أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - نصر حامد أبوزيد.. والفيروس القاتل















المزيد.....

نصر حامد أبوزيد.. والفيروس القاتل


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 3059 - 2010 / 7 / 10 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل أن نفيق من صدمة وفاة الناقد الكبير والمحترم فاروق عبدالقادر، ثم وفاة الشاعر الكبير جدا محمد عفيفي مطر.. تلقينا صدمة ثالثة بالوفاة المباغتة للمفكر والباحث والأستاذ الجامعي والأكاديمي البالغ التميز الدكتور نصر حامد أبوزيد بعد إصابته بفيروس غامض أثناء زيارة عمل لإندونيسيا.
وفي مستشفي الشيخ زايد علي مشارف القاهرة كانت لحظة نزول ستار الفصل الأخير في ملحمة أبوزيد، الذي اضطر اضطرارا في أحد فصولها إلي الخروج من مصر إلي »المنفي الاختياري هولندا بعد صدورك حكم قضائي بالغ الغرابة بالتفريق بينه وبين زوجته الدكتوة ابتهال يونس أستاذ الحضارة الفرنسية بجامعة القاهرة التي أعلنت تمسكها بزوجها وعدم الاعتداد بأي حيثيات تسوغ أبعادها عنه.
وها هي تصاريف القدر غير المتوقعة بأي حال من الأحوال، والتي لا تخطر علي بال أبرع كتاب الدراما تضع حدا لهذا المنفي الاختياري، وتفرض عودة الابن البار إلي حضن أمه مصر ليلفظ أنفاسه الأخيرة علي أرضها التي حاول البعض إخراجه منها بالترويع والتكفير.
نصر حامد أبوزيد حدوتة مصرية بامتياز فهو قد نشأ شأن معظمنا في الريف المصري لكنه جرب اليتم مبكرا حيث توفي والده وهو لايزال طفلا صغيرا لكن رغم صغر سنه كان حظه أن يكون أكبر إخوته وأخواته فاضطر أن يغير مسار حياته ليتأقلم مع مقتضيات هذا اليتم المبكر وكانت بداية هذا التغيير أن يحول أوراقه من التعليم العام إلي التعليم الفني ليحصل علي »دبلوم صنايع« ويعمل فني لاسلكي كي ينفق من القروش القليلة التي يكسبها من هذا العمل المتواضع علي أشقائه الصغار.
وإلي جانب العمل.. لم يتوقف أبوزيد الشاب عن نهم القراءة وعن الدراسة النظامية أيضا، حتي التحق بكلية الآداب وتخرج فيها بتقدير امتياز في نفس الوقت الذي كان يكتب فيه الشعر حتي أن المترددين علي قصر ثقافة المحلة الكبري في ذلك الحين أطلقوا عليه لقب »صلاح جاهين«، المحلة نظرا للتشابه بين الرجلين في الشكل والسمنة النسبية، وأيضا نظرا لأن أبوزيد كان يكتب رباعيات علي غرار رباعيات جاهين الشهيرة.
ولم يكن نصر حامد أبوزيد عصفورا وحيدا يغرد خارج السرب، بل كان وقتها جزءا من حركة فكرية وثقافية تقدمية، لم تكن المحلة الكبري بمنأي عنها وضمت شلة المحلة في ذلك الحين إلي جانب أبوزيد أسماء أصبحت ملء السمع والبصر في الحياة العامة المصرية بعد ذلك، من بينها الدكتور جابر عصفور والشاعر الكبير الراحل محمد صالح والأديب الكبير سعيد الكفراوي والشاعر محمد فريد أبوسعدة، والأديب جار النبي الحلو وغيرهم.
كانت هذه هي الفصول الافتتاحية لملحمة »أبوزيد« التي تلتها فصول أكثر إثارة بعد حصول نصر علي درجة الماجستير عن دراسة في قضية »المجاز في القرآن عند المعتزلة«، ثم درجة الدكتوراة عن دراسة في »تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي«.
كانت هذه الدراسات الأكاديمية الرصينة بمثابة بوابة جهنهم بعد أن وضع »نصر« يده في عش الدبابير.
وهو نفس العش اذي تجاسر من قبل علي التنقيب في سراديبه كل رواد تجديد الخطاب الديني الذين حملوا مصابيح الاجتهاد والتنوير فأثاروا حفيظة الكهنة وأساطين الجمود والركود.
وحدث بعدها ما حدث، وما يعرفه القاصي والداني، وخرج الرجل من وطنه إلي منفاه الاختياري، في هولندا وكأن ذلك لم يكن كافيا لخصومه بل إنهم تمادوا في محاولة اغتياله معنويا فأشاعوا عنه الكثير من الخرافات ومن بينها أنه يعيش في بذخ شديد في هولندا، وأن الغرب الكاره للإسلام علي حد قولهم قد فتح له أبواب النعيم وأغلق عليه العطايا والأموال، وأنه يعيش في قصر منيف يعج بالحسان وكل ما لذ وطاب!
>>>
