أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حامد حمودي عباس - للرجل ذكرى ، مازالت موقدة في ذاكرة العراق .















المزيد.....

للرجل ذكرى ، مازالت موقدة في ذاكرة العراق .


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3064 - 2010 / 7 / 15 - 13:00
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


في واحدة من تصورات بني البشر ، يخيل للبعض منهم بان من يموت ، يمكنه في لحظة ما ان يعود ليمارس لعبة حياته من جديد .. هكذا وتحت هذا الشعور الاسقاطي المرير ، يضن من فقد عزيزا بان ذلك الفقيد لم يزل حي ، يسمع ويرى ، بل إنه في حقيقة الامر ، لم يمت أصلا ..
لم تفارقني ولحد الان ، وأنا لم أزل في بدايات مراحل المراهقه ، تلكم المشاهد المحاطة بشتى تفاعلات الناس المختلفه ، حين كان المذياع يكرر صرخات امرأة تردد بيانات الانقلابيين في الثامن من شباط عام 1963 .. لقد كانت ( سجاح ) تلك ، تثير في النفوس شحنات الكره لكل شيء ، كي تدفعهم للانتقام من نظام كان ينتمي لهم ، وزعيمه يسكن في ازقة محلاتهم الفقيره ، يدفع ايجار منزله من راتبه الحلال .
الشوارع بدت وكأنها على موعد مع المجهول ، في حين استمرت سجاح بصراخها لتوجه الرعاع بالاحاطة برجال صنعوا تاريخ العراق باجسادهم ، متخلين عن كل ما يمت لرفاهية الحاكمين في بلاد الشرق .. إضربوهم .. ونكلوا بهم .. اقضوا على عدو الكريم قاسم لتتخلصوا من الدكتاتورية المقيته .. انتصروا لمباديء القومية العربية واقصوا الخونة اعداء الله والدين ..
هب الفقراء لنصرة ابنهم البار .. وشرعت النساء بالتحرك حاملات اجزاء من مهود اطفالهن ليدافعن عن رجل حملت بيوتهن صوره لتكون موانع للشر ، بما يحيطها من بركات لا تنتمي الى بركات الملوك والسلاطين .. وتلاطمت اركان بغداد منذرة بالموت المؤبد لو حدث لزعيمها أي مكروه .. لم يكن حينها مع ابناء العراق من الفقراء غير رماحهم التي فقدت انصالها ، فلم تعد مؤثرة امام هجمة شرسة يدعمها ابناء العمومة من غيارى القومية العربية ، وحملة مشاعل الدفاع عن الدين ..
وصرخت سجاح .. معلنة بان الزعيم عبد الكريم قاسم قد تم إعدامه على عجل ، من قبل نفس الزمرة التي عفى عنها في لحضة من لحضات نطق القضاء .. ليخر الرمز صريع رصاص جبان ، اطلقته ايدي تحمل من خسة الارض بما لا تقدر أوزانه .
مات الزعيم .. وبقيت عيون الفقراء تشخص لسماء العراق ، وهي تتناقل اخبار عدم موته .. حار القتلة بامر جثته حين راح الفقراء يلاحقونهم في كل مكان لاستخراجها ومحاولة دفنها في مكان معلوم .. من يدري ؟ فلربما كان ذلك القبر لو وجد ، سيكون مزارا لطالبي الرزق ، ومحطا تجتمع عنده النفوس المتعبه .
البعض من تلك الجماهير الهائجة ، عمد وتحت تأثير الشهوة الدائمة للقيام بما يثير الغبار في المحيط العام ، الى هدم التماثيل الصغيرة للزعيم ، وهي تنتصب يلفها حياء المعوزين ، في وسط الحدائق العامرة بالورود ، لتصبح بعد حين ، وحين فارقتها تماثيل ذلك الرجل ، الى مستنقعات آسنه ، لا تنطق الا بروح الانتقام والدمار .. وكان لتلك الجماهير الموهوبة بامتلاكها لشهوة شاذة ، أن نالت ما نالته على أيدي الوافدين الجدد من ضيم وهوان .
مات الزعيم .. ومنذ ذلك الحين ، حمل العراق كفنه طائعا ، ليقدمه عربونا لحاكميه المتوارثين على مدى الازمنة السوداء ، ليحضى بردود الافعال العصبية المفعمة بروح التشفي الرخيصه ، ودارت عجلة الحروب ، ومراجل الحصار المزدحمة بشتى صور الحرمان والجوع لكل شيء ، وهي تغلي منذرة بموت شعب ، واحتضار وطن .
مات الزعيم .. وماتت معه تلك الصور الرائعة من نكران الذات ، لدى رجل كان يحمل نقاء البسطاء ، حتى جاءت تصرفاته نقية وصفت في بعض صورها بالبلادة وعدم التحسب .. لقد كان استثناء بكل معنى الكلمه .. فمن يصدق بان الشرق العربي ، يمتلك رجل دولة أول ، يجوب الشوارع في اعماق الليل ، ويتوقف عند عربة لبيع الشاي ، يرتشف من صاحبه شايا مدفوع الثمن ، أو أنه يعود لمكتبه الرسمي عند الفجر ليامر مدير حساباته بان يمنح مبلغا يستقطعه من راتبه الشخصي ، لمتسول كان قد صادفه في طريقه ، حيث اتفق معه مسبقا على ان يشتري بالمبلغ معدات لبيع الشاي ويترك مهنة التسول ؟ .. من يصدق بان رئيسا لدولة ، ينام على الارض في مكتبه .. ومن يصدق بانه يستأجر دارا معلومة للجميع ممن تابعوا تاريخه ، كان يدفع ثمن استإجارها عند الاستحقاق دون تاخير ؟ ..
