أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان محمد - مواقف إستقرائية نحو دراسة للتحولات الطبقية في الدولة السودانية















المزيد.....



مواقف إستقرائية نحو دراسة للتحولات الطبقية في الدولة السودانية


محمد عثمان محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3062 - 2010 / 7 / 13 - 00:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


إعداد/محمد عثمان

مقدمة:
إن المقصود بهذه الدراسة/الوثيقة/الوريقة بصورة أساسية لا أن تكون مرجعية أو تدعي الحق المطلق وتحقيق الصواب ، بقدر ما أنها تلبية لحاجة وجدتها في نفسي في خضم الصراع السياسي الذي تخوضه القوى الديمقراطية-التقدمية على وجه الخصوص- ضد دولة الجبهة الإسلامية ، أو ماتداول عليه بعض الكتاب الملتزمين بالرأسمالية الإنقاذية ..ووجدت أنه في خضم هذا الصراع أن الإنجراف إلى التكتيكات السياسية المجردة بلا مرجعية نظرية أو فكرية ساهمت في إفقار مجمل الحركة الحياتية للأحزاب اليسارية التقدمية وعلى وجه الخصوص الحزب الشيوعي السوداني ، كـ(معبر عن أيديولوجيا معينة) وهي في رأيي،كما سأبين لاحقا ،أيديولوجيا الطبقة الكادحة الممثلة لـ95%من أبناء شعبنا القابعين تحت خط الفقر والمتطلعين بأعين شاخصة لإستشراف آفاق جديدة ،ليست قطعا في ظل هذه المرحلة ،إستشرافا لأفق إشتراكي بقدر ماهو مخاض مؤلم،عسير،طويل للخروج من رحم الشمولية ونمط الإنتاج الرأسمالي المعتمد على جهاز الدولة القمعي المنتفع وفق سياسات التحرير الإقتصادي والبنوك الإسلاربوية.
ولإلتزامي بقدر المستطاع ولا حيادتي التي لا أخفيها في ظل الموقف الثوري من الواقع واستعمالي التحليل الماركسي كمنهج علمي مجرب في قراءة البنيات الإجتماعية في ظل سياقاتها التاريخية وسبر أغوار تحولاتها الطبقية من أجل الوصول لقوانين التطور الإجتماعي المحركة لمجمل هذه الحركة التاريخية..دون التهافت على التصديق المسبق والمطلق ، وبلا إختزال لغنى الديالكتيك في شكل علاقات سببية تبسيطية فوقية فيكون منهجنا العلم ، والعلم وحده.إلا أنني ولدواعي مهنية منهجية أجد نفسي مضطرا لوضع نقاط حول ما أود مناقشته كي لا أتوه بالقاريء/القارئة في هذه الدهاليز اليونانية بحثا عن (مينوتور) واضح وضوح الشمس وهي هذه الدولة الإنقاذية وسياساتها الدائرة حول كعبة الإنتاج الرأسمالي العالمي الذي وصل به التناقض الداخلي مايجعله يترنح..وفي ذهننا مقولة كارل ماركس(إن رأس المال ينزف دما من جميع مساماته).
ويمكن إيجاز هذه النقاط على النحو الاتي:
- وقفة عند مفهوم الرأسماليةCAPITALISM،ومراحل تطورها التاريخي
- التحولات الطبقية في السودان ،والموقف الفكري للحزب الشيوعي السوداني منها.
- وضع الدولة المتصور في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية.



الرأسمالية CAPITALISM

لا يمكن الحديث عن الرأسمالية كمرحلة عارضة ، أو وليدة اللحظة ، أو أنها بداية التاريخ ونهايته كما ينظر إليها بعين الصفر من قبل كثير من المفكرين والمهللين لنهاية التاريخ ، بقدر ما يمكننا القول أن الرأسمالية كمرحلة تاريخية تكونت نتيجة لتأثر الفكر الإجتماعي للحركات الإصلاحية المناؤئة للكنيسة التي كانت تمثل نمط الإنتاج الإقطاعي ، فقد وجدت القوى البورجوازية أن قدراتها الإنتاجية صارت لا تحتويها مثل هذا النمط من أنماط الإنتاج فبدأت تكسر هذه العلاقات القديمة كالغاء الإمتيازات والتقسيمات المراتبية وسلطة رجال الكنيسة في مواجهة العلم وحرية التفكير ، ولنا في ذلك الإستشهاد بمواقف كثيرة مثل موقف توماس مور الذي أكد أن أصل ويلات الشعب هي الملكية الخاصة وكذلك سار في نفس الطريق المفكر الإيطالي تومازو كمبانيلا ،وجون لوك ،وجان جاك روسو وغيرهم ،بل وفي عالمنا الإسلامي نجد كتابات لأمثال البيروني ،وعبدالرحمن الكواكبي إلا أن هذه المواقف الفكرية لم تكن أيضا نتيجة عواطف مشحونة أو غير ذلك بقدر ما هو كان طبيعة ذلك الوجود الإجتماعي الذي دفع بالمفكرين هؤلاء لتحطيم الأسوار التي قيدتهم من التطور ،من ناحية اخرى كان نمو الإنتاج السلعي والتراكم النقدي أو مايسميه كارل ماركس بـ(رأس المال الحي)
ولنا أن نقتبس من (البيان الشيوعيCOMMUNIST MANIFISTO(
العبارات الآتية:( إذن لقد رأينا: أنّ وسائل الإنتاج والتبادل، التي انبنت البرجوازية على أساسها قد اسـتُحدثت في المجتمع الإقطاعي. وعند درجة معينة من تقدّم وسائل الإنتاج والتبادل، لم تعد الشروط التي كان المجتمع الإقاطاعي ينتج فيها ويبادل، لم يعد التنظيم الإقطاعي للزراعة و المانيفاتورة، بكلمة لم تعد علاقات الملكية الإقطاعية تتلاءم مع القوى المنتجة في تمام نموّها. فكانت تُعيق الإنتاج بدلا من دفعه نحو التقدّم، ولذا تحولت إلى قيود كان لا بُدّ من تحطيمها وقد حُطّمت. و محلها حلت المزاحمة الحرة، مع هيكلية مجتمعية وسياسية ملائمة، مع السيطرة الإقتصادية والسياسية لطبقة البرجوازيين.)
إذن ما نود الإشارة إليه أن الرأسمالية في ظل إستقراء قوانين تطورها في السياق التاريخي الذي نشأت فيه ،لايمكن قطعا إتهامها بالرجعية في زمانها بل كانت وهي تخلق في نمط إنتاج جديد متقدمة ، إلا أنها تصنع الأسلحة التي ستفنيها كما كان يرى ماركس وانجلز ،فكانا ينظران لتطور الراسمالية وإلغاءها لعدد من القيود الصعبة التي كانت موجودة في ظل نمط الإنتاج الإقطاعي ،أنه السبب الرئيس في فنائها وكما سنعرض لاحقا مراحل تطور الرأسمالية نستطيع رصد حالة التناقض الداخلي الحاد الناتج من تناحر علاقات الإنتاج الرأسمالي مع العلاقات القديمة.لكن مانجحت فيه الرأسمالية على نحو كبير ،وفشلت فيه الإشتراكية بصورة مؤسفة هي القدرة على عقلنة التناقضات الداخلية ..فالأمر المثير للسخرية أن الرأسمالية المبنية على إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وضعت في إشتراطاتها الدنيا مايكفل للإنسان درجة أعلى من الحرية أكثر من العديد من النماذج الإشتراكية المبنية على النمط الكلاسيكي السوفييتي. إلا أننا لانستطيع إغفال ملاحظة في غاية الأهمية وهي أن الأنظمة الرأسمالية الكبرى (وعلى رأسها الولايات المتحدة) لجأت في عقلنتها للتناقضات التي أنتجتها الأزمة المالية الراهنة إلى أساليب إشتراكية الطابع ،مثل إيجاد دور للدولة في عملية التنظيم الإقتصادي ، ومسائل الرعاية الصحية والإجتماعية ..فإن كانت المتغيرات المرتبطة بنمط الإنتاج الإقطاعي وسعود الطبقة البورجوازية المكونة لنسيج الإنتاج الرأسمالي قد أفضت إلى متغيرات مماثلة على مستوى الفكر الإنساني خصوصا الإقتصادي فظهرت أفكار آدم سميث الذي شجع ليبرالية السوق لتتوافق مع نمط الإنتاج الجديد ، وعندما ظهرت الأزمة المالية في1929،ظهر (جون كينز) ليتحدث عن ضرورة تدخل الدولة مما عد رفضا عن المباديء السائدة آنذاك والقائمة على مبدأ (حرية السوق).
وبإيجاز ،ولأن موضوعنا ليس الرأسمالية بصفتها العامة والعالمية ولعموم الفائدة أجد أنه من الأفضل ذكر مراحل تطور الرأسمالية وهي كما أوردها الأستاذ غازي الصوراني وهي خمس مراحل:

