أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - يحيى غازي الأميري - ذكريات في الذاكرة راسخة، من العزيزية إلى أربيل















المزيد.....

ذكريات في الذاكرة راسخة، من العزيزية إلى أربيل


يحيى غازي الأميري

الحوار المتمدن-العدد: 3055 - 2010 / 7 / 6 - 08:40
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


بتدوين بعض الذكريات، أستعيد لقطات من شريط الزمن القديم، فهي تتنقل معي، تدور وتدور في راسي، لا تريد أن تفارقني، فقد غرست مرساتها عميقاً في حافظة الذكريات، وأعود مرة أخرى لبعض الذكريات التي جمعتني مع أصدقاء وأحبة أدونها، ذكريات تجمعنا الآن على الورق، كما كنا نجتمع ونلتقي، ونتحاور، ونتأمل، ونتألم، ونحلم، ونمرح ونخاف، ونحزن، أنها تثير الشجون، أدونها بعد أن مرت علينا سنون طوال عجاف مرعبة، مخيفة، ذقنا فيها طعم الموت والبؤس والمرارة والذل، قطفت منا أجمل سنين العمر، وقطفت معها اعز الأحبة، وفرقتنا في مشارق الأرض ومغاربها وزادت من مآسينا.

في سبعينيات القرن الماضي كنا شباباً، كانت هنالك فسحة من الحرية والديمقراطية، وخصوصاً في زمن الجبهة الوطنية؛ لكنها فسحة ملغومة بالترصد والمتابعة الأمنية والبوليسية، ومنهج سلطة لم يتوقف أو يهدأ عن بث الرعب والبطش والخوف، تسري مناهجها البوليسية المرعبة المتلبسة زيفاً بالتقدمية الإنسانية على كل المجالات وتحشر انفها في جميع النشاطات الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية.
لم يكن وقتي يمضي بشكل رتيب خلال ذلك العقد من الزمن، كبقية العديد من أقراني الذين يشاركونني بنفس التوجهات الفكرية والثقافية والسياسية، فهنالك متسع لملء الفراغ رغم كل المنغصات والتهديدات، إذ كانت توجد نشاطات متعددة؛ العمل في المنظمات المهنية، الوظيفة، الدراسة، العمل السياسي، القراءة، الحوارات الفكرية والثقافية، السفر تفقد أخبار وأحوال الأحبة والأصدقاء بحميمية صادقة، متابعة النشاطات الثقافية والأفلام السينمائية والمسرحية وغيرها من النشاطات.
دائرة المعارف والأصدقاء كانت قد اتسعت فقد أصبح عندي أصدقاء أحبة في العديد من المدن، وفي مدينة العزيزية خصوصاً إعداد كبيرة منهم، فأصدقاء الصبا والشباب، وأيام مقاعد الدراسة، صداقتهم أكثر مودة وألفة وانسجام وعلاقات حميمية، ففي العزيزية كانت اللقاءات مع العديد منهم لا تنقطع نلتقي كل مساء تقريبا، خصوصاً أيام العطل، كنا نختار بعض المقاهي تكون مقراً لتلك التجمعات، هنالك العديد من المقاهي التي كنت أتردد عليها وتختلف هذه التجمعات من مقهى لأخر حسب الرواد وتوجهاتهم، إحدى تلك المقاهي كانت مطعم ومقهى طالب " رحمه الله" المرحوم طالب من أهالي العزيزية القدماء من عائلة كريمة طيبة، وهو في الأصل من القومية الكردية، في تلك اللقاءات كنا نتحاور نتناقش في مختلف المجالات الفكرية والسياسية والدينية، وما يدور في الساحة، أخبار الساعة كما يقال، وكان للحوارات الفكرية حصة الأسد منها، ومن خلالها يتفقد احدنا الأخر، ونشارك بعضنا البعض الأفراح والأتراح، وخلال تلك اللقاءات ننظم بعض السفرات السريعة وجلسات السمر، ونتبادل الكتب والمجلات.لم تكن تجمعاتنا محصورة على فئة سياسية أو قومية أو دينية أو طائفية معينة، فقد كانت خليط، ففينا اليساري و الشيوعي والقومي والبعثي وذو الاتجاه الديني" السني والشيعي" والمستقل، من الكرد والعرب وغيرهم. لقد تعرض صاحب المقهى " طالب" رحمه الله إلى العديد من التهديدات والاستفزازات والاستجوابات بسبب تجمع اليساريين " الشيوعيين" بشكل خاص في مقهاه، لقد تحمل الكثير بسببنا، كانت علاقته طيبة وحميمة بنا جميعا ً، كان البعث قد زرع عيون عسسه في كل مكان,لا يهدأ من المراقبة والمتابعة لكل شاردة وواردة، فقد بدأ منذ عودته الثانية تموز 1968 بدق أسافين الفرقة وزرع بذور الشقاق والنفاق، وإتباع أساليب الترغيب والترهيب والرعب والتسلط والتقسيط في عموم البلد.
