أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد علي زيني - دولة القانون تبدد 75 مليار دولار من أموال الشعب العراقي وتعرض أمنه الغذائي للخطر















المزيد.....



دولة القانون تبدد 75 مليار دولار من أموال الشعب العراقي وتعرض أمنه الغذائي للخطر


محمد علي زيني

الحوار المتمدن-العدد: 3047 - 2010 / 6 / 28 - 03:24
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


عملاق نفطي يستفيق
يمكن القول بأن العراق عملاق قادم الى السوق العالمية وهذا صحيح جداً. ذلك أن احتياطيات العراق النفطية المثبتة والمعلنة حالياً تبلغ نحو 115 مليار برميل، وبهذا الرقم يأتي العراق بالمرتبة الثالثة بين دول العالم الغنية بالنفط. على أن الاحتياطيات هذه إنما هي نتاج استكشاف نحو 115 تركيب جيولوجي فقط، ولا زال في العراق ما يربو على 400 تركيب جيولوجي لم يجر استكشافها بعد، حيث يحتمل أن تُكتشف احتياطيات جديدة في هذه التراكيب في المستقبل قد يربو مجموعها على 200 مليار برميل، وبذلك قد يتعدى العراق إيران مستقبلاً ولربما حتى المملكة العربية السعودية ليصبح هو الدولة الأولى في العالم من حيث الاحتياطيات النفطية المثبتة.

ضرورة الحكمة في أدارة الثروات النفطية
ولكن غزارة الأحتياطات النفطية لوحدها لا تكفي أن تجعل منه عملاقاً، إذ ينبغي على المسؤولين العراقيين أدارة تلك الأحتياطيات واستغلالها بحكمة، وإن واحداً من أوجه الأدارة الحكيمة هو السيطرة على مستوى الأنتاج وتوقيته بما ينسجم مع أهداف سياسة العراق النفطية، وإلاّ فإن سوء الأدارة بما فيها الخطأ بالتوقيت قد يقود الى نتائج عكسية تماماً وعندها سيصبح مثل العراق كمثل من يحمل سلاحاً مؤثراً ولكن يصوب ذلك السلاح لنفسه بدلاً من تصويبه الى الهدف المطلوب. أنا أقول هذا وأمامي الآن مشهد جولات التراخيص في السنة الماضية، وكيف أعطيت جواهر حقول العراق غير المطورة دفعة واحدة في جولة التراخيص الثانية بدون مبرر. بدايةً كان بودي أن أرى أنتاج العراق وقد ارتفع في هذا الوقت الى ثلاثة ملايين برميل يومياً، وهذا ما كان سيحدث لو أن وزارة النفط بقيت تعمل بموجب الخطة العقلانية التي اتبعتها في بادئ الأمر والتي كانت تقضي برفع إنتاج الحقول الحالية (المنتجة) كالرميلة والزبير وكركوك بمقدار نصف مليون برميل يومياً خلال 18 شهراً وذلك كمرحلة أولى على المدى القصير. وكان سيتم ذلك بواسطة عقود إسناد فني مع الشركات العالمية لولا أن الوزارة غيرت رأيها بعد مفاوضات طويلة وتبنت بدلاً عن ذلك عقود الخدمة الحالية. وبذلك ضاع نحو سنة من الوقت أضافة الى 500 الف برميل يومياً من الأنتاج كان العراق بأمس الحاجة لها بالأمس قبل اليوم واليوم قبل غداً.