1. مرحلة الكشوف الجغرافية .(تمتد من نهاية القرن15 – منتصف القرن17).وهي كانت ضربة البداية تجاه خلق السوق الدولية وذلك نسبة للظروف السياسية السائدة(سيطرة الدولة العثمانية)
2. المرحلة المركنتيلية (الرأسمالية التجارية).(منتصف القرن17 – النصف الثاني من القرن18).إثر إزدياد حاجات الدول الكبرى ظهر المغامرون والباحثون عن الثروة ،وبرزت آنذاك ظاهرة تجارة العبيد
3. مرحلة الثروة الصناعية.(من منتصف القرن18 – سبعينات القرن 19).مع تطور الرأسمالية ظهر مايعرف برأس المال الماليFINACIAL CAPITALISM
4. مرحلة الاستعمار والتوسع الإمبريالي (من النصف الثاني للقرن 19-1990 (انهيار الإتحاد السوفياتي). وبدأ التقسيم الحاد في الجيوبولوتيكا العالمية بين القوية والضعيفة،وظهور حركات التحرر الوطني والقومي والمعسكرين الشرقي والغربي
5. مرحلة العولمة الإمبريالية وصولاً إلى الأزمة المالية العالمية الراهنة.(1990-......)،ومفهوم العولمةGLOBALIZATION من حيث شموليته وأكاديميته أشبه بدس السم في الدسم ،فالعولمة من ناحية التطور التقني والمعرفي لايمكن رفضها كوليدة لتطور الحضارة الإنسانية وتطلعات التقدم الإجتماعي ،ودفعا لحركة التضامن الأممي وإحساس الإنسان المتزايد بمعاناة أخوانه في كافة نواحي الأرض وذوبان مسائل القومية ونظريات السيادة وظهور مفاهيم السيادة بمسئوليةSOVERINGHTY WITH RESPONSIBILITY،والمواطنة الفاعلةEFFECTIVE CITIZENSHIP،إلا أن السم يكمن في مايمكن تسميته في عولمة الإنهزام والإستسلام ،عولمة السلاح ،عولمة الإرهاب ، إلغاء هويات الدول وإستقلالها لتتحول لفروع في شجرة نمط الإنتاج الرأسمالي العولمي ، فإن كان لينين يتحدث عن الإمبريالية كأقصى مراحل الرأسمالية ، فالعولمة الآن هي التطور التاريخي والطبيعي لشره رأس المال
وفي وجهة نظري أن العولمة بعد الأزمة الراهنة بدأت تتلبس ثوبا جديدا في ظل سيادة مفهوم النظام العالمي الجديدNEW ORDER،والتحول إلى مرحلة الشركات العالمية البلا جنسية العابرة للقارات التي صارت تتحكم في مصير العالم وفق قوانين العرض والطلب ومصالحها الذاتية .









