أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - علي شكشك - كتاب في الذكري ال 48 لاستقلال الجزائر















المزيد.....



كتاب في الذكري ال 48 لاستقلال الجزائر


علي شكشك

الحوار المتمدن-العدد: 3055 - 2010 / 7 / 6 - 12:52
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


اتخاذ القرار
اللجنة الإعلاميةللقدس في الجزائر
جوهر الإنسان هو قراره, ذلك أنّ المحيط الخارجي ليس إلّا ترجمةً وتمظهراً لهذا القرار, ومن هنا فإنّ الجزائريَّ استقلّ يوم اتخذَ قرار الاستقلال, يوم اتخذ قرار الثورة, ذلك أن الإنجاز يتفاعل ويتحقق في الروح والضمير, ويتجسد هناك, قبل أن ينتقلَ إلى الواقع المحيط ويتبلور هناك, لأنّ هذا القرار ليس إلا الإيمان به واليقين باستحقاقه وهو يشكّلُ آلياتِ الفعل وزادَه, ويصنعُ مخاضَه وآلامَه, أمّا تحقيقه فلا يكون إلا مسألة وقت, من هنا أهميّةُ الفاتح من نوفمبر لعام أربعةٍ وخمسين وتسعمائةٍ وألف, اليوم الذي انطلقت فيه أكبر ثورة في العصر الحديث, أكبر ثورة لتحرير الأرض وتحرير الإنسان, وهي إذ تشكل فخراً للإنسان الجزائري وتعكس عظمته وشموخ إنسانيته, فهي أيضاً تشكّلُ فخراً لجنس الإنسان كاشفةً عن الجوهر الناصع فيه والقدرات العظيمة الكامنة في روحه, ومقدّمةً شهادةً للتاريخ عن إمكانية الانتصار, انتصار الحق على قوى البغي مهما انتفش وتسلّح وظلم وبغى, ومهما طال وادلهمَّ الظلام, فهنيئاً للجزائر بهذا الانتصار, انتصار انطلاقة الثورة, انتصار اتخاذ القرار.
اللجنة الإعلاميةللقدس في الجزائر

خالد وعقبة
كلمة سر اندلاع الثورة الجزائرية
بقلم / سري القدوة
في عام 1985 وانا امضي فترة اعتقالي في سجون الاحتلال الإسرائيلي قررنا إقامة دورة أساسية للكادر السياسي وبالفعل أشرفت علي اعداد برنامج الدورة لمجموعة من ابناء حركة فتح .. وقررت تدريس كراس حركي كان يتناقلة ابناء حركة فتح حول الثورة الجزائرية وحرب التحرير الشعبية ، أسلوب الكفاح المسلح وتكتيك الثورة الجزائرية التي اعتمدته في مقاومة الاستعمار حتى نالت الحرية والاستقلال . وفي ذلك الوقت والتاريخ لم أكن اعرف الجزائر او أفكر بأنني سأكتب مقالا حول استقلال الجزائر وانا علي أرضها في عام 2010 .
وبين قرار تدريسنا للكراس الحركي واليوم فترة ممتدة فاقت الخمسة والعشرون عاما ، لم أجد في الجزائر الا روح الثورة كما كانت في محصلة الذكريات مع اختلاف مراحل العمل الفلسطيني المختلفة وحصيلة افرازات اوسلو التي شكلت عوامل متعددة أدت الي بلورة رؤيا جديدة علي صعيد العمل الفلسطيني فيما بعد , وبالعودة الي اسلوب ومنهجية الثورة الجزائرية ويوم الاثنين يوم الاول من نوفمبر 1954 تاريخ انطلاق العمل المسلح للثورة الجزائرية , تواصلت رحلة التحرير بكل بطولة ومواقف ورجال صنعوا المعجزة وكتبوا التاريخ بنداء الاسمين ( خالد وعقبة ) حيث تم تحديد كلمة السر لليلة أول نوفمبر 1954 (تيمنا بالصحابة الكرام خالد بن الوليد و عقبة بن نافع ) واستمرت الثورة من شارع الي شارع ومن بيت الي بيت حتي نالت الجزائر الاستقلال متحدية الاستعمار وعنجهيته فكانت ثورة وتاريخا وشرفا وبطولة وفداء ..
انه نداء الثورة نداء الوطن والواجب نداء خالد وعقبة الذي لبّـاه الشعب الجزائري بالانضمام الي الثورة لكتابة التاريخ وصناعة اهم حدث علي الإطلاق في التاريخ العربي المعاصر وهو استقلال الجزائر حيث اعتقدوا بان الجزائر هي ارض فرنسية وضمت الي فرنسا . متناسين ان الشعب الجزائري قدم مليون ونصف شهيد .. وأنه شعب نال الحرية بشرف وحصل علي الاستقلال بتضحيات جسام .. كتبت بالدم وتواصلت الثورة الجزائرية لتشكل محورا مهما لصناعة التاريخ العربي المعاصر .
ومن هنا من ارض الجزائر الحرة .. ارض الأحرار والشرفاء .. ارض المجاهدين الإبطال.. ارض الرجولة والشرف.. ارض الثورة.. ارض هواري بو مدين و مصطفى بنبولعيد و ديدوش مراد و كريم بلقاسم ورابح بيطاط و العربي بن مهيدي ، تواصلت ثورة الجزائر وكانت كبيرة بعطاء الشعب الجزائري لتكتب صفحات مشرقة ومشرفة في تاريخنا العربي المعاصر ..
كانت بداية الثورة بمشاركة 1200مجاهد على المستوى الوطني بحوزتهم 400 قطعة سلاح وبضعة قنابل تقليدية فقط. وكانت الهجمات تستهدف مراكز الدرك والثكنات العسكرية ومخازن الأسلحة ومصالح إستراتيجية أخرى ..
كانت الثورة الجزائرية .. ثورة الجماهير والحرب الشعبية التي خاضتها والكفاح المسلح الذي عمد بدماء الشهداء أساس طريق النصر وتحقيق البطولة قي هذا الزمن العربي الرديء فشكل انتصار الجزائر ثورة المليون والنصف شهيد حافزا أساسيا لبلورة مفهوم الانطلاقة للثورة الفلسطينية وإعلان حراك حركة فتح علي الصعيد الفلسطيني مستفيدة من الانجاز التاريخي الذي حققته ثورة الجزائر ومستلهمة من فكر الثورة الجزائرية أساسا في رسم إستراتجية الكفاح المسلح واعتماد حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد أسلوبا للممارسة ، وأيضا كانت خصوصية الوحدة الوطنية ووحدة الهدف بين مختلف الاتجاهات وتيارات المقاومة في الجزائر داعما أساسيا لإعلان وتبني حركة فتح شعار الوحدة الوطنية وربط هذا التقدم بمفهوم التكامل الوطني الذي استرشدت منه الثورة الفلسطينية في برامجها الكفاحية علي صعيد صياغة أسس التحرير وتشكيل قيادة جيش التحرير الفلسطيني ودمج لواء العاصفة كأساس ونواة أساسية لجيش التحرير الوطني الفلسطيني والتي حرصت الجزائر علي احتضان المقاومين الفلسطينيين وتدريبهم وتلقيهم العلوم العسكرية في كليه شيرشال فيما بعد ..

لا يمكن لنا ان نتحدث عن ثورة الجزائر وتلك البطولة دون الخوض في بعدها العربي وهذا الانجاز المهم الذي حققته ثورة الجزائر علي صعيد دعم الثورة العربية المعاصرة وترابط حركات التحرر في الوطن العربي حيث كانت ثورة الجزائر داعما لحركات التحرر العربية بكل شمولية الموقف والهدف والوحدة ..
ان الانجاز التاريخي الهام لثورة الجزائر ونيلها الاستقلال شجع العديد من البلدان العربية لنيل حريتها وشكلت الثورة الجزائرية أساسا للمشاركة الفاعلة لتكون النبراس الذي يسترشد منه الآخرون وهنا لا بد من الإشارة الى مقولة الزعيم التاريخي للجزائر المناضل القومي الكبير هواري بومدين حيث قال انا مع فلسطين ظالمة او مظلومة فهذا الحب الجزائري واحتضان الثورة الفلسطينية من قبل الجزائر الثورة والشعب وتدعيم العلاقات الأخوية يؤكد صدق العلاقة وقوتها بين الثورة الفلسطينية وثورة الجزائر .
بعد قرن وربع القرن من الزمان نالت الجزائر استقلالها، ولعل الثورة الجزائرية من أشد الثورات عنفاً وقتالاً وشراسة ، فيها سقط الشهيد تلو الشهيد حتى تجاوزوا المليون ونصف المليون شهيد ، وفيها نصب المستعمر قلاعه وسجونه ونال الشعب الجزائري الويلات وأيقن أن أكثر من قرن وربع القرن من الوجود زمن كافٍ حتى ينسى تسعة ملايين جزائري أنهم جزائريون، وحتى يذوبوا في الوطن الكبير فرنسا وفي مليون من الأوروبيين، هؤلاء الذين اعتقدوا أو أوهمتهم الرؤى الاستعمارية أنهم على أرضهم يعيشون , ولكن التاريخ كان الأقوى فانتصرت ثورة الحق وانتصرت الجزائر لتمحوا فرنسا ولتعيش الجزائر حرة عربية مستقلة .
هنيئا للجزائر رئيسا وحكومة وشعبا في عيد استقلالها , وعاشت ذكري الاستقلال والمجد للثورة والخلود للشهداء الإبطال .
_________
رئيس تحرير جريدة الصباح - فلسطين
www.alsbah.net


جبال الآوراس لا ترحل أبداً
يحيي رباح
ثورة الشعب الجزائري, التي انطلقت في نوفمبر عام 1954, وحققت إنتصارها التاريخي في الخامس من يونيو عام 1962, تضيء اليوم شمعة انتصارها الثامنة والأربعين.
ثورة الجزائر, شكلت حالة شاملة من الإلهام ليس فقط في محيطها العربي, وخاصة في فلسطين التي استلهمت في مسيرتها الصعبة روح الثورة الجزائرية!! بل أن هذا الإلهام الجزائري إمتد إلى الوطن العربي من المحيط إلى الخليج, وامتد إلى أفريقا من شمالها إلى جنوبها, وإمتد إلى كل مكان في هذه الدنيا الواسعة, حيث يحلم الناس بأن ترسم أصابعهم علامة النصر التي رسمها الجزائريون, بكفاحهم البطولي, وملاحمهم الخارقة, وإبداعاتهم العليا, وصبرهم النبيل, وطموحاتهم التي يستحقونها بأنهم أمة تعلو هامتها وهمتها لتصل إلى ذرى جبال الآوراس السامقة.
هل هناك حركة تحرر بالعالم لم تقرأ التجربة الجزائرية, ولم تردد النشيد الجزائري, ولم تسلتهم الروح الجزائرية, ولم تستند في مسيرتها إلى اليد الجزائرية الشجاعة؟؟
بالنسبة لنا في فلسطين, فأن الجزائر هي التي أطلقت النداء الخالد, على لسان الرئيس الشهيد هواري بو مدين, بأن الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة!!, لان الجزائريين اللذين خاضوا غمار الكفاح في أقسى حلقاته, وفي اعنف أطوره, وفي أغلى ضحاياها, تعلموا الحكمة المقدسة, بأن من يخوض مرارة الكفاح ليس مثل من يتفرج عليه!!, ولذلك ظلت الجزائر دوماً حضناً دافئاً لفلسطين, وسنداً قوياً لفلسطين, و ساحة أمان وعون لفلسطين, ومصدر إلهام للفلسطينيين بأنه مهما إدلهم الخطب, وتضاعفت صعوبات الطريق, فأن الفجر آت لا محال وإن النصر يتلألأ هناك في نهاية الطريق.
لم تكن الجزائر منكفئة على نفسها ذات يوم, لان جبال الآوراس أعلى هامه من الانحناء او الانكفاء!!, بالجزائر في كفاحها البطولي في سنوات الثورة كانت منارة للآخرين, وفي إنتصارها كانت عوناً وعطاءاً ونموذجاً يحتذي, وحلماً يضيء القلوب.
