أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم كمال الدين - العائلة المقدسة الرقيّم الأول















المزيد.....



العائلة المقدسة الرقيّم الأول


حازم كمال الدين
مسرحي، روائي، مترجم، صحافي

(Hazim Kamaledin)


الحوار المتمدن-العدد: 933 - 2004 / 8 / 22 - 09:28
المحور: الادب والفن
    


العائلة المقدسة
الرقيّم الأول

لوح الافتتاح
سين والبيت

بيت أو قصر أو خان. ظلال تعشش على الشبابيك. صرير يسكن الأبواب. لون الحيطان لون جلد آدمي ضارب إلى الحمرة. تعلو الأبواب الداخلية طوارق حديدية؛ حينما يرتفع أحدها إلى الأعلى يئن، وحينما يسقط على اللوح الحديدي تطقّ خرخشة أو وشيش. ستائر لا يمكن تحديد لونها. الندى المتراكم فوقها يخفي اللون.
ضبابي هو زجاج النوافذ.
كانت الشبابيك شفافة يوما ما؛ يوم تذكرتها يد أمسكت ندى وقطعة غيم وجريد نخلة؛ تلك العادات التي ما عادت تستخدم منذ زمن. معدن أبدي يحتضن إطارات الشبابيك ويتماهي بالحائط كان في زمن ما نحاسا، وبعد "الزمن الـ ما" إثر مرور عصور سحرية وأخرى شعرية وثالثة غرينية ورابعة نثرية وخامسة صوفية وسادسة سماوية اكتسب المعدن روحا تطوف في الألوان تبتني علاقة جديدة بالزمن.
معدن من الفجر.
من أحد الشبابيك يتميز معدن ينتمي إلى ذات العائلة اللونية، الفجرية، تخفق في نهايته المرتفعة زهرة "عباد شمس" زرقاء متوهجة تعطي انطباعا بأن ثمة من يلوّح بالزهور. عبادة الشمس الزرقاء، مطرزة الحواشي متداخلة البذور، ومحروسة بالكوى والنحل عند التويج.
في ذلك الفجر المحنّى بالظلال ارتدت عبادة الشمس، هيئة ساعد تكاد أن تقطر منه بعض القطع القماشية لولا اكتسابها هيئة زرقاء رفرافة متجمدة. فجر أزرق تضربه الشمس بشعاعها فيحمرّ عند النهايات. طبول السماء. النسائم تغزو عبادة الشمس. صوت ينتمي إلى خفق أجنحة الطيور. تطير الطيور من ثقوب عبادة الشمس وتصطفق الشبابيك... صمت.

سيمطرنا الصباح بعد قليل.
صمت.
الراية التي عادت إلى صمتها تصغي.
الفجر المموج بالإشعاعات والظلال يؤكد عزمه على الزيارة.
صمت.
اظفر صغير يلج لوحة الصمت؛

صيحة ديك طويلة تمتد على أفق الساعد أو عبادة الشمس. اظفر آخر يخدش قماش اللوحة الصمتية اللون؛ صيحة ديك أطول وأشد لوعة، لكن لون الصيحة يتجمد في ذات الزاوية التي انطلق منها. مخلب صغير يمزق القماش الصمتي للوحة.
ثمة شيء هناك.
خان مثل قصر عنتيك من الخارج ومثل متحف شمعي من الداخل.. الخان الرابط الجأش قبل التهاوي يتكثف في لحظة ويعود مبنيا في حالة توازن قلق. شبح يتراءى داخل صومعة. الفضاء المحيط بالشبح، زمن من أمواج بحرية ثائرة متجمدة، وهي في أوج ارتفاعها. لقد كانت الأمواج سوائل تكثفت تدريجيا. ترى إليها فتشعر أنها مستعدة لتنكر هيئتها المكثفة في أي لحظة، لتغدو ماء زلال إلا أنها لا تفعل. لا تظهر الشمس من خلف الأمواج المكثفة، بل يظهر ملمس ضوءها ساطعا بين ضلوع عبادة الشمس، وكأن ربّا يقف خلفها بيده مقاليد الجياد والطيور والفسائل والإبل.
ثلاث أشجار طالعة صوب عوالي القمم الموجية تصدمك حال النظر إليها. فموقعها غريب، وطريقة وقوفها أكثر غرابة. هكذا؛ تحس بمجرد النظر إليها أنها أجتثت من غابة ما، أو ربما غابة ما تركتها، فارتبكت وهرعت خلف صاحباتها إلى السور، وخوفا من السقوط تشبثت بعض أحراشها بسياج متآكل قد لا يكفي للقيام بهذه المهمة. تلوّت أجساد الشجر حول بعض وهن يتلفّتن إلى المصير المتوقع في تلك الهاوية المرصّعة بالطرقات الرملية والسواقي السرابية والثكنات المموهة.
تحت أقدام الأشجار الثلاث ثمة أخاديد تتمشى إلى وسط باحة تتمايل أرضها كأنها تريد أن تتورشع الأشجار. وكلما ازدادت حركة الأشجار عنفا باتجاه السياج ترى الباحة وقد حشّدت الآجر كالمظاهرة. ومن تلك الزاوية بالذات، بدا الآجر في وضعية وقوفه متنكبا مظهر الغاضب المتوعد. وهذا مما زاد حركة الأشجار عنفا والتواء.

بيت مسوّر بالأمواج.
رابض في فوهة بركان فتيله رمل صحراء، وجدحته مسافة واقفة على مفترق طرق.


الرقيّم الأول
أرض القصب

لوح أول
عزيز الغضبان

كانت تعترض عزيز الغضبان إبان حياته الجنينية في رحم ساره أحلام عن طباع العائلة المقدسة التي سيتوجب عليه أن ينتمي لها بإرادته أو بالضد من إرادته. ولأن جدرانا سميكة مكونة من سوائل ثقيلة محيطة بالجنين، غشاء الجنين، جدار الرحم وجدار البطن تفصله عن العالم الخارجي كان عزيز الغضبان يعاني من صعوبة في تحديد هل هذه الأحلام أحداث حقيقية أم محض خيال. وكلما اعترضه حلم راحت تطلّ من إطاراته شخصيات المشاركين فيه ترتدي أشكال الخنازير المحرمة في الدين الإسلامي!

لوح ثاني
دجلة الغضبان

بقيت دجلة الغضبان، أخت عزيز الغضبان الوديعة تنتظر فارس الأحلام بجدية متناهية حتى انتهى بها يأس السنوات الأربعين إلى الزواج من ابن اساف: خالها المتخلف عقليا والحامل في ذات الوقت لموهبة استثنائية في الرياضيات سمحت له ذات يوم من أيام حكم الفارس الأبدي المؤمن بالموهبة لا بالدراسة المنهجية أن يدخل كلية الهندسة دون أن يمر في دراسة الإعدادية ويحصل على لقب مهندس وهي الصفة التي أشترى بها دجلة الغضبان من أبويها.
في ليلة الزفاف عجز ابن الخال إساف عن التفريق بين فتحة البول وفتحة المهبل وتأخر الوقت فيما كان والد العروس ينتظر بفارغ الصبر خروج العريس من قفص الزفاف ومعه شارة النصر. دخل الأب صقر الصقور المرتعد من فكرة البكارة والعار وغسل العار وما إلى ذلك على العروسين وأصابه الفرح حين عرف أين تكمن معضلة التأخير. أمر الأب صقر الصقور ابن أخته بالوقوف خارج القفص. تناول قطعة قطن. فتح فرج ابنته ووضع القطن عند باب المهبل. خرج من قفص العرس ونادى على إساف. اقترب الأخير من عمّه، فهمس الوالد له أن يتبع طريق القطن. واستحالت تلك الليلة مأساة إغريقية. ذلك أن قضيب ابن الخال ولج المهبل بارتباك وعلى غير ما توقع سحب معه قطعة القطن ودم البكارة المفتضة للتو. وهاله أن لا يرى دما يبلل به المنديل ويريه للرجال المنتظرين على أحر من الجمر تلويحة المنديل الدامي. وقبل أن تأخذ عقدة لسان الرجال طريقا إلى الغضب المسعور قررت أم إساف أن تقوم بعملية جينولوجية سوية مع أم العروس سحبت في نهايتها من أعماق الرحم قطعة ملوثة أثارت جدلا واسعا بين المرأتين للتعرف على ذلك اللون الأحمر الباهت العالق بالقطنة ولتفريقه عن السوائل الأخرى، وهي مزيج من الحيوانات المنوية الباهتة وإفرازات السوائل المساعدة على الإيلاج والأغشية المخاطية المستقرة في الرحم. وإذ جنّت ضربات الرجال على قفص الزفاف اضطرت المرأتان للوئام المؤقت تفاديا للغضب الذي تسلّق جدران العرس وجرّد خنجره من غمده استعدادا لرقصة غسل العار:
ـ القطنة مخضبة بالدم! انظروا!
صرختا معا وهما تلوحان بقطعة القطن للرجال الذين راحوا ينظرون ببلاهة لتلك الخرقة المعفّصة راثين ذبول شهوة احتلت كيان كل واحد منهم؛ شهوة الدم.
بيد أن عائلة الأب صقر الصقور ظلت تشعر أنها أهينت من قبل الطرف الآخر في الصميم، بينما ابتلعت عائلة أبناء الخال شعورا بالخدعة الكبرى والعار من زوجة ابنهم الجديدة؛ زوجة ليست عذراء.
وقد اعترض هذا الحلم عزيز الغضبان إبان عبوره الأسبوع الرابع في رحم أمه.

