أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غازي صابر - التعميرو التخريب















المزيد.....

التعميرو التخريب


غازي صابر

الحوار المتمدن-العدد: 3041 - 2010 / 6 / 22 - 21:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الخير هو المعرفه والشر هو الجهل
أرسطو
ما يميز الإنسان السوي عن الأهبل أو المجنون هو العقل . ووجود الوعي الناضج هوما يميز الشعوب المتقدمه عن الشعوب المتخلفة حضارياً .
ومن الممكن قياس مدى تطور الوعي لدى أي مجتمع من خلال التطور الحاصل في البنى العمرانية وفي المجالات الإقتصادية والتكامل الحضاري لمرافق الخدمات الإجتماعية وتلبيتها لكل المتطلبات الإنسانية . والعكس صحيح في حالة وجود خراب وفوضى في العمران والحياة . فسنجد هناك دائماً تخلفاً في الوعي وفساداً في كل شئ ، ربما حتى في الهواء الذي يعم مثل هذه المدن .
والإعمار يعني الجمال ويعني الحب ويعني الحياة المتقدمة . ومواصلة البناء والتطور يعني أن هناك إتفاق لدى سكان هذه المدن على أهمية التقدم واللحاق بمتغيرات الحياة الجارية على الأرض ، والذي يعني في النهاية الإزدهار والرفاهيه والتطور لعموم المجتمع .
وخلف التعمير والبناء نجد هناك دائما ًهناك الوعي المتفتح والناهض . فما أن يتعالى صرح البناء وتنتشر حركة العمل ويحدث إنتعاش للصناعة والزراعة وبقية مجالات الحياة ، حتى تنتشر الطمأنينة ويعم التوافق وتتفتح الأمال ، فيشعر الإنسان بشئ من الحرية وهو يجوب الشوارع المزدحمة بالإعمار. ولا يدري على أي صرح يتطلع ،فالنظافة والألوان الزاهية تحتل كل شئ . الإبنية الشامخة تسرق الأنضار .و كل هذا الجمال يعكس مدى إحترام وتقديس عملية البناء والعمل من أجل التطور نحو الأحسن والأجمل لدى ساكني هذه المدن .
وعمليات البناء في البلدان النامية دائما ًيقودها الحاكم الذي يمتلك ناصية الحكمة والتعقل ، والمؤمن بأهميتها لتغييرالواقع والبحث عن مجالات جديدة لجيل الحاضر والمستقبل . وكثيراً ما يكون مدعوماً من أكثرية الشعب كما حدث في ماليزيا أيام مهاتير محمد . أو يتبناها الحاكم الراشد مع الإقلية المتنفذه كما حدث في الإمارات أيام الشيخ زايد .وعندإجراء هذه العمليات لابد أن يؤخذ في الحسبان شكلية التوجه في كل بلد ، ففي ماليزيا تأثر مهاتير بالتجربة اليابانية وقد شاركه في وضع برامج البناء والإعمار الخبير شينتارو. فوضعت الخطط لبناء الصناعة والزراعية وبناء المشاريع الخدمية وما تتطلبه هذه المجالات من حاجة لبناء الفنادق والمطاعم وقطاعات البنوك ـ ـ ـ ألخ . أما في الإمارات فقد خطط لعمليات البناء أن تفضي لجعل الإمارت دولة تجارية وسياحية على مستوى العالم .
وفي دول العالم الثالث كما كانت تسمى ، كثيرا ًما يقف موروثها عائقاً أمام عمليات البناء والتعمير بدعوى أن الحياة الدنيا لاتستحق البناء . ويقال أن مواصلة السير بهذا الإتجاه يعني الكفر ـ ـ ـ ! يقول إبن خلدون في مقدمته في باب المباني والمصانع إن القائمين على الكوفة زمن الخليفة عمر إستأذنوه بالموافقة على بناء دار الكوفة بالحجارة لإن حريقا ًوقع في بنائها المشيد من القصب ، فوافق شرط أن لا يزيدوا على ثلاثة أبيات ، ولايطالوا في البناء حيث يقتربوا من السرف ويخرجوا عن القصد . وفي السنوات الأخيرة عانى أحد الشيوخ المتنفذين في السعودية ومن المتحمسين لعلمية الإعمار من إعتراض رجال الدين على علو البناء . في حين أراد هو أن يضاهي أ براج الإمارات . وبمحاولات وشطارة من عنده كما كتب ، إستطاع تمرير عملية البناء . وحتى عند صدام الذي زايد على الدين والوطنية فقد منع في زمانه علو الأبنية أعلى من نصب الشهيد ، في حين بالغ ببناء الجوامع والتي لم يكتمل بناء بعضها وهي باقية لحد الأن كأطلال حجريه .