ولهذا كان خوف الأعداء منها كبيراً, وتوجسات القوى المعادية لحرية الشعوب لا تهدأ عند حد, فأنفتح في لحظة صادمة من الزمن جرحها الكبير الذي نزف أطهر الدماء, ولكن الشعب الجزائري بروح الثورة المتغلغلة فيه, كان هو الأقوى, والجيش الوطني الجزائري أبن الثورة الشرعي, كان هو السياج الأقوى الذي يحمل حديقة الوطن المقدسة, بل إن ميراث الثورة ظل هو الحاضر دوماً في العقول والقلوب, وروح الوحدة الوطنية, ظلت هي لحمة النسيج الوطني, والإيمان بالجزائر القوية القائدة هو أول الكلام وأخر الكلام.
نفرح بالجزائر التي تلهمنا مشهدنا القيامة المتجددة, وتجدد إنتصارها بأكثر من معنا, وتتعاقد مع المستقبل, وترسل لأمتها العربية والإسلامية, محيطها الإفريقي, وأفقها العالمي رسالة أمل, وبناء ورفاهية, رسالة مصالحة ووحدة متينة, رسالة إنفتاح بأن الشعب الذي أنجز الثورة العظيمة وحقق إنتصار خالد لا يمكن ابدأ أن يغرق بالظلام, رسالة ندية وإعتزاز بأن الأمة التي قدمت على مذبح الثورة مليون ونصف المليون من الشهداء, لا يملى عليها أحد, أين تقف أو كيف تفتح نوافذها على الزمن القادم.
تحية للشعب الجزائري في ذكرى إنتصار ثورته الكبرى ملهمه الثورات في بقاع الأرض, الروح القوية التي ساندت كل طامح من أجل الحرية, وفي ذكرى إنتصار الثورة الجزائرية, نصعد إلى قمم الآوراس, نرفع علم الجزائر, ونرى حين نفعل ذلك أن العالم يصبح أفضل.
*****************
دروس للمقاومة الفلسطينية
في ذكرى انطلاقة الثورة الجزائرية
عبدربه العنزي
قبل نحو نصف قرن استطاع شعب الجزائر تسطير واحدة من أعظم انتصارات شعوب العالم، حينما تم اعلان استقلال الجزائر بعد ثورة استمرت نحو ثماني اعوام، جسد فيها شعب الجزائر نموذجا للفداء اثار اعجاب العالم كله ، ومثلت هذه الثورة تاريخا جديدا من تواريخ مقاومة الشعوب ضد جلاديها. واتضح أن هذا الشعب الباسل بتضحياته وصموده قد وضع النهاية الطبيعية لواحدة من ابرز وأخطر تجارب الاستعمار الاستيطاني، ودفع فرنسا على التسليم بهزيمة مشروعها الاستعماري الذي امتد نحو مائة واثنين وثلاثين عاما، استمرت عبرها محاولات طمس الهوية القومية للجزائر، وتشويه عمقها الثقافي الاسلامي، في محاولة لتكريس و تأصيل تبعيتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.لكن ارادة الجزائريين انتصرت على الرغم من تباين موازين القوى والامكانيات والادوار ، بين فرنسا ذات التاريخ الامبراطوري الكولينيالي، وأحد أهم اركان حلف الاطلسي، وبين أحد شعوب العالم الثالث، التي سعت فرنسا الى اغراقها يالتخلف والجهل. علما ان فرنسا حينما غزت الجزائر سنة 1830 كانت نسبة الامية في فرنسا أعلى منها في الجزائر، كما يؤكد ذلك عدد من الباحثين والمؤرخين.
لقد ارادت فرنسا في اطار مشروعها الاستعماري للجزائر الحصول على حظوظها الاستعمارية التي سبقتها إليها انجلترا واسبانيا والبرتغال وهولندا.حيث كان الدافع الاقتصادي هو المحرك الرئيسي لذلك. ولقرب الجزائر من فرنسا غدت ملجأ لالوف متزايدة من الايدي العاملة الفرنسية الباحثة عن العمل، والتي اختصت بأخصب الاراضي. ولاضفاء المشروعية على العملية الاستعمارية اصطنعت مقولة "استرداد الجزائر"
لقد نجح مجاهدو الجزائر في فرض صيغة استقلاله بعد اقل من ثماني سنوات بعد الفاتح من نوفمبر 1954، بعد ان تبنى قادة الثورة الجزائرية خطوطا انضباطية لحالة الصراع والاختلاف الداخلي،في سعي محمود لتعزيز وحدة الصف الوطني الداخلي طوال سنوات الجهاد الثمان، برغم كل عمليات اغتيال وتصفية رفاق الدرب ومسلسل محاولات التآمر الداخلية والخارجية يومذاك، ولم تتفجر الصراعات الداخلية فيما بين اجنحة الثورة لتبلغ مرحلة التصفيات والغرق في التناقضات الثانوية او الولوج في مرحلة"الاحتراق الذاتي" في وقت المواجهة مع العدو الفرنسي المستعمر،وهو الدرس الاول والاستراتيجي في تجربة الثورة الجزائرية.
لقد انحازت الجزائر في صراعها ضد الاستعمار الفرنسي الى عمقها القومي متجاوزة بدلك الانغلاق القطري ومتمسكة بهويتها القومية الاسلامية والعربية ،وقد كان هذا الانفتاح والتلاحم من الاسباب التي مكنتها من تحقيق انجازات مؤثرة في صراعها ،وهو الدرس الثاني الهام الذي نتعلمه من تجربة الثورة الجزائرية .
لقد انطلقت الثورة الجزائرية في توقيت محلي ودولي مناسب،ففرنسا كانت تعاني من الحرب الضروس في الهند الصينية،وكانت تعيش مرارة تداعيات الحرب العالمية وهزيمتها من الالمان،والمغرب العربي يعيش حراكا سياسيا نشطا،وثورة عبدالناصر القومية التي الهمت العرب ورفعت معنوياتهم،فقد ساعدها دقة التوقيت وموضوعيته في تحقيق إنجازات عسكرية وسياسية، وفرضت على ديغول التوجه للمفاوضات والوصول إلى تسوية تنقذ ما يمكن إنقاذه من علاقات اقتصادية وثقافية مع الجزائر المستقلة.وهو الدرس الثالث الذي يبين ضرورة ان تتجاوز ثورة شعب وتقرير مصيره عملية الانفعال الى تبني خطوات محسوبة ومدروسة.
و في شباط/ فبراير 1955 تشكلت جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي شارك في تشكيلها ممثلو كل من: جمعية العلماء برئاسة الشيخ محمد البشير الابراهيمي، وجماعة مصالي الحاج، وحزب البيان برئاسة فرحات عباس، واللجنة المركزية المنشقة، وثلاثة من قادة جيش التحرير الناشىء في الجزائر: احمد بن بللا، ومحمد خيضر، وحسين آيت أحمد. وقد تم توقيع اللائحة الداخلية لجبهة التحرير من الجميع تأكيدا لالتزامهم بمنهج المقاومة بقيادة جيش التحرير. وبتشكيل الجبهة من أبرز الأحزاب الوطنية أمكن الحيلولة دون نجاح الدعوة الفرنسية للتهدئة من خلال الأحزاب وفي الوقت ذاته احتفظ جيش التحرير بوحدة البندقية الجزائرية،وهو الدرس الرابع التي تعلمنا اياه هذه الثورة العظيمة.
اما الدرس الخامس الذي تقدمه لنا الثورة الجزائرية ،فهو يتعلق بادارة مفاوضات سياسية لا تبدو فيها عملية السلام كوجه اخر من الهزيمة،بل امتدادا لفكرة الثبات والصلابة التي كانت بقدر ثبات المجاهدين وصلابتهم،وباعتبار ان العمل السياسي لا يعني التفريط بالثوابت وبالقواعد العامة،ولا تعني بحال تجاوز تضحيات الجزائر يتقديم تنازلات استراتيجية،فقد لجات الثورة الجزائرية للتفاوض كاحد خيارات المقاومة،وليس باعتباره خيارا استراتيجيا لا تحول عنه،وهو ما استطاعت الثورة الجزائرية في أواخر فبراير 1962 بعد جولة من المفاوضات انتهت بالاتفاق على اعتراف فرنسا باستقلال الجزائر وسيادتها الكاملة على اراضيها ووحدة ترابها .
ان قراءة الثورة الجزائرية تستوجب منا كفلسطينيين الاستفادة منها،والاخد باسباب نجاحها،والتعلم من سياق تطوراتها التاريخية في شقيها العسكري والسياسي،وتجاوز الاخفاقات التي تعيشها حركة المقاومة الفلسطينية حاليا،خاصة مع حالة الانقسام الوطني الفلسطيني،وتشتت الجهود الحزبية في صراعات جانبية استنزفت القدرة الفلسطينية والجهود الثورية مما ادى الى تجميد جبهة المواجهة مع العدو الصهيوني ومنحه راحة يعيد فيها بناء هجمات جديدة على الشعب الفلسطيني.
*******************
على درب الجزائر
نكابد ما كابدتم ونقاوم ما قاومتم ،
جئناكم ونحن ندرك أنكم الأكثر دراية بهمومنا، فقد كابدتم الاستعمار الاستيطاني ورفضتم محو تاريخ بلدكم وانتزاعها من محيطها العربي وثقافتها الممتدة في التاريخ.وقاومتم بنجاح آلته الحربية الغاشمة، قدمتم خلال المقاومة اشرف أبناء شعبكم على مطهر الشهادة، فكلما ذكر اسم الجزائر يمر في الخاطر طيف جدنا المعري ينشد:
خفف الوطء ما أرى أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
سر إن استطعت في الهواء رويدا لا اختيالا على رفات العباد
قاومت الجزائر محاولات محو تاريخها، ويقاوم الشعب الفلسطيني أيضا محو تاريخه.ومحاولة محو التاريخ العربي في فلسطين تكمن خلف كل المجازر و أعمال الهدم و التهجير و التخريب التي تضعها إسرائيل على جدول أعمالها.
ولم تواجه الجزائر قوة استعمارية واحدة ، بل تكتل قوى استعمارية ، وتواجه فلسطين تكتلا من الدول يسترشد بالمسيحية الأصولية الساعية ل " تصوير الكتاب المقدس " فاثبت باطن الأرض الفلسطينية انه خال من أي معلم لتوراتية فلسطين .فشلت أبحاث التنقيب في العثور على ما يسند مزاعم التلمود ، كاثلين كاينون ، كيث وايتلام ، صاحب كتاب "اختلاق إسرائيل القديمة وإسكات التاريخ الفلسطيني " سنة 1996، ثم بروفيسور حضارة الشرق القديم بجامعة تل أبيب ، زئيف هيرتسوغ ، أكدوا مع آخرين أن كل شيء مختلق ، ولم يتم العثور على شيء يتفق و الرواية التوراتية .هذا بعد أن انفرد علم الآثار الإسرائيلي – الأمريكية بتزييف المكتشفات الأثرية طوال قرن من الزمان و "تصوير الكتاب المقدس " ومزاعمه التي رددت قبل قرنين من تشكيل الحركة الصهيونية.فالصهيونية ،سياسة وفكرا حاجة ضرورية للهيمنة الامبريالية على منطقة الشرق الأوسط ، ورغم النتائج المخيبة لآمال الاستيطان الاستعماري تعوض إسرائيل فراغ المقدس بعمل الجرافات والصواريخ والقنابل الفسفورية .
من يشك أن الاستيطان الصهيوني في فلسطين ليس من طينة الاستيطان الفرنسي في الجزائر ؟ ومن يظن أن الصهيونية قصرت كيدها على فلسطين ؟ الم يغتل الموساد الإسرائيلي المناضل الجزائري محمد بودية ، ومن ينسى هبة الثوريين الجزائريين انتصاراً لجمال عبد الناصر عندما خاطب رئيس حكومة فرنسا "أتركك لشعب الجزائر يؤدبك" فوجهوا ضربات موجعة لجيش الاحتلال ، كسرت غطرسة فرنسا الاستعمارية ؟ في أوج عربدة الفاشيين من ضبط الجيش الفرنسي كان تعفن جثث الأبرياء الملقاة في الشوارع رمزاً لتعفن الرأسمالية الامبريالية ، كما قال كاتب جزائري آنذاك واليوم ترمز ممارسات إسرائيل للتوحش يغشى الكون بأجمعه .
