أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد الشيخ - قلق مصيري غائب ورضا سكوني خائب















المزيد.....

قلق مصيري غائب ورضا سكوني خائب


ماجد الشيخ

الحوار المتمدن-العدد: 3043 - 2010 / 6 / 24 - 14:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من عراضات المونديال إلى "حرب" السفن

قلق مصيري غائب
ورضا سكوني خائب!

ماجد الشّيخ

يحيل التباهي اللاعقلاني بأفعال وإنجازات الآخرين إلى تسييد عقلية إتباعية، تعجز عن إيجاد ما تتباهى به بأفعالها أو إنجازاتها، فلا تجد إلاّ بعض أفعال الآخرين، أو سلوكياتهم، كي ترفعها إلى مصاف الفخر والاعتزاز. وما عراضات واستعراضات رفع الأعلام والمسيرات السيّارة وقرع الطبول، على وقع فوز هذا الفريق أو ذاك، والتباري على تسيير سفن بقصد التوجه إلى غزة للمطالبة برفع الحصار عنها، فيما نحن على قارعة العجز نقتعد رصيف الانتظارات فقط؛ من أجل الفرجة والتصفيق لمبادرات الآخرين، كل هذا ما نحسبه إلاّ دليل عجز، ومسلك وإن بدا أو يبدو للبعض "طبيعياً"، فلكونه انفعالي أو مفتعل، يخفي مشاعر مضمرة لسلوكيات غير منطقية، تحاول ردم هوة فراغ ونقص تعاني منه تلك العقلية الإتباعية، وهي تذهب إلى "إبتداع" طرائق خاصة لإحتفائها بتباهيها اللاعقلاني، بما عجزت، أو هي عاجزة عن القيام به أصلاً.

هذه الإحالة للأسف، لا يمكن رصدها في مجال واحد من مجالات حياتنا العربية العامة، بل هي في ما تبدو عليه من إنفعالات وعُصاب، تكاد تشكل سمة دول ومجتمعات وأمم، تعجز عن اللحاق بركب التطور العقلاني لشكل من أشكال المعاصرة والحداثة، إنطلاقاً من معارفها العقلانية المنتجة؛ أو في بناء إنجازات يعتدّ بها. فإذ تحيل العولمة اليوم إلى دوافع إبداعية منتجة في قسم جغرافي محدد من العالم، فهي في المقابل تحيل إلى دوافع إستهلاكية في أقسام جغرافية أخرى، لا تجيد غير السباحة في بحار من التلقي السلبي والعجز البنيوي عن فهم آليات السلوك السياسي، وخلق معايير ثقافية خاصة للإبداع الإنتاجي، وما تحيل إليه من قيم وسلوكيات وأخلاقيات.

ولكن ماذا عن حال المجتمعات السكونية الراكدة؟ هل تبقى تتفرج على ما ينجزه غيرها؛ تفرح لفرحه، وتكتئب لخسارته، وتنفعل على إيقاع مشاعرها هي دون أن تكون فاعلة؟ وكيف يمكننا فهم هذه العراضات والاستعراضات في الشارع، وهي لا تعبر سوى عن غياب ذلك "القلق المصيري"، بل هي تعبير عن حالة "رضا سكوني" دافعها أفعال أو انفعالات آخرين خارج الحدود؟ حتى حدود العقل.

جيد أن نمتلك مشاعر المشاركة، لكن دون أن تتملكنا إلى حد إقعادنا عن الفعل، والعجز عن إبداع معنى لحياتنا ولأفعالنا وفعالياتنا، ودون هذه المظاهر الجنونية من التنفيس الاحتقاني لمكبوتات عدة؛ تبدأ من ما هو شخصي، ولا تنتهي إلاّ عند ما هو سياسي/إقتصادي/إجتماعي. مظاهر أقل ما يقال فيها أنها لا تليق بالمناسبة أصلاً، إلا لأن ممنوعات كثيرة تحيط بمناسبات تعجز الشعوب عن الإحتقاء بها وفي أوقاتها.

