أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - الرابع عشر من تموز ونظرية المؤامرة















المزيد.....

الرابع عشر من تموز ونظرية المؤامرة


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3054 - 2010 / 7 / 5 - 19:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بشكل أكيد يمكن القول إن تأميم قناة السويس وفشل العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 وما حدث في العراق بعده بسنتين, اي في الرابع عشر من تموز من عام 1958 هي أحداث كانت أدت إلى وضع خاتمة حقيقية للهيمنة البريطانية على المنطقة, وسيكون لانتصار الثورة الجزائرية بعد ذلك اليد الطولى لإنهاء بقايا الهيمنة الفرنسية. ولقد اعقب ذلك تسجيل تحولات هامة على صعيد الانتصار لمعسكر التحرر من الهيمنة الاستعمارية العسكرية والاقتصادية المباشرة والمتمثلة بوجود القوات الأجنبية أو القواعد العسكرية أو الاحتكارات الأجنبية.
بالنسبة لقراءات تنسجم أو تنبع من نظرية المؤامرة, فإن بعض الباحثين لم يتوانوا عن اعتبار ما حدث في ذلك اليوم العراقي الساخن جزءا من مخطط أمريكي إستراتيجي كان يستهدف إقصاء النفوذ البريطاني الفرنسي عن المنطقة والحلول كبديل له.
بها أو بدونها لم يكن من الممكن مطلقا تجاوز أهمية الحدثين, المصري: تأميم القناة, والعراقي: تأسيس الجمهورية, في تقرير حال المنطقة التي بدأت تشهد محاولات أمريكية مختلفة الأشكال للزحف على مناطق النفوذ البريطاني والفرنسي.
لكن محاولة وضع الحدثين الحاسمين لكي يكونا في خدمة نظرية المؤامرة لا يمكن أن تتم بعيدا عن حالة الإحباط والتداعي اللتان تولدتا بفعل الانكسارات العربية المتلاحقة والتي لم يكن العقل العربي مهيأ التعامل معها بشكل متوازن ومنطقي سليم. فحينما تأتي الهزائم كثيرة وكبيرة وسريعة وماحقة فإن من الصعوبة بمكان أن يجري التعامل معها بصورة طبيعية, ولأغراض التوازن النفسي غالبا ما تجري عملية البحث عن تفسير خارج محيط الفعل الإرادي, هنا تكون العملية أشبه بمحاولة شخصية لتبرئة الذات. والهزيمة بهذه الطريقة ستكون ليست هزيمة أفكار وإرادات ومناهج كان الشخص جزءا منها أو جزء من عصرها وإنما هي مؤامرة ذكية مرسومة من قبل قوى إستطاعت أن تهيمن على كل تفاصيل الحياة وعلى المناهج والشخصيات بحيث إنها لو لم تكن كذلك لما كان بإمكانها أن تتحقق بهذه النتيجة القاسية .


