أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رائد الدبس - سياسة العمق الاستراتيجي لتركيا وحصار غزة















المزيد.....

سياسة العمق الاستراتيجي لتركيا وحصار غزة


رائد الدبس

الحوار المتمدن-العدد: 3045 - 2010 / 6 / 26 - 23:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



أفسح الحصار الإسرائيلي الظالم لغزة، المجال أمام كثير من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية كي تمارس أدواراً طبيعية ومُعتادة، كما أفسح المجال أمام بروز أدوار إقليمية جديدة تحاول الاستفادة من هذه الأوضاع التي أنشأها الحصار. كما أنه فتح الباب أمام تنامي نزعات شعاراتية قديمة – جديدة مادتها الرئيسية حصار غزة، ضمن حالة من الفوضى والاعتباطية السياسية غالباً، وأحياناً ضمن حسابات ناتجة عن وعي سياسي ضيق الأفق، سواء كان ضيق الأفق منطلقاً من حسابات فصائلية أم من وعي ريفي ومحلي الطابع، فالنتيجة واحدة.

في السياق ذاته ، يعلو منسوب الشعارات العاطفية تجاه أي مبادرة أو تحرك سياسي من أي طرف إقليمي تجاه غزة دون تفكير بخلفيات وأبعاد ذلك. فمثلا بات الحديث الخطابي العاطفي الارتجالي عن تركيا-أردوغان يجنح نحو تفكير رغبوي يقترب من إسقاط الأماني وتفسير المواقف السياسية على طريقة الألغاز والأحجيات. إذ يجري الحديث تارة عن تفسير الموقف التركي وفق نظرية المؤامرة الأمريكية الصهيونية ، وتارة أخرى يجري عن تفسير هذا الموقف وفقاً لأوهام استعادة أمجاد إمبراطورية الباب العالي وعودة أحفاد السلطان عبدالحميد أو العثمانيين الجدد إلى سابق عهدهم في المنطقة، بكل ما يتخلل تلك الأوهام من مشاعر يختلط فيها الحنين مع الحساسيات التاريخية السلبية التي يثيرها استذكار تلك الحقبة . وفي كلا الحاليْن يجري تحميل الموقف التركي أكثر مما يحتمل بكثير، وتفسيره على نحو غير عقلاني .

في الحقيقة فإن ما يدعو للأسف في كل هذا الارتجال العاطفي ولغة الخطابة السياسية هما أمران اثنان رئيسيان . أولهما : إختزال القضية الفلسطينية باعتبارها قضية احتلال وطن وحصار شعب كامل، في حصار جزء من الوطن ومن الشعب . وثانيهما : التعاطي مع الدول والقوى الإقليمية وكأنها منظمات خيرية تسعى لأفعال الخير والإحسان وليس لها أغراض سياسية ومصالح خاصة بها. وإذا جرى الحديث عن المصالح فإن نظرية المؤامرة تكون هي المحرك الكامن وراء تلك المصالح .



وطالما أن الحديث قد كثر عن تركيا وعن الإعجاب والانبهار بسياستها الجديدة وبمواقف قادتها وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان فإن الأجدر والأوْلى بنا ، أن نحاول تحليل وفهم أبعاد السياسة الخارجية التركية وإشكالياتها الرئيسية، لكي نستطيع أن نضع الأمور في نصابها وأن نكون طرفاً متفاعلاً وليس منفعلاً ، وحتى لا يتحول حصار أي جزء من حصارنا الأشمل إلى مجرد ورقة إقليمية بالتواطؤ والتراضي مع جزء منا.

ليس المقصود بهذا القول التقليل من شأن المبادرات التركية وغير التركية الهادفة لكسر حصار غزة. بل على العكس من ذلك، هو محاولة لفهمها وتقديرها على نحو سياسي عقلاني لا عاطفي أو ارتجالي ضيق الأفق. سيّما وأن تلك المبادرات لا تأخذ بعين الاعتبار أن الشعب الفلسطيني كله يخضع لحالة حصار منذ عقود من الزمن ، وأن مدينة القدس والضفة الغربية ترزح تحت الاحتلال والحصار والاستيطان والتهويد.



ولكي نفهم هذا التوجه التركي الجامح تجاه المنطقة العربية من خلال بوابة حصار غزة ، يجدر بنا أن نحدد الإشكاليات الرئيسية التي تعترض طريق تركيا في تحقيق سياستها الخارجية الطموحة والناشطة نشاطا إيجابيا ملحوظا .



الإشكالية الرئيسية الكبرى التي تعترض السياسة الخارجية التركية منذ اكثر من عقدين من الزمن هي إشكالية الوقوف طويلا أمام عتبات وأبواب الإتحاد الأوروبي دون الحصول على إذن بالدخول . وما ترتب على ذلك الوقوف والانتظار الطويل من نتائج سياسية ومعنوية ثقيلة على تركيا ، ومن رغبة بتوجيه رسائل جديدة في الشكل والمضمون إلى البيت الأوروبي.



