أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - مخططات للحفاظ على القانون















المزيد.....

مخططات للحفاظ على القانون


نصيف الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 3052 - 2010 / 7 / 3 - 23:15
المحور: الادب والفن
    


1

الأشجار ساخنة مثل أحلامنا في الظهيرة ، لكنها صامتة في الظلام المضاعف
للزمن ، واللحظات ترتجفُ مطمئنة خلف الأبواب الضبابية للموتى . لا خلود
لسهر الانسان وقربانه المعذب في العطاء الحلو للصيف ، والجزر التي حفرناها
لنوم العصافير ، تعبر الفضاء مترنحة في الريح المجهولة ، ثابتة واهتزازاتها
ترهن نومنا وضوء الحقول . لحظة لانجماد الأعياد . لحظة لبريق البشارة
كل تماثل في هذه اللحظات المتشققة ، تطفئه السُفعة الملتوية والمندفعة لتنفسات
أفعى الزوال . الخريف أسير عاداتنا ، والبجعة مغرمة وتشهد ضد النسيان حين
نترك أشيائنا بين الممرات المتقرحة ونمضي مثل العميان باتجاه الشرارة الأخيرة .
لموتنا . كل شرخ في مرايا الشجرة التي نمتحنها ، علامة احتضار لضفائر الرغبة .



2

يريدون أن أتحدث لهم عن عطر القرنفل في الينبوع
لكن كلمتي تتراخى محتضرة في النسيم الجاف للعزلة
ولا أمل لي في سنبلة قادمة . الصمت والجليد يغلفان
أغنيتي ، وأقصى ما أطمح اليه هو الوصول الى قمامة
موتي بلا عكازات وأقراص كارتيزون . لا يخلصنا شذى
الهلال من الرماد المقيم للبلوى ، ولا خرائب النهد تظللنا
بغيومها الخفيضة . كل أحلامنا تنطمس في الجرح المتلطف
لحليب النهار ، وانتظاراتنا تخشخش مغضوطة بفراغ أيامنا .


3

أنغام النعمة ذابلة في تنهداتكِ المنغلقة على الظلام ، ولا نسمة
حرّة تعينكِ على عبور قبو سجنكِ المنغلق على الفضاء ، الحبّ نصب
عجائب لعطور الموسيقى ويعلو دائماً في كستناء الزمن ، وابتهالات
نحل تُسمع عبر المرآة المزدوجة للحقيقة الانسانية . طروادة انتهت
الآن ، وايكاروس الغجري طار وحطّ متوسداً جروحه في الندف الثلجية
العميقة في أرض السويد ، وأنتِ تنتظرين الآن الانتحار ببطء تحت ثقل
خنزيركِ العجوز المريض . في أرض الصيد ، نقيم شعائرنا ونواصل
العيش مع الماضي . لا يقطن النسيم القليل للحبّ في الظلمة ، ولا الذكرى
تتنفس الضباب في فناء الهيكل العظمي لشجرة الزمن . يمتد النور بلا
مؤاساة دائماً ، ومذاق القبلة سهم موسيقى في الليلة التي يتجمد فيها الوعي
حين تعبر الغزلان شاطىء الخزف الصيني . كانت لحظة مباركة حين
التقيتكِ في ذلك اليوم الذي خرجتُ فيه من سجن { الموقع } بأربيل وأنا
أعاني من عقابيل داء الجرب . كنتِ جميلة جداً في ذلك اليوم المشؤوم
ولا تشبهين أيّة امرأة أخرى في العالم . كنتِ مضيئة كمعراج دافىء يصعد
من ليل السنبلة الى رتاج الشمس في الأحلام . كتبتُ لك رسائل كثيرة من
جبهة الحرب ، وكنت تقرأين عسلها للسحالي في صخور أعماقكِ .
هل كنتِ شفيعة حقاً في بلد يلتزم الناس فيه الصمت وسط ليل الطروادات ؟


4

أصوات منعمة كثيرة سمعناها تعبر تحطمات الليل في زحام الموتى
على الجسور ، والعظام لا تحفط عفتها في غياب الآلهة . فجوات عميقة
بين أملاح الوزن وهرطقات نار الفراشة . خلف كل ساحل يتظاهر الموتى
بالنوم ، لكننا نعرف انهم يرفعون أصواتهم ويتدرعون برماح الطفولة .
هذه اللحظة المدوخة معزولة الآن عن النور المختبىء في منحدرات
الغروب ، واخوتنا الغرباء يضيّعون آلات الصيد في الحشائش الذابلة
لغابات القرون الوسطى ، ويتركوننا نترقب مجيئهم الى الفجر . التعري
الآن ليس سهلاً أمام السقّالات المحمولة في جندول الحزن ، ولا صعود
رغباتنا أكثر حرارة في القناديل التي تلفها الترنيمة الكريمة لأغصان
السرفيل الأبيض . تنتظرنا الآن ونحن ننرقبُ وصول الموتى ، آلات
حادّة تسري بين العظم وبين الكلمة ، وفي الجنائن التي أعددناها لضيوفنا
تضطجع الموسيقى مقروءة في توهج لحظة العودة .