لغرض الاقتراب من الحدث يمكن تبسيطه بصيغة أخرى: لنتصور الآن إن فريقين كانا يلعبان كرة القدم وكان الفريق الأول قد حسم نتيجة الشوط الأول بعشرة أهداف نظيفة وفي منتهى الجمالية والدقة,ذلك سيجعل جماهير هذا الفريق تعيش في ذروة النشوة, وبالنسبة إلى مجموعة كانت قد قامرت على فوز الفريق بأموال طائلة فإن فرحتها حين ذاك سوف تتجاوز حالة الزهو الروحي المجرد إلى ما يتحقق أيضا من مكسب مادي.
في الشوط الثاني لنتصور إن تغييرا دراماتيكيا قد حصل على نتيجة الشوط السابق حيث يتمكن الفريق الثاني هذه المرة ليس على معادلة العشرة أهداف التي سجلت ضده وإنما أيضا لتسجيل أهداف أخرى تمكن من خلالها على تسجيل فوزه الساحق. لنتوقع الآن ما الذي سيحدث لأنصار الفريق الأول: إن العامة سوف تصاب بالحزن والأسف, لكن مجموعة منهم سوف لن يكون بإمكانها أن تتعامل مع الموقف بهذا المنحى, لقد باتوا بفعل النشوة العظيمة التي تحققت لهم في الشوط الأول غير مستعدين نفسيا لتبديلها بالحزن المفاجئ الكبير, ولن يكون أمامهم غير البحث عن تفسير سريع ومقنع للهزيمة من خارج دائرة المعقول, فالعقل المصدوم بمطرقة الهزيمة الكبيرة المفاجئة وغير المتوقعة بات لا يقوى على البحث عن أسبابها المركبة وسيكون من مصلحته أن يلجأ إلى تفسيرات بسيطة لا يقوى على التفكير بغيرها وسيكون مهما لأغراض استعادة التوازن العقلي والنفسي أن يؤلف لنفسه قصة مقنعة كأن يعتقد إن شيئا مريبا كان قد حدث بين الشوطين وهو الذي أدى بدوره إلى هذه الهزيمة المرة, كأن تكون قد جرت رشوة المدرب ولاعبي الفريق أثناء فترة الاستراحة ما بين الشوطين.
إلى حد ما يمكن تفسير ما حدث للمنطقة العربية ومنها العراق على هذه الشاكلة, ففي الشوط الأول الذي كان قد أمتد من عام 1952 وإلى يوم الخامس من حزيران من عام 1967, استطاعت القوى العربية الوطنية والتقدمية أن تسجل انتصاراتها الرائعة والكثيرة والسريعة, وقد تجسدت الأهداف التي سجلها فريق هذه الحركة في هدف الفريق الإستعماري بانتصارات كبيرة مذهلة كان من بينها التغيير المصري في الثالث والعشرين من يوليو من عام 1952 وما تلاه من تحولات كان أهمها تأميم قناة السويس والانتصار المصري في مواجهة العدوان الثلاثي بعد تأميم القناة الذي كان فاتحة حقيقية لتغيير وجه المنطقة من حيث علاقاتها بدول المعسكرين, الرأسمالي والاشتراكي, ثم تأسيس الجمهورية العراقية وكل ما تلاه من تغييرات جوهرية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية , ثم جاء انتصار الثورة الجزائرية على الإستعمار الاستيطاني الفرنسي للجزائر الذي طال لأكثر من قرن ونجاح حركة السلال في اليمن في إنهاء عصر الإمامة ليضيف أهدافا أخرى في مرمى الخصم, بحيث إن العقل العربي بدأ يتعامل نهائيا مع مفهوم النصر كحالة محسومة لصالحه, وساهم الإعلام الخطابي والتهريجي في تحويل حالة النصر كجزء من عصر بطولة لا يمكن مقارعته.
في الشوط الثاني لتلك المباريات السياسية التاريخية تنزل قوى المعسكر المضاد لتسجل أهدافا كثيرة كان من شأنها أن تقضي على فرحة الشوط الأول. يحدث الانفصال بين البدين اللذين تأسست منهما الجمهورية العربية المتحدة وهما سوريا ومصر ثم تحدث الفاجعة الكبرى أو ما سمي وقتها بنكسة الخامس من حزيران فتحتل إسرائيل ما تبقى من الأراضي الفلسطينية التي كانت قد احتلتها في عام1948, وقبلها أيضا كان الحلم العراقي قد تمزق وتبعثر حيث جابهت الثورة التموزية بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم أخطار التمزق والاقتتال مما أدى إلى انهيارها ومقتل زعيمها وبدأت الثورة الجزائرية تعاني من صداع الانشقاق والاقتتال الداخلي, وفي اليمن صار هناك اقتتال عربي عربي قطباه مصر والسعودية.