الرأسمالية السودانية..تعددت الأسباب والموت واحد

لايخفى على المطالع والمراقب لتطور الحياة السودانية الحديثة بعد الإستقلال ، الدور الرئيس الذي خلقه رأس المال بتحالفاته سواء مع الاجنبي ، أو اللعب على أوتار الإنتماءات العرقية متخفيا خلف المفاهيم الجامدة للقبيلة والطائفة وغيرها من المفاهيم الإجتماعية.
وقبل الدخول لتفاصيل هذا الموضوع أجد نفسي متفقا مع ما إختطته د.فاطمة بابكر محمود من رفضها للشكل الكلاسيكي للتقسيم الإقتصادي السياسي لطبيعة قوى الإنتاج في السودان إلى قديم وحديث فهو إن كان يحقق رغبة الرأسمالية السودانية في طمس الحقائق ،فهو امر ما كان يجب أن يفوت على ذهن الإقتصاديين الشيوعيين على وجه الخصوص ..فهو:
أ-لايعطينا القراءة الصحيحة تجاه التمييز بين أنماط الإنتاج الرأسمالية وغير الرأسمالية.
ب-يلغي بصورة كاملة أي إنطباع لوجود دور يلعبه رأس المال الأجنبي.
من ناحية أخرى يجب تصحيح بعض المفاهيم المتعلقة بهذا الموضوع ، وتبيان أن الرؤى قصيرة النفس التي تلجأ لإبراز كارت العامل الإقتصادي كعامل محدد لمجمل بنيةالكل الإجتماعي هي رؤى ميكانيكية مخلة بقدرة المنهج الجدلي على تفسير عملية التطور الإجتماعي في صيرورتها التاريخية ،وهو ما أسف عليه انجلز بعض وفاة ماركس من أن بعض الماركسيين ينظرون إلى هذه العلاقة الجدلية في ظل ثنائية عقيمة كمثل ما ذكرناه.
وهذا ما يدفعنا للقول أن القبيلة على سبيل المثال بعيدا عن التعاريف الأنثروبولوجية والإجتماعية لها(لايجب النظر إليها كمفهوم جامد بمعزل عن أيديولوجية التحولات الطبقية)
كذلك تشير الكثير من الدراسات وخصوصا البيانات التي يصدرها الحزب الشيوعي إلى سلطة الجبهة الإسلامية بإعتبارها الرأسمالية الطفيلية ،ويجب تبيان هنا عبارة ماركس المتحدث عن (الطفيلية):(أن رأس المال المرابي يلتصق بنمط الإنتاج كطفيلي..يمتص دمه ويحطم أعصابه كما أنه يشل القوى المنتجة بدلا من أن يطورها)،وغني عن الذكر أن ماذكره ماركس في مؤلفه رأس المال يقصد به نمط الإنتاج الإقطاعي ،وهو نمط لايستطيع أحد ملم بأقل المعلومات عن السودان القول بتوافره في الدولة السودانية كما كان في أوروبا.لذا لايصح تسمية نمط الإنتاج الحالي بالرأسمالية الطفيلية وكانما ننفي صفة الطفيلية من نوع من الرأسمالية ونلصقها بآخر..ويجدر بنا أن نوضح أيضا أن نمط الإنتاج هو التركيبة المتداخلة لقوى الإنتاج الإجتماعي والمرتبطة بنوع محدد من ملكية وسائل الإنتاج بإعتبارها أهم العلاقات ، ذلك لأنها تحدد طريقة توزيع الفائض الإقتصادي والمستوى الفعال لتقسيم العمالة ،وهذا بدوره –كما يرى لاكلاو-يعتبر القاعدة التي تحدد مقدرة قوى الإنتاج على التطور.
وبتوضيح مفهوم نمط الإنتاج كي لانترك القاريء يتوه في جغرافيا المصطلحات وهلاميتها ، نعود إلى التقسيم الذي إرتايناه ووافقنا فيه د.فاطمة بابكر محمود وهو التقسيم الذي يقسم طبيعة الإنتاج في السودان إلى رأسمالي وغير رأسمالي.
إن تطور الإقتصاد في السودان من إقتصاد معيشي يعتمد على الأسرة كوحدة منتجة ويأخذ طابعا قبليا واضحا ، إلى إقتصاد منظم تمارس فيه الدولة دورا يبتعد ويقترب من المجتمع تظهر فيه محاولات متقطعة لعملية دمج الوحدات الإنتاجية المغردة خارج سرب الإنتاج الرأسمالي ،إلى إرجاعه إليه فظلت الدولة الإنقاذية وجهازها القمعي يقوم بدور خطير جدا في تحديد وإنتخاب الطبقات وتحديد من يكمن فيها ،وكأنها أدركت العبارة الماركسية القائلة بأن البورجوازية الصغيرة هي ذاكرة الشعب فعمدت عبر سياسة إفقار وتجويع وإفساد منظمة إلى تخيير أبناء هذه الطبقة المكونة لغالبية شعبنا من ذوي الدخل المحدود ،تخييرهم بين حياة أو موت حقيقيين،فظل الحزب الحاكم معبرا كما يرى د.التجاني عبد القادر(تحالفا بين السوق، والقبيلة،والأمن)
وصار المنتجون الصغار(رعويين أو زراعيين) بصورة أو بأخرى مرتبطين بمداخل الإقتصاد النقدي من سماسرة ومصدرين ،فحتى صناعة(العرقي) لم تعد مجرد إنتاج معيشي بل صارت مدخلاتها مربوطة بمداخل الإقتصاد النقدي ، وصارت الدولة الإنقاذية تتكسب منها بواسطة الإتاوات والأموال التي يتم مصادرتها في الكشات.
بمعنى آخر فإن جهاز الدولة وعبر سياساته المتعمدة صار يضيق على النشاطات الإنتاجية الفردية او الاسرية القائمة على نمط إنتاج غير رأسمالي ،تجاه إدخالها لحظيرة الإنتاج الرأسمالي .
مسألتان في غاية الأهمية يمكن اضافتهما ، أنه وعلى الرغم من تطور الرأسمالية السودانية إلا وانها نسبة لطول أزمان الحكم الشمولي لم تستطع التخصص في مجال معين – والتخصص هو احد سمات الراسمالية المتطورة- فالرأسمالي قد يدخل رأسماله في زراعة وفي نفس الوقت في تجارة الإسبيرات ،وأعزي ذلك لتضخم جهاز الدولة وإحتكاره لمعظم التجارات ،فصار التجار-خصوصا غير الموالين للنظام –يتوجسون من أن يضعوا كل أموالهم أو جزء منها في تجارة واحدة كما أن التخصص في الرأسمالية مرتبط بمستوى مرتفع قليلا من التعليم وهو أمر غير متاح لمعظم التجار في الوضع الراهن.وبالتالي فإن الرأسمالية السودانية هي متداخلة ومتشابكة بصورة تمثل تفاعلا حيا بين علاقات القرابة والقبلية والإنتماء العرقي والسياسي ..فلوقت قريب كان معظم التجار الكبار بسوق بحري ينتمون لطائفة معينة على سبيل المثال ، ومعظم الرأسماليين بغرب السودان ينتمون لطائفة أخرى ..بل وحتى الفقراء الموجودين والمسطفين بأسواق الخرطوم كانوا غالبا ماينتمون لأقاليم محددة ، لكن سياسة الدولة الإنقاذية في الوقت الحالي وإن كان العرق والدين يمثلان فيها جزءا كبيرا - تجاوزت كل هذه المسائل وجعلت جهاز الدولة/الحزب معاديا للشعب ،بكافة طوائفه لكنه في نفس الوقت يستفيد من حالة الجهل الناتجة من الفقر والأمية وسوء التعليم والبطالة في شد معظم أبناء شعبنا إليه تحت دعاوى العروبة والقومية والإسلام ولكم راينا نساء يتبرعن بجل مايملكن من ذهب لصالح القضية الفلسطينية ،ويبكين لمقتل محمد الدرة ،بينما لاتذرف ولادمعة على مايحدث من دارفور بل يسعى البعض لإتهام أبناء دارفور بإثارة الفتنة وذلك نسبة لسياسة التغبيش الرسمية المتبعة من قبل جهاز الدولة/الحزب
المسألة الثانية ، إن الرأسمالية السودانية بصورتها الحالية هي رأسمالية الدولة/الحزب ،ويسعى هذا النظام لإحكام سيطرته على دوران رأس المال بكافة صوره عبر سياسات الإتاوات والجبايات من ضريبة النفايات إلى ضرائب الدخل الباهظة المفروضة على كافة التجار إلا من والاهم . أو عبر سياسات أسلمة النظام المصرفي القائمة على الإستثمار قصير المدىSHORT TERM ، INVESTMENT فترفض هذه البنوك الإسلاربوية تمويل المشاريع التنموية طويلة الأجل رغبة منه بالربح السريع ،فتقصير مدى الإستثمارات يعطل حركة التقدم الإقتصادي للأفراد والدولة ،لكن الدولة الإنقاذية التي تعيش خارج حدود معاناة الشعب لايهمها ذلك بقدر مايهمها هذا الرأسمال سريع النمو فيصل متوسط الضرائب والزكاة والجبانة إلى حوالي65%من تكلفة الإنتاج .بل أكثر من ذلك وعلى عكس معظم الأنظمة الشمولية التي تسمح للمواطنين فقط بالبقاء على قيد الحياة ، فإن سياسات هذا النظام تضيق كثيرا على المواطنين بالتمتع بهذا الحق وتتعامل معه بإعتباره منحة منها ، وهذا جلي من موازنة العام3009التي تجعل ميزانية القصر أكبر من ميزانية الخدمات الصحية.