ولكننا نذكر بالامتنان الكبير أولئك الذين وقفوا بجانبنا من جميع الأعراق و الأديان يناهضون الوحشية الإسرائيلية في عدوانها على غزة تكرار لما فعلته في لبنان، نحن نحيي جميع الأشقاء العرب ومنظمات حقوق الإنسان والقوى الشريفة التي وقفت مع و خلف تقرير غولدستون وأيدت قرار محاكمة المسئولين الإسرائيليين ممن خططوا للمجزرة الشرسة، لقد عرفنا من التدافع حول تقرير غولستون إننا لسنا وحيدين في كفاحنا .
فيا أشقائنا الجزائريين نحن نمضى على خطاكم ونسترشد بمآثركم يوم نجحتم في الحفاظ على وحدة قواكم فكسرتم بضرباتكم ظهر الاستعمار الاستيطاني وحررتم دياركم مدعومين من قوى الحرية والتقدم في العالم.وكما انتصر نضالكم سوف ننتصر .إن ثقافة التحرر ينبغي أن تبرز نزعتها القومية الديمقراطية ، وأن تنفتح على الثقافة العربية الوطنية في أمصارها كافة ، فتحية من القدس إلى شقيقتها الجزائر التي كانت ولازالت خير نصير وداعم للقدس وقضيتنا فذاكرتنا حية بكم و بنضالكم و انتم من احتضن إعلان استقلالنا الوطني على أرض المليون ونصف مليون شهيد فطوبى لكم و طوبى لنا بكم أيها الأشقاء الأعزاء.
واليوم بات على الثقافة الفلسطينية أن تنهض بعبء الحفاظ على عروبة فلسطين وتعزيز روابط التضامن العربية و العالمية، إن ثقافة المقاومة الفلسطينية مناهضة للتوحش والفاشية العنصرية.وخلال التصدي لمشروع المحو الوحشي كان لابد لفلسطين أن تتبلور فكرتها من أشواق النضال من اجل الحقيقة و العدالة و مناهضة العنصرية، وكان لابد لثقافة
مقاومة العنصرية المتوحشة أن تكتسب مضامين إنسانية ديمقراطية تحريرية ومنفتحة على الحضارة حوله، روابط التضامن العربي و الدولي وكما أكد شاعرنا محمود درويش ، بات على الفلسطينيين أن يلتزموا بالتفوق الأخلاقي على خصومهم ، دين على الثقافة الفلسطينية أن لا تخوض في وحل العنصرية ، وان تحض على تقليد أساليب التوحش الإسرائيلي .ففي تجنب العنصرية و الفاشية يكمن خلاص الشعب الفلسطيني و اختراقه لحائط الكراهية المشيد حوله، واستعصاؤه على الاندثار.
نحتفي وإياكم بالقدس عاصمة أبدية للثقافة العربية و على مر السنين كما أسميتموها في الجزائر، هذه المدينة مدينة السلام، عاصمة الأرض والسماء و الأنبياء ومدينة الله في الأرض.هي لنا ولكم وهي عاصمة الدولة الفلسطينية .
رافعة جراحنا وآلامنا وأمل حياتنا التي نحب وكما قال درويش عن القدس.
نحب الحياة ماأستطعنا إليها سبيلا
وفي بلادنا لنا ما نزرع ولنا ما نعمل ونحصد
وعلي هذه الأرض ما يستحق الحياة
*************************
كرمة في شارع الشهداء
د. جواد عون الله
من يقطع الطريق إلى حيث تقع إدارة وهيئة تحرير صحيفة الشعب لابد أن يمر من شارع الشهداء بالجزائر العالية، أين تقع أهم مؤسسات الإعلام الوطني الجزائري الرئيسية من إذاعات محلية ووطنية وقنوات تلفزيونية أرضية وفضائية. ومن يمر من شارع الشهداء لا بد أن يستذكر واحدة من أهم معارك استكمال السيادة الوطنية لتحرير واسترجاع منشئات وقطاع الإذاعة والتلفزة الجزائرية بعد أن تركها المستعمرون وهربوا من غير رجعة غداة استقلال الجزائر، تبعتها معركة سيادة الحرف العربي وعودته إلى صدر صفحات الإعلام الصحفي الوطني بلغته الوطنية، ممثلا بصدور صحيفة الشعب الغراء.
ظلت الشعب وفية لعنوانها، ولدماء شهداء الجزائر والأمة العربية، ملتزمة بعنوانها وبخطها الافتتاحي كقلعة من قلاع جزائر التحرر والثورة والبناء، صحيفة الشعب صوت ورباط وقلعة للصمود الوطني والقومي والإنساني تصدرت كل المراحل مجاهدة ضد كل أشكال الظلم والاستبداد والقهر الاستعماري. لا يمكن أيفاء صحيفة الشعب الجزائرية حقها من خلال عمود أو مقالة فهي بذاتها عنوان المقالات كلها، وتاج الأعمدة الصحفية، عميدة الصحف، وهي الطود الأشم لعلاء الكلمة الحرة المجاهدة في هذه الربوع الطاهرة.
وفي الشعب، ومنذ أن أعلنت الجزائر بصوتها النضالي المعهود: أن القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية كانت الشعب وإدارتها وطاقم تحريرها سباقة ورائدة بأن غرست في تربتها وفي طيات قلبها النابض ملحقها الأسبوعي ( الشعب المقدسي) بالتعاون مع اللجنة الإعلامية للقدس بالجزائر. نشأ هذا البرعم في روضة الشعب وصار رسالة وعنوانا تنتظره القدس وحواضر فلسطين وقراها كمواعيد الربيع وعودة الأبناء وترحاب الأعياد وبشائر النصر واستذكار أنفاس شهداء الوطن التي تزكي بها رياض المعرفة والثقافة والصمود المقدسي.
الشعب المقدسي فسيلة نشأت في كنف شجرة الشعب الجزائرية، صارت عنوانا يمتد فخور الخطى في شارع الشهداء وأعالي البهجة، هو كرمة من القدس، عالية العرائش بفخر الجزائر وشموخ الشعب وسمت الثورة والانتصار.
*******************
لحمام القدس برج في أعالي القبة
إلى معالي صاحبة البرج
وزيرة الثقافة الأستاذة خليدة تومي
اللجنة الإعلامية للقدس في الجزائر
بمناسبة العيد الوطني واستعادة الاستقلال, لا نريد أن نتحدث معك إلا ببساطة الضاد العربية، وبعمق معانيها ناطقةً ومزغردة، علّها تمنح مجد الكلمات أغانيَ ودبكاتٍ وكثيراً من موسيقى من قصيد فلسطين في احتفالية استثنائية له هذا الأسبوع, كلماتٍ تشي بأنّ الوقتَ قد حان لنقولَ لكِ إنّ موعدَ الجزائر الكبير في الخامس من جويليه يقترب, وما بين اللد ويافا ورام الله وغزة والقدس يتوالى سربُ حمامنا حاملاً أغصانَ زيتونٍ وزعتر وحنّاءٍ وأمان عابراً شواطئَ المتوسّطِ المتراميةَ نحو برج القبة الشامخ.
لا تعجبي سيدتي كيف وصولُه فهو كلّما ضاقت به الدروبُ اهتدى حمامُ القدس إليكِ, فبعيون القدس يبصر سيدةً هنا وقفت على برج القبة الأبيض السامي تُطرّزُ برياحين الجزائر وحِنّائها خيوطاً عُشّاً لحمام فلسطين, سيدةً ترنو بعين زرقاء اليمامة, عَلَّ الحمامَ يأتي بريح الأهل والأجداد, ولا يخطئُ عَدَّ المدارات ليَحُطَّ عند أقواس عمارةٍ أندلسية وعباسية أو ملامح أوراسيّة, ياسيدة البرج المثقل بالحب لفلسطين, بيديك كان توقيع أبدية القدس, تواقة لعودة زهر الآس من جبل الأوراس.
حمام فلسطين يتبع خيط هواه ليحط في احتفالية أبدية للقدس تجتاز المكاتب والأروقة إلى منازل القلوب ليجد في بيت الجزائر الكبير وزيرة ترتهن المكتب, تتطلع من شرفتها غرباً فترى غرناطة, أو شرقاً نحو القدس, ترقب فيها كيف اشتعلت يوما عكا فانكفأ الروم, واشتدت رايات صلاح الدين بأزر الأوراسيين, وصدحت في جنح الليل حناجر جزائرية في حطين, موطني هذا الكتاب العهد, وهذا المخطوط النجم, وهذا الصوفي سامَرَ البراق, وأسرى في الليل حماماً حتى برج القبة, رشفة شاي أخضر، وليالٍ سامرة لا تريد أن تقول للقدس وداعاً ولا أن تسدل الستار عن باب المغاربة, حيث ينسلُّ عرقٌ من الوريد وينساب كالصلاة, بقية الأهل هناك, ندىً يرطب الشفاه, ويعزفون عائدون
قسماً بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات
والبنود اللامعات الخافقات في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات
وهنا سيدة البرج تمسح بيديها وعثاء السفر, ينسى الفلسطيني غربته في رواقك الكبير, في القبة, حيث نصبت خيمة جلفاوية وأمامها ناقة طوارقية ووضعت تمرَ بسكرة وعيوناً نائلية ترنو لهذا القادم على محمل القدس إليك, ياسيدة المقام العالي في القبة يا من تركت أصوات البارود وفرسان الأمير وأولاد سيدي الشيخ وورد الصحراء على أعتاب بابك المنتظر دوما لفرسان ورياحين فلسطين, وما بين جرجرة ومرجاجو وعنابة وقسنطينة تمنحين غيم المتوسط مزنة الثقافات وشقائق النرجس وتستقبلين الرّيَّاسَ العائدين من بغداد والقدس بالمَنّ والسلوى.
وحدها السفن وأسراب الحمام تعرف لهفة الوصول إلى الجزائر, وأول الشواهق في أفق المسافات البعيدة تطل ذروة القبة وعلم إلى يمين نصب الشهداء وعيون الحارس لثغر الخامس من جويليه لا تريد أن تغمض بعد اليوم.
حمام القدس يلوذ الليلة ببرج القبة يفتح للوزيرة الأميرة أسراره ويمنحها نسخة من دار كانت لآبائها في منديل قبائلي مطرز بيد الجدة التي ارتضت أن تكون زهرة أبدية تُزين باب المقدس, وحمام فلسطين لا يطرق أبواب الأبراج في ذرى البهجة طالما أن هناك سيدة منحته كل الأختام ووضعت توقيعها له على بياض, معذرة سيدة البرج العالي أن نعيد ما قاله شاعر بحضرة الجزائر يوما ما, لكِ, أو لامرأة أخرى سارت على خطاك:
قد تجيئين عبر عيون البنادق
أو عبر صمت الخلايا
يا امرأة في ثياب المحارب
فالليل يفرش غصنين
أُكور من يديك حمامتين وأطلق الدنيا
وراءهما
تعال
تعال
يا زمن الخنادق
نحن نرجف في العراء
تعال
يا زمن البنادق
نحن نبكي طلقة لو صدئت
نريد نحاسها يخضر تحت جلودنا
ورصاصها يسودُّ بين عروقنا و الأرض
ينبت في مضاجعنا لتنبو
يستفز مواطئ العشاق
مثل الجمر يزهر في مزارعنا
سياجا للحدود
إن التأمل في دواوين الشعر وآثار أكف الأمهات على الخبز, وترويقة عند حدود الحقل فجرا وارتياد مقهى تصنع حلمنا في زمن صار الحلم أسطورة وقصة ورواية وأزهارا من شاي الشيح والنعناع, وخليدة تدشن الحلم وتفتح للقدس بابا في الكيفان وبابا عند حيدرة وأبوابا في سكون الصبح نتأمل منها باب العودة ومنها ومعها ندخل كل أبواب القدس , في الخامس من جويليه, شكرا لمن تأتي معنا كزهر القرنفل ولا تسألنا عن موعد للرحيل, شكرا لسيدة الكرم الأبيض, وقد بلغنا أن الحب لفلسطين ليس له أجندة في أوراقها, شكرا لكل الساحات التي صارت ركحا لنا ومتنا لنصوصنا وبرنوسا لقشعريرة بردنا وشكرا لك صاحبة المقام العالي في ذروة القبة مهماز العصور إلى الثقافة الباهية,
إن الوقت قد حان
ليعلن الزمان
أنَّ الخامس من جويلية قادمٌ إلى القدس.