العراق لا يتحمل بناء وإدامة سعة أنتاجية فائضة
ولقد كان بإمكان الوزارة التعاقد مع شركات النفط الأجنبية وشركات الخدمات النفطية لأضافة سعة إنتاجية قد تصل الى 4 – 5 ملايين برميل يومياً من الحقول المنتجة حالياً فقط لكي يصل أنتاج العراق الى 6 – 8 ملايين برميل يومياً في غضون 7 – 8 سنوات. وبذلك ستكون الوزارة قد أنجزت خطة عقلانية تنسجم مع حاجات العراق كمرحلة أولى، على أن يجري بالتوازي مع هذه الخطة إعادة بناء وتوفير البنى التحتية اللازمة للنقل والتصدير وكذلك تأمين عناصر إدامة مستوى الإنتاج. كل ذلك عملاً بموجب توصيات ندوة خبراء النفط والاقتصاد التي انعقدت في بغداد خلال الفترة 27 شباط – 1 آذار 2009(2) بدعوة من السيد نائب رئيس الوزراء آنذاك، الدكتور برهم صالح. حينئذ ستكون الوزارة قد هيأت نفسها لوضع مريح يتيح لها التعاقد بثقة مع الشركات العالمية لتطوير الحقول المكتشفة غير المطورة، ولكن ليس دفعةً واحدة وإنما حقلاً واحداً أو أكثر كل مرة وبما تمليه حالة التوازن بين حاجات العراق المالية وتلبية الطلب العالمي على النفط والتعاون قدر الأمكان مع الدول الأخرى ذات العلاقة للمحافظة على تماسك منظمة الأوبك وتمكينها من أداء واجباتها التي وُجدت من أجلها.

ولكن وزارة النفط قفزت فوق كل ذلك الى جولات التراخيص مباشرة لتعطي كل ما يملك العراق من حقول ذات وزن - عدا حقل كركوك – في غضون ستة أشهر فقط (حزيران – كانون الأول 2009). وكما هو معلوم الآن فأن تلك العملية تمخضت عن عشرة عقود مع الشركات العالمية صادق عليها فعلاً مجلس الوزراء. ولكن هل أن الأعتراضات التي سقتها تواً تعني الدعوة لألغاء تلك العقود والبدئ من المربع الأول بعد مرور هذا الوقت الطويل؟ الجواب كلاّ! علينا – والمصلحة العامة تقتضي - أن نعترف بالأمر الواقع، فقد سبق السيف العذل أو، بعبارة أخرى، أن "الفأس وقع بالرأس" كما يقول المثل. ولكن لأهمية تلك العقود القصوى ولتعلقها بحياة الشعب العراقي بل وبمستقبل العراق، يتعين على مجلس النواب القادم عدم الأكتفاء بمصادقة مجلس الوزراء - كما ترغب وزارة النفط حالياً – بل المطالبة بأحالة تلك العقود إليه (مجلس النواب) من أجل دراستها ومناقشتها من قبل لجنة النفظ والغاز وبالتعاون مع وزارة النفط. حينئذ، وبناءً على مقتضيات المصلحة العامة، قد يقوم المجلس بأجراء تعديلات على بعض بنود تلك العقود سيجدها ضرورية، كما قد يلغي أو يؤجل بعضها الآخر. كل ذلك من أجل أن تنسجم العقود المعدلة مع مصلحة العراق قبل المصادقة النهائية عليها.

ضرورة تدخل مجلس النواب
أنني أعتقد بأن هذا الأجراء (الأحالة الى مجلس النواب) الذي يعارضه وزير النفط الحالي، هو حق من حقوق المجلس والتي تبقى مشروعة بغياب قانون النفط والغاز. إن التقصير الذي ارتكبه المجلس السابق بعدم إصداره قانون النفط والغازعلى أهميته، رغم مرور أكثر من سنتين على أحالته الى البرلمان حيث استُغل كوسيلة للمناكفة والتنابز بين الكتل البرلمانية وبالضد من مصالح العراق الحيوية، يجب أن يعالج ذلك التقصير بالمصادقة على مشروع القانون بعد أجراء التعديلات اللازمة. وبأصدار ذلك القانون الحيوي سينفتح الطريق أمام تشريع قوانين مهمة أخرى مثل قانون شركة النفط الوطنية وقانون إعادة هيكلة وزارة النفط.


