أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - دنيا الأمل إسماعيل - إشكالية الإصلاح في النظام السياسي الليبي















المزيد.....



إشكالية الإصلاح في النظام السياسي الليبي


دنيا الأمل إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3061 - 2010 / 7 / 12 - 21:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة:

تقع ليبيا في شمال القارة الأفريقية وتشترك في حدودها مع عدد من الدول العربية والأفريقية الأخرى فتحدها من الشرق جمهورية مصر العربية، ومن الجنوب الشرقي السودان، وتشترك في حدودها الجنوبية مع كل من تشاد والنيجر، بينما تحدها الجزائر من الغرب وتونس من الشمال الغربي، وتطل ليبيا من الشمال بسواحل شاسعة على البحر الأبيض المتوسط، و تبلغ مساحتها ( 1.759.540 كم2)، فيما يبلغ عدد سكانها ( 6.036.914) نسمة، عاصمتها طرابلس، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، بالإضافة للغة الإيطالية والإنجليزية، والإسلام هو الديانة الرسمية للبلاد ويشكل العرب 97% من السكان، والبربر 3%.
وقد توالت على ليبيا العديد من الحقب والأحداث التاريخية المهمة والتي أثرت فيها بشكل أو بآخر، ولكن تعتبر الفترة التي خضعت فيها للاحتلال الإيطالي وظلت حبيسة بين براثنه لفترة من الزمن من أهم الفترات وأكثرها عمقاً في التاريخ الليبي المعاصر، فلقد بدأ الزحف والغزو الإيطالي يتسلل إلى الأراضي الليبية في عام 1911م، وكان التخطيط لهذا الغزو قد بدأ في شكل البعثات التي أخذت الحكومة الإيطالية في بعثها الواحدة تلو الأخرى إلي الأراضي الليبية على هيئة إرساليات تبشيرية للدين المسيحي، كما قامت بافتتاح فروع لبنك روما وفتح المدارس في كل من بنغازي وطرابلس من أجل تعليم اللغة الإيطالية ونشرها، وعملت على إقراض الليبيين بضمان أراضيهم فكان الذي يعجز عن دفع القرض يقوم البنك الإيطالي بالحجز على أرضه، لقد كانت الأطماع الإيطالية للاستيلاء على ليبيا تزداد يوماً بعد آخر، فكانت دائماً ترسل البعثات من أجل جمع المعلومات واستطلاع الأمور تمهيداً للغزو .
وظلت ليبيا تعاني من الاحتلال طيلة تاريخها الطويل، فقاومت وقدمت التضحيات الجسام في سبيل حماية الأرض والشعب من التقسيم والعدوان وذوبان الهوية، حتى خرجت قوية ومنتصرة على كل ذلك.
وبعد استقلالها عانت أيضاً من تحديات بناء الوطن والمواطن وتذبذب الهوية السياسية وتغير نظام الحكم من الملكية إلى الجمهورية إلى الجماهيرية، وهو تغير – عند تحليله- لا يدل على تطور في الفكر السياسي للقادة اللليبيين، بقدر ما يدل على حيرة سياسية ناشئة عن قصور في التجربة وفي الأداء
واليوم لم تزل تواجه ليبيا التحديات ذاتها والأسئلة الكبرى المتعلقة بالهوية السياسية وطبيعة النظام الذي يجب أن تتمسك به، وكل محاولة تخطوها باتجاه الإصلاح والتحول الديموقراطي تقابل بالهجوم المعلن والخفي، فثمة مصالح لا تشيع إلاّ في أجواء الفساد وانعدام الديموقراطية، وكل إرادة سياسية تتجه نحو إعمال قيم الحق والعدالة والمساواة تصبح غير مقبولة.


الفصل الأول
النظام السياسي الليبي: النشأة والتحوّلات


مبحث أول: ليبيا تحت الحكم التركي:
خضعت ليبيا للسيطرة العثمانية، ابتداء من عام (1551)، حيث اعتبرت ولاية تابعة مباشرة للآستانة تحكمها بصورة مطلقة، ومن ثم ظهر ما عرف بعصر الدايات المرتبط –اسمياً- بالسلطنة العثمانية.
وفي عام (1711) استولى أحد الضباط الأتراك، ويدعى ( أحمد القرمنلي) على طرابلس، واستطاع أن يستصدر فرماناً من السلطان يعترف به باعتباره ( باشا طرابلس) وبحكم أسرته من بعده للولاية بعد أن ضم إليها ولاية برقة.
وقد استطاعت أسرة ( القرمنلي) أن تؤمن استقلالاً كبيراً لليبيا مقابل دفع الضرائب للآستانة، وأن تبني أسطولاً قوياً، فرض الأتوات على سفن الدول الأوروبية والأمريكية، ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إرسال أسطولها في عام ( 1803) واحتلال ( درنة) ومحاصرة طرابلس وضربها بالنيران رداً على فرض الضرائب على السفن الأمريكية ومصادرتها
هذا في الوقت الذي بدأ الضعف يدب في أسرة ( القرمنلي)، انتهى بنشوب الثورة ضدها في عهد ( على القرمنلي) عام ( 1803) فاغتنمت تركيا ذلك وأرسلت قواتها إلى ليبيا متذرعة بالحفاظ على الأمن، وتمكنت من القضاء على آخر أبناء أسرة ( القرمنلي) واستعادة السيطرة التركية على ليبيا بدءاً من العام 1835 وحتى أوائل القرن العشرين .
غير أنّ عودة الحكم العثماني المباشر إلى ليبيا ، رافقه ظهور الحركة السنوسية فيها، بقيادة ( محمد على السنوسي) الذي نادى بالعودة إلى تعاليم الإسلام الصافية المتضمنة في أحكام القرآن، وقد اتصفت الحركة بالقدرة على التنظيم السياسي والإداري، ومن ثم المزاوجة بين الطابع الديني والطابع السياسي للحركة التي شكلت مناعة لليبيين ضد طرق حياة المستعمِر ، حتى خضوع ليبيا للاستعمار الإيطالي.