في إحدى تلك الجلسات " في مطعم ومقهى طالب" الذي يقع وسط المدينة مجاور محلات " حسين الجميل" مقابل محلات الحاج عاشور القرة غولي ، كان الحديث يدور عن شمال العراق والسياحة في مصايفه الرائعة، طرح أحدنا فكرة القيام بسفرة لشمال العراق ، وتحديدا إلى مصايف أربيل، كانت الاستجابة جيدة، خصوصا ًبعد إن وافق صديقنا "صادق خلف العلي " أن يذهب معنا، فهو الوحيد بيننا يمتلك سيارة، وسيارته ممتازة في السفرات فهي واسعة ومريحة ومتينة, وبالتالي هي من دولة اشتراكية أنها سيارة " فولكا " من الموديلات التي دخلت حديثا ً للبلد، وكذلك يمتاز" صادق "بكونه لطيف المعشر، مريحاً في السفر.
لقد وافق كل من صلاح مهدي البولوني, دعدوش عليوي القرة غولي، وعيدان هلال سلمان وكاتب السطور "يحيى الأميري" ، وصاحب السيارة صديقنا صادق خلف، في تلك الفترة كنا جميعا موظفين بمختلف دوائر الدولة .
كنا متوجسين بعض الشيء من " التشكيلة " في هذه السفرة، فقد تسبب لنا بعد عودتنا إشكالات وعواقب غير متوقعة، فجميع الأسماء التي وافقت وتحاورت هم من الشيوعيين المراقبين والمعروفين في المدينة، وتقارير الأمن وعيونه تلاحقنا في كل صغيرة وكبيرة.
تحاورنا فيما بيننا أن نزج بيننا أحد أصدقائنا من المستقلين أو المرتبطين بشكل شكلي في حزب البعث، من الذين اجبروا بالترغيب والترهيب في الانضمام لحزب البعث، سخن الحوار قلبناه يميناُ وشمالاً من مختلف الجوانب، وانتهى الحوار نسافر بنفس تشكيلتنا,دون أن نفاتح أي واحد، وقد كان من أحد أسباب عدم إشراك صديق مرتبط بحزب البعث أو مستقل فقد نكون قد نحرجه ونضعه في موقف لا تحمد عقباه بعد عودته، أي نضعه تحت طائلة السين والجيم، وكما يقال تحت " الحكة" تحت طائلة القانون!
كنت وقتها أعمل موظفاً في مزرعة الصويرة / الشركة العامة للإنتاج الحيواني.اتفقنا أن يكون سفرنا في المساء،عدت من الدوام بعد الظهر، وصلت البيت ما هي ألا لحظات وعلى الموعد جاء "صادق" بسيارته ومعه مجموعة الأصدقاء، أخبرني إنهم جاهزون وكنت قبل وصولهم قد أعددت حقيبة السفر على عجل، وأخبرت أهلي بسفرتي ووجهتها وأسماء أصدقائي الذين سوف أسافر معهم.
انطلقت السيارة في اتجاه رحلتنا أول محطة ستكون بغداد ومن هنالك نواصل الرحلة إلى أربيل، عند أول انطلاقنا أخبرت أصدقائي أني يجب أن أمر على مدير دائرتي والذي يسكن في الدور الخاصة بموظفي مزرعة الصويرة، [ وتقع مزرعة الصويرة الحكومية على الطريق العام الذي يربط بين العزيزية وبغداد، تبعد حوالي أكثر من 35 كم عن قضاء العزيزية ] كي أطلب منه منحي أجازة من الدوام، وقد أعددت مع نفسي قصة مقبولة، كي يوافق على أجازتي بسرعة، انعطفنا على دور الموظفين ترجلت من السيارة على بعد مسافة من بيوت الموظفين، كان مدير دائرتي " د. إبراهيم الربيعي " ومعاون المدير " المرحوم كريم احمد البدر" يسكن في البيت المجاور له، طرقت الباب على المدير لم يكن احد في البيت, استدرت بسرعة إلى بيت معاون المدير "المرحوم كريم البدر " ضغطت على الجرس لحظات خرج لي "أبو ميادة, كريم البدر " وبعد التحية، سألني وكانت علامات الاستفهام والدهشة مرتسمة على وجهه.