المنهج الديالكتيكي
إن المنهج الديالكتيكي وهو العمود الفقري للماركسية غني من حيث مخرجاته وتطبيقاته ،ومتشعب في نفس اللحظة ، فإن تطبيق هذا المنهج مثلا على الحالة الروسية إبان الثورة البلشفية حتما سيعطينا حتما قراءة مختلفة عن روسيا الرأسمالية الحالية ، فالمنهج ليس دوغما ،ولا دينا سماويا ،بل وأن تحوله إلى عقيدة ثابتة في هوى الحرس القديم النوموكولترا بالنظام السوفييتي كان سببا في إنهياره . كما أن المنهج الديالكتيكي يرفض الإختزال وقبول النتائج المسبقة وهو ماعاني منه إثر الفترة الستالينية وتحوله لمجرد مقولات على وزن(السبب والنتيجة،العام والخاص،..).
هذه المنهجية هي التي تدفعنا للنظر –على سبيل المثال -إلى الطابع القبلي للتحولات الحادثة على مستوى الطبقات في السودان ليس كأمر واقع ، بل بصورة تدفعنا للتساؤل لماذا كانت القبيلة من حيث هي ككيان إجتماعي-سياسي- إقتصادي حليفا استراتيجيا لكل القوى الرجعية بالسودان ، وتدعيمها من قبل جهاز الدولة بما يعرف بالإدارة الأهلية لتحمي رغبة القوى الرجعية التي كانت مشاركة بجهاز الدولة منذ بداية السودنة ، في كبح عملية التقدم الإجتماعي المرتبط بالخروج من دائرة العلاقات شبه الإقطاعية ، ولتحافظ على الولاء الثابت والأعمى لها ..هنا أنا لا أتحدث عن أسباب ظهور القبيلة كوحدة إجتماعية-سياسية بقدر ما أتعامل مع أطر علاقة بين القبيلة كقوى إنتاج ووسائل إنتاج هي في واقع الأمر مملوكة في يد جهاز الدولة، ببساطة لا يمكن عزل الظواهر الإجتماعية المكونة لتركيبة القبيلة ،فالبنية الفوقية – ووفق المنهج ذاته –تشي بوضوح عن طبيعة التكوينات القاعدية ومابها من توافق أو تناقض . القوى الشمولية في إيقافها لجماح التطور تجد نفسها في أزمة تناقض عندما يصل فائض الإنتاج لمرحلة لاتستطيع أنماط الإنتاج القائمة على تحملها أو إحتوائها فتبدأ مجبرة على تحطيمها والسماح لعجلة التطور بالدوران وبالتالي تبدأ ساعات فنائها بالإقتراب أو على رأي ماركس (فالأسلحة، التي صَرَعت بها البرجوازية الإقطاع، ترتد الآن على البرجوازية نفسها.)
ووفق هذا المنهج فإن أستار الظاهر لايجب ان تحجب رؤانا عن ملاحظة التحالفات والتفاعلات الدينامية الحية لعناصر الرأسمال
فيمكن أيضا تبيان وجود علاقة متينة بين الإنتماء السياسي وتراكم الثروة في هذا الجدول أدناه(جدول1-2)

الحزب كل القطاعات القطاع الزراعي الزراعة الآلية الصناعة التجارة الخدمات
حزب الأمة 38% 44% 68% 50% 36% 50%
الشعب الديمقراطي 30% 20% 14% 22% 21% ــــ
الوطني الإتحادي 16% 4% 10% 11% 23% 50%
المجموعة الموالية للحكومة ـــــ 12% ــــ 11% 18% ـــــ
الذين لم يكشفوا عن إنتماءاتهم السياسية 16% 20% 8% 6% 2% ـــــ