اللجنة الإعلامية للقدس في الجزائر
[email protected]
***************
من ربى الأوراس تطل قدسنا
د. جواد عون الله
اللجنة الإعلامية للقدس في الجزائر
كلما ارتفعت راية تحرير كان في زندها يد من بلد المليون ونصف المليون شهيد. والحرية هي نداء من شجرة زيتون باركتها السماء وأعطت الإنسانية منار الوجود. كأن امتداد الراية الخضراء مرجٌ يمتد نحو قدسها الأزلية بوشاح النور السرمدية. كل خطو لمجاهد يورث الأرض صبرها وهي تتطلع للفداء والجولة التالية من الثورات. هي الهمم ذاتها استلهمت من مدرسة القسام وثورة الجليل وانتفاضات الأرض الموعودة بمواريث الثورة لتصل كل انتفاضة، بصلة الرحم، أختها على أديم الأرض الواحدة، وتتوالى خطى الانتصار واحدة إثر أخرى، حتى وإن لم تجمعهما لحظة الميلاد وتوأمة الانتصار المتزامن.
هذه الولادات العسيرة ظلت عصية على الفهم في زمن المظالم الاستيطانية لكن طلقها المتتالي ترجمته ارتدادات دوران الأرض بغير هدي الأكوان المعهود ولغير متتاليات الليالي والأيام، هو دهر يعيد الكرة لزمن يتجدد بميلاد الثورة، يضع نواميس العدل على موازينها ولا يعترف برجس الاحتلال ومواقع الأقدام الهمجية التي حاولت استفراد شقائق الأرض العربية في المشرق والمغرب العربي.
لكن طلب الحرية ظل واحدا رغم أن الرايات تنوعت رغم أنها جميعا توشحت بصداق الأرض ومُهرها مشرقا ومغربا، ظلت تُؤَذن بوجوب الحج بالخضاب والحنة بيوم التحرير للقدس دون غيرها، أكدتها مسيرة قوافل الحجيج الثوري أنها لم تتوقف غداة استقلال الجزائر لتقول لفلسطين الحبيبة الشقيقة وداعا لك في بلاط السلطات.
الجزائر كلها عيون تطلعت إلى مشرق البحر المتوسط، تتوسم في بوابات عكا خلود هزائم الفرنجة والصليبيين وجيوش نابليون الخائب في آخر الحملات. رباط الجزائر ظل شامخاً حين رفض استقبال سفن رياس البحر بشرط إتمام الفرحة، حيث القدس ومحراب أبي الغيث بومدين عند بوابة المغاربة وحارات القدس العتيقة.
وعندما كبر الأوراس تكبيرته الأولى رددت القدس الشهادتين صداها نداءها : حي على الكفاح، ولها تنادت صواري العشق الثوري نحو مشرق عربي فيه مقدسنا وهي مغربنا وهنا مغربنا سيبقى أبدا مقدسنا.
ثمة هلال ونجمة يعرفان أن القبلة الأولى للثوار تبقى فلسطينية العنوان، جزائرية النشيد والقسم. هناك تعرف البنادق عشق الملاحم، وتعرف كيف تزغرد لكل صباح فلسطيني يفتدي حجر الأرض مهجة المنتهى، ويعيد ملحمة تحرير الجزائر في ربوع تستباح هناك .
من قال إن خنادق المجاهدين الجزائريين لملمتْ أكداس رصاصها وعادت كتائب العربي بن مهيدي وبن بولعيد والحواس وبوقرة والهواري لتحتفل بفرح انتظرناه طوال 132 بمهر سخي الدم من شريان المليون ونصف المليون من المهج الطاهرة التي قالت يا أيتها الأرض الطيبة هناك عمر من الصبر النبيل سيمتد طالما ظلت فلسطين محتلة.
مائة وإثنان وثلاثون عاماً، وما بعدها، امتدادا للقرن الواحد والعشرين، ستمتد جذوة ثورة الأوراس مشعلاً تطوي ظلمة المسافات والأزمان منيرة جبل المُكبر وترى في الأهلة الأوراسية بشائر نصر قادمة سترتفع فوق هامة المقدس .
وما بين استقلال الجزائر واستقلال الإرادة الفلسطينية ولدت فتح العاصفة، رعد يحمل راية الاستمرار للالتحاق بخطى كانت الأوراس قد وشمت الأرض بمداد الفخر، وحطت على معالم الطريق حجر الوجود العربي باركينَ بوجه الغزاة.
ليست البلاغة هي التي قالت بلسان عربي مقدسي : إننا مع الجزائر حرة عربية فجر يوم نوفمبري ظل خالداً، وهي وكأنها تقول اليوم أيضاً: إننا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة في صباح الأول من جانفي ، لا مكان للمراوحة ما بين الدم والحياة، وما بين استقلال مستحق هنا في الجزائر، وآخر سيكون أكثر استحقاقا عند بيت المقدس.
هي الثورة خطى ومسار ونقطة رصد لا تخطئ قبلتها، طالما كان المرصد أوراسيا، وعيون النسر شاخصة، ترى في القدس عاصمة أبدية للثورات وحجيجها من العرب الثائرين.
*************************
هل يتّعظُ المستعمِرون ؟
أ.د. عبد الكاظم العبودي
اللجنة الإعلامية للقدس في الجزائر
منذ اللحظات الأولى للاحتلال الفرنسي 1830 تتابعت الثورات المسلحة في الجزائر. ولكنها، ونظرا لضعف الاتصال والتنسيق بين قادتها، وترامي أطراف البلاد الجزائرية، وكان ينقصها التخطيط الدقيق ووحدة القيادات، وتعوزها الشمولية فقد توقفت أو فشلت.ورغم بطولات وضخامة تضحيات معاركها فقد ظلت عبارة عن انتفاضات جهوية تفجرها وتقودها شخصيات ذات وزن اجتماعي وديني محترمة أو تتصدرها قبائل متوزعة ومندفعة تحت تأثير الروح الوطنية والانتماء العربي والإسلامي. ومن الطبيعي أنها كانت منعزلة عن عوالمها العربية والإسلامية، المنقسمة حينها أيضا؛ في حين كان العدو متحالفا مع أوربا الاستعمارية ويمتلك القوات الاستعمارية المدربة والمجندة والمسلحة بأحدث الأسلحة لذلك العصر. من هنا كان خلل المعادلة لصالح الاستعمار.
تعتبر الفترة بين (1914-1918 )ما بعد الحرب العالمية الأولى فترة تجليات الوعي المشترك لأقطار الوطن العربي بمشرقه ومغربه بعد انكشاف اتفاقيات سايكس بيكو السرية بين فرنسا وبريطانيا. تجلت في الجزائر بظهور حركة الأمير خالد، تلته عدد واسع من ظهور تنظيمات الحركة الوطنية، كحزب الشعب الجزائري خليفة نجم الشمال الإفريقي، ثم جمعية العلماء المسلمين، وغيرها حتى تكلل النصر على يد وجيش وجبهة التحرير الوطني وقيام ثورة نوفمبر 1954 المباركة. وهي الفترة التي يطلق عليها المؤرخون " عهد الكفاح السياسي" المركز والمنظم الهادف إلى تهيئة الظروف الأنسب للثورة والتحرير. وهي فترة أغدقت الجهات الاستعمارية بوعودها الكاذبة باعتماد حق تقرير المصير للشعوب التي كانت تحت السيطرة العثمانية؛ لكن تلك الوعود انقلبت عليها وصارت واقعا استعماريا مريرا قابلته الشعوب بمطالب الحرية والاستقلال بالثورة المسلحة. ومنها كفاح شعبي فلسطين والجزائر.
وفي الجزائر، بعد أن حاولت السياسات الاندماجية والتجنيس وفرنسة البلاد وصدور القوانين الزجرية بحق أبناء البلاد من الأهالي و تنفيذ قوانين التجنيد في الجيش الفرنسي وعدم الاستماع لمطالب الأهالي اشتد التضييق على أحرار البلاد ونخبها التواقة إلى الحرية. كان المشرق العربي يتطلع إلى القضية الجزائرية ويتابعها ويُعرف بها وينشر أخبارها. حملت الصحافة الاستعمارية الكثير من الأخبار حول التفاعل بين المشرق العربي والحالة الجزائرية منها ما نشر حول اعتقال السلطات الفرنسية في الجزائر وفودا عربية وإسلامية زارت الجزائر، واتهمتها ببث الدعاية "للقومية الإسلامية" ضد فرنسا وحاولت تقليص حركة الحج إلى بيت المقدس وحتى منع الحجيج التوجه إلى البقاع المقدسة في أحوال كثيرة.
تقول الكاتبة الأمريكية جوان غليسيبي Joan Gillespie في كتابها " الجزائر الثائرة" ، الذي وصفه المعرب خيري حماد: (بأنه يعرض القضية الجزائرية عرضا تاريخيا وعلميا صادقا ويبين أسباب ثورة نوفمبر 1954 ودوافع نضالها). تقول الكاتبة غليسيبي في فصل لها تحت عنوان[ طلائع الحركة القومية] : (... يعتبر الشعور القومي في الجزائر مزيدا من نوعه بين المشاعر القومية في العالم المعاصر، حتى بالنسبة لتلك المشاعر الموجودة في البلاد المجاورة للجزائر، والواقعة في الشرق الأوسط وأفريقيا). وتشير غليسيبي كثيرا إلى فشل وسائل القمع الفرنسية، ومحاولات إشراك بعض الجزائريين في مجالس صورية منتخبة تكون فيها الغلبة للمستوطنين في الإدارة والتمثيل أمام السلطات. يضاف إلى ذلك محاولات السلطات الاستيطانية إرهاق المسلمين الجزائريين بشتى الوسائل القمعية، من إلقاء القبض الجماعي، ومنع المسلمين من الحج ، كما كان ذلك في عام ممارسات كانت في 1908 امتدادا لقانون الأهالي الذي كان سيفا قمعيا فوق رؤوس الجزائريين منذ تشريعه في 1856.
وباشتداد حملات القمع ، لم تتمكن الهجرة الكبيرة لسكان المدن الجزائريين إلى الأرياف والمدن البعيدة أن تحميهم من المظالم الاستعمارية وملاحقتها، لذا تعددت الهجرات على نطاق واسع إلى المشرق العربي طيلة القرن التاسع عشر، وخاصة بعد الاضطرابات الاقتصادية التي أدت إلى استنزاف أوضاع الأسر من الطبقات الوسطى لثرواتها ومصادر رزقها . وبعد وقوع مجاعة 1867 وما سببته من موت لآلاف الضحايا.
رغم المقاومة المستميتة للنخب الدينية والاجتماعية الجزائرية في المواجهة وتجنب دمار المستعمر والحفاظ على هوية البلاد؛ إلا أن ظروف بعضها كان فوق الاحتمال، فلم تجد بدا إلا الهجرة والاحتماء بملاذ آمن إلى المشرق العربي. كانت الشام والقدس قبلتها. ولما كانت المقاومات المتعددة للشعب الجزائري تستذكر بطولة وخط الأمير عبد القادر، وما تبعه من ثورات وانتفاضات للمقراني وابن الحداد وأولاد سيدي الشيخ وغيرهم في الكفاح المسلح فقد ظلت الأنظار ترنو إلى المشرق العربي؛ أين حل الأمير بدمشق بعد نفيه ومعه العديد من أصحابه وبقية أسرته ومن تبعهم من المجاهدين. منهم من ارتحل من الشام إلى القدس وحلوا فيها والتحقوا بمن سبقهم من الجزائريين والمغاربة منذ عهد صلاح الدين الأيوبي أين كونوا حارة المغاربة وبوابتها المشهورة عند حائط البراق.
