أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - تموز.. حيث الآخر الطيب هو الآخر الميت















المزيد.....

تموز.. حيث الآخر الطيب هو الآخر الميت


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3050 - 2010 / 7 / 1 - 15:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



قلة مما تبقى من الرموز السياسية والفكرية لمرحلة الثامن والخمسين من القرن الماضي ترغب بالنأي عن أخطائها, وإذا ما كان هدف الكتابة المسئولة هو ملاحقة الحقيقة كما هي بعيدا عن التراشق بالتهم, فإن من السهولة رؤية إن الواقع يتحدث بعكس ذلك تماما, فالكثير من الكتاب السياسيين, على تناقض اتجاهاتهم, ما زالوا يعيدون صياغة الحقيقة بضغط من انتماءاتهم السياسية الحالية أو السابقة أو بضغط من تجاربهم المشخصنة, فتأتي الحقيقة مضغوطة كما يريدها الكاتب لا متحركة كما يريدها التاريخ. ومما يزيد من التعسف الذي تخلقه محاولة تسييس الحقيقة أو شخصنتها إن تاريخ الصراع كان مليئا بالدماء, وإن العنف السياسي العراقي قد أدى إلى تراكمات خطيرة ليس من السهولة تجاوزها, وبخاصة حينما يكون الكاتب نفسه جزء لا يتجزأ من تاريخ الدم فتكون قدرته على الخروج من ثوبه قدرة محدودة, وكذلك ستكون محاولته للبحث عن الحقيقة. هكذا يجري تشويه التاريخ عن قصد أو دراية أو دون قصد أو دراية حيث يتم تقديم ملفات مشوهة تعقد على التاريخ مهمة النطق بالحق.