إن تلك الانكسارات وغيرها كانت قد حدثت في الشوط الثاني من المباراة, وبينما كان بإمكان العامة من جمهور المباراة أن تحزن قليلا ولفترة وتتأسف للنتيجة فإن البعض من سياسي الكرة كانوا بحاجة إلى تفسير سريع من شأنه أن يعيد معدلات ضغط الدم المتصاعدة بسرعة إلى مستوياتها الطبيعية, وإلا لكان عليها أن تواجه خطر الموت بالسكتة الدماغية.
هكذا بدأت نظرية المؤامرة تعثر على أنصارها ولم يعد غريبا أن نسمع إن عبدا لناصر لم يكن سوى عميلا أمريكيا إسرائيليا, وإن ما حدث في الخامس من حزيران لم يكن سوى خطة جرى التفاهم حولها في الكواليس الإستخباراتية الأمريكية بين ناصر والإسرائيليين, وفيما بعد وحينما أرتكب صدام حسين حماقته الكبرى بغزوه للكويت فإن كاتبا عراقيا معروفا لم يتردد عن وضع ذلك الغزو في خانة نظرية المؤامرة حيث أكد على إن الهدف من الغزو كان لأغراض التخلص من الجيش العراقي الضخم, عدة وعديد, وذلك بعد أن توقفت الحرب العراقية الإيرانية وانتهت أخطار التغيير الإيراني ومفهوم تصدير الثورة. وبسبب الانهيار العراقي الكبير الذي جسدته الهزيمة في الكويت وجملة التنازلات المهينة التي أقدم عليها صدام بعد أن كان صور نفسه بصورة بطل الأبطال الذي لا يقهر, فإن عديدين, ومنهم ذلك الكاتب السياسي المقتدر, لم يستطيعوا أن يهضموا الهزيمة الماحقة بغير ترياق نظرية المؤامرة لكي يصبح صدام حسين أيضا وليس عبدا لناصر فقط عميلا للمخابرات المركزية.
إن سرعة الهزائم من ناحية وكثرتها وحدتها من ناحية أخرى كانا قد أسسا لنجاح ثقافة المؤامرة التي تبناها العديدون على تناقض توجهاتهم السياسية, وبسبب هذه الثقافة وعلى يد هؤلاء لم يكن غريبا أن يوضع الرابع عشر من تموز في خانة تلك الثقافة ويجري التشكيك بقائدها عبدا لكريم قاسم.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تموز.. حيث الآخر الطيب هو الآخر الميت
- ظاهرة الأسماء المستعارة
- الديمقراطية العراقية.. وهل ممكنا أن تبيض الديكة
- الدلتا العراقية السياسية... على أبواب أن تغرق
- العراق أفضل بدون حكومة
- الشيوعيون والبعثيون.. وقضية الرحم الواحد
- مقالة بين مقالتين.. عن الشيوعيين والبعثيين وهل هم أبناء رحم ...
- الشيوعيون والبعثيون.. هل هم أبناء رحم أيديولوجي واحد
- محاولة نظرية لفهم تاريخية القتال البعثي الشيوعي وذلك الذي قد ...
- الحزب الأيديولوجي... نزول إلى الأعلى
- أمريكا.. هل هناك فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين
- بإمكان الوطنية العراقية أن تنتظر قليلا
- العلمانية.. إنقاذ الدين من رجالاته السياسيين
- من الذي يتدخل في شؤون الآخر... العراق أم جيرانه ؟!
- ثقافة اليشماغ... حول رسالة معد فياض إلى مام جلال..
- الديمقراطية وأخطار المثقفين
- الإسلام السياسي أقصر الطرق لتقسيم العراق
- هل تخلى المالكي عن ناخبيه
- الشعب على حق ولو كان على خطأ
- لو ظهر عبدا لكريم قاسم الآن لسانده ( السنة ) وقاتله ( الشيعة ...


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - الرابع عشر من تموز ونظرية المؤامرة