ازدادت وتيرة الهجرة إثر اتخاذ البرلمان الفرنسي يوم الثالث عشر من فيفري1912 قرارا بإجبار الجزائريين على الدخول إلى الخدمة العسكرية الإجبارية بصفتهم رعايا فرنسيين. وحتى في هذا القرار الاستعماري الجائر المهين، فُرض على الجزائري الخدمة العسكرية لثلاث سنوات مقابل خدمة الفرنسي بسنتين. عندها تفجرت المشاعر وتعلق الجزائريون بقناعة أكثر بجدوى المقاومة والكفاح. رغم محاولة السلطات الفرنسية الأخذ بمبدأ التعويض المالي الذي يدفعه المجند مقابل عدم خدمته في الجيش الفرنسي. فقد رفض الجزائريون مبدأ التجنيد الإجباري أو التطوع في جيش أجنبي أصلا، لما فيه من احتقار وإذلال لهم ولكرامته الوطنية، ولاعتبارات دينية وأخلاقية حرمت ذلك، ولعدم الاطمئنان لما يقال عن مساواة مواطنتهم الفرنسية، إضافة إلى أن العوائل الجزائرية وصلت إلى حالة من الفقر يمنعها من حماية أبنائها من تعسف التجنيد الذي دفعت الجزائر بسببه من أرواح أبنائها على جبهات الحرب العلمية الأولى وكلفها ثمنا باهظا.
يشير الدكتور صلاح العقاد إلى الهجرة التي تبعت هذا القرار : (... وكان لهذا القرار صدى عنيف بين الجزائريين إلى حد أن هاجر على إثره جماعات متلاحقة من وهران إلى الشام). وهذه الهجرة كما أسلفت سبقتها هجرات لم تنقطع على امتداد تاريخ الاحتلال الفرنسي، وبخاصة بعد قمع كل ثورة وانتفاضة شهدتها الجزائر وما يعقبها من تقتيل وتشريد واحجز الأراضي ومصادرة الممتلكات والتعرض لكل أشكال القمع والانتقام الديني والعنصري. ويؤكد جميع المؤرخين أن الهجرة بعد قرار التجنيد الإجباري، مضافة إلى محاولة التجنيس والسيطرة على تسيير وإدارة الأوقاف الدينية والتضييق على التعليم العربي أخذت الهجرة طابعا جماعيا وجديدا فمن حالة فردية أو عائلية محدودة إلى رحيل قبائل برمتها ونزوح جماعي شمل مئات العائلات تاركة أملاكها وضياعها وكل عزيز لديها، (هروبا من أرض الكفر) وفرارا من الحكم الاستعماري الظلوم. كتب عن تلك الهجرة الجماعية مارشاند في "مجلة الشؤون الدبلوماسية والاستعمارية" بما يلي: [وعندما أصبح واضحا أن قانون التجنيد الإجباري كان سيصدر لا محالة، باع هؤلاء أملاكهم وأخذوا نسائهم وأطفالهم ثم غادروا وطنهم]. وحديث مارشاند عن بيع للأملاك ربما انه لم يتصور أن الأملاك العقارية أو الأراضي لم تجد من يشتريها وليس هناك من سبيل إلى بيعها، مما جعلها تصبح مستلبة من قبل السلطات الاستعمارية ويستولي عليها المستوطنون. وليس التجنيد وحده سبب في اختيار المنفى على الوطن بل هناك من الأسباب الأخرى منها رفض الاستيطان الاستعماري ورفض الفرنسة والحياة الغربية التي أراد فرضها المعمرون وسلطات الإدارة الاستعمارية الفرنسية. في تلك السنة خرجت 800 عائلة من تلمسان وحدها ورحلت إلى الشام وفلسطين. وحتى من سكان القبائل الذين انقطعت عنهم أرزاقهم خرج منهم سنة 1912 وحدها قرابة 5000 فردا وتزايدت الهجرة بشكل متصاعد خلال سنوات الحرب وحتى سنة 1924. ومن أصعب الهجرات التي تعرض لها الجزائريون من اجل إعالة عوائلهم هي الهجرة إلى بلاد مستعمرهم حيث استغلوا في الأعمال الشاقة وقلة الأجور وترك الأهل في الوطن وبذلك تكونت نواة النزوح الجزائري إلى فرنسا وتفاقمت إعداد المغتربين من الرجال إلى أن بلغت مئات الألوف فتضاءلت أمامها الهجرة نحو المشرق العربي بسبب غلق الحدود.
أكثر المهاجرين قصدوا سوريا ومنهم من اتجه إلى القدس ومدن فلسطين والقلة منهم قصدوا الحجاز. إضافة إلى تونس والمغرب الأقصى. يقدر بعض المؤرخين أن عدد المهاجرين في تلك الموجة وحدها وصل قرابة عشرين ألف.
لقد سبب وجود جاليات جزائرية في المشرق العربي إزعاجا للسياسات الاستعمارية الفرنسية مما لمسته من نشاط سياسي واجتماعي جزائري متميز هناك، وبما أثرت به تفاعلات حركة النهضة العربية وطموحها في التحرير لبلدان الوطن العربي. لقد حمل الجزائريون وأبنائهم تجربة الثورات والانتفاضات الوطنية وتعلموا منها دروسا هامة وخاصة أسباب توقفها أو هزيمتها أمام جبروت الاستعمار وخاصة نهاية ثورة المقراني 1871 التي كان توقفها ضربة قاضية على الآمال للتحرير وطرد الاستعمار. وقد كانوا في طليعة ثوار القسام 1936 وقدموا على مذبح حرية فلسطين الى اليوم الكثير من الشهداء.
إن حروب المقاومة الجزائرية وكما يكتب عنها الكثير من المؤرخين المنصفين كلفت الشعب الجزائري نصف سكانه. وبعد انتكاسة ثورة المقراني 1871 بلغت القسوة الفرنسية إلى مصادرة 5 ملايين هكتار من خيرة الأراضي الزراعية التي كانت ملكا للثوار وعوائلهم وأهلهم. كما تم تأميم مليونين ونصف هكتار أخرى، وزيادة على فرض دفع مبلغ 100 فرنك عن كل بندقية كضريبة حرب. وأصدرت السلطات قانونا بالمسؤولية المشتركة الجماعية على كل خسارة تحدث في ممتلكات المحتلين المغصوبة.
وبطبيعة الحال فكل نزوح من الجزائر إلى الخارج كان يحل محله توافد المستوطنين الغزاة الذين أطلق عليهم المعمرين وهم المخربون الحقيقيون لأرض وثروات الجزائر. هي صورة مطابقة لما جرى في فلسطين. فما بين (1871-1881) تم توزيع ملايين الهكتارات من الأراضي العربية المصادرة. وبنيت للوافدين الجدد مئات القرى الفلاحية ومنحت لهم القروض السخية. وما كتبه المجاهد الراحل توفيق المدني من وصف الاستبداد وسياسات الإلحاق والضم للأراضي والسيطرة على ثروات البلاد ما بين 1870 إلى 1914 كان تدميرا شاملا لحياة الجزائريين دفعهم إلى خيارات الهجرة البديلة، أو الرضوخ تحت نير الاستعباد الاستيطاني. ولكنهم اختاروا خيار الثورة. في حين اندمج المستوطنون واليهود في الجزائر فيما بينهم وتجنسوا وبشروا بدياناتهم على حساب الأهالي من السكان وحقوقهم. وفي نهاية المطاف كان البحر طريقهم من حيث أتوا.
*****************************
وثيقة الروح
استقلال الجزائر
علي شكشك
اللجنة الإعلامية للقدس في الجزائر
الحضارات أوانٍ مستطرقة, لا يكفي أن تتسم بالقدرة على البطش والإفساد, هذا إن لم يكن هذا عينُه دليلَ همجيتها, وشفيعَ نزعِ السمة الحضارية عنها, فهكذا كان المغول والتتار رغم ما فعلوا من بطش وحرق وتدمير, فقد انتهوا وذابوا وتبخّروا مع الأثير, "فهل تُحسُّ منهم مِن أحدٍ أو تسمعُ لهم رِكزا", فكان لابد من فصلٍ أخير تستعيدُ فيها الأمورُ سياقَها بفطرة الأشياء المجبولة على الحرية, ورفضِ الظلم والاستغلال والعبوديّة, وهو دأبُ الذّرّات والكائنات الحيّة, وهي نفسُ الحرّيّة الكامنة في المجرّات, وهي نبضُ القلب وفسحةُ الروح وشرطُ الحياة.