توضح لنا هذه الدراسة والتي أعدتها د.فاطمة في كتابها الذي إعتمدنا عليه بصورة أساسية ،ما ذكرناه بقدرة المنهج الديالكتيكي في تجاوز مايبدو على السطح من مجرد علاقات إقتصادية ودوران لرأس المال وربطه بالحالة السياسية والقبلية فيتضح لنا عدم استطاعتنا القول بتخصص حزب أو جماعة بعينها في نوع معين من الرأسمال نسبة للتداخل الشديد في مختلف النشاطات ، كما تؤكد التحالف الشيطاني بين جهاز الدولة(السلطة) والأحزاب مع راس المال وتحكمها في مجرى التطور الإقتصادي للدولة السودانية. والجدير بالذكر أن المصالحة الوطنية في1977في مايو قد قام بها واحد من أكبر الرأسماليين السودانيين لجمع هذه القوى التي لم تحتمل التغريد خارج أعشاش الرأسمالية ،وأن مايجمع بين كل هؤلاء هو هذا الرأسمال.
بل وأن الوطني الإتحادي في مفاوضاته مع النظام الحالي في ماعرف بإتفاق جدة كان جله يتحدث عن أموال الإتحادي وإستثماراته المتعلقة بأشخاص محددين لا بالحزب،وبين هنا وهناك ظل الحزب الشيوعي خارج هذه المصالحات .


رأس المال الأجنبي،عائق أمام حركة التقدم

وهذا الأمر من حيث مدلولاته ،متفق عليه بإعتبار أنه حتى الرأسمال المحلي هو معبر عن مصالح طبقية لا بد متعارضة مع مصالح عامة الشعب ،لكن الحزب الشيوعي السوداني ميز منذ البواكير بين الرأسمال الأجنبي ،والرأسمال الوطني
وتعامل مع هذا الأخير كأحد عناصر الجبهة الوطنية الديمقراطية(وثيقة قضايا داخلية وخارجية1977) . أحيانا يكون لرأس المال المحلي إرتباطاته برأس المال الأجنبي لكن من باب المصالح الإقتصادية غير المعيقة لحركة التقدم فهنا يكون (وطنيا) بقدر أهدافه وتوجهاته ، لا بمداخيله النقدية وإرتباطاته خارج الحدود ،فلا وجود لرأس المال الوطني الخالص هذا إلا على مستوى الدكاكين والورش الصغيرة التي لا يمكن أن نعدها وسائل إنتاج رأسمالية .
لم أستطع الحصول على إحصائيات حديثة لمقدار رأس المال الأجنبي في بلادنا ، لكن وجدت هذه الإحصائية في وثيقة (الماركسية وقضايا الثورة السودانية)،وهي للعلم تحكي عن الوضع في العام1967 !

جدول(2-2)
النسبة حجم رأس المال طبيعتها النسبة عدد الصناعات
74% 7,212,650 أجنبية 20% 9
11% 995,318 سودانية/اجنبية 34% 15
15% 1,523,670 سودانية 46% 20
الجملة الجملة ــــــــ الجملة الجملة
100% 9,731,638 ــــــ 100% 44


جدير بالذكر أن هذه الإحصائية قد غطت حوالي 44 منشاة صناعية فخلصت لنتيجة أن15%من رأس المال(الذي وصفته الدراسة بالصناعي) ، هو رأسمال سوداني بينما 74%رأسمال أجنبي ،والباقي 11% هو شراكة بين السوداني والأجنبي ،وإن كان هذا الوضع في ظل تجربة أكثر ديمقراطية مما نعيشه الآن فكيف يكون هو الوضع في ظل تبعية هذا النظام وخنوعه لرأس المال الاجنبي ،وبعمليات الخصخصة والبيع لكل من هب ودب من المستثمرين الأجانب بلا حسيب ولا رقيب إبتداء من (فسحات) لعب الكرة بالأحياء وحتى مشروع رئيسي مثل مشروع الجزيرة ، والناقل الرسمي وهو الخطوط الجوية السودانية !