إن إحجام مجلس النواب القادم عن معالجة الخلل الخطير الذي ترتب على سياسة وزارة النفط اللامسؤلة سيستتبعه تنفيذ العقود العشرة بكاملها ودون تغيير ذي معنى. وسينطوي ذلك على صعود إنتاج العراق من النفط الخام الى نحو 12 مليون برميل يومياً بنهاية 2017 (هذا بغض النظر عن إنتاج أضافي من كردستان العراق قد يصل الى مليون برميل يومياً في ذلك الحين). وهنا أتسائل هل قامت وزارة النفط بأجراء دراسة وافية لحالة سوق النفط العالمية ووجدت أنها ستتمكن من تسويق هذا الأنتاج الهائل دون التأثير عكسياً على الأسعار أو على إداء منظمة الأوبك أو كليهما معأً؟ أم أن وزارة النفط أنجزت جولات التراخيص اعتباطاً ودون التفكير بوقع هذا القدر الهائل من الأنتاج على السوق وعلى تماسك منظمة الأوبك، علماً أن العراق هو أحد مؤسسي هذه المنظمة الحيوية؟ أن المجال هنا لا يتسع لمناقشة تفصيلية للعرض والطلب العالمي على النفط في المدى البعيد ويستحسن أن أعرض رأيي الِشخصي بأيجاز. أن أغلب التوقعات المتعلقة بالطلب العالمي على النفط وبالأمدادات النفطية من خارج منظمة الأوبك تشير الى أن صافي الطلب على نفط الأوبك سيزداد بنحو ستة ملايين برميل يومياً بحلول سنة 2020 وربما سيصعد الى ثمانية ملايين برميل يومياً خلال الفترة الزمنية 2026 - 2030. ولو افترضنا جدلاً أن منظمة الأوبك ستترك العراق خارج الحصص الأنتاجية (كما هي الحالة عليه الآن) لنهاية سنة 2016 ثم ستخصص له سقفاً إنتاجياً قدره 6 ملايين برميل يومياً خلال الفترة 2017 – 2025 ليصعد ذلك السقف الى 8 ملايين برميل يومياً خلال الفترة 2026 – 2030، وهذا ما يجب أن يطالب به العراق بناءً على السنين العجاف التي مرّ بها منذ سنة 1980، فما هي الخسائر المالية التي ستلحق بالعراق نتيجة قيام وزارة النفط بالأتفاق مع الشركات الأجنبية لتطوير سعة أنتاجية قدرها 12 مليون برميل يومياً بدلاً من الألتزام بتوصيات الخبراء التي قضت بأضافة 6 – 8 ملايين برميل يومياً فقط. في هذه الحالة ستكون السعة الأنتاجية الفائضة عن حاجة العراق 6 ملايين برميل يومياً خلال فترة السنوات 2017 - 2025 تنزل الى 4 ملايين برميل يومياً خلال فترة السنوات 2026 – 2030.

وزارة النفط تبدد ثروات مالية هائلة
أن تطوير سعة أنتاجية من قبل الشركات لا تُقدم مجاناً بل ستقوم تلك الشركات باسترجاع كُلف التطوير من العراق أما بهيئة نفط أو نقداً أو ديناً (بفائدة طبعاً). أن كلفة التطوير لبلد مثل العراق يقدر بنحو 10,000 دولار للبرميل اليومي الواحد من الحقول غير المنتجة(3)، وهذا يعني أن الكلفة الكلية لتطوير سعة أنتاجية قدرها أربعة ملايين برميل باليوم تبلغ 40 مليار دولار و الكلفة الكلية لتطوير سعة أنتاجية قدرها ستة ملايين برميل باليوم تبلغ 60 مليار دولار. فإذا كانت سعة العراق الأنتاجية الفائضة هي 6 ملايين برميل يومياً خلال فترة السنوات 2017 - 2025 تنزل الى 4 ملايين برميل يومياً خلال فترة السنوات 2026 – 2030، فإن معدل الكلفة الكلية الموزون بعدد السنين سيكون نحو 53 مليار دولار. أن هذه ليست خسارة العراق الناتجة عن تطوير سعة أنتاجية لا حاجة لها فحسب، وإنما تلحقها كلفة الأدامة لهذه السعة الفائضة فالأدامة ليست (بلاش). تقدر كلفة الأدامة هذه الأيام للبرميل اليومي الواحد المنتج للنفط الخام نحو 300 دولار سنوياً، وهذا يعني أن كلفة الأدامة الكلية لستة ملايين برميل يومياً والتي ستكبل العراق هي 16 مليار دولار خلال فترة السنوات 2017 - 2025 وستة مليارات دولار خلال فترة السنوات 2026 – 2030، أي أن مجموع خسائر العراق خلال فترة السنوات 2017 – 2030 لأدامة سعة أنتاجية لا حاجة لها ستكون 22 مليار دولار. ومثل هكذا كلفة لن يقبل بها حتى بلد غني كالسعودية وهي البلد الوحيد في العالم الذي يحافظ على سعة أنتاجية فائضة لا تتجاوز مليوني برميل يومياً. وتتحمل السعوديية كلفة بناء السعة الأنتاجية الفائضة مع تكاليف إدامتها للحفاظ على استقرار سوق النفط الدولية، وما يصاحب ذلك من نفوذ وهيبة تتمتع به السعودية بالوقت الحاظر. وبجمع كلف التطوير والأدامة ستبلغ خسائر العراق مبلغاً خيالياً قدره 75 مليار دولار خلال الفترة الزمنية 2017 – 2030.