لوح ثالث
العزيزة وغياث الغضبان

الشريفة العزيزة، عمة عزيز الغضبان المثقفة مصابة بتشوهات جسدية ولادية. لجأت لتعاطي العمل السياسي في فترة ما للتغطية على عيوبها الجسدية. وبما أنها تعيش في بيت الأب صقر الصقور فقد أنشأت أبناء أخيها (إذا جازت تسمية "أخيها") صقر الصقور على منوالها: طريق الالتزام والصدق والإخلاص السياسي ولم تتزوج.
والعمة العزيزة هي شخصية روحية تمنح الإلهام والجميع يقومون لها بالصلوات باعتبارها عمتهم أو جدتهم. إذ لا أحد يعرف صلة القرابة بينها وبين الأب صقر الصقور على وجه التحديد، كما يعجز أي شخص عن تحديد عمرها. فإذا تحدثت عن الماضي البعيد سردت الأحداث وتفاصيلها وكأنها عائدة للتو من هناك وارتدى وجهها غضون عجوز في الثمانين. وإذا تحدثت عن الحب زالت التجاعيد وحطت بدلا عنها بشرة شابة مراهقة. إذا تحدثت عن الدين هالك وجهها النوراني وإذا ما تناوشت الماركسية رأيت عينيها تغرورقان بالوجد. تهامس البعض قائلا أنها ليست كائنا بشريا، وإنما روبوت، وظنّ البعض أنها مخلوق غير أرضي هبط من كوكب آخر، وقارنها البعض بالحرباء لقدرتها على تلبّس كل حالة بطريقة فريدة. حتى الأب صقر الصقور، آخر الأحياء من العائلة المقدسة لا يتذكر شيئا عن الشريفة سوى أنها موجودة مذ فتح عينيه على الدنيا وكان عليه أن يناديها الشريفة كما فعلت أمه من قبله. وكان لدى الشريفة حزمة من العصي.
ذات يوم اضطرت الشريفة العزيزة للهروب خارج مدينتها الصغيرة، وعبرت الأسوار وأقامت في أرض كنعان على أثر إلقاء القبض على المناضل الكبير غياث الغضبان ابن أخيها أثناء عملية سطو قام بها وساعدته الشريفة العزيزة في التخطيط لها وهي عملية تحمل شعار (اسرق الغني وامنح الفقير ما فقد).
كان ذلك حدثا كبيرا في العائلة المقدسة.
إذ أشيع عن الشريفة العزيزة أنها قامت بعملية سياسية كبيرة هدفها تكسير رأس الفارس الأبدي، بيد أن ثمة خيانة حدثت وسببت اندلاع مقابلة بالسلاح بين العسس واللصوص تمّ على أثرها اعتقال المناضل الكبير غياث الغضبان. وقيل أن غياث الغضبان قطّع لسانه وذرة وذرة وأكله ما أن هبط زنزانات مديرية العسس السري لكي لا يجبر على الاعتراف على رجالات المردة الذين يقودهم، وخيّط أصابع يديه بين فخذيه خمسة من الأمام وخمسة من الخلف بخيوط من القنّب فالتحمت الأصابع بأعلى الأفخاذ وبدا غياث الغضبان متلبّسا هيئة وطواط ذي أغشية لا رجل ذي ساعدين. وكان الهدف من تلك العملية هو أن يمنع المناضل غياث الغضبان أصابع يديه من الكتابة إذا ما حانت ساعة انهيار المناضل. ولهذا لم يتعرف عليه أحد وقت سلّم رجال العسس جثته في صندوق مغلق إلى أهله واسترجعوا منهم ثمن إطلاقات الإعدام. فعلامته الفارقة، إصبع اليد اليسرى المقطوع لم يعثر عليها أحد لأن الجثة اقتطعت ساعداها من الكتف وأضيفت لها:
ـ ساق ثالثة تعوض عن اليدين.
وهناك، في أرض كنعان، وبسبب الفاقة اضطرت الشريفة العزيزة للعمل منظفة في فندق سرعان ما استغنى عنها صاحبه فوجدت عملا في فندق ثان كغسالة ثم ثالث كمساعدة طباخ ثم كطباخة في مطعم من الدرجة العاشرة. وليلة توجب عليها مغادرة سكنها إلى غيره قادها صاحب المطعم المخمور إلى نزل تقيم فيه الطباخات. ولم يطلّ الصباح التالي إلا بعد أن حشرت العمة في فراش قوّاد ظلّ يعدها بالزواج أربعين يوما وليلة. وبعد أن تبددت آمالها بالقران ممن ظنّت أنه فارس أحلامها، وكانت قد أحبته حبّا جمّا، وعلى أثر نقاشات مستفيضة عن فائض القيمة وجهد العمل كون رب العمل يسرق من جهد العمل أكثر من ثلاثة أرباعه، بينما يحصل العامل على ربع قيمة جهده، علّمها القوّاد أصول الحصول على أجرة يوم كامل خلال عشرين دقيقة. وحينما جربت العمة طريق الأصول في جسد يفتقد مواصفات سلعة السوق، ولم يجلب لها ما يكفي لشراء الفيزا ومستلزماتها للرحيل إلى أرض الروم استخدمت موهبتها التنظيمية لتكوين شبكة دعارة قوامها فتيات لا تزيد أعمارهن عن الثالثة والعشرين وفتيان لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة، وراحت تصدرهم إلى خليج فارس تحت شعار (مهمات جمع المعلومات عن أسرار أرباب النعمة والأساطين الميامين) ذلك لأن مهنة الدعارة تتيح لأصحابها الولوج في أعمق الأماكن والأحشاء وأكثرها سرية وحميمية مقابل أن تحصل الشريفة على ربح لا يتجاوز الربع بينما يحصل العامل (العاهرة) على ثلاثة أرباع الجهد. وبسبب ذلك الهدف النبيل حملت تلك الشبكة ذات يوم اسم قبيلة معارضة حصلت لاحقا على الدعم المالي من قبيلة معروفة في أرض الروم. وعن طريق هذه الشبكة القبيلة وصلت العزيزة ذات لحظة معلومات عن عفو صادر عن الفارس الأبدي بحق مرتكبي الجرائم العادية فعادت إلى مدينتها الصغيرة محصنة بهالة تقول أن الشريفة العزيزة لم تعد إلا على أثر اضطرار الفارس الأبدي لتوقيع معاهدة سياسية معها.
وإذ شدّد الفارس الأبدي الهجوم البربري الثاني على المعارضة واعتقلهم وأخرجهم في ملابس نومهم أو عراة إلى الشوارع وأشاع أخبار ما يقوم به رجاله من فظائع بحقهم في الأقبية. وعندما لاحت لها أرض كنعان مرة أخرى والقّواد والمطبخ والأساطين الميامين أصابت الشريفة العزيزة نوبة من الغثيان لم تتحول إلى قيء إلا عند جزمة الخفير في مديرية العسس السري المحلية. فاعترفت لخفير العسس كمن أصابته حمى الإسهال على كل من تعرف ومن لا تعرف. وختمت اعترافاتها بقائمة طويلة من الإعتذارات عن تأخرها المشين في المثول أمام حضرة زورخان العسس الكبير ذلك أن جسدها الضعيف يخونها على الدوام. هذا وكان الخفير، الذي اعتقدت العمة أنه زورخان العسس وهو لا يحل ولا يربط، يبحث عن ورقة يسجل فيها بعض ما تيسر من اعترافات العمة مدركا أن أحدا لن يصدقه إذا ما بسط اعترافات وإعتذارات قائدة أكبر حركة إضراب عن الطعام في المعتقل قبل عشرة أعوام.
وقد اعترض هذا الحلم عزيز الغضبان عند عبوره بوابة اليوم الرابع والأربعين.

