أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - انصرف من امامي ايها المغفل *















المزيد.....

انصرف من امامي ايها المغفل *


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 3067 - 2010 / 7 / 18 - 20:10
المحور: الادب والفن
    


انصرف من امامي ايها المغفل *
قصة: نبيل عودة
السيد كمال أعلن إفلاسه، وتقدم للمحكمة بدعوى لإعلان الإفلاس، التي لم تجد سببا وجيها لرفض طلبه، رغم ان الاعتراضات والشكوك التي قدمها الدائنون للمحكمة، ضد إعلان إفلاس السيد كمال كانت كثيرة.
المحكمة ، حسب ما رأت ، أن شكوك المعترضين مبنية على تخمينات دون أي اثبات عملي، بان السيد كمال يقوم بخدعة حتى يتهرب من دفع ديونه، السيد كمال باع سيارته، وباع بيته، واستأجر بيتاً في حي فقير، بالكاد يتسع له ولزوجته ولأبنائه الأربعة، وتسجل كعاطل عن العمل ليضمن ضمان الدخل من صندوق الدولة، حتى يجد عملا يعيل به زوجته وأولاده... او يعود الى تجارته وأيام عزه، عندما كانت الأموال تتدفق بين يديه بلا حساب، ولكنه لم يفكر بيومه الأسود، ولم يتوقع ان تصل مصاريفه الشخصية، على نفسه وعلى أصحابه، أكثر من ارباح تجارته، مما جعله " يأكل رأس المال" كما قال له المحاسب.. ويعجز عن تسديد ديونه، وتتكاثر عليه الحجوزات والمصادرات حتى صار "على البلاطة " بحالة مالية يرثى لها .
السيد كمال تاب الى ربه بعد افلاسه ، مبتعدا عن حياة المجون التي قادته للإفلاس، وعمل بنصيحة رجل الدين الذي تاب على يده، بأن لا يفوت صلاة ولا يستهتر بقوة الله وعظمته.. وان الله سميع مجيب، اذا تاب حقاً وليس خدعة أخرى للتهرب من دفع ديونه ، يتهمه الدائنون.. فأقسم كمال بكل الغالي على نفسه، بانه حقاً تاب ونادم على ماضيه وضلاله الذي دمر حياته. وانه يريد البدء بحياة جديدة نظيفة .
وحقا بات تواجد السيد كمال في الصلاة منتظماً، ويستمع للمواعظ الدينية، ويطلق يديه الى أعلى راجياً الأب والإبن والروح القدس ان يعيدوا اليه مجده السابق، ليعمل على خدمتهم بدل أصدقاء السوء وقضاء السهرات في نوادي القمار، وفي مخادع الزانيات وفي بارات الرذيلة والسكر.
وتمر الأيام، والسيد كمال يتواجد في كنيسة الله ، وقد أدخل في توجهه للمخلص الرب نداءً حارقاً ان يقع في نصيبه الفوز بجائزة الياناصيب الكبرى، التي تقفز أحياناً الى عدة ملايين من الدولارات.
كان يجثو ساعات امام الهيكل خاشعاً في صلاة حارة، تقطع نياط قلب من لا يعرف السيد كمال في ايام عزه ، وما قاده الى هذه الحالة البائسة. ان من عرفه في أيام غناه وسطوته حين كان لا يسجد الا أمام التنانير والشعر الحرير ... سيصعق اذا شاهده اليوم يسجد ذليلا امام تماثيل صماء؟!
في احدى صلواته قال بصوت مسموع وحارق:
"هل كثير عليك يا الهي ان تجعلني أفوز بالجائزة الكبرى في الياناصيب؟.. أليس ابنك الذي ارسلته ليخلصنا هو من قال: "اقرعوا يفتح لكم، ابحثوا تجدوا؟" ألا ترى حالي في الحضيض؟ لا أجد ما أطعم به اولادي، وها انا منذ سنتين أرجوك واقرع أبوابك وابحث في كنيستك، لعل الياناصيب الكبير يكون من نصيبي، فأبني لك كنيسة جديدة، وأتبرع للمحتاجين، ولا أقوم الا باعمال الخير، فقط افتحها بوجهي كما أغلقتها بوجهي حين رأيت ضلالي!!
الكاهن الذي أرشده للإيمان وطريق الخلاص، استمع اليه صامتا، وتألم لحال السيد كمال.وكثيرا ما حثه ان يشمر عن ذراعيه ويجد عملا . "العمل لإعالة الأولاد اهم من الصلاة " تواجدك في الكنيسة ليس حلا لضيق الحال . كما كان يصر ابونا الخوري... ولكن كمال يتحجج بأنه لم يعد قادرا على الأعمال الشاقة ، مكتفيا بما يحصل عليه من صندوق العاطلين عن العمل . وقد غير الخوري نهجه مع كمال مرات عديدة ، ليخفف من غلوائه في الصلاة والطلب من الرب ان يكون من نصيبه الربح الكبير.
حاول ان يقنعه مثلا ، ان الربح الكبير ليس في هذه الدنيا ، انما في الحياة الأبدية ، التي ستكون من نصيب المؤمنين الصادقين والطيبين ، منفذي تعاليم الرب. هناك في الآخرة السعادة الكبرى والربح العظيم.. حيث الحياة الأبدية بين الملائكة والقديسين.
ومرة سأله السيد كمال:
- ولكن يا ابتي الكاهن، ماذا يضر الله لو رزقني بالياناصيب في هذه الحياة الفانية، لأعمل على زرع تعاليمه، وأعيش حياة طبيعية بوفره وهدوء بال والعمل الصالح، وأضمن السعادة الأرضية والسعادة الأبدية ، هنا وفي الآخرة أيضا ؟
- يا ابني في الايمان، ان طرق الرب غير معروفة للبشر.. مشيئته لا اعتراض عليها.
- الم يقل ابنه: "اقرعوا يفتح لكم"، فلماذا يتركني طارقاً على أبوابه كالذليل ولا يفتح لي؟.
ضحك الكاهن هز راسه وقرر ان يفضها مع كمال ، قال:
- اسمع يا ابني ، الله الذي تحادثه لا يظل ساهرا لأنه قلق على سلامتنا وعلى أحوالنا .هذا الإله لم يكن موجودا وهو ليس موجودا اليوم . انا كاهن واقول لك انه حسب ما نملكه من بينات لا يمكن اثبات وجود الرب ، ومع ذلك نحن لا ننكر امكانية انه موجود. ولكننا نكون دجالين اذا توهمنا انه جالس ليراقبنا وينصت لطلباتنا . وهذه الإشكالية الإيمانية يا عزيزي تشبه حكاية سمعتها من مطراننا عن الثقة المطلقة ان الحقيقة المطلقة هي قناعاتنا الايمانية . هذه الثقة تدمر ولا تبني ، ونحن ننشد البناء والتقدم لأبناء كنيستنا . ولا يخفي عليك يا ابني ان الكثيرين من ابنائنا المؤمنين يعيشون منغلقين على حقيقتهم النهائية وبالتالي يخرجون انفسهم من الحياة الى الانعزال داخل بوتقة ، ونحن نظن ان هذا يضر بكنيستنا. . ولكي يشرح مطراننا مفهوم الايمان والثقة العمياء بأننا نملك الحقيقة المطلقة روى هذه القصة . قال :
- كان صديقان يجلسان في مقهى يحتسيان الشاي. على طاولة ليست بعيدة عنهم كان يجلس شخص أقرع الرأس . قال الأول :
- هل لاحظت الشخص الأقرع على الطاولة في الزاوية الشمالية ؟ اجابة صديقه :
- أجل لفت نظري منذ جلسنا. قال الأول :
- انا على ثقة مطلقة انه نيكيتا خروتشوف الرئيس السوفياتي السابق . اعترض الثاني:
- ولكن خروتشوف قد مات وشبع موتا ؟ قال الأول :
- هذه دعاية سوفياتية من يصدقها ؟ اجاب الثاني:
- حقا قرعته تشبه قرعة خروتشوف ، ولكن ليس كل قرعة تخفي تحتها خروتشوف ؟ والمثل يقول " يخلق من الشبه أربعين". قال الأول:
- انه خروتشوف بعينه ، وانا مستعد ان اراهنك . رد الثاني :
- وانا أقبل الرهان 100 دولار مقابل 100 دولار.. اذا تبين انه خروتشوف فانت الرابح ؟ . قال الأول بحماس :
- موافق
وقام واقترب من الرجل الأقرع :
- تحية ايها الرفيق خروتشوف . التفت اليه الأقرع غاضبا :
- انصرف من امامي ايها المغفل .
عاد الى طاولة صديقه وكأن شيئا لم يحدث ، جلس رشف من الشاي وقال بكل هدوء:
- رأيت كيف صرخ بوجهي؟ الآن لا يمكن ان نعرف ما هي الحقيقة اطلاقا.
وهذا يا كمال درس يجب ان نعيه . لا يمكن ان نعرف الحقيقة اطلاقا. ولكنه حلم جميل ، وطريق لتربية أخلاقية وانقاذ الناس من اليأس . واقول لك يا كمال انا متألم من حالك ، منذ سنتين وانت تطلب الربح الكبير من الله،وتلومه لأنه لم يستمع لك ، وقرعت ولم يفتح لك ، هل ساعدت الله ليساعدك؟
- اني انفذ كل تعاليمه يا ابتي.
- هذا جيد لآخرتك.. اما لربح الياناصيب في هذه الدنيا فيجب ان تساعده..
- انا الانسان البسيط ، اساعد الرب ؟! كيف يا أبتي اساعده ؟ وهل يحتاج الرب الى مساعدة من بشر ؟
- بالطبع ساعده ليساعدك.. كيف سيساعدك الله لتفوز بالياناصيب، وانت لا تساعده بشراء ورقة ياناصيب على الأقل.. ؟!

