أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - الدغل














المزيد.....

الدغل


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3039 - 2010 / 6 / 19 - 22:30
المحور: الادب والفن
    


أنا وهم ، نعم أنا كذلك منذ لحظة صنعي ، منذ الفكرةالأولى في رأس الأستاذ ، علمت أنني فكرة أنتجها وهم، لذلك لم أكن مباليا ، عادة علي أن أبدي اعتراضا، لكنني لم أفعل،، جعلني أسلك كما يريد ، لكنني أثناء ذلك أكون مستفزا و مستثارا بلا طائل إذ علي أن أصبر حين يريدني أن أكون ما يرغب ، وهو يعلم جيدا إنه لا يستطيع أن يفعل ما يريد ني أن أفعل ، ذلك لنه يعتقد بأنه يختلف عني، إنه كائن واقعي يمارس العيش في الواقع، لكن الأمر إذا جردته من غلالته الواقعية التي تراكمت عليها خيوط غزلها خليط غير منسجم من رغبات الناس ، الناس الماثلين كدمى تتحرك و تتراقص بفعل فاعل يختبيء عند رؤوس تلك الخيوط و بداياتها غير الواضحة و هذا جزء مما ودَ الأستاذ استكشافه عبر صنعي و إطلاقي إلى المكان و في الزمان الذي يرغب ، خيوط فوق خيوط تشابكت و ضاعت رؤوسها و لم يعد ممكنا نكثها لذلك فإن الناس الذين هم كالدمى أصبحوا مخلوقات مهتزة تملؤها الريبة و الشك بكل شيء و في النهاية أصبح الهواء مريبا بالنسبة لهم ، لذلك فهم طالما رفعوا أنوفهم عاليا نحو السماء كما تفعل الذئاب الجائعة يتشممون الهواء و يتتبعون كل خيط غريب من الرائحة ربما كان قد تسلل عبر الهواء.
في هذه الظروف المشحونة بالشك صنعني الأستاذ و هو يعلم جيدا عندما جعلني ذلك الوهم الذي يعيش في داخله منذ الطفولة ، لم يكن يريد غير إطلاقي في دغل ذكرياته و عشب طفولته و أغصان يفاعته لكنه ارتكب خطأ جسيما ، إذ لم يجعلني طفلا أو فتى ،بل جعلني رجلا ناضجا كما هو الآن و ذلك هو الخلل الذي أحرج وجودي كوهم مصنوع ، باختصار أنا رغبته بزيارة عشب طفولته و هو بهذا العمر ،بل وكان بتقديره لأمكانياتي كوهم و كل ظني إن ذلك هو الخطأ الوحيد الذي ارتكبه، لكنني لا أستطيع أن ألومه فهولا يريد أن يرى ذلك كطفل غر ، بل يرغب أن ينظر إليها كما هو الآن لذلك لم يتردد بإطلاقي هناك و هو يعلم جيدا مدى خطورة تحريكي في ذلك الدغل القديم و المهمل في زمن آخر و بحجم أكبر كثيرا من حجم طفل ، الناظر لي لا يرى طفلا في دغل ذكرياته أو صبيا في عشب زمنه الماضي ، بل يرى رجلا في دغل مات و يبس منذ زمن بعيد و يعلم أن ذلك ملفت للإنتباه و مثير للشبهة ، أما أنا و إن كنت وهما صنعه الأستاذ ليطلقه في دغل ذكرياته إلا إنني أدركت ما صرت فيه من مأزق فوجدت نفسي أحتاط للأمر كثيرا و تحولت دون علم صانعي إلى شخص و لو كنت وهما إلا إنني مستريب و حذر ، رحت أتجول بحذر ، أتخفى لأن العيون لابد و أن تترصدني ، أقل ما يمكن قوله إنني وهم و تلك تهمة كبيرة ، أو إنني شخص مصنوع و تلك جريمةأو إنني إن لم أكن هذا أو ذاك فأنا رجل أتجول في حقل ميت ، عشب ذكرياته أصبح هشيما ، أفعل ذلك بزمن غير زمني ، لذلك لابد من أن أثير فضولا أو كراهية أو