لوح رابع
الطيّب الغضبان

بعد أن حكم على الطيّب الغضبان، الأخ الأصغر، بفصل الرأس بواسطة الفأس إبان تراجع حركة المردة إلى السراديب والأنفاق تمكن من الحصول على أوراق ثبويتة تحمل اسما مستعارا سمحت له بالحصول على بعثة عمل في أرض الروم. بيد أنه كان خائفا أن يترك عائلته المكونة من أم وثلاث بنات سيبلغن الرابعة عشرة عما قريب ولم يتمكن من ترتيب وضع سفر العائلة معه. إذ أن معجزة وصوله إلى العاصمة ولقاءه بمدون المحضر السامي الذي وافق بقدرة قادر على استلام الرشوة الكبيرة مقابل وثائق مزورة واسم مدرج في قائمة المقبولين للعمل في أرض الروم، لم تتكامل بالسماح له بالمغادرة مع عائلته. ذلك أن مدون المحضر السامي ارتجف شارباه حين تم التنويه له على فكرة رحيل الأخ الطيّب الغضبان مع طاقمه العائلي:
ـ هذا أمر مشكوك فيه!
علّق المدون السامي:
ـ فمن يأخذ عائلته معه لن يعود! والعائلة يجب أن تبقى كضمان لعودة الموظف الموفد. وإذا ما سمحت بمثل هذا قد أعرّض حياتي للخطر بتهمة التواطؤ مع المعارضة الغاشمة.
وذكر مدون المحضر السامي مصير عائلات تمّ احتجازها لأن رب الأسرة وصل إلى أرض الروم ولم يعد. وهي عائلات تعرّضت لشتى صنوف الهوان. ولأن الطيّب الغضبان لا يأتمن أحدا على عائلته لأسباب تقف على رأسها أن عائلة الخال تتوعد بالكيل بالمثل منذ زواج دجلة الغضبان، وجنّدت إساف للعمل سرا مع قوات الفارس الأبدي الصدامية. ومن جهة أخرى تذكر الطيّب الغضبان أنه هو نفسه كان يسترق النظر إلى الشريفة العزيزة أيام مراهقته من ثقب في الحمام ويمارس العادة السرية، عارفا أن الشريفة المعوقة تعرف بما يفعل ولم تعترض. وراح الطيّب الغضبان يلوم نفسه على خطيئة أيام المراهقة، ولم يهدأ له بال. اختلى لمساءات كثيرة في الإسطبل مع حصانه وضرب أخماسا بأسداس.
ـ إذا ما رحلت دون عائلة علي أن أعود حتما، ومن يدري، ربما يفتضح سر تزوير الوثائق، وإذا لم أعد ستتعرض العائلة للاضطهاد، والاغتصاب.
وإذ يضع في الخرج أوراقا سرية يروفها بين طيات الجلد تسيطر عليه فكرة أخرى:
ـ وإذا لم يتعرض أحد للعائلة من العسس فان غياب الرقيب عن فتيات صغيرات سيسمح ربما بنشوء حالة تشبه حالتي مع الشريفة أيام المراهقة.
وراحت صورة العادة السرية تكبر في رأسه. تخيل الطيّب الغضبان أن جميع البشر يمارسون ما مارسه. وجميع النساء يستمتعن بتلك اللذات السرية. وإن هذا حدث بين أمه وأخيه الكبير. وبين أباه وعمته. وإن الحيوانات المنوية تتقافز من خلف الحيطان لتدخل فروج النساء اللواتي يحملن دون أن يعرف أحد من هو الأب الحقيقي للوليد. وراح يرسم في رأسه سيناريوهات لحالات جنس جماعية يشترك فيها كل ما هو محرم. الجدة مع حفيدها والجد مع زوجة ابنه. وراحت صور الفراعنة تترى في رأسه وتذكر كاليغولا وتساءل من أين جاءت ذرية آدم إذا كان آدم وحواء لوحدهما في العالم؟ هل تزوج الأخوان أخواتهم أم ظل الرجال ينتزعون نساءهم من ضلع في الصدر؟ واتهم التاريخ البشري من مشارقه إلى مغاربه بارتكاب تلك الممارسات. وتذكر ما قاله مدون المحضر السامي عن مصير العائلات المحتجزة بانتظار عودة الأب الهارب وتعرضت لشتى صنوف الهوان.
وعندما انتهى من تجهيز سرج الحصان فكّر بالتالي:
ـ إذا جاءت زوجتي الحبيبة سأتركها تدخل الفخ وقبل أن تعرف ما حدث تتعلق في عنان السماء عن طريق المصيدة الرابضة تحت التبن. وستبقى متدلية تلفظ أنفاسها الأخيرة بينما أجلس بالقرب منها وأعتذر عما فعلته بها موضحا لها سبب دفاعي عنها بهذه الطريقة وكم أنا أحبها وسأحبها إلى الأبد. وإذا ما جاءت ابنتي الكبرى لتوديعي سأخفيها تحت العلف قبل أن ترى أمها المصلوبة وأتربع فوق العلف بانتظار ابنتي الثانية التي سأقطع رأسها بحركة مفاجئة لحظة كادت تصرخ وهي ترى أمها معلّقة في تلك الحال وتفضح الخطة المرتبة بعناية. أما ابنتي الصغرى الحبيبة فسأتركها تفقد حياتها بطريقة رحيمة. سأحشو فمها بكمية من الجت الطازج الذي تحب لكي تظن أنها بتلك الحزمة ستصبح مهرة بحق وحقيق وتغادر العالم!
ولم يصل الطيّب الغضبان بالطبع خارج الحدود ولا إلى السجن، بل إلى مربض استراحة العقل حيث شخّص السادن وصالا وراثيا هو مزيج من البارانويا وداء العظمة.
وقد اعترض هذا الحلم عزيز الغضبان عند عبوره بوابة الأسبوع الأول بعد شهور الحمل الأربعة.

لوح خامس
صقر الصقور وسليمة العذراء

الأبُ الأكبرُ صقر الصقور رجل يمتلك أراض واسعة وفلاحين كثيرين يهدونه نساء، للتقرب منه في كل زيارة. فيفعل بهن ما يشاء؛ يتزوج بعضهن، يزوّجهن إلى أبنائه وأقربائه أو يهديهن بدوره إلى آخرين من ذات المقام. بمرور الزمن، وبتكاثر الزيجات والإنجابات تداخلت الأنساب بين الوالد وفلاحيه لدرجة بات يصعب التفريق فيها بين الفلاح النسيب والفلاح الغريب. وزاد في صعوبة تحديد صلة القرابة أو اللا قرابة موقع أراضي الوالد البعيدة عن المدينة الصغيرة، وسرعة توالد الأطفال.
في بيت صقر الصقور الشبيه بمعبد بابلي اثني عشرة زوجة، أحد عشر ولدا، بنيتن وبعض الأنساب القريبين. من زوجاته: نرجس، نائلة، فريال وساره. ومن أقربائه الخال أبو إساف أخو نرجس غير الشقيق. إذا ما ولد عزيز الغضبان، سيحمل دماء الأسرة النقية. ذلك لأن سارة ابنة عم الأب الأكبر وحاملة الجنين عزيز الغضبان هي المرأة الوحيدة المتبقية العائد أصلها للعائلة المقدسة بنقاوة.
في بيت الوالد باحة واسعة مؤطرة بممرات مرفوعة سقوفها بأعمدة طينية تلتصق بحاشيتها غرف تطل شبابيكها على الباحة أو تؤدي إلى ممرات تخفي أحشاء المنزل: المطبخ، الحمام، غرف دورات المياه، غرف الاجتماعات وصالونات استقبال الضيوف وغرف النوم. في المساءات يتجمع الحطب في الباحة، وتجتمع العائلة حول الحطب المشتعل يتوسطهم الأب الأكبر صقر الصقور.
الوالد رجل في منتصف العمر. سحنته تنتمي إلى عصر آخر. تقاطيع وجهه صارمة. جلد سميك يفصل العالم الخارجي عن العالم الداخلي. وبالرغم من أن ملامحه تتمتع بترف الشباب تشعر أنها تختزن القدم. وهو إذ يأخذ وضعية الجلوس على المسند تكاد ترى الغبار، غبار السنين يتطاير منه كنصب تذكاري منسي. للوالد يد قطعت أثناء حرب أدركوه على أثرها وجعلوا له يدا من ذهب. كانت له علاقة خاصة بما وراء الغيب: فلكي تتم عملية ختان، أو عقد نكاح، أو قبل أن تبدأ مراسيم دفن تطلب دائما منه البركات، فيمنحهم ذلك رجل يبدو وكأنه لم يتحرك منذ الأزل.
إذا ما التفت استدار من أسفل صدره نصف استدارة، فلا ترى رأسه أو رقبته في حالة حركة. وإذا ما انحنى تقدم كامل جذعه. أما إذا ما تحدث فتسمع صوتا آتيا من صفير الأهرامات.
وكانت مناسبة تلك الليلة أن سرحان الابن الأوسط وقع صريع حالة من الهذيان والحمّى العالية:
ـ كيف حال سرحان الآن؟
ـ مازال على ذات الحال. فقد نادى علي هذا الصباح مرة أخرى.
أمه قالت:
ـ وعندما دخلت الصالون دفن وجهه في أحضان الشريفة العزيزة. وحين أردت أن أفكّها منه قال: اتركي العمة في سلام يا أمي. ثمة جني يلاحقني ويريد أن يحملني على ترك ديني الحنيف ليصنع مني شيوعيا!
فعلقت ابنته سليمة العذراء بفزع وهي تسمع تلك الحكاية للمرة الأولى:
ـ هل عاودت أخي الحبيب حالة التجلي؟
فحاولت أم سرحان التخفيف من شأن الموضوع أمام ابنة غريمتها:
ـ لا. لقد أخذناه سوية العمة العزيزة وأنا للهبش وسألته ذات السؤال. فقال إن سرحان لا يعاني من الهلوسة. كل ما في الأمر أنه عند خروجه من البيت إلى الخباز شعر أن جنيا يجرجره إلى زاوية في الشارع ويقول أقرأ فيجيب سرحان أنه ما بقاريء ويقول له الجني هذا هو البيان الشيوعي. اقرأ!
وبعد صمت انبجس صوت الأب:
ـ وماذا نصح الهبش الجديد هذه المرة؟
ـ قال الهبش الجديد إن علينا أولا عدم إرساله مجددا إلى الخباز. وثانيا أن نعالجه بحمّام بارد. وثالثا أن نربطه بعد الحمّام إلى كرسي هزاز. لكنه صعب المراس. فما أن وضعت رأسه تحت رغوة الصابون حتى ظلّ يتلفت يمينا ويسارا ويهمس: أغلقي ذلك الثقب المحفور في حائط الحمّام، أغلقي ذلك الثقب أيضا. ألا ترين أن هذه الثقوب وجدت لغرض التجسس علينا؟ ورفض أن أربطه إلى الكرسي الهزّاز لأنه يخاف أن يأتي الجني إليه مرة أخرى فلا يتمكن عندها من الهروب..
وحينذاك صاحت الابنة بسخط:
ـ لو كنا ربطنا جرسا صغيرا حول عنقه كما قلت لكم قبل أسبوع لتمكنا من مراقبته بشكل جيد ولتمكّن من الدفاع عن نفسه. الجني يخاف من الجرس.
ـ جرس؟ أتريدين أن يدور أخوك في (الطرف) وحول عنقه يرن جرس الكلاب؟
وهنا انبرى الأب بخطبة عصماء. فمنذ أن همس السادن النسائي في أذنه أن زوجته الأثيرة تحمل ذكرا في أحشائها تعوّد الوالد على تكرار لازمة طويلة عن يأسه من أولاده العاقين وعن أمله بالوريث الجديد (إذا ما كان صبيا)، وعن ضرورة التحلي بالصبر إزاء الغمامة العاصفة بالعائلة وهي عمل من قوى الشر ستزول يوم ميلاد الوريث الشرعي المقدس. ثم ينبري في تحليل أمور الدين والدنيا لكي يثبت صواب رأيه وهي لازمة قديمة كالتعويذة يعود إليها كلما ألمّت به ملمّة. فيقرّع في طياتها ابنته سليمة العذراء لتقصيرها في أداء فروض الصلاة، ويحثّ الشريفة العزيزة على التزام أداء فروض الزكاة، ويغضب من دجلة الغضبان لأنها لا تجيب سلبا أو إيجابا عن سؤاله حول بوادر الحمل بعد زواجها من ابن الخال قبل أربعة عشر يوما، وينتقل بالهجوم إلى أبنائه الـ 11 فيتعرّض لهم واحدا واحدا مبتدأ بابنه الأكبر أبا ذر المشغول بهموم السياسة وإحالة التراب ذهبا عما قريب، ومذكّرا كل واحد بأصله الفلاحي.
فترتفع الأصوات بالهمهمات والنحنحات والاحتجاجات المكتومة مما يدفع سرحان للشكوى فترتفع الأصوات أكثر لكي لا يقاطع المريض الحديث الهام الذي يتنازعه سياق دفاع الأبناء وهجوم الوالد.
وهكذا ينقضي الليل والنسوة يرتشفن شاي الدارسين والرجال يتناولون حليب السباع وهم يشتمون الناس العاديين الأرضيين العاقين ويذكرون بعضهم أن في عروقهم تسيل دماء النسل المقدس رغم غضب الوالد ذلك أن النسب يعود للرجل لا للمرأة، ويبشرون بعضهم البعض بالوصول المؤكد إلى الجنة حالما تحل المنية. بينما سرحان محور الليلة منسي مرمي، غطّت الأصوات عليه والضحكات والصلوات كلما حاول أن يطلب شيئا.
وقد اعترض هذا الحلم عزيز الغضبان عند عبوره بوابة اليوم الأربعين في رحم سارة.

