أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - عمارة اسمها .. التعبيرية















المزيد.....

عمارة اسمها .. التعبيرية


خالد السلطاني

الحوار المتمدن-العدد: 925 - 2004 / 8 / 14 - 10:02
المحور: الادب والفن
    


ان العمارة العضوية بكل عميق اختلافاتها مع التيار الوظيفي ، لايمكن اعتبارها كونها نقيضة له ، فالمنطق الوظيفي هنا وهناك كما في بقية تجليات هذين التيارين يعتبر بمنزلة العامل الاساسي ،واحيانا الرئيسي في صوغ التكوينات التصميمية . اما الامر المناقض كلياً للحركة الوظيفية فهو – التعبيرية ؛ ذلك التيار الذي ينحو لجعل الهدف الاساسي للمنتج المعماري مقتصراً على حضور الاحساس الفني لهيئة المبنى المعمارية ، في " تعبيريته " المتكئة على الادراك الحسي والمعتمدة عليه كليا !
اتخذت التعبيرية الجديدة لنفسها ذات المواقف والمبادئ التى اتسمت بها تعبيرية العشرينات من القرن السابق والتى تجلت بصورة واضحة في نتاج اريخ مندلسون المعماري ، والتى ارغمت على التراجع للوراء امام نمو تيار الوظيفية الطاغي وقتذاك . وهذا التيار الذي شهد نوع من الاحياء في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تجلى في تشكيلات مختلفة واوجه متنوعة.وساهمت ردود الافعال العنيفة ضد العقلانية الى تمهيد الطريق لمثل هذا الاحياء المناسب.
وفي هذا السياق يعتبر من الامورالمدهشة والمفاجئة ، الانتقال السريع لواحد من اهم مؤيدي التيار العقلاني واكثرهم حماسة وتقليدا لمدرسة " ميس " المعمارية ،من الوظيفية الى التعبيرية ، او بالاحرى الى التعبيرية الجديدة ، وهو المعمار – ايرو سارينين Ero Saarinen ، المعمار الذي قام سابقا في تصميم مجمع مباني شركة جنرال موتورز في مدينة وارن بالقرب من ديترويت ، والذي عد في حينه ذلك التصميم بمنزلة المثال الكلاسيكي للعمارة العقلانية .
ففي عام 1963 تم تنفيذ مبنى محطة شركة طيران TWA في مطار كندي بالقرب من نيويورك ، وفقا لتصاميم ايرو سارينين . ويستوحي الشكل الغريب لهذا المبنى هيئة طائر ضخم او طائرة تتهيأ للاقلاع ، مبتعدا كثيرا عن فورمات ابنية المطارات التى امست اشكالها عادية ومألوفة . اعتمد تسقيف المبنى علىمنظومة انشائية تخلقها اربعة اقبية قشرية خرسانية ، وفي هذه المنظومة تمتد الاقبية الجانبية بعيدا خالقةً تطليعتين كابوليتين ممتدتين ، تستندا على مساند مزدوجة تحصر بينهما الاقبية القشرية الوسطية . ولكي يتم حساب القوى الانشائية وجهدها بصورة مثلى ، لجأ المعمار الى اسلوب عمل المجسمات ( الموديلModels ) لمبناه . ان فورم المحطة يبدو نحتياً اكثر منه بنائياً .والامر الاكيد هنا ، بان ذلك كان نتيجة نزوع المعمار نحو تأكيد وحضور الجانب الفني لشكل المبنى ، وليس مرد ذلك بالطبع ايفاء نوع من المتطلبات الوظيفية او التجاوب مع اشتراطات تكنولوجيا الانشاء . واستطاع سارينين ، ذلك المعمار الكفء ان يحشر في الشكل المبتدع كل الاحياز المخصصة للمسافرين والامتعة والخدمات وكل ما يحتاجه مبنى مطار حديث من فضاءات . وهنا، ليست وظيفة المبنى هي التى اوجبت تحديد الشكل ، وانما النزعة لتأكيد ذلك الاحساس او " التعبير " الغريب والمثير الذي ينتاب المرء وهو عازم على " مغامرة " فعل الطيران عبر البحار والقارات ، الامر الذي يجعل من مبنى سارينين هذا ، كونه منشأ يعاكس تماما منطلقات مفهوم العمارة الوظيفية ، ذلك المفهوم الذي كان المعمار لوقت قريب واحدا من اتباعه المتحمسيين الكثيرين .
