أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - 5 رافعات للتسامح















المزيد.....

5 رافعات للتسامح


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3047 - 2010 / 6 / 28 - 19:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا كان التسامح قيمة حضارية وواقعية على المستوى الكوني، فهناك خمس رافعات أساسية لتجسيده، لكي يستطيع العالم الخروج من غلواء التعصب والتطرف والإقصاء والتهميش والعنف والإرهاب. ولن يتحقق ذلك بدون توفير تربة خصبة لبذر بذوره، وتعميق الوعي الحقوقي والأخلاقي والقانوني والاجتماعي بأهميته، من خلال الإقرار بالتنوّع والتعددية وقبول حق الاختلاف والمغايرة والتعايش واحترام الآخر، سواءً كان ذلك على المستوى الفردي أو الجماعي أو على مستوى الحكومات والدول. ولعل الرافعات الخمس التي نتحدث عنها هي أكثر ما نفتقده في عالمنا العربي والإسلامي.
الرافعة الأولى هي البيئة التشريعية والقانونية، إذ إن عدم وجود قوانين وأنظمة راعية لمبادئ التسامح، وكذلك رادعة لمن يخالفها، سواءً إزاء الأديان أو القوميات أو الثقافات، سيؤدي إلى تفقيس بيوض اللاتسامح، الأمر الذي يقود إلى احتدامات وصراعات وأعمال عنف وإرهاب، بهدف إلغاء وإقصاء وتهميش الآخر.
الرافعة الثانية هي البيئة التعليمية والتربوية، ولا شك أن غياب منظومة التسامح في المناهج والأساليب التربوية والتعليمية، خصوصاً إزاء النظرة القاصرة إلى الآخر والمشفوعة بتبرير الممارسات التمييزية الاستعلائية، تخلق ردود فعل حادة وتقود إلى تشجيع عوامل الاحتراب والشعور بالاستلاب، لاسيَّما من جانب التكوينات المستضعفة والمهضومة الحقوق.
الرافعة الثالثة هي البيئة القضائية، لاسيَّما إذا كان القضاء مهنياً ومستقلاً، خصوصاً في ظل سيادة القانون وتطبيق مبادئ العدالة، حيث سيلعب دوراً إيجابياً في الإقرار بحق الاختلاف والمساواة ونصرة المظلوم وإحقاق الحق.
الرافعة الرابعة هي البيئة الإعلامية وهي سلاح ذو حدين، فبالإمكان أن يكون الإعلام عاملاً مساعداً ومهماً في نشر قيم ومبادئ التسامح أو في الترويج بعكسه لنقيضها، أي لنشر ما يغذّي الكراهية والأحقاد وتبرير العنف أو الإرهاب.
الرافعة الخامسة هي بيئة المجتمع المدني، التي يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في نشر ثقافة التسامح، باعتبارها راصداً ورقيباً للممارسات الحكومية إزاء خرق وانتهاك مبادئ التسامح وقيمه، ناهيكم عن إمكانية تحويل منظمات المجتمع المدني إلى قوة اقتراح وليس قوة احتجاج فحسب، لاسيَّما إذا استطاعت تقديم مشاريع قوانين ولوائح وأنظمة لترسيخ وتعزيز قيم ومبادئ التسامح وتنقية مناهج التربية والتعليم والخطاب الإعلامي والديني والسياسي، من مظاهر اللاتسامح السائدة، وبخاصة التي تبرر التمييز وعدم المساواة.
وقد أثارت قضية الانقسامات الدينية والعرقية والمذهبية واللغوية في العالم العربي نقاشات واسعة، كان للباحث فرصة لمتابعتها في مؤتمر الشبكة العربية للتسامح في الدار البيضاء، وفي الملتقى الفكري السنوي لدار الخليج في الشارقة، وفي ندوة العروبة والمستقبل في دمشق، وفي ردود الأفعال والنقاشات التي تبعتها، الأمر الذي هو بحاجة إلى المزيد من النقاش والحوار بشأنه، وعلى قاعدة التسامح، وحسناً فعلت الشبكة العربية للتسامح حين اتخذت قراراً بتخصيص ندوة مستقلة لبحث موضوع التنوّع الثقافي في مجتمعات متعددة، وهي الندوة التي ستلتئم في المغرب وأيضاً بالتعاون مع منتدى «مواطنة»، لاسيَّما علاقتها بالهوية العامة وبالهويات الفرعية.
عندما أعلنت منظمة اليونسكو في 16 نوفمبر 1995 اليوم العالمي للتسامح (الدورة 28)، فإنها استندت على نشر وثيقة مبادئ التسامح على 14 إعلاناً وعهداً دولياً واتفاقية دولية، وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في عام 1966 والذي دخل حيّز التنفيذ عام 1976، وكذلك اتفاقيات منع التمييز، لاسيَّما في ميدان التربية والتعليم، إضافة إلى أهداف العقد الثالث لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري، الذي كان مؤتمر ديربن ضد العنصرية عام 2001 عنواناً بارزاً من عناوينه بإدانة الممارسات الإسرائيلية العدوانية، باعتبارها ممارسات عنصرية، والعقد العالمي لنشر ثقافة حقوق الإنسان، والعقد العالمي لنصرة سكان البلاد الأصليين على المستوى العالمي.
