أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلاح صبار - من قرطاس الخواطر .. في الطريق الى الوطن/2















المزيد.....

من قرطاس الخواطر .. في الطريق الى الوطن/2


فلاح صبار

الحوار المتمدن-العدد: 3064 - 2010 / 7 / 15 - 17:26
المحور: الادب والفن
    


حط بنا الطائر الميمون في مطار بغداد السلام... فأحسست بقلبي مندفعا بسرعة ضوئية قصوى محطما قضبان سجنه...يريد بشغف ولهفة، احتوائه بما حوى ، بحبيبات رماله الذهبية التي تكسو مدرجاته ، بفضائه، وكل عشبة نمت فيه مطبوعة بنكهة عراقية.
انها المرة الاولى التي اهبط فيها هنا، ومنذ عقود طويلة.
كنت متخيلا اشجار نخيل و صفصاف، والواح ورد جوري تطرز مطارنا العتيد ، لتنثر شذاها الرقيق، اللذيذ، كما هي في مطارات الكون، فتحتضن القادمين من وحشة الليل، وقرصات البرد، ولوعة الاشتياق وكل عذابات تلك الغربة الملعونة .
- السنا بلاد الكذا مليون نخلة!! سألت نفسي باستغراب..
لنا الرافدان ومايلحقهما من شرايين واوردة ...و هنا السواعد السمر التي ما وهنت ولاتعبت من كدح وكد ... لنا سواعد رجال عمّرت، وحرثت ، و سقت ارضا ذات سباخ ، فاخضوضرت واينعت وردا بعطر يتميزعن عطر العجم والروم...انه عبق العراق!
يا رب العراق!
اين نحن الان من مطارات دول الملح، والرمل، والكهوف، تلك ؟
ولم انثنت خجلا حكايا السحر ،و الخيال ،والجمال ؟
وما حل بشهرزاد وشهريارها ، والالف ليلة وليلة؟
يارب ستركّ!
فوجئنا بصورة اخرى تماما... كأنه ليس مطارا، وليس بوابة لدار سلام ،بل بدا لي اشبه بثكنة عسكرية مستفزة ... وبيئة متوترة ، واضحة الملامح ، كانت مستنفرة ، لا تدعو الى الطمأنينة، بعيدة عن المظاهر المدنية ...و تنبعث بشدة في المطار رائحة محروقات وبارود مقيتة... بدت وكأنها حشود تندب اغتيال الورد !
يارب العراق !
انني افهم الحاجة للامن والسلام والاستقرار... وافهم بأن العراق كان اسير نزوات فردية، لرجل مغامر ، كان يعتبر نفسه ضرورة ملحة ليس لبلادي وحدها ، بل العالم كله، وهي عقدة الضعفاء وبلوى المجانين .... فزاد الفساد، وتوالت الويلات والدمار وحروب كثيرة أحرقت وأفنت اجيالا من هذا الشعب المبتلى!
كانت سنوات من القهر و الاحباط والانكسارات النفسية وامراض اجتماعية ، وانهيارات اقتصادية ، رمت بلادي للمحرقة والفناء، وعطلت البناء... سنوات مريرة، عنيفة حقا لكل شئ.
- ليس هناك ادنى شك ، بأن الامر يحتاج للكثير هنا ... وان كان الوضع هادئا نسبيا الآن.
- الا سحقا للقتلة الآتون من خارج حدود جنة العراق! انهم خارج التاريخ الانساني قدموا الى المكان الغلط ... هم فاسقون واغبياء ....لقد عبثوا كثيرا .
كانت قلوب اولئك الاوغاد معبئة بالحقد، والكراهية لكل شئ جميل في العراق... تبا لهم ولفتاواهم الظلامية... انهم واهمون، حين يفكرون بتخريب كل ما هو رائع في بلادي .
اجل كسبوا جولة قصيرة ، بائسة ، لكن ارادة ابناء تاريخ الحضارات ، سرعان ما استعادت بريقها وقدرتها على بناء وطن متميز سعيد ، نحلم به ، يعيش فيه الكل أخوة متحابين، متحدين، كرام ، انتماؤهم رافدينى، رقيق ... عليل الهوى.

- انها مسألة وقت...وارادة حقيقية لانطلاق انتفاضة قوافل الاعمار ... وستشدوا بلابل العراق اغنيات عشق سومري من جديد... زمن آت لا ريب...
ان الصورة القاتمة و الانطباع الاول عن فقدان جاذبية مطارنا العتيد - ونحن نلتحم بمدرجاته الاسفلتية - تلاشت حقا حينما استقبلنا العاملون ، بمودة وألفة في اروقته الفارغة الموحشة .