وفي أول زيارة عمل لي إلي بلجيكا بعد منحة خروجه »الاختياري« من مصر، تحدثت إليه تليفونياً من بروكسل في مقره الجديد في جامعة »لايدن«، واتفقنا علي اللقاء بعد ساعات.
وقد كان.. فقد ركبت القطار من العاصمة البلجيكية وبعد أقل من ساعتين كنت في »لايدن«، وكان نصر حامد أبوزيد في انتظاري بالمحطة.
ومن المحطة أخذني إلي مكتبه الجديد بالجامعة العريقة، وفوجئت بأن هذا المكتب »الفاخر« عبارة عن غرفة صغيرة جداً، قلت له باستنكار إنها لا تزيد كثيراً علي أي زنزانة في ليمان طرة.
ابتسم.. وقال.. إنها تفي بغرض البحث العلمي ومتطلبات استكمال مشروعه الفكري.
وبعد جولة قصيرة في جامعة »لايدن« أخذني إلي بيته.
وبدلاً من القصر المنيف الذي زعم خصومه أنه يقيم فيه، وجدت شقة صغيرة في مساكن أشبه بالمساكن الشعبية لدينا.
الأمر الذي جعلني لا أطيق صبراً.. وقلت له باستغراب واستنكار: هل هذا هو القصر المنيف الذي يتحدثون عنه.. وهل أدمنت السكني في مدينة 6 أكتوبر بأحيائها الشعبية »وليس الحي المتميز« فأتيت لتبحث عن »6 أكتوبر الهولندية« لتسكن فيها؟!
>>>
ومن هذه الزنزانة الضيقة وتلك الشقة المتواضعة لم ينشغل نصر حامد أبوزيد بمرارة ما حدث له في مصر وفي جامعته التي تربي في كنفها ــ جامعة القاهرة ــ واستأنف العمل الجاد علي مشروعه الفكري التجديدي والتنويري غير عابئ بالسخافات التي تعرض لها قبل وصوله إلي المنفي.
وتوالت إبداعاته العبقرية التي قدمت اسهامات جليلة تمثل إضافة حقيقية للاتجاه العقلي في تفسير النص الديني ومفهوم النص القرآني، فضلاً عن قراءات متميزة وجديدة في خطاب المرأة، والخلافة وسلطة الأمة، ونقد الخطاب الديني، بينما كان خصومه يجترون أفكارهم المستهلكة وأقوامهم البالية العقيمة.
>>>
ولأن أنصار الجمود في العالم العربي والإسلامي »ملة واحدة«، فإن خصومه التقليديين في مصر لم يكونوا وحدهم الذين وقفوا له بالمرصاد، بل إنهم تحالفوا معاً ضده عبر الحدود.. وكما رأينا فإن هؤلاء مارسوا ضغوطهم علي الحكومة الكيويتية منذ بضعة أشهر لمنعه من دخول الأراضي الكويتية رغم حصوله علي تأشيرة دخول وحصوله علي دعوة من جمعيات أهلية كويتية لإلقاء سلسلة من المحاضرات.. لكن السلطات أزعنت لمشيئة المتشددين الكويتيين ونفذت طلبهم السخيف.
>>>
وكل هذا يبين أن الذي قتل نصر حامد أبوزيد ليس الفيروس الاندونيسي الغامض، وإنما قتله فيروس التطرف والتزمت والجمود وإغلاق باب الاجتهاد بالضبة والمفتاح.. قتله فيروس مناهضة حرية الرأي، ومناهضة الحرية الأكاديمية.. قتله فيروس معاداة الدولة المدنية الحديثة القائمة علي العقلانية والتسامح والمواطنة والامتثال بحكم القانون.
لكن كل الفيروسات لن تستطيع أن تقتل المشروع الفكري لنصر حامد أبوزيد.. الذي هو امتداد لمشروع التنوير والنهضة الذي بدأه أساتذته وأساتذتنا رغم ما تعرضوا له من عنت وتشويه.
>>>
طبت حياً.. وميتاً.. أيها المفكر البديع.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نقول للأوروبيين.. -اشمعني-؟!
- وراء كل -نصر- .. ابتهال
- فيلم الموسم وكل موسم: »الأرض«.. تراجيديا مصرية.. إخراج أمين ...
- احبس صحفياً.. نعفيك من الضريبة العقارية!
- حدث ثقافي وتنموي مهم لم يلتفت له أحد .. »وثيقة القاهرة«.. لح ...
- لماذا اشتعلت الفتنة فى عهد سيطرة محاسيب الحزب الوطنى على الم ...
- وصف سيناء »44« منير شاش يتكلم.. اسمعوا وعوا
- -تحسين مستوى العسل-.. مطلب من البرنامج الانتخابى للرئيس
- الغاز تحتاج إلي حل .. القمة الرابعة عشرة للمجموعة الخمسة عشر
- قمة مهمة.. لكن الكرة أهم (1)
- -تهميش- مصر فى أفريقيا وآسيا .. وبلاد كانت تركب الأفيال
- الفساد فى محاربة الفساد
- وصف سيناء : (1)
- وصف سيناء : (2)
- صرخة احتجاج من قلب الصعيد الجوانى
- اقتراح عملي للإبقاء علي »حرارة« المعدات التليفونية
- يحدث فى العالم العربى فقط: الانتخابات تغتال الديموقراطية!
- صدمة الحقيقة.. في شرم الشيخ
- داوستاشي.. بدون تعليق
- ... حتى التصوف.. بقرار جمهوري!


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - نصر حامد أبوزيد.. والفيروس القاتل