ولِذا فإنَّ المساسَ بها يعني بداهةً انتفاءَ شرط الوجود الأوّل, وهل يُمكن أسرُ البحرِ والسماء, فكيف إذن بما طواهما وَوَسِعَهُما, وسعى لِلـ ما وراء, أقصدُ روحَ الإنسان, فكيف إذا كانت هذه الروحُ ذاتَ سماتٍ حضارية متميزة ومستعلية ومتفوقة على الغازي المستعمِر, وذاتَ شأنٍ وتاريخٍ وثقافةٍ مستنيرة أبيّةٍ, ومستعصيةٍ على الدّنِيّة,
لكنّ الغريبَ أنْ يكونَ هناك مَنْ يُفكّرُ ويحلم ويخطّط ويَسعى للنهب والسرقة والظلم واستعباد الشعوب ونهب خيراتها وحرمان أهلها من أملاكهم وتوزيعها على أفراد العصابات الوافدة من ما وراء البحار, أيُّ نفوسٍ هي تلك النفوس, وكيف يُمكنُ أنْ يقرَّ لها قرار, وهنا, في هذه الديار, يتماهى الإنسان بِحُرّيّةِ الصحراء, ولا يحدُّه البحرُ, وهو الذي ركبه, وجعلَه لُعبتَهُ, والجبلُ أحدُ تضاريس روحه, مداهُ لا نهايةٌ, وأفقُه الفضاء, وبيتُه العتيقُ حدُّ شوقِه, وقدسُه معراجُه إلى السماء, فما تقولُ فيمن افترى وجاء؟, غيرَ الظلامية والجهل والغباء,
لكنّه قد جاء, ومنذ يومه الأول ابتدأ الفساد ولإفساد, بجرعة زائدةٍ لعلها تحسمُ الأمور وتصلُ الرسالةُ وتنكسرُ الأرواح وتستسلمُ النفوس ويطيبُ له ولها المقام, لكنّ هذا اليومَ الأول طال واستطال لأكثر من خمسين عاماً في إشارةٍ ذات دلالة إعجازية, بل لم تهدأْ لحظةً واحدةً مظاهرُ الرفض والإباء, وعمد الشعب إلى تخزين ومراكمة وتطوير وإبداع أدواتٍ تعجزُ بصيرةُ العميان عن إدراكها, وقد حجبَتْها عنهم قراءتُهم الآثمة لمعنى الحياة, وعمدوا ـ وقد ظنّوا أنْ قد استقرَّ الحال ـ إلى الإيغال في الضلال, بإلحاق الجزائر حديقةً لخدمةِ السّيّدِ المُختال, وإلغاءِ هويتها وذاتِها وكرامتها وشخصيتها وملامحِها الحضارية, جاهلين بعمى البصر والتقدير والبصيرة أنّه بكثيرٍ قبل العصور الغربيّةِ والتنوير, كان هنا امرأةٌ متنورةٌ بحجم زنوبيا وكليوباترة وذكاء وفطنة وحكمةً بلقيس, تقودُ الجيوش, وتسوسُ النفوس, ديهيا الجميلة, الكاهنة الجزائرية الأمازيرية, والتي تواصلَتْ في مسامات التاريخ إلى أنْ رأَوْها بأمِّ أعينهم مجسَّدةً في لالّة فاطمة نسومر التي وُلدَتْ في نفس العام الذي وطئوا فيه شاطئ سيدي فرج, الطاهر الشريف, وهي أختُ العالم سي الطاهر, وهي ربيبة العائلة المتعلمة, وهي العالمة المتفقهة وبنتُ الزاوية الرحمانية, وبنتُ سيدي محمد بن عيسى مقدم زاوية الطريقة الرحمانية, وأمُّها لالة خديجة التي منحَتْ اسمَها للجبال في جرجرة, فلعلهم لا يدَّعون أنهم جاؤوا إلى هنا في مهمَّةٍ حضاريّةٍ تعليمية, وقد علَّمَتْهم لالة فاطمة دروسَ البطولة والحنكة والفروسيّة والدراية في إدارة المعارك, إذ لم يكونوا أهلاً لِتُعَلِّمَهم دروسَ الحكمة والتصوف والأدب, وأوقعَتْ بهم وبجنرالاتهم هزائمَ نكراء, كان منهم الجنرالان زوندوف ويوسف التركي, وقتلتْ الخائنَ الجودي بيدها, وأنقذَتْ من الموت المحقَّقِ زميلَها في السلاح الشريفَ بوبغلة, وقد تواصلتْ هجماتُها وانتصاراتُها بنواحي يللتن والأربعاء وتخجلت وعين تاوريج وتوريرت موسى, حتى جاء الجنرال روندون وجنَّدَ جيشاً من خمسة وأربعين ألف رجل معززاً بدعم قوات الجنرال مكمهون التي جاءت من قسنطينة, وكان المشهدُ الذي يُلَخِّصُ الحكايةَ حين التقى الجمعان واحتدمَ السيفان, وبرزَتْ لالة فاطمة نسومر في مقدمة الجمع كأبهى ما يكونُ المعنى في لباسها الحريري الأحمر, ولم ينتِه الأمرُ إلا بمفاوضاتٍ واتفاق, ثُمّ غَدْرٍ {كالعادة} مِن السلطاتِ الاستعمارية, فقد أُسِرتْ رغم الاتفاق, وأُبعِدَتْ, إلى أنْ وافتها بعد سبعِ سنواتٍ المنيّة, وقد كان كلُّ هذا وعمرُها ثلاثٌ وثلاثون سنة ميلاديّة,
وهل كان يمكنُ لأولاد قلعة سلامة حيث اعتزل ابن خلدون ليكتبَ مقدمتَه, أن يقبلوا بالضيم, وهل توقَّعَ المستعمِرُ أنَّ أحفادَ عُقبة سيقبلون لحظةً واحدةً ويستسلمون ويسلِّمون, كيف وأجدادهم قد جابوا البحارَ وما وراء البحار لتحريرِ الأقوام, من ربقة العبودية والجهل والظلام, دونما طمعٍ في نهب واستغلال أو استعباد, فهم الذين فتحوا الأندلس, ووهبوها للنور والحرية والمجد, فعشقَتْهم الأماكنُ وتعلَّقَتْ بهم, واستعارت أسماءهم ومجدَهم, فأصبحَ الجبلُ أحَدَ آثارِ طارق, والمضيقُ ملحقاً به,
فمَنْ هؤلاء إلا أحفاد هؤلاء, فلو تصوَّرْنا أنَّ طارق بن زياد سيقبل بالعبودية, لَتَحَطَّمَ الجبلُ واختنقَ المضيق, فكان كلُّ الجزائريين طارق, وكانت كلُّ الجزائريات لالة فاطمة نسومر, وما حسيبة وجميلة إلّا عيناتٍ ماجِدات,
وقد ركَّز المستعمِرُ جهدَه على المرأة, وقد عبَّأت قوى الاحتلال لمعركتها على المرأة أغزر مواردها وأكثرها تنوُّعاً, ووضعَ نظريةً سياسية محدّدة "إذا أردنا أن نضرب المجتمع الجزائريَّ في صميم بنيته وفي قدراته على المقاومة فيجب علينا قبل كل شيء كسبُ النساء", وإذا كانت "البنات مرايا البلاد على القلب", كما يقول محمود درويش, فإنها تصبح شارتَه ورمزَه ومغلاقه ومفتاحه, وباختصار كُلُّ الوطن, ولهذا وكما يقول فرانز فانون؛ "إنَّ هناك عدائيةً متبلورةً تتجلَّى في درجة العنف لدى الأوروبي إزاء المرأةِ الجزائرية, فنزعُ الحجاب عن هذه المرأة هو كشفُ جمالها للأنظار, وهو هتك سرِّها,وتحطيمُ مقاومتها, وجعلُها رهنَ الإشارة للمغامرة, وإنَّ إخفاءَ الوجه هو أيضاً إخفاءُ سرها, وهو إحلالُ عالمٍ من الأسرار ومن الخفاء, وهكذا يعيشُ الأوروبي في مستوى شديدِ من التعقيد صلتَه بالمرأة الجزائرية, تتملكه رغبةٌ شديدة في جعل هذه المرأة في متناول يده, وفي أن يصنعَ منها متاعاً, امتلاكُه محتمل",
وهذه الحال ليست إلا ترجمةً لرغباته إزاء الجزائر, فالمرأة ليست في أغوار الروح إلا الوطن, فهي التي تلدُه وترضعه وتهدهده وتربيه وتحتمي به, ثم حين يجبُ, تصونُه وتحميه,
"وعندما شنَّت السلطاتُ الاستعمارية حملةً لجعل المرأة الجزائرية تأخذ بأسباب الحضارة الغربية وهُدِّدَت خادماتٌ بالطرد وجُذِبت نساءٌ مسكينات من منازلهن, واقتيدت سيداتٌ إلى الساحات العامة لِيُنزعَ عنهن الحجابُ في جوٍّ من هتافات تحيا الجزائر الفرنسية, وأمام هذا الهجوم فإنَّ نساءً جزائرياتٍ سافراتٍ منذ زمن طويل وبصورةٍ عفوية وبدون أوامرَ قد عاودن ارتداءَ الحجاب, مؤكداتٍ, هكذا, أنَّ المرأةَ الجزائرية لا تتحرّر بدعوةٍ من فرنسا ومن الجنرال ديجول"{فرانز فانون}.
"وقد تكررت لعبةُ خلع وإعادة الحجاب في مراوغةٍ أربكت المستعمِر, وأصبح الحجاب يُستخدمُ كآلةٍ يُحَوَّلُ إلى فنٍّ في التمويه ووسيلةً للكفاح"{فانون},
وقد أصبحت رغبةُ المستعمر في نزعِ الحجاب آليةً معقدةً من السخرية من المستعمِر, وتأكيد استقلال الذات, إنها حربٌ معقَّدَةٌ وشاملة, وإنَّ بداهةَ الإبداع لدى المرأةِ الجزائرية لم تخطر على بال الكولون, في تأكيدٍ متجدّدٍ على أن لالة فاطمة نسومر –رغم عدم زواجها- فهي متناسلةٌ في كل الجزائريات,
"وإنَّ الشجاعةَ التي تُظهرها المرأةُ الجزائرية في الكفاح ليست ابتداعاً غير منتظَر أو نتيجةً لِتحوُّل, بل هو جواب الدعابة الساخرة في المرحلة التمرُّديّة"{فانون},
لقد سَخِرَ الجزائريون من المستعمِر, ومن حلمه, وكيّفوا سخريتَهم طول الوقت وفق الكيمياء التي تسمح بها معادلةُ البطش والمجازر, بل لقد تجاوزَتْ سخريتُهم كلَّ حدٍّ وهم يَهبّون للجهاد إلى فلسطين ويعقدون الندوات ويجمعون لها التبرعات, وكأنّهم قد تجاوزوا إنجازَ استقلالهم, ولم يعُدْ تحقيقُ الأمر إلا مسألة وقت ما داموا قد قرروا,
لقد بدأت معركةُ الحرية في الخامس من جويلية عام ألف وثمانمائة وثلاثين, وخاضها كلُّ فردٍ في هذه البلاد, وكلُّ شيءٍ فيها, وكانت الجزائر طولَ الوقت مستقلة, بمعنى أنها لم تَتْبعْ ولم تخضع لحظةً واحدة, فلم تتبدل الأشعارُ, ولا اتجاه القبلة, ولا الأسماء, ولا العواطف, ولا الحايك, ولا الأهازيجُ, ولا الزغاريدُ, ولا رقصات الرجال, ولا آيات التنزيل, ولم تكن الثورة والقنابلُ إلا ترجمةً عنيفةً لنغمات وتميُّز الزغاريد الجميلة مِن حناجر مَن يلِدْنَ البلاد, فهل كان يمكنُ أنْ يكونَ إلا ما كان, أن يخرج الكولون من سياقٍ مستقلٍّ عنه وعصيٍّ عليه, ولو طال الزمان, فقد كان عليه أن يتقهقر إلى نفسِ النقطة التي بدا منها .. الخامس من جويلية, وإلى نفس المكان .. شاطئ سيدي فرج, لينكفئَ هناك, في عملية إقلابٍ للتاريخ, خرج منه بكل الخزي والعار, محملاً بما لا يمكن حصرُه من الأوزار, تاركاً ما لا يليقُ به لأهلِ الدار, المجدَ والفخار, وأكاليلَ الغار, ومائة واثنين وثلاثين عاماً بالتمام وبالكمال, شاهدةً عليهم, أنه لا بُدَّ مهما طال الليلُ من نهار,
وسَجَّلَ الجزائريون وثيقةً للروح, ووقّعوها بالدّم الطاهر المسفوح, لِكُلِّ مُعَذَّبي الأرضِ والمظلومين, أنّه لا مستحيل .. وأنّه مهما استوطنَ المستوطنون .. من قدسِنا سيخرجون.
في استقلالك يا جزائر
عليك السلام
عبدربه العنزي
حينما نقرا تاريخ الثورة الجزائرية،ينبغي كفلسطينيين أن نقف في الصفوف الأولى للمحتفلين بيوم الاستقلال الوطني الجزائري،يوم استقلال الجزائر ليس مجرد مناسبة لانتصار ثورة عابرة،إن الثورة الجزائرية حكاية امة عرفت كيف تنتصب أعناقها رغم المقصلة الفرنسية التي جزت رؤوس الثوار الجزائريين،قصة أعظم ثورات التاريخ بماضيه وحاضره،حينما يسقط أكثر من مليون ونصف المليون شهيد من شعب واحد،فان الإشارة التي تحملها دلالة هذا الدم تعني أن الحرية والكرامة خيار واحد لهذا الشعب،ولا مجال للتفاوض حول خيار آخر.
إن تاريخ الاستقلال الجزائري ينبغي أن يكون لنا كفلسطينيين درس في الوعي والفداء ،يجب أن نتعلم حكمة الانتصار لهذه الثورة الباسلة،نبحث في عثراتها وسبل تجاوزها،ونتبصر في آليات استمراها وقوتها،ونقف على تفاصيل نضالها ،إن تقدير استقلال الجزائر الحقيقي بالنسبة لنا كمقاومة فلسطينية يستدعي أن نسير على دربها ونمضي على طريق حريتها .
إن استقلال الجزائر يستدعي أن نسجل كفلسطينيين فضل ثورتها ودولتها علينا ،إن علينا واجب العرفان بدور الجزائر كثورة وكدولة مع المقاومة الفلسطينية،ونستذكر عطاء الجزائر مع فلسطين الإنسان والأرض والمقاومة.
لقد كانت الثورة الجزائرية -التي استطاعت أن تستأصل التجربة الاستعمارية الأوروبية العريقة- الفضاء الذي ألهم الفلسطينيون بكل ميولهم وفئاتهم للاقتداء بنموذج الثورة الجزائرية،وهو ما عجل في انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة رغم الظروف الإقليمية والدولية والذاتية التي اعتبرت تفجير الثورة الفلسطينية المسلحة مغامرة غير مدروسة.ولكن اثبت الأحداث اللاحقة أن تفجير الثورة كان الأمر الحتمي والضروري لمواجهة الاحتلال الاستيطاني الصهيوني.
رغم تاريخ العلاقة المميزة بين الثورة الفلسطينية والجزائر ،لم تحاول الجزائر أبدا التدخل في الشئون الفلسطينية الداخلية،ووقفت دوما لصالح فلسطين الوطن والهوية والقضية،وكان دعمها السخي بلا توقع لثمن سياسي أو استقطاب في إطار عملية تنافس إقليمي،أو رغبة في استعراض وقفتها مع القضية الفلسطينية لاستمالة الرأي العام،لقد كان الموقف الجزائري مبدأيا ومتصلا بحالة قومية عضوية أصيلة.
