أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - من يعبر البحر؟..














المزيد.....

من يعبر البحر؟..


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3050 - 2010 / 7 / 1 - 19:46
المحور: الادب والفن
    



سحنة سمراء قاحلة، يؤطرها وجه بيضوي كالح، وعينان صفراوان لامعتان متوفزتان.. هذا هو الدكتور راضي الربيعي، مدرس مادة الاقتصاد الزراعي الذي استقدمته دعوة/ عودة الكفاءات العراقية من بولندا في أواخر السبعينيات للمساهمة في التنمية الوطنية. أذكره الآن بسبب نكتة.. نعم.. نكتة وليس محاضرة أو نظرية اقتصادية أو اكتشاف جديد يغير واقع الزراعة في العالم. هي النكتة الوحيدة التي رواها لنا الاستاذ الذي لا أعتقد أن وجهه عرف الابتسام يوما.. لكنه روى هذه النكتة.. وقد دعوناها نكتة.. رغم أننا حسبناها مدخلا لمحاضرة ذلك اليوم.. والبعض كان سجل سطورا منها قبل أن يتوقف مشدوها ويرفع عينيه إلى وجه الاستاذ الذي كان على درجة من الألم وهو ينفث نفثة قوية في فضاء القاعة، بينما كان صدى ضحكات مكركرة يصدح في آخر القاعة.. عندها تشربت المرارة المترسبة من كلماته.. كما لو أن الأمر صار يخصني شخصيا.. أنا الذي لم أكن قد رأيت بحراً يومها.. ولا صعدت طائرة.. أو عبرت جزيرة.. عندما أفلتت كركرات بريئة كما هو الحال لدى سماع أي نكتة.. حتى لو كانت نكتة انجليزية باردة.. عندها.. ربما افترت شفتاه عن ابتسامة هاربة.. ولكن مثل لمح البصر.. فلم أصدقها.. وللامانة.. لا أذكر أنه ابتسم..
كان اثنان يقفان متقابلين.. ويتخاطبان.. بينهما بحر.. بحر عريض.. أحدهما يكور شفتيه ويحيطهما بأصابعه ويصرخ: تعـعععععععال!، أما الآخر الذي يسمعه جيدا، فيهز رأسه علامة النفي، ويخرج صوتا هامسا باللعاب المتجمع بين لسانه وأسنانه في تجويف الفم: تس!. يعود الأول للمناداة بكل صوته، فيهز الثاني رأسه بهدوء، ويخرج ذلك الصوت بأسنانه الأمامية: تس!
سكت الاستاذ عندها كأنه ينتظر تعليقا أو سؤالا.. أو اعتراضا.. أو نكتة مقابلة.. امتلأت القاعة بتوجس غريب.. كنا ننتظر منه تكملة النكتة.. المحاضرة.. لكنه أخرج نفثة قوية وأرسل نظره عبر النافذة الشرقية من الطابق الثاني لعمارة كولبنكيان المخصصة لكليات الادارة والاقتصاد والآداب في جامعة البصرة.. أرسل نظراته صامتة نحو الشرق.. نحو الفاو.
*
بعد ربع قرن أستذكرت نكتة الدكتور راضي الربيعي الوحيدة تلك.. عندما وصلتني رسالة على بريدي الالكتروني.. رسالة غريبة من نوعها، على نوعي. رسالة من امرأة.. عبر البحر..
أحب أن أتعرف إلى شخصك.. ونكون أصدقاء!.. إذا لم تعجبك رسالتي.. تجاهلها.
بعد أيام من التفكير.. كتبت لها.. كلمة ترحيب. وتلك كانت البداية.. جواب ورد ورسالة وجواب.. وتطور الأمر إلى التلفون.. مخابرة في الصباح وأخرى في المساء.. وبغنج الطفلة تقول.. أخشى أنني أزعجك.. أقلق أوقاتك.. إذا كنت أزعجك قل لي أرجوك. أغلق الخط. أنا لا أزعل. أقدر وضعك. أريدك أن تكون سعيدا فقط. ثم صارت تبعث رسائل تلفونية.. تعارفنا كثيرا.. وصرنا نعرف أشياء كثيرة عن بعضنا. وذات مرة كتبت..
أنت لا تحب زيارة بلد عربي..
وأنا لا أحب المجئ إلى أوربا..
لماذا لا تجرب مرة أن تأتي إلى هنا؟..
لماذا لا تجربين أن تزوري أوربا؟..
زرت أوربا.. لكني لا أحبها!..
زوريها مرة أخرى من أجلي!..
أحب أن أراك هنا!.
خمس سنوات مرت على هذه العلاقة.. وأنا أنتظر أن تأتي.. وهي تنتظر أن أذهب هناك.. من سيحرق المسافة.. من سيخطو تلك الخطوة.. ويعبر البحر؟..
بعد سنوات حين التقيت أحد رفاق الجامعة. سألته عن الدكتور الربيعي.. ألم تعرف؟.. قلت له ماذا؟.. قال: ألم يمت في السنة التالية في حادث سيارة!..
*
لندن في 30 يونيو 2010



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة الطفلة، والطفل الرجل!
- دعوة للتضامن مع المرأة الاعلامية
- هيلكا شوبرت.. أبي
- بيرنهارد فيدر..قصائد
- قليلاً مثل الموت شعر: بيرند ماينكر
- في انتظار الحافلة
- المرأة الطحلبية!..
- Hal؟..
- قراءة في القصة العراقية
- محرّم غير الحرام
- زمان يا حليمة..
- دروس في أنانية الأنثى
- قليلاً مثل الموت
- عن.. الترجمة الشعبية
- عن طحلب الدهيشان
- أين خبز الملائكة؟!..
- من مركزية الجماعة إلى مركزية الفرد
- حديث.. مع امرأة
- المرأة السعودية وحقوق الانسان
- الهجرة.. (و) العلاقة بالأرض..


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - من يعبر البحر؟..