5

رجل مشجوج الجبين ، يحدقُ في فراغ أيامه ويتلمسُ باب صنوبرة سوداء .
الخطيئة هي ما تفزعه ، لكن المحاذير تعلو على أيّة اشارة منه في الانتحار .
لو كانت له القدرة على الفعل ، لما بقى لصوص في المدينة . ثلاثة عشر
عاماً تحت ثمار سماء السويد ، مخفياً موعظتي ، أفكر بالعودة الى بيت
العنكبوت ، لكنني بعد قرابين كثيرة سفحت خمورها في تعبدي ونجواي
تذكرت أيام شبابي التي قُتلت بسوط محبتي لذلك البيت الذي طُردت منه .
لا صفصاف للفاني ، ولا رجاء للشريد . كل دمعة هي لطخة جحيم في
رخام الذكرى ، والوطن سكنت أنهاره اليابسة ذبابة المزابل وذئاب الخراب .


6

للحفاظ على القانون يلزمنا أن نزيل الأشجار عن الطريق . كل تعثر علامة
انحطاط في القيّم التي نؤمن بها . أحلامنا المريضة تفسدها أصوات الصراصير
في ليالي الربيع ، ولا أمل لنا في الظل المتصدع للمومياء التي ننتظر وصولها
في العتمة المحلوقة . كل ما نؤمن به ، يدخن دائماً في رماده ، وما ينتظرنا
يدمر كل ارادة وكل شراع للطموح البشري . يتوجب علينا الآن أن نحطم
الأصنام في المستشفيات ، ونحرض المرضى على الموت . تطالبنا الالوهة
بالحفاظ على ادامة الطقوس والشعائر لها ، وعلى ما تبتغيه وما يشبع نهمها
لكنها تتجاهل باستمرار شقائنا في البحث عن مخرج للطوارىء ونحن نتعذب
وسط حقول الألغام الكثيرة التي نصنعها بأنفسنا عبر أوهامنا الدينية عن خلاص
ما . لحظة قصيرة من الصمت بين المشعل والشاطىء . تخفف عنّا ثقل المحنة
الصائتة في التلاقي العذب للحظة موتنا .


7

كنتُ أرافقهم في الخنادق خلال القصف المدفعي الكثيف ، وكانت منازلهم
وأيامهم تدمرها الطائرات . كانت لهم أحلام فقيرة وزوجات ينتظرن مجيئهم
وكانوا يتساقطون الواحد تلو الآخر في تلك اللحظات المؤلمة . أحمد نعيم كان
بحاجة الى الحبّ ، نثرت أشلائه قذيفة ثقيلة . رياض نوري كانت عنده آلة
موسيقية ، بترت يده اليمنى أثناء محاولته ازالة لغم في الطريق . جبار عسل
كان يتذكر ساعة ولادته بلهب أخضر ، لكنه في تلك الحظة ملأت روحه
التجاعيد ، ولا يريد أن يموت في الحقول الخرافية لسخرية القنبلة المشدودة .
انظرُ الآن الى صورة تلك السنوات ، وأفكرُ بأولئك الرفاق الذين ماتوا ولم
يأكلوا الثمار الصيفية ، ولا شربوا النبيذ في حانات بغداد ، وأتحسر على
مصائرهم ولطافاتهم التي تساقطت في غبار الحرب ، وأبكي على شبابهم
وحيواتهم التي ذهبت هدراً .


8

في السنوات الأخيرة من حياته ركّب الشاعر الجميل سركون بولص
طقم أسنان كامل ، ودفع 10000 دولار الى الطبيب من ماله الخاص
. في لحظة موته المؤسفة ببرلين وأثناء احتضاره . جاء ناشر كتب جشع
الى المستشفى وطلب من الأطباء والممرضات أن ينتزعوا له طقم الأسنان
من فمه الذي يطلب النجدة . كانت حجة هذا الناشر ، انه سيطبع في
المستقبل كل أعمال سركون ، واذا طالبه ورثته بالحقوق ، سيقول لهم :
{ لا حقوق لكم عندي . أنا دفعت له 10000 دولار ثمن طقم أسنانه هذا } .
سركون شاعرنا الساحر النبيل عاش حياته من دون بيت أو وظيفة .
سلبته الحياة والأسفار الراحة ، وسلبه الابداع النوم ، وسلبه الناشر السافل
أثناء لحظة احتضاره الأليمة أسنانه .


