أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - قبل استخراج النفط والغاز: ضرورة تحرير المياه الاقليمية اللبنانية















المزيد.....


قبل استخراج النفط والغاز: ضرورة تحرير المياه الاقليمية اللبنانية


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 3051 - 2010 / 7 / 2 - 18:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فاحت مؤخرا في اروقة مجلس النواب اللبناني وما يسمى "حكومة الوحدة الوطنية"، رائحة النفط والغاز، على طريقة "البورصة" التي تتاجر بأي سلعة كانت بالورق وعلى الورق، اي بدون الوجود الفعلي للنفط والغاز.
اذ تناقلت وسائل الاعلام، الانباء السارة، القادمة من كل مكان، بما في ذلك من اسرائيل، عن اكتشاف كميات هائلة من النفط والغاز، شرقي البحر الابيض المتوسط، تقدر قيمتها (على الاقل) بمئات مليارات الدولارات و(ربما) بألوف مليارات الدولارات.
وفي حين لا تزال البلاد تعاني من تقنين الكهرباء، وقبل ان يضيء احد شمعة من هذا النفط والغاز الموعود، بدأت الاجواء التفاؤلية للبازار السياسي والمالي تلقي بظلالها. وصرح رئيس المجلس النيابي الاستاذ نبيه بري مستبشرا انه يأمل "من الحكومة ومن القوى البرلمانية أن تكون واحدة موحدة في سبيل هذا الأمر، وإشهار مقاومتها في هذا الملف، والفرصة مؤاتية أن يكون الجميع في المقاومة الاقتصادية إلى جانب المقاومة العسكرية والسياسية، مشيرا إلى أن كتلة التحرير والتنمية تقدمت باقتراح في هذا الأمر، لافتاً إلى أن سداد ديون لبنان يكون بالوصول إلى نتائج في ميدان التنقيب عن النفط في بحر لبنان، موضحاً أن الاقتراح الذي قدمناه عن الوضع النفطي يلزمه دراسة باللجان وسنعمل على تسريع البحث قدر الإمكان، على حد قوله". واذا كان هذا يزعج قليلا الجنرال ميشال عون (الذي كان يسلينا بأحاديثه الطريفة عن ضرورة محاسبة الذين سرقوا البلد)، فإن على صهره الاستاذ جبران باسيل الذي يشغل الان منصب وزير الطاقة والمياه في وزارة الوحدة الوطنية، ان يضرب صفحا عما مضى، وان يجد الآلية المناسبة كي يتم تسديد ديون لبنان من فاتورة النفط والغاز الذي لا يزال في غياهب البحر، وذلك كمكافأة "للقوى البرلمانية ان تكون واحدة موحدة"، وان "تشهر مقاومتها الاقتصادية".
ولكن الاماني هي شيء، والوقائع هي شيء آخر. والوقائع تقول لنا:
ـ1ـ ان لبنان، كدولة، كان على الدوام بلدا مستباحا برا وبحرا وجوا من قبل اسرائيل منذ نشوئها.
ـ2ـ جوا: حدث ولا حرج. والدولة اللبنانية لا تكلف نفسها حتى الان مشقة تقديم شكوى جدية للامم المتحدة على الخروقات الاسرائيلية للاجواء اللبنانية على مدار الساعة. وهذا لا يمنع من حين الى حين ان تدبج المقالات عن بطولات الجيش، حينما تطلق بعض المضادات التقليدية نيرانها على الطائرات الاسرائيلية، مما يدخل في خانة الفولكلور العسكري وبهلوانيات السيرك السياسي. وهذا لا ينتقص ابدا من شجاعة واخلاص ووطنية هؤلاء الضباط والجنود الشرفاء، الذين زج بهم بدون تسليح كاف في المعركة ضد جماعة فتح الاسلام، حيث قدموا مئات الشهداء الابرار (ولا احد يدري الى اليوم اين اصبح التحقيق في تلك الاحداث المأساوية)، والذين يعرفون تماما انهم حينما يقومون بدور الكومبارس في المسرحية، ويطلقون النار من مضاداتهم المتخلفة 50 سنة واكثر، فإنهم ينكشفون تماما امام الطائرات الاسرائيلية ـ الاميركية الحديثة التي تنسق مع الاقمار الاصطناعية والتي يمكن ان تقذفهم بصواريخها الذكية ورشاشاتها الالكترونية وتمزقهم اربا اربا.