مبحث ثاني:
ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي:

في الثامن والعشرين من أيلول/ سبتمبر(1911)، وجهت إيطاليا انذاراً على السلطات العثمانية تهددهم فيه باحتلال طرابلس عسكرياً، وعلى الرغم من المرونة التي تضمنها الرد العثماني، غير أن إيطاليا أعلنت الحرب على تركيا واحتلت سفنها طرابلس وبني غازي، وبعض مناطق الساحل الليبي، وعلى الرغم من المقاومة الباسلة التي واجهت الاستعمار الإيطالي، إلاّ أنّ متاعب تركيا في البلقان اضطرتها إلى عقد صلح مع إيطاليا، والتوقيع على معاهدة ( أوشي) في ( سويسرا) في الثامن عشر من تشرين أول من عام (1912) ونصت على انسحاب القوات التركية من ليبيا، وإرسال مندوب للسلطان لتسيير الشؤون الدينية للرعايا الليبيين .
بقيت الحركة السنوسية تقاتل ضد الإيطاليين حتى دب الخلاف في صفوفها بسبب وقوف تركيا إلى جانب دول المحور في الحرب العالمية الأولى بين معارض ومؤيد لهذا الموقف.،انتهى بقيادة : (أحمد على السنوسي) هجوماً فاشلاً على الحدود المصرية لشغل القوات الإنجليزية وتحويل أنظارها عن الحملة التركية الألمانية على قناة السويس، اضطره إلى التنازل عن قيادة الحركة إلى ابن عمه ( إدريس السنوسي)، الذي فاوض الإيطاليين والانجليز مع بداية صيف العام ( 1916)، إلى أن عقد معهم اتفاقاً عام (1917)، نص على الاعتراف به حاكماً لجميع المناطق الليبية الواقعة جنوب شريط التواجد الإيطالي على الساحل الليبي .
وإثر توقيع معاهدة الهدنة عام ( 1918) وانسحاب الأتراك نهائياً من ليبيا، حاولت إيطاليا احتلال ليبيا من جديد لكنها لم تنجح واعتمدت سياسية التقرب من الشعب الليبي لتثبيت أقدامها في ليبيا، ومن أجل تحقيق هذه الخطوة أصدرت مع بداية حزيران (1919) دستوراً لمواطني طرابلس تعترف بموجبه بمواطنيتهم الإيطالية، كما نص على قيام برلمان يمثلهم، وكررت هذه الخطوة في منطقة برقة، غير أنّ شيوخ القبائل رفضوا ذلك، فعادت إيطاليا إلى التفاوض من جديد مع ( إدريس السنوسي) والاتفاق مع على الاعتراف به كأمير وراثي وحاكم مستقل لمعظم أجزاء ( برقة) مقابل حل المعسكرات السنوسية في فترة لا تتجاوز ثمانية أشهر وتقليص الجيش. وقد زاد هذا الاتفاق من نفوذ ( إدريس السنوسي) حتى طلب منه زعماء القبائل توحيد الجهاد وضم طرابلس إلى إمارته، لكنه وجد نفسه في حرج شديد بين مؤيدي المسيرة السلمية ومؤيدي النضال، ناهيك عن مرضهن ففضل ترك البلاد واللجوء إلى مصر تاركاً إدارة الحركة إلى أخيه (محمد رضا).
مع وصول الفاشيين إلى الحكم في روما، كانت إيطاليا تستعد لإعادة الاستيلاء على المدن والمناطق الليبية ، لكنها واجهت مقاومة كبيرة من قبل المجاهدين بزعامة ( عمر المختار) ألحقت بها خسائر فادحة على مدار ثماني سنوات متتالية، حتى إعدام ( المختار) في الثالث عشر من أيلول عام (1931).
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ودخول القوات الحليفة إلى ليبيا، وانسحاب القوات الإيطالية منها، خضعت برقة وطرابلس للإدارة العسكرية البريطانية المباشرة، وفزان للإدارة العسكرية الفرنسية، في الوقت الذي عاد فيه ( إدريس السنوسي) إلى ليبيا بعد عشرين عاماً من اللجوء إلى مصر، وكانت أولى مطالبه بعد العودة عام ( 1943) استقلال برقة المباشر، إلا أنّ الوضع بقي كما هو عليه حتى توقيع معاهدة الصلح مع إيطاليا عام ( 1947)، حيث تم تكوين لجنة رباعية من إيطاليا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بهدف استفتاء الشعب الليبي حول مصيره، الذي أظهر ميلاً عاماً نحو الوحدة بين الولايات الليبية واستقلالها والانضمام إلى جامعة الدول العربية حديثة النشأة آنذاك.


مبحث ثالث:
استقلال ليبيا ... التحول من الملكية إلى الجمهورية:

عرضت القضية الليبية على الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي قررت تأسيس دولة ديموقراطية فيدرالية على غرار النظام الملكي الدستوري، أعلن عنها رسمياً في الرابع والعشرين من كانون أول، عام (1951)، وإصدار دستور المملكة الليبية في السابع من تشرين أول من العام نفسه
وبقي دستور المملكة الليبية سارياً حتى عام (1969)، الذي شهد ثورة الفاتح من سبتمبر وإعلان الجمهورية، على يد( اللجنة المركزية للضباط الوحدويين الأحرار)، الذين أعلنوا سقوط الملكية وقيام الجمهورية العربية الليبية، ووضعوا لحركتهم هذه خمسة أهداف رئيسة هي:
1- "تصفية كل المجالس التشريعية لنظام الحكم السابق وسحب كافة صلاحياته؛
2- اعتبار مجلس الثورة، الهيئة الوحيدة ذات الصلاحية لتسيير كافة شؤون الجمهورية العربية الليبية؛
3- العزم على بناء ليبيا اشتراكية تقدمية تناضل ضد الاستعمار؛
4- الاهتمام الكبير بالاتحاد مع دول العالم الثالث وبذل الجهود للقضاء على التخلف الاقتصادي والاجتماعي؛
5- الإيمان العميق بحرية الدين والقيم الأخلاقية المتضمنة في القرآن الكريم"

