياهو بنفسه كشف رسميًا، في خطابه للأمّة، الطلبات التي عرضتها حماس في نهاية السنة الماضية. تتضمّن القائمة ألف أسير، منهم 450 أسيرا تصل مدّة محكوميتهم إلى عدّة مؤبّدات. عمليًا يتمحور الجدل الدائر بين إسرائيل وحماس في الوقت الحاضر حول عشرة أسرى لا أكثر، ويعتبر شملهم أو عدمه في قائمة التبادل، الأمر الذي سيقرر هل تخرج إسرائيل منتصرة أم مهزومة في المساعي لإسقاط حكومة حماس في غزّة.

هذا هو السؤال الجوهري المطروح على الساحة، وليس مدى خطورة الأسرى الذين سيُطلق سراحهم. يقف أمام رغبة عائلة شليط في إطلاق سراح ابنها الأسير، اعتبار استراتيجي هو التخوّف من أن يقوّي الثمن الذي ستدفعه إسرائيل حكومة حماس، ويضعضع مكانة السلطة الفلسطينية في الضفّة الغربية. في الوقت الذي تحوز فيه عائلة الجندي الأسير على دعم قطاعات كبيرة في الجمهور الإسرائيلي، يتمتّع نتنياهو بدعم الإدارة الأمريكية ومصر والسلطة الفلسطينية التي ترفض تحريره بكل ثمن. من هذا يتضح أنّ الصراع ليس بين قوّتين متكافئتين، وعمليا لا وجود لحكومة في إسرائيل، لا الحكومة الحالية ولا السابقة، يمكنها الاستجابة لمطالب حماس وإطلاق سراح چلعاد "بكلّ ثمن".

عملت حكومات إسرائيل كلّ ما بوسعها لإطلاق الجندي الأسير. فرضت حصارًا قاسيًا على قطاع غزّة وأدّت إلى كارثة إنسانية فيه. محاولة حماس التخلّص من الحصار من خلال إطلاق صواريخ القسّام المكثّف إلى إسرائيل، أدّت إلى الحرب الاسرائيلية الهوجاء "الرصاص المسكوب"، التي هدمت غزّة وأودت بحياة 1200 من سكّانها، منهم حوالي 600 طفل. الثمن الدولي الذي دفعته إسرائيل على ذلك كان كبيرًا: تقرير چولدستون ترك وصمة عار على الدولة، كما أدى أسطول السفن التركية إلى أزمة دولية ذات أبعاد سياسية خطيرة.

الحقيقة هي أنّ نتنياهو كسابقه أولمرت، اضطرّ إلى الاعتراف بالحقيقة بأنّ إطلاق سراح چلعاد شليط ليس بيد رئيس حكومة إسرائيل، وإنّما منوط بالظروف الإقليمية التي تملي كلّ خطوة سياسية. أحد المعارضين البارزين للصفقة هو الرئيس الأمريكي، باراك أوباما ذاته. أوباما لا يفهم لماذا تستطيع أمريكا التضحية بجنودها في الحروب ضدّ الإسلام المتطرّف ورفض التفاوض مع آسريهم، بينما تبدي إسرائيل استعدادا للتنازل عن مقوّمات استراتيجية يمكنها أن تضرّ حلفاءها كمصر والسلطة الفلسطينية وتقوية حماس.

إطلاق سراح چلعاد شليط مرتبط ارتباطًا وثيقًا بجهود المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس. الطريق المسدود الحالي في المفاوضات حول تبادل الأسرى، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأزمة الخطيرة القائمة بين حماس ومصر، وبالصراع المفتوح بين حماس والسلطة الفلسطينية. الهدف غير المعلن للحرب الاخيرة على غزة كان إجبار حماس على التخلّي عن المقاومة المسلّحة والتوصّل إلى تفاهم مع أبو مازن، لتمهيد الطريق للتوصّل إلى اتّفاق حول شروط إطلاق شليط. كما نعلم، الحرب تشوّشت بسبب العدد الكبير من الضحايا الفلسطينيين، ولذلك كان نجاحها في تحقيق الاهداف الاسرائيلية جزئيًا؛ صحيح أنّ حماس توقّفت عن إطلاق الصواريخ، لكنّ مكانتها لم تتضعضع.

عائلة شليط أدركت الوضع، وفي اليوم الذي قرّرت فيه الحكومة فكّ الحصار عن غزّة، قرّرت العائلة بدورها النضال بكلّ الوسائل، والتعبير عن عدم ثقتها التامّة بالحكومة. الحصار كان ورقة المساومة الأساسية لإطلاق چلعاد شليط، وبعد ان احترقت هذه الورقة، راحت العائلة تطالب الحكومة بدفع الثمن الكامل الذي حدّدته حكومة حماس. هنا يبرز ضعف ووهن المجتمع الإسرائيلي. من الواضح أنّ حماس تستطيع استغلال المسيرة، وأنّ المسيرة تمسّ بقدرة حكومة إسرائيل على الصمود. فنتتنياهو يتخبّط بين الحاجة للدفاع عن مستقبله السياسي وبين المحافظة على مقوّمات الدولة الاستراتيجية.