ريبة و كل ذلك تترصده السلطات و عندما أدركت ذلك بشدة و تركيز حاولت الإختفاء في الدغل ، صنعت لي ملاذا هناك و اختفيت ، لم أعلم حينها إن هناك بين فجاج الدغل و بين الأعشاب تختفي الطرائد عن أعين المطاردين و لم أعلم بأن الطرائد قد احتاطت للأمر و إنها تعلم مواقيت الصيد و مواسمه بشكل أكيد و تستطيع أن تتعرف بسهولةعلى كلاب الصيدو تميز أصواتها من بعيد ، أنا الوحيد الذي يجهل ذلك ولا يتقن صنعه و لا بد إنكم تعلمون لماذا كنت أجهل ذلك ، نعم...نعم كما تقولون ذلك لأنني مجرد وهم صنعه الأستاذ، و اقتادوني كطريدة مع مصير واضح و لم يتعبوا أنفسهم بالتردد في إعدامي فتهمتي واضحة لا يمكن إنكارها ، و لأنني وهم لم أكن مهتما و لست متألما لكنني علمت أن الأستاذ الذي صنعني لم يستطع بعد ذلك أن ينام لمجرد تخيله إعدامي لذلك فقد هجر النوم و راح يفكر ليلا و نهارا بطريقة لأنقاذ رأسي ، عجبت مما يجري، و عندما رحت أجري تقييما للوضع برمته وجدت أن لدي الرغبة في الموت كوهم مصنوع ، أود أن أتلاشى و بذلك تنتهي القضية و أنا كوهم وددت لو إنه لم يورطني بالغوص في وحل دغله و عشب ذكرياته العتيق .
في منتصف الليل جلس كالمجنون و اجتاز المسافة برعونة و عرامة واضحة ووصل إلى السجن و السجانين و أطلق سراحي ، رغم استغراب السلطات التي لم تنم بعد ، كنت أعلم طيلة بقائي في السجن إنه كان يلوم نفسه لأنه اعتفد دائما إن الوقت غير ملائم و لم يكن الزمن موافقا و مواتيا لصنعي و إطلاقي في دغل ذكرياته لذلك أغلق علي دفتره و راح ينتظر و عندما علم بكل تأكيد إن الأمور قد تغيرت و ذهب المستريبون و صارت حقول الذكرى و دغلها و أعشابها تنعم بالحرية أو هكذا ظن غالبا ، أخرجني من دفتره نفض عني الغبار و قال الآن هذا هو الزمن الملائم لكنني لازلت وهما من صنع الأستاذ و على الرغم من حقيقة كوني وهما إلا إنني تعلمت الريبة و عرفت الشك دون علم الأستاذ و لم أكن متحمسا لرحلتي الثانية ، إن ذلك لا يعني شيئا للأستاذ ولا للآخرين و لا يعني لي شيئا أيضا ، كيف يمكن أن يكون الوهم شيئا ما في يوم ما ، لذلك وجدت نفسي وسط دغل ذكرياته مرة أخرى و كانت وصاياه تلاحقني، لا تخف... لم يعد هناك ما يخيف ثم قال الدغل و مسافاته جعلته لك فارتع فيه كما تشاء رحت أفعل كم يرى فهو في النهاية من صنعني و خلال تجوالي في دغل ذكرياته اختلست النظر إليه فوجدته مطمأن البال ، مرتاح النفس من خلال شبح الأبتسامة المرسومة على شفتيه ، علمت أنه في أحسن أحواله و عندما صرت وسط الدغل ، و عندما كان الأستاذ في أحسن أحواله أتى غرباء كثيرون ، جاسوا في كل البساتين و الأدغال ووطئوا دغل الذكريات بأقدامهم الثقيلة بدبابات و جيوش تخفي عيونها ، و عندما وجدوني هناك وسط الدغل ، أطلقوا علي وابلا من الرصاص الحي فأردوني في الحال وكانوا يعتقدون أنهم يحسنون صنعا فهم ليس لهم دغل ذكريات.



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميسان


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - الدغل