أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة عباس التميمي - قصة















المزيد.....

قصة


سميرة عباس التميمي

الحوار المتمدن-العدد: 3055 - 2010 / 7 / 6 - 10:33
المحور: الادب والفن
    



رصاصةٌ في العين




كل شيءٍ كان مُنسق ومُرتب حسب ذوق "الجماعة" فقد أصروا على إقامة حفلتهم بمناسبة نجاح صفقتهم التجارية في إحدى مطاعم مدينة حلب الشهباء والمُحاطة بالكثير من المحلات التجارية التي تدبُ فيها الحياة والحركة حتى ساعات الليل المتأخرة.
وهو على مشارف الأربعين صارخ الرجولة , طويل القامة، عريض المنكبين, عيناه الداكنتان تعكس عمق التجارب الحياتية التي مر بها منذ صباه، أما ثنيات جبينه فألبسته مظهر المدير العام الصارم والواثق من نفسه كل الثقة.
إسترعى إنتباهه نوافذ المطعم التي تشبه شناشيل بغداد بألوانها الجذابة. رُتبت طاولات المدعوين الدائرية والمغطاة بفرشٍ بُنية اللون وأخرى بأزرق داكن بشكل عشوائي, وفي إحدى زواياه تربعت الفرقة الموسيقية والجاهزة لتلبية رغبات المدعوين للإستماع إلى شتى انواع الموسيقى الشرقية والغربية. الأضواء الحمراء والزرقاء الخافتة بعثت سحر خاص في نفسه وحملته الموسيقى الشرقية الصادحة إلى عالمٍ ساحر غامض إسمه ألف ليلة وليلة.
إنفرجت أساريره عند ظهور الراقصة على خشبة الرقص ومع تمايل حركاتها الرشيقة الفاتنة, شعر بالرضى والسرور.كانت ترتدي ملابس رقص شرقية خلابة بنطلون فضفاض من الساتان الأخضر والمطرز بنقوش رائعة من الخيوط البراقة بألوانٍ مُختلفة.وصُديرية مكونة من قُطعتين بلونين مختلفين من الساتان أيضاً مع نجمتين بنفسجيتين في منتصفهما
تطلع إليها والنشوة تمليء فؤاده وإلى وجهها الفتان ذو الملامح السمحة فذكرته ببنت الجيران, بأول حب بنزهات الحب البريئة معها تحت أضواء حديقة الزوراء البيضاء من ليالي صيف بغداد المُقمرة ورسائل الحب العطرة بينهما والمُغلفة بلوعة وإشتياق المحبين.
تذكر عصر ذلك اليوم وهو يمشي أمام بيتها لساعتين متواصلتين ذهاباً وإياباً حتى يتطلع إلى عينيها الكحيلتين وثغرها الباسم وهي واقفة أمام باب بيتها ووجهها يغتسلُ بإشعاعات الشفق المُهيب.
إستفاق من حُلمه اللذيذ برَتبةٍ من صديقه المُحتفل معه داعياً إياه لشرب نجاح الصفقة وقائلاً باللهجة الحلبية" أشو خيو كاني البنت أخدت عقلك, طب إشرب بصحتك وبصحة هذا الجمال"
أثناء ذلك ظهرت راقصات أخريات والتحقن للرقص بجانب الراقصة الحسناء الأولى, وقد إرتدين بناطيل فضفاضة موشاة بخيوط ذهبية وفي أيديهن طبابيل كأنهن خرجن من بوابة العصور الذهبية السالفة وكلما إقتربن من مائدته مع أصدقائه المُحتفلين رفعن طبابلهن عالياً ترحيباً وإحتفالاً بالضيوف الكرام. كانت رقصاتهن تشبه الحكايات , فكل وصلة راقصة لها حكاية جميلة عذبة ومثيرة , تشبه إلى حدٍ كبير وتخالف أيضاً جوانب عديدة من حياته منذُ صباه حتى هذه اللحظة.
كان يُلقب بفارس المنطقة لطول قامته ووسامته وطيب معشره مع الناس , وعليه رُشح للإنضمام إلى صفوف الحرس الجمهوري.
أما العلاقات العاطفية فلم تشغل باله كثيراً , فالفتيات كُن يتسابقن لنيل وده والفوز بإبتسامته الساحرة
بدأت أُمنيته بالإلتحاق في صفوف الحرس الجمهوري تُغذيها آمال كبيرة وتكبر بكبره وإقترابه من اعتاب الرجولة, لذا إزداد من لُطفه وحُسن معشره مع الناس فلم يجتاز باب إلا وسلم على أهل داره