وبعد أسبوع واحد فقط، تشكلت أول حكومة بعد الثورة برئاسة ( محمود المغربي) وعضوية كلٍ من: ( الرائد عبد السلام جلود؛ ملازم أول معمر القذافي) الذي وضح أنه رئيس مجلس قيادة الثورة وصاحب السلطة الفعلية في النظام الليبي الجديد، وقد حدد القذافي مبادئ ثورته الأساسية في ثلاث نقاط هي:
1- الحرية؛
2- الاشتراكية؛
3- الوحدة.
ما جعل الكثيرون يستنتجون أنّ نهج الحركة قومي عربي، تأثراً بالتجربة الناصرية في مصر، غير أنّه بعد ثلاثة أشهر فقط، تعرضت الثورة لمحاولة انقلاب فاشلة بقيادة وزير الدفاع ( آدم الحواز) وبعلم رئيس الحكومة ( محمود المغربي)، وإثر ذلك "اتخذ مجلس قيادة الثورة عدة إجراءات منها: إصدار قانون جديد لحماية الثورة الليبية وإصدار دستور مؤقت ريثما يتم وضع الدستور الدائم" وفي الحادي عشر من كانون الأول عام ( 1969) أي في العام ذاته من قيام الثورة، صدر الإعلان الدستوري المؤقت، الذي أكد على أنّ مجلس قيادة الثورة هو أعلى سلطة في الجمهورية العربية الليبية، إذ يباشر أعمال السيادة العليا والتشريع ووضع السياسة العامة نيابة عن الشعب، وله في هذه الصفة أن يتخذ كافة التدابير الضرورية لحماية الثورة والنظام القائم .
وفي الثاني من مارس (1977)، تم إعلان قيام سلطة الشعب، حيث تم تحويل النظام السياسي من النظام الجمهوري إلي النظام الجماهيري والذي يضع السلطة في يد الشعب وعرفت الدولة بعد ذلك باسم الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية، ثم أضيفت إليها العظمى بعد الغارة الأمريكية في(14-أبريل-1986 )م، على اعتبار أنّ ليبيا قد تحدت دول عظمى، وهي من أفكار (معمر القذافي) التي طرحها في الكتاب الأخضر, وأول ما وردت في الثاني من مارس عام 1977م فيما عرف بوثيقة إعلان سلطة الشعب.،حيث يعرفها على:" أنها النظام الذي يحكم فيه الناس أنفسهم؛ دون وصاية، عن طريق المؤتمرات الشعبية الأساسية؛ أي على المستوى الأساسي للمكان سواء كانت المدينة أو القرية أو الحي السكنى"



الفصل الثاني
النظام السياسي الليبي بين الشكل والمضمون


يسود ليبيا النظام الجماهيري في الحكم،الذي يعتمد على الديموقراطية المباشرة، أي أنّ الشعب هو من يحكم البلاد وذلك من خلال المجالس المحلية، ولكن الحكم الفعلي يتم من قبل النظام العسكري ويعد المؤتمر الشعبي العام هو أعلى سلطة تشريعية في البلاد وذلك وفقاً للدستور الليبي،الذي صدر في الحادي عشر من ديسمبر عام 1969م وتم تعديله في الثاني من مارس عام 1977م.و يصنف النظام السياسي الليبي في جل الكتابات ووفق رأي معظم المراقبين ضمن الأنظمة الفردية، على الرغم مما يعلن عنه الجانب الليبي من أنه حكم ديمقراطي "فريد" يقوم على المشاركة المباشرة في صناعة القرار لكل فئات المجتمع عبر المؤتمرات الشعبية التي تنتشر في جميع الأحياء السكنية في المدن المختلفة. الشكل الرسمي لآلية صناعة القرار يبدأ من مؤتمر الشعب العام (البرلمان) وهو مخول بوضع جدول أعمال الدورات العادية والاستثنائية للمؤتمرات لأهم المسائل التي تستدعي النقاش، وتصدر بحقها القرارات وتصاغ في مؤتمر الشعب العام في دورة انعقاده السنوية.نظريا مؤتمر الشعب العام يختار اللجنة الشعبية العامة (رئاسة الوزراء) ويراقبها ويحاسبها ويملك صلاحية إقالتها، وهي ملزمة بتنفيذ ما اعتمد من قرارات .
مبحث أول:
التقسيمات الإدارية الليبية:
حتى نفهم آلية عمل النظام السياسي الليبي، علينا أن نتطرق إلى التقسيمات الإدارية في ليبيا، حيث تقسم ليبيا إلى (22) شعبية وهي مرادف لكلمة محافظة، وكل شعبية تنقسم إلى عدة مؤتمرات شعبية أساسية، وينقسم كل مؤتمر شعبي أساس إلى عدد من ( الكومونات) وهي الوحدة السياسية الأصغر في ليبيا.

مبحث ثاني:
هيكل النظام السياسي الليبي:
يعد العام ( 1969) تاريخاً فارقاً في شكل النظام السياسي الليبي، فقد انقضت الحقبة الملكية السنوسية، التي امتدت منذ الاستقلال عن إيطاليا عام ( 1951) حتى قيام مجموعة من الضباط غير الراضين عن أوضاع الليبيين، بانقلاب عسكري بقيادة الملازم أول ( معمّر القذافي) في أول سبتمبر من ذلك العام، وحتى عام ( 1977) لم يكن قد تبلور بعد شكل النظام الجديد، وفي هذا العام حدثت تغيرات رئيسة دفعت نحو شكل جديد للنظام السياسي، مخالف تماماً لما كان عليه النظام الملكي السنوسي، والسنوات الأولى من ( ثورة الجيش) وهي أيضاً تغيرات تخالف في هيكلها ومكوناتها جميع النظم السياسية المعروفة في العالم على إطلاقها، إذ تم إلغاء المؤسسات الحكومية بأطرها القانونية والبيروقراطية التقليدية وحلت محلها هيكلية مختلفة تماماً تحت اسم ( سلطة الشعب)
ونص إعلان سلطة الشعب على أن: " السلطة الشعبية المباشرة هي أساس النظام السياسي في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية، فالسلطة للشعب ولا سلطة لسواه، ويمارس الشعب سلطته عن طريق المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية والنقابات والاتحادات والروابط المهنية، تكون مؤتمر الشعب العام"
لقد كانت (سلطة الشعب) أيديولوجيا جديدة تقف بين الاشتراكية والرأسمالية، تم الدعوة لها باعتبارها ( النظرية العالمية الثالثة) ولصاحبها الرئيس ( القذافي) باعتباره ( مفكراً أممياً إنسانياً) وفي إطار رؤية الكتاب الأخضر.