* - هذا نص معدل في مضمونه أيضا عن نص سابق بعنوان :" اضف الى رجائك ورقة يانا صيب" .
نبيل عودة – كاتب، ناقد واعلامي – الناصرة



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هو الرنين من تصفيق يد واحدة ؟
- حوار مع الكاتب نبيل عودة
- عسر الفهم والرؤية المغلقة المسبقة في نقاش غطاس ابو عيطة
- متشائم ، متفائل وواقعي
- الكرامة...
- العجرفة والغطرسة حين تصير سياسة دولة !!
- رجل السياسة
- رسالة ليست شخصية فقط
- الناقد د. حبيب بولس يواصل رحلاته ودراساته النقدية
- لقطات قصصية *
- الحماة..!!
- رؤية مشوهة للقصة القصيرة في ندوة القاسمي
- قصة جديدة : اوباما يتنكر
- مفاوضات بدون شروط مسبقة مع واقع كله شروط مسبقة !!
- كُل مَا تَشْتَهِي نَفْسُك ..!!
- إنتقام إمرأة...!!
- ليس عضوا في النادي
- نجح الدفاع .. وفشل المتهم !!
- خواطر حول تجربتي مع القصة القصيرة
- أنت صادق أيضا ..!!


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - انصرف من امامي ايها المغفل *