أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نارت اسماعيل - الطائر الحر















المزيد.....

الطائر الحر


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3050 - 2010 / 7 / 1 - 11:40
المحور: سيرة ذاتية
    


لم يكن الناس يعرفون (لبلبة) في ذلك الوقت، لبلبة هو الإسم الذي كانت تطلقه والدتي الشركسية التي لاتتقن العربية على اللولب المستعمل لمنع الحمل، ولم يكونوا يعرفون أيضآ بقية وسائل منع الحمل، لذلك كانت الطبيعة هي التي تقرّر الأمور
كانت الأم تحمل الجنين تسعة أشهر ثم ترضع وليدها حوالي سنة ثم تحمل جنينآ آخر وهكذا، فكان الفارق بين طفل وآخر سنتين ونصف، فإذا عرفت عمر أحد الأطفال فسيكون من السهل معرفة أعمار بقية إخوته، وإذا وقف الأولاد بجانب بعضهم وبالترتيب حسب أعمارهم فسيدهشك منظرهم الذي يشبه درجات السلم الكهربائي في الأسواق التجارية
نحن عندنا مثل هذه الصورة، ستة إخوة وأخوات نقف مبتسمين بجانب بعضنا البعض وحسب تسلسل أعمارنا، منظر بديع
كنا ثمانية، مات إثنان ولكن لم يختل نظام السلم الكهربائي لأن من ماتا كانا الأول والأخير
موت الأطفال كان شائعآ في تلك الأيام بسبب الحصبة والشاهوق وأبو خريون (الحماق) وغيرها من الأمراض... وأحيانآ كثيرة بدون سبب!! عندما أسأل أمي لماذا مات الأول؟ تجيب : لم يكن فيه شيء، عطس فمات !!؟؟
ولماذا مات الآخر؟ أيضآ لم يكن فيه شيء وكان وجهه مثل البدر، جاءت جارة لنا ورأته ولم تصلّ على النبي فأصابته بالعين ووجدناه ميتآ في اليوم التالي !؟ أسألها ألم يعطس قبل أن يموت؟ تجيب : لا لم يعطس!
عندما كنت صغيرآ كانت أمي تخاف علي كثيرآ ويبدو أن وجهي أنا أيضآ كان مثل البدر لأنها كانت تخفيني عن عيون الجارات الحشريّات، وتكثر من قراءة الأدعية والآيات قرب رأسي، وتنفخ على وجهي باستمرار حتى تطرد الشياطين والأرواح الهائمة في الفضاء، وكانت تضع خرزات زرقاء على ملابسي وتصنع لي تعويذة تضعها تحت فراشي، لهذه الأسباب بقيت على قيد الحياة وها أنا الآن حي أرزق وأكتب وأقرأ وأخبركم بهذه الأشياء
في المرحلة المتوسطة والثانوية كنت هدفآ مستمرآ لجماعة إسلامية لحوحة لجوجة، كانوا يلاحقوني باستمرار كي أنضم إليهم، كانوا يجدوني مجتهدآ في الدراسة وبنفس الوقت خلوقآ خجولآ فيعتقدون أنني سأكون فريسة سهلة لهم، لم يكونوا يدركون أن وراء هذا الخجل والرقة يكمن إنسان متمرد رافض بشراسة لأفكارهم وأجوائهم، فقد كنت أكرههم منذ كنت جنينآ في بطن أمي
رافقتهم على فترات قصيرة متقطعة على طريقة مكره أخاك لا بطل، لأنهم كانوا يحتالون علي بشتى الطرق كأن يرسلوا لي أحد أصدقائي المقربين ليقنعني بزيارة صديق آخر فأتفاجأ بأن الشلّة كلها موجودة هناك، أو أن يبعثوا لي بآخر ليقنعني بالذهاب معه إلى مسبح جديد في ضواحي دمشق لأتفاجأ أيضآ بأنهم جميعهم هناك وأن المسبح مملوك لجماعتهم، أنزعج من منظرهم وهم مرتدين سراويل سوداء تغطي الجسم من السرّة إلى الركبتين، ولكن نداء ماء المسبح كان قويآ عندي فقد كنت مغرمآ دائمآ بالسباحة والمسابح، والملاعين كانوا يعرفون نقطة ضعفي تلك
