أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - الدين بين استقذار الجنس وازدراء المرأة















المزيد.....

الدين بين استقذار الجنس وازدراء المرأة


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3039 - 2010 / 6 / 19 - 22:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


## ضرورة تجديد الفكر الجنسي الديني:

ستظل العلاقة بين الرجل والمرأة في عالمنا العربي والإسلامي وخاصة العلاقة الجنسية محل صراع وسجال فكري وديني دائم ما لم يتم الحسم فيها حسماً دينيا صحيحا وواقعيا يبدل كثيرا من الأفكار المشوهة للجنس والحاطة من شأن المرأة، تلك الأفكار التي تسكن وتعشش في رؤوس القوم منذ قرون طويلة، والتي استقاها القوم من بعض النصوص الدينية المتعلقة بالعقوبات الجنسية ضد المرأة، وكذلك من بعض التدابير التشريعية الدينية الخاصة بالمرأة المتزوجة وحسب، وليس أي امرأة أخرى، وكذلك من عادات وتقاليد الآباء والأسلاف الذين عدوها شرعا ودينا يتقربون به إلى الله من دون تفكر فيها أو مناقشة لها أو مراجعة.

إن الفكر الجنسي المستقذر للجنس والحاط من شأن المرأة ليس فكرا قاصرا وحسب على العرب والمسلمين بل هو فكر منتشر ومستشري في معتقدات ونفوس كل أو معظم ساكني الأرض، ويعود ذلك بشكل حصري وأساسي إلى الفهم الخاطئ للنصوص الدينية الموجهة إلى المرأة في جميع الكتب المقدسة لأتباع جميع الأديان، مما أدى إلى النظرة الدونية للمرأة ووضع أنثى الآدمي في المرتبة الدنيا من بين إناث جميع المخلوقات، حتى وإن ادعت بعض المجتمعات البشرية كالمجتمعات الغربية التحضر والرقي في معاملة المرأة، إلا أن النظرة الدونية المحتقرة للمرأة بسبب النصوص الدينية المتعلقة بالممارسة الجنسية للمرأة مازال قائما في نفوس الناس حتى ولو كلفوا المرأة برئاسة الدولة، أما في مجتمعاتنا العربية والإسلامية فقد قام هذا الفكر بزلزلة العلاقة بين الرجل والمرأة واعتبر ذلك الفكر الجنس شيء مستقذر ومقبوح يحرم الحديث فيه أو تناوله أو نقاشه أو اشتهائه أو طلبه، بل جعل من الجنس جيفة نتنة يجب قبرها لأنه حسب نظر أكثرهم: (عيب، حرام، قلة أدب، رزيلة، فساد، فحشاء).

إن هذا الفكر المستقذر للجنس و المشوه للمرأة لهو أكبر أسباب تخلف الشعوب العربية والإسلامية وانحطاطها الفكري والعلمي والثقافي والسياسي والاقتصادي والإنساني والديني، بل إني أكاد أجزم أن الفكر الجنسي المتوجس المضطرب للعرب والمسلمين هو من أكبر العثرات التي عملت على عوق هذه الشعوب عن التقدم في أي مجال فكري أو علمي أو ديني أو سياسي أو اقتصادي، بل لقد عمل على قذف هذه الشعوب إلى الوراء إلى حيث ما قبل ذيل التخلف بدهور.