لوح سادس
لا أريد

بعد أربعة أشهر وأسبوع من تعرض الجنين عزيز الغضبان لهجمات تلك الأحلام أصابته حالة قلق بالغة. وبسبب تقلبات حالات القلق بين الأمل واليأس وما بينهما اصطدم عمره بحالة جليدية فتوقف عن النمو. وقد فرح حين عرف التوقيت الصحيح للقاء بين إحدى طبقات القلق وطريقة اتخاذ القرار. توقف نمو عزيز الغضبان داخل الرحم وبقى في حالة أميبية:
ـ إذا ما بقي الجنين بضعة أيام في حالة ركود أميبي لن يطل على العالم المنتظر بفارغ الصبر، إلا إطلالة الشامتين: ميتا دون أي لبس.
هكذا رددت الأم على أثر مداهمة الصمت المريب للجنين، وأصابها الفزع وقررت أن تحبط بكل عزم خطط وريث العائلة المقدسة. فجربت بمساعدة السادن أنواعا كثيرة من الهورمونات لكي ينمو الجنين.
فنما الاثنان فجأة أو بالأصح حدثت حالة تضخّم!
كبرت الأم بضعة عشرات من السنتيمترات وبدت كأنها بالون متورم لا يريد التوقف عن الانتفاخ. وحين جاءت اللحظة التي استعصى فيها الخروج من الباب فتحوا للأم ثغرة في الحائط الخلفي، بينما ظل الجنين يكبر متجاوزا حجم طفل في الثالثة من عمره وأصابه القلق العميق من فكرة أنه لن يتمكن من الخروج من تلك الفتحة الضيقة أسفل البطن وأنه سيبقى يرزح تحت وطأة الأحلام في ذلك البالون اللحمي المغلق المظلم. وساعده العثور على حالة التوازن القلق الجليدي في طيات الصمت مرة أخرى على توقف نموه.
عندما أنتزع عزيز الغضبان بعد جهد من رحم أمه لم ينتبه أحد إلى حجم الوليد. وحين تكلم لم يفرزن أحد كلمات. لقد أصغوا جميعا لصراخ طفل وليد. إذا مشى قالوا أنه يزحف، وإذا قفز قالوا أنه يتدحرج. إذا تسلق السلّم العتيق المؤدي إلى مخزن التمور القديمة قالوا أن أظافره تلتصق بالدرج الطيني المفطّر. إذا ما أعطته أمه ثديها راح يمضغ الحلمة باعثا فيها مزيجا من اللذة الجنسية وآلام القرص. كان يلوك الحليب في فمه بدلا من أن يبتلعه. ومنذ أن نظر إلى حيث قذفت به الأقدار على أثر صحوته الثالثة من النوم، أصابت عينيه الدهشة ولم يعد يرمش له جفن. فما ظن أنه حلما لم يكن سوى حقيقة. وكل ما مرّ به وهو في الرحم إنما أحداث وقعت بالفعل؛ من زواج دجلة الغضبان مرورا بغياث الغضبان والطيّب الغضبان وصولا إلى مرض أخيه سرحان.
حين بدأ عزيز الغضبان يتعرف على الأماكن الواردة في أحلامه أصابه الرعب، وحاول أن يقنع نفسه أن تطابق أحلامه مع الحقيقة هو تماثل صدفوي، ولذلك رفضت عيناه الاستسلام للنوم مرة أخرى. فبقيتا شاخصتين حتى أثناء المنام.
إذا أدار بصره لم تستدر عيناه، بل رقبته. وإذا أرادت عيناه أن تبحلقان من الدهشة، انفتح فمه واتسع منخاره وارتفع حاجباه. أما إذا نظر إلى أحد بغضب فسيتقدم فكه الأسفل إلى الأمام وتنبرم عقدة حاجبيه. وإذا نظر بحب انفرجت وجنتاه وتوتر أسفل أذنيه. ولأن جفنيه لم ينغلقا منذ الولادة نبتت أحراش شعرية في بؤبؤيه أحالت نظراته تحديقا:
ـ كمن يتطلع بالعالم من خلال حزمة كثيفة من القصب!
لم يكن العالم يوما ما بالنسبة له صافي اللون. حتى حياته في رحم أمه كانت محاطة بطفيليات وسوائل وأوحال غرينية وأحراش من الأوعية الدموية الدقيقة المنتشرة حول جدار مطاطي يحيط به.
كان العالم ملونا مخططا والسماء غائمة أو ذات أحراش.
إذا ما بكى تموجت الشعيرات في عينيه وأحالت ما يرى إلى أشنات تحت الماء.
أما أمه سارة العارفة بردود الأفعال تلك فقد ظنت أن عينيه زجاجيتان:
ـ سأشتري عوينات غامقة لما تحت حاجبي عزيز الغضبان البصير!
قالت وهي تحزم أمرها للذهاب إلى دكان العيون الطبية.