صمم سارينين عام 1958 ، مبنى ملعب هوكي الجليد في جامعة الينوي ، ويتسم فورم المبنى على ديناميكية ظاهرة ، يتوسل المعمار في تبيانها عبر استخدام هيئة تسقيف فعالة ، قوامها جسر " عارضة " خرسانية ضخمة ومحدبة ، تماثل الى حد كبير وظيفة العمود الفقري في جسم الانسان ، والتى تم بها تعليق التسقيفات بواسطة حبال Cables حديدية . ومن الواضح فان المعمار تاق الى ربط الشكل المعماري الديناميكي الحاد مع طبيعة لعبة الهوكي المتسمة دائما بالتوتر والشد والسرعة .
من السهولة بمكان ملاحظة النزعات التعبيرية ايضاً ، في انتاج المعمار " اوسكار نيماير" ( المولودعام1907 )Oscar Niemeyer – اشهر المعماريين البرازيليين واكثرهم تأثيرا في مجرى العمارة العالمية . في بدء حياته الابداعية كان نيماير واقعا تحت تأثير لو كوربوزيه ، الذي عمل معه فترة من الزمن ، وقد بان ذلك في تصاميم اغلبية مبانيه الاولى ، ومن اهمها وقتذاك مبنى وزارة المعارف والصحة في ريو دى جانيرو التى صممها بالتعاون مع لوسيا كوستا واخرين وباستشارة واضحة من قبل لو كوربوزيه . وقد نال المبنى الذي نفذ في اعوام 1938-1943 ، شهرة عالمية جراء الاستخدامات الرائدة لتراكيب منظومة " الواح مانعة الشمس " في الواجهات ، تلك المنظومة التى اضحى استخدامها يشكل " موتيفا " اساسيا (وحتى لازما ) في تكوينات واجهات اكثرية المبانى المشيدة في البلدان الحارة ، مانحة في ذات الوقت ، قيمة تعبيرية عالية لتلك المعالجات الواجهـية . في مبنى الوزارة ، من السهل مقارنة الكتلة الرئيسية الموشوربة المنتظمة مع اشكال المنشاءات العلوية في السطح ، ليبدو تأثير اسلوب لو كوربوزيه المهني واضحا جداً في الحل التصميمي لهذا المبنى .
حاول نيماير في مسيرته الابداعية الطويلة ، ان يتقصى طرقا ابداعية جديدة ، مثرياً لغته التصميمية ذات النفس التعبيري . وفي هذا المجال يثير الاهتمام توظيفاته الكثيرة للاشكال المنحنية والملتوية التى تحاول ايجاد ربط عضوي مع البيئة المحيطة ، في نفس الوقت الذي يبتغي من جراء ذلك الاستعمال زيادة تعبيرية المنتج المعماري . ولعل عمارة مبنى المطعم الذي نفذه في عام 1940 في’ بامبولها" Pampulha" بالقرب من ساحل بحيرة ، تكشف بوضوح ذلك النزوع لدى المعمار لاكساب مبناه تأثيرات عضوية وتعبيرية في ان واحد ! فالسطح المستوى لمبنى المطعم الدائري في المخطط ، يمتد على شكل سقيفة خرسانية طويلة ومتموجة ، تعمل بمثابة حماية لكراسى المطعم ومناضده المنتشرة في الهواء الطلق . ان هيئة السقيفة تتماشى مع تعرجات خط ساحل البحيرة الواقع المطعم بجوارها .
ان السعي نحو تأكيد المقاربات النحتية في انتاج نيماير من خلال التعاطي مع اشكال متموجة ومركبة والحرص على ادخالها في العملية التصميمية تسم الكثير من نتاج هذا المعمار المتطلع الى تكريس النزعة التعبيرية في عمارته ، ونرى ذلك جلياً في عمارة بيته الخاص في Kanoa بالقرب من "ريو " (1943 ) ومبنى جناح برازيليا في المعرض الدولي (1943-1944) وغير ذلك من المباني . احياناً عندما يوظف المعمار الاشكال المتموجة والانسيابية في تصاميمه ( كما هو الحال في مسكنه الخاص في كانوا ) فانه ينشد وراء الحصول علىارتباطات عضوية بين العمارة والبيئة المحيطة ، ولكن في كثير من الاحيان ، يبدو ذلك المسعى ناجم اساسا من الرغبة في التحرر من اغلال دوغمائيات التصميم "الارثوذكسي" المعتمد حصراً على الزاوية القائمة . وفي ظروف العمل اليدوي المتسم به النشاط البنائي البرازيلي ، فان استخدام الاشكال المتموجة والمتعرجة لا يثير تعقيدات كثيرة .