وذلك أن هذا الفكر يحمل في كونه وتكوينه أثقالا من أمراض شتى: (نفاق، تناقض، حرج، حرمان، عوق، شره، ضعف، عنت، حيرة، انفصام)، كل هذه الأثقال تنوء بكاهل الرجال والنساء بين قومنا من العرب والمسلمين، لأنه إلى الآن لم يتم حسم هذا الأمر حسما دينيا إنسانيا يرعى طبيعة النفس البشرية وتلبية حاجتها الطبيعة من عامل المتعة بين الرجل والمرأة بسهولة ويسر، والنظر إلى الممارسة الجنسية نظرة طبيعية واقعية وليس شيطنتها أو استقذارها، وفي هذا يقول الدكتور عبد السلام زهران في كتابه: (علم نفس النمو): (تعتبر الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز والدوافع لدى الإنسان حيث تحمل تأثيرا كبيرا على الصحة النفسية والفكرية والجسدية. وتتجلى هذه الغريزة في مظاهر مختلفة ابتداءً من مرحلة الطفولة وانتهاءً بانقضاء العمر، ويتوقف نشاطها على مجموعة من العوامل العضوية كالهرمونات والعوامل النفسية كالحاجة الماسة لإشباع هذه الرغبة. يقول دوجلاس توم: "إن كثيرا من أنواع الصراع العقلي والشذوذ النفسي التي نشاهدها اليوم في الكبار والصغار على حد سواء ترجع بصورة مباشرة إلى المواقف والخبرات السيئة في الأمور الجنسية. وليس هناك من قوة في الدنيا وفي الحياة الفعلية بأجمعها أكثر من تلك القوة إلحاحا في سبيل الظهور على أي شكل من الأشكال)انتهى.

وبالتالي فإننا في حاجة ماسة وسريعة وملحة لمراجعة كل أفكارنا الدينية المتعلقة بالجنس والمرأة والتي جعلت من ممارسة الجنس ومن المرأة عنوانا لكل فحشاء وفساد ورزيلة وألصقت بالمرأة وحدها من دون الرجل عار تلك الممارسة كما هو راسخ في معتقدات الناس، ذلك لتلافي كثير من الجرائم النفسية والاجتماعية والجنائية التي يسببها العنت والكبت الجنسيين الناتجين عن تلك المعتقدات الحاطة والمستقذرة لتلك الممارسة الطبيعية.

## الصراع الجنسي في العالم العربي وضحاياه:

إن الناظر فيما يحدث في عالمنا العربي والإسلامي حول قضايا الفكر الجنسي يجد عجبا، فمن جانب نجد شيوخ ودعاة الفضائيات والتيارات الدينية المختلفة لا يدخرون جهدا ولا يتركون ساعة من ليل أو نهار إلا وهم يصرخون وينذرون ويحذرون من خطر داهم وطوفان جارف ووباء فتاك سيفتك بشعوبنا وشبابنا ونساءنا وبكيان هذه الأمة ألا وهو: (الاختلاط بين الرجال والنساء، مصافحة النساء، صوت المرأة، التبرج وعدم الالتزام بالحجاب الشرعي، وقائمة غير منتهية من المحرمات والموبقات الجنسية التي تكاد تصل إلى تحريم تقبيل الرجل زوجته إلا من وراء الجدار).

هذا من جانب، ومن جانب آخر نجد فئة أخرى من أهل الفن والإعلام في بلداننا العربية لا تدخر جهدا في تقديم كل ما هو مثير ومهيج لغرائز القوم الجنسية في الإعلام المرئي والمقروء والمسموع، ويشنون أشرس الحملات الإعلامية ضد كل من تسول له نفسه أن يعارض ما يقدمونه من إثارة جنسية، بل ويصفون كل من يثار جنسيا بسبب المشاهد الساخنة والكليبات المبتذلة والصور العارية والكلام المثير جنسيا يصفونه بأنه مريض نفسي، بل الأدهى والأمر أنهم يحاولون إضفاء الشرعية على ما يقدمونه بادعائهم لحرية الإبداع والفن، ومن المعلوم أن تذوق الإبداع وخاصة الإبداع الذي تحتوي بعض عناصره على المظاهر الجنسية لا يكون إلا في مجتمعات لا تعاني حرمانا جنسيا كالمجتمعات الغربية مثلا، أما في مجتمعاتنا العربية المحرومة والجائعة جنسيا كيف لها أن تتذوق إبداعا في مشهد ساخن أو صورة عارية أو كلام مثير؟؟. فمثلا الشخص الأوروبي رجلا كان أو امرأة حين يرى إبداعا من هذا النوع نراه يهرش رأسه، أما الشخص العربي رجلا كان أو امرأة حين يرى إبداعا من هذا النوع فبالله عليكم أين يهرش؟؟؟.