ـ3ـ برا: في 1949 وقع لبنان "اتفاقية الهدنة مع اسرائيل". وكانت تلك الاتفاقية تقضي بوجود مسافة منزوعة السلاح، ثم مسافة محددة السلاح وعديد القوات، على جانبي الحدود. ولكن الجانب الاسرائيلي لم يلتزم ولا ساعة واحدة بتلك الاتفاقية. فتم الاستيلاء على عدد من القرى اللبنانية. قبل مزارع شبعا وبلدة الغجر. كما زحزحت اسرائيل الحدود على كيفها. فصار عندنا "الحدود الدولية" و"خط الهدنة" و"الخط الازرق" وغير ذلك من الخطوط التي تلعب عليها اسرائيل كما يلعب القرد على الحبال، وذلك طبعا بمساعدة ما يسمى "الشرعية الدولية" التي هي دائما مع اسرائيل. كما ان المراقبين الدوليين، ومن ثم القوات الدولية (اليونيفيل) التي يبلغ تعدادها الان 16 الف رجل كانت ملزمة بالاقامة على الاراضي اللبنانية فقط. كل ذلك من اجل ان تكسب اسرائيل مزيدا من الاراضي وتستخدمها استخداما فعليا ولو كان شبرا واحدا. وبنتيجة العدوانات المتتالية، واهمها واخطرها اجتياج 1982، احتلت اسرائيل اراض لبنانية واسعة، وقامت بسرقة المياه، وحاولت اقامة المستعمرات على الاراضي اللبنانية، كما فعلت في الجولان، ولكنها فشلت في ذلك، فأقامت معسكرات الاعتقال على الطريقة الهتلرية، واشهرها معتقل انصار ومعتقل الخيام، حيث تم اعتقال وتعذيب عشرات الوف الشبان والرجال والفتيان والنساء اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب، ومن كل الاطياف السياسية اللبنانية، باستثناء حزب الخيانة العريق (الذي اسسه عميل "المكتب الثاني" الفرنسي بيار الجميل الجد)، اي حزب الكتائب اللبنانية وتفريخاته وغيره من القوى العميلة والخائنة التي "فتحت" خطوطها على اسرائيل، معتقدين ان اسرائيل ستدوم لهم في لبنان، كما "دامت" (الى الان) على ارض فلسطين والجولان. ولكن ظهور المقاومة الوطنية ثم المقاومة الاسلامية البطلة خيب آمال اسرائيل وعملائها الذين اخذوا يتخبطون نادمين او غير نادمين. الا انه للاسف الشديد فان الموانع والحسابات الطائفية والسياسية الانتهازية منعت حتى الان نصب المشانق واعمدة الاعدام رميا بالرصاص، مما شجع اسرائيل على زرع لبنان، بكل خطوط الطول والعرض، بشبكات التجسس على الجيش والمقاومة والقوى الوطنية وعلى كل شيء في لبنان.
ـ4ـ بحرا: حينما نالت متصرفية جبل لبنان استقلالها الاداري النسبي بعد مذابح 1860، اخذت البلدات والقرى تحدد حدود الاراضي الخاصة بكل منها، نزولا حتى البحر، وكانت اراضي كل بلدة وقرية تسمى "خراجا". وحينما وصلوا الى البحر، تم تقسيم شاطئه بين خراج البلدات المحاذية له، فصار يقال "ساحل كذا" او "شاطئ كذا"؛ اما البحر بحد ذاته فلم يتم تقسيمه ولا تسميته بأي اسم. ولكن احد رؤساء البلديات او احد المخاتير الظرفاء، من الذين كانوا يشرفون على رسم خريطة خراج البلدة، وجد انه من غير المناسب ان تبقى الحدود الغربية للخراج بدون تسمية، فخطر له ان يسمي البحر "خراج قبرص". والمسنون من اهالي جبل لبنان لا يزالون يذكرون ان البحر قبالة الجبل كان يسمى شفهيا بتلك التسمية الظريفة "خراج قبرص".