الإشكالية الثانية : هي العلاقة الإستراتيجية مع إسرائيل بما فيها من تعاون عسكري واقتصادي ، ليس له مثيل بين إسرائيل وأية قوة إقليمية أخرى في المنطقة ، وبما حققت وتحقق تلك العلاقة الإستراتيجية من فوائد جمّة لتركيا وإسرائيل، ولكن بما يترتب عليها أيضا من أثقال وحمولات سياسية ومعنوية لتركيا وشعبها .



الإشكالية الثالثة : التوتر الدائم مع اليونان بسبب المسألة القبرصية والاحتلال التركي لأجزاء من قبرص وتقسيمها وإعلان دولة قبرص

التركية التي لم تعترف بها أية دولة من دول العالم سوى تركيا حتى اليوم.



الإشكالية الرابعة : هي إشكالية إقليمية وداخلية في الوقت ذاته، ألا وهي قضية الأكراد في تركيا وحقوقهم السياسية والمدنية، تلك القضية التي تدفعها نحو مزيد من التورط في شمال العراق وهو أمر يثير حساسية وتوجس كل من سوريا وإيران والعراق معاً . ناهيكَ عن الانتقادات اللاذعة التي يوجهها الاتحاد الأوروبي لتركيا بسبب انتهاكها لحقوق مواطنيها الأكراد. وتطرح هذه الإشكالية في حد ذاتها، أسئلة مشروعة حول مدى جدية وانسجام تعاطف الدولة التركية مع شعبنا المحاصر في غزة، إذا ما قورنَ هذا التعاطف بانتهاكها لحقوق مواطنيها الأكراد بصورة دائمة. وبقدر ما تنطبق هذه الأسئلة على تركيا، فإنها تنطبق على إيران أيضاً.



الإشكالية الخامسة : هي الخلافات التاريخية على مياه نهري الفرات ودجلة مع كل من سوريا والعراق وما يترتب على تلك الخلافات الناجمة عن سياسة الاستئثار التي تمارسها تركيا بمصادر مياه هذين النهرين دون تفهم لحقوق ومصالح كل من سوريا والعراق في هذا الشأن. الأمر الذي من شأنه أن يبقي على توتر دفين في العلاقات الثلاثية مهما حدث من تقارب سياسي.





وبسبب هذه الإشكاليات المحددة بوضوح أمام صناع القرار في السياسة الخارجية التركية فقد تمّت عملية إعادة صياغة تلك السياسة خلال السنوات الثماني الأخيرة ، أي منذ استلام حزب العدالة والتنمية للسلطة وفق مقاربة نظرية جديدة صاغتها مجموعة من قيادات ومفكري الحزب الحاكم من بينهم الدكتور أحمد داوود أوغلو الذي أصبح وزيراً للخارجية .





تلك المقاربة التي أطلق عليها الدكتور أوغلو لقب "العمق الإستراتيجي" وذلك هو عنوان أحد أهم كتبه في السياسة الخارجية التركية الجديدة، التي يمكن تلخيصها بالاقتراب التركي من كل إشكاليات الجوار الإستراتيجي في الشرق وملامستها ملامسة حذرة ، قد تحتمل في بعض الأحيان اندفاعاً هنا أو هناك ، لكنه يبقى اندفاعاً محكوماً بالحذر وبالحرص الشديد.. ولتفسير هذه المقاربة على نحو أدق وأكثر وضوحا يمكن القول بأن هذا الاقتراب من الشرق بكل إشكالياته سالفة الذكر يبقى محكوماً بعدم الإخلال بأي شرط من شروط عضوية تركيا في حلف الناتو، وبعدم الإخلال بأي شرط من شروط العلاقة الإستراتيجية مع إسرائيل بما فيها من تعاون عسكري واقتصادي ليس له مثيل في العلاقات التي تربط تركيا بكل محيطها الإقليمي . كذلك دون التراجع عن مطلب الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي . وتوظف تركيا ضمن هذه الإستراتيجية ، كل عناصر قوتها السياسية والجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية ، وغير بعيد عن هذا التوظيف أيضاً، إدراك تركيا بأن دورها السياسي الذي يتّسم بالايجابية يحظى بقبول كبير في المنطقة، إذا ما قورن بالدور الإيراني، ناهيكَ عن الدور الإسرائيلي المرفوض والمُدان.

يمكن القول بأن حصار غزة قد وفّر فرصة إضافية استطاعت تركيا أن توظفها ضمن هذه الإستراتيجية ببراعة تُحسَد عليها.