وبعدُ، فأنا لا أعرف لماذا يأتي وزير "محاصص" ليتخذ قرارات مضرة بمصلحة الشعب، ويلعب بوزارة النفط (شاطي باطي) حسب توجهاته، وهي الوزارة الحيوية التي انتهى الشعب العراقي، هذا الشعب الكريم والعريق، بالأعتياش عليها بعد أن فقد كل شيئ آخر تقريباً (شكراً لساسة العراق)، ثم تستمر دولة القانون بالتمسك به وحمايته! وأن حيرتي لتزداد حينما أشاهد دولة القانون سعيدة بوزيرها وهو على وشك أن يفرط بعشرات مليارات الدولارات تعود لشعب جريح نحو 23% منه يعيش تحت خط الفقر! وإنني ليحزنني أشد الحزن، بل أشعر باالعار، حينما يشرف وزير عراقي على تبديد نحو 75 مليار دولار (قارن مع 61,7 مليار دولار إجمالي إيرادات الميزانية لسنة 2010) وقسم كبير من آبائنا وأمهاتنا وأخوتنا وأخواتنا وأطفالنا أصبحوأ يعتاشون على ما تجود به مزابل العراق ليقضوا بعد ذلك لياليهم بجحور من الصفيح بجانب تلك المزابل!

شركة نفط وطنية خاوية
إذا أريد لصناعة العراق النفطية النجاح فلا بد من أعادة الحياة ألى شركة النفط الوطنية على أسس تجارية حديثة. شركة بإمكانها جذب واستغلال الكفاءات المهنية. شركة تملك السلطة في العمل والتعاقد مع الغير. شركة لها قوانينها المناسبة لطبيعة أعمالها ولا يقيدها الروتين الحكومي وقوانين الخدمة المدنية. شركة بإمكانها طوي الزمن إن هي أرادت الإسراع بالعمل. على أن المشكلة الكبرى التي ستواجهها هذه الشركة عند إعادة الحياة لها هي مشكلة التراخيص والعقود العشرالتي وقعتها وزارة النفط مع الشركات العالمية. إن مدة العقد الواحد 20 سنة يمكن زيادتها الى 25 سنة. إن الذي يحيرني ويثير دهشتي هو هذه المدة الطويلة التي اختيرت لهذه العقود، إذ خلال مدة 25 سنة من الزمن يمكن "شفط" كل ما لدى العراق من نفط مكتشف خصوصاً إذا علمنا أن الشركات اختارت حدوداً مبالغ بها لمستوى الذروة الأفقي للأنتاج (Production Plateau) أو (هضبة الأنتاج). فأولاً أنا أرى أن لا مبرر هناك لمثل هضبات الأنتاج العالية التي اقترحتها الشركات الأجنبية والتي هي ليست في مصلحة العراق في الوقت الحاضر. وثانياً أرى أن وزارة النفط على خطأ في قبول 20 سنة كمدة لتلك العقود يمكن زيادتها الى 25 سنة. فاذا قارنا الأمر مع أيران نجد أن هذه الجارة لم تقبل بأكثر من سبع سنوات لتطوير حقولها من قبل الشركات الأجنبية رغم ضغوط الشركات والحصار الأمريكي الشديد الذي تتعرض له منذ عقود! ولكنها، وبضغوط من الشركات لتحسين شروط عقودها، ولربما بسبب الحصار الذي تعانيه أصبحت تفكر الآن بزيادة مدة عقودها الى عشر سنوات. وبهذا يظهر الأيرانيون أكثر وطنية وحرصاً على موارد بلادهم مقارنة مع العراقيين الذين أصبحوا يقودون وزارة النفط هذه الأيام، علماً أن الأحتياطيات النفطية المثبتة لدى أيران حالياً هي أكثر مما لدى العراق. أما بخصوص موارد الغاز الطبيعي فأن إيران تأتي بالمرتبة الثانية بالعالم بين الدول الغنية بالغاز أذ تملك احتياطيات مثبتة من الغاز أكثر مما لدى قطر، وتعادل احتياطياتها أكثر من تسعة أضعاف ما لدى العراق. وأذا قارنا الأحتياطيات المثبتة للبلدين من النفط والغاز معاً، وعلى أساس المكافئ الحراري – وهي وحدة القياس المتبعة عالمياً – نجد أن أيران تملك في 1/1/2010 نحو 2,4 ما يملكه العراق من موارد النفط والغاز، ومع ذلك نجد أن الأيرانيين لا يفرطون ولو بجزء يسير من مواردهم النفطية وبالأخص في شؤون أدارتها والسيطرة عليها، في حين أننا حاضرون لتسليم كل ما لدينا من نفط الى الشركات الأجنبية لمدد طويلة جداٍ وبهضبات أنتاج مضرة بالمصالح العراقية.