ولعل تلك المرجعيات تشكل سقفاً أعلى فيما يتعلق بقيم ومبادئ التسامح على المستوى العالمي، يفترض أن تنظم وتضمن العلاقة على أساسه، بين الفرد والدولة وبين الأفراد فيما بينهم وبينهم وبين الجماعات، وقد أكد إعلان مبادئ التسامح الصادر عن اليونسكو، ضرورة إدراج تلك المبادئ في الدساتير والتشريعات، والعمل على التقيّد بها أفراداً وجماعات ودولاً، الأمر الذي يقود إلى حماية مبادئ وقيم التسامح على المستوى النظري والعملي.
ويشكّل العنف والإرهاب وكراهية الأجانب والنزعات الاستعلائية العنصرية، العدوانية، ومعاداة السامية، والتهميش والإقصاء والتمييز ضد الهويات الفرعية، الوطنية والدينية والإثنية واللغوية والسلالية واللاجئين والعمال المهاجرين، والفئات الضعيفة في المجتمع، والتجاوز على حرية التعبير، بيئة مضادة للتسامح، لأنها ستهدد السلم والديمقراطية وتشكّل عقبة أمام التنمية، وهو ما ذهب إليه إعلان مبادئ التسامح، سواءً كان ذلك على الصعيد الوطني أو العالمي.
ولا شك أن الاحتلال والعدوان واستخدام القوة وفرض الهيمنة على الشعوب، تعتبر من مظاهر عدم التسامح، خصوصاً بانتهاك المنظومة الكاملة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، على المستوى العام أو الفردي.
وبعد كل ذلك، فالتسامح -حسبما ورد في الإعلان الصادر عن اليونسكو- يعني: الاحترام والقبول والتقدير للتنوّع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية، وهو يتعزز بالمعرفة والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد، وإنه يمثّل الوئام في سياق الاختلاف. والتسامح، لم يعد واجباً أخلاقياً فحسب، بل أصبح واجباً سياسياً وقانونياً، لإرساء وتعزيز قيم السلام ونبذ الحروب، لاسيَّما في البلدان المتقدمة.
ومن الجهة الأخرى وبعيداً عن بعض التفسيرات والتأويلات الضيقة، فالتسامح لا يعني المساومة أو التساهل إزاء انتهاك الحقوق والحريات، كما تذهب إلى ذلك بعض الأفكار الدارجة والسطحية، بقدر ما هو اتخاذ موقف إيجابي للإقرار بحقوق الآخرين للتمتع بجميع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولا يمكن تحت أي مبرر، بما فيها مبررات التسامح، المساس بقيم التسامح سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الحكومات.
وبهذا المعنى، فإن قيم التسامح لا تستقيم بدون قيم المساواة والعدالة وعدم التمييز والحق في المشاركة وقبول الآخر، ولعل ذلك ما لفت إليه مفوض جامعة الدول العربية للمجتمع المدني فاروق العمد، عندما أشار إلى دعمهم لفعاليات وأنشطة التسامح.
لعلها ستكون مناسبة مهمة عند الحديث عن التنوّع الثقافي والتعددية الفكرية والسياسية والقومية والدينية واللغوية والسلالية، لاسيَّما لدول متعددة التكوينات، للبحث في الرافعات الخمس: التشريعات والتربية والتعليم والقضاء والإعلام والمجتمع المدني، ووضع خطة عمل طموحة على مدى السنوات الخمس لتغطية هذه الحقول، باتجاه خلق وعي عربي جديد قابل لازدهار قيم ومبادئ التسامح، وفي المقدمة لدى النخب، وعلى صعيد الدولة والمجتمع، وذلك لكي يصبح التسامح اختياراً حضارياً يقوم على أساس الاعتدال والعقلانية والحداثة والنسبية والعلمانية والتعددية والتنوّع، في إطار قيمة مرجعية من جهة وهويات مركّبة ومتفاعلة واستدراكات مغايرة لا متماثلة، من خلال المعرفة والمأسسة والمقدرة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تستقيم المواطنة مع الفقر؟!
- الثقافة والتربية.. لا حقوق دون رقابة
- قرصنة وقانون: أليست كوميديا سوداء؟
- مسيحيو العراق: الجزية أو المجهول!
- الطائفة والطائفية: المواطنة والهوية!!
- العروبة والهوية والثقافية
- حكاية تعذيب!
- العروبة والدولة المنشودة!*
- حوار الذات وجدل الآخر
- ضوء على تدريس حقوق الانسان في العراق*
- إسلام واحد وقراءات مختلفة
- العروبة والمواطنة
- المعرفة عنصر أساسي في التعبير عن الهوية
- العروبة والأيديولوجيا
- المفكر عامر عبد الله في ذكراه العاشرة:الجوهر وجدلية الأمل وا ...
- التسامح: مثل الريح الخفيفة التي تسبق المطر!
- الإعلام وحق الحصول على المعرفة
- العراق ومعركة المياه -مصححة-
- حقيقة السجون السرية في العراق
- حلم وردي مرعب!


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - 5 رافعات للتسامح