مع البناء يتصاعد الحب ، حب الناس لبعضها وحب الناس للمدن وللشوارع وللإبنيه ولمصانعها ولمزارعها المتطورة ، ولمحطات القطارات وللمطارات ولكل وسائل النقل وللحدائق الجديدة لإن كل هذه المنشأت حديثه وجميله وفيها الراحة وبها تتشكل الذكريات مع الأحبة ومع الأصدقاء . والأهم من كل هذا بناءها الجميل الذي يحاكي الناس ويرفع من مستوى الوعي لديهم ، فمثل هذه المنشأت تثير تساؤلاتهم وتدفعهم لبناء وصناعة الأجمل وهذا يشدهم أكثرللتمسك بالوطن وأعشاش الذكريات هذه .
و حتى لا تكون هناك غربة بين الإنسان والمكان لابد من ترافق عمليات البناء والإعمار هذه مع عمليات بناء الإنسان والمجتمع على إسس أنسانية ، وضمان حقوقه وحرياته حتى يختفي الخوف من مخيلته ، خوفه من الجوع والمرض ومن حرمانه من سكن يليق بأنسانيته ،و خوفه من الإضطهاد والجبرية في تنفيذ ما لايرضاه ضميره الإنساني . وبناء الدولة الحضارية يمنحه العديد من التجمعات المدنية للدفاع عن حقوقه وضمان وجوده المتحضر بما يعني بناء علاقات حضاريه بين المواطن والمجتمع وبين المواطن والدولة والتي وجدت لتمثل مصالحه وتقوده الى الأمام نحو الأحسن . و سيدركُ هذا المواطن أن مصيره مرتبط بنجاحها أو فشلها لإنه هو من أوجدها لتمثله . وحتماً سيفشل كل شئ إذا كانت هناك عداوات أو قطيعة بين المواطن والدوله .
أما التخريب فيعني الهدم ويعني القتل والتشويه . ويعني الظلم والسوداويه ويعني الدكتاتوريه والتسيد ويعني التخلف ويعني الكراهيه ويعني الحزن الأسود ، ويعني أنهيار القيم الجميلة والعبث بالذاكره.
ومثلما ينعكس التعمير على وعي الإنسان ويرفعه للأعلى ، كذلك يصنع التخريب والتدميربسحق الوعي ودفع الإنسان ليكون جزءاً من هذا العبث ، والسقوط في الخراب الذي يحوله الى أداة لكل ما يحطم إنسانية الفرد والإضرار بوحدة المجتمع والتجاوز على أنظمة وقوانين الدولة ، كأستشراء الفساد المالي وتخريب إنجازاتها .وتعم جرائم القتل لأجل القتل أو للحصول على المال . ويصبح هذا الإنسان المغيب تحت هذا الخراب كائناً سهلأ لأوكار الإرهاب والمتاجرة بالمخدرات والأطفال والنساء وكل ما هو محرم المتاجرة فيه إنسانيا ً ودوليا ً .
والذي حصل وما يحصل في عراقنا اليوم من تردي للوعي و من خراب يصعب إصلاحه ، كان وراءه إصرار الحاكم على الإستبداد، وإمتهان كرامة المواطن وإخضاعه بالقوة لمنطق العبودية والطاعة العمياء . في البداية إستحوذ صدام على كل شئ ، الأرض والخيرات والناس ، وبقدر ما بنى من القصور الفخمة تيمناً بالأباطرة والملوك وبدد الأموال الطائلة هنا وهناك بقدرما خرب العقول والنفوس .فهو الذي الذي أطلق يد جنوده ورجاله في إستباحة أموال وعوائل من يعارضه من مختلف الأحزاب والقوميات والطوائف من الشعب العراقي . وهومن شجعهم على إستباحة أراضي وممتلكات دول الجوار ، فكان يكافأ من يسرق أكثر ومن يأتي بأسير أو يحتز رأس . حتى إنتقلت هذه اللعنه الى الجيش الشعبي الذي كان يسرق أموال وممتلكات العوائل الساكنة في المدن والقرى الحدودية والتي هجرها أهلها هرباً من القصف ثلاثة والأقتتال في الفاو وفي مندلي وفي كردستان .
