أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - اختفاء جيفارا/فصل من رواية/3















المزيد.....

اختفاء جيفارا/فصل من رواية/3


عماد ابو حطب

الحوار المتمدن-العدد: 3065 - 2010 / 7 / 16 - 12:14
المحور: الادب والفن
    


اختفاء جيفارا/فصل من رواية/3

الفصل الثالث

استيقظ من النوم الساعة الخامسة صباحا،استغرب النشاط الذي انتابه،أنهى حماما سريعا بالماء الساخن ثم أخرج شنطة أوراقه الشخصية من بين جبل الأغراض المتراصة داخل الحقيبة،هبط مسرعا الى بوابة الفندق،دون أن ينتبه اصطدم بفتاة تصعد السلالم،ابتسم لها معتذرا ومستغربا استيقاظها في هذا الوقت المبكر من الصباح ثم انتبه أنها من مجموعة الفتيات اللواتي كن متجمعات في البهو ليلة البارحة،ولى الأدبار مسرعا خوفا من "الفتنة" ،أفطر في محل لبيع "المناقيش"ثم رجع للفندق،استفسر من عامل الاستقبال عن كيفية الوصول الى الجامعة،دله على مجمع" السرافيس" حيث يمكنه من هناك الركوب للجامعة بمبلغ زهيد،الا أن ادارة الجامعة لا تفتح أبوابها قبل الثامنة والساعة لم تتجاوز السادسة والنصف،لهذا قرر الذهاب للجامعة مشيا . من المؤكد أنه لن يضيع ما دام قادرا على السؤال.الجو كان لطيفا ،مما شجعه على التسكع والتباطؤ،تصرف كسائح .سار على ضفة نهر بردى من "المرجة" مرورا "بجسر فكتوريا" ثم "التكية السليمانية"،جذبه الاسم فدخل مستكشفا المكان . تفاجئ حين أحس بنسمة باردة تهب من الداخل،عكس الجو في الشارع حيث الحرارة مرتفعة ورائحة المازوت تزكم الأنوف ،سحره المكان ،هدؤه وجمال عمرانه واخضرار ساحاته . رائحة زكية تملأ أرجاء المكان،سأل عجوزا جالسة تستريح عن مصدر الرائحة فأشارت الى مجموعة من الأشجار ذات الورود البيضاء قائلة :"هذه هي أشجارالفل و الياسمين ويقال أنها من أشجار الجنة" ،بالفعل شعر أنه في الجنة، أيعقل أن تكون هناك أو في أي مكان أخر أزكى من هذه الروائح !. لفت انتباهه تناثر بعض العشاق في أرجاء "التكية"،وقف عن بعد "يتلصص" على عاشق ومعشوقة . لم يكن قد شاهد عشاقا من قبل،حينما اختلس الشاب قبلة من الفتاة أحس بالنشوة تسري في جسده ورعشة تجتاحه ونار تندلع في جوفه وعطشا في حلقه،تمنى لو كان هو من قبل الفتاة،تذكرعندئذ أنه لم يقبل فتاة حتى الأن رغم ادعائاته أمام أصدقائه بتعدد غرامياته.لم يحس بمرور الوقت الا بعد أن نظر في ساعته ووجدها قد تجاوزت الثامنة قليلا،غادرمكرها لكنه عقد العزم على العودة مجددا حالما تحين له فرصة قريبة.وصل كلية الطب متعبا قليلا لكن الجولة أنعشته.انتبه الى أمر غريب ،فأينما ولى وجهه،الى داخل المحلات،جدران الأبنية،أعمدة النور،يافطات الاعلانات،حتى الجبال الجرداء المحيطة بالعاصمة،جميعها مدون عليها تحيات الى الرئيس ومقولات خالدة قالها وصور ضخمة له!.
استقبله موظف التسجيل بمودة ولطف وأتم تسجيله دون اشكالات تذكر،الا أن الموظف أخبره أن تسجيله لن ينجز كاملا الا اذا سجل في اتحاد الطلاب التابع له،استغرب الأمر وسأل الرجل عن أي اتحاد يتحدث؟،أجابه الرجل"أنت فلسطيني،لهذا عليك الانضمام للاتحاد العام لطلبة فلسطين".
رد قائلا :"لكنني لا أريد الدخول في أي حزب "،ضحك الرجل موضحا:"الأتحاد ليس حزبا،هو تجمع للطلبة من أجل المساعدة في حل مشاكلهم،ويجب أن تنتسب اليه،هذا شرط لاتمام التسجيل".
ثم أعطاه عنوان الاتحاد ،استغرب حديث الموظف ولم يقتنع بما قاله لكنه بات مجبرا على دخول هذا الاتحاد،وتذكرحديث والده:"احذر الأحزاب ومنظمات المقاومة".
لقد كان والده ضد التحزب ،كان مصرا أن الأحزاب بها صنفان من البشر،الأول وهو أقلية، يعرف من أين تؤكل الكتف وقادر على"امتطاء"الأغلبية من أجل مصالحه،ورأيه أنه وأبنائه ليسوا من هذا الصنف فهم طيبون لحد "الهبل" أو "العبط" ،لهذا مكانهم وسط الصنف الأخر "المركوبين" كما كان يسميهم،أو حطب المحرقة اللذين يرمون في المعارك والحروب لخدمة مصالح "الهبيشة".وللتدليل على وجهة نظره هذه كان يقول:"شوفوا ماذا فعلت بنا الأحزاب الفلسطينية عام 48،كانوا اما أغبياء أو قصيري نظر ليضعوا بيضهم في سلة الانتداب ،ضيعوا البلاد والعباد،هذا الذي جنيناه من الهيئة العربية والأحزاب ،شردونا وهجرونا لأخر الدنيا ،خلونا لاجئين لا نساوي تعريفة،واللي موجودين اليوم أوسخ، الا اذاكنتم تعتبرون ما فعلوه في الأردن كان لصالح فلسطين،ذبحوا الشباب علي الفاضي وبس طلعوا من هناك اندعس على راس الناس بالبسطار؟والأن يعيدون الكرة في لبنان،تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي".