1-السلطة التنفيذية:
أ- تتمثل في رئيس الدولة وهو قائد الثورة الليبية العقيد (معمر القذافي)، فيما يمثل مجلس الوزراء اللجنة الشعبية العامة، التي ينشئها المؤتمر الشعبي العام، وتكون مسؤولة أمامه؛
ب- يقوم المؤتمر الشعبي العام وهو الوحدة الأساسية في نظام الحكم الجماهيري، بانتخاب رئيس الحكومة،.
ج- يوجد مؤتمر في كل حي سكني أو قرية، يضم كل المواطنين البالغين سن (18) من الإناث والذكور، يلتقون في تجمع يسمى (كومونة) وهي أصغر وحدة سياسية في ليبيا؛
ح- لكل مؤتمر شعبي أساس، لجنة شعبية( مجلس وزراء محلي)، ينفذ قرارات المؤتمر على مستوى الحي؛
خ- يقسم الشعب الليبي إلى (30) ألف (كومونة)، تضم كل منها ( 100) شخص من النساء والرجال المقيمين/ات في الحي؛
خ- تنعقد المؤتمرات الشعبية الأساسية ثلاث مرات خلال العام، يناقش الاجتماع الأول جدول الأعمال المفصّل للاجتماعيين التاليين؛
هـ - في الاجتماع الثاني؛ يناقش المؤتمر الشعبي الأساس؛ المواضيع المتعلقة بجدول الأعمال المحلي الداخلي؛
ع- فيما يختص بالمؤتمر الثالث بكلا المجالين: المحلي والدولي؛
غ- خلال المؤتمر الشعبي الأساس، يتم مناقشة المواضيع المجدولة خلال الجلسة الأولى ويقوم الأعضاء بتحرير القرارات والتصويت عليها علناً سواء عن طريق رفع الأيدي أو مباشرة بالصوت؛
ف- يسيّر جلسات المؤتمر أمانة يتم اختيارها من قبل الحاضرين،مهمتها صياغة القرارات، والمشاركة في جلسات مؤتمر الشعب العام؛
ق- مجموع أمانات المؤتمرات واللجان الشعبية والروابط والنقابات والاتحادات المهنية، تكون مؤتمر الشعب العام؛
ث- يختار مؤتمر الشعب العام أمانة تترأس جلساته وتوقع على القوانين، وتستلم أوراق اعتماد ممثلي الدول الأجنبية وتتكون من خمسة أعضاء، هم: (الأمين العام؛ أمين شؤون المرأة؛ أمين شؤون المؤتمرات الشعبية؛ أمين شؤون النقابات والاتحادات المهنية والروابط الحرفية؛ أمين للشؤون الخارجية) ويختار مؤتمر الشعب العام أيضاً اللجنة الشعبية العامة التي تمثل السلطة التنفيذية.
2- السلطة التشريعية:
وتتمثل السلطة التشريعية في مجلس واحد هو المؤتمر الشعبي العام وينتخب أعضائه بشكل غير مباشر من خلال سلسلة اللجان الشعبية. وطبقاً للكتاب الأخضر فإنّ ( القذافي) يرفض فكرة التمثيل النيابي على أساس أنه يمثل حاجزاً شرعياً بين الشعب وممارسة السلطة التي تصبح حكراً على النواب ولأن العضو البرلماني يلتزم بمصالح حزبه أكثر من الجماهير ولأن المال يلعب دوراً كبيراً في الحصول على المقعد البرلماني والدعايات الديماجموجية
4- السلطة القضائية:
يرتكز النظام القانوني الليبي على المزاوجة بين القانون المدني ومبادئ الشريعة الإسلامية، ويتم الاقتصار على الأخيرة في قضايا الأحوال الشخصية ، وتعد المحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية في الجماهيرية الليبية.





الفصل الثالث
إشكالية الإصلاح في النظام السياسي الليبي:


ثمة تباين في وجهات النظر بين جميع الأطراف الليبية المعنية بالإصلاح من عدمه، من حيث الإجابة عن تساؤل جوهري وعميق يمكن أن البؤرة المركزية التي تصدر عنها كل المواقف والاختلافات الرؤيوية حول مشروع الإصلاح الليبي، والذي يتمحور حول إمكانية نجاح (سيف الإسلام) في تحقيق مشروع إصلاح حقيقي في ظل رسوخ البنية السياسية للنظام الجماهيري في ليبيا بقيادة الرئيس ( معمّر القذافي)؟
وقد انقسمت وجهات النظر هذه بين: فريق يؤكد على وجود التعارض المطلق بين أي مشروع إصلاح حقيقي وبين البنية السياسية للنظام الليبي الحالي، ومن ثم فإنّ وجود أحدهما يعني إلغاء الآخر.
بينما يفترض فريق آخر إمكانية قيام مشروع إصلاح حقيقي في ظل وجود البنية السياسية الحالية إذا وجدت الإرادة السياسية التامة والجازمة، من جهة، وإذا ما بادر النظام بنفسه بإجراء عملية الإصلاح المنشودة، من جهة أخرى. وهذا يعني قيادة (سيف الإسلام)، نجل العقيد (معمر القذافي)، لهذه العملية لأنّ هذه المعادلة سوف تحول دون تفاقم حالة التوتر وعدم الاستقرار التي تشهدها ليبيا، وتجعل من الإنجازات الميدانية على أرض الواقع، المعيار الأساس للحكم على مدى نجاح عملية الإصلاح أو فشلها، وفي هذا السياق يصنّف ( عبد الله ساعف) ليبيا ضمن النمط الثالث من البلدان العربية من حيث علاقتها بالإصلاح وهو نمط يسائل طبيعة التغير نفسه، إذ يكثر الحديث عن الإصلاح، لكنّ الاستبداد مستقر، وعليه ينجح النظام الليبي في تسويق صورة له قابلة للتغيير دون أن يتنازل ولو مثقال ذرة من أجل دمقرطة مجتمعه