ومنذ ما نشأت اسرائيل (لعنة الله عليها!) تعاملت مع لبنان الدولة بكل ازدراء واحتقار، ولم تعترف يوما ـ لا بالشكل القانوني، ولا بالسلوك العملي ـ بوجود "مياه اقليمية" لبنانية. وكل صيادي السمك الفقراء في لبنان، من الناقورة في الجنوب حتى العبدة في الشمال، الذين يخرجون الى الصيد نهارا او ليلا بما لا يبعد سوى بضع مئات الامتار عن الشاطئ، يعرفون تماما ان تحركاتهم المهنية يجب ان تكون مضبوطة وان لا يثيروا شبهات الزوارق الحربية الاسرائيلية التي تراقبهم عن كثب؛ بل ان الصيادين يعرفون اسماء الزوارق ودواماتها وساعات تبديلها واحيانا كثيرة اسماء ضباطها وعناصرها، وكذلك الزوارق الحربية الاسرائيلية تعرف كل زورق وكل صياد، واذا غاب يوما احد الصيادين يسأل الضابط الاسرائيلي زملاءه عنه، وفي اليوم التالي يتقدم الزورق الاسرائيلي من الصياد ويسأله الضابط اين كان بالامس ولماذا ذهب الى صيدا او الى بيروت الخ، ولدى اقل شبهة يتم سحب الصياد للتحقيق معه قبل اطلاقه. ولم يكن الضباط والجنود الصهاينة ينسون ان يسخروا من الاسمال التي يلبسها الصيادون اللبنانيون، والتي تسمى مجازا: ثيابا. وفي بعض الليالي المقمرة او المدلهمة كان يخطر لاحد العناصر البحرية الصهيونية ان يتسلى بأعصاب هؤلاء "الشحاذين" الذين يقضون الليل بطوله وصباح اليوم التالي يشقون لاجل حفنة من السمك، فيطلق نيران رشاشه فوق رؤوسهم او امامهم. وكان هؤلاء الفقراء الشجعان الذين ليس لهم من معين الا الله، يتحملون برباطة جأش كل سماجة وحقارة العجرفة الصهيونية حتى لا يجوع اطفالهم وحتى يبقى شعبهم صامدا في ارضه.
اما المرافئ الرسمية اللبنانية: بيروت، طرابلس، شكا، جونيه، الجيه، صيدا، صور، فكانت ولا تزال تعمل بشكل "طبيعي"، ولكن تحت حصار اسرائيلي فعلي غير معلن: منظور وغير منظور. طبعا ان الزوارق الحربية الاسرائيلية لا تدخل المرافئ اللبنانية الرسمية (باستثناء مرفأ جونيه منذ اندلاع الحرب اللبنانية في 1975، وذلك للتنسيق مع "القوات اللبنانية" التي لا تزال تدعي الحرص على "السيادة اللبنانية" (يخزي العين شو "سياديين" وشو "لبنانيين"!) ). ولكن كل السفن والبواخر والزوارق، التجارية والسياحية وغيرها، التي تدخل وتخرج من المرافئ اللبنانية هي، على بعد مئات الامتار من الشواطئ اللبنانية، تحت "نظر" الزوارق الحربية الاسرائيلية، التي ترافقها مسافات معينة، واحيانا كثيرة فإن العناصر الاسرائيلية توقف السفن والبواخر القادمة او الخارجة من المرافئ اللبنانية وتدقق في اوراقها وحمولاتها وركابها وبحارتها الخ، وهذه العملية هي جزء من عملية حصار اوسع تخضع له المرافئ والحركة البحرية من والى لبنان، والتي يشارك فيها: الجيش، المخابرات، الجمارك، وممثلي المصالح التجارية الاسرائيلية التي تحرص على معرفة كل شيء عن لبنان.
كل ذلك، واكثر منه بكثير جدا جدا، تعرفه جميع المؤسسات والمراجع الرسمية اللبنانية، وبالتفصيل الممل.
والخلاصة، وكما تقول الاديبة العربية الكبيرة غادة السمان: لا بحر لبيروت! وعليه: لا بحر للبنان!
هكذا ارادت "سايكس ـ بيكو"! هكذا ارادت اسرائيل! هكذا ارادت جامعة الدول العربية واتفاقية "الدفاع المشترك" العربية! وهكذا ارادت الامم المتحدة التي ساهم لبنان في تأسيسها! وهكذا اراد مجلس الامن المعظم!
وهذا بدون نفط وغاز.
