أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - عن النقد والمراجعة الفكرية















المزيد.....

عن النقد والمراجعة الفكرية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3070 - 2010 / 7 / 21 - 22:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ما زال فقه النقد والمراجعة الفكرية محدوداً الى درجة كبيرة، ولم يكتسب التأويل مشروعيته في إطار الخطاب العربي السائد، ولذلك يحجم الكثير من المفكرين من “التحرش” بالسائد أو نقده، لأن ذلك وفقاً للجهات المهيمنة: سلطة أو ثيوقراطية دينية أو غوغاء اجتماعية، ستتهمهم بالكفر والارتداد والمروق، ولعل ذلك حصل للعديد من المثقفين في عالمنا العربي، حين يُراد تفتيش الضمائر، ونستذكر هنا ما تعرّض له المفكر الراحل نصر حامد أبوزيد، الذي غادرنا قبل أيام، بإصدار قرار قضائي ضده يقضي بتفريقه عن زوجته، استناداً الى ما يسمى “الحسبة”، لخروجه على الدين، لاسيما قراءاته التأويلية للنصوص الدينية .

وإذا كان الفكر الديني عموماً يعلي من شأن النصوص ويتعامل معها بهالة أقرب الى التقديس، فإن الفكر القومي والفكر الاشتراكي الماركسي هما الآخران لم يسلما من مثل تلك “المقدسات”، لا سيما للنصوص القومية وبخاصة لميشيل عفلق مؤسس حزب البعث أو للنصوص الماركسية الاشتراكية، فكل فريق يتعامل مع نصوصه بوصفها “مقدساً” وما عداها “مدنّس” .

ولعل أي قراءة تأويلية لتلك النصوص، لا سيما تاريخانيتها وسياقها وظروف كتابتها والواقع الذي عبّرت عنه، ستعني لدى المتعصبين والمتزمتين والجامدين، ارتداداً وانحرافاً ومروقاً، وهو ما تجده لدى الكثير من كتب المذكرات من التيار القومي، لا سيما البعثي العفلقي، حيث يبقى عفلق وسلوكه السياسي ونصوصه خارج دائرة النقد، وهي موقف أقرب الى التديّن والإيمانية المطلقة منه إلى الفكر والعمل السياسي، وكذا الحال بالنسبة لماركس بشكل خاص والقادة الماركسيين بشكل عام، حيث يعتقد بعض المتمركسين الطقوسيين والشعارتيين والمدرسيين، أن نصوصه ونصوص القادة “مقدسات” ولا يمكن أن تُمس أو يشار إليها بالنقد .

ومع أن منهجه ظلّ صحيحاً، لا سيما اكتشافه المهم والمتعلق بقانون التطور البشري التاريخي إضافة الى قانون فائض القيمة، وهما اكتشافان أقرب إلى اكتشاف داروين لقانون تطور الطبيعة العضوية حسب انجلز، لكنه لم يكن كلّي الجبروت بحيث إن كل ما قاله يصلح لكل زمان ومكان، خصوصاً أن عمره البيولوجي لم يكن يسمح له بدراسة أو التعمق في كل المعارف والعلوم، وإن كانت له مساهمات مهمة في الاقتصاد والفلسفة وعلم الاجتماع والسياسة والرياضيات وغيرها .

وظلّت ماركسية ماركس بعيدة عن قراءة تاريخ الشرق ودوره في التطور البشري، وكذلك لم تدرك أهمية ولزومية الدين في حياة المجتمعات الشرقية، لا سيما العربية والإسلامية، فضلاً عن عدم تقديره لدور علم النفس، خصوصاً أن النظريات الأساسية له، وبخاصة لمدرسة فرويد، لم يتم اكتشافها، وظلّت الماركسية السائدة، ولا سيما في الدول الاشتراكية، ترفض الاعتراف بذلك، بل تعتبره بدعة برجوازية، وحُرمت الجامعات الاشتراكية حتى أوائل الستينات من دراسة علم النفس أو الاعتراف به كعلم قائم بذاته يؤثر في علم الاجتماع السياسي .

ولم تكن مساهمات وقراءات ماركس “الماركسية” ذات شأن بخصوص دور الميثولوجيا والسرديات وعلم الجمال والنقد الادبي وغيرها، فضلاً عن رؤيته الطوباوية إزاء موضوع الدولة ومستقبلها، وهو الذي كان بشّر بذبولها، لكن ذلك لا يعني أن الماركسية أصبحت متحفية أو لا لزوم لها .

وقد أعادت الأزمة الاقتصادية والمالية الكبرى، التي شهدها العالم في أواخر 2008 ومطلع العام 2009 والتي لا تزال مستمرة، وبخاصة في قطاعات البنوك وشركات التأمين وبعض المؤسسات المالية الكبرى، طيف ماركس، باقتباس جاك دريدا الذي تحدث عن “أطياف ماركس” . وكانت قمة الدول الثماني الكبرى المجتمعة في تورنتو (كندا) أواخر شهر يونيو/ حزيران الماضي، ومعها قمة دول العشرين، وهما تسعيان إلى إيجاد حلول ومعالجات للأزمة، كأنها تقرأ في كتاب رأس المال لماركس .

