ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 3070 - 2010 / 7 / 21 - 21:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
المجتمع السوري من أكثر المجتمعات الشرقية اعتدالاً ووسطيةً وانفتاحاً على الرأي الآخر ، كما أنه الأكثر مدنية وتعايشاً مع الآخر ، ونتيجة لذلك ، فهو الأكثر انسجاماً مع مفرزات الحداثة والعولمة .
هذه المقدمة ليست تبريراً ، لفعل أقدمت عليه سلطات النظام السوري ، قبل بضعة أيام ، كان نتيجته منع ارتداء النقاب في الجامعات والمدارس ، تمهيداً لمنعه في الأماكن العامة ، وليس تهويماً لعقل القارئ ، فثلاثية الاعتدال والوسطية والانفتاح ، حقيقة واقعة ، تشهد عليها مخرجات الحياة الثقافية والاجتماعية التي قدمت نموذجاً فريداً ، دلت عليه مدنية الإنسان السوري القاطن في الريف أو المدينة على حد سواء.
فالواقع ، أن المجتمع السوري ، قبل أو بعد تزييف وعيه السياسي والثقافي ، لازال يدرك ويميز بين طبيعته الإنسانية والاجتماعية التي نشأ عليها ، وبين كل جديد طارئ أو مستورد من خارج منظومة قيمه .
فلم يكن النقاب ( البرقع) جزءاً من حياة المجتمع السوري بأغلبيته الساحقة ، ولا يرقى إلى مستوى الثقافة الشعبية ، لكي يستحق منا نعته بثقافة النقاب ، فهو لا يتعدى صفة الظاهرة ، حتى في أكثر المجتمعات تشدقاً وتقديساً له .
الآراء ووجهات النظر حول منع النقاب أو عدمه في بلدان عُرِفت شعوبها بالانفتاح والمدنية ، كمصر وسورية ، متعددة ومتفاوتة بين مؤيد لمنعه ، بداعي الحفاظ على قيم المجتمع من أي مظاهر مستوردة من خارج بيئته الأصلية ، وآخر معارض بحجة حماية الحرية الشخصية ، لهذا كله ، لن نقف كثيراً عند تلك الآراء التي تؤيد أو تعارض منعه ، نظراً لأنها ليست فقط آراء بعض الإسلاميين المعروفة مسبقاً ، بل هي وجهات متفاوتة التقدير بين العلمانيين أنفسهم .
في هذا السياق ، لا يسعنا سوى التأكيد على اعتبار النقاب ظاهرة دخيلة على ثقافة المجتمع السوري وغيره من المجتمعات ، وأن منعه أو الحد منه ، خطوة أولى تستدعي تحركاً موازياً لمنع كل الظواهر الشاذة ، وعلى رأسها ظاهرة الطائفية السياسية التي تنخر جسد المجتمع السوري ، مثلما يحجب النقاب النور عنه .
فالمنع ، ينبغي أن يكون متوازياً وفي كلا الاتجاهين ، طالما أن خطر النقاب لا يقل عن خطر الطائفية ، فالأول ( النقاب ) ينشر ثقافة التشدد والتطرف والانغلاق ، والثاني ( الطائفية ) تقسّم وتشرذم المجتمع إلى كيانات وهويات تستأثر بكل أسباب القوة والعنف في سبيل السيطرة والهيمنة على غيرها من الكيانات .
فالنقاب والطائفية ، ظاهرتان مستوردتان من خارج العرف الاجتماعي السوري ، خطورتهما تبرز في مجال استخدامهما كسلاحين متضادين ، ينشران ثقافة العنف والكبت في أوساط المجتمع ، ومنع أحدهما ( النقاب ) دون الآخر ( الطائفية ) يعني تعزيز وغلبة أحدهما على الآخر ، وهذا ما تريده السلطة في سورية ، على الأقل حتى الآن .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