وبعد أن عرضنا مدة العقود التي قبلت بها وزارة النفط، وإذا علمنا فوق ذلك أن حصة العراق في تلك العقود تم تخفيضها من 49% الى 25 % وبالمقابل تم تصعيد حصة الشركات من 51% الى 75%، سيتبين لنا الوضع المزري الذي ستنتهي به شركة النفط الوطنية العتيدة. إذ ستنتهي بكونها شركة هامشية هزيلة لا تملك صلاحيات أدارة الحقول التي ستسيطر عليها الشركات الأجنبية. وفي حالة انتظار هذه الشركة 20 – 25 سنة حتى تنتهي مدة العقود، فأنها، على الأغلب، سوف لن تجد إلاّ حقولاً ناضبة غير ذات فائدة لأدارتها، وسيكون النفط العراقي الحالي قد تم أنتاجه من قبل الشركات الأجنبية بموجب عقود قانونية، وتم استهلاكه من قبل شعوب أخرى عطشى للموارد العراقية. ولا أظن أن مجلس النواب كان سيقبل بهذه النهاية الفاجعية لموارد العراق النفطية وشركة نفط العراق الوطنية. ولكن وزير النفط – بالتضامن مع من يؤيده - نجح في منع أحالة تلك العقود الى مجلس النواب حتى يتمكن ممثلوا الشعب من أداء واجباتهم المكلفين بها من قبل الشعب الذي اختارهم لحماية حقوقه بأي وسيلة متاحة لهم.


تهديد الأمن الغذائي للشعب العراقي
أن أية حكومة وطنية عراقية سوف لن تقبل بتسليم الحقول المنتجة حالياً الى الشركات الأجنبية بأي حال من الأحوال. ذلك أن هذه الحقول الكريمة انتهت بكونها بوليصة تأمين الدخل اليومي للشعب العراقي في هذا الزمن الردئ. وبموجب ما جرى خلال السنة الماضية وهذه السنة نرى أن السيد رئيس الوزراء ووزير نفطه وافقا على تسليم تلك الحقول الى شركات أجنبية ولا زالا يدفعان الأمور بذلك الأتجاه. وبنجاحهما في ذلك العمل يكونا قد سمحا لأيادي أجنبية أن تمسك بقوت الشعب اليومي وتسيطر عليه، وهذا ما لم يحدث حتى في زمان الأستعمار البغيض.

