أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدعدنان - يوسف الصائغ في معترك النوازع















المزيد.....

يوسف الصائغ في معترك النوازع


سعيدعدنان

الحوار المتمدن-العدد: 3062 - 2010 / 7 / 13 - 01:21
المحور: الادب والفن
    


هو شاعر، كاتب، رسام، أو إن شئت هو كاتب، شاعر، رسام، امتزج لديه الشعر بالكتابة، وامتزجت الكتابة بالشعر وقام كلاهما على عناصر من الرسم.
تجد لديه روح الشعر وهو يكتب النثر، وترى عروقاً من النثر في قصائده لكنّها لا تزيد شعره الاّ رحابة مدى، وسعة أفق، وتقترب به من عناصر الدراما.
التبست حياته بالسياسة منذ مطلعها، واصطبغ شعره بها، وأيّ شاعر في العراق نجا من التباس عناصر السياسة وتقلّبها بحياته! غير أن وقائعها لم تطفُ على ظاهر أدبه، بل رسَبت في أعماقه وأخذت توجه هذا الأدب نحو ما كان له من مسار.
واصطرع منذ البداءة في نفسه ما يريد، وما يُراد منه، واختصما، وربما شال جانب! وكان له من ينصر الشأن العام في نفسه ويقيم له التوازن، وله رصيد من تاريخ فيه سجن، وتضييق، وثبات.
غير أنه شاعر يريد أن يرى الأشياء بعينيه، وأن يسمها بكلماته، وربما فارق الآخرين في ناحية، أو موقف، لكنه على ذلك له من يُحكم الأمر، ويمنع أن يجور جانب على جانب، وتبقى النفس في مصطرعها بين ما تريد، وما يُراد لها، ولأمر ما اصطفى مالك بن الريب صاحباً يُلّم به ويحادثه ويتخذ صوته مما يُبين به عما يضطرب في نفسه، ويلتبس.
ومالك فارس كان يأخذ بعض الطرق، فمرّ به جيش سعيد بن عثمان وهو يريد خراسان، فالتحق به، وخلّى ما كان فيه، ثم إن أفعى نهشته وهو في غزاته، في بعض المنازل، فأوردته المنية، فقال وهو يقارب الموت قصيدته اليائية التي منها:
ألـم ترني بعت الضلالـة بالهـدى وأصبحت في جيش ابن عفّان غازيا
لعمـري لئن غالت خراسان هامتي لقـد كنت عن بابي خراسـان نائيا
لأمر ما اتخذ يوسف مالكاً نجيّاً، وتلبّس إهابه، ولأمر ما أنشأ قصيدة عنوانها: ((اعترافات مالك بن الريب)) ثم جعل عنوان القصيدة عنوان مجموعة شعرية، فكأن المجموعة كلّها مما جرى من اعترافات مالك الذي هو يوسف في وجه من الوجوه، ثم يأتي: ((الاعتراف الأخير لمالك بن الريب)) عنوان سيرته الذاتية، فلا يُبقي مزعماً لمن لا يرى مدى التطابق بين يوسف الصائغ في الذي له من شعر ومواقف، ومالك بن الريب الشاعر القديم في الذي له من تفرد، وغربة، وضيعة. وربّ من يقول إن مالكاً في الذي له لا يصلح أن يكون صوت يوسف في ما هو عليه يومئذٍ من مسار في المصطرع السياسي!
ولعل مرجع هذا القائل أنه وقف عند الظاهر ولم يسبر ما يختلج في الأعماق، والشاعر أدرى بما لديه، وأعلم بما يكتنفه ويدعوه إلى فنون القول.
بل إن في اتخاذه مالكاً صوتاً له، ما ينبئ عما خفي، مما سوف يستعلن في مسرحية: ((الباب)).
وبقي الاصطراع بين الفرد، وما ينزع إليه، والآخرين وما لهم من مسعى، وغاية، وطريق، محتدماً في أعماقه، قد يسكن حيناً، وتهدأ رياحه، وقد يبدو على غير ما هو عليه، لكنه سرعان ما يتخذ مساربه معلناً عن نفسه، وليس قليلاً في الإبانة عن ذلك أن يقول:
أنا مرهق
بين رفضي لكم..
وحنيني.. إليكم..
لهذا أموت..
(اعترافات مالك بن ريب 16)
أو أن يقول:
أموت إذن؟
والقطا كحله ندمي؟
والغضا بردت راحتاه على راحتيّا..
وأنتم..
تجيئون باسم الحضارة
تقترحون على (مالك)
أن يكون شهيداً...
(نفسه 24)
