أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد شرينة - الرغبة والفكر















المزيد.....

الرغبة والفكر


محمد شرينة

الحوار المتمدن-العدد: 3055 - 2010 / 7 / 6 - 14:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


1- الرغبة هي العامل الأولي
تصرُف الناس في الحياة يتولد عن الرغبة لا عن القناعة. هو يعكس بشكل أكبر رغبات الناس لا افكارهم. ورغبات الناس هي التي تصيغ توجهاتهم ومن ثم أعمالهم. يعمل الانسان الكثير من الأشياء رغم قناعته بأنها خاطئة والعكس صحيح. هناك أناس يثابرون على الحياة والعمل رغم أنهم يعرفون أنهم مصابون بمرض عضال لا شفاء منه وأن أيامهم معدودة بينما هناك أصحاء أمامهم – ولو نظريا – عمرا طويلا لكنهم عازفين عن الحياة.
الانسان المادي يتصرف باقبال على الحياة لأنه يعتبرها فرصته الوحيدة للمتعة وبالتالي كونه يملك رغبة قوية فهو يتحمل الصعاب والمخاطر ليحقق النجاح. علما ان الأفكار المادية لا تتفق مع المخاطرة وتحمل الصعاب في سبيل النجاح الذي هو أكبر متع العالم. المادية إذا سرنا مع أفكارها الفلسفية العميقة فكر جبري محض؛ فاعتقاد أن العالم بما فيه الانسان ليس إلا كيان مادي تحكمه قوانين صارمة لا يترك مجالا كبيرا للحرية، هذا أن لم يقتلعها من جذورها. الحتمية العلمية التي قامت عليها الفيزياء الحديثة ولا تزال - إلى حد بعيد - تقول بوضوح أنه حتى يقع حدث ما بغير الطريقة التي وقع بها فاننا نحتاج إلى تغيير الأحداث التي أدت إلى وقوع ذلك الحدث رجوعا إلى بداية الزمن وبما أن جميع الأحداث في العالم مترابطة فان هذا يعني الحاجة إلى تغيير كامل العالم منذ ولادته. اي ان يكون العالم مختلفا عما هو عليه. هذه جبرية كاملة ومع ذلك فان المادي لا يتصرف وكأنه مسير أو مجبور عديم الإرادة. لو تصرف المادي حسب ما تقتضيه الحتمية الفيزيائية وهو يعتقد ان الانسان ليس إلا كيان فيزيائي لكان حريا بأن يريح نفسه من المخاطرة فالأمور حتما ستصير إلى مصيرها المحتوم. لكنه يتصرف على العكس من ذلك تماما لأنه ينطلق من رغبته وليس من أفكاره، أو لنقل أن رغبته هي المشكل الأهم والأول لتصرفه في العالم وتأتي أفكاره في المحل الثاني.
بعكس المادي، المؤمن – التابع أو المقلد - عادة يتصرف بنوع من الإهمال للدنيا وكانه مسير لا خيار له مما يجعله نفورا من تحمل المصاعب والمخاطر في سبيل تحقيق أكبر متع الدنيا: النجاح. مع ان الايمان يتفق أكثر مع الاقبال على الحياة وتحقيق النجاح فيها لأنه فكر غير جبري؛ فوفقا للايمان يستطيع الانسان تحقيق اي شيء يرغب به عن طريق ولي المؤمنين: الله المتحكم بالعالم. لكن المؤمن التابع يتصرف كأنه مسير مجبور لا خيار له انطلاقا من انعدام أو ضعف رغبته. فهو أصلا يعتنق إيمان اخترعه إنسان آخر لعجزه أن يكون ذاتاً مستقلة. أهم شيء في الحياة هو الايمان بالنسبة للمؤمن لكن المؤمن المقلد يعتمد في ذلك كلياً على غيره وهذا انعكاس لسيطرة الخوف والانهزامية الكاملة على الروح. وبالتالي فمن أين له بالرغبة التي تسعفه وتجعله يعارك الحياة؟ هناك نوع آخر من الايمان سأتحدث عنه في مقالة أخرى اعني الايمان الأصيل.
إذا الرغبة هي المحرك الأقوى للانسان وليس الفكر.
2- الطريق هو من خلال الرغبة
ما علينا فعله بالتالي هو خلق الرغبة عند الناس. هذا أهم من خلق الأفكار عندهم، فبتقديري ولدت أوربا الحديثة مع دانتي وشكسبير ودافنشي وميكيل انجلو أكثر من أن تكون ولدت مع ديكارت ونيوتن. لقد خلقت الأعمال الأدبية والفنية الكبيرة روحا جديدة في أوربا نهاية العصور الوسطى وأشعلت رغبة الحياة. اما الأفكار فكما يتفق معظم المفكرين المعاصرين فليست سوى انعكاس للحياة التي تموج في المجتمعات، فالأفكار ثانوية بالنسبة للحراك الاجتماعي لكن الروح و الرغبة هي أولية. القرآن والذي ليس صعبا التأكد من أنه ليس كتاب افكار وفلسفة بل كتاب أدب وتحريك للمشاعر هو الذي أشعل الرغبة والروح العربية في القرن السادس الميلادي.