أريد أن أقول بأنه نظراً للتردي الرهيب الذي أصبح يعاني منه الأقتصاد العراقي، وجفاف مصادر تمويل الميزانية السنوية عدا النفط المستخرج من الحقول المنتجة حالياً والذي أصبح يسد أكثر من 90% من حاجة الميزانية الى المال، نستنتج والحالة هذه استحالة ارتهان هذه الحقول بالذات بعقود طويلة الأجل (20 – 25 سنة) كما تزمع حكومة دولة القانون عمله الآن. كما لا يجوز ارتهانها حتى بعقود قصيرة الأجل يفقد في ظلها الشعب العراقي سيطرته عليها. وأذا كانت الشركات الأجنبية التي ستسيطر على هذه الحقول تأتي الآن من دول صديقة فإن هذه الصداقات قد لا تدوم مثلما تدوم مصالح تلك الدول، والساسة العراقيون يجب أن يعرفوا هذا قبل غيرهم. ثم نحن لا نعلم ما تضمر لنا الأيام القادمة إذ قد ينشب نزاع بين العراق وبين تلك الشركات ربما يتوقف على أثره انتاج تلك الحقول. وبذلك قد لا يتمكن العراق من التصرف بالأنتاج طالما بقي النفط المنتج مادة لنزاعات قانونية في محاكم دولية (مقراتها باريس أو لندن مثلاً) . ثم قد تُوقِف تلك الشركات الأنتاج لظروف تدّعيها بكونها قاهرة (Force Majeure) بعرف القانون، وقد تكون تلك الظروف حقيقية كالحرب أو العنف أو الكوارث الطبيعية (أو نتيجة أخطاء فنية كما يحدث الآن في خليج المكسيك في الولايات المتحدة الأمريكية) فمن سيقوم في حالة توقف أنتاج تلك الحقول بتمويل الميزانية الحكومية التي أضحى الشعب العراقي يعتاش على الجزء الأكبر منها؟. على أن الشعب العراقي، وهو المعروف بشدة مراسه وقابليته العجيبة على تحمل الأهوال، سوف لن يوقف الأنتاج طبعاً أن كان هو المسيطر القانوني على تلك الحقول، فهو سوف لن يعير بالاً لظروفً قاهرة ولن يسلم بها ولربما لن يوقف الأنتاج تحت أي ظرف من الظروف. أذ سيستمر أبناؤه الأشاوس بتشغيل حقولهم لتأمين أسباب العيش الكريم لشعبهم الأبي حتى لو تعرضوا ألى القتل الواحد منهم تلو الآخر.