احتضنت الجزائر مؤتمرات النقابات والمنظمات الفلسطينية،كما حدث في استضافتها للمؤتمر الخامس والسادس والسابع والتاسع لاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين،وكذلك المؤتمر الثالث للاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين،والمؤتمر الثالث للاتحاد العام للعمال الفلسطينيين،والكثير من المجالس الإدارية خاصة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية واحتضانها للدورة 16و18 و19و20 للمجلس الوطني الفلسطيني.
قام الرئيس الراحل هواري بو مدين بترتيب زيارة الرئيس الراحل أبو عمار التاريخية إلى الأمم المتحدة عام1974،بل ووفر له الطائرة التي أقلت الرئيس الفلسطيني إلى الأمم المتحدة.
ساهمت بالجزائر في إدخال منظمة التحرير الفلسطينية كعضو مراقب في منظمة الوحدة الإفريقية،وتبنت مواقف الفلسطينيين ومنظمة التحرير في كتلة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي ،وناضلت الجزائر في جامعة الدولة العربية وخاصة في مؤتمر الرباط لتحصل منظمة التحرير الفلسطينية على شرعية وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني.
استقبلت الجزائر الضباط الفلسطينيين في كلية شرشال ،وقد تخرج من هذه الكلية مئات من الضباط الفلسطينيين،وهي الكلية التي ما زالت تقدم مقاعد دراسية سنوية للفلسطينيين،كما وساهمت بتخريج ضباط في البحرية والطيران.
قدمت الجزائر مساعدة نوعية للفلسطينيين في أيام
الشدة وأيام الحصار،حينما استصدرت مئات جوازات السفر الدبلوماسية
والعادية الجزائرية لتمكين الكوادر الفلسطينية من التحرك بسهولة بين
الأقطار العربية والأجنبية، وكان الرئيس الراحل أبو عمار يحمل جواز سفر جزائري
دبلوماسي تحت رقم (40) وهو ما لم يتمتع به بعض كبار المسؤولين
الجزائريين.
احتضنت الجزائر قوات الثورة الفلسطينية بعد الخروج من بيروت عام1982،ووفرت لهم ولعائلاتهم قرى زراعية للعمل بها.
يسجل للجزائر أنها أنشأت أول إذاعة فلسطينية خارج دول الطوق ،وعملت بشكل منتظم منذ 1970حتى عام1995،وعلى كل الموجات القصيرة والمتوسطة والطويلة،ووصل بثها إلى أمريكا اللاتينية وأوروبا وافريقيا وأمريكا الشمالية واستراليا،وبلغ عدد مستمعيها إلى 250 مليون شخص.
كانت الجزائر أول دولة تفتح مكتب لحركة فتح في العالم عام 1964، وهي أول من فتح مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية مع الصفة الدبلوماسية الكاملة.
كانت ولا زالت الجزائر أكثر الدول في العالم التي تقدم منح دراسية للطلبة الفلسطينيين وفي كافة المجالات والتخصصات.
يسجل للجزائر أنها أول دولة تعترف بدولة فلسطين حينما اقر المجلس الوطني الفلسطيني إعلان الاستقلال،وكانت هذه الدورة منعقدة في الجزائر.
يحسب للجزائر التزامها الكامل -وربما هي الدولة العربية الوحيدة- بتقديم المساعدات الدورية للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ليتمكن من بناء دولته وبنيته التحتية.
يكفي أن نقول خلاصة لهذا الموقف الجزائري مقولة الرئيس العظيم هواري بومدين حينما قال""أن استقلال الجزائر ناقص بدون استقلال فلسطين "
************************************************************
الثورة الجزائرية
تعرف الثورة الجزائرية باسم"ثورة المليون شهيد"، وهي حرب تحرير وطنية ثورية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي قام بها الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية وكانت نتيجتها انتـزاع الجزائر لاستقلالها بعد استعمار شرس وطويل استمرّ أكثر من 130 عاماً.
انطلقت الرصاصة الأولى للثورة الجزائرية في الاول من نوفمبر 1954 الذي يصادف عند الأوروبيين يوم "عيد جميع القديسين" معلنةً قيام الثورة بعد حوالي 130 سنة من الاستعمار الفرنسي للبلاد.
وقد بدأت هذه الثورة بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزوّدين بأسلحة قديمة وبنادق صيد وبعض الألغام بعمليات عسكرية استهدفت مراكز الجيش الفرنسي ومواقعه في أنحاء مختلفة من البلاد وفي وقت واحد.
ومع انطلاق الرصاصة الأولى للثورة، تمّ توزيع بيان على الشعب الجزائري يحمل توقيع "الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني" وجاء فيه: "أن الهدف من الثورة هو تحقيق الاستقلال الوطني في إطار الشمال الأفريقي وإقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادىء الإسلامية".
ودعا البيان جميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية وجميع الأحزاب والحركات الجزائرية إلى الانضمام إلى الكفاح التحريري ودون أدنى اعتبار آخر.
وتمّ تشكيل الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني من تسعة أعضاء..
وقبل الدخول في تفاصيل هذه الثورة يمكن القول إنها لم تكن وليدة أول نوفمبر 1954.. بل كانت تتويجاً لثورات أخرى سبقتها، ولكن هذه الثورة كانت أقوى تلك الثورات، وأشملها، وتمخضت عن إعلان استقلال الجزائر بعد ثمانية أعوام من القتال الشرس، ويمكن تقسيم عمر الثورة إلى أربع مراحل:
المرحلة الأولى (54-56): وتركز العمل فيها على تثبيت الوضع العسكري وتقويته، ومد الثورة بالمتطوعين والسلاح والعمل على توسيع إطار الثورة لتشمل كافة أنحاء البلاد.
أما ردة فعل المستعمر الفرنسي فكانت القيام بحملات قمع واسعة للمدنيين وملاحقة الثوار..
المرحلة الثانية (56 - 58): شهدت هذه المرحلة ارتفاع حدة الهجوم الفرنسي المضاد للثورة من أجل القضاء عليها.. إلا أن الثورة ازدادت اشتعالاً وعنفاً بسبب تجاوب الشعب معها، وأقام جيش التحرير مراكز جديدة ونشطت حركة الفدائيين في المدن.
كما تمكّن جيش التحرير من إقامة بعض السلطات المدنية في بعض مناطق الجنوب الجزائري وأخذت تمارس صلاحياتها على جميع الأصعدة.
المرحلة الثالثة (58 - 60): كانت هذه المرحلة من أصعب المراحل التي مرّت فيها الثورة الجزائرية، إذ قام المستعمر الفرنسي بعمليات عسكرية ضخمة ضد جيش التحرير الوطني. وفي هذه الفترة، بلغ القمع البوليس حده الأقصى في المدن والأرياف.. وفرضت على الأهالي معسكرات الاعتقال الجماعي في مختلف المناطق.
أما رد جيش التحرير، فقد كان خوض معارض عنيفة ضد الجيش الفرنسي واعتمد خطة توزيع القوات على جميع المناطق من أجل إضعاف قوات العدو المهاجمة، وتخفيف الضغط على بعض الجبهات، بالإضافة إلى فتح معارك مع العدو من أجل إنهاكه واستنـزاف قواته وتحطيمه.
وفي 19 أيلول - سبتمبر عام 1958 تمّ إعلان الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة السيد فرحات عباس، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه الحكومة هي الممثل الشرعي والناطقة باسم الشعب الجزائري والمسؤولة عن قيادة الثورة سياسياً وعسكرياً ومادياً، وأعلنت في أول بيان لها عن موافقتها على إجراء مفاوضات مع الحكومة الفرنسية شرط الاعتراف المسبق بالشخصية الوطنية الجزائرية.
وفي تشرين الثاني - نوفمبر من عام 1958 شنّ جيش التحرير الوطني هجوماً على الخط المكهرب على الحدود التونسية، كما خاض مع الجيش الفرنسي معارك عنيفة وبطولية في مختلف أنحاء الجزائر.. وعلى الصعيد السياسي، طرحت قضية الجزائر في الأمم المتحدة وفي مؤتمر الشعوب الأفريقية بـ"أكرا" ولاقت التضامن والدعم الكاملين والتأييد المطلق لها...
وفي كانون الأول - ديسمبر من 1958، ألقى الجنرال ديغول خطاباً في الجزائر العاصمة أشار فيها إلى الشخصية الجزائرية، وانتخب في 22 من هذا الشهر رئيساً للجمهورية الفرنسية.
وفي 16 أيلول - سبتمبر 1959، أعلن الجنرال ديغول اعتراف فرنسا بحق الجزائر في تقرير مصيرها. وكان جواب الحكومة الجزائرية المؤقتة قبولها لمبدأ تقرير المصير واستعدادها للتفاوض المباشر في الشروط السياسية والعسكرية لوقف القتال وتوفير الضمانات الضرورية لممارسة تقرير المصير.
المرحلة الرابعة (1960 - 1962): المرحلة الحاسمة، خلال هذه الفترة الهامة والحاسمة من حرب التحرير.. حاول الفرنسيون حسم القضية الجزائرية عسكرياً.. ولكنهم لم يفلحوا في ذلك.. لأن جذور الثورة كانت قد تعمقت وأصبحت موجودة في كل مكان. وأضحى من الصعب، بل من المستحيل القضاء عليها، ورغم هذا الواقع.. فقد جرّد الفرنسيون عدة حملات عسكرية ضخمة على مختلف المناطق الجزائرية، ولكنها جميعاً باءت بالفشل وتكبّد الجيش الفرنسي خلالها خسائر فادحة، وقد تمّ في شهر كانون الثاني - يناير 1960 تشكيل أول هيئة أركان للجيش الجزائري الذي كان متمركزاً على الحدود الجزائرية - التونسية والجزائرية - المغربية وتمّ تعيين العقيد هواري بومدين أول رئيس للأركان لهذا الجيش.
وفي هذه الفترة بالذات، تصاعد النضال الجماهيري تحت قيادة الجبهة، وقد تجسّد ذلك في مظاهرات 11 كانون الأول - ديسمبر 1960، وتمّ خلال هذه الفترة عقد المؤتمر الثاني لجبهة التحرير الوطني في مدينة طرابلس بليبيا عام 1961.
أما على الصعيد السياسي، فقد عقدت الدورة 16 للأمم المتحدة (أيلول - سبتمبر 1961 وشباط - فبراير 1962)، وأمام أهمية الاتصالات المباشرة بين جبهة التحرير والحكومة الفرنسية، فإن الأمم المتحدة "دعت الطرفين لاستئناف المفاوضات بغية الشروع بتطبيق حق الشعب الجزائري في حرية تقرير المصير والاستقلال، وفي إطار احترام وحدة التراب الجزائري".
وهكذا انتصرت وجهة نظر جبهة التحرير الوطني.. وأُجبرت فرنسا على التفاوض بعد أن تأكدت فرنسا نفسها أن الوسائل العسكرية لم تنفع، خاصة بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به حملاتها الضخمة وعدم فعالية القمع البوليسي في المدن، ورفض الشعب الجزائري المشاركة في الانتخابات المزوّرة واستحالة إيجاد "قوة ثالثة" تكون تابعة للمستعمر بأي حال.
وقام الفرنسيون بمناورات عدة وتهديدات كثيرة لتحاشي التفاوض، وعملوا كل ما بوسعهم لتصفية جيش التحرير الوطني كقوة عسكرية وكقوة سياسية.. فتهربت فرنسا من كل محاولات التفاوض النـزيه عاملة على إفراغ حق تقرير المصير من محتواه الحقيقي، متوهمة بذلك أنها ستنتصر عسكرياً على الثورة.
وكان يقابل سياسة المفاوضات هذه.. حرب متصاعدة في الجزائر بهدف تحقيق النصر؛ فقد كان الفرنسيون يعتقدون أن رغبة جبهة التحرير في السلم وقبولها للاستفتاء يعتبر دليلاً على الانهيار العسكري لجيش التحرير الوطني.. إلا أن الجبهة عادت وأكدت من جديد أن الاستقلال ينتـزع من سالبه ولا يوهب منه، فاتخذت جميع التدابير لتعزيز الكفاح المسلح..