مبحث أول:
تجربة سيف الإسلام الإصلاحية

في الملتقى الأول للفعاليات الشبابية والذي تتكون عضويته من قرابة 400 ألف شاب من خلال نشاطهم في إطار ما يعرف بـ "المنظمة الوطنية للشباب الليبي" والمنعقد في( 21 )أغسطس في مدينة (سرت) الليبية، ألقى (سيف الإسلام) خطابه غير التقليدي، الذي أعلن فيه عن مشروعٍ متكاملٍ للإصلاح، تحت عنوان: "مـعا من أجـل ليـبـيا الغـد".

وقد جاء ضمن خطابه أنّ: "معمر القذافي بالنسبة لليبيين هو أبُ الجميع وقد عمل عشرات السنوات من أجل تكوين جيل الشباب . وذكر أيضا: "أن هؤلاء الشباب سواعدهم وعقولهم وقدراتهم وكفاءاتهم سيعملون مع معمر القذافي من أجل تحقيق التغيير لصنع مستقبل ليبيا". ، وهو بذلك أكد على أنه يعمل ضمن النظام الجماهيري وملتزم بمبادئه وقيادته، كما أراد أن يوصل رسالة مفادها أنّ العقيد (معمّر القذافي) غير مسؤول عن الإخفاقات والممارسات الخاطئة من قبل القوى الثورية في الحقبة الماضية، في الوقت الذي أكد فيه على أنّ القوى الشبابية وهو شخصيا ملتزمون بالولاء لقيادة العقيد القذافي في المستقبل وذلك من أجل تحقيق الإصلاح .
وأهم ما يفهم من حديث (سيف الإسلام) أنه في الوقت الذي يهاجم فيه الفساد ومن أشار إليهم ـ في أكثر من مناسبة ـ بعبارة "القطط السمان"، وممارسات القوى الثورية... أنه يحاول أن يضع مسافة كافية بينه وبينهم حتى لا يرتبط بما اقترفوه من كوارث في الماضي، كما أنه في الوقت نفسه يؤكد ولاءه للنظام الجماهيري كفكرة ومبدأ وقيمة وكذلك ولاءه لقائده العقيد (معمّر القذافي).

إن هذا الفهم للقاعدة التي ينطلق منها سيف الإسلام كعامل رئيس ضمن قوى الإصلاح لم يستقِ من خطابه أمام القوى الشبابية وحسب، وإنما من خلال قراءة وتحليل الكثير من أنشطته وجهوده خلال السنوات الماضية، التي برز فيها كعنصر من أنشط العناصر وأكثرها نفوذاً في تركيبة النظام السياسي الليبي.
لكنّ الحرس القديم القوي في ليبيا، يعيق -فيما يبدو-، السماح لنجل الرئيس الليبي (معمر القذافي) للقيام بدور حكومي بارز، ما يجعل مستقبل الإصلاح في هذا البلاد، غامضاً كما كان الحال دائما.
فلم يزل المحافظون في المؤسسة السياسية يرتابون بشدة من التدخل الأجنبي، حتى تلاشت الآمال بأن رفع العقوبات؛ سيعني انفتاحاً سياسياً أكبر وروابط تجارية أعمق وبيئة عمل تتسم بالشفافية.

إلاّ أنّ أنصار الإصلاح وجدوا سبباً للتفاؤل في أكتوبر (تشرين الأول) عندما سمى (القذافي) نجله ذا التوجهات الغربية (سيف الإسلام) الذي تفاوض من أجل رفع العقوبات عن ليبيا، منسقاً للقيادة الشعبية الاجتماعية.

وعليه يمكن فهم بروز (ظاهرة سيف الإسلام الإصلاحية) من عدة زوايا، أهمها ما يلي:
1- المكانة التي يتمتع بها (سيف الإسلام) من خلال كونه بن العقيد (معمر القذافي)، زعيم النظام الحاكم في ليبيا منذ عام( 1969 ) وقائد الثورة، و من ثم جعلته هذه المكانة قادراً على تعبئة العديد من الشرائح الاجتماعية وأجهزة الدولة من أجل التصدّي للكثير من الظواهر السلبية، التي ارتبطت بالنظام والوقوف في وجه الفساد العام والاستبداد، والتعبئة من أجل الإصلاح؛
2- مرحلة التحول التي تمر بها ليبيا منذ عدة سنوات، وهي مرحلة غير تقليدية، خاصة من الناحية الأيديولوجية، على المستويين: الداخلي؛ الخارجي، التي أفرزت حالة من الفراغ السياسي الفعلي، ظلت تنمو رويداً؛ رويداً في غياب قوى سياسية أو إصلاحية أخرى مسموح لها أو قادرة على المشاركة في عملية التوجيه والترشيد وتنوير الرأي العام باتجاه ضرورة الإصلاح؛
3- تزايد القلق في الشارع الليبي، وتشكل رأي عام حول فكرة فشل المشروع الثوري السابق، في تحقيق التنمية والرفاهية،اللتان تغنى بهما كثيراً، ما ساهم في خلق بيئة مواتية للدعوة إلى الإصلاح؛
4- شعور الليبيين بأن الإجراءات الثورية الاستثنائية، قد قمعت وأرهبت الغالبية العظمى من أبناء الشعب ـ وخاصة الشباب وأبناء الطبقة الوسطى وأصحاب المهن والحرف والأعمال الحرة ـ فثبطت عزائمهم ودمرت روح الإبداع والمبادرة لديهم، في الوقت الذي أخفقت فيه القوى الثورية في معركتها مع أعدائها في الخارج أحرزت نصراً مزيفاً ومراً في قمع الشعب الليبي ونخبه الواعية. ولذا فعندما يأتي (سيف الإسلام) ويقدم وعوداً بإعادة التوازن والكرامة والحرية والرفاهية إلى الحياة في ليبيا، لا بد من أن يجد ـ بالتأكيد ـ كثيراً من المؤّيدين والمتفائلين والمتعاونين والمتعاطفين.وكذلك بعض النفعيين والانتهازيين.