وإذا كانت الماركسية تعني علم الرأسمالية، أي أنها كانت الأجدر والأفضل والأعمق في دراستها وتحليلها، لا سيما الاستنتاجات بشأن مستقبلها، وهي حتى الآن ما تزال صحيحة بخطوطها العريضة، مع الأخذ بنظر الاعتبار التطور العلمي والتكنولوجي الهائل الذي مثل ثورة حقيقية، وبخاصة في صناعة الإعلام والاتصالات والمواصلات والثورة الرقمية “الديجيتل”، فإن الماركسية هي الأخرى تحتاج الى وقفة مراجعة جدية لنقدها، سواءً نقد ماركس وبعض أطروحاته وتعليماته، أو نقد الماركسية ما بعد ماركس، من دون أن يعني ذلك اجترار الحديث حول الحتميات التاريخية، فالرأسمالية كما دلّ عليها تاريخياً لديها من الآليات لاستعادة حيويتها وتجديد نفسها، وهو ما أشار إليه مؤسسا الماركسية، ماركس وانجلز، منذ وقت مبكر .

لقد ظلّت الماركسية بعيدة عن النقد، وكانت محاولات التطوير والقراءات الجديدة لمدرسة فرانكفورت والأوروشيوعية لاحقاً محدودة التأثير، بحكم هيمنة التيار التقليدي الماركسي الذي يرجع كل شيء إلى ماركس بصنمية وقداسة، كان ماركس أول من عارضها ووقف ضدها .

أيجوز لنا اليوم الحديث عن الماركسية من دون ماركس؟ وهو الأمر الذي يعني أن ماركس كان مرحلة أولى ومهمة في الماركسية، وليس نهايتها والماركسية بهذا الفهم، لا سيما بلا ماركس، هي بلا نهايات أو بلا ضفاف بحسب روجيه غارودي، إنها منهج وضعي نقدي مفتوح وديالكتيكي، بمعنى أنها ليست أحكاماً جاهزة وسرمدية وخالدة .

لم يستطع ماركس ولا الماركسية الجدلية بعده، الحديث عن المجتمع الاشتراكي الاّ بصيغة “التنبؤات”، الأمر الذي كان في حاجة إلى فحص وتدقيق ضروريين، لأن ذلك يدخل في علم المستقبل، وبقدر تمكنّ الماركسية من تحليل الرأسمالية ونقدها على نحو رائع، لكن الموضوع لم يكن ممكناً بالقدر نفسه إزاء الاشتراكية المتخيّلة، لأن المستقبل لم يكن ولا يزال وسيظل غائباً، أما الرأسمالية فهي قائمة ومعلومة، ولها قوانينها ومؤسساتها ووسائل إنتاجها وقوى وعلاقات إنتاج، وقد أخذ ماركس ومنهجه “الماركسي” أي الجدلي على عاتقهما كشف عيوبها ومثالبها، والتبشير بنظام بديل عنها يضع الإنسان وحاجاته المادية والروحية في صلب حركته وهدفه، لإلغاء الاستغلال وتحقيق العدالة والمساواة .

وماركس هو الذي ردّد “لا علم كاملاً إلاّ في مملكة النحل”، ولعل كل شيء مهما بدا كاملاً فإن فيه شيئاً من النقص، وفي نقصه سرّ تقدمه، أي بنقده وقراءته تأويلياً . ويذكرني هذا الكلام بالفيلسوف العربي الصوفي، النفّري الذي كان يقول “كل علم مستقر يعني جهلاً مستمراً”، فالأشياء لا تحسب إلا بنسبيتها، ولعل ذلك كان استعادة لقراءة نقدية للتيارات الفكرية المختلفة، بمناسبة حلقة دراسية نظّمها مركز الجاحظ في تونس، الذي يرأسه المفكر التونسي صلاح الدين الجورشي، لكتابي “تحطيم المرايا- في الماركسية والاختلاف” الذي حاولتُ فيه أن أعيد قراءة ماركس خارج النص المقدس، وعبر كشف حساب لماركسية كانت قد وصلت إلى العالم العربي، وبعض تعاليمها كان غير صالح للاستعمال، فضلاً عما أضفي عليها من نزعات ريفية ولمسات بدوية، ناهيكم عن أن الماركسيين الرسميين، وهم يجانبون فقه النقد، ويختفون وراء النصوص المقدسة، أهملوا المنهج وهو لبّ الماركسية وسداها ولحمتها، وتمسكوا بقشورها وترهاتها أحياناً .

باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل لا تزال الماركسية ضرورية؟
- حين يرحل المفكر مطمئناً
- أسئلة التنوع الثقافي
- استحقاقات برسم تسليم الحكومة العراقية الجديدة
- الاغتيال السياسي : مقاربة سسيو ثقافية حقوقية
- سلطة العقل.. السيد فضل الله حضور عند الرحيل!
- الثقافة والتغيير
- ظلال غورباتشوف في صورة أوباما الأفغانية
- النيل والأمن المائي
- الانتخابات ومستقبل العراق!
- الأزمة الكونية وحلم التنمية
- 5 رافعات للتسامح
- هل تستقيم المواطنة مع الفقر؟!
- الثقافة والتربية.. لا حقوق دون رقابة
- قرصنة وقانون: أليست كوميديا سوداء؟
- مسيحيو العراق: الجزية أو المجهول!
- الطائفة والطائفية: المواطنة والهوية!!
- العروبة والهوية والثقافية
- حكاية تعذيب!
- العروبة والدولة المنشودة!*


المزيد.....




- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...
- الراهب المسيحي كعدي يكشف عن سر محبة المسيحيين لآل البيت(ع) ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين شعبان - عن النقد والمراجعة الفكرية