لوح سابع
واو

كان جميع من في البيت ينظر إليه باعتباره طفلا، ولم ير أحد أن الوليد إنما هو رجل صغير. إذا نادى ماما، جائع، لم يسمع أحد كلمات، بل صراخ طفولي يصيب الجميع بالسعادة لسماع صوت وريث العائلة المقدسة الذكر، لا الأنثى. وإذا ما شاهد أحد أن ذلك الطفل ينمو جسديا بسرعة علّقوا في مهده تميمة تطرد الشر. ولاحظ بأسف أن أحدا لم ير أنه ليس طفلا، وأصابه الحزن وهو يرى أن لا أحد يصدق أنه يتكلم وكيف يترجم الجميع كلماته إلى صراخ وتأوهات، ومتى تعلّق الحروز الواقية من أعين الحساد المتهامسين أن الطفل المكبّل بعوينات غامقة ينمو بسرعة غير طبيعية.
منذ أن أكتشف أن العالم حوله هو ذات عالم الأحلام في رحم أمه، ومنذ أن وضعوه مساء في سلة صغيرة يكاد يفيض عنها ويتساقط إلى الخارج وراحوا يتحدثون عن مآثر العائلة المقدسة، قرر أن لا يصبح جزء من هذا المحيط. ولأنه لم يكن يعرف بوجود عالم خارج البيت راح يصرخ وصار عدوانيا يهاجم كل ما يصادفه. ولأنهم قمّطوا وريث العائلة الشديد الحيوية كي يمنعوه عن الحركة الواسعة كما يقولون قرر أن لا ينطق إلا بحرف واحد:
واو!
إذا ضحك خرجت الواو من فمه كمحرك سيارة يهدر بسرعة، وإذا غضب من شيء تطافرت الواو في فجوات فمه بحركة قصيرة وحادة. وإذا فرح تمطّت الواو وصارت تلوك نفسها في سقف الحلق. وإذا بكى خرجت من فمه تشهق.
ولأن حرف الواو يدور بين سقف الحلق ويصنع حلزونا ممتدا من الشفة واصلا الشرج صار شاغل عزيز الغضبان الدوران داخل طيات نفسه.
وجد طريقا داخل جسده يمر عبر جهاز التنفس، وراقب الريح تداعب أوتار حنجرته، وسمع عزف القصبة الهوائية المكّبر في فراغ القفص الصدري. ووجد طريقا يتجّه إلى الجهاز الهضمي ويداعب الفجوات الموجودة هناك، وخمّر الواو في الكوى المظلمة لتتلبّس ذات لحظة جرسا جديدا، واستمتع بمسار الواو وهي تصعد من فتحة المعدة في طريقها إلى فتحة الفم المكوّرة مختطة طريق المريء والبلعوم والحنجرة وسقف الحلق والشفتين. في طريق الأعصاب عثر على ما يبعث الرقة أو الحدّة في الواو، وفي الأوعية الدموية تعقّب ذرات الهواء المتفرقة وهي تحمل الواو من مفرق إلى آخر.
بعد هذه الاكتشافات فكّر بأعضائه الخارجية؛ بمنخريه، بساعديه، بجبهته، بأعضائه الجنسية. وإبان تلك المرحلة نشأت علاقة حميمية بينه وبين أخته سليمة العذراء؛ الفتاة الغارقة في تقدم العمر والوصول الحثيث إلى سن اليأس. ولم تجد أحدا تشكو همومها له سوى أخاها الصغير المكلّفة بالسهر عليه وتربيته. فأختها دجلة الغضبان انشغلت بزوجها ومعادلاته الرياضية وسبابه اللا يكف على أبيها وأبي أبيها، وأمها مشغولة بكل شيء ماعدا هموم البنت، والفتاة لعنة على الأب وشتيمة في وجهه، لأنه تمنى أن تولد ذكرا لا أنثى وخالفت أمانيه.
تشكت سليمة العذراء للصبي المفتون باكتشاف جسده من كثرة انتظارها لفارس أحلام يشاركها حياتها ويمنحها أطفالا، وشكت من الحظ الواقف حجر عثرة في طريق وصول الفارس. وفي معرض شكواها أرت سليمة العذراء أخاها كم هي جميلة وقادرة على فتنة الرجال. فنهداها ما زالا رمانتين تشرئبان لم يلمسهما أحد وردفاها طين حرّي دافيء، وبعد أن عجزت عن وصف ملمس الرمان الطري الدافيء المتشكّل حسب راحة يد الفارس، أخذت يد عزيز الغضبان ووضعتها فوق نهدها، وما أن لامست يده حلمة النهد حتى فزّت الكرزة وقفزت، وتفتح الزغب الصغير حولها فأزادها احمرارا.
أرته سرّتها وما بين الفخذين وحكت له عن أشواقها لتلك الخيارة، فقال لها عزيز الغضبان بواواته أنه يمتلك خيارة. ولعب دور الأب، ولعبت أخته العارفة بتفاصيل فك إشارات الواو لعبت دور الأم ارتدى عزيز الغضبان منشفة لتصبح جبّة، ووضع قشور الرقي اليابس في قدمه نعلا. بصق في يديه وغمسهما في التراب ليحاكي صورة أب عائد للتو من العمل. أخذت الواو تثنيات الحوار التالي:
ـ أريد غداء!
لعبت سليمة العذراء دور الأم. قدمت له غداء: بلح يابس ولبن وخبز مسروق من الصينية المستريحة قرب التنور. سأل الأب إذ أفلتت منه نظرة إلى ابنه برحان (إبريق الماء):
ـ كيف حال برحان؟
قالت سليمة العذراء وقد تلبّست دور الزوجة:
ـ ملأ برحان الدنيا صياحا قرب التنور؛ الحقوني. جني يريد أن يشلح عني ثيابي!
وضعت سليمة العذراء (الزوجة) دمية من الخوص لتمثل شقيقة برحان بجانب (إبريق الماء) وتقول وقد تلبّست دور (الشقيقة) دمية الخوص:
ـ هل شلح أخي ثيابه؟
قالت سليمة العذراء في دور (الزوجة):
ـ لا. أعني، ليس كلها. لقد أخذناه بالثياب الداخلية إلى الهبش. فقال إن برحان يحب أن يرقص.
قال عزيز الغضبان بصوت الأب:
ـ وماذا نصح الهبش؟
قالت سليمة العذراء وهي في دور الزوجة:
ـ قال الهبش علينا أن نعطيه حمّام بارد.
قالت سليمة العذراء وقد تلبّست دور (الشقيقة) دمية الخوص:
ـ لو كنا ربطنا جرسا صغيرا حول عنقه. الجني يخاف من الجرس.
قال عزيز الغضبان بصوت الأب:
ـ يكفي. أريد أن أنام.
فرشت له صحفا قديمة وضعت فوقها قطعة من الطين (اللبن) اليابس:
ـ تعالي هنا.
ذهبت وتمددت بالقرب منه. وضع ساقه بين ساقيها، وداعب شامة في فخذها الأيمن بالقرب من أسفل بطنها.
ـ أبو برحان دعني أتزحزح قليلا.
قال عزيز الغضبان بصوت الأب:
ـ ليس لدي الوقت للتزحزح. انقلبي.
دفع عزيز الغضبان قضيبه الصغير المنتصب بين فخذي سليمة العذراء. قضيب عزيز الغضبان لا يصل داخل المهبل. أخبرته سليمة العذراء أنها حامل. تلبّس عزيز الغضبان دور السادن. فحص سليمة العذراء، فتح ساقيها ونظر داخلهما. وضع بعض التراب عند فتحة المهبل بمثابة دواء يجهض المرأة. اغتسلت سليمة العذراء من التراب.
ـ ففففففف. راح الطفل مع الماء!
قالت سليمة العذراء.
فحزن عزيز الغضبان حزنا لا يمت بصلة للعب الأطفال.
لسبب ما تحول موضوع الإجهاض إلى موضوع حقيقي في عقليته الطفولية. جلبت سليمة العذراء دمية تالفة كفنتها بقطعة قماش مهترئة. وضعا الدمية في صندوق تبغ عتيق ورموه من الشباك على أثر صلاة مرتجلة في الفلاة.
ـ ذلك الطفل لم يكن صالحا للولادة.
قالت سليمة العذراء.
طلب عزيز الغضبان منها طفلا صالحا للولادة وليس للموت:
ـ أريده الآن!
ـ حين تكبر يا حبيبي.
علّقت سليمة العذراء.
ـ إنني كبير!
قال عزيز الغضبان.
أجابت سليمة العذراء أن الأطفال يأتون عندما تكبر خيارته.
خيارته الآن ناعمة غير قادرة على الوصول إلى طماطم بطنها!
مطّت ما بين فخذيه لتريه كم يجب أن يكون طول الخيارة وطريقة مداعبة الرجل لخيارته ولامست الوعاء الدموي السفلي؛ ساق الفطر وقلب اللذة. وداعبته مداعبة ملتبسة مدرّبة، انتفخ أثناءها ما بين فخذيه فداهمت عزيز الغضبان غصّة وفرح لا يعرف كيف يصفهما: مزيج من حكّة لا تقاوم ورغبة في انبثاق شيء من فتحة البول، لكن ذلك الشيء لا يخرج. وحين خرج ذلك الشيء للمرة الأولى بين يدي سليمة العذراء أصابته رجفة وانتفض جسده كمن أصابته حمى ولم يعرف ما حدث. وأعادت سليمة العذراء الكرة فكانت الرعدة أخف وأعادتها ثالثة فشعر عزيز الغضبان بالامتنان من أخته الحبيبة. ووعدها عزيز الغضبان بشكل طفولي أن يتزوج منها لكي يعوّضها أحزان الماضي، فأثار ذلك الوعد الأخت التي لم تجد فارس الأحلام في أيام السلام واختارت عزيز الغضبان شريكا لحياتها.
ذات لحظة كفّ عزيز الغضبان عن ترديد الواو وصار يحكي لغة البشر على أعقاب آلام شديدة حلّت في أسنانه اللبنية!
استدعى أبوه الهبش وائتمنه على سر أن الطفل المولود في الأشهر الماضية ظهرت له أسنان لبنية وحان وقت سقوطها. وبعد أن اندهش الهبش من ائتمانه على مثل ذلك السر أخذته الرأفة بحال الطفل المسربل بالرعب، وقرر أن يريه كم هي سهلة عملية اقتلاع الأسنان اللبنية. ولكن الطفل لم ينخدع. كان رأى ذات مرة كيف وضع الهبش قدمه في صدر أبيه لاقتلاع سن تالف كقوة مضادة لحركة الصدر اللا إرادية إلى الأمام، وكيف وضع سن الوالد التالف في كماشة المسامير الحديدية، وكيف شلخ فم أباه، وكيف أطلت أحشاء الفم المظلم وكيف ارتجف مزمار البلعوم المتلوي في أعماق الظلام. وإذ أراد الهبش بعد الشرح المطول أن يقتلع أسنان عزيز الغضبان اللبنية وأخفى كماشة المسامير خلف ظهره صاح عزيز الغضبان (واو) غير مجدية وهرب في فناء الدار فأمسكوا به. توسل عزيز الغضبان. صنع من الواو بحورا وظلالا وإيقاعات ومصادر انبعاث ومراكز تشديدات لسانية وشفاهية وفجوات أصداء في الفراغات الحلقية وضرب ومد أجراس صوتية وركّز على أصل منشأ الحرف ومصدر رنينه الجسدي. ولم يفلت من يدي الهبش إلا بعد أن تكونت كلمات في فمه بدلا من الواو وفقدت أسنان لبنية ستحل محلها أخرى دائمية خلال بضعة أسابيع.
وكانت تلك إحدى عجائب الهبش!
***
نمت أسنان عزيز الغضبان بسرعة خاطفة، وظلّ ينمو عموما بسرعة.
أدخلوه في السر إلى مدرسة نائية خارج المدينة، حيث لا يعرف أحد هوية الطفل ولا عمره. تم تزوير أوراق له ووضع في الصف الثالث الابتدائي وهو لا يبلغ من العمر أكثر من تسعة أشهر. وأتقن التخفي في رداء الطفل الكبير. وهكذا مضت الشهور. عزيز الغضبان يكبر بسرعة وأمه تنقله من مدرسة إلى أخرى بأوراق مزورة على الدوام وفي مرحلة دراسية أعلى.
عندما وصل صف الخامس الابتدائي كان عزيز الغضبان قد رأى كل شيء تقريبا. قرأ كتب الفلسفة المرصوفة في خزانة الشريفة العزيزة وحفظ الشعر وتعلم التكتيك السياسي.