- الحمدلله على السلامة ... ياهلا بيكم ...!
الجميع يرحب بنا ... وقد لفت انتباهي شئ محبب هنا . فقلت لنفسي:
الحمد والشكر للرب الحكيم العظيم ... فالعراق بخير ... ها انا استمع لكل لهجات العراق متحدة برباط عصي امام قوى العتمة والحقد ، تشدوا في هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة من مساحته الشاسعة ... انه شئ جميل !
كانوا عراقيون طيبون حقا . وجوه مشرقة تمنحك الدفء ، وتزيح عنك برقّّة تفوق التصور تعب سفر ليل طويل ثقيل. قلوبهم مفعمة بالطيبة والبساطة والفرح ،فما كان منهم الا ان يسّروا لنا الاجراءات اللازمة، وهم يكابدون من قيض عراقي شديد.

قفز مقطع من احدى الاغنيات التي شدوت بها منذ تسعينات القرن الماضي ، والتي لم تصل الى عشاق الحرية والحياة والوطن وقتئذ - كان هناك حصار اعلامي مخيف يغتال ابداع العراقيين الحقيقي من قبل انظمة تناغمت مع نظام الواحد الاحد والقمع المنحل- قفز قبلة على جباههم السمر ،عربونا للمودة والتلاحم ،وعرفانا وامتنانا لهم.
"عاندت كل المنافي ...تهون لجلك
والبرد والمطر والليل الطويل
سافرت بالهم ليالي ياحبيبي
وچان حيلي يزيد حيل
واحلمت چنك اجيت...وها ...اجيت
نوّرتها ونوّريت
ولنها ليلة...بألف ليله..بعتبتي شموعك ضويت"

نعم ياعراق، ايها الحبيب ...ها انا التقي بك بعد سنين طويلة عجاف، وجدتك يا عشبة الخلود ولن اغفو بعيدا عنك ولن تفلت من يدي مرة اخرى ، سأغيض بك جلجامش العظيم كيف له ان يغفو ؟... رأيتك فارسا بابليا يمتشق المجد والعظمة كما عرفناك ويعرفك العالم ابدا، احبك كيف ما تكون. ..وسنبني غدنا المنشود وسنعمل بجد على ماهو ممكن ومتاح لنا، نحققه معا، بالحب، والجهد والعمل ،والكفاح، ولندع الماضي الكئيب
ومرارته ، لا رجعة له ولا عودة اليه، ولن يكون عائقا امام تدفق ينابيع الخلق، والابداع العراقي ، والسعادة لاطفالنا، والراحة لشيوخنا ،والرأفة بأيتامنا، وانصاف الارامل وانتشال الفقراء و خلق فرص العمل لشبابنا ... ولنحذف كلمة المستحيل من قواميس اللغة ، ولتسمو قدرة الانسان.
حثثنا الخطى نحو موقع أحزمة الحقائب. وقلت لنفسي وانا متوجه الى هناك :
كيف لي ان اخبر اخي الذي ينتظرني منذ ساعات الصباح البغدادي الاولى في ساحة عباس بن فرناس ؟
تذكرت ما قاله لي عندما هاتفني البارحة .
- اطلب المساعدة من اي شخص في المطار، لاستخدام هاتفه ... واخباري بوصولكم.
وتابع قائلا :
انه شئ طبيعي هنا في العراق... لا تحرج ... فان الامورلا تزال بخير .... ولايزال العراقي يمنح العالم الحب، كريم ودرة ثمينة في تاج النخوة والشهامة ...لا تتردد في فعل هذا ... ايها النورس العائد ....!
وجرت الامور بانسيابية رائعة... فعلا .
في تلك اللحظة انتابني شعور وزهو كبير ...وبدأت أترنم بمزامير العشق الرافديني وملاحم الفخر والكبرياء ، فأنا في حضرة العراق. لاتزال الطيبة سمة فارقة للرافديني النبيل، انه يسمو ويرتفع فوق النجوم والقمر،يشرق وجهه بسماحة هائلة وابتسامة ذات مذاق خاص جدا..
- الله الله يالعراق ! ياعشقي الاول... بك ابتدأ الكون... واليك يعود!
كان على النوارس العراقية العائدة ان تحط في باص ،والباص ينتظر امام الباب الرئيسي للمطار، ثم الوصول الى ساحة او مرآب ابن فرناس عباس...حيث ينتظر الاحبة هناك.
سبقتنا المجموعة الاولى مصحوبة برعاية الرب....تجمّعنا، نحن البقية الباقية، بانتظار الباص الثاني لنستقله،عيوننا كانت مفتوحة - كسماء وحدود العراق- تدور في المكان... تبحث عن شئ ما ، لهفة وقلق بالغ يلفنا، حر شديد و بقايا غبار كان قد زار المكان منذ سويعات. صحونا من نشوة الوصول عنوة حينما اقتحمنا صراخ المسؤولين على الامن هناك ... ابتعدوا...الى الوراء... ابتعدوا!
- يارب سترك! مالامر؟ خاطبت احدهم...
- اجاب بصوت أجش مبحوح ...لا ادري
اتخذنا من احد الاعمدة الاسمنتية الضخمة المنتصبة بالقرب منا ساترا يحمينا مما قد يحدث، احتضنت النسوة اطفالهن الذين ولدوا في المنافي حماية ، البعض منا لم يعر الامر اهتماما ،احدهم كان مبتسما فخورا بعضلاته المفتولة ، مرتديا قميصا حوى كل الوان قوس قزح ... شاب لم يتخطى عشريناته، قد يكون واجه هكذا حالات باحتمالاتها مرارا، فتعايش معها...او ربما كان يؤمن بمشيئة الاقدار ... والاعمار بيد الله!!!
مددنا اعناقنا صوب المكان الذي جاءت منه تلك الاصوات المحذرة ، واذا بحقيبة منفردة شاخصة للعيان بكل بلادة ،وبرودة دم، امام باب المطار... وفي منتصف الشارع تماما!!
بدا الامر مريبا ،ومقلقا . كان رجال الشرطة و الجنود يحيطون بهاغير مبالين بما قد يحدث، ربما تنفجر، وربما لا ...لا يستطيع المرء التكهن بشئ .