فكيف سيكون الامر الان حين اكتشف وجود النفط والغاز في المنطقة الواقعة في "خراج قبرص"، بين اسرائيل وقبرص؟
هل ستتنازل اسرائيل للبنان لاعطائه حصته من الثروة الحديثة الهابطة على المنطقة؟
ـ يمكن... اذا قبل لبنان، وخصوصا اذا قبلت المقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله، بالدخول في المصالحة والسلام والتطبيع مع اسرائيل... من هذا الباب الخلفي! وكل شيء بثمنه!
ولكن هذا يعني شيئا واحدا وهو: ان كونسورسيوم النفط والغاز المفترض حينئذ انشاؤه لتنظيم الاستخراج والنقل والبيع واخيرا توزيع الحصص سيكون تحت يد اسرائيل التي لا تعطي شيئا مجانا، والتي ينسى العالم كله ولا تنسى هي ما حصل لها في لبنان، والتي تريد الانتقام من لبنان بأي ثمن. اي ان هذا يعني ان المليارات التي يمكن ان يحصل عليها لبنان، ستكون ثمنا: اولا لاغراق لبنان ببحر حقيقي من الخونة والعملاء والجواسيس والقتلة المأجورين؛ وثانيا للشروع في تنفيذ مذبحة غير معلنة ضد جميع الوطنيين، الاسلاميين وغير الاسلاميين، في لبنان، والتخلص التام من كل من سبق ورفع يده ضد اسرائيل وعملائها في لبنان، وبالتالي تحويل لبنان الى مقبرة جماعية وجعله "عبرة لمن يعتبر!".
هل يمكن للمقاومة ان تسلم جماهيرها وشعبها للذبح الرخيص على ايدي عصابات بني صهيون وعصابات لحد والجميل وجعجع وشركاهم؟
ـ كلا طبعا!
وهل يمكن لاسرائيل (التي لا تتنازل بسهولة عن الغجر ومزارع شبعا) ان تتنازل عن "بحر لبنان" (كما سماه الرئيس نبيه بري) او "خراج قبرص" كما سماه ذلك الظريف المجهول من جبل لبنان في القرن التاسع عشر؟
ـ كلا طبعا! (وكما نقلت جميع وسائل الاعلام، ولمنع اي التباس وسوء فهم او وهم حول هذه النقطة، فإن وزير البنى التحتية الإسرائيلي عوزي لانداو الذي ينتمي الى حزب ليبيرمان "المتطرف" هدد يوم 24 يونيو/حزيران باستخدام القوة للسيطرة على حقول الغاز التي اكتشفت مؤخرا شرقي البحر الأبيض المتوسط، وذلك ردا على تصريحات لبنانية بأن جزءا من هذه الحقول يقع في المياه اللبنانية الاقليمية.
وقال موقع صحيفة هآرتس على الانترنت إنّ أقوال الوزير الإسرائيلي هي بمثابة رسالة تحذير للأمين العام لحزب الله اللبناني، الشيخ حسن نصر الله. وكان لانداو، يعقب على أقوال رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، الذي قال إنّ حقول الغاز الطبيعي هي لبنانية. وأضاف الوزير لانداو قائلاً لن نتورع بالمرة عن استخدام القوة العسكرية العظيمة التي نملكها ليس فقط من أجل الحفاظ على سلطة القانون، إنّما أيضاً من أجل الحفاظ على القانون الدولي، على حد تعبيره.
ونحن نسمح لانفسنا بأن نعقب على ذلك بالقول: ان اسرائيل ستخوض معركة حياة او موت قبل ان تسمح لمثل هذه الثروة ان تقع في ايدي اللبنانيين.