بذلت امه قصارى جهدها حتى تعوضه وشقيقته حنان الأب المتوفى فتكفلت بكل شيء ووضعته على كاحلها من أجل تربيتهم وإسعادهم , فهي الأم الحنون الصبورة التي تسهر وتحرم نفسها من مباهج الحياة ومُتعها في سبيل أولادوها, حيث إنها تستيقظ منذ خيوط الفجر الأولى لتحضر الخبز والفطور لفلذات كبدها.
عدم قبوله في الحرس الجمهوري سبب له خيبة امل كبيرة غير متوقعة وجاء عدم قبوله بسبب مثاليته وإستقامته الزائدة بالإضافة إلى ميول بعض أفراد اقربائه للحزب الشيوعي والتي لم تتجاوز حد التعاطف معه ليس إلا
لأول مرة يصطدم بالاعدالة واستوعب مرارة الدرس جيداً , وهي ان الأعراف والقوانين في بلده تُداس بالأحذية , لهذا قرر دخول اللعبة
لم يتقبل نصائح أُمه المتواصلة بضرورة الدراسة المُثابرة في الجامعة ومن ثم الإلتحاق بوظيفة حكومية تضمن له حياته وتمكنه بعد فترة من خُطبة حبيبة قلبه , حبه الأول.
لم يجد جدوى من الدراسة المثابرة , فحتى يكون الشخص مُحترم ذا شأن يجب أن يكون من "الجماعة
لم يعجبه منظر أمه وهي تُغرق الناس بفيض طيبتها وتسامحها وبالمقابل يلاقون الإجحاف والنكران. كما وسأم من خُبز أمه المعجون بنشارة الخشب والرائحة المُتعفنة والممزوجة بحموضة معدته المتزايدة , كان يتوق إلى خُبزٍ حار لذيذ, ومما زاد ألمه أن يرى أرض الحضارات والمسلة تتحول إلى مسلاتٍ من جثث شباب ورجال بلده واصدقائه, فطوى آمال محاضراته بين حبركلماتها وبنيله لشهادة البكالوريوس وضع طموحات وأحلام حياة مابعد الجامعة بين غلافيّ شهادته.
لم يتوانى للحظةٍ واحدة من قبول عرض أحد زملائه في الجامعة بالدخول معه في عالم التجارة . زميله بالمال وهو بسحر معشره.لم يكن الأمر صعب عليه على الأطلاق , فهو متفوق في الأرقام والإقناع
إستطاع منذ البداية شراء بيت لأمه وشقيقته في إحدى أحياء بغداد الهادئة والجميلة وبهذا ضمن لهما حياة طيبة وآمنة للمستقبل., التجارة أدخلته عالم السفر, سافر إلى بُلدانٍ عديدة, إقتحم بوابات مدنٍ لم يكن يسمع بها إلا في الكتب ,اختلط ببشرٍ من حضاراتٍ أُخرى وعاداتٍ مختلفة واستطاع ان يدخلهم في عالمه التجاري.
فصدقت المقولة في "السفر سبع فوائد
السنين صقلت موهبته وشخصيته كرجل أعمال, فهو البحار الماهر الذي يجيد ركوب بحار ومحيطات التجارة في كل الأوقات والفصول, فازدهرت تجارته وشملت العديد من الدول العربية والعالمية, حتى اشترى بيتاً في إحدى الدول الآسيوية حتى يُشرف على تجارته عندما يكون هناك عن قرب بحرية وقوة أكبر
الدخان السام للحروب والحصار التي مر بها بلده لم تبرح مخليته قط , مُخلفةَ بقع داكنة ورمادية في أعمق أعماق نفسه وكان هذا دافع متزايد للإبحار في عالم الأرقام والبخور والكحول والعطور والنساء أكثر فاكثر عاملاً بالمثل" جود السوق ولاجود البضاعة
إبحاره المتقن في كل تيارات المحيط مكنه من تذوق كل أنواع السمك الأبيض,الأسمر, الأشقر وكثيراً ما كان يقف أمام فكرة إرتباطه بأمرأة ما بسخرية لبلادتها وتفاهتها. هكذا أصبحت حياته سفر, تجارة, نساء, مال, متعة ومردداً دوماً القول العربي الحكيم" عش ليومك كما لو إنك تعيش أبد الدهر"