ــ خير يحيى، خوما اكو شيء ؟
ــ أخبرته أن خالي في الموصل قد تعرضت سيارته إلى حادث اصطدام وهو الآن يرقد في المستشفى وحالته خطرة، وسوف اذهب الآن إلى الموصل.
وافق الرجل بسرعة، وحملني تحياته وتمنياته بالشفاء العاجل، فهو يعرف أن لي خالاً يسكن في الموصل.
عدت إلى أصدقائي، وانطلقنا بسرعة، أخبرتهم بالعذر الذي أعددته، ضحكنا، لقد منحت إجازة مفتوحة لعدة أيام، السيارة تقطع الأميال تلو الأميال، السائق الوحيد بيننا هو صادق فقط، نتوقف هنا وهناك للراحة وتناول الشاي والمرطبات والطعام، في الطريق نكات وحوارات على راحتنا.
وصلنا أربيل, قضينا فيها يوما ً واحدا ً، وانطلقنا بعدها إلى مصيف شقلاوة، وصلنا إلى محطتنا بعد أن استمتعنا بالمناظر الخلابة على طول الطريق المؤدي إلى مصيف شقلاوة، فقد حبسنا أنفاسنا ونحن نلف بالسيارة اللفات الأربعة عشر للوصول إلى قمة مصيف صلاح الدين, تناولنا في أحد مطاعمه غدائنا.
في شقلاوة استأجرنا مكان للمبيت، أنزلنا حقائبنا، وسرحنا في جولة نطوف فيها شوارع شقلاوة، نستنشق من عذب نسيمها، ولسعات برده، نراقب حركة الناس، المقاهي والكازينهات التي تمتد على جاني الشارع الرئيسي والعديد من الشوارع الفرعية المجاورة له، تصدح منها الموسيقى والأغاني الكردية بألحانها العذبة التي تدخل السرور والبهجة للنفس، سهرنا سهرة جميلة مستمتعين بمناظر جديدة علىينا في اليوم التالي قررنا أن نذهب باتجاه شلال كلي علي بيك، ومنطقة جنديان والعين السحرية، وراوندوز، وشلالات بيخال.
أكملنا استعدادنا لمواصلة السفرة، قررنا أن نتناول وجبة طعام دسمة قبل السفر واخترنا أحد المطاعم الجميلة مطعم يقع وسط المدينة يطل على الشارع العام وبجواره نهر سريع الجريان، اخترنا احد الأماكن الجميلة تحت ظلال الأشجار الباسقة.كانت رائحة الشواء تملأ المكان، بعد المداولات، طلبنا كباب ولبن وخبر حار، فيما نحن نتجاذب إطراف الحديث، صُفت المقبلات واللبن على المائدة، بعد فترة قليلة جاء أحد العمال يحمل صينية وضعها على المائدة التي نجلس حولها، صينية دولمة، فهمنا من حديثه أنها لمائدتنا من الشخص الذي كان يجلس في مقدمة المطعم,واشار بيده عليه اعتقدنا أنها هدية, انهالت عليها الأيادي, بعد فترة قصيرة جاءت وجبة الكباب، والخبز الحار، فيما نحن بين المزاح والدهشة من صينية الدولمة، جاء صاحب المطعم وسلم علينا، باللغة العربية رددنا عليه التحية كانت عيناه تنظر لصينية الدولمة، وابتسامة على فمه، وبكلمات ودودة يرددها بالعربية ألف عافية، ألف عافية، صينية الدولمة قد جاءت على مائدتكم عن طريق الخطأ، كان موقفاً محرجاً لنا، لم نعرف ماذا نتحدث معه، اخبره أحدنا أننا اعتقدنا أنها هدية من المطعم، ضحك الرجل كانت ابتسامة عريضة على وجهه، وبلكنة عربية قال مرة أخرى ألف عافية اعتبروها هدية من المطعم,، أكملنا وجبة الطعام وشربنا الشاي، حاولنا إن ندفع له قيمة صينية الدولمة رفض ذلك، دفعنا قيمة وجبة الكباب، كانت كلمات الترحيب والمودة لن تفارق حديثه، شكرناه وانصرفنا كي نكمل سيرنا.