متطلب :
محتوى مشروع (سيف الإسلام) الإصلاحي:

يطرح مشروع (سيف الإسلام) رؤية لليبيا المستقبل تمتد حتى عام( )2019، أي عند بلوغ الثورة عامها الخمسين (اليوبيل الفضي). وهذه الرؤية في حد ذاتها تؤكد أن عمل (سيف الإسلام) ـ إضافة إلى أنه طويل المدى ـ يدور في فلك النظام القائم ومن خلاله وليس في مسار موازٍ أو معاكس له. ويمكن اختزال المعادلة التي يتبناها سيف الإسلام ويقوم عليها مشروعه الإصلاحي في ما يلي:

1- مشروع "معاً نحو ليبيا الغد" + مشروع الإستراتيجية الاقتصادية الوطنية، اللذان سيقودان إلى التحول عام (2019)

ويحتوي مشروع "ليبيا الغد" على مجموعة أهداف وبرامج في عدة مجالات وقطاعات حيوية أهمها:( التعليم؛ الصحة؛ أجهزة الأمن؛ المؤسسة العسكرية؛ القضاء؛ القطاع المالي؛ ملكية ؛ قطاع السياحة؛ الإسكان والتخطيط العمراني؛ الاستثمار؛ الإعلام)
هذا، بالإضافة إلى "المبادرة المليونية" التي تعهد بمقتضاها (سيف الإسلام) بتوفير جهاز حاسوب (كومبيوتر) محمول لمليون من تلاميذ المدارس في ليبيا.
ويسير المشروع يداً بيد مع "مشروع الإستراتيجية الاقتصادية الوطنية" الذي يمكن أن نعتبره الحلقة الرئيسة في مشروع (الإصلاح). والذي ينبني على دراسة أعدت من قبل مجموعة من الخبراء والمتخصصين الليبيين والأجانب تقدمت بها مجموعة فوكس (Focus Group) الأمريكية إلى مجلس التخطيط العام الليبي في( 9 فبراير 2006 ) تحت إشراف (مايكل بورتر Michael Porter ) من جامعة هارفارد الأمريكية.

مبحث ثاني:
موقف النظام السياسي من مشروع ( سيف الإسلام) الإصلاحي:
أصبح كل من: مشروع الإصلاح وبنية النظام السياسي وظاهرة (سيف الإسلام) تشكل في مجموعها ما يمكن أن نطلق عليه العناصر الأساسية لـ (إشكالية الإصلاح) في التجربة الليبية، فثمة اعتقاد لدى الجميع بأنّ الهياكل الرسمية للنظام الجماهيري تفتقر إلى الفاعلية والقدرة السياسية،خاصة من حيث طبيعة وهوية النظام السياسي والقوى الفاعلة فيه والتي تمثل وتعكس تلك الطبيعة،التي يدلل عليها بوضوح كبير اجتماع القوى السياسية التقليدية والمهيمنة، في مدينة البيضاء يوم( 31) أغسطس من عام (2006) تحت سقف خيمة واحدة وبحضور العقيد (القذافي) شخصياً وذلك تحت مسمى (الفعاليات الثورية)،التي لا يحق لأحد غيرها تحديد وتفسير معنى الثورة وطبيعة النظام السياسي، الذي يمثل -من وجهة نظرهم- التجسيد المادي الملموس لحقيقةالثورة.