ثلاثة عقود وأكثر من التوجيه بالفكر القبلي والقومي والقائم على الشجاعة في النهب والإستحواذ . ثلاثة عقود إرُغم الإنسان العراقي على التحول فيها الى ذئب وإلا أكلته الذئاب الإخرى . و هذ ا التوجه هو الذي خلق أجيال فيها الكثير من القصور الفكري والحضاري والإنساني وفيها من التشوهات ما يكفي لتدمير وحرق أكثر من عراق واحد ، لاسيما وصدام جعل من نفسه هو الحاكم وهو الدولة . لا بل هو الرب الذي يحي ويميت . و لهذا ما أن سقط الصنم حتى هب هذا المواطن لنهب كل شئ إسمه الدولة أو الحكومة المنهارة .
أما الكارثة الإخرى هي أن الحاكم الذي جاء بعد 2003 لم يأت ليعالج معاناة الناس وتخلخل الوعي لديهم و الذي حنطه وشوههه صدام بل ساهم مع المنتقمين بتدمير ما تبقى من بنى وأموال للدولة ولنظمها السائدة . وبالرغم من مرورسبع سنوات فلا زالت أثار الحرائق والدمار والخراب واضحة على أبنية الممتلكات العامة و في الشوارع . في حين تعد هي واجهة لبغداد ،هذه العاصمة العريقه ،هذه المدينة التي يُصبح ويُمسي فيها المواطن وهو يجول في شوارعها ولا يجد غيرالصورالسوداوية وهذه الفوضى التي تدفع بالنفس حد التقيؤ .
إن توقف عملية الإعمار طوال هذه الفترة وكأن هناك إصرار على بقاء هذه الصور شاخصة أمام مرأى الناس كي تزيد من نزيف الدم ومن سواد الوعي . ولا أحد يدرك أن هذه الصور التدميرية وهذا الخراب يشجع وينمي الأفكار العبثية . هذه الأفكارالتي كانت تبيح الإستباحة والقتل والسرقةوالإغتصاب للجيش القوي وللشعب الأقوى أو للقومية الأكبر داخل الوطن الواحد .
الكهرباء غائبة والمصانع متوقفة والزراعة في النزع الأخير من الحياة ،والتصحر يحيط بالعراق ومياه الأنهار يسطو عليها الجيران ،وخراب هائل للمدارس ولكل المرتكزات الثقافية . ودائما ً يقال إذا تواجدت البطالة وحرمان الإنسان من حقوقه في العيش كأنسان، فهذا يعني العفن ، و كل شئ ممكن أن يأتي من هذا العفن .
والسؤال وبعد سبع سنوات هل ستنجح الأحزاب الدينية والقومية المتسيدة على سدة الحكم في المركزوالإقليم على تحقيق العدالة الإجتماعية ، وكفالة الحريات وحقوق الإنسان والنهوض بعمليات بناء الحياة الجديدة،لاسيما وبلدنا لديه المال والأرض والأنسان الذي لايقل كفاءة عن مثيله في البلدان التي نهضت وتقدمت ـ ـ ؟
ولإن الشعب هو صاحب المصلحة الإولى في بناء الحياة الجديدة وبناء الدولة الحضارية ، وإنسجاماً مع حركة التطور في الحياة فأنه حتماً سينجب هذا الشعب قوى سياسية تؤمن بما يريد وتنهض بعمليا ت البناء هذه. وقبل هذا وذاك بناء الإنسان المتقدم حضارياً . وتعمير العقول التي شوّهت . وفي عصر التنوير في أوربا تحمل الفلاسفة والعلماء والمثقفون عمليات التوعية المتواصلة للناس ودعوتهم لنبذ التخلف وتبني التنوير العلمي والحضاري والتي أولها إضاءة النور في العقول المظلمة . وقد كلفهم ذلك الكثير من المعاناة والتهديد بالقتل من قوى التخلف والظلام ، وهذا ما يحصل اليوم لمثقفينا . فهذا كانط أو عمانوئيل كانت أحد رموز التنوير في أوربا والذي أستمر حتى مماته وهو ينادي بالناس (إعملوا عقولكم أيها البشر ) .



#غازي_صابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيد العمال وذكريات الطفولة
- نجم والي وصحبه
- الزياره المشؤومة
- الحوار المتمدن إسم على مسمى
- الصراعات الإقليمية والعراق
- كركوك وقشة البعير
- خال الحكومه
- قصة قصيره الخشبه والمسمار
- كوارث الفكر القومي والطائفي
- قصة قصيرة المقابلة


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غازي صابر - التعميرو التخريب