أدار صادق محرك السيارة صوت المحرك يدور، لكن السيارة لم تشتغل، حاول ثانية وثالثة، وكرر المحاولة مرة أخرى السيارة لا تريد إن تشتغل، لم تكن لدينا أي معلومات ميكانيكية عن السيارات، فتحنا "بنيد السيارة " غطاء السيارة الأمامي، اتجهت عيون الجميع للمحرك فحصنا الماء والزيت لا توجد مشكلة فيه، حركنا " الوايرات" الأسلاك المرتبطة بالبطارية، وحركنا الأسلاك التي في أعلى المحرك، دار صادق مفتاح السيارة أخخخخخخ, وراح المحرك يعمل كما الساعة، حمدنا الله، وأغلقنا البنيد، ركبنا السيارة بسرعة وانطلقنا.
اجتزنا سهل حرير وخليفان واسترحنا قليلاً بقرب شلال كلي علي بيك، منظر الجبال الشاهقة وصوت شلال الماء وهو يهبط بدوي من ارتفاعه الشاهق، ودوي وارتطامه في قعر الحوض الكبير، رذاذ الماء يتطاير، منظر مدهش. وصلنا سيرنا في نهاية الكلي من جهة جنديان، كانت تنتصب مفرزة عسكرية للتفتيش، معززة بالحواجز والجنود المدججين بالسلاح، احد جنود الحراسة صرخ من بعيد مرحّباً بنا وهو يلوح بيديه، أهلاً بأهل العزيزية، هرع ألينا مرحباً، طلب منا الوقوف على جهة أشار بيده لها كي يبقى الطريق، مفتوحاً لحركة السيارات، ترجلنا من السيارة، ورحنا نتصافح معه بحرارة وشوق، أنه الصديق حمودي ناجي ـ جندي أو نائب عريف احتياط مواليد 1951ـ من أهالي العزيزية، تجاذبنا معه الأحاديث.اخبرنا أن هنالك مجموعة من أهالي العزيزية من الجنود الاحتياط مواليد 1951 معه في نفس الوحدة العسكرية لكنهم في مقر اللواء.
أخبرناه بسفرتنا ووجهتها، استأذننا بعض الوقت، أخذ الأذن " الترخيص" من الضابط المسؤول عنه وجاء كي يرافقنا، أكملنا جولتنا حتى شلالات بيخال الخلابة، وعدنا بعد الظهر,أقترح علينا صديقنا "حمودي" إلى ضرورة مشاهدة أحدى القرى الجميلة التي تقع في المنطقة القريبة من مدخل الكلي، لم اعد أتذكر أسمها، أرشدنا إلى احد المطاعم فيها، اخترنا مائدة بجوار النهر، تظللها الأشجار الباسقة، كانت المنطقة والمطعم غاية بالجمال والروعة، بمناظرها الخلابة، وهوائها العليل، ومياه نهرها الباردة العذبة. بعد تناول الطعام، حزمنا امرنا للعودة إلى شقلاوة، كان المساء قد بدا يداهمنا وصلنا لنقطة التفتيش في الكلي، ترجلنا لتوديع صديقنا حمودي كانت الشمس قدغادرتنا، أقترحعلينا صديقنا حمودي بعد أن دخل بنقاش مع بقية جنود مفرزة التفتيش، أن لا نكمل سيرنا، يجب أن نتوقف، فالمنطقة خطرة، غير مأمونة في مثل هذا الوقت، وقد نتعرض فيها لحادث، فجميع القوات العسكرية التي تنتشر لتأمين الطريق تنسحب إلى مقراتها في مثل هذا الوقت, بعد محادثة قصيرة بين صديقنا حمودي وجنود المفرزة أتصل بالضابط المسئول عنهم وأخذ الموافقة منه أن نقضي تلك الليلة في إحدى غرف جنود المفرزة, لم يمانع الضابط ، رحب بنا جنود المفرزة أجمل ترحيب، كنا قد اشترينا بعض الأمتعة والمشروبات، أنزلناها من صندوق السيارة, وقضينا ليلتنا بسهرة رائعة، في منتصف الليل استيقضت أكثر من مرة لأفرغ ما بمعدتي بعد أن أصبت بتسمم نتيجة تناولي كمية من الشراب" النبيذ الأحمر" الذي اشترينا كمية منه من أحد بيوت شقلاوة !