لوح ثامن
التعازي

ذات حلم رأى عزيز الغضبان نفسه ينسرد في حكاية.
رأى أنه يتوغل في أعماق المياه، راحلا في مشحوف. ورأى الشريفة في لبوس قاري تعتلي منبرا ترتّل أدعية وتسرد واقعة، تجوّد نثرا وتغني شعرا، تمزق ثوبا وتلطم. بينما المشحوف يغذّ الرحيل إلى ما وراء أرض القصب والمنظر يبتعد باستمرار.
رددت الشريفة:
ـ كان يا ما كان في قديم الزمان، حكيم تحجب عينيه عصابة غامقة يرى من خلالها بصفاء ولا يراه أحد.
وغنّت الشريفة بصوت عصّي على التسمية انطلق من تجاويف بطنها. طبّلت لها وصيفة وضربت لها وصيفة أخرى إيقاعا وطلبت وصيفة ثالثة من الجموع أن تشارك بالغناء:
ـ حكيم عليم يعرف كل شيء•
فغنّى البعض وتأوه البعض، وقالت:
ـ إبّان اندلاع النيران العملاقة من ينابيع النفط على مشارف أهوار الصحراء واستعصاء إخمادها على علماء الفلك، خطّ نصب الحكيم التذكاري المغبر صقر الصقور الطريق بنعليه اليمنيين متجها إلى فوهة النار. فالفارس الأبدي طلب تباريكه.
وتعالى هنا وهناك نحيب مكتوم معلق في زمام لعنات وشتائم وأحجار ستنطلق في اللحظة المناسبة لتشجّ رأسا ما. خلعت جبّتها وبانت قطرات العرق على نحرها، وصعدت في رأسها الحميّة فألقت خطاب الفارس الأبدي كالممثلين؛ دعاء الناس للآلهة ضد جلجامش الذي سبى البشر
ـ "لن يحلّل حريق البحار إلا سليل العائلة المقدسة!" ردد الفارس الأبدي.
ثم أوقفت الخطاب وبسطت الحكاية من جديد بين المنبر والمستمع:
ـ بيد أن النصب، نصب الحكيم صقر الصقور خيب ظن الفارس الأبدي! رفع النصب هامته إلى السماء وهوّس:
ـ يسعود
احنا عيب نهاب
يا بيرغ الشرجية
هذي ايشامغ الثوار
تبرج نار حربية. ••
ثم دعا صقر الصقور دعاء مرتّلا منغما: دعاء بابليا
ـ "يا رب النيران! ألا تأكل قلب الفارس الأبدي؟!"
سردت سردا تجويديا وهي تغالب انفعالاتها الداخلية:
ـ فما كان من ذلك القول إلا أن أيقظ عطش السهام. بعث الفارس الأبدي سهما مشتعلا من قطران لم يخطئ ظهر صقر الصقور، فأسند الحكيم نفسه على عصاه، عصا البرديّ، وترك الدخان يلتفّ عليه ويلتفّ تاركا في الفضاء الفسيح شرنقة ضبابية. ترك النصب نفسه يغني مع الدخان:
وغنت الشريفة:
ـ "ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه ـ تجري الرياح بما لا يشتهي الرجل." حتى إذا ما هبّت الرياح وانجلت الرؤيا طلعت علينا كتلة سوداء سرعان ما شعّت فيها خطوط من الجمر. جفّ جلد القتيل وغدا بردة تدثر عظاما شعّت وانصقلت ونحتت نصبا تذكاريا من مرمر أسود.
وصدحت الأغاني والتراتيل تقودها الوصيفة الأولى بالصنج والوصيفة الثانية بالطبل والغناء، وتعالى النحيب ورشقت الأحجار على دمية في مكان ما لتشجّ رأسها:
ـ "ندبته الأقنية، وأجابتها السواقي، اتّشحت الأشجار بالسواد عليه، وبكته البساتين" ولم يهدأ للفارس الأبدي من بال. زأر عليه اللعنة:
وشخّصت تساعدها العصي تشخيصا ساخرا اشتركت فيه الدمية مشجوجة الرأس بعد أن وضعت في يدها مكنسة كناية عن سلاح حربي:
ـ "إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، فاجلبوا نسل اللئيم، انحروا نسل الزنيم، أزيلوا ذكره عن وجه الأديم!"
جلبت الشريفة تسع عصي زرعتها في الأرض، وضعت فوق رأس كل عصا كتلة من الطين الحرّي وصاحت:
ـ فأمسك العسس بتسعة من الأبناء.
فهوّست الجموع وتطاير اللطم والنواح في هيئة يبوووو!
ـ أودعوهم جحورا حفروها من الطين في بيوت الظلام. في البيوت التي لا يبرحها من دخل. في الممرات التي لا رجعة منها. في الجحور التي حرم ساكنوها من النور. حيث الطين طعامهم، والماء الجائف شرابهم. حيث لا يرون نورا ويقيمون في ظلمة. وهم منسوجي الأيادي حول بطونهم وأفخاذهم كأنهم مكسوون بأجنحة الوطاويط. حيث يغطي الوحل الباب والمزلاج.
يبوووو!
ـ في ليلة ما حفر خلد ما جحرا، ساعده ذكر سلحفاة مائي.
سرد حماسي
ـ أعطى أكبرهم سناما ومدية. المدية لتقطيع النسيج، وللقتل والسنام إشارة الطريق. فقتل السجان وهرب الأخوان ووصلوا مسالك الديدان؛ ترعة سرعان ما ضحلت، أطيان جفّت، ومنح ماؤها مكانه للدغل، والعاقول، ثم الشوك، والظباء، والصبار.
صحراء.
واحة!
ـ وأما عزيز الغضبان فقد ضممته إلى صدري وقفزت إلى المقبرة.
وراحت تؤدي تراتيل هامسة وكأنها تلقّن ميتا:
ـ يا عبد التراب والظلام والضياء، إذا جاءك حراس البوابة فافعل ما يطلبان، قل لهما تفضّلا. وبعد أن يحققا مطلوبهما ذكّرهما باسمك ومن أنت: قل لهما إن أمي فلانة وأبي فلان وديني كذا وكذا وسيمنحانك الخلود، إنك يا أيّا من تكون، ملكا، أو أميرا، امرأة أم عبدا فقيرا، أعطني ضرسك الأيسر، ففيه ملاذ الإله، وقل وهبتك ما أملك فان روحه، روح الغمر هي التي تحفظ رفاتك ورفات ذريتك من بعدك إلى أبد الآبدين.
ـ من عظام الموتى انتزعت الأرواح السبعة، وطرّزتها عليه.
وانطلقت تراتيل هامسة فيها من اللوعة مقدار جبل:
ـ أزحت من عيني الكحل ورسمت حرف الواو بالسواد على سرّته، لففت جسده بالجبّة وأنا أهمس: "تعالوا يا كبار العالم السفلي، كسّروا أقفال البوابات لكي ندخل، وإذا ما دخلنا انتزعوا أيها الرجال العقارب تيجان القصب منّا.
وراحت ترقص رقصا دورانيا عاريا وتلطم على صدرها حتى احمّر الصدر وكادت أن تطفر منه الدماء رافقتها إيقاعات وصنوج وأناس يحملون الحلقوم ويوزعونه بحيث تغصّ العبرة ولا تسقط.
ـ من شواهد القبور الخربة صنعت قارا. ومن القصب الملتهب بنيت مشحوفا. حنّيت جبهة عزيز الغضبان بأوحال القبور المنبوشة. غنيت:
"عين الذيب عيب تنام
منّ تصوفر الحيّة. •••
ـ اختبأت معه في المشحوف. مصصت لسانه. لعقت أذنيه، ودثّرته بنتف الأكفان.
وصاحت الجموع هنا: يبوووو! ذلك لأن مصّ اللسان ولعق الأذن يعني تنظيف البدن تحضيرا لاستقبال العالم الآخر.
ـ إبّان ذلك داس عسس الفارس الأبدي حرمة المقبرة، فأُسقط بيدي.
وراحت تنطق نثرا موقّعا كلحظات عطش العباس شعر رجز ابحث عنه في بحور الشعر.
ـ "تقدموا وجردوني من دروعي، من تمائمي ومن حزمة العصي إن استطعتم فإنني يصعب النيل مني." وظهرت لهم أحاربهم بحزمة البردي التي أحمل على الدوام وعلا صوتي بالدعاء بينما نبتت سهام القار في جسدي وصار زهرة من نار.
واستغاثت العالم الجالسة "ويبوووو!" فقطعت الشريفة العويل وسردت بهدوء المعزّين.
ـ "يا أخوتي الحاضرين، من ذا الذي يستطيع أن يقهر الموت؟ فالآلهة وحدهم هم الذين يعيشون إلى الأبد أما نحن فأيامنا معدودات."
ثم عادت للسرد الموقّع:
ـ وقبل أن أغادر العالم رأيت مأجورا يغرز سهم القار المشتعل الأخير في حزمة العصي ويدفع المشحوف إلى المياه العميقة. أبحر القارب وحيدا عبر القصب، بينما التهم الحريق المريع جذور المياه وغاص عميقا حتى الطين. العالم في حريق مريع.
وصاحت الجموع هنا: يبوووو! تقشعر لها فروات الرؤوس تلاها صمت لا يقصّه الطبر وكأن الكون توقف عن الحركة، وأطلّت لحظات التطهّر على الحاضرين وعلت قامة الصمت.
ـ دعونا نأكل الحلقوم ونذكر محاسن موتانا ونطلب الرحمة والعفو على أن لا يتكرر مصيرنا في الحياة القادمة.
قالت الشريفة وطلبت من وصيفتها أن تساعدها على ارتداء الحلّة التي رمت وكشفت عن عري جسدي كامل:
ـ بعد أن أسلمت الروح استكملت تراتيلي التي قاطعها المحارب المأجور.
واستغرقت في دعاء:
ـ "يا عزيز الغضبان! إعلُ فوق تلال القصب القديمة يا عزيز الغضبان، وسَيّسْ حولها! انظر فتات لحوم الموتى المسلوقة الطافية يا عزيز الغضبان! من هو الشرير ومن هو المحسن؟" واستكملت تراتيلي عن الراحل في المشحوف متبوعا باللهب؛ "أنت الذي سيشـبّ في القارب الصغير، أنت الذي سيُآخي الأسماك والبردي، أنت الذي سيمنحه الرب جسدا كامل القوة، أنت الذي سيصبح راع للسمك، أنت الذي سيغور في صلصال الأهوار ذات يوم، أنت الذي سيلتقي حبيس الأشنات في الأعماق ذات يوم!