وعادت فرنسا بعد ذلك لتقدم لمندوبي جبهة التحرير صورة كاريكاتورية للاستقلال: جزائر مقطوعة عن أربعة أخماسها (الصحراء) وقانون امتيازي للفرنسيين... فرفضت الجبهة المقترحات جملة وتفصيلاً.. ولما عجزت فرنسا عن حلّ القضية بانتصار عسكري.. أجرت اتصالات ومفاوضات جديدة لبحث القضايا الجوهرية، وقد دخلت هذه المرة مرحلة أكثر إيجابية، وتحددت الخطوط العريضة للاتفاق، أثناء مقابلة تمت بين الوفد الجزائري والوفد الفرنسي في قرية فرنسية بالقرب من الحدود السويسرية.
وبعد ذلك.. عقدت ندوة حول إيقاف القتال في إيفيان من 7 إلى 18 آذار - مارس 1962 تدارست الوفود خلالها تفاصيل الاتفاق.. وكان الانتصار حليف وجهة نظر جبهة التحرير، وتوقف القتال في 19 آذار - مارس بين الطرفين وتحدد يوم الأول من تموز لإجراء استفتاء شعبي.. فصوّت الجزائريون جماعياً لصالح الاستقلال.. وبذلك تحقق الهدف السياسي والأساسي الأول لحرب التحرير، بعد أن دفع الشعب الجزائري ضريبة الدم غالية في سبيل الحرية والاستقلال.. وبعد أن استمرت الحرب قرابة ثماني سنوات سقط خلالها ما يقرب من مليون ونصف مليون شهيد.
وقد صادف بدء انسحاب القوات الفرنسية في 5 تموز - يوليو 1962 في يوم دخولها 5 تموز - يوليو 1830 أي بعد 132 عاماً من الاستعمار، كما انسحبت هذه القوات من نفس المكان الذي دخلت منه إلى الجزائر في منطقة "سيدي فرج" القريبة من الجزائر العاصمة وتمّ في هذا اليوم تعيين السيد أحمد بن بيللا كأول رئيس لجمهورية الجزائر المستقلة بعد خروجه من السجون الفرنسية مع عدد من قادة الثورة وكوادرها.

يرجع الفضل في انتصار الثورة الجزائرية إلى وضوح أهداف القائمين بها والتضحيات الشعبية الهائلة التي قدمها الشعب الجزائري الذي عبأ كل طاقاته لتحقيق الانتصار، يضاف إلى ذلك الأساليب المبتكرة التي لجأ إليها المجاهدون والمجاهدات لتوجيه الضربات الأليمة لجيش متفوق في العدد والعدة. وأخيراً التأييد العربي (قواعد الثوار في تونس والمغرب والدعم الشعبي والمادي الواسع من مصر عبد الناصر وسورية والعراق)، والعالمي (دول العالم الثالث والدول الاشتراكية)
*********************************
أن تحيــا الجــزائــر
بسام الهلسه
إلى شهداء وشهيدات حرية الجزائر
مع أمنيات صادقة للشعب الشقيق باجتياز
آلام البناء، والنمو، والاختيارات الصعبة
كما إجتاز من قبل آلام الولادة الضـارية
وأن تسترد الجـزائـر عـافيتها ودورها،
مثلما استعادت بالثورة روحها وذاتها وإرادتها ووطنها
لم يلحظ "البيركامو" الشبه بين سلوك "ميرسو"، بطل قصته "الغريب"، وسلوك بلده فرنسا إزاء الجزائر.
أطلق "ميرسو" النار على العربي لسبب سخيف: لأنه وقف بحيث حجب عنه ضوء الشمس! مثلما احتلت فرنسا الجزائر بدعوى أن حاكمها "الداي حسين" أهان مبعوثها!؟
ومثل "ميرسو" –الذي لم يشغله موت أمه، بقدر ما انشغل بوقت وصول البرقية التي أبلغته بذلك، كانت فرنسا ميتة الإحساس إزاء مصير الجزائر, فيما انهمكت بدأب متواصل بقتل شخصيتها الحضارية ونهب ديارها وثرواتها.
لكن فرنسا لم تكن غريبة شأن "ميرسو" "كامو" الغريب". وحادثة مبعوثها الذي لطمه "الداي" بمنشة كما قيل، لم تكن سوى ذريعة لقرار إتخذ فتم إنفاذه. وما من جدوى ترجى من "السؤال" عن مدى "مشروعيته" أو "ملائمته" لشعارات ثورتها: (الحرية، الإخاء، المساواة)، أو "علاقته" بفكر "عصر الأنوار" وعقلانيته.
فـ"القوي عايب" كما يقول أهل حوران
و"السؤال" –إستفهامياً كان أو إستنكارياً- يليق فقط بالطيبين البلهاء الذين نشهد أمثالهم في أيامنا يحتجون (بغضب) على (ازدواجية معايير) أميركا وتعارض أفعالها مع مزاعمها عن حقوق الإنسان والديمقراطية ,
فمثلما لا تتغير طبيعة الذئب باختلاف لونه، ظلت فرنسا أمينة لغريزتها وشهيتها التوسعية الاستعمارية في كل العهود: الملكية والجمهورية والإمبراطورية
وهي شهية نلحظ علائم الحنين لها تطل من عيني رئيسها "نيكولا ساركوزي" الذي اكتشف أهمية وضرورة "الدور الفرنسي في العالم" بالتعاون مع أميركا
* * *
كان غزو الجزائر في العام 1830م، هو الغزو الثاني الذي تقوم به فرنسا لبلاد عربية بعد غزوة مصر النابليونية المخفقة عام 1798م. وشيئاً فشيئاً بسطت احتلالها على الأرض الجزائرية ودفعت إليها تباعاً بالمستعمرين الذين استولوا على أخصب الأراضي الجزائرية، فحولوا معظمها إلى كروم عنب على شرف صناعة "النبيذ"
وإذ أعلنت فرنسا أن الجزائر قطعة منها، فقد عملت كل جهدها لمحو شخصيتها الحضارية (العربية- الإسلامية)، بالتدمير المنهجي لمدارس ومراكز التعليم العربي، وبفرض اللغة والثقافة الفرنسية على البلاد: لتأبيد بقائها من جهة، ولقطع تواصل الجزائريين مع مجالهم الطبيعي: العربي-الإسلامي
ولئن كان ممكناً –وقد حدث هذا ويحدث بالفعل- تصنيع وإستنبات قادة، وحكومات، وأحزاب، وحتى "دول"، بقرارات يفرضها الأقوياء، فإن الأمم وهوياتها وشخصياتها الحضارية أمر آخر لا يمكن تلفيقه بقرارات
فالأمم وشخصياتها الحضارية تتكون في سياق تفاعل مركب مديد: تاريخي، روحي، ثقافي، اقتصادي، جغرافي... وتنشأ وتنمو في الفضاء الطلق للحياة المشتركة, لا في مختبرات ودفيئات المهيمنين
لذلك، وبرغم إمكانياته المحدودة وضعف وخذلان "الدولة العثمانية" له، قاوم الشعب الجزائري (بعربه وأمازيغه) المستعمرين محبطاً محاولاتهم لتفرقته وتمزيقه. وتواترت ثورات وانتفاضات أجياله ومناطقه المختلفة خلال القرن التاسع عشر ذوداً عن الهوية والحرية والوطن
ويحتفظ التاريخ بذكريات ناصعة لثورات: "الأمير عبدالقادر" و"الشيخ الحداد" والمتصوفة "لالا فاطمة" (السيدة فاطمة) التي أطلق عليها بعض الفرنسيين اسم بطلتهم القومية في الحرب ضد الإنجليز، فلقبوها بـ"جان دارك" القبائل
وبنتيجة التفوق الاستعماري الساحق، والخسائر الفادحة التي لحقت بالجزائريين، وتردد وتقاعس وتواطؤ بعض فئاتهم، هزمت فرنسا أخيراً المقاومة. ومر وقت قبل أن يرمم الشعب بعضاً من قواه ويستأنف الجهاد، فتأسست الجمعيات والمنتديات والمدارس والصحافة والأحزاب السياسية التي كرّس معظمها لمواجهة الفَرْنَسَة، ولبعث وإحياء روح وشخصية الجزائر التي عبّر عنها ولخصها رئيس "جمعية العلماء المسلمين في الجزائر" الشيخ: "عبد الحميد بن باديس" ببيت الشعر الشهير
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب
لكن المراهنات على حل سلمي عادل للقضية الجزائرية، والآمال المعولة على استجابة فرنسا للمطالب الوطنية للجزائريين، تبددت المرة تلو المرة. وكان جزاء نصرتهم لفرنسا الحرة خلال الاحتلال النازي لفرنسا، ومشاركة بعض من أبنائهم في مهمات الجيش الفرنسي، هو الإصرار المتعجرف على "فرنسية الجزائر" وعلى المعاملة الاستعلائية العنصرية التمييزية بحقهم
وسقط عشرات الآلاف منهم ضحية للقمع الوحشي للمظاهرات والمسيرات التي انطلقت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية منادية بالحرية والعدالة
* * *
ولما كانت الحرب العالمية الثانية قد انهكت الإمبراطوريتين الاستعماريتين: (بريطانيا وفرنسا) فقد تحفزت الشعوب المُسْتَعْمَرَة للنضال التحرري، فظفرت تباعاً باستقلالها: سورية ولبنان، الهند وباكستان، كوريا، الصين، ومصر التي عززت ثورة 1952 من استقلالها وتوجهاتها التحررية العربية
وكان لهزيمة فرنسا في معركة "ديان بيان فو" -1954- الفاصلة في فيتنام، أصداؤها القوية في عقول وقلوب الشباب الجزائريين الذين كان تيار منهم قد تبيَّن عقم وعبث الكفاح بالوسائل السلمية، فحسم أمره وشرع بالإعداد للسير في الطريق الوحيد الممكن لخلاص الجزائر وتحقيق استقلالها وبناء دولتها السَّيدة
وفي الفاتح من نوفمبر –تشرين الثاني 1954- دوّى الرصاص المُحرر لـ"جيش التحرير الوطني" في مواقع متعددة من الجزائر، معلناً إنطلاق الثورة وولادة إطارها السياسي "جبهة التحرير الوطني" التي أذاعت بيانها الأول المحدد لمبادئها وأهدافها
ومثل الرصاص المبشر بالحرية، تعالى النشيد الوطني للشاعر (مفدي زكريا) الذي إحتضنته الأمة العربية كلها ورددته بعزم
قسمـاً بالنـازلات المـاحقـــات
والدمـاء الزاكيـات الطـاهـرات
******
نحـن ثـرنـا فحيـاة أو ممـات
وعقـدنا العـزم أن تحيـا الجزائر
فـاشهدوا.. فـاشهدوا.. فـاشهدوا
* * *
لم تمض ثمانية أعوام، حتى كانت الثورة قد وضعت خاتمة أطول استعمار عرفه العرب في تاريخهم الحديث ودام 132 عاماً
وفي تموز –يوليو 1962 أنجزت الجزائر استقلالها بعد آلام ولادة رهيبة، لتبدأ من بعد رحلتها الصعبة مع آلام البناء، والنمو، والاختيار، والتحول، والحياة
[email protected]



#علي_شكشك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوانين نهايتها
- دائرية كالتاريخ
- لِيسوؤوا وجوهَكم
- طاسين الأسر
- نكبتة الآتية
- هي هي
- كأن ليس هناك أحد
- موعد وراء الجدار
- تمام الكلام
- الخروج من الذات-حالة منفي-
- من قتل عبدالله داوود
- الخراب
- فجيعة الحقيقة
- في اللامعقول
- ماذا لو ؟
- استدراج
- لسان الجرح المبين
- صورتان
- كل عام ونحن كما نحن
- هواري بومدين -صوفية السياسي -


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - علي شكشك - كتاب في الذكري ال 48 لاستقلال الجزائر