ان كثيرا من تصاميم تلك المباني والتى عد الهاجس الوظيفى اساسا لخلق تكويناتها الفضائية ، نلاحظ بان معالجاتها المعمارية قد تمت ايضاً، تحت تأثير طروحات " العمارة العضوية " . بيد ان اوسكار نيماير ، وايضاً مرة ثانية ، يقف في اغلب مبانيه الاخرى، في صلب مواقع " التعبيرية الجديدة " . فمن الواضح جدا ان للنزعات التعبيرية حضوراً قوياً في مشروع "متحف الفن الحديث " المصمم من قبل نيماير عام 1954 في مدينة كاراكاس ( فينزويلا ). فهذا التصميم يعد تحدياً جليأً ومباشرا للعقلانية المعمارية . فالمبنى مصمم على شكل هرم ، لكن قمته متجهه نحو الاسفل ؛ وساعيا الى اضفاء التعبيرية الحادة على المعالجات التكوينية للمتحف ، فان نيماير يزيح هنا ، جانباً جميع التصورات المنطقية الوظيفية والانشائية معا ، ويبتعد عنهما بتقصد واضح .
يعد مبنى نيماير المهم ، والشهير في الوقت ذاته ، وهو مبنى الكونغرس الوطنى في العاصمة الجديدة- برازيليا ، من المباني التى انطوت صياغاتها التكوينية على النفس التعبيري الواضح . يتألف المبنى الذي شيد في عام 1960 ، اساسا من كتلة ممتدة افقياً بابعاد 80×200 مترا، متخذه شكلا مستطيلا منتظماً في مسقطها . شغلت فضاءات البهو الرئيسي وغرف النواب وقاعة الصحافة وغير ذلك من الاحياز الخدمية الاخرى ، شغلت جميعها كتلة هذا البلوك المؤلف من طابقين . بالاضافة الى ذلك فان جزءاً من فضاءات هذه الكتلة شغلتهما ايضا قسما قاعتي النواب والشيوخ ؛ وقد تم ابراز تسقيف هاتين القاعتين عن سطح مستوي الكتلة الاساسية . لم يكن هناك اي اختلاف جوهري بين تينيك القاعتين ؛ لا من وجهة النظر الوظيفية ، ولا من حيث الهيئة ؛ فكلاهما يخدمان غاية متماثلة ؛ اذ انهما متشابهان في طبيعة مسقطهما . على ان الهاجس التعبيري والتوق لحضور هذا الهاجس بصورة لافتة ، دفعتا المعمار الى تسقيفهما بشكل مختلف ، فتم تسقيف قاعة الشيوخ على شكل قبة ، في حين حصلت قاعة النواب على ذات الهيئة ولكن بالمقلوب !
ويبدو ان الغاية المبتغاة التى وضعها المعمار لنفسه قد ادركها بوضوح ، ففى تركيب فريد من نوعة بين كتلة الكونغرس المنتظمة والمبنيين المتوازيين المجاورين الخاصين بالسكرتارية والعاليين ( يصل عدد طوابق كل منهما الى 72 طابقا) مع الانائين الضخمين المتعاكسين الواحد للاخر ، فان كل ذلك جدير ان يخلق تأثيرا محسوسا ومدهشاً ، وباسم هذا التأثير فان نيماير يجرأ على خرق قوانين المنطق التركيبي الانشائي ، ومن وجهة نظر العمارة العقلانية ، وكذلك العمارة العضوية ايضاً ، فان هذا الخرق يعد بمثابة هرطقة !
ان المعالجات الحرة لمفهوم بنائية المنشأ وتكتونيته Tectonics نراها جلية في مبنى القصر الجمهوري " الفورادو "Alvarado ( قصر الفجر ) في مدينة برازيليا والمصمم من قبل اوسكار نيماير ايضاً (1959) ، تلك المعالجات التى لاتخلو من حسّ تعبيري يكتنف تكوينات هذا المبنى ذي الحل المعماري المثير. اذ تعيد طريقة توقيع المبنى وفورم كتلته الرئيسية عمارة الـ" كرون هول " لميس فان دير رو ، فكلا المبنيين يسعيان للانفصال عن مستوى الارض الطبيعية وكلاهما يحرصان على انتظام هندسية الكتل المصممة ؛ على ان معمار " قصر الفجر " ينأى بنفسه بعيدا عن اعطاء الاحساس بالاقتناع او الاكتفاء للتبسيط والاختزال المتناهيين اللذان ينشدهما " ميس " فيتطلع نيماير الى اكساب مبناه نوعا من الاثراء التكويني والتأثير التعبيري من خلال استخدام اعمدة خارجية ، اتسمت هيئاتها الفريدة وغير العادية ،على خطوط مركبة ومتعرجة بيد انها انسيابية. ان هذه الاعمدة هي التى تحمل تسقيف الشرفة العميقة المحيطة بكتلة المبنى الرئيسية . صبغت الاعمدة باللون الابيض،التى يبدو بياضها اكثر نصعاً على خلفية الشرفة الغائرة والغارقة دوما في ظلال تستدعي البرودة المحببة ضمن الاجواء الحارة المشمسة السائدة هناك . وبعبارة اخرى فان التعبيرية المتأتية من طبيعة المعالجات الفنية والتكوينية للمبنى تلعب دورها الكبير في جعل هذا المبنى واحدا من اهم التجارب التعبيرية في المشهد المعماري العالمي .