وأن نتباهى بما لم نصنع، بما لم ننجز، أو بما نعجز عن صنعه أو القيام به؛ لا يجعل منا مشاركين إيجابيين، قدر ما يبقينا مستهلكين سلبيين، نستهلك حتى ذواتنا في ما لا طائل لها منه، ونستهلك قضايانا في ما لا يفيدها ولا يقرر مصائرها.

وبغض النظر عمّا أضحت تشيعه قضايا التعولم الراهن في ثنايا الحياة البشرية، وفي مجتمعاتها السياسية وتجمعات نخبها على اختلافها، فإن ظواهر عدة لا يمكن ردها إلى سياق عولمي في حد ذاته؛ أو إنطلاقاً منه، ولكن في ما أضحى يتناضح من سلوك بعض الناس والمجتمعات حتى، من مفاخرة وتباهٍ أهوج بما لم يشاركوا في صنعه أو إنتاجه، بقدر ما يشاركون في إستهلاكه، بما أمدّ ويمدّ القائمين على عملية التعولم اللاعقلاني، بأرصدة إستمرارها وتواصلها في خلق حالات من الفصام وجنون عظمة الاستهلاك، إلى حد المباهاة بالتملّك السهل لمنتجات لا يجيد البعض سوى إستهلاكها أو تملّكها فقط – دون إدراك وظائفها ومدلولاتها – وذلك كنوع من المباهاة بالقدرة على تملّكها، حتى ولو لم يجر التعرف إلى آليات وطرائق إستخدامها. وحتى إستعمالها إنما يتم كنوع آخر من المفاخرة الزائفة، بتملّك غير حقيقي، لا يتاح عبره السيطرة على المنتج أو المنتجات المصنّعة في مناطق أخرى من العالم، وكأن تلك العملية باتت لزوم ما يلزم من أفعال الاستلاب الذي تجسده هذه الظاهرة: ظاهرة التباهي اللاعقلاني بما يفعله أو ينتجه أو ينجزه أو يصنعه الآخرون.

وفي الحالة السكونية التي "تتميّز" بها العديد من المجتمعات يفرّخ الفراغ السائد – أو العطالة بمعنى أصح – في بناها السياسية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية؛ حالات من تظهير ما يمكن تسميته بـ "الفجوة الحضارية" تلك التي نذهب إلى تعميقها، كلما أوغلنا في التقليد والانتقاء والانحياز اللاعقلاني، لما يقبع خارج حدود الإرادة والإدارة الذاتية لشؤوننا العامة، إلى حد إستلاب شخصيتنا وإقصاء خصوصيتنا ومصادرتها، لصالح إعتماد "نماذج عالمية" على ما باتت عليه حالنا إزاء تقليد وإستنساخ برامج غربية أو شرقية تلفزيونية أو أفلام أو نتاجات إبداعية" وتعريبها.. مجرد تعريبها كفكرة أو أفكار، دون إضافة أي لمسات إبداعية تتوافق وخصوصية الجمهور الذي تتوجه إليه، في ما عدا أقل القليل من ذلك كله. وفي السينما والثقافة والفكر والسياسة والاقتصاد والقانون، هناك حالات شبيهة كذلك، وحتى في الرياضة، لا يمكننا القول أن هناك ما يخالف نزوع التقليد الإتباعي، والإستهلاك القيمي، لقيم لم تنتجها مجالاتنا العامة تلك.

وفي ظل النظام العولمي الجديد، لم تعد العلاقات البشرية وما كان من أشكالها السابقة على حاله، مياه كثيرة جرت، وفي السياق تغيرت السياسة وأحوال القائمين بها وعليها، وتغيرت معها مآلات ومصائر، وعلاقات كانت أكثر من كافية؛ لإشاعة وسائل طبيعية في سياق انتشار مسائل كالتعارف والتقريب والتواصل بين الشعوب، وهي مسائل يُفترض أنها عناوين حقيقية لعولمة إنسانية حقيقية في طابعها الأعم وفي خصوصياتها، لكن الحقيقي شيء وما جلبته وأشاعته قوى التزييف شيء آخر، فالنظام العولمي الجديد هذا، أحال ويحيل عالمنا اليوم إلى "شيفرة" يهيمن عليها "شاه بندر" التجارة الدولية العامد الى تسليع كل شئ، وتسطيح كل شئ، والهيمنة المطلقة على كل شئ.