سمع ببعض النوافذ والممرات التجارية السرية لتجارة الرقيق الأبيض وتوسع هذه التجارة بعد الحروب الضروس التي شهدها العراق بعد 2003 فأرسل من يستقصي أخبارها وبسرعةٍ لاتتجاوز البضعة أشهر وضع قدميه في هذه الأرض أيضاً, لم يكن الأمر سهلاً في البداية , حيث أقتضى الأمر ان يخرجهن من العراق بأسماء مزورة وتهيئة كل شيء لهن في سوريا قبل وصولهن . فمعظمهن جئن كبائعات هوى متخفيات تحت غطاء مهنة الرقص.
الزبون كان يفضلها صغيرة السن , اما النساء الكبيرات في العمر فكن يشرفن على عمل الراقصات وبيوت الدعارة
الفوضى التي عمت العراق والإقتتال الذي إنتشر في شوارعه غطى كل زاوية وشارع بالجثث. الرصاصةُ لم ترحم لا صبيّ ولا صبية. الانفجارات طالت الجسد البض والمادة الملموسة، أحجار المرمر تشظت مع أختها من الطابوق الأصفر في سماء بغداد المُدخنة, فتشردت عوائل وسكنوا خيم الأجداد. إختلطت الدماء بمسحوق طابوق الآجر في قنوات المياه الآسنة وامتلأ نهري دجلة والفرات بجثث مجهولة الهوية والملامح. وتقصت سيارات الشرطة جثث الموت بدل اللصوص والمجرمين.
هكذا تدافعت ذكريات الماضي القريب والتي كانت تتكاثفُ في رأسه مع دويّ طبول الراقصات المُرافقة للموسيقى الشرقية ومن وسط دخان سيجارته لمح لهاثهن المغُري المتصاعد من طول فترة رقصهن.
انتهت الفقرة الاولى بالإحتفال والتي أعقبتها فترة راحة من خلالها تبادل الأحاديث الودية وتعرف اكثر بالرجال السوريين الذين ساعدوه في إنجاح صفقته التجارية هذه, حيث تبادل معهم الأنخاب وكلُ طرفٍ تمنى للآخر تعاون طويل الأمد.وصدحت الموسيقى مجدداً معلنةً إبتدى الفقرة الثانية .
ركنت الفتاة ذات العشرون ربيعاً في إحدى زوايا غرف المطعم من الطابق الثاني خائفةً من المرأة التي تتوقع دخولها في كل لحظة , ففُتح الباب فجأةً :فإذا بإمرأةٍ بدينة خاطبت الفتاة بلهجةٍ معنفة" شو هاي يا بنت؟ الزبائن ينتظرون من نصف ساعة وانتِ هلا ما جهزتي؟! شو هو العريس بدو وحدة باكية!؟ إبتسمت بمرارة وردت : عشر دقائق وبجهز
جلست أمام المرآة وبدأت تصلح من إنتفاخ عينيها من كثرة البكاء الليلة الماضية, بالمساحيق التجميلية ونظرت إلى ثوبها المقرر لبسه والخاص بالراقصات , المكون من صُديرية ذهبية اللون بنجمتين حمراويتين في منتصفهما وتنورة طويلة باشرطة ذهبية وملونة حتى تظهر سيقانها البيضاء الدقيقة التكوين
كُل العاملين في المطعم علقوا آمالهم بالقادمة الجديدة لإنعاش حركة المطعم من الزبائن بفضل جمالهاالأخاذ وعمرها الربيعي.
تناول مُقدم برنامج السهرة الميكروفون , ليعلن إستكمال الحفلة بعد فاصل الراحة" إزا كان حلاوة العسل الشهد, فلكم شهد الحلوات وجميلة الجميلات برقصتها النورية:
وماأن خرجت لإداء رقصتها حتى إنهال عليها المال من كل حدبٍ وصوب ومن قمة رأسها حتى قدميها, خطوة خطوتنان إلى الأمام ووقف صارخاً وممسكاً بقميص صديقه السوري"يا إبن الحرام , يا أولاد الحرام, ليش أختي , ليش ليش ليش



#سميرة_عباس_التميمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة(الى روح أبي الطاهرة)
- حب على طريقة راسبوتين (أول حب ..آخر موت)
- الى من ايقظ حرفي
- تمثال طروادة
- في مدرستنا مافيا
- سارا
- لحظة ود في جو رمادي
- خيانة
- انت لست لي
- قصيدة-حب بلاقيود
- قصيدة- عنوانها ( عادتي لحبك لن تتغير)
- طفولتي
- ميلاد قصيدة
- ارض الرافدين


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميرة عباس التميمي - قصة