لقد أكدت القوى الثورية ـ وعلى رأسها العقيد القذافي شخصياً ـ على التمسك بما تعتبره (القيم الثورية) التي قامت من أجلها الثورة، وعلى أنّ أعداء الثورة مصيرهم (السحق) . وهنا بدأت تنشأ الإشكالية الحقيقية المتعلقة بالعلاقة بين الثورة و الإصلاح وبين النظام الجماهيري والديمقراطية.. وبين حرية التعبير وسحق المعارضين.. وبين الماضي والمستقبل
فقد عبّر الضباط الوحدويـون الأحـرار عن موقفهم قائلين: " إنّ الطريق أمامنا واضح وهو التمسك بالمؤتمرات الشعبية والنقابات المهنية التي تثبت كل يوم أنها الهدف النهائي للجماهير الشعبية بمختلف أجناسها وأعراقها في كافة أنحاء العالم، وأن ندافع عن مكاسب السلطة الشعبية، حتى لا يعود مجتمع الطبقة والمجالس النيابية وحتى تسقط إلى غير رجعة الأجرة والإيجار والاتجار والواسطة والرشوة والمحسوبية... وهذا يتطلب منا كشف وحرق كل الجسور التي تؤدي إلى العودة إلى المجتمع القديم المنهار بفعل الثورة، وأن نستفيد من الفرصة التاريخية بوجود القائد صاحب النظرية لاستمرار الثورة وخلق ضمانات مستقبلية لأبنائنا من خلال الممارسة الفعلية الواعية للسلطة الشعبية رجالا ونساء" .
بينما عبر "رفـاق القـائـد" عن موقفهم قائلين: "اسمح لنا أيها القائد أن ننتهز هذه الفرصة لنؤكد لكم ولكل جماهير شعبنا أننا دوماً على دربكم في انحيازنا للجماهير، التي ننحني لها إكباراً ونعتز بانتسابنا لها، درب الثورة الذي لا تراجع عنه ولا تفريط فيه حاضراً ومستقبلا، منهجاً وعملاً، وأنّّ سلطة الشعب التي هي خيارنا وخيار جماهيرنا لا انحياز عنها ولا بديل لها وفي نهاية المطاف مهما حاول المشككون.. وتردد المترددون.. ودونها الموت ولأعدائها ريب المنون ... نؤكد على أنه لا ثورة بعد الفاتح، ولا سيد إلا الشعب، ولا مرجعية غير شريعة المجتمع، ولا قانون إلا ما صاغته وتصيغه جماهير المؤتمرات الشعبية الأساسية بإرادتها الحرة" .
اللجـان الثوريـة، رأت أنّه: "لا مناص من أن تصل الشعوب إلى السلطة حتما ولو بدرجات متفاوتة وعناوين مختلفة إلى أن تتحقق سلطة الشعب كما يعبر عنها الكتاب الأخضر، ولا سبيل غير العدالة الاجتماعية وتحرير الحاجات وكسر الاحتكار والاستغلال"
وقد صدر بيان مشترك باسم الفعاليات الثورية ككتلة واحدة، من أهم ما جاء فيه: " التمسك الأبدي بالأخ القائد المعلم معمر القذافي قائداً تاريخياً لثورة الفاتح العظيم مجددين إيماننا بفكره واعتزازنا بقيادته" و "فشل النظرية الحكومية من حكم الفرد والأسرة والقبيلة والحزب ومجموعة الأحزاب وكل أشكال النيابة والتمثيل"
وفي النهاية دعا البيان "كل أبناء الشعب الليبي من رجال ونساء والمثقفين والطلاب إلى الانضمام للحركة الثورية لأنها حركة المستقبل التي تضمن بناء غد زاهر مشرق حر للشعب الليبي من أجل تطوير الحركة وتجذيرها وبناء سلطة الشعب بناء صحيحا"
إنّ هذه الاقتباسات لا تترك مجالاً للشك أو اللبس حول طبيعة هوية النظام السياسي الليبي والذي يتكون بشكل عام من قاعدة صلبة أطلق عليها (الفعاليات الثورية) وهي متمثلة في ست تشكيلات هي:
1-رفاق القائد؛
2- الضباط الوحدويون الأحرار؛
3- حركة اللجان الثورية؛
4- الحرس الثوري الأخضر؛
5- الحرس الشعبي؛
6- مواليد الفاتح.

ولديها منهاج عمل يحدد مهامها يطلق عليه (الـبـطاقـة الخضراء)
ويتكون أيضاً من قاعدة متمثلة في هيكلين رئيسين هما:
1- المؤتمرات الشعبية؛
2- اللجان الشعبية.

وهي قادرة على التكيف والتمدد والانكماش في جميع الاتجاهات وكذلك تحمل الصدمات بمرونة كبيرة جداً، إضافة إلى أنها تحمل صفة ( القاعدية) طالما أنها أخذت شكل المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية.

وكمثال على مدى مرونة تلك القاعدة وقدرتها على استيعاب التعديلات والتغييرات الإدارية والهيكلية والتنظيمية المتواصلة، يمكن النظر إلى عدد المؤتمرات الأساسية وحجمها وإضافة "الكومونة" مؤخراً على بنيتها الأساسية، والتعديلات المتكررة على حجم اللجان الشعبية وعددها ومهامها... وكذلك إضافة جسم متكامل إلى تلك (القاعدة الرخوة) في أواخر التسعينيات وهو "القيادات الشعبية الاجتماعية".
وبالتالي فإنّ النظر إلى صيغة النظام السياسي الليبي وبنيته، والتدقيق في عملية الإصلاح نفسها، التي يتصدى لقيادتها (سيف الإسلام القذافي) ، يجعلنا نذهب إلى عدم إمكانية حدوثها و انعدام فرص نجاحها مع وجود تلك البنية السياسية وبالتالي يصبح فشلها هو الاحتمال الأكبر.
خلاصة البحث:
يتضح مما سبق أنّّّ ثمة إشكاليات متعددة أمام إحداث عملية إصلاح حقيقي في الدولة الليبية، على الرغم من وجود محاولات مهمة في هذا الإطار، أهمها البنية الهيكلية للنظام السياسي الليبي، الذي حاول خلال فترة حكمه الطويلة على تمثل التجربة الإسبرطية في ممارسة الديموقراطية المباشرة، من خلال إعلاء سلطة الشعب، وهو إعلاء ثبت أنه شكلي لم يقد سوى إلى مزيد من تمركز السلطات في يد القائد الفرد المهيمن على مقدرات الشعب.
وعلى الرغم من تراكم الإشكاليات يوماً بعد آخر وتنامي مراكز القوى حتى أصبحت متغلغلة بصورة كبيرة في كل مناحي وتفاصيل الحياة، إلاّ أنّ صوت الأمل في التغيير ظل حاضراً في الشعور العام للمواطنين الليبيين، بل إنّ أهم دعوة للإصلاح ممثلة في مشروع ( معاً من أجل ليبيا الغد) جاء من نجل الرئيس الليبي ( سيف الإسلام) ، وإن كان لم يتجرأ على إعلان تمرده الفكري والسياسي على نهج أبيه، بل على العكس من ذلك حاول دائماً التأكيد على حضور أبيه ودوره التاريخي في بناء الدولة الليبية. صحيح أنه مر أكثر من ست سنوات على دعوة ومشروع ( سيف الإسلام) نحو الإصلاح، دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، غير أنه علينا أن نعترف بصعوبة المهمة في ظل ترسخ أنماط من التفكير والنهج السياسي الأحادي الجانب، خاصة في ظل تعاظم مراكز القوى التي لا تسعى إلى التغيير؛ لأنه يضر بمصالحها التي ترسخت عبر سنوات طويلة من التنفذ وعدم المساءلة.