نعلم تماما إن المراحل السابقة, بدء من العهد الملكي مرورا بجمهورية عبد الكريم قاسم عبورا على جمهورية البعث الأولى وحمهوريتي الأخوين عارف وصولا إلى جمهورية صدام ومابعدها, نعلم إنها كانت كلها مليئة بالأخطاء والآثام وحتى بالجرائم والكوارث, فما من عهد من العهود إلا وكانت فيه مصائبه, مع اختلاف الحدة والحجم, وما من نظام حكم العراق لا يتحمل مسؤولية أساسية في هذه التراجيديا العراقية التي ما زالت مفتوحة العرض, ومع ذلك فإن الجميع يريد أن يخرج بريئا من دم إبن يعقوب.
كل الأحزاب والشخصيات التي عايشت تلك المراحل تحاول أن تقدم نفسها رائعة الجمال كيوسف بينما الآخرون عابسي الوجوه كإخوته الغادرين, وهكذا يكون التاريخ مطية يركبها هذا الحزب أوذاك وصولا إلى ما يريد.
غير إن التاريخ ليس كذلك, وكل أولئك الذين يتصورون إنه كهل ضعيف الذاكرة وإن بإمكانهم أن يتلاعبوا به هم واهمون.
وإني أرى الكثير منهم بصورة ذلك المذيع الذي يحاور ضيفه وهو يسأله, ما هو رأيك بالتحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي القذر, فيجيبه ضيفه.. إذا كان ذلك التحالف قذرا فلماذا تسألني أصلا. وهكذا يكون المذيع, بصيغة سؤاله تلك شرطيا في الأمن العامة, أما حواره فهو حوار السجان والسجين, ويكون العقل بالنتيجة هو الضحية.
إن دور أكثر الكتاب السياسين العراقين المؤَدْلَجين والمؤَدْلِجين لا يتعدى دور ذلك المذيع في أحسن الأحوال. إنهم مكلفون بقراة أفكار أحزابهم وكأنهم يمسكون بالبيان الأول للثورة على أنغام نشيد الإنشاد, لذلك غالبا ما تأتي مقالاتهم السياسية عبارة عن آراء أحزابهم دون أي إجتهاد أو رؤيا مضافة, وحتى في حالة الحوار فلسوف يبدأون بنفس ما بدأه ذلك المذيع مع ذلك المستمع المسكين .. ما هو رأيك بالتحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي القذر.
وما زال أغلب هؤلاء الكتاب يعيش بأخلاق البدوي الذي يعتقد إن التغيير أو التعديل هما صفتان ذميمتان, وإن المتغير أو المستعدل هو إنهتازي متذبذب, فيظل طول العمر: ربي كما خلقتني, وكأن العالم من حوله لم يتعدل أو يتبدل بالشكل الذي يوجب عليه أيضا أن يتغير أو يتعدل أو حتى يتبدل.
إن كتابنا هم ضحايا الفكر الأيديولوجي المقدس, المقرر لا المتسائل والآمر لا المحاور, الذين يفوزون على خصومهم بالضربة القاضية الفنية في الثانية الأولى من الدقيقة الأولى من الجولة الأولى,
ولهذا فهم يبدؤون مقالتهم من النهاية, أي بالنتيجة المقررة سلفا دون أن يتركوا للقارئ فرصة أن يكون له رأي بقذارة التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي..!!, وإنك لن تلمس في مقالتهم أية محاولة لنقد الذات بعد أكثر من خمسين سنة من المآسي والهزائم والنكبات.
إن قليلا جدا من كتابنا حاولوا التغير في الإتجاه الذي يأخذ بنظر الإعتبار دروس الماضي الأليمة, ومع ذلك فقد أتهموا بالتذبذب والإنتهازية على الرغم من إنهم لم يسعوا لمكسب ذاتي ولم يركضوا نحو ربح شخصي, فخسروا الأهل ولم يربحوا الخصوم, حتى كأن السياسي منا يجب أن يبقى كما وَلَدَهُ الحزب عاريا إلا من أيديولوجيته, فتكون قيم الرجولة لديه أن يكون بكلمة لا تتغير وبرأي لا يتبدل وبفكر لا يتعدل وإلا فإنه سيفقد عذريته السياسية لا محالة.
هاهم كتابنا الشيوعين أمامكم, فإفحصوا ما كتبته الأكثرية منهم عن مرحلة الصراع الذي ساد الفترة التي أعقبت الرابع عشر من تموز فهل ستعثرون على أحد منهم قد كتب منتقدا حزبه في تلك المرحلة, أم أنه إكتفى بسيف الهجوم ضد خصومه البعثيين والقوميين متهما إياهم بأنهم كانوا بدء الشر وأصله, في حين كان هو وحزبه بدء الخير وأصله, فلا مساحة بين المساحتين ولا لون إلا الأسود والأبيض, وهل قرأتم لكاتب شيوعي, وهو يدين البعثيين, إنه ذكر شيئا عن السحل بالحبال بدعوى الدفاع عن ثورة تموز, أو عن محكمة المهداوي التي صارت في تلك الأيام مهزلة قضائية بإمتياز.
ومع الكتاب القوميين والبعثيين ليس هناك فرصة للعثور على من يشحذ قلمه وضميره لنقد مرحلتين حكم فيهما الحزب وكان فيها من الجريمة ما كان ومن القمع ما فاق المعقول ومن المصائب ما تجاوز قوانين الطبيعة, وما زال عبدالكريم قاسم هو الدكتاتور الذي قضت عليه عروس الثورات أما الشيوعيون فليسوا أكثر من عملاء باغين.
وإنك حينما ستعثر على شيوعي قد تطور أوعلى بعثي قد تغير فلسوف تكتشف إنهما قد خسرا الصديق ولم يربحا الخصم, لذلك فإنهما يصبحان عبرة لمن إعتبر ومبتدأ بلا خبر, وكذلك يفعل اللاحقون فهم الذهب المصفى وباقي الناس كلهم تراب.
إن الآخر الطيب هو الآخر الميت, ذلك ما آمن به البعثيون والشيوعيون على السواء في فترة الصراع الدامي التي أعقبت الرابع عشر من تموز حيث سالت دماء وطارت رقاب ولم ينعم الشعب بيوم واحد من الهدوء بفضل الآيديولوجية المعادية لكل حق في الإعتقاد والتفكير والإجتهاد, وما زالت النسبة المطلقة من هؤلاء تفكر بنفس الطريقة.
وما زال السؤال مستمرا على طريقة: ما هو رأيك بالتحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي القذر.
وما زالت الإجابة جزءا من السؤال.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة الأسماء المستعارة
- الديمقراطية العراقية.. وهل ممكنا أن تبيض الديكة
- الدلتا العراقية السياسية... على أبواب أن تغرق
- العراق أفضل بدون حكومة
- الشيوعيون والبعثيون.. وقضية الرحم الواحد
- مقالة بين مقالتين.. عن الشيوعيين والبعثيين وهل هم أبناء رحم ...
- الشيوعيون والبعثيون.. هل هم أبناء رحم أيديولوجي واحد
- محاولة نظرية لفهم تاريخية القتال البعثي الشيوعي وذلك الذي قد ...
- الحزب الأيديولوجي... نزول إلى الأعلى
- أمريكا.. هل هناك فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين
- بإمكان الوطنية العراقية أن تنتظر قليلا
- العلمانية.. إنقاذ الدين من رجالاته السياسيين
- من الذي يتدخل في شؤون الآخر... العراق أم جيرانه ؟!
- ثقافة اليشماغ... حول رسالة معد فياض إلى مام جلال..
- الديمقراطية وأخطار المثقفين
- الإسلام السياسي أقصر الطرق لتقسيم العراق
- هل تخلى المالكي عن ناخبيه
- الشعب على حق ولو كان على خطأ
- لو ظهر عبدا لكريم قاسم الآن لسانده ( السنة ) وقاتله ( الشيعة ...
- القلم.. قدس الله سره, والكاتب.. حفظه الله ورعاه


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - تموز.. حيث الآخر الطيب هو الآخر الميت