كنت متدينا شديد التعصب ولم يكن اي كتاب ثقافي ليؤثر فيّ في تلك المرحلة فأنا سأرميه منذ الصفحات الأولى إذا لم يكن متفقا مع أفكاري. واذا حدث وقرأته فانني سأفعل ذلك بشكل عدواني بحيث لا يزيدني إلا قناعة وحبا لما أحب ورفضا وكرها لما لا أحب.
في سنة دراستي للصف الحادي عشر وقع تحت يدي كتاب البداية والنهاية لابن كثير. وبدأت قراءته، وأنا مولع بالتاريخ، في الصفحات الأولى للكتاب صادفتني عبارة ابن كثير: قال شيخنا ابن تيمية. فرميت الكتاب وكففت عن قراءته
السبب أن والدي ينتمي إلى طريقة صوفية صغيرة غير معروفة وكان يكره ثلاثة أشخاص أكثر من الشيطان: ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والشريف حسين. الأولين لعدائهما للمتصوفة والأخير لأنه يعتبره المسئول عن سقوط الدولة العثمانية. بعد وفاة والدي التي حدثت وأنا في الصف السابع وجدت في مكتبته كتاب فقه شافعي غير مشهور مطبوع في مصر وكالعادة تتألف هذه الكتب من متن يحتل القسم العلوي من الصفحة وحاشية تحتل النصف السلفي من الصفحة؛ عبارة عن شرح للمتن مكتوب من قبل فقيه متأخر.في المتن ورد ذكر ابن تيمية للاحتجاج بقوله في أحد المسائل الفقهية، أما الفقيه المتأخر محرر الحاشية فقد رد هذا القول لأن ابن تيمية لا يعتد به. مضى على تلك الحادثة أكثر من ثلاثين سنة ولم أنس مطلع تعليق محرر الحاشية فأنا لا أزال أحفظه حرفيا. "ابن تيمية: الحنبلي المشهور زنديق لا يخفى بغضه للدين وأهله....." ويتابع الشارح مكيلا كل الاتهامات لابن تيمية ثم يعطف على محمد بن عبد الوهاب.
وبالتالي عندما صرح ابن كثير بأن ابن تيمية شيخه أطبقت كتاب البداية والنهاية وكففت عن قراءته. بعدها احتجت تسع سنوات حتى أتممت تعليمي الثانوي والجامعي وأديت الخدمة الإلزامية في الجيش واليها يعود الفضل الأكبر في بداية تحرر تفكيري الذي احتاج ليكتمل نحو ثلاثة عشر سنة، هذا التحرر الذي كان أهم دعاماته قراءتي للبداية والنهاية لابن كثير فقد ظهر لي من خلال قراءتي تلك أن الصحابة وحتى النبي بشر مثلنا لهم أخطاؤهم. هذه القراءة حصلت بعد تسع سنوات من المحاولة الفاشلة الأولى.
في تلك الأيام لم يكن عندنا جهاز تلفزيون فهو حرام وكنت أنزعج كثيرا وأطلب إقفال الراديو إذا كان يذيع أغاني إلا نني كنت أستمع واستمتع تماما بأغاني فيروز وأم كلثوم للحد الذي في إحدى زياراتي لأحد المشايخ في دولة مجاورة وهو ابن الشيخ الذي كان يتتلمذ عليه والدي سألت ذلك الشيخ: هل الاستماع إلى أغاني أم كلثوم حرام فأجابني بأنه ليس حرام.
في ذلك الزمن كنت استمع بشغف لأم كلثوم وفيروز وأقرا كفريات المعري في كتابه رسالة الغفران بشغف أيضا ,اقرأ بعض الأدب العالمي والعربي اللذيذ والكافر مع أنني في داخلي الخفي كنت أدرك كم هي كافرة ولذيذة.
من اجل التغيير الطريق يبدأ بالفن والأدب لأنه هنا فقط تغفر اللذة الكفر، حتى عند أكثر العقول انغلاقا. لا يمكنني أن أنفي أن هناك عقول منغلقة للحد الذي لا يمكن الوصول إليها حتى بهذه الوسيلة لكنها قليلة للغاية. اما الجمهور العريض حتى لو كان متدينا أصوليا فان الأدب والفن اللذيذين يدخلان عقوله ويغيرانه دون ان يشعر بعكس الفلسفة والفكر الذين يعجزان عن ذلك.
عندما اقرأ مقالات المثقفين التنويريين فانني أشعر بالأسى لكوني متأكد ان طريقها إلى عقول الجمهور العريض مغلق تماما خاصة المقالات الصعبة التي لا يقرؤها إلا قلة من مثقفي النخبة فهي أصلا تكاد تكون غير مفهومة حتى لكثير ممن يعتبرون أنفسهم مثقفين ونخبويين.



#محمد_شرينة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلم مزعج وحذاء
- لماذا يغيب الابداع والاختراع في العالم العربي؟ ( الإلحاد كحا ...
- أسأل نفسي، متى مت؟
- القاعدة السمائية الثالثة
- سماء وصدر
- الزواج والاحتشام عند البشر والحيوانات
- نظام الإدارة والتقويم في القرآن
- المدلى من فرج الزمان
- النسيان كعلاج
- آخر الشموس
- مرحبا أيها القدر
- لا تبحث عن السعادة
- القذف دون التعري
- اللذة الجسدية والدين
- ماركس والأنبياء
- حرية بلا ثمن
- المرأة والدهقان
- عفوا يا رب، أنا لست جميلة
- لقد أفقت من جديد
- حول نشوء الإسلام


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد شرينة - الرغبة والفكر