ما هو الحل أذن؟
أن الحل الوسط الذي أضعه أمام مجلس النواب والمسؤلين العراقيين في حماية الأمن الغذائي للشعب العراقي من جهة والمضي قدماً في تطوير السعة الأنتاجية الى مستوى مقبول قدره 6 – 8 مليون برميل يومياً كمرحلة أولى من جهة أخرى، هو ما يلي:
1) أن يتم الفرز بين الحقول المنتجة حالياً وتشمل بصورة رئيسية كلاً من حقول الرميلة، كركوك، غرب القرنة1 والزبير (وقد أضيفت إليها مؤخراً حقول ميسان)، وبين الحقول المكتشفة وغير المنتجة حالياً وأهمها: مجنون، غرب القرنة2 وحلفاية. ففي حالة الحقول المنتجة تقوم شركة النفط الوطنية العراقية - بعد أعادة الحياة لها - بتشغيل تلك الحقول وإدارتها. وستتمكن هذه الشركة، وبمساعدة شركات استشارية متخصصة، من زيادة الأنتاج طبقاً لمقتضيات خطة أستراتيجية أقتصادية طويلة الأمد (2010 – 2030) وبواسطة عقود خدمة (Service Contracts).
2) يمكن التعاقد مع الشركات الأجنبية لتطوير الحقول المكتشفة غير المنتجة على أسس العقود التي تم الأتفاق عليها مع الشركات مؤخراً، بعد دراسة تلك العقود من قبل مجلس النواب وإجراء التعديلات التي تقتضيها مصالح البلاد العامة. وأقترح هنا تقصير مدة العقد الواحد الى أمد أقصاه عشر سنوات بدلاً من عشرين سنة. إذ خلال هذه المدة الطويلة من السنين يمكن لشركة النفط الوطنية من ابتعاث الطلبة العراقيين الى الخارج (كما تم ابتعاثي في سنة 1957 مع أخوتي الطلبة المتفوقين على نفقة شركة نفط العراق آنذاك) من أجل الحصول على شتى الأختصاصات المطلوبة في الصناعة النفطية، لسد النقص في الكوادر المهنية الجيدة التي أصبحت تعاني منها صناعة النفط العراقية الآن. هذا ويجب أن يتم انتقاء الطلبة المبعوثين طبق شروط معقولة ليس من بينها الأنتماء الديني أو المذهبي أو السياسي ودون التفريق بين ذكر أو أنثى.
3) تخفيض الزيادة الكلية في الأنتاج الحاصلة من تطوير سعات إنتاجية جديدة الى نحو خمسة ملايين برميل يومياً بدلاً من 9,6 مليون برميل يومياً كما هو مخطط له الآن. وبأضافة الأنتاج الحالي البالغ 2,5 مليون برميل يومياً الى الزيادة المقترحة سيصل الأنتاج الكلي للعراق بحلول سنة 2017 الى نحو 7,5 مليون برميل يومياً يمكن أن تستوعبها السوق ومن دون التأثير الكبير على منظمة الأوبك خصوصاً في حالة تعاون الأخيرة لأعطاء سقف إنتاجي مناسب للعراق.
4) يمكن تقاسم الزيادة المقترحة بالأنتاج، وقدرها خمسة ملايين برميل يومياً، بالتساوي بين الحقول المنتجة حالياً والحقول غير المنتجة والتي سيتم تطويرها من قبل الشركات العالمية. ويمكن تقييد الزيادة في الوقت الحاضر من الحقول غيرالمنتجة ب2,5 مليون برميل يومياً بدلاً من 4,7 مليون برميل يومياً كما هو مخطط له الآن. ويمكن إنجاز ذلك بأحدى الطريقتين التاليتين: ا) تخفيض هضبة الأنتاج من هذه الحقول بمقدار2,5 مليون برميل يومياً أو ب) تطوير هذه الحقول بأوقات مختلفة بصورة يكون معها الأنتاج الأضافي نحو 2,5 مليون برميل يومياً. ونفضل الطريقة الأولى لكي نشرك أكبر عدد ممكن من الشركات في آن واحد.

أن الهدف من وراء السيطرة الوطنية على الحقول المنتجة حالياً و كذلك تخفيض إنتاج هضبة الحقول الغير مطورة هو ليس محاربة الشركات الأجنبية قطعاً. وأنما الهدف من وراء ذلك الدفاع عن مصالح الشعب العراقي والمحافظة على ديمومة تلك المصالح وازدهارها. أما بخصوص الشركات الأجنبية فأنني، على العكس، أؤمن بالتعاون معها وحماية المصالح المتبادلة معها بغض النظر عن جنسيتها (عدا أسرائيل طبعاً). كما أؤمن بأن الشركات الأجنبية هي مصدر لا يمكن الأستغناء عنه في مجالات التكنولوجيا المتقدمة وفنون الأدارة الحديثة ويجب والحالة هذه التعاون معها بما تتطلبه المصالح المتبادلة. إن العراق في هذه المرحلة بأمس الحاجة لمثل هذه الشركات لتطوير حقوله النفطية التي طال إهمالها نتيجة للظروف العصيبة التي مر بها خلال الثلاثين سنة الماضية. ولا بأس من التعاون مع الشركات التي كانت ستقوم بتطوير الحقول المنتجة، وهي بي بي، سي أن بي سي، أكسون موبل، شل، أَني، أوكسي، كوغاز وغيرها من الشركات لتطوير حقول العراق المنتجة حالياً وزيادة أنتاجها، ولكن ليس على أسس التخلي عن السيطرة على تلك الحقول لأسباب أستراتيجية تطرقنا أليها. ولا بأس من التعاون مستقبلاً مع تلك الشركات وكذلك الشركات العالمية الأخرى لتطوير حقول جديدة يضيفها العراق الى حقوله المنتجة حسب الحاجة. هذا وللعلم أن مأ أقترحه هنا ليست دعوة للأكتفاء بأنتاج عراقي لا يتعدى 6 - 8 مليون برميل يومياً بل يتعداه حتماً وقد يصل الى 12 مليون برميل يومياً ولربما أكثر، ولكن كل شيئ يجب أن يحدث بالوقت المناسب، والتوقيت المناسب هو جزء لا يتجزأ من الأدارة الجيدة.