والعجيب كذلك أنهم يضربون الأمثلة بأوضاع الشعوب والمجتمعات الغربية وكيف أنها شعوب حرة ومتحضرة ولا تثار جنسيا، ونسي هؤلاء القوم أن المجتمعات الغربية تعاني تخمة من الشبع الجنسي كان سببها الحرية شبه المطلقة في ممارسة الجنس بين الرجال والنساء، وكذلك نسي هؤلاء أننا في مجتمعاتنا العربية مازلنا إلى الآن نتصارع حول صوت المرأة هل هو عورة أم لا!!!، ثم كيف بربكم لمجتمعاتنا العربية الجائعة جنسيا والتي قارب فتيانهم وفتياتهم سن الأربعين ولم يتزوجوا بعد أن يتذوقوا إبداعا أو فنا في مؤخرة ميريام فارس وهي تغني بها، أو تأوهات هيفاء وهبي وهي بتبوس الواوا، أو في مشاهد الشذوذ الجنسي لغادة عبد الرازق وسمية الخشاب، أو في الليالي الحمراء لغرف نوم أفلام خالد يوسف؟؟؟.

فمن هنا تقع الشعوب العربية وخاصة الشباب فريسة لذلك الصراع اللامتناهي بين التيارات الدينية من جهة وبعض أهل الفن والإعلام من جهة أخرى، ومن هنا يعلم كل ناظر حصيف وكل ذي لب أن ما يحدث الآن من صراع جنسي ما هو إلا مباراة يتبارى فيها فريق من الإعلاميين وأهل الفن مع فريق التيارات الدينية للإيقاع بالشباب العربي التعيس فريسة في مصيدة حملات التحريم والتخويف والتحذير الديني من حرمة التفكير في الجنس وكل ما قرب إليه من قول أو عمل من جهة، وحملات الإثارة الجنسية الطاغية التي يقودها ويشعل نيرانها بعض القائمين على الفن والإعلام من جهة أخرى، والمقلق في الأمر أن هذا الصراع يصب في نهاية المطاف في صالح بقاء واستمرار الأنظمة العربية لبضع قرون قادمة.

لقد أدير هذا الصراع بحرفية ودهاء بالغ لإلهاء الناس وخاصة الشباب المسكين الذي ينتظره مستقبل مجهول مظلم لا ملامح له في الأفق القريب بقصد إلهائه عن قضايا أمته وأوطانه وحاضره ومستقبله واستنزاف أوقاته وطاقاته وتفكيره وميوله، فتحريم كل ما هو جنسي بصورة دينية مقصودة ومبالغ فيها مع الإلحاح المغالي في الفصل بين الجنسين الذكر والأنثى من جانب التيارات الدينية، والإثارة الجنسية المقصودة والمبالغ فيها من الجانب الفني والإعلامي جعل هذه الشعوب ينصرف جل تفكيرها وأوقتها واهتمامها وتربصها وإنفاقها وخاصة الشباب إلى كيفية الحصول على متعة الجنس وكل ما يقرب إليها من قول أو عمل حلال أو حرام باتفاق أو اغتصاب مشروع أو ممنوع حتى انصرف القوم عن العلم والعمل والفكر والإنجاز والتقدم واتخذوا شئون دنياهم وأوطانهم وراءهم ظهريا.

## النصوص الدينية والقسوة على المرأة دون الرجل:

إن الدراسة المتفحصة للنصوص الدينية للرسالات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، توحي للوهلة الأولى أن التشريعات العقابية لعقوبة الزنا جاءت أقسى وأكبر على المرأة من دون الرجل، وكذلك نجد أن الرسالات الثلاث ألزمت المرأة بتدابير احترازية من هذه الجريمة أكثر من إلزامها للرجل، وأقدم للقارئ في هذا المقال عينة صغيرة من نصوص الرسالات الثلاث لنرى كيف أن المرأة قد وقع عليها أقسى وأقصى العقوبة فيما أن الرجل لم يأت له ذكر في بعض شرائع العهد القديم، وأفلت نهائيا من العقوبة في الشريعة المسيحية، وخففت بعض الشيء في الشريعة الإسلامية على بعض الفواحش، ففي بعض أسفار العهد القديم في الكتاب المقدس نجد العقوبات التالية للمرأة الزانية من دون أي ذكر لعقوبة الرجل: ففي سفر حزقيال {16 : 35} (لِذَلِكَ اسْمَعِي أَيَّتُهَا الزَّانِيَةُ قَضَاءَ الرَّبِّ: مِنْ حَيْثُ أَنَّكِ أَنْفَقْتِ مَالَكِ وَكَشَفْتِ عَنْ عُرْيِكِ فِي فَوَاحِشِكِ لِعُشَّاقِكِ . . . هَا أَنَا أَحْشِدُ جَمِيعَ عُشَّاقِكِ الَّذِينَ تَلَذَّذْتِ بِهِمْ، وَجَمِيعَ محبيك مَعَ كُلِّ الَّذِينَ أَبْغَضْتِهِمْ فَأَجْمَعُهُمْ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَكْشِفُ عورتك لهم لينظروا كل عورتك . . . وَأُسَلِّمُكِ لأَيْدِيهِمْ فَيَهْدِمُونَ قبتك وَمُرْتَفَعَةَ نُصُبِكِ، وَينزعون عنك ثيابك وَيَسْتَوْلُونَ عَلَى جَوَاهِرِ زِينَتِكِ وَيَتْرُكُونَكِ عريانة وعارية) انتهى. وفي سفر (تثنية 25:11 _ 12) (إذا تخاصم رجلان بعضهما بعضاً. وتقدمت امرأة أحدهما لكي تخلص رجلها من يد ضاربه ومدت يدها وأمسكت بعورته، فاقطع يدها ولا تشفق عليها) انتهى. وفي سفر (لاويين 21 : 9) (إذا تدنست ابنة كاهن بالزنا، فقد دنست أباها. بالنار تحرق) انتهى.

هذا في بعض شرائع العهد القديم، أما في الشريعة المسيحية وفق الطائفة الأرثوذكسية فالمرأة إذا زنت تطلق من زوجها وبعد طلاقها لا تتزوج أبدا وإن تزوجت فهي زانية، أما الرجل لو زنا فلا تطلق منه زوجته ولم تنص الشريعة المسيحية على أية عقوبة له، ففي إنجيل متى (5 : 27 _ 32): (وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم: ان من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزنى. ومن تزوج مطلقة فإنه يزنى) انتهى. أما في الشريعة الإسلامية وفي عقوبة بعض الفواحش جعل القرآن عقوبة المرأة الحبس في البيوت حتى الموت، أما الرجل فعقوبته الإيذاء إلى أن يتوب: قال تعالى: (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَالَّلذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا) (16: النساء). وفي عقوبة الزنا قدم المرأة على الرجل في تنفيذ العقوبة فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) (2: النور).

هذه النصوص وغيرها أوحت إلى جموع الناس خطئا أن تغليظ العقوبة على المرأة من دون الرجل لأجل أنها _أي المرأة_ غاوية للرجل بطبعها، وهي المتسببة في جذب الرجل نحو الخطيئة، والمحرض له على ارتكاب الفحشاء والمنكر، وقد ترتب على هذا الفهم الخاطئ اعتقاد جموع الناس أن ممارسة الجنس لا تعني سوى النجاسة والخطيئة، والتدني إلى درك الشهوانية الحيوانية، والسقوط في وحل الرذيلة والآثام، واعتقدوا أن الطهر كل الطهر هو البعد عن شهوة النساء وبغضها والفرار منها ومن كل ما قرب إليها من قول أو عمل، بل واعتقد الناس خطئا أن كمال الإنسان ونقائه وقربه من الله لا يتم إلا إذا طهر الإنسان نفسه من شهوة النساء ومن رؤية النساء ومن مجالسة النساء ومن لمس النساء وكلما ازداد الرجل بعدا عن المرأة وإبعادا لها ونفورا منها كلما ازداد إيمانه وقربه من الله وازداد كماله الإنساني. هكذا يعتقد الناس في شرائع الدين ورسالات الله.
والسؤال الآن، هل بالفعل شرائع الأديان تحمل في مضامينها هذه الأفكار التي تملأ رؤوس الناس اليوم حول ازدراء المرأة واستقذار الجنس؟؟، وهل ربطت الشرائع الدينية بين الجنس والقيم الإنسانية والأخلاقية، وما سر هذا الرهاب الديني والتهويل المفرط في شأن استقذار الجنس ونبذ المرأة، وهل الرسالات الدينية بتشريعاتها هي من أدت إلى هذا الفكر المحتقر للمرأة والمستقذر للجنس؟؟. نجيب في الفقرة التالية:

## هل للجنس علاقة بالأخلاق والقيم الإنسانية؟؟:

هذه الأسئلة وعشرات غيرها لا يمكن تفصيل الجواب عليها في بضع مقالات، وذلك لأن الموضوع شائك وعميق ومتشعب ويحتاج إلى دراسة مطولة ومفصلة، وهذا ما قمت بإنجازه بالفعل في دراسة مطولة لي لم تنشر بعد، وما يمكنني قوله الآن للجواب على هذه الأسئلة هو: إن الشرائع الدينية حين غلظت العقوبات على المرأة في جريمة الزنى، وحين كلفت المرأة من دون الرجل بكثير من التدابير الاحترازية لمنع الوقوع في تلك الجريمة، لم يكن عن نقص أو عيب في المرأة كامرأة، ولم يكن عن قبح أو استقذار للجنس ذاته، ولم يكن ذلك لجميع النساء ولكل امرأة، وإنما كان ذلك للمرأة المتزوجة وحسب، ولم يكن لأي امرأة أخرى غير متزوجة، وذلك لأن المرأة المتزوجة بارتكابها لفاحشة الزنى قد تنسب لزوجها ابنا ليس له، وبالتالي تقع على المرأة المسئولية الكبرى والعظمى عند حدوث تلك الجريمة وما قد يترتب عليها من نسب طفل لزوجها زورا دون أن يشعر بهذا.

وبالتالي نستطيع أن نفهم الآن النصوص الدينية المتعلقة بالعقوبات المغلظة على المرأة المتزوجة وحدها من دون الرجل فهما صحيحا، ونستطيع كذلك أن نستخلص من النصوص الدينية أن الله لم يوقع أية عقوبة على المرأة غير المتزوجة إن هي مارست الجنس خارج إطار الزوجية، وهذا لا يعني أن العلاقة الجنسية أو ممارسة الجنس خارج إطار الزواج مباح فعله، إنما الممارسات الجنسية خارج رابطة الزوجية لها أحكام أخرى، وهذه الأحكام وضع الله لها كثيرا من الضوابط والالتزامات ولم يترك الأمر هكذا عبثا، وذلك تخفيف منه سبحانه عن الذين لا يجدون نكاحا ولا يستطيعون إليه سبيلا، وقد قمت بشرح ذلك وتفصيله باستفاضة في الدراسة التي أشرت إليها منذ قليل.

وكذلك نستطيع أن نوقن بأن النصوص والتشريعات الدينية لم تستقذر الجنس لذاته وكذلك لم تزدري المرأة لكونها امرأة، وأن النصوص الدينية كانت مقاصدها العليا تكمن في منع اختلاط الأنساب ومنع إلصاق طفل بأب ليس أبوه لأن في ذلك جريمة عظمى ومسئولية كبرى تقع على عاتق المرأة المتزوجة بشكل أساسي، وكذلك نستطيع أن نفهم أن الممارسة الجنسية هي حاجة طبيعية كحاجات الإنسان الأخرى، وحق من حقوقه الآدمية كحاجته إلى الطعام والشراب واستنشاق الهواء والمسكن والملبس وغيرها من الحاجات والحقوق الأساسية التي لا يحق لأحد حرمان الآدمي منها أو من الحصول عليها ولكن بضوابطها وسبلها المشروعة.