النتائج:
1- إنّ القراءة المتفحصة لمشروع( سيف الإسلام) الإصلاحي، تؤكد على أنّه لا يسعى إلى تغيير النظام السياسي في ليبيا أو العمل على تقويضه.وعدم الخروج عن النظام الجماهيري السائد في ليبيا من خلال إعلانه المتكرر بأنه ملتزم بمبادئه وقيادته، وأنّ العقيد (معمر القذافي) غير مسؤول عن الإخفاقات والممارسات الخاطئة من قبل القوى الثورية في الحقبة الماضية. وتأكيده على أنّ القوى الشبابية وهو شخصياً ملتزمون بالولاء لقيادة العقيد القذافي،وما يؤكد هذا التوجه أن هذا المشروع الإصلاحي يغلب عليه الطابع التنموي أكثر من الجانب السياسي؛
2- إن طبيعة وهوية النظام السياسي الليبي والذي يتكون بشكل عام من قاعدة صلبة، تتمثل في الفعاليات الثورية، تشكل عقبة كأداء أمام تحقيق إصلاح حقيقي؛ وأنّ أي إصلاح حقيقي، يتطلب بالدرجة الأولى ضرورة تفكيك بنية النظام السياسي الحالي والبدء من جديد.
3- يمثل ( سيف الإسلام) اليوم عصب مشروع التحوّل السياسي والاقتصادي الجديد وهو الوجه الذي يمكن أن يدير الجانب المدني في السياسات، ويظهر اليوم بشكل جلي نفوذه في صياغة التوجهات على المستويين الداخلي والخارجي؛
4- استخدم ( سيف الإسلام) التحول الديمقراطي والإصلاح وسيلة لتدعيم مكانته الشعبية، كمرحلة أولى لدخوله حلبه الحكم؛








التوصيات:
1- ضرورة العمل على إعادة النظر في القوانين والمواثيق التي تحكم النظام السياسي الليبي، والبدء في عملية إصلاح حقيقية تقوم على تعزيز قيم الديموقراطية وسيادة القانون؛
2- فك التداخل الشديد بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في النظام السياسي الليبي، واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات كخطوة أولى نحو إعادة صياغة جديدة لنظام الحكم؛
3- ضرورة القضاء على مراكز القوى التقليدية وكف يدها عن التخريب واستغلال موارد البلاد لمصالح شخصية؛
4- تعزيز قيمة المواطن الليبي، من أجل استنهاض همته النائمة، واستعادة دوره المغّيب في بناء وطنه من حيث البنى والهياكل السياسية والاجتماعية، ومن حيث تفعيل دوره النقدي في محاربة الفساد والدفاع عن حقوقه المسسلوبة؛
5- ضرورة استغلال تجربة ( سيف الإسلام) الإصلاحية والبناء عليها، واستغلال كون ( سيف الإسلام) نجل الرئيس وتمرير الكثير من الإصلاحات وبث الأفكار الحديثة في إدارة الدولة؛
6- البحث عن بدائل معرفية بعيداً عن الكتاب الأخضر، وإتاحة الفرصة لكل المختصين في القانون وإدارة شؤون الدولة؛
7- تعزيز العلاقة بين المواطن والمسؤول عبر علائق واضحة، تقوم على أساس المواطنة وليس على أساس العشيرة أو القرب من النظام؛
8- تعزيز الحريات العامة كمدخل أساس ومهم في تعزيز المشاركة السياسية الفاعلة من قبل المواطنين الليبيين؛ نساءً ورجالاً؛ شباباً وشيوخاً.







المراجع:

1- عمران حامد، ( ليبيا ودلالة الجغرافيا) مجلة الفاتح، طرابلس، العدد 69، يناير 1991؛
2- أحمد سرحال، (النظم السياسية والدستورية في لبنان وكافة الدول العربية)، لبنان، بيروت، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، 1999؛
3- ميريلا بيانكو، ( القذافي رسول الصحراء)، بيروت، الطبعة الأولى، 1974؛
4- موقع موسوعة ويكيبيديا، http://ar.wikipedia.
5- السنوسي بسيكري،( المشهد الليبي.. الخارطة السياسية وآلية صنع القرار)، موقع الجزيرة نت http://www.aljazeera.net
6- أحمد المسلماني، (حقوق الإنسان في ليبيا- حدود التغيير)، القاهرة، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان)، 1999.
زاهي المغيري ، ( ليبيا والثورة في عشرين عام 69- 1989)، ليبيا، الدار الجماهيرية، 1989؛
7- عبد الله ساعف، ( الإصلاح السياسي في العالم العربي)، لندن، جريدة القدس العربي، بتاريخ 18/3/2008
8 - http://www. libyaforum. org/images/stories//libya%20new%20dawn. موقع العربية نت، http://www.alarabiya.net ( مستقبل الإصلاح مستقبل الإصلاح في ليبيا.. سيف الإسلام يواجه "القطط السمان")، 2فبراير 2010



#دنيا_الأمل_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول المجتمع المدني
- المساعي الحميدة في حل النزاعات الدولية الخلاف الحدودي السعود ...
- عيشة هّنّا
- عن الحياة والحرب والأمل
- المؤسسات الإعلامية الرسمية وصناعة الأزمة
- تقرير جولدستون يحرّك الرأي العام الدولي
- في مديح الظل المنكسر
- عن التنمية والمرأة والثقافة
- أنتظر جنوني
- فساد المجتمع المدني
- أجراه مركز معلومات وإعلام المرأة الفلسطينية استطلاع حول تأثي ...
- ليل لا يفيق
- حصة المرأة الفلسطينية من التشغيل: المؤشرات والدلالات والمستق ...
- أمي خلف الحدود
- عن حال المرأة والصحافة
- خطة الانفصال/ الانسحاب/ فك الارتباط/ إخلاء المستوطنات تعددت ...
- مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية
- المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يؤكد استمرار الانتهاكات الإسر ...
- المرأة والانتخابات المحلية في قطاع غزة
- قصائد قصيرة القامة


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - دنيا الأمل إسماعيل - إشكالية الإصلاح في النظام السياسي الليبي