موقف الحزب الشيوعي السوداني

سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية

ذكرت وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية1967، أنه(تضع الإشتراكية السلطة بين أيدي الجماهير الكادحة بقيادة الطبقة العاملة .وهذه السلطة أكثر السلطات التي خبرتها الشعوب ديمقراطية .فبالإضافة إلى أنها تقوم على حلف واسع بين الجماهير الكادحة من مثقفين ثوريين وعمال ومزارعين ،فهي تبنى من خلال التجارب وزمالة النضال الشاق ولا تفرض قيادته فيها فرضا...بل هي تصل للقيادة بإقتناع الجماهير الكادحة بقدرتها على النضال ضد الرأسمالية وبميلها لمصالح أغلبية السكان.
وفي كتيب مباديء موجهة للبرنامج 1997الذي اعده الأستاذ محمد ابراهيم نقد يأتي الحديث كما يقول أهل القانون أكثر تحديدا ووضوحاPRESICE AND CLEAR ،من أن هذه الحركة تنبعث من حركة الجماهير وليس عبر إنقلاب عسكري .
كذلك هذا ماسار عليه البرنامج المجاز بعد المؤتمر الخامس2009، وإن جاء البرنامج أكثر توسعا ،مستوعبا خبرات وتجارب الشعب السوداني وقواه الحية وهو يطرح البرنامج الوطني الديمقراطي ..وأرى بعد استقراء ما هو مكتوب من قبل الشيوعيين السودانيين إن كان وثائقا حزبية أو إجتهادات فردية ، وماهو واقع محسوس من نضالات الحزب وأصدقائه والديمقراطيين السودانيين الذين تحالفوا معه طوعا تجاه إنجاز مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ، أن هذه المرحلة على اهميتها ومحورها بإعتبارها القنطرة لإستشراف الأفق الإشتراكي إلا أن هناك مرحلة أخرى تسبقها وهي (الخروج من الأزمة الراهنة) والمتمثلة في النضال ضد النظام الشمولي في إطار تحالفات تكتيكية حدها الأدنى يتمثل في إعادة الديمقراطية (التجمع)،(التحالف الوطني الديمقراطي)وذلك لايتم إلا بعد طرح البديل الموضوعي والذي يجب ألا يكون مثالا فوقيا ،بل نابعا من معاناة الشعب وتطلعاته ،حيث تمثل الفئات المكونة لهذه الجبهة عنصرا أساسا وفعالا في إنجاح هذه المرحلة كما هو مجرب من قبل في أكتوبر وأبريل ..
وإذا عدنا لموضوع التحولات الطبقية فإنه يجب أن نشير أن الذين يقولون أن الحزب الشيوعي هو المعبر عن ايديولوجيا الطبقة العاملة ، فإنه ووفق لطبيعة هذه التحولات فإن الطبقة العاملة ووفق التصور الكلاسيكي الماركسي لمفهومي العمل،العامل فإن الحزب سيكون معبرا عن نسبة لن تتجاوز7%-10%من الشعب السوداني ..فكما يقولون مرت مياه كثيرة تحت الجسر منذ ان مضت بلادنا على درب النمو الرأسمالي ، وكانت ثالثة الأثافي مافعلته الإنقاذ عبر سياسات (التغيير الإجتماعي)،وسياسات التحرير الإقتصادي وتحطيم وتشويه النقابات وعمليات الخصخصة ،وقتل الخدمة المدنية والفصل للصالح العام ،إن مفهوم البروليتاري الذي يعمل لكي يعيش وإن إنطبق على هذه القلة ، فإن الواقع يشي بغير ذلك فالكثير من الديمقراطيين والشيوعيين السودانيين هم من الطلاب والموظفين والمثقفين وأبناء الأسر ميسورة الحال .إذن هذا الأمر يترك لنا طريقين في تطوير المنهجية الفكرية حول هذا الموضوع ، الأول وهو تطوير مفهوم العمل والعامل والعلاقة بين قوى الإنتاج ووسائل الإنتاج ،والثاني هو تحويل مفهوم الطبقة العاملة إلى الطبقة الكادحة إستيعابا للتحولات الكمية والنوعية في التركيبة الطبقية للمجتمع السوداني.واجد نفسي ميالا للطريق الثاني فمهما إجتهدنا في تطوير المفاهيم المتعلقة بمسألة العمل لن نستطيع إستيعاب كثير من مكونات المجتمع مثل الطلاب ، والمثقفين الثوريين ، وغيرهم من العناصر الفاعلة والتي تجد في برنامج الحزب الشيوعي مايوافق تطلعاتها وطموحاتها ..فالحزب وفي وثيقة (مهام داخلية وخارجية 1977) تحدث عن قبول دور للرأسمالية الوطنية في الجبهة الوطنية الديمقراطية وأكد عليها في البرنامج المجاز2009،وتعدد عناصر هذه الجبهة ذاتها ينفي ريادة الطبقة العاملة كما كان يناديبه برنامج الحزب سواء في وثيقة1967 أوما أصدرته اللجنة المركزية عام1977،..هذا أمر جيد ،لكنه غير مبني على منهجية نظرية سليمة إن تغاضينا عن ذلك فحسب ،فإن تطوير هذه المفاهيم لاينسخ ولايلغي الماركسية بل يضعها في مكانها السليم كأداة وليست غاية ويجعل المرجعية السليمة للعلم وروح العلم كما أكد كتيب مباديء موجهة حول البرنامج السابق ذكره.
إن مفهوم الطبقة الكادحة أكثر شمولا وإستيعابا لمتغيرات العصر ، لكن لا أود أن يفهم منه أن يكون بوابة أو مدخلا يتسلل منه دعاة تغيير إسم الحزب فهذا أمر آخر ،ويرتبط بكون وصف الحزب نفسه بالشيوعي ليس إيمانا منه بوجوب الوصول للطور الشيوعي بقدر ماهو التراكم المعرفي والنضالي عبر التاريخ الطويل الممتد الذي لايستحق أن يلغى بتغيير لافتة أو إسم هروبا من مواجهة القوى الرجعية بالحجة والفكر المتماسك .
هناك أمر آخر يجب التطرق له ، إن الدولة في ظل البرنامج الوطني الديمقراطي لايصل إليها هذا الحلف بالدبابات ولا أي وسيلة غير ديمقراطية بل إن التجارب علمتنا أن لاسبيل لذلك سوى الوصول عبر البرلمان والإنتخابات الحرة النزيهة ولو تأخر الوصول للمقاعد مائة عام .
صحيح أن برنامج الحزب في عام1977،صار يقبل بالرأسمالية الوطنية كعنصر من عناصر الجبهة ، وهو أمر في رأيي مراع لطبيعة المتغيرات الإقتصادية آنذاك إلا أننا في عصر العولمة لايمكننا القول بوجود مثل هذه الفئة بهكذا معنى فالرأسمال في ذاته صار بصورة أو أخرى رأسمالا ذو إرتباطات أجنبية .يجب الإشارة إلى أن الرأسمالية الحليفة هذه هي التي لاتجعل رأسمالها هذا معيقا لحركة التقدم الإجتماعي وقطعا فإنها لاتدفع لهذا التحالف إلا بقدر ما تحمي به مصالحها الطبقية المتأثرة بهيمنة رأسمالية الحزب الحاكم.