في الصباح تحدثنا مع ضابط المفرزة وطلبنا أجازة لصديقنا العزيز حمودي لعدة أيام، وافق الضابط، واتصل بالجهة الأعلى منه، لتزويده بنموذح أجازة، استلم إجازته، شكرنا الضابط و جنود المفرزة واصطحبنا حمودي معنا في السيارة.
عند وصولنا قرب "خليفان " وسهل حرير اخبرنا صديقنا حمودي أن في مقر اللواء في خليفان او سهل حرير " لم تسعفني الذاكرة لتحديد المكان بالضبط , يوجد جنود مكلفين احتياط أصدقاء لنا من العزيزية، عبد العزيز عبد الحسوني، وجودت حمزة حبيب ـ إذ في ذلك الوقت كانت دعوة مواليد 1951 لخدمة الاحتياط ـ انعطفنا على مقر اللواء ودخلنا على أمر الوحدة العسكرية و استحصلنا منه أجازة لهما لعدة أيام, واصطحبناهم معنا في نفس السيارة إلى شقلاوة, فالسيارة كما قلت في المقدمة "فولكا" اشتراكية، صناعة روسيا" واسعة وتتحمل، في شقلاوة بعد استراحة قصيرة، ودعنا صديقينا " عبد العزيز عبيد الحسوني وجودت حمزة حبيب" ليستقلا سيارة أخرى للذهاب إلى بغداد فالعزيزية ، فيما بقى صديقنا حمودي يكمل معنا بقية أيام السفرة ورحلة العودة.
بعد وصولي البيت أخذت استراحة يوم أخر فقد كنت قد حصلت على أجازة مفتوحة غير محددة الأيام، للعذر المحكم الذي قدمته، عند مباشرتي في اليوم التالي الدوام، وقد وصلت للدائرة مع بداية الدوام، سلمت على زملائي الموظفين، وكذلك دخلت على غرفة معاون المدير "المرحوم كريم البدر" لشكره، والسلام عليه، فقد قدر الموقف ومنحني موافقة الإجازة، صافحني بحرارة وطلب مني بنوع من الود أن أتفضل بالجلوس، سلمت على بقية الموظفين الذين كانوا في الغرفة، ضغط على الجرس أكثر من مرة ,وطلب من "الفراش" أن يجلب للجميع صينية شاي وطلب منه أن يستدعي بعض الموظفين الآخرين. فيما بدأ يتجمع بقية الموظفين في الغرفة كان المرحوم " كريم البدر " وبعض الموظفين ينهال عليّ في أسألتهم لغرض الاستفسار والاطمئنان على حالة خالي الذي يرقد في المستشفى، أثر حادث السيارة، أجبت على معظم الأسئلة، بشكل جدي، وطمأنتهم على حالته، فيما راحت تمطرني الاستفسارات مرة أخرى من كل جهة وزادت الأسئلة، كانت الأسئلة فيها كثير من اللهفة، لسماع ما أجاوبهم به وأنا ارتشف استكان الشاي بهدوء كانت عيناي، تدوران على وجوه زملائي، تقرأ كأن شيء ما في عيون الجميع، تسرب الشك بداخلي، لذت بالصمت و بتأني رحت ارتشف الشاي، وألتفت إلى زميلي الذي يجلس بجانبي محاولاً فتح حديث جانبي معه، كي أحاول الهروب من كثرة الأسئلة والاستفسارات، لتغير الموضوع؛ جاء صوت "كريم البدر " مرة أخرى مستفهماً عن الموصل وخالي، ويطلب مني أن أوضح لهم أكثر أن أمكن، أيقنت أن شكي في محله لذت بالصمت لحظات، وبدأت حديثي مرة أخرى :
ـ يظهر أنكم غير مقتنعين من حديثي وإجابتي !
ضحك الجميع بصوت عالي، وكان جوابهم:
ـ نعم غير مقتنعين.