أخيراً أود أن أذكر هنا بأن شركة النفط الوطنية هي نصف شركة بالواقع. ذلك أنها، منذ تأسيسها في سنة 1964 أقتصرت فعالياتها على عمليات المنبع فقط (Upstream) أي عمليات الأستكشاف والتطوير والأنتاج ولم تشتمل فعالياتها على عمليات المصب (Downstream) أي عمليات تكرير النفط وتوزيع المنتجات النفطية. وبعبارة أخرى أن شركة النفط الوطنية العراقية ليست شركة متكاملة كباقي شركات النفط بالمنطقة، وهذا خلل كبير يجب تلافيه. ولقد أبقى مشروع قانون النفط والغاز على هذا الخلل ولم يعالجه، وكأنه أراد بذلك الأبقاء على شركة النفط الوطنية خادمة لحاجات العالم الخارجي بتزويده ما يريده من النفط الخام تاركاً حاجات الشعب العراقي للمشتقات النفطية تسده مؤسسات أخرى. لذلك أرى وجوب معالجة هذا الخلل وخلق شركة متكاملة عمودياً (Vertically Integrated) وفي هذا التوازن كفاءة في الأدارة والأنتاج والتنسيق، وبالتالي خدمة أفضل لمصالح الشعب والبلد. --------------------------------------------------
(1) الدكتور زيني خبير واستشاري في شؤون النفط والغاز والأقتصاد ويحمل شهادات في الهندسة والقانون والأقتصاد، وهو مؤلف كتاب "الأقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل" الذي نُشرت طبعته الرابعة حديثاً.
(2) كان الدكتور زيني أحد الخبراء الذين استضافتهم تلك الندوة.
(3) إن كلفة 10,000 دولار لتطوير برميل واحد سعة أنتاجية (production capacity) متواضعة جداً إذا ما قورنت بمثيلاتها في دول الخليج، ناهيك عن باقي دول العالم. وقد تتضاعف هذه الكلفة إذا علمنا أن العراق هو الذي سيتحملها بموجب العقد، وأن القرار يتركز بيد الشركات الأجنبية كونها تملك 75% مقابل 25% للعراق في الشركات المشتركة التي سيتم أنشاؤها لتطوير الحقول (joint ventures)، أضف الى ذلك الفوضى العارمة التي تعم العراق الآن مع استشراء الفساد وقلة خبرة الجانب العراقي. على العكس من ذلك تحاول الشركات أختزال الطرق وحتى القفز فوق ما تستوجبه أصول العمل من أجراءات من أجل تقليل الكلفة إن كانت الشركات هي الجهة التي تتحملها. ولربما الرغبة الجامحة بتقليل الكلفة من قبل شركة النفط البريطانية (BP) هي التي أدت بالنهاية الى وقوع كارثة خليج المكسيك، وهذا ما حدث الآن في الولايات المتحدة الأمريكية وهي حالياً أعظم وأقوى دولة بالعالم - فمن للعراق المسكين؟؟!!



#محمد_علي_زيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اعملي ألذ صوص شوكولاته للحلويات والتورتات بسيط جدا واقتصادي ...
- تباين أداء بورصات الخليج مع اتجاه الأنظار للفائدة الأميركية ...
- صندوق النقد: حرب غزة تواصل كبح النمو بالشرق الأوسط في 2024
- لماذا تعزز البنوك المركزية حيازاتها من الذهب؟
- كيف حافظت روسيا على نمو اقتصادها رغم العقوبات الغربية؟
- شركات تأمين تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد عمليات الاحتيال
- صندوق النقد: السعودية تحتاج ارتفاع سعر النفط إلى 100 دولار ل ...
- مسؤول بالبنك المركزي المصري يُعلق على سعر صرف الدولار والسوق ...
- -يكفيه ما فيه-.. هكذا سيتأثر الاقتصاد العالمي بحرب غزة
- -النقد الدولي- ـ الحرب بدأت تؤثر على اقتصادات الشرق الأوسط


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد علي زيني - دولة القانون تبدد 75 مليار دولار من أموال الشعب العراقي وتعرض أمنه الغذائي للخطر