هكذا كان والده حازما في هذه المسألة :الأحزاب ممنوعة نهائيا في منزلهم. لم يتناقش قط مع والده في السياسة،فالسياسة لم يكن مرحبا بها أيضا في البيت الا اذا كان الحديث عاما ولصالح فلسطين،ورغم أن والده كان من المبادرين لاحتضان فكرة فتح المدارس الحكومية في تلك البلد في الفترة المسائية لتدريس الطلبة الفلسطينيين الذين لم يسمح لهم بالدراسة في المدارس الرسمية،وبذل جهدا كبيرا لتحقيق هذا الأمر،الا أنه اعتبر ذلك أمرا وطنيا وانسانيا عاما لا يجب تجييره لصالح حزب أوتنظيم بعينه ،حتى حين يشار الى كونهم فلسطينين كان الوالد يصر على أن فلسطين تحتاج عملا على الأرض وليس "طق حنك ".كان للأب فلسفة خاصة موجزة مفادها:اذا كان من الضروري عدم نسيان الأصل الفلسطيني للعائلة،فان الأهم من هذا أن تنجح في حياتك العملية،ففلسطين لا تحتاج الى المزيد من الفاشلين أو"العواطلية" كما كان يطلق عليهم ،أو الفقراء الذين هم أصلا بحاجة لمن ينتشلهم من فقرهم فكيف يكون مثل هؤلاء قادرين علي نجدة بلادهم،وكلما كنت ناجحا في عملك وحياتك بت قادرا على التأثير بفاعلية في محيطك".وهو ما زال يذكر اخر حديث في السياسة دار ما بين والده وأخواله الذين يعيشون في مخيم شاتيلا الواقع في بيروت،لأول مرة يرى أباه محتدا وعصبيا ،كان الحديث يدور حول وضع خاليه المعيشي،الخال الأول كان قد أنهي تخصصه في الجراحة العصبية من بغداد منذ أربع سنوات،وما زال عاطلا عن العمل،أما الثاني فقد تخرج منذ سنتين من كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق وكان الأول على دفعته لكنه لم يجد عملا ،رغم الحاجة الملحة في بيروت لكلا الاختصاصين.لم يفهم في البداية لماذا لا يجد خالاه عملا،الا أنه سمع والده ولأول مرة يتحدث بعصبية ويوزع شتائمه في كل اتجاه:"اولاد الكلب ،يريدوننا فقط أن نلم زبالتهم أو نسلك بواليعهم،أوعتالة يحملوا علينا كالحمير،أوخضرجية ونواطير لبيوت اللي خلفوهم ،كثر خيرهم سمحوا لنا بستين مهنة للعمل أحسنها ناطور بناية،طيب ماذا يفعل الدكتور أو المحامي أو المهندس أو....؟يأكل خ... ويسكت؟والله حجة التوطين صارت مسخرة ولا يصدقها حتى طفل باللفة ،يعني اما أن نموت من الجوع والذل والمرض ونعيش في براكسات ترفض حتى البهائم أن تقطنها،وهيك بتكون في نظرهم وطني وما في مثلك وبيوصفوك انك ما بتنسى بلدك،لكن اذا تعلمت وحاولت انتشال أهلك من البؤس والطين والمجاري المكشوفة في زواريب المخيم ،ساعتها وبكل بساطة بيحولوك لخائن أو انك نسيت وطنك وتريد أن تتوطن وتحتل بلدهم.اذا تعلمت يا ويلك واذا بقيت حشرة يا ويلك،يريدوننا عبيدا لهم مدعوس على رؤوسنا ،أو نرحل ونهاجر لأمريكا وأوروبا وأخر الدنيا،وهكذا يرتاحون منا ومن قضيتنا ويريحون العالم من ضرورة ايجاد حل للمخيمات واللاجئين.والله يا خوفي يكونوا متفقين مع الامريكان والاسرائيليين على كل هذا".يومها استشاط والده غضبا حين علم أن خاله،الذي كان مدير مدرسة في فلسطين هو الأن بائع خضرة على عربة يد يسرح بها من الشفق الى الغسق،والأنكى أنه تلقى علقة ساخنة قبل اسبوعين وحطمت عربته لبيع الخضرة على يد شرطي لأنه تسبب بعرقلة السير في أحد شوارع بيروت لبطء سيره بسبب تقدمه في السن،جن والده وعلق قائلا:"اخوات الشرم.....،الم أقل لكم يريدوننا كلابا تحت أقدامهم،وماذا عمل القباضايات اللي في المنظمات الفلسطينية،أكيد نزلوا يطخطخوا على الفاضي والمليان،ما همه مش شاطرين غير يشتبكوا مع بعض أو يطخوا على السلطة اللبنانية،بس يحاولوا يحلوا مشاكل البشر ويتفاهموا مع اللبنانيين ما بيطلع بايدهم.أنا بحياتي ما سمعت عن حركة وطنية بتلم العواطلية والمشكلجية وأجحش خلق الله اللي ما فلحوا في مدارسهم وهلق صاروا زعامات على البشر المعترين"،كان لوالده نظرة سوداوية حول المقاومة الفلسطينية،وكثيرا ما كان يبتر مثل هذه الأحاديث بالقول:"تفوا بوجهي اذا طلع من هؤلاء خير،والله راح يسحبوا هالشعب المسكين للدبح زي الخرفان اللي رايحة على مسلخ العيد".
تذكرالأن كل هذه الأمور وأحس بالانقباض لأنه سيرتكب أول مخالفة لوصايا والده العشرة،ومن المؤكد أن أباه سيزعل منه كثيرا وقد يتبرأ منه اذا عرف بانتسابه للاتحاد،لكنه سيحاول اقناعه أن هذا اتحاد للطلبة وليس حزبا"يعني مش بعبع راح يأكلني،بعدين ما كل الطلاب فيه ،لماذا أنا لأ ،شو أنا على راسي ريشة؟"هكذا أوهم نفسه للخلاص من قلقه المتزايد.