لا يمكن بالطبع الحكم على انتاج اوسكار نيماير كونه انتاج مكرس فقط للاتجاه التعبيري او ان هذا الانتاج المتنوع والغزير مطبوع جله بهاجس التعبيرية الجديدة ، انه نتاج كثير ومتعدد ومتباين في منطلقاته التصميمية ؛ لكن الامر الاكيد بان النزعة التعبيرية كانت حاضرة في المنتج المدوي للمعمار الدانمركي يون اوتسين Jorn Utzon ( المولود في 1918 ) وهو-" مبنى اوبرا سدني " في اوستراليا . فقد حاز تصميم اوتسين علم 1956 على الجائزة الاولى في المباراة المعمارية الدولية ، وتم الاخذ به للتنفيذ . خصص لموقع البناء ساحة تمتد على شكل لسان داخل خليج سدني ، وقدر للمبنى ان يحتوي على قاعتين احداهما للعروض الاوبرالية ( تسع الى1200 مشاهد ) والاخرى خاصة للحفلات ( تسع حوالي ثلاثة الاف شخص ) ؛ وبخلاف هاتين القاعتين والفضاءات الخاصة بهما ، فان المبنىشمل علىمكتبة وقاعة اجتماعات ومطعم وغير ذلك من الاحياز الخدمية المشابه . ادرج "اوتسين " جميع تلك الفضاءات في فورم ذي مسقط بسيط ، ورفع المعمار صالة الاوبرا وقاعة الحفلات الى الاعلى ، في حين وقع المداخل والابهاء والمعابر وقاعة العرض التجريبي في الاسفل .
ان تصميم " اوتسين " يثير الدهشة للتناقض الصارخ بين بساطة المسقط الواضح وهيئة المبنى الخارجية الغريبة والمعقدة ذات التسقيف المشغول بواسطة منظومة اقبية قشرية عالية ترتفع الى نحو 60 متراً . ان هذه المنظومة التركيبية لا تتناسب بالمرة لا مع ابعاد القاعات ولا مع حجومها الواقعة اسفلها . كما ان هيئة هذه المنظومة لا تمت باية صلة لمتطلب الصـوتيات Acoustics ، ذلك المطلب الذي يعتبر حضوره شرطاً اساسياً في تصاميم قاعات الاوبرا والقاعات المخصصة للموسيقى .
ان تنفيذ هذه التركيبة القشرية ، والتى تم اشراك مكتب "اوف آراب " الانشائي المعروف عالميا، للقيام بحسابات الانشاء ، بدا امراً معقدأ وطويلاً ، بحيث استمر العمل سنين طويلة لايجاد صيغة شكلية مثلى لها. لقد تطلع المعمار نحو خلق تشكيل فني لمبناه يعيد بالذاكرة ، في جانب منه ، صورالبواخر الشراعية التى كانت يوما ما تجوب خور وخلجان مدينة سدني ، في الوقت ذاته حرص " اوتسين " الى ابداع فورم يكون بمقدوره ان يهيمن على مباني المدينة الاخرى ، مدخلا شيئا جديدا وخاصا في بيئة المدينة المبنية الباهتة .
يمكن للمرء المتعقب لتطور العمارة الحديثة ان يلحظ ثمة مسعى محموم نشط وراء الحصول على تاثيرات معمارية لافتة ومفاجئة وغير عادية في تصاميم العمارة الدينية وخصوصا ذلك النشاط الذي دار على الارض الاوروبية لحين قصير ، كانت سمات العمارة الدينية غارقة في توجهاتها المحافظة ، وظلت دائما بمنأى عن التغييرات الدرماتيكية التى شهدها مسار التطور التكوينى لهذا النوع من الابداع : عمارة "رزينة" وثقيلة والمهم تنحو نحوا كلاسيكيا في الهيئة والتخطيط ، بمعنى اخر كان ينظر للطرز التاريخية والتى اختبرت اساليبها عبر الآماد الطويلة ، كان ينظر لحضورها التكويني بمثابة شرط اساسي في الحلول المعمارية للمباني الدينية. ويذكر الوسط المعماري جيداً المحاولات المتواضعة التى حاول ا "اوغست بيريه " اجراءها في العشرينات بتحديث ولو بسيط في عمارة الكنائس ( لنتذكر محاولته التجديدية في معالجات كنيسة نوتردام في رينيس بباريس ) ، والتى اعتبرت في حينها محاولات جريئة جداً وجسورة جداً ، والاهم كونها مخالفة للعرف و التقاليