أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - مراودة ! ( قصة قصيرة)














المزيد.....

مراودة ! ( قصة قصيرة)


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 3041 - 2010 / 6 / 22 - 15:14
المحور: الادب والفن
    




حين سأله قاضي التحقيق عن مدى صحّة كونه واقع بقرة في طريق عام، ضحك الشاب الملتحي... ثم هز رأسه موافقا!
صاح به القاضي :
ــ ما تستحيش.. و الله لا تستحي!
رفع الشاب كفين مشعرتين حاذي بهما اذنيه ثم جهر بقراءة سليمة راعت قاعدتي المدّ و الإدغام :
ـــ هي ر!!!!!ودتني عن نفسي!
لم يشعر قاضي التحقيق كيف قذفه بمثقاب للورق كان أمامه.
انتفض واقفا وقد اظلمت الدنيا في ناظريه... صاح بصوت متشنج :
ــ يا سافل...
ثم وهو يرتعد غضبا:
لم يبق لك الا الزعم
ـــ ...
ـــ بأنها ... بأنها قدّت قميصك من دبر !
ردد الشاب الذي تكوّر في زاوية على يسار الداخل الي المكتب:
ـــ حسبي الله و نعم الوكيل! حسبي الله و نعم الوكيل
أتسعت عينا قاضي التحقيق.. حين أضاف الشاب وهو يمسح دما سال من صدغه :
ـــ و ما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي ...
أتبلغ الجرأة على الإستهزاء بدين الله الي هذا الحدّ المريع؟
قاطعه القاضي وقد تضاعف غضبه و انتفخت أوداجه:
ــ أغلق فمك يا حقير
ـــ ....
التقط أنفاسه ثم استمر مهددا:
ــ ها انت تنكمش كفأر مذعور
ـــ ....
ـــ لم تتجرأ على خالقك ... ما دمت جبانا_
ــــ ....
ـــ ...رغم كل ذلك ستدفع ثمن استهانتك غاليا!
ازداد الشاب تكورا و انكماشا ... استمر يرتل بعد أن احكم تغطية وجهه .
ـــ بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات و الأرض و الله على كل شيء شهيد"
انهار قاضي التحقيق على كرسيه .. تساءل بذهول :" أعلم هذا أم حلم.؟".. لم تحل رؤيته الدم بين تصاعد حدة غضبه... كان من الممكن ان تكون إصابته قاتلة ...ابتلع ريقه... رغم مرور سبع سنوات لا يذكر انه عنف متهما مما سبّب تخلف الترقيات عنه.. إصرار والده على ضرورة مواصلة مهنة طالما اعتبرها قذرة بحجة "استغلال موقعه الحساس للتخفيف عن مظلوم" هو الذي ابطأ به عن الإستقالة ... بيد مرتجفة استل من جيبه منديلا ورقيا شرع يجفف به عرقا باردا نزّ من كل مسامه.. حين استعاد بعض هدوئه قال للشاب الذي زاد انكماشا:
ــ لئن روادتك عن نفسك، كما تقول
ثم وهو يلهث:
ـــ لئن راودتك عن نفسك .. ...فلإنها اشتمت منك رائحة حيوانية
ـــ ....
ـــ ربما لم تجد نظيرها عند بني جنسها
نظر الشاب الي سقف الغرفة حرك رأسه متعجبا ثم همس بصوت مرتجف:
ـــ و أفوض أمري الي الله:ان الله بصير بالعباد!
هم قاضي التحقيق بمغادرة المكتب.حين سمع قرعا خفيفا يتوالى على الباب ... قبل ان ينبس بكلمة الإذن ظهرت شابة في مقتبل العمر... تقدمت نحوه ببنيان مربك... لم يملك القوة و لا الرغبة في النهوض صافحته بحماس، وجرأة.. رغم سوء حالته فقد هاله جمالها الصاعق في حين هالها اصفرار وجهه و ارتعاش شفتيه:
ــ هالة عمار !!
لم تمهله حتى أضافت :
ــ آسفة على التأخير.. أخذت تصريحا مسبقا .
أشار باصبعه الي حيث الشاب الذي ظل معتكفا ثم تمتم:
ــ من فضلك... اصرفيه الآن !

ــــــــــ 2 ـــــــ

حتى يستعيد هدوءه ،احتاج قاضي التحقيق الى ساعة صرف ثلاثة ارباعها رفقة سكرتيرته الحسناء.. ما افضت به إليه من أمر" صاحب البقرة" كان مذهلا و مروّعا إلى حدّ الإحباط... كان عبد الواحد بن فضل شابا خلوقا متدينا صرف سنوات ست في أمريكا لدراسة طب الاطفال.. في سنته الأخيرة قبض عليه بتهمة الانتماء الي تنظيم القاعدة..ظل في معتقل غواتيناموا سنتين تعرض فيهما الي شتي الإهانات و التعذيب، بيد انه احتفظ بشرف سارع محققو بلده الي انتهاكه منذ الأسبوع الأول من وقوعه بين براثنهم!
بعد ستة أشهر و عشرة ايام من توقيفه، و حين تمكن والداه من زيارته، كان قد مرت نصف سنة بالتحديد على جنونه المطبق!
ــ لم يصدقه أحد حين نفى انتمائه الى تنظيم القاعدة!

كان قاضي التحقيق يكابد كربا عظيما حال بينه و بين إفادة سكرتيرته الجريئة (التي لاحظ وجوما يعتادها بين الحين و الآخر منذ معاينتها الشاب المجنون) بحقيقة مروعة ترجمها تقرير ميداني موثق بشهادات مسؤولين أمنيين من أعلى مستوى كانت أصدرته جهات أمريكية مهتمة بحقوق الإنسان، مفاد تلك الحقيقة أن أكثر من خمس و ثمانين بالمائة من المعتقلين الذين سجنتهم الولايات المتحدة الأمريكية بتهمة الإرهاب كانوا أبرياء!

ــــ 3 ـــ

حين غادر سكرتيرته الفاتنة بحجة مختلقة لخصها بضرورة انجاز عمل تطلب منه مغادرة استثنائية. و حالما خلا بنفسه سارع قاضي التحقيق الى إرسل عبرات غزيرة انبثقت من مقلتيه المحتقنتين كأحرّ من الجمر... في كل مرة كان يهم فيها بالكف عن النشيج، كانت تطالعه صورة الشاب البائس، وقد اصطبغت بالدم, فيزداد حزنه تفاقما و نشيجه ارتفاعا. خصوصا حين تخيل ولده الحبيب مكان ذلك الشاب المنكوب!

ـــــــ 4ـــــ

حين اشبع رغبة ملحة في النشيج تساءل وهو يدير مفتاح سيارته " أي قدرة يمتلكها هذا الوطن اللعين على تحويل التبر الي تراب، و الحكمة الى جنون، و التدين الي شذوذ؟! أي مستقبل مظلم، وغد مروّع ينتظر الأجيال القادمة في ظل وضع خارجي متدهور، أي ايد قذرة و نفوس خبيثة سيسلم لها فلذة كبده، في ظل إرهاب رسميّ أعمى يميت الأمل و يزرع الخوف و يهز الثقة في احسن الناس ظنا؟!

ــــ 5 ـــ

كان حزن قاضي التحقيق سيتضاعف دون أدنى شك، لو افضت إليه سكريترته الحسناء بما احتفظت به من مكنون سرّ، خلاصته ان ذلك الشاب البرّ الذي حوّله إرهاب الدولة و بطريقة لا يعلمها الا خالق البشر، الي ناكح بقر، قد استعصم لسنتين متواليتين عن اتيانها في الحرام، لا لشيء الا مراعاة منه لثقة والديها فيه، أي و بصفة أخري لمجرد مراعاته حرمة الجوار، رغم ما تحلت به من فائق الجمال! و رغم عدم اهتمامه سنتيئذ بالحرام و الحلال!

أوسلو 24 مارس 2010



#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول سقوط حماس الوهابية (قصة)
- العرب يتفرجون و الجزائر تواجه امريكا و بريطانيا منفردة
- أردوغان عدوّ الحريّة يسيّر سفينة الحريّة!
- فساد ( قصة قصيرة)
- انقلاب ( قصة قصيرة)
- رد على مقال زوبعة د. طارق حجي
- نجاسة ( قصة قصيرة)
- غباء ! ( قصة قصيرة)
- نقاب !( ومضة ادبية على هامش حظر النقاب في بلجيكا)
- كفى عملا بقاعدة يا ابن الكلب تعال أنوّرك!(على هامش مقال ادبي ...
- هجوم القرضاوي على سيد قطب أوقراءة متأنية في رسالة عشق إخواني ...
- هجوم القرضاوي على سيد قطب أوقراءة متأنية في رسالة عشق إخواني ...
- هجوم القرضاوي على سيد قطب أوقراءة متأنية في رسالة عشق إخواني ...
- هجوم القرضاوي على سيد قطب أوقراءة متأنية في رسالة عشق إخواني ...
- هجوم القرضاوي على سيد قطب أوقراءة متأنية في رسالة عشق إخواني ...
- هجوم القرضاوي على سيد قطب أوقراءة متأنية في رسالة عشق إخواني ...
- حوائج ( قصة قصيرة)
- حضيض ( قصّة قصيرة).
- القضاء و القدر بين السلفية و الإسلام 4/4
- القضاء و القدر بين السلفية و الإسلام 3/4


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - مراودة ! ( قصة قصيرة)