صحيح ان اللبنانيين هم عرب. ولكن اللبنانيين ليسوا السعودية ولا دول الخليج ولا ليبيا. اللبنانيون ليسوا عرب الانحطاط والهزيمة و"الكيف" وسباقات اليخوت و"التخوت" والخيل والليل والحمير وفقدان الضمير. بل هم العرب الحقيقيون: عرب الرسالة والنهضة والمقاومة والثقافة و"الجبين العالي" و"خبطة قدمكم هدارة" و"الغضب الساطع". واذا حصل اللبنانيون على هذه الثروة، فهذا يعني ان كل لبناني وطني متوسط الحال سيمتلك صاروخ سكود بدل الكلاشنيكوف، والفقير سيمتلك صاروخ كاتيوشا، والفقير جدا سيمتلك صاروخ سام ـ 7 او ستينغر. ويعني ان رئيس الوكالة اليهودية العالمية (نسيت اسم حضرته للاسف، فأرجو ان يقبل اعتذاري) سيأتي في اليوم التالي الى بيروت، ويطلب الاذن بمقابلة السيد حسن نصرالله لتقبيل قدميه على مرأى من كل اجهزة الاعلام في العالم، والاعتذار باسم يهود العالم عما ارتكبته الصهيونية من جرائم حرب ضد الفلسطينيين واللبنانيين والعرب؛ وفي اليوم التالي ستقرر الوكالة اليهودية العالمية ذاتها تشكيل الهيئات التالية: هيئة طبية من اشهر اطباء العالم لصناعة لقاح مضاد للصهيونية وتبدأ فورا حملة لتلقيح المواطنين اليهود به، بدءا بيهود اسرائيل، وخلال ذلك ستمنع الامهات اليهوديات من ارضاع الاطفال الجدد مدة 40 سنة لمنع انتقال عدوى الصهيونية اليهم؛ وهيئة عالمية لجمع التبرعات لاعادة يهود فلسطين المحتلة الى البلدان التي جاؤوا منها، وهيئة عالمية لجمع التبرعات لاعادة اللاجئين الفلسطينيين الى بيوتهم ودفع التعويضات العادلة لهم؛ والاهم من ذلك كله ستدعو الوكالة اليهودية العالمية ذاتها الى: تشكيل محكمة عدل دولية لمحاكمة جميع مجرمي الحرب الصهاينة من كبارهم الى اصغر جندي فيهم، كي تكون اسرائيل والصهيونية عبرة لكل حركة عنصرية وطائفية و"دينية" متعصبة معادية للانسانية وللمجتمع البشري.
نستنتج من ذلك كله ان معركة تحرير المياه الاقليمية اللبنانية هي معركة حتمية وشرطية، قادمة لا محالة، قبل اي تفكير باستخراج النفط والغاز. وعملية التحرير مرتبطة بالضرورة بعملية التحديد. فهناك بعض الدول تكتفي بمسافة 12 ميلا بعيدا عن الشاطئ، كمياه اقليمية وطنية، تبدأ بعدها المياه الدولية. فاذا ما اعتمد هذا الحد الادنى فهذا يشكل خيانة وطنية سافرة، وتآمرا على المقاومة، وتفاهما سريا مع اسرائيل، وطعنة في صميم المصالح الوطنية الوجودية للشعب اللبناني والامة العربية قاطبة.
وهناك بعض الدول تبلغ مسافة مياهها الاقليمية 200 ميل. ونظرا لاعتبارات وعوامل تاريخية وانسانية واقتصادية، منها ان اجداد اللبنانيين المعاصرين، وهم من كانوا يسمون الفينيقيين، هم اول من خاض غمار هذا البحر ورسم خطوطه الملاحية التي استفادت منها كل شعوب العالم القديم والمعاصر، وهم الذين انطلقوا من هذا البحر للالتفاف حول افريقيا واوروبا وربط العالم القديم بعضه بالبعض وتعريف شعوب العالم القديم على بعضها البعض، بكل ما ترتب على ذلك من منجزات تجارية واقتصادية وثقافية وحضارية؛ ومنها ان ثغوره البحرية والجبال الشاهقة خلفها تماما كانت تمثل حالة نموذجية للدفاع ضد الغزوات البحرية (اي ان لبنان كان تاريخيا درعا للشرق)، ومنها الكثافة السكانية العالية في لبنان وهجرة ثلاثة ارباع اللبنانيين الذين يبلغ تعدادهم ما لا يقل عن 20 مليون لبناني، يعيش منهم 4 ـ 5 ملايين في لبنان، ومنها مخاطر العدوان الاسرائيلي ـ الاميركي الجاثم دائما فوق صدر لبنان والمتوقع في كل لحظة على امتداد الحدود البحرية للبنان والبالغ طولها 320 كلم. ان هذه الاعتبارات والعوامل، مربوطة بالعوامل الراهنة، تقتضي ان تكون مسافة المياه الاقليمية اللبنانية ما لا يقل عن 500 ميل. كي يكون بامكان الدولة اللبنانية اقامة جزر اصطناعية للعاملين في البحر وعائلاته، وللقوات المسلحة الدفاعية والهجومية وللمشاريع الصناعية والسياحية والعلمية، ولتحلية مياه البحر في وقتها الخ.
والذي لا يعجبه ليشرب مياه البحر، بتحلية او بدون تحلية.