لم أكن أدرك حتى ذلك الحين أن عورة الرجل واسعة هكذا تغطي تقريبآ نصف الجسم وتمتد من السرّة إلى الركبتين، وأن عورته خطيرة ولاتقل خطورة عن عورة النساء والتي تروى عنها القصص والروايات
عندما وصلت مع صديقي إلى المسبح، ذهبت إلى غرفة تغيير الملابس وخرجت إليهم أختال بالمايو الضيق القصير والملون، حالما رؤوني بدؤوا يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ويشيحوا بنظرهم عني ثم أرسلوا لي صديقي الذي طلب مني ارتداء سروال أسود قبيح طويل من عندهم. كنت مضطرآ للاذعان لأنني صرت بين أيديهم كما أن الخجل يمنعني من مواجهتهم، أعطوني أصغر سروال عندهم لأنني كنت نحيلآ ومع ذلك كان واسعآ عليّ وقضيت معظم الوقت أسبح بيد واحدة ممسكآ بالسروال باليد الأخرى
نزلت إلى الماء ولم تمض بضع دقائق حتى رأيتهم يخرجون من الماء ورأيت أحدهم يشير إلي بالخروج
ما الأمر؟ سألت
لاشيء قال أحدهم، ولكن حان وقت صلاة العصر
بعد الصلاة الإجبارية نزلت إلى الماء ولم تمض لحظات حتى أخرجوني ثانية
ما الأمر؟ سألت
لا شيء قال أحدهم، الأستاذ يريد إعطاء درس للجماعة، اعتقدت في البداية أنه سيكون درسآ عن أصول السباحة أو طريقة التصرف عند حدوث خطر كغرق أحدهم مثلآ، خرجت من الماء وسألت أحدهم : عن ماذا الدرس؟ فأجاب : عن خشية الله، لعنتهم في سرّي (الله ياخدكم انشالله، حتى هنا في المسبح؟)
بعد الدرس البايخ نزلت إلى الماء ولم تمض لحظات حتى أشاروا علي بالخروج، ما الأمر؟
أجاب أحدهم: اخرج جفف نفسك بسرعة وتوضأ، سنصلي المغرب
بعد الصلاة رميت نفسي في الماء ممسكآ بسروالي ولم تمض لحظات حتى أشاروا علي بالخروج
ما الأمر؟ سألت
لاشيء، ولكن حان وقت إغلاق المسبح والانصراف
يا إلهي، كيف يستمتع هؤلاء الناس بحياتهم؟
لم أذهب ثانية لذلك المسبح القميء ومع مرور الوقت فقدوا الأمل مني وتركوني بحالي
بعد ذلك بدأت أتعرض لضغوط من جهة أخرى، هذه المرة من أعضاء من حزب البعث، في الصف الثاني ثانوي جاء مدرس الفتوة (التدريب العسكري) المتجهم القاسي وأعطانا محاضرة عن الحزب ثم وزع علينا أوراق الانتساب وطلب منا بلهجة آمرة أن نملأ الأوراق ونوقعها، الكل فعل إلاّ أنا، لم أكن أقبل أن يملي علي أحد ماذا أفعل، كنت عنيدآ ورأسي صلب مثل الصخر، رأس شركسي حقيقي
تكرر الأمر بعد ذلك بأشكال مختلفة أثناء الجامعة والتخصص وبداية حياتي العملية ولكنني كنت دائمآ أرفض الانتساب إلى أي حزب أو جماعة، كنت مثل النسر أحب أن أحلق في الفضاء وأختار لنفسي الأجواء والأماكن التي تناسبني لأحطّ عليها