9

{ غراب يحمل بمنقاره قشة من أجل أن يبني له عشاً . رأى في مرآة دكان
حلاّق ، ظلاً يشبهه . أراد التقاط قشة أخرى ، فأضاع ما كان يحمله } .
لو كان هذا الغراب حصيفاً ، لتخيّر شجرة مفعمة بالعافية ، لكنه لا حدس
عنده ، وزبائن الحلاّق لا يتحرك النسيم في عظامهم الرخوة . عيوب الجاهل
مستورة دائماً في تخبطاته ، ونحنُ ننسى في المعاشرة كل الاستفسارات .
من الصواب أن نؤخر نضوج الثمرة ، لأننا في ساعات الاحتضار يطيب
لنا المقام تحت ظلال الصخرة السلطانة للهلاك .


10

{ في بغداد العصور الوسطى ، كان الخليفة والفقهاء يضطلعون بمهمة كل شيء
في الحياة اليومية للمدينة ، وكان الأمراء طبقة بربرية متوحشة تحافظ على
اقطاعياتها الكبيرة . كانت ميولها العدوانية الحربية تنحصر في الدفاع عن
لصوصيتها وزيادة ممتلكاتها . فيما بعد ، حين سقطت دولة الخلافة وأعدم هولاكو
آخر خليفة عباسي . تغيّر مفهوم البطل في تلك الفترة الحالكة من تاريخنا المأساوي
، وأصبح العيّار أو الشاطر يتصرف وفقاً لقانون الشهامة والنخوة ، ووفقاً لضوابط
اخلاقية جديدة . هذا الفارس الجديد العيّار . الشاطر . كان هو حامي الضعفاء وحارس
المدينة من الأعداء . الحروب من أجل هدف جماعي ، انتهت تحت تأثير النزعة
الفردية ، وانحصرت في المغامرات العاطفية ، وفي تحقيق المجد الذاتي }.
أخيراً – انتصر الحبَ واللهو والترف ، لكن حين احتل العثمانيون بغداد وفرضوا
رطانتهم ، احترقت وردة التاريخ وما زالت نارها مشتعلة الى الآن .



11


أنتَ مريض وأنا مريض
فأيّنا يقود حصان الرب
الى اسطبله حين يجيء
متعباً في المساء من ترحاله
الطويل في ممالك الأرض ؟


12

أضعتُ لويس في شوارع كوبنهاكن تحت قناديل الأشجار ، وكانت الكثير
من الحشود تغرق في أمطار الحانات . بحثتُ عنها تحت أقمار العمارات
وفي الشواطىء الرملية ، وفي الأفياء الزرق لصيف طروادة . لا الربّ
أعانني في الوصول الى صمتها ، ولا الأنهار دلّتني على عسل شفتيها الذي
ينير ظلمة الأدراج في ساعات النهار . كل القطارات ذرفتها دموعاً ، والريح
أوثقت نفسها من أجلها بالأغلال . كان حبّها هو من يصهر موتي بتألقات الربيع
وكانت قطرات المطر المتألقة في شعرها الفيروزي ، هي مثواي الأخير في
ليل محنتي ، ولحظة نجواي .

3 / 7 / 2010 مالمو



#نصيف_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحبّ . الزمن
- بلدي السويد
- ايمان الحيوانات
- الصيرورة المتعاقبة لمرايا التاريخ
- مقدمات في الكلام الجسماني عند أهل البصرة
- طقس ختان القنبلة النووية
- مدينة الفيل
- قداس جنائزي الى السيدة الشفيعة
- الشواطىء المهدمة للزمن
- النوم الأبدي
- تجربة مع الموت
- كتاب { العودة الى الهاوية } في الشعر العربي الراهن
- مجموعة { في ضوء السنبلة المعدة للقربان }
- مجموعة { نار عظيمة تحمي الياقوت }
- مجموعة { الأمل . أضداده . خيّاط الموت . نار الأبدية }
- كتاب { الأنهار الكبيرة المتعرجة } ردّات واندفاعات الشعر العر ...
- كتاب { خديعة السنبلة . شهادات } في شؤون وشجون اللحظة الراهنة
- كتاب { معرفة أساسية . الحرب . الشعر . الحب . الموت }
- أشياء ما بعد الموت
- مرثيتان


المزيد.....




- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - مخططات للحفاظ على القانون