- بدأت ارطن... ماهذا؟ كيف لهؤلاء الشباب من الجنود والشرطة القيام بهكذا مغامرة حينما دنوا من تلك الحقيبة التي استفزت المكان والانسان ... دون ارتداء واق لاجسادهم الندية الطاهرة ... انها ليست بطولة اوشجاعة ان يهبوا ارواحهم بسهولة للعوق او الموت – لا سامح الله – وبطريقة
تفتقد الى الحكمة... ما هكذا تكون التضحيات..يا اخي !
ابتعدنا عشرات الامتار درءا للاخطارالمتوقعة ، وكان الموقف رهيبا. ما أمر هذا الصندوق الجلدي المستطيل... الحقيبة السوداء ؟ ربما كانت لمسافر ماانتبه لها، كان يستعجل لقاء اهله واحبته ...ربما... تركها وهوفي شوق عارم اليهم، تسائلت.
بقينا ننتظر فك رموز هذه القضية التي اعاقتنا قليلا عن اللقاء المرتقب مع أب، وأم ، او صديق.
انتظرنا قدوم السيد الذي سيمنحنا الاذن بالتحرك نحو ابن فرناس! - من هو هذا السيد يا ترى؟ كيف يبدو؟ ويمر الوقت ثقيلا مملا،
وجاء ذلك السيد بعد دقائق كانها دهر ... يمشي الهوينا، يقوده فارس اسمر من فرسان بلادي .
اتجه نحو الحقيبة السوداء، دار حولها مرات عديدة ، شم زواياها المتعددة ، وهو ذاعن، مطيع، لارشادات فارسنا الاسمر.
رائع ذلك الكلب ممتلئ بالثقة... انهى مهمته بكل حرفنة!
استلمنا الامر بالتحرك نحو الباص، فالوضع مستقر آمن.كانت الحقيبة لاحد النوارس قد نسيها وهو يستعجل اللقاء بأحبته وبأرض العراق! تحرك الباص بنا ،وتجاوزنا السيطرات المنتشرة بكثافة على طول الطريق...واخيرا استقبلنا ابن فرناس –رحمة الله عليه-
وها هي بغداد ...نحن في قلبها وبين احضان ساحاتها،وشوارعها الطويلة ... مزدحمة بسيارات وعربات متعددة الانواع والاشكال تزيد من شدة حرارة قيض العراق!

للقرطاس بقية



#فلاح_صبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قرطاس الخواطر .. في الطريق الى الوطن1
- دور الفن والادب ... في عمليات البناء النفسي المجتمعي
- هودج الياس والشموع والحناء!
- من سفر الذكريات... صور عن الرياضة والرياضيين في مدينة النجف ...
- ترنيمة لعيدها الجميل!
- من سفر الذكريات...صور عن الرياضة والرياضيين في مدينة النجف ا ...
- من سفر الذكريات...صور عن الرياضة والرياضيين في مدينة النجف ا ...
- من سفر الذكريات...صور عن الرياضة والرياضيين في مدينة النجف ا ...
- من سفر الذكريات...صور عن الرياضة والرياضيين في مدينة النجف ا ...
- من سفر الذكريات....صور عن تاريخ الرياضة والرياضيين في مدينة ...
- كيف لنا الارتقاء بالعمل الابداعي...الموسيقى مثال؟
- لله درك ياعراق كم تتحمل ...نكسة حزيران الرياضية!
- صفحات من تأريخ الموسيقى21
- صفحات من تأريخ الموسيقى20
- صفحات من تأريخ الموسيقى19
- صفحات من تأريخ الموسيقى18
- صفحات من تأريخ الموسيقى17
- صفحات من تأريخ الموسيقى16
- صفحات من تأريخ الموسيقى 15
- صفحات من تأريخ الموسيقى 14


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلاح صبار - من قرطاس الخواطر .. في الطريق الى الوطن/2