مات الزعيم .. ولم يعد لنا بعد حين ، إلا ان نصدق امر موته ورحيله الابدي ، من عالم كان يعج بالمتناقضات .. ولم يعد لنا الا ان نرثيه ونصدق في رثائه حينما يتوق لنا ان نستعيد التاريخ .
عبد الكريم .. أيها الرجل الذي لم يفلح في بلوغ المراد ، حينما صمم على ان يتخلف عن ركب الزعماء في بلاد الشرق ، فطاب له ان يأكل وجباته اليومية من صحون بسيطه كانت ترده من دار اخته .. ايها القديس الحامل لقداسة ارواح الفقراء من مساكين العراق .. لقد رحلت عنا وتركت فينا من أمعن ظلما وعدوانا واستهانة بالذمم والنفوس .
عبد الكريم .. لقد اصابنا بعدك الردى .. ودارت بنا الايام الى حيث اصبحنا شتاتا في ارض الله ، يسموننا لاجئين ومهاجرين وطلاب حاجه .. إننا لا زلنا في ذمة الرصاصة التي اخترقت صدرك لتعلن بداية المأساة .. لا زلنا نحمل غصة الافتقار للاستقرار والعيش بذات الامان الذي منحتنا إياه ، يوم كانت سجاياك المفعمة بروح نكران الذات ، تغطي على ارض العراق كل مساحاته .. فهل يقدر لك أن تعود ؟؟ .. هل يمكن للقدر أن يفعل ما فوق المعقول لتظهر لنا من جديد ، وانت تسير بخطواتك المغروسة في اعماق النفوس ؟؟ ..
أتراك تسمع ايها الرجل البسيط رغم ما انت فيه من مقام ؟؟ .. إنني انبؤك بانهم سرقوا اسمك من بوابات مدن بكاملها كنت قد شيدتها ليسكنها الفقراء ، وازاحوا ذكراك من شوارع كنت قد ساهمت بافتتاحها أيام عز بغداد الرفيع .. وأخلوا ساحات مدننا من آثار صممتها عفوية الفن الصادق ، وهي تنطق بتاريخك المصطبغ بلون الوطنية النقية .. لم يعد لك ايها العزيز ، غير ذكرى يتبادلها معاصروك ممن وهبتهم من روحك المزدانة بشتى الوان حب الوطن .
أشكو اليك ايها العزيز ، بأن بلادنا أضحت مفترقا لطرق المصابين بالعاهات .. وراحت دجلة تنوح في كل يوم وهي تشعر بالغربة وسط مجاهيل لا قرار لها ولا مستقر .. لقد خرجت بغداد عن طورها الذي صنعته اياديك الرحيمه ، فلم يعد لليلها من طعم ، ولا لنهارها من مذاق .. خمدت شوارع عاصمتك الميمونة ، فأصبحت ملاذا لقاطعي السبيل ، ومسرحا لسراق قوت الشعب .
وحين يبلغ مني الحزن عليك مبلغا ، يردني على أعقابي ، فاعترف بان موتك حقيقة ، اجدني مضطر ايها الزعيم ، لان اعيد في نفسي طقوس توديعك من جديد .. علني اصحو يوما مع الملايين من ابناء شعبي ، فأجد شارع الرشيد ، وقد احتضن ذكراك بصدق ، ليكرر على أذهان الاجيال المتعاقبه ، بانك كنت تمر من هنا عند كل صباح ، لا يحيط بك غير دوي التصفيق والهتاف ، تطلقه حناجر المستضعفين من ابناء العراق .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا نحن ( خارج منظومة العصر ) ؟؟
- تحريف المناهج التربوية في العراق ، لمصلحة من ؟ ..
- يوم في دار العداله
- أللهم لا شماته ....
- رغم ما يقال .. سيبقى النظام الاشتراكي هو الافضل .
- وجهة نظر من واقع الحال
- من قاع الحياة
- خطاب مفتوح لمؤسسة الحوار المتمدن
- لماذا يلاحقنا إخواننا في الكويت ، بديونهم في هذا الزمن الصعب ...
- ألقطة سيسيليا ...
- المرأة في بلادنا .. بين التمييز والتميز .
- من هو المسؤول عن مأساة ( منتهى ) ؟؟ .
- أنا والمجانين
- واحد من مشاريع التمرد ، إسمه ستار أكاديمي
- تشضي الشخصية العربية ، وفقدان وسيلة التخاطب .
- ألنفط وصراخ الكفار
- يوم في مستشفى عمومي
- أين نحن من توقعات مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجي ...
- ألفرات وقربان المدينه .. ( قصة قصيره )
- مشاوير شخصيه ، في ثنايا الماضي .


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حامد حمودي عباس - للرجل ذكرى ، مازالت موقدة في ذاكرة العراق .