وكذلك نستطيع أن نفهم أنه لا علاقة على الإطلاق بين القيم الأخلاقية والممارسة الجنسية في ذاتها إلا في تناولها المشروع والمنضبط بضوابطه سواء كان في إطار الزواج أو خارجه، فالجنس في ذاته كممارسة ليس فيه ما يوجب استقذاره أو تحقيره، بمعنى أنه في ذاته وفعله وممارسته لا يخضع لأي تقييم أخلاقي أو إنساني لأنه حاجة إنسانية طبيعية، كتناول الطعام مثلا، فتناول الطعام في ذاته لا يمكن تقييمه أو إخضاعه لموازين وقيم الأخلاق أو الخير والشر، وإنما التقييم الأخلاقي للحاجات الطبيعية الإنسانية يكون في كيفية تناولها وسبل الحصول عليها، وبعبارة أخرى لو تم الحصول على الحاجات الطبيعية للإنسان بطرق غير مشروعة كسرقة الطعام مثلا هنا يمكن وضع الأمر في ميزان القيمة الأخلاقية لا من ناحية حاجة الإنسان للطعام وهو حق مشروع له، وإنما من ناحية الطريقة التي حصل بها على الطعام. ومن هنا فقد ظن الناس خطئا أن الأديان قد استقذرت الجنس لذاته وازدرت المرأة لذاتها أو لكونها أنثى يجد الذكر فيها قمة متعته، وهذا الظن الخاطئ جعل جموع الناس يستحدثون كثيرا من التدابير التي نسبوها للدين وألزموا بها المرأة خوفا عليها وخوفا منها، دون أن يفرقوا بين امرأة وأخرى أو بين متزوجة وغير متزوجة، كتحريمهم للاختلاط بين الرجال والنساء، وتحريمهم لمصافحة المرأة، وتحريمهم لسماع صوت المرأة وغيرها الإلزامات التي حاصروا بها النساء كل النساء وهي في حقيقة الأمر ليست من الدين في شيء وهذا ما سبق لي الكتابة عنه في مقال بعنوان (منع الاختلاط بين الرجال والنساء جريمة)، تجدونه على الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/m.asp?i=3281

نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر_ أسيوط
موبايل/ 0164355385_ 002
إيميل: [email protected]



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البابا شنودة يتهم القضاء المصري باضطهاد المسيحيين
- حق الزوج على زوجته كذبة كبرى لاستعباد الزوجة
- إلزام الزوجة بخدمة زوجها عبودية ورق
- قناة الجزيرة نبي هذا الزمان
- الإعلام المصري والرئيس مبارك
- الإعلام المصري بين إهدار دم الأقباط وازدراء المسلمين
- الجهل السياسي لحركة حماس هو سر مأزقها
- جماعة تكفير الأنبياء
- أعلن مبايعتي لجمال مبارك رغم أنف إبراهيم عيسى، ولكن..
- هل جمع الله القرآن الكريم؟؟
- لا حرمة في مصر لمن يفكر في الاقتراب من كرسي الرئاسة
- هل أصبحت هيفاء وهبي رمز وطني مصري؟؟
- نعم إن العرب يكرهون مصر والمصريين
- هل القرآن كلام الله؟ تعليقات وردود _ الجزء الرابع والأخير
- هل القرآن كلام الله؟ تعليقات وردود _ الجزء الثالث
- هل القرآن كلام الله؟ تعليقات وردود _ الجزء الثاني
- هل القرآن كلام الله؟ تعليقات وردود _ الجزء الأول
- منع الاختلاط بين الرجال والنساء جريمة
- هل القرآن كلام الله؟ رد على المستشار شريف هادي
- عقوبة السجن وصمة عار في جبين البشرية


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - الدين بين استقذار الجنس وازدراء المرأة