#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اختفاء جيفارا/فصل من رواية/2
- المثقف الفلسطيني ما بين التهميش والالغاء والنواح من غياب الم ...
- حكاية اللصوص والفقير/ حكاية من حكايا ستي اليافاوية اللي لسه ...
- القروش الستة/حكاية أطفال من حكايا ستي اليافاوية اللي لسه ما ...
- العنزة العنزية/حكاية اطفال من حكايا ستي اليافاوية اللي لسه م ...
- النعامة والحوت/حكاية اطفال من حكايات ستي اليافاوية اللي لسه ...
- اختفاء جيفارا/فصل من رواية/1
- ابريق الزيت/قصة التعجيز الابدي/قصة اللي ما عنده قصة على رأي ...
- اعتراف
- القط ذو الشاربين/ اقصوصة قصيرة جدا
- رثاء متأخر
- كوابيس
- مدينة
- صديقتي المومس/قصة قصيرة
- اعترافات سرير احمق/اقصوصة قصيرة
- حروف التاريخ
- دعاء الاستسقاء
- قصة ليلى والذئب كما يرويها الحكواتي الاسرائيلي
- مبارزة
- المعروف/حكاية من حكايا ستي اليافاوية اللي لسه ما حكتها


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - اختفاء جيفارا/فصل من رواية/3