شيء من الريب يساوره حتى يكاد يقضّ عليه كلّ مضجع، ويزعزع كلّ حقيقة، وهو لا يُخفى الذي فيه إذ يقول:
يكذب الحب...
كلّ الحقائق صالحة للشكوك
(نفسه 119)
ويقول في جو الشك نفسه:
ما أنتِ منّي سوى الشك يتبعني،
أينما سرتُ.
فلتتركيني..
- وتغفرُ؟
- أغفرُ!
- تنسى؟
- أنا ذكرياتي لها سَورة في العظام،
إذا قلتُ أسكنها، اسودّ قلبي،
وإن قلتُ أهجرها، التبستْ شعرة في العجين...
(نفسه 130)
وهو لا يفتأ يمتح من مياه الريْبة التي تكتنفه كلما أراد الكتابة، فلقد صاغ منها روايته ((اللعبة))، ومن قريب منها كتب ((المسافة))، وظل يصارع الرَيبَ لا يكاد يقرّ له شأن، وقد يُزيّن الأمر لنفسه فيَزعم لها وللآخرين أنه يُحسن الهجوم على النقيضين، والنقيضان على ما يقول أهل المنطق لا يجتمعان معاً، ولا يرتفعان معاً!! ومن يرغب في أحدهما سيرغب عن الآخر!
ودواعي الريب كثيرة تأتي من الشأن العام واضطرابه، ومن الشأن الخاص والتباسه، وهو لا يريد أن يجتزئ من الحياة بجزء عن جزء، ولا يستطيع إن أراد.
ولعل آثار الريب كان لها أن تكون أقل لو أنه لم يفقد زوجته (جولي) في حادث سير في مطلع السبعينيات، ولقد قال من له علم بهما إنها كانت تضبط كثيراً من أمره! فلما فقدها انتشر عليه ما هو فيه، واختل، ورضي أشياء ما كان يرضاها.
أذهله فقدانها، وصار نُسغ قصائد قصار يستعيد بها التجربة، تجربة الحب الذي كان، وما يتبقى منه، نشر بعضها مفرّقا في جريدة ((الجمهورية)) ثم أصدرها في ديوان عنوانه: ((سيدة التفاحات الأربع)). وألقى جملة منها في يوم 5/6/1976م في أمسية من أمسيات اتحاد الأدباء ببغداد جمعت الشعر، والرسم، والموسيقى، كان يلقي قصائده، فإذا فرغ من القصيدة انصرف إلى الرسم، يرسم وجوه سيدة التفاحات الأربع، وكان عازف الأنغام يبعث بها ما ينسجم مع الشعر والرسم، ويستكمل عناصر الجو.
كانت الأمسية مفعمة بالصدق، وكان هو منسجم المشاعر، لا تصطرع لديه الأفكار، وقليلاً ما يكون كذلك. وليس من شأن حالة الانسجام تلك أن تستمر، ودواعي الاصطراع لا تكاد تنفد، تلمّ به من جهات شتى، وتجعل كلّ الحقائق صالحة للشكوك، ويتهيأ الدرب لكتابة: ((مقدمة لقصيدة حبّ فاشل)). كانت الشِرْكة قد انفصمت، وما كان لها الاّ أن تنفصم، وتفرّق الناس في الأرض واختلفت بهم السبل، ولاذ هو بالصمت قليلاً يدير الأمر مع نفسه، ويريد أن يجمع عزمه، ويلمّ شتات نفسه، وكانت خيوط من ((مقدمة لقصيدة حبّ فاشل)) تتراءى له، وهي بجملتها ليست غريبة عنه، وشرع ينسجها ويخرج بها عن صمته، وزُيّن له ذلك، وأُلبس لبوساً غير لبوسه، وإذا كان المرء قد ((ضل)) فلِمَ لا يرجع الى الهداية!! وأتم ((المقدمة...)) ونشرها في جريدة ((الثورة)) في تموز من سنة 1983م، في عددين،.
وكانت مقدمة درب آخر تمنى الاّ يلحقه ندم بعده!!
لكنّه لم يستطع أن يبرئ نفسه من عقابيل ((الحب الفاشل)) الذي كان، وبقيت أشياء من ندم قديم تقتحم عليه يقظته وأحلامه، وتأخذ في لومه فيقول:
هذا القلب بريءٌ،
لم يشهد زوراً،
لكن
شهدوا بالزور عليه...
(المعلم 15)
ويتشفع بطيبة قلبه
وأنتم..
خذوني بطيبة قلبي...
فان المحبة، طيبة القلب.
والشعر، مغفرة...
وزمان المحبين..
جدُّ قصير..
(نفسه 13)
ويريد أن يترك كلّ نداماته، فيقول:
أنت بيتي...
سأترك كل الندامات خلفي،
وآتي إليك...
أنا والقصيدة،
نأتي
يداً بيدٍ، خاشعين
ونسكن بين يديك..
(نفسه 23)
وهو في حالة من حالاته في لياذه بأوهى الأسباب.