الدولة في المنهجية الفكرية للجبهة الوطنية الديمقراطية

ربما يكون من سخرية الأشياء ، أن يكون مصطلح(الدولة السودانية)في ذاته مصطلحا مثار جدل ، إذ أنه لم يبن بتوافقأو تراض حول مسألة الهوية والإنتماء بل ربما يتجه السودان وفق ظروف هذا الراهن إلى كونه (دولا) لم تنجح سلطة(المركز) في معالجة مرارات وأخطاء الماضي بل تعاملت مع كل ماهو خارج(المركز) بإعتباره (منتجا) لا يملك وسائل إنتاجه وهذا أمر طويل الخوض فيه ويجرنا لمناقشات حول طبيعة تجربة الحكم في السودان.
لكن في ظروف ما يعرف بـ(التحول الديمقراطيDEMOCRATIC TRANSFORMATION )،فإن نجاح هذه التجربة يستند على زيادة ورفع مستوى الوعي السياسي لقيم المشاركة السياسية الديمقراطية والبناء القانوني والمؤسساتي لمجتمع الدولة، و يحتاج إلى مجتمع قوي ناضج وحديث، ولا يتعارض على هذا النحو مع وجود دولة قوية، بل على العكس يحتاج نجاح التحول الديمقراطي إلى وجود دولة قوية ولكنها منفتحة وحديثة. على أن ما نقصد به من وجود سلطة قوية للدولة هنا ليس بمعنى ممارسة التعسف والإكراه واستخدام القوة والقهر-ماهو الحال الآن- وأنما سلطة قوية تمتلك عناصر قوتها من الشعب الذي يدعم هذه الدولة بمعنى آخر أن تكون الدولة مع المواطن في تحقيق الأهداف ومنها الديمقراطية.
فبعض عمليات التحول الديمقراطي والمراحل الانتقالية فيها قد تحمل أحياناً في البلدان ذات المجتمعات التعددية مخاطر الانقسام والنزاعات الأهلية، وضعف الدولة يمكن أن يؤدي إلى تدعيم الانتماءات الأولية العائلية والعشائرية والدينية أي الانتماءات الأدنى من الانتماء للدولة. ولا شك أن شيوع هذه الانتماءات يقلص احتمالات التطور الديمقراطي لأنها ترتبط بثقافة غير ديمقراطية، تقوم على التعصب وليس على التسامح، والانغلاق لا الانفتاح، والجمود بدلاً من المرونة وهكذا.
كذلك لايمكن لدولة متقدمة في ظل هذا العصر ألا تعي ضرورة وأهمية وجود منظمات مجتمع مدني فاعلة ، فنحن نحيا في زمن تشارك فيه هذا المنظمات بتطوير المجتمعات ليس محليا وإقليميا بل على مستوى العالم ولها دور مؤثر في صياغة سياسات الدول المتقدمة.
وعند الخروج من هذه الأزمة الراهنة فإن الجبهة تطرح برنامج دولة الرعاية WELFARE STATEوهي إسم أكثر وضوحا مما طرحته د.فاطمة وسمته بالدولة المسئولةRESPONSIBLE STATE..وترتكز هذه الدولة في علاقتها بالجماهير على تحقيق التطور والتقدم في ست مجالات حيوية وهامة يجب أن يكون للقطاع العام فيها الدور الأساس وهي:
1-الخدمات الصحية
2-خدمات التعليم
3-المواصلات
4-الأمن والدفاع
5-الإتصالات والتقنية
6-دور الدولة في العملية الإقتصادية كمراقب ،ومشرف،وشريك حسبما تدعو الأمور ، ويمكن إيجاز الملامح العامة للإقتصاد في تلك الفترة بـ:
(أ)الملكية الإجتماعية لوسائل الإنتاج
(ب)الإشباع المتزايد للحاجات المادية والمعنوية للمجتمع
(ج)النمو المخطط والمتوازن للإقتصاد القومي
إن الحديث عن (الملكية الإجتماعية)تحديدا هو مثار لغط ، بينه وبين مصطلح(الملكية الجماعية)كما ورد في كلاسيكيات الماركسية ، فإن كانت تلك الكلاسيكيات ذاته تضع التصور لهذه المرحلة بسيادة مرحلة ديكتاتورية البروليتاريا فبالتالي يتم (نزع)وسائل الإنتاج من مالكيها الرأسماليين ووضعها في يدي البروليتاريا الممثلة (في عهد لينين)في (حزبها الطليعي) ،وفي فترة ستالين في يد الفرد. وبعدما أثبتت التجربة السوفييتية وغيرها مما على شاكلتها خطأ هذا المسار ، فإن مفهوم(الملكية الإجتماعية) أقرب للواقع وأكثر صوابا فنعني به أن المجتمع عبر ممثليه المنتخبين يقومون بالتدخل من أجل إعادة توزيع الثروة على قاعدة العدالة الإجتماعية بإقامة مشاريع التنمية التي تعمل على تنمية البلاد ومحاربة البطالة ، أو بنزع الخدمات الأساسية من أيادي الرأسمالية الإحتكارية وغير ذلك من الوسائل (التأميم،...)


خاتمة

كل ماكتب أو جمع سيكون هباء ،وأحاديث أندية ثقافية ،ودراسات تملؤها الغبار داخل الدور الحزبية والصدور وعرضة للنسيان ، إن لم تعقب هذه الورقة بدراسات أكثر تخصصا ، ونقاشات أكبر إستفاضة ، ولنا قبل الختام أن نضع بعض النقاط التي يمكن إستخلاصها:
• لايمكن القول في ظل الوضع الراهن بلا طبقية المجتمع السوداني ، أو عدم وصوله لمرحلة التمايز الطبقي ،فإن من أسس الإشتراطات التاريخية لظهور الرأسمالية هو تركز رأس المال في أيدي خواص ،بل إننا نشهد حدة في التمايز الطبقي نتيجة لغياب الإسفنجة الماصة لحدة الصراع الطبقي وهي الطبقة الوسطى وتخييرها بين الصعود على اكتاف الولاء لهذا النظام ،أو التحلل والسقوط للقاع.
• أن الأساس الذي يجب أن تركز عليه القوى التقدمية الديمقراطية وعلى رأسها الحزب الشيوعي ليس خلق الجبهة الوطنية الديمقراطية بل العمل على خلق تيار حده الأدنى هو الديمقراطية وإسقاط الشمولية عبر بديل موضوعي ينطلق من تطلعات الشعب السوداني ، أو ماسميناه بمرحلة الخروج من الأزمة الراهنة.
• الموقف الفكري الملتزم بالمنهج الماركسي يدفعنا للقول بأن مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية تستلزم منا السير في طريق النمو اللا رأسمالي وهو امر مستحيل في ظل وجود القوى الرجعية التي من موقعها الطبقي ترى في مثل هذا التوجه تهديدا لوجودها ،فلايجب إستعجال مثل هذه الخطوات بل ترك هذه المسائل لصناديق الإنتخاب وأن يسبق ذلك حملة من الوعي والإستنارة، إن المعركة القادمة هي معركة الوعي التي عبر الإحتكاك الجماهيري المتواصل المحاط بالسياج النظري المنيع قادرة على هزم كل الإتجاهات غير التقدمية.
• يجب وجود دراسة للتحولات الطبقية نستطيع أن نبني عليها الموقف من الراهن الحالي ،فالتعامل مع الدولة الإنقاذية كنموذج متفرد أو كمجرد نموذج لحكم شمولي أو لتحالف الساسة والعسكرتاريا لهو من باب النظرات السطحية لمختلف الظواهر الإنسانية..بل يجب إعمال منهج التحليل العلمي لإستقراء طبيعة هذا النظام كإمتداد طبيعي لما يعرف برأسمالية التداول ،وأنه وغن إختلفت معه معظم القوى السياسية فإنها لاتختلف معه بقدر مايهدد لها مصالحها الطبقية. كذلك فإن دور الرأسمالية العالمية في كبح جماح تطور السودان والسير في طرق النمو اللا رأسمالي واضحة منذ الإستعمار ، وفي حكم عبود،وردة الديمقراطية في أكتوبر المتمثلة في طرد الحزب الشيوعي ،التدخلات الأجنبية لإجهاض حركة يوليو التصحيحية1971، إجهاض دور النقابات والقوى الحديثة في ابريل بقيام المجلس العسكري الإنتقالي ، ثم إنقلاب الجبهة الإسلامية في يونيو1989وكل ماترتب على ذلك.
• إن كانت د.فاطمة في كتابها قد خلصت لنتيجة ان الرأسمالية السودانية لا يمكن لها أن تلعب دورا في حركة التقدم ، فإننا مضطرون للتساؤل عمن سيلعب هذا الدور ؟ فالسودان يتجه نحو تمايز حاد بين من يملك ومن لايملك والملكية هنا لانقصد بها المال النقدي بل وسائل الإنتاج ، وبالتالي أي حراك تجاه إعادة توزيع وسائل الإنتاج سيواجه بمقاومة حادة حتى داخل صفوف المعارضة ذات الوجود الطائفي والتي حتما ستهدد مصالحها بمثل هكذا توجهات.لابد بالقبول برأسمالية وطنية الأهداف كحليف رئيسي وأساسي مع ماتبقى من بورجوازية صغيرة وحتى هذه البورجوازية يسري فيها تيارين رئيسين ..بورجوازية تقدمية حليفة وإن كان تحالفها هذا يأتي لحماية مصالحها الحالية والمستقبلية، وبورجوازية كمبرادورية وهي الأكثر إنتشارا.
• المنهج الديالكتيكي هو أكثر المناهج صحة في إستقراء طبيعة هذه التحولات فهو لايدعي الكمال ، ولا يعطي اجابات متعجلة أو يطرح نماذج تجريدية فوقية..