وكان القارب في ذلك الأوان وحيدا يبحر عبر القصب الملتهب بينما سحب المنبر ذي العجلات في إتجاه اليابسة شبان عراة الجذوع تلاحقه دائرة غامقة من النساء. صار صوت الشريفة وقعا موسيقيا وحركاتها رقصا تجريديا.
وكان ذلك الحلم حين بلغ عمر عزيز الغضبان أثني عشر شهرا. وكان حلما نصف كاذب.


لوح تاسع
طريق الروم

أصاب عزيز الغضبان القلق وانعقد عمره كما ينعقد اللسان في فوهة الفم ويتجمد.
قرر أن يتحرر من أدران العالم.
قرر أن يضع حدا لعالم الكبار.
ولأجل الدفاع عن هذا الهدف راح يعمل سرّا في السياسة تحت قيادة الشريفة العزيزة. أصبح نقطة ميتة في مصطلحات العمل السري. كلما اتبع العسس حلقة معارضة ماتت عند أعتاب الطفل. ولم يصدق أهله أن الطفل المشاكس مهووس بالسياسة.
ـ ليس أكثر من طفل.
رددوا في حين نظّم عزيز الغضبان خلايا سرية جدا لمردة معارضين وجدوا في تطوره العقلي ومظهره الطفولي حيلة سياسية بارعة تستطيع أن تصون مردتهم إلى أبد الآبدين. وعلى أثر عجز قوات الفارس الأبدي عن معرفة الحلقة المفقودة في كيان المردة. وبعد أن انتهت كل الطرق الأمنية وتوقفت عند الطفل عزيز الغضبان ارتبكت مديرية العسس السري وأصدر زورخان العسس المحلي حكما بالإعدام على ذلك الذي تجرأ وفكّر بطريقة تفوق ذكاء الفارس الأبدي. وراحت الشكوك تحوم حول الشريفة العزيزة، فوجد رجال العسس السري طريقة خاصة قادرة على أن تعشعش في بيت صقر الصقور وتنقل التقارير بطريقة أكثر منهجية. وحين انتهت حقا وفعلا حلقة المعلومات في غرفة نوم الطفل حيث تقضي عنده العمّة العزيزة أول الليل إلى أن يغفو، ولم يدخل عليه في تلك الليلة أي شخص بينما تسربت المعلومات إلى الخارج حاصر العسس بيت صقر الصقور، وصاح عزيز الغضبان عندما فزّ من النوم مفزوعا:
ـ سأختفي في أرض كنعان، وإنها لثورة حتى العودة والنصر!
واندفعت الشريفة العزيزة في هلوسة خطابية وتجمعت أفخاذ العائلة وهي ترتجف من عواقب ما سيحدث بعد قليل، وصاحت الشريفة أنها لا تريد أن يسافر عزيز الغضبان ووقفت له في الخاصرة.
ـ أما أن أسافر معه لكي أحافظ عليه وأما لن يسافر.
وأمسكت بالسوط وجلست عند عتبة غرفته طوال الليل. في غرفته شباك يؤدي إلى الفلاة، رأى عزيز الغضبان من فتحته العسس يختفون خلف كل كتلة شوك أو نخلة.
وحين ابتكرت خطة لانتزاع أخيها الذي تحب من الشريفة اقتربت سليمة العذراء من الشريفة في الباحة فباغتها سوط على ظهرها، واندلعت حرب.
حرب سلاحها عصي الخيزران والقصب.
حرب تشبه الرقص.
الشريفة تمسك بالعصا من وسطها وتديرها بسرعة خاطفة ثم تتركها تنقضّ على سليمة العذراء. تنحني سليمة العذراء وتترك عصاها العمودية تشرئب لتدخل منتصف دائرة القصب وتزعزع توازن العصا الدوراني وتسقط فوق آجر الباحة، فتنطلق عصا أخرى من الشريفة تفتر بشكل عمودي تأسرها سليمة العذراء بعصا أفقية تفد العصا المروحية توازنها. لكن الشريفة تتبعها بأخرى مائلة إلى اليمين وأخرى مائلة إلى اليسار، وواحدة من الأسفل وأخرى من الخاصرة حتى تجد سليمة العذراء نفسها فجأة مكبلة وثاقها في حزمة من القصب.
تسربت الشريفة العزيزة إلى غرفة عزيز الغضبان وكانت تعرف بالطبع أنه ليس طفلا حالها كمثل حال أمه سارة وأخته سليمة العذراء. وهربت به إلى مشفى منسي. ومن هناك سرقت له وثيقة طفل مات للتو ورتبت نفسها في طيّات صغيرة سمحت لها في الدخول إلى حقيبة سفره. ولم يتوقع زورخان العسس الحدودي أن الطفل المكبل بعوينات غامقة سميكة والراكب في القطار وحيدا هو مناضل سياسي محكوم بالإعدام.
***
لم يتبق على أثر رحيل الشريفة وعزيز الغضبان أحد من العائلة المقدسة غير عمّار.
فالأبناء التسعة وصلت أخبارهم عن طريق فلاح من فلاحي الوالد التقى أبو ذر الناجي الوحيد في مدينة مجاورة لصحراء الشلب، وهو الأخ الذي اختفى تحت الروث.
نقل أبو ذر لذلك الفلاح ما حدث وهو تائه بين الكلمات وزوغان العين والغثيان قبل أن يختفي لكي ينظّم انتقامه المقدس المحتّم:
ـ أخذونا أولا إلى سرداب السلمان. سرداب السلمان سجن مشتول في منتصف الصحراء. لا يقيم فيه أحد إلا السجناء السياسيين الخطرين. السجانون من أعتى خلق الله. بينهم من نفوه نفيا إلى ذلك الجحر الصحراوي، وبينهم من يشغل مهمة التجسس على البعض المنفي إلى جانب مهمته الأساسية كسجان. كل يوم يتغير الطاقم الجاسوس. كل سجان جاسوس يعمل يوما واحدا في الأسبوع ويقضي بقية الأسبوع في إجازة لكي يهيئ نفسه لليوم العصيب الجديد في سرداب السلمان. السجانون المنفيون يعملون خمسة أيام في الأسبوع، ثمانية ساعات في اليوم الواحد. الهوام في كل مكان. السجن هو قلعة قديمة فيها آبار جافة وأخرى صالحة. البئر الجاف يستخدم لعقوبات السجن الانفرادي. في البئر مختلف انواع الزواحف تظهر حسب فصل السنة. في الربيع تظهر العقارب. في الصيف أبو الجنيّب. في الخريف الصراصير. وفي الشتاء لا شيء. في الصيف تنتشر الأفاعي والعقارب السامة والظباء في باحة السجن. الرقابة في السجن ليست صارمة.
ـ إذا هرب السجين يصبح فريسة للذئاب، أو الضباع، أو يموت عطشا تحت حرارة الشمس قبل أن يصل أول واحة تبعد يومين مشيا على الأقدام، أو يضيع في الصحراء اللا نهائية. لن تكتب النجاة لأحد إذا ما هرب إلا إذا عرف الطريق جيدا، شريطة أن يمتلك ما يسد الرمق.
ـ أودعونا في سجن سرداب السلمان. فتح سجان عفريت كوة صغيرة صباحا وقذفنا بخبز شبيه بالجلد العفن، ورمى لنا في الظهيرة من الكوة حليبا ممزوجا بالروث، وفي المساء فتح الباب ورمى لنا قطعا كبيرة من اللحم النيئ المتعفن. وللغرابة بدأنا نسمن على أثر تناول اللحم العفن. في ليلة ما ظهر حارس استرق السمع للسجان العفريت واختفى. بعد زمن ظهر من جديد وأبدى لنا الود لكنه هرب بسرعة على أثر سماع قرقعة من بعيد. في ليلة أخرى أخبرنا أنه أحد أنسابنا من جهة الأم (فلانة)، فالوالد كما تعرف مزواج. وفي ليلة أخرى أعطاني مدية قادرة على حزّ وريد سجان دورية الغروب العفريت. ففعلت المطلوب وهربت مع أخواني ترافقنا تمنيات الحارس (القريب) ووعدته خيرا بعائلته حالما أرى الوالد، فما كان من الحارس إلا أخبرنا بأن أكثر الطرق أمانا للوصول إلى المدينة هو الطريق الفلاني.
ـ قضينا الليلة الأولى نحتضن بعضنا مرتعدين من ظهور الضباع.
ـ ظهيرة اليوم الثاني بال كل واحد منا، بدوره، في راحة كف بعضنا وشربنا بولنا لكي لا نموت من العطش، وبانت في الليلة الثانية حقا واحة من بعيد، سرعان ما اقتربنا منها وتفحصناها، وتأكدنا من وصولنا محطة الأمان الأولى.
ـ عصر اليوم التالي قدم خيالة يمتطون جيادا ويحملون بنادق صيد أحاطوا بالواحة وصاروا يغيرون علينا ويطلقون النار وكأننا طرائد صيد. هربنا هنا وهناك واختفى أحد أخواني (اعذرني، لقد نسيت من هو) في قعر بئر وآخر في قلب نخلة ولم تبعث تلك المحاولات إلا بهجة الصيادين. فاستفاقت غريزتهم وهم يرون أخواني يتصرفون كحيوانات طريدة. وسمعت بعد أن اختبأت تحت جبل من الروث واحد من الصيادين يتفاخر بأنه اصطاد أربعة لوحده وابنه البالغ عشرة سنوات اصطاد واحدا بينما البقية لم يصطادوا إلا ثلاثة. وضحك قائلا للبقية: "كل واحد يأكل ما رزق" وأشعل نارا، وأمر خدمه ضاحكا أن يضعوا بقية اللحوم في أكياس الخيش "لإعادتها إلى المنشأ" ولم أفهم من كلامه ما يقصد بإعادة الجثث المسلوخة إلى "المنشأ؟" في حين توّعده صياد آخر وهو لم يكد يبتلع الإحساس بمرارة الخاسر أنه سيفوز فوزا ساحقا في جولة الصيد القادمة: "سأطلب من مدير السجن إرسال ثمانية سجناء جدد بعد غد وسنرى من يفوز في نهاية الجولة"
ـ ذلك الخطأ أصبح مصدر نجاتي. لقد بلّغ زورخان السجن الصيادين، وهم من حاشية الفارس الأبدي المقربين أن (القطيع) الذي سيصل واحة النزهة بعد يومين مكّون من ثمانية سجناء ولم يقل تسعة.
ـ أعاد الخدم الأشلاء المتبقية نيئة إلى السجن لكي توزّع طعاما على السجناء السياسيين.
هكذا، في ضربة واحدة فقد صقر الصقور أبناءه، وأصبح عرضة لمسائلة العسس عن مكان الشريفة و:
ـ ذلك الطفل الأحمق، ألعوبة الساحرة التي خدعت الجميع دهورا متظاهرة بأنها كفّت عن العمل السياسي بينما كلفّت اعترافاتها خفير الاستعلامات أياما لكي يتذكر بالحذافير ذلك الإسهال الذي تغوطته والمتضمّن كل شيء ما عدا الحقيقة، وإلا انتظرته تهمة التعاون مع المعارضة الغاشمة. ولكثرة إسهال تلك المرأة تزحلق خفير العسس في تفاصيل الاعترافات وتحليل خلفياتها إلى درجة أصبحت لغزا حقيقيا، وظن الجميع بعد فترة أنها ليست سوى هلوسة المرعوب من زنزانات مديرية العسس السري إلى أن انجلت الحقيقة عند هروبها مع ذلك الطفل وأثبتت العكس!

