أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نارت اسماعيل - بين زمنين














المزيد.....

بين زمنين


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3069 - 2010 / 7 / 20 - 12:36
المحور: سيرة ذاتية
    


كم هو الفرق شاسع ما بين أغاني زمان وأقصد الفترة الذهبية في النصف الأول من القرن العشرين وحتى الستينات وبين أغاني اليوم
لقد وصل الانحدار إلى الفن وبالذات إلى الأغنية العربية مثلما وصل إلى بقية مفاصل حياتنا، شوارعنا صارت مثل شوارع قندهار، فضائياتنا مرعبة، الفكر محاصر، الضمير غائب، المياه ملوثة، وكذلك الأغنية العربية صارت صراخآ وزعيقآ وأردافآ ونهودآ متزاحمة
يبدأ الإنسان يومه مشمئزآ، يخرج إلى الشارع فيزداد اشمئزازآ، ازدحام، ضوضاء، اختناق مروري، زمامير، غبار، تلوث
يعود إلى البيت منهكآ، لم يستطع أن ينجز ربع ما حاول إنجازه، لا يقوى أن يحدّث أولاده أو يداعب زوجته.
كنا في السابق نخفف عن أنفسنا عناء اليوم بالاستماع إلى المذياع لنسمع وديع الصافي ومحمد عبد الوهاب وناظم الغزالي وفيروز وصباح فخري وغيرهم، اليوم عندما نعود إلى البيت نتوسل أولادنا أن يخفضوا صوت الستيريو أو التلفزيون حتى لا نسمع زعيق أغانيهم ولكي نستطيع أن نسترخي قليلآ ونستجمع قوانا النفسية المنهكة
لنعد قليآ إلى الوراء، إلى أيام الصفاء والرومانسية:
سمعت في شطك الجميل – ما قالت الريح للنخيل
يسبّح الطير أم يغني – ويشرح الحب للخميل
وأغصن تلك أم صبايا – شربن من خمرة الأصيل
من أغنية النهر الخالد لعبد الوهاب وكلمات الشاعر محمود حسن اسماعيل، كانت الأغنية المفضلة لشلّتنا، شلة أطباء الدراسات العليا، كنا نسهر كل خميس في سكن الأطباء، نحضر بعض الأطعمة والأشربة، وبعد كأس أو كأسين من العرق، نبدأ بالتحليق مع أنغام هذه الأغنية الساحرة لتأخذنا إلى أعماق الكون
كنا شلة من مناطق مختلفة من سوريا، سنّة وعلويين ودروز ومسيحيين، كنا أسرة واحدة وكنا نقضي أوقاتآ مع بعضنا أكثر من الوقت الذي نقضيه مع أهلنا
بعد عبد الوهاب ننتقل إلى كاسيت لصباح فخري:
خمرة الحب اسقنيها – همّ قلبي تنسيني
عيشة لا حب فيها – جدول لا ماء فيه
ربّة الوجه الصبوح – أنت عنوان الأمل
يأخذنا صباح فخري إلى أبعاد جديدة، لتتمايل أجسادنا مع النغمات الساحرة، ولنصل إلى مجرات جديدة، لكننا لا نكتفي بذلك فنستدعي وديع الصافي المبتسم دائمآ:
طلّوا حبابنا طلّوا – نسّم يا هوى بلادي
بين ربوعنا حلّوا – ضحكت زهرات الوادي