إن طبيعة تكوين جهاز الدولة/الحزب ، قامت عبر سياسات مدروسة مسبقا بخلق دولتين بالمعنى الحرفي ،دولة لأهل الولاء ،وأخرى لمن شملتهم عقيدة البراء ..إعادة إنتاج علاقات ذات نمط رأسمالي ضيقت على كل مسارات النمو اللا رأسمالي في بلادنا ، قائدة البلاد في ركب التبعية والذيلية للرأسمالية العالمية ..إلا أنه وفق المعايير الأكاديمية من الصعب وصف هذا النظام بالرأسمالي بإعتبار أن هذا النمط وعلى سوءاته ، فإنه يشترط في أبسط إشتراطاته مسائل الحقوق والحريات والعقلانية ، التي تجد الإشتراكية في توافرها المناخ الملائم لتقدمها ، كما أن الرأسمالية تعني إطلاق يد الأفراد في وسائل الإنتاج وهذا أمر غير موجود في هذه التجربة السودانية حيث أن كل الأنشطة الإقتصادية الرئيسة في البلاد تدار عبر النخبة الأوليجاركية ومن رضوا عنه..إن هذا النظام يمكن وصفه برأسمالية الدولة ،حينما تمارس الدولة دورها الطبيعي وهو كونها جهازا معبرا عن مصالح الطبقة الحاكمة وتقوم من أجل تثبيت دعائمها بخلق الأجهزة القادرة على حمايتها والحرص على إعادة إنتاج ودوران رأس المال بما يخدم تطلعاتها ورغباتها..إن الحديث الذي يبدو لي سلخا للشاة قبل ذبحها حول الثورة الوطنية الديمقراطية ، هو هروب من الواقع ولايجدي نفعا ،بل هو تلقي (للحامض من رغوة الغمام) ! لاسبيل لمسيرة حركة التقدم الإجتماعي في بلادنا تجاه السير على طريق النمو اللا رأسمالي ومن ثم بناء القواعد للإشتراكية ، إلا بالإزالة الكاملة والتطهير المطلق المدروس لمجمل هذه الطبقة/الحزب/رأسمالية الدولة ..إنه من العبث التحدث عن أن مستقبلنا يكمن في إزالة هؤلاء ومن ثم نقبل بوجودهم ..
لم يكن دعوتي لإعمال المنهج الديالكتيكي لإستقراء التحولات الطبقية بالسودان من باب (التثاقف) ، بل لأن نضع أيدينا على الجرح الذي دسسنا أعيننا منه ،لكي نواجه من يدعي عدم وصول المجتمع السوداني لمرحلة التمايز الطبقي التي هي من أبسط أسباب نشوء الدولة ،أن مايحدث الخلل والإرتباك هو عدم تخصصية الرأسمالية السودانية وإنقسامها إلى شرائح مختلفة للأسباب المذكورة في الورقة .بل يمكن لنا أن نصل لرؤى تنقض من يقول أن أزمة السودان هي أزمة هوية ويتخذها منبرا فوقيا ليعلو به على حقيقة وجود صراع طبقي متخفي –بطبيعة الحال- في الأشكال الإجتماعية المختلفة سواء بالطابع القبلي الجهوي الإثني ،أو طابع المناحرات السياسية.




اعتمدت هذه الورقة بصورة أساسية على المراجع الآتية:


• الرأسمالية السودانية..أطليعة للتنمية – د.فاطمة بابكر محمود
• الماركسية وقضايا الثورة السودانية-وثيقة أعدتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني 1967
• مباديء موجهة حول البرنامج – الأستاذ محمد ابراهيم نقد
• أصول الإقتصاد السياسي – د.عادل أحمد حشيش
• مجموعة من المقالات تشرفت أن إحتضنتها جدران كلية القانون جامعة الخرطوم بعنوان مواقف فكرية- 2009م
• تطور الرأسمالية منذ القرن الثامن عشر إلى بداية القرن الحادي والعشرين

غازي الصوراني-ورقة منشورة بالإنترنت

• K.KATZAROV- عن التاميم



#محمد_عثمان_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان محمد - مواقف إستقرائية نحو دراسة للتحولات الطبقية في الدولة السودانية