عائلة شليط التي خرجت بمسيرة إلى القدس، هي مرآة لإسرائيل الحديثة، وهذه أشكنازية، تحبّ البيئة والحياة المرفّهة والجولات في الطبيعة والسفر إلى خارج البلاد، توفّر لأبنائها أفضل تعليم لتضمن لهم وظيفة براتب محترم في أحد الفروع الاقتصادية الرائدة- في الهاي تك أو في أسواق المال والعقارات، وطنية جدًّا، تتطوّع للمجتمع وتكره السياسة والفساد الذي يرافقها.

من الناحية السياسية تتمركز عائلة شليط بين حزبي كديما والليكود، وبالطبع لا تبالي بتاتًا بمصير الفلسطينيين. تؤيّد إنهاء الاحتلال للتخلّص من هذه الضائقة إلى الأبد، لذلك فمن الملائم بالنسبة لمصالحها ان يبقى الجدار الفاصل وتؤيد مبدأ الانفصال. عائلة شليط تمثل اسرائيل التي ترسل أبناءها إلى الجيش، لكن بشرط أن تُعيدهم الدولة إلى البيت معافين سالمين. إذا دعت الحاجة لتضييق الحصار على غزّة واجتياحها أو اجتياح لبنان بقوّة مفرطة وتدميرها، فليكن، المهمّ ألا يصاب ابناؤها. كلّ جندي يُجرح هو فشل للحكومة ودلالة على أنّها لم تستخدم القوّة الكافية لتضطرّ الطرف الآخر إلى الانسحاب.

لذلك المسيرة من أجل چلعاد شليط ليست مسيرة من أجل "إسرائيل أخرى"، وليست من أجل السلام. إنها لا تنطوي على أيّ مسألة إنسانية، سوى الرغبة الطبيعية لكلّ أب في رؤية ابنه معافًى وسالِمًا في بيته. إنّها مسيرة تكرّس الأنانية الإسرائيلية والمحبّة لنِعَم الحياة التي ترغب في الحصول على كلّ شيء دون دفع الثمن. لا تطالب هذه المسيرة نتنياهو بوضع حدّ للاحتلال وتجميد المستوطنات أو هدم الجدار الفاصل. لا تطالب بالتوصّل إلى سلام حقيقي لمنع المزيد من القتلى والأسرى. إنها مظاهرة ضعف وضيق أفق، لذلك سيكون مصيرها الفشل.

كلّ حكومة تعلم ما هو الثمن الذي ينبغي دفعه لإطلاق سراح الجندي الأسير. كلّ ما يجب عمله هو الإعلان عن إنهاء الاحتلال ووقف المستوطنات والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. بهذه الطريقة فقط يمكن إنهاء الصراع وإعادة جميع الأبناء من الجانبين إلى عائلاتهم. ولكن لم تتشكّل في إسرائيل حتّى اليوم حكومة قادرة على القيام بهذه الخطوات، ويبدو أنّه لن تتشكّل حكومة كهذه في المدى القريب. الأمر الأكثر مأساويًا هو أنّنا لن نرى قريبًا مسيرة جماهيرية من الشمال وحتّى الجنوب تطالب بصوت عالٍ بوضع حدّ للاحتلال وللحروب ولإراقة الدماء. المسيرة التي نشهدها اليوم هي مسيرة شعب خائب يرفض الاعتراف بالواقع ويسير على غير هدى إلى لا مكان.



#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزب دعم : النظرية والعمل الجماهيري
- إجماع دولي: ارفعوا الحصار عن غزة
- الأزمة بين إسرائيل والولايات المتّحدة - تعثّر الحلف الإسترات ...
- اوباما والتسوية القسرية
- المحرقة والمعادلة
- ابو مازن مصر على موقفه
- دبي والأبراج المزدهرة
- أبو مازن يُلقي حربته
- الاحزاب العربية – ثلاثة مواقف دون برنامج
- تقرير جولدستون: لائحة اتهام شديدة دون آلية للتنفيذ
- تفاؤل؟ مسألة سياسية لا اقتصادية
- دولة فلسطينية خلال عامين؟
- المستوطنات أوّلاً!
- نظام ولاية الفقيه في مأزق تاريخي
- خطاب اوباما في القاهرة - السلام عليكم
- براك ينقذ اليمين
- مراوغات أوباما لن تحلّ الأزمة
- غزّة بعد الحرب - إسرائيل تقول أنا، وحماس تردّ أنا
- نتيجة الانتخابات الداخلية (برايمريز) في حزب الليكود اليمين ي ...
- رأسمالية دون لون


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يعقوب بن افرات - المسيرة الخائبة لتحرير جلعاد شليط