وليس حتماً أن تتحقق إرادته، ويترك كلّ نداماته خلفه، بل إن ما كان وراءه سيكون أمامه ويملأ عليه كلّ دروبه، ولا بد أن يحاوره، ويقيم عليه الحجة لعله يتنحّى عن الدرب شيئاً. ويتخذ هذه المرة في محاورته شكل المسرحية فيكتب ((الباب))، ومدارها على حكاية قديمة من حكايات ((ألف ليلة وليلة)). هي مما جرى للسندباد البحري في رحلته الرابعة إذ ألقى به البحر بعد أهوال إلى جزيرة فاتصل بأهلها، وتزوّج منهم، وكان من عادتهم أن يُدفن الزوج مع زوجته إذا ماتت، وتدفن الزوجة مع زوجها إذا مات، ويُقدّر على السندباد أن تموت زوجته فيُلزمونه بأن يُدفن معها حيّاً. اتخذ الصائغ هذه الحكاية، وأدار عليها مسرحية، وكان قد وجد فيها ما ينهض بما يكتنفه، ويمدّ منه، ويمنحه إطاراً، ويُتيح له أن يقلب الأفكار، وأن يبسط ما لديه. وأن يسوّغ بنحو ما ما يقض مضجعة، ويجترح الجريء من الرأي. يقول في ((الباب)).
((هو: ماذا بوسعي أن أقول يا سيدي؟
الحاكم: ألم توقع هذا العهد.. وتبرمه مع زوجتك..
وأشهدتما عليه الكاتب العدل.
هو: أجل.
الحاكم: أنت تعترف به إذن؟
هو: لقد كتبته بنفسي...
الحاكم: كيف تبرر إذن تنصلك عنه، ورفضك تنفيذ ما جاء فيه؟
هو: لا تبرير عندي يا سيدي.. لا تبرير.. كل ما هنالك انني –كما قلت- لا أريد أن أموت.
الحاكم: هكذا ببساطة..؟
هو: ما حيلتي يا سيدي إن كان موقفي بسيطاً إلى هذا الحدّ..؟))
(3 مسرحيات: 10)
هو لا يريد أن يموت! هذا كلّ ما في الأمر، فإذا كانت هي قد ماتت فإنه يريد أن يبقى حيّاً، وأن يبحث له عن سبيل للحياة، ولتكن سبيله في أولى درجاتها أن يكتب ((مقدمة لقصيدة حب فاشل)) فلِمَ يلوم اللائمون؟!! غير أن نازعاً في نفسه لا يفتأ يبكّت، ويلوم، ولولاه لما عبأ بقول أحد، ولعله إذ كتب ((الباب)) يريد أن يُسكته، قبل أن يُسكت غيره!!
إنه في معترك النوازع!
- أكان ذلك جريرته وحده؟!
- لا، وهو يعي ما يكتنفه، ويعي ما هو من شرطه، وما هو من شرط الآخرين، وقد استهل ((الاعتراف الأخير لمالك بن الريب)) بقول سيمون دي بوفوار، وكأنه يتخفف به شيئاً مما يؤده. ((إننا لا نستطيع أن نستخرج من خطٍ منحنٍ خطاً مستقيماً، ونحن لا نستطيع أن نعيش حياة صحيحة في مجتمع ليس صحيحاً. إننا نُلدغ، دوماً، من جديد، من هذا الجانب أو ذاك.)).
والقول في الصميم مما هو فيه، أفتغيثه سيمون دي بوفوار وتنقذه من لائمة لا تكفّ؟!! أم تظل اللائمة قدراً مقدوراً عليه لا منجاة له منه!
وكانت سيرته الذاتية ((الاعتراف لأخير لمالك بن الريب)) من أبدع ما كُتب في هذا الفن، لصدقها، ورهافة حروفها، وللشعر الذي يجري بين كلماتها، ثم لجرأتها، وقلّ من كتب سيرة ذاتية في الأدب العربي الحديث بهذه الجرأة، وقد قال قائل عليم به: إنه كتبها قبل أن يهمّ بكتابة ((مقدمة لقصيدة حبّ فاشل))، وقبل أن يكون في أجوائها، ويلتبس كثير من أمره بما سواه، فجاءت على تلك الأصالة!! ولم يُتح له أن يكتب بعدها ما يرتقي إليها، أو يدنو منها!
وكان من قدره أن يشتدّ لديه اعتراك النوازع، وأن يسير في درب على غير ما يريد، وما يرجو، ثم يضطرب الدرب ثانية، وتختفي معالمه، ويستحكم الضياع!!
أكان هذا قدراً لمن أراد الحياة، وخشي الموت؟!
أكان حتماً أن يداهمه الانحناء كلما أراد أن يستقيم!!
لعل دارساً حصيفاً يقف عنده، في الذي له، والذي عليه مما كان من أثر اعتراك النوازع!!



#سعيدعدنان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدعدنان - يوسف الصائغ في معترك النوازع