هذه الأغنية كانت تجبرنا على النهوض ورقص الدبكة لنصل إلى الحدود النهائية من السعادة والضحك
في ذلك الزمن كنا نعيش بحالة من الترف الفني، كنا نختار من بين أعظم المبدعين الذين لن يجود الزمان بأمثالهم .
كم كنا محظوظين لأننا عاصرنا نهاية زمن العمالقة، زمن الفن الأصيل الراقي، زمن محمد القصبجي ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب ومن المطربين: أم كلثوم وأسمهان وفيروز ووديع الصافي وصباح فخري وناظم الغزالي ومن الشعراء: أحمد رامي وبيرم التونسي
أتذكر هنا ما قاله زميلنا رعد الحافظ بما معناه ( أغنية تشدو بها أم كلثوم كتب كلماتها أحمد رامي ولحنها رياض السنباطي، كيف ستكون النتيجة؟) وأنا أضيف : أغنية كتب كلماتها بشارة الخوري (الأخطل الصغير) ولحنها محمد القصبجي وشدت بها الرائعة أسمهان ، كيف ستكون النتيجة؟ ستكون الأغنية الرائعة ( أسقنيها بأبي أنت وأمي)
في شهر عسلي، وفي الحقيقة لم يكن شهرآ بل أسبوعآ واحدآ بسبب ضيق الحال وقضيته مع زوجتي على الشاطئ السوري، وفي مساء جميل كنت أتمشى معها على كورنيش البحر، فشدّت انتباهنا أنغام سحرية قادمة من بعيد، أنغام ليست غريبة عنا، اقتربنا من مصدر الصوت وكنا نعتقد أنه قادم من أحد الفنادق أو المطاعم لنتفاجأ بأن الصوت قادم من البحر! نعم البحر كان يغني أنت عمري لأم كلثوم! بصعوبة استطعنا تمييز قارب صغير مبتعد عن الشاطئ مختف في الظلام، وضع فيه صاحبه مسجلة كبيرة وفتحها على أغنية أنت عمري، يبدو أن الرجل كان يريد أن يمتّع الناس ويخلق لهم جوآ ساحرآ لوجه الله تعالى وبدون مقابل، وكأن أحدهم أرسله لنا أنا وجميلتي ليمنحنا أعذب اللحظات في أحلى أيام العمر:
هات عينيك تسرح بدنيتهم عينيا – هات إيديك ترتاح بلمستهم إيديا
يا حبيبي تعالا وكفاية اللي فاتنا – هوا فاتنا يا حبيب الروح شوية؟
كلما سمعت أنا وزوجتي هذه الكلمات نتذكر تلك اللحظات الجميلة التي لا تنسى
كم يؤسفني ما وصل إليه حالنا هذه الأيام، كم حاولت أن أغرس في أولادي حب فيروز والأغاني القديمة أو الموسيقى الكلاسيكية لكن بدون فائدة، التيار جرفهم مثل غيرهم
كنت أقول لهم : هل نام أحدكم مرة واحدة وخدّه على المذياع الصغير؟ هل نزلت دمعة من عين أحدكم وهو يسمع أغنية عاطفية شجية؟ كم يؤسفني أنهم لن يشعروا بخلجات القلب التي كنا نشعر بها ونحن نستمع لتلك الأغاني الرومانسية الجميلة
يا ترى هل كان الله محقآ عندما حرّم الغناء والموسيقى؟
هل كان يعلم أن الغناء سوف ينحدر إلى هذا المستوى فحرّمه علينا لكي يريحنا منه؟



#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أي الحدود أهم؟ حدود الوطن أم حدود الله؟
- أخبار سارّة من بلدي
- الطائر الحر
- أغاني وذكريات
- هل مازال الدين أفيون الشعب؟
- رد على مقالة الكاتب سعيد مضيه (لمن تقرع أجراس الليبراليين ال ...
- ترقية فتاة قبيسيّة
- العبور إلى الضفة الأخرى
- نعم، إنهم مزعجون
- مأساة تهجير الشراكس
- إصلاح القلوب أم إصلاح الجيوب؟
- جمهوريات الفيس بوك
- لا نعبد ما تعبدون
- ما أصعب العيش صامتآ
- أوجه النفاق
- مضارب البدو في جبال القوقاز
- فن صناعة الغباء
- أقوال خالدة لعمرو خالد
- علموا أولادكم احترام المرأة
- البيئة- الإله- المرأة


المزيد.....




- البحرية الأمريكية تعلن قيمة تكاليف إحباط هجمات الحوثيين على ...
- الفلبين تُغلق الباب أمام المزيد من القواعد العسكرية الأمريك ...
- لأنهم لم يساعدوه كما ساعدوا إسرائيل.. زيلينسكي غاضب من حلفائ ...
- بالصور: كيف أدت الفيضانات في عُمان إلى مقتل 18 شخصا والتسبب ...
- بلينكن: التصعيد مع إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إس ...
- استطلاع للرأي: 74% من الإسرائيليين يعارضون الهجوم على إيران ...
- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..الصدر يشيد بسياسات السعود ...
- هل يفجر التهديد الإسرائيلي بالرد على الهجوم الإيراني حربا شا ...
- انطلاق القمة العالمية لطاقة المستقبل
- الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني: قواعد اشتباك جديدة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نارت اسماعيل - بين زمنين