لم أنتسب للإسلاميين لأنني كنت أرفض أفكارهم ونهجهم الاجتماعي المتخلف مثل فصل النساء عن الرجال والحجاب واللحى وسراويل سباحتهم القبيحة التي لم أنسى أبدآ ذكراها المؤلمة، كنت أرى فيهم التخلف والرجعية والسذاجة في التفكير
أما عدم انتسابي لحزب البعث فكان مردّه طبيعتي المتمردة من جهة والتي لا تحب الأسر والسير مع القطعان، ومن جهة أخرى لأنني كنت أشم رائحة النفاق والوصوليّة في أصدقائي المنتسبين لهذا الحزب
كانوا يقولون لي: الوطن بحاجة لأمثالك من المتعلمين التقدميين فأرد: حسنآ سأكون بخدمة الوطن، أليس الوطن بحاجة لأطباء؟ سأكون طبيبآ ماهرآ بخدمة الوطن
بعدها يقولون لي: أنت فقط انتسب واحضر اجتماعآ واحدآ كل شهر ونحن سنوقع عنك في الاجتماعات الأخرى، كان ذلك يزيدني تصميمآ على الرفض وأقول لهم: إذن ما حاجتكم لي؟ هل أنا تكملة عدد؟
أهلي علموني الصح والخطأ، الحلال والحرام، الأبيض والأسود، هذه الثنائيات ذات الحدود الواضحة لم أكن أستطيع الخروج عنها، يجب أن يكون ما أفعله له هدف واضح محدّد ايجابي ومفيد
أمي البسيطة المتدينة كان عندها لونان فقط، الحلال والحرام، كل شيء جيد ونافع هو حلال، وكل شيء سيء وضار هو حرام، وكثيرآ ما كان الحلال والحرام عندها متقاطعآ ومتعاكسآ مع الحلال والحرام بالمفهوم الديني الحقيقي
والدي لم يكن متدينآ بهذا الشكل ولكني تعلمت منه الأبيض والأسود من خلال استقامته ونزاهته وعصاميته مع أن الأحاديث بيننا كانت قليلة
ربما لو وضعوا مسدسآ على رأسي في ذلك الوقت وطلبوا مني أن أنتسب إلى حزب، أي حزب، أوسيفجّروا رأسي لكنت انتسبت إلى الحزب الشيوعي مع أنني لم أكن أميّز وقتها (ومازلت) ما بين البروليتاريا والملاريا، ولا بين صراع الطبقات وانقراص الفقرات، ولكنني لم أنتسب لهذا الحزب أيضآ، فطبيعة الطائر الحر عندي كانت هي الأقوى دائمآ
كثيرآ ما كان يسألني أحدهم: أنت شيوعي أليس كذلك؟
كنت أكتفي بالابتسام ولا أرد
ولكن لو سألني أحدهم: أنت اخونجي أليس كذلك؟
لكنت رفسته على أسفل بطنه ووليت الأدبار قبل أن يدرك ما حصل له



#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أغاني وذكريات
- هل مازال الدين أفيون الشعب؟
- رد على مقالة الكاتب سعيد مضيه (لمن تقرع أجراس الليبراليين ال ...
- ترقية فتاة قبيسيّة
- العبور إلى الضفة الأخرى
- نعم، إنهم مزعجون
- مأساة تهجير الشراكس
- إصلاح القلوب أم إصلاح الجيوب؟
- جمهوريات الفيس بوك
- لا نعبد ما تعبدون
- ما أصعب العيش صامتآ
- أوجه النفاق
- مضارب البدو في جبال القوقاز
- فن صناعة الغباء
- أقوال خالدة لعمرو خالد
- علموا أولادكم احترام المرأة
- البيئة- الإله- المرأة
- رأي شخصي في الختان عند الذكور
- سامحها يا أبو هشام
- عن أي إرهاب يتحدثون؟


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نارت اسماعيل - الطائر الحر