لقد سبقت علاقات طبيعية عدة في تشاركها الإنساني، وفي تعولمها، وجود النظام العولمي الراهن في إشاعة روابط حقيقية بين الشعوب، إلا أن هذا النظام ورغم أزمته المالية المستفحلة، يأبى اليوم وبفعل تغوّله ووحشية ليبرالييه، إلا أن يعاند مصالح الشعوب الحقيقية في التعارف والتواصل في بناء المشترك الحضاري الإنساني، في ما يشيعه من قيم إستعمالية ضامنة لمصالحه ومناهضة لكل قيم البشرية ذاتها، وذلك حين يجري تسفيه وإبتذال كل شيء، حتى من جانب ضحايا النظام العولمي أنفسهم، وهم يأخذون ذواتهم إلى أقاصي حدود التماهي، إلى قلب الإنسحار بما لم تبتكره عقولهم، أو لم تصنعه أياديهم (أو أرجلهم). مأخوذون بالتماهي، مسحورون به، يحفلون به ويحتفلون وكأنهم الآخرون، ما أخفّ التماهي إذن، ما أخفّنا على حقيقتنا، وما أثقلنا حين نعاند هذه الحقيقة.!

إن إدراكنا الذاتي لحقيقتنا يقابلها بالتأكيد نماذج من هذه الحقيقة لا نتعرّف عليها نحن، بل يمكننا تعرّفها من خلال إدراك آخر أو الآخر، لأكثر من نموذج لحقيقة واحدة هي حقيقتنا. كما أن واقعنا لا يمكن إدراكه بمعزل عن وجود إدراكات متعددة، ووقائع مختلفة ومتباينة للواقع الذي هو واقعنا. من هنا أهمية التفسير العقلاني للحقيقة وللواقع، إنطلاقاً من سيادة مفهوم العقل النقدي، كما التفسيري الاجتهادي لرؤيتنا لذاتنا، بعيداً من إصدار الأحكام النمطية الجاهزة والمعلّبة. ففي بؤس الواقع ترتدّ النوازع الذاتية أو الجماعية إلى سكونية الانكماش والتمترس خلف حدود الأنا أو الأناوات الأيديولوجية الزائفة. وفي بؤس القفز عن الواقع والخروج من حالات وحدود التمترس، ندرك ضرورة الخروج من إطار الصورة الزائفة إلى فضائها المعولم.. أي فصامية هذه؟



#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولة تنتجها المفاوضات باختلالاتها لن تكون دولة فلسطينية
- تعافي الاقتصاد من باب العودة إلى السياسة
- نحو مقاربة تعريفية جديدة للقضية الفلسطينية
- في الطبائع المتلونة للاستبداد الآسيوي
- ابتذالات الانقسام الفلسطيني وأضراره الانحطاطية
- اليونان.. نموذجا وضحية أولى للأزمة
- وطن النكبة.. الأرض التاريخية للشعب الفلسطيني
- الفلسطينيون ومأزق التفاوض على المفاوضات!
- مفاوضات لا تعد إلاّ بالفشل
- مفاوضات التقارب وترياق الوعود العرقوبية
- رقابات تفتيش فسطاطية تتناغم و-حسبات- تكميم الأفواه
- تهويد القدس والتصدي لمشاريع أسرلتها
- المقاومات الحلولية والوطن المغيّب
- قناع الترانسفير الجديد والمهمات المتجددة
- ستارت 2 : آمال التوقيع ومنغّصات المصادقة
- حتى توراتيا لم يكن هناك -قدس يهودية موحدة-
- حذار لعنة تديين الصراع
- ماذا بعد فشل مباحثات -انعدام الثقة- الأميركية - الإسرائيلية؟
- فلسطينية الأرض ومحددات الصراع على هويتها
- عالم يتغيّر وقمم لا تبدّل ولا تغيّر


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد الشيخ - قلق مصيري غائب ورضا سكوني خائب