ضحكت معهم، وأخبرتهم بالحقيقة، ضحك الجميع مرة أخرى، وتحدث المرحوم "كريم البدر" كيف أكتشف العذر الوهمي الذي قدمته له .المرحوم" كريم البدر " يسكن في مزرعة الصويرة لكنه من أهل العزيزية من عائلة معروفة في المدينة من وجهاء أهالي العزيزية ومشايخها، وكانت زوجة كريم البدر " أم ميادة" ابنة المرحوم أبو نجاة عبد الله الباش كاتب " له الرحمة والذكر الطيب" عائلة والدها " أبو نجاة " تسكن في العزيزية في منطقة السعدونية تجاور بيتنا "الحايط على الحايط" وتربط العائلتين علاقة جيرة مثال طيب في المحبة والاحترام والألفة، وفي أغلب أيام الأسبوع تأتي" أم ميادة " مع زوجها لزيارة بيت أهلها، وعندما أخبرت المرحوم "كريم البدر" بالخبر أخبر زوجته بذلك, ولعلاقة الجيرة الطيبة التي بنيت، كلفت والدتها الاتصال بوالدتي مباشرة كي تطمأن على سلامة خالي، وعند استفسارهم من والدتي هل اتصل بهم " يحيى " عند وصوله الموصل وكيف حال خاله، فأخبرتهم والدتي بصدق، وبطيبتها المعروفة، أن "يحيى" لم يذهب إلى الموصل انه ذهب مع أصدقائه في سفرة إلى شمال العراق.
مالمو في 6/تموز/2010



#يحيى_غازي_الأميري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردا ًعلى تعليق الدكتور - يوسف الهر- والذي ورد على مقالنا الم ...
- تكريم العالم العراقي المندائي الفذ د. عبد الجبار عبد الله, م ...
- قاسم عبد الأمير عجام في عيد الصابئة
- أحد ضحايا صدام وحرب تصفية الحسابات إعدام نصب الجندي المجهول ...
- يا لقلب أمك يا ناجي
- من خزين الذاكرة .. أبي يهدينا بفرح غامر كتاباً مندائياً
- الأحلام المحترقة
- مأتم عراقي مندائي من الذاكرة المهمومة
- محمد عنوز في كتاب من منشورات تموز
- احتفالية لبعث الأمل ب ( طراسة ) * رجل دين مندائي جديد في سور ...
- الشاعر السوداني الكبير محجوب شريف يكتب كي يوقظ الضمير الإنسا ...
- أكتب إلى مهدي و ذكريات مهدي وعيون مهدي وضحكات مهدي/الحلقة ال ...
- أكتب إلى مهدي و ذكريات مهدي وعيون مهدي وضحكات مهدي/ الحلقة ا ...
- أكتب إلى مهدي و ذكريات مهدي وعيون مهدي وضحكات مهدي
- تأملات وأحلام قبل وبعد سقوط النظام
- الشيخ الجليل وصديق الحق و المدافع عن حقوق المظلومين علي القط ...
- في مؤتمر زيورخ ... دونت شهادة الصابئة ومعاناتهم بأمانة للتأر ...
- مات المندائي العراقي ( أبو نبيل ) بعيدا عن أرض الرافدين موطن ...
- الصابئة المندائيون .. مصير مجهول يلفه الضياع والتشرد والتشرذ ...
- مؤتمر زيورخ : صوت من أصوات المضطهدين والمهمشين على مدى العصو ...


المزيد.....




- -صدق-.. تداول فيديو تنبؤات ميشال حايك عن إيران وإسرائيل
- تحذيرات في الأردن من موجة غبار قادمة من مصر
- الدنمارك تكرم كاتبتها الشهيرة بنصب برونزي في يوم ميلادها
- عام على الحرب في السودان.. -20 ألف سوداني ينزحون من بيوتهم ك ...
- خشية حدوث تسونامي.. السلطات الإندونيسية تجلي آلاف السكان وتغ ...
- متحدث باسم الخارجية الأمريكية يتهرب من الرد على سؤال حول -أك ...
- تركيا توجه تحذيرا إلى رعاياها في لبنان
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (3).. القواعد الأمريكية
- إيلون ماسك يعلق على الهجوم على مؤسس -تليغرام- في سان فرانسيس ...
- بوتين يوبخ مسؤولا وصف الرافضين للإجلاء من مناطق الفيضانات بـ ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - يحيى غازي الأميري - ذكريات في الذاكرة راسخة، من العزيزية إلى أربيل