لقد اكتفى لبنان الى الان ان يلعب ضمن الاسرة العربية دور "الاخ الاصغر" مدة اكثر من نصف قرن، فاسحا المجال لدول عربية شقيقة اخرى ان تضطلع بدور "الاخ الاكبر". ولكن هذا التواضع اللبناني كان وبالا على لبنان، وعلى الامة العربية والشعوب الاسلامية جميعا، وعلى الدول ذاتها التي اضطلعت بدور "الاخ الاكبر" وهي "مش قدّه".
فليطو لبنان هذه الصفحة البائسة وليضعها وراءه نهائيا. وليبدأ بالاضطلاع بالدور التاريخي الذي يوازي طليعية ومقدامية جماهيره المناضلة التي دقت اول مسمار في نعش الامبراطورية العثمانية حينما رفعت (لاول مرة في تاريخ الشرق) شعار "الجمهورية اللبنانية" خلال ثورة الفلاحين بزعامة البيطار طانيوس شاهين سنة 1858، والتي دقت اول مسمار في نعش اسرائيل حينما حققت تحرير الجنوب والبقاع الغربي في 25 ايار 2000.
ان تعداد سكان اسرائيل اليهود هو اكثر بقليل فقط من تعداد اللبنانيين. ولكن اسرائيل تتدلع على العالم كله وتتصرف وكأنها دولة عظمى، لانها تستند الى العلاقة الستراتيجية مع اميركا الامبريالية.
فماذا يمنع الدولة اللبنانية ان تباشر منذ هذه اللحظة اجراء محادثات مع الجمهورية الاتحادية الروسية لتوقيع معاهد صداقة ودفاع مشترك بين البلدين، ولاقامة قاعدة روسية بحرية عسكرية كبرى (رادارية، تجسسية، صاروخية، جوية، غواصاتية) جنوبي مدينة صور، وترتبط بها قواعد رادارية في قلعة الشقيف وارز الباروك وصنين وارز الرب في الشمال؟ ان من شأن هذه القاعدة ان تجعل التعاون الستراتيجي الاميركي ـ الاسرائيلي فقاعة صابون، وان تحول لبنان مرة واحدة الى لاعب كبير على مسرح السياسة الدولية برمتها. والارجح ان يؤدي ذلك الى كسب معركة تحرير المياه الاقليمية اللبنانية بدون خوض حرب على الارض.
وحينذاك سيمكن دفع ديون الدولة اللبنانية من عائدات النفط والغاز، وربما يتنازل الجنرال ميشال عون عن المطالبة بمحاسبة الذين سرقوا البلد ...اذا اعلنوا التوبة عن التعامل مع اسرائيل!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرار مجلس الامن -الاميركي- ضد الشعب الايراني
- -الحرب السرية- القادمة لاميركا واسرائيل
- عشية الموجة الثانية من تسونامي الازمة: اوروبا لا تدار بالدول ...
- محام اصغر للشيطان الاكبر!!
- قيرغيزستان: -ثورة الزنبق- الموالية لاميركا تسقط ايضا
- -حرب الافيون- الاميركية ضد روسيا
- الجيش الاميركي -حرس وطني- خاص لمزارع الخشخاش ومستودعات الافي ...
- اميركا تكشف تماما عن وجهها كدولة مافيا وتضاعف انتاج الخشخاش ...
- عشية الانهيار التام للنظام الاقتصادي العالمي
- الامبريالية الاميركية تخطئ الحساب!
- الصعود الى الهاوية: أميركا... دولة مافيا!
- التحول الدمقراطي: حملة صليبية غربية جديدة لاجل عثمنة البلقان
- بلغاريا قبل وبعد -الانقلاب الدمقراطي- في 10 تشرين الثاني 198 ...
- شعب الله المختار والتحول المافياوي لتركيبة الدولة الاميركية
- الدولار وشعب الله المختار:التغطية التوراتية للدولار
- كابوس الدولار
- العنف الامبريالي الصهيوني أعلى مراتب الحيوانية
- حزب الله... والأزمة الوجودية للكيان الطائفي اللبناني!
- افغانستان في الجيوبوليتيكا الدولية لاميركا
- الجيوبوليتيكا تؤخر تشكيل الوزارة اللبنانية


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - قبل استخراج النفط والغاز: ضرورة تحرير المياه الاقليمية اللبنانية