في هذا السياق لا بد أن نسجل لهذه السياسة التركية براعة في تحقيق عدة نقاط بضربة واحدة :



أولا. إحراج إسرائيل وإرباكها لا سيّما بعد جريمتها الدموية التي ارتكبتها في المياه الدولية بحق ناشطي سفينة مرمرة، وذلك بهدف الضغط على حلفائها الغربيين، وإظهار قوة إرادة ونشاط الدور التركي في المنطقة، وكأن لسان حالها يقول باختصار شديد : نحن هنا.

ويظهر هذا الارتباك الإسرائيلي ليس في التصريحات وردود الأفعال المتناقضة ورفض التحقيق الدولي الذي أقرته الأمم المتحدة فحسب، بل أيضاً بقيام اللوبي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية بمرافقة سفيرة إسرائيل لدى الأمم المتحدة، بمظاهرة احتجاجية تجسدت بتسيير قوارب تجاه مقر الأمم المتحدة تحت مسمى "قافلة الحرية الحقيقية" . وبمعزل عن التسمية المثيرة للسخرية فإن هذا التحرك في حد ذاته يدلل على تخبط وتناقض كبيرين ، فالأمم المتحدة هي الهيكل الدولي الوحيد الذي لا يحق لإسرائيل أن تحتج أو تعترض عليه تحت أي مبرر أو ذريعة . فالأمم المتحدة هي التي أنشأت دولة إسرائيل بقرار منها، علماً أن إسرائيل لم تنفذ حتى الآن أي قرار من قراراتها .



ثانيا : إن تركيا قد نجحت في خطف الأضواء وتضييق الفرص السياسية أمام أي دور إيراني محتمل لمحاكاة دورها في تسيير قوافل تحت شعار كسر الحصار عن غزة.

ثالثاً: ولا تنأى عن هذا الهدف محاولات احتواء ودعم مشروع سفينة مريم قبل إبحارها . وذلك عبر ما تسرب من أنباء عن استعداد تركيا لاستقبال ثم إبحار هذه السفينة نحو غزة من ميناء قبرص التركية، في حال رفضت دولة قبرص الشرعية (اليونانية) استقبالها . وإذا ما حدث ذلك الأمر بكل ما يحمله من معانٍ نبيلة، فإن تركيا تسعى من خلاله إلى تحقيق نوع من الاعتراف الضمني بواقع تقسيم قبرص وبشرعية وجود دولة قبرص التركية التي لا تحظى باعتراف أية دولة حتى الآن سوى تركيا ذاتها . وبالنسبة لنا كفلسطينيين، فإنه يحمل في طياته مخاطر سياسية ليس أولها ولا آخرها إثارة حفيظة قبرص واليونان والاتحاد الأوروبي، بل إن الأهم من ذلك هو إضفاء نوع من الشرعية الضمنية على واقع تقسيم قبرص مقابل تكريس انقسام وانفصال غزة عن باقي الوطن. فقبرص التركية التي تفتقر للشرعية الدولية بصورة شبه تامة، ترنو أيضاً إلى الحصول على غنيمة سياسية عبر بوابة غزة التي فصلها انقلاب حماس صيف عام 2007 عن باقي أجزاء الوطن. ولا تزال حماس تصرّ على تكريس واقع الانفصال والانقسام، فهي ترفض المصالحة وتجادل بأن فك الحصار وفتح معبر رفح، له الأولوية على المصالحة.



#رائد_الدبس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بعد رياح السماء ودلالاتها.
- محاكم التفتيش الجديدة والثقافة الاعتباطية.1-
- حوار الأديان -3 :دور الجامعات ومراكز البحث العلمي في بلادنا ...
- حوار الأديان: هل يستطيع الفارس أن يجري أسرع من جواده؟(2)
- حوارُ الأديانِ : هلْ يستطيعُ الفارسُ أن يجريَ أسرعَ منْ جواد ...
- مقال
- السباحة في بحر الفيسبوك
- تأملات في قضية المرأة .
- الثقافة الوطنية وحالة - أمير حماس الأخضر-.
- فولكلور سياسي
- دروس دبي.
- إسرائيل ومسلسل كيّ الوعي الفلسطيني.
- أطراف نهار -الأيام- الفلسطينية ونقطة ضوئها.
- بُرقع الوجه وبُرقع العقل.
- في ذكرى رحيل حكيم الثورة الفلسطينية . 2/2
- في ذكرى رحيل حكيم الثورة الفلسطينية.
- قطر-الجزيرة ومقاييس قوة الدول
- بين الواقع المرّ، وفتاوى التحريض.
- الفيس بوك وعلم اجتماع الاتصال
- تركيا والعبور من المضائق والبوابات الضيقة.


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رائد الدبس - سياسة العمق الاستراتيجي لتركيا وحصار غزة