في بيت صقر الصقور ثمة شجرات ثلاث باسقة في جانب من باحة المنزل، وفي الجانب الآخر صخرة بيضاء مربّعة وجدوها قائمة عند بناء البيت، فبنوا عليها بيتا صغيرا كانوا يسترونه وكانت تعيش فيه الدجاجات. بنى صقر الصقور محرابا وصومعة في إحدى زوايا الباحة وارتاده. لم يسمح لأحد بمقاطعة عزلته إلا للصغير البالغ من العمر سنة أولى؛ عمّار. إذا أرادت واحدة من نسائه مقاربته رمت له في صحن الطعام المغطّى حصاة صغيرة، وكنّ جميعا يقدمن له صحون الطعام كل واحدة بدورها. وعلى أثر اعتقال عمّار طوى صقر الصقور السكون.
رجل،
نصب رجل،
صوته هسيس ريح،
جلده لوح طين،
وحركته شطحة ضوء تغرق في الظلمة حالما تنبجس.


لوح عاشر
زوّادة الطريق

باغت صقر الصقور فرح غامر ما أن همس السادن النسائي في أذنه مرة أخرى:
ـ سارة تنتظر صبيا.
واستبدل التراتيل بالغناء لأول مرة في حياته. أخيرا سيصبح لديه صبيين من الشجرة الطاهرة. فإذا شاءت الأقدار وأخذت واحدا منهم، وهذا كثيرا ما حدث، فان الآخر سيستمر في حمل نسغ العائلة.
ولد عمّار قبل الواقعة بعام واحد. وكان صقر الصقور في تلك الأيام ينتظر على أحرّ من الجمر نمو الصبيين وبلوغهما سن الرشد وزواجهما لكي يحصل على أحفاد، وبالطبع شحذ الأمل بأحفاد ذكور يقللون من احتمالية انقراض العائلة. وعمّار هذا كان صبيا معافى. وبعد أحداث الليلة الشهيرة واختفاء عزيز الغضبان والشريفة بقي عمّار آخر طفل ذكر في العائلة المقدسة. وبعد أن اعتزل صقر الصقور العالم لم يسمح لأحد أن يدخل عليه في المحراب سوى عمّار. ولم يعرف أحد أبدا فحوى الأحاديث الدائرة آنذاك بين الشيخ والصبي.
ثمة صفير من الرياح كان يشبّ في أوصال المحراب ترافقه لثغة طفل.
قيل أن الأب حدث ابنه عمّار على أثر هروب عزيز الغضبان والشريفة عن المستقبل، أخبره عن أحفاد كثيرين سيحملون رايات يغيرون بها العالم، أو يعيدون العالم إلى النظام بعد طول فوضى. وسمّى صقر الصقور ابنه عمّار حاملا للراية وقال أنه أصبح الطفل الموعود لأن أخبار عزيز الغضبان اختفت ولم يعرف أحد عن مصيره شيء:
ـ هل اختفى في أرض القصب؟ في أرض كنعان، في أرض الروم، في عتمة الزنزانات، أم تراه قتل؟
ـ لقد تلقفته الشريفة بيديها الكريمتين واختفى الاثنان دون أثر.
تهامس النسوة، وأبناء الطرف الذين ردّدوا فيما قبل أن الطفل المغطى بعوينات غامقة ينمو بسرعة غير طبيعية وضحكوا من التعاويذ الواقية.
وأصبح على أثر تلك الليلة بطلا أسطوريا، هبة من آلهة الزرع والحصاد، فارسا غطى عينيه بالزجاج الغامق خوفا من تلوّث بؤبؤيه المغرورقين بنفحة الرب.
كانت ثمة شائعات تنتشر في المدينة الصغيرة عن ظهور طفل معجزة (عزيز الغضبان؟) يرتدي عوينات غامقة، شعره يكاد يصل إلى ركبتيه. في جبال القصب البعيدة غدا في ومضة صورة مجسّمة دلفت غارا تغطيه الثلوج واختفت. وشائعات أخرى تتحدث عن طفل مقدام في مدينة نائية ارتقى السماء، على أثر نزال عنيف مع عسس طوّقوه في زاوية ميتة، وانطبع على شكل صورة في وجه القمر المكتمل. وشائعات عن طفل تكثّف من ضباب الفجر واغتسل بالندى المستريح على جنبات الزهر البري في معبد عند تخوم الصحراء ودخل إطار صورة مؤطرة وامتطي حصانا عربيا أبيضا وعباءة غامقة تخطّ وراءه، وكان يحمل سيفا فتاكا رماه في النبع المرسوم في زاوية اللوحة وغاص خلفه رويدا رويدا في البئر المظلم. وشائعات رابعة عن طفل ذي عينين سوداوين تحتلان نصف وجهه انبثق من صورة قديمة لأحد القديسين حملتها امرأة مصابة بالجدري، ووضع يده فوق مكان آلامها التي اختفت في الحال ومعها الطفل، وكان ذلك حدث في مدينة أثرية أقصى الجنوب. ورأى مجموعة من الكهنة في أقصى الشمال صورته تتمشى في المعبد ثم تتسرّب من مربعات الشباك الذهبي المحاطة بضريح قديس منسي عند الفجر.
لكن الهبش ظلّ يردد بإصرار أن عزيز الغضبان منهمك في أرض الروم بكذا وكذا وكذا.
زورخان العسس السري والمردة هم الوحيدين من يعرفون ما حدث للطيّب إلى جانب حدس الهبش. وربما كانوا هم مصدر كل تلك الشائعات. ذلك أن الزورخان نجح ذات مرة في إرسال أحد عناصره إلى واحدة من تدريبات العمل السري في أرض كنعان وقابله في معرض خطة تدريبية تطبيقية واستمع إلى:
ـ ملاحظات نقدية تقييمية دقيقة، لا تتلاءم مع مظهر الصبي المضحك.



#حازم_كمال_الدين (هاشتاغ)       Hazim_Kamaledin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العائلة المقدسة - الرقيّم الثالث - الأحـلام


المزيد.....




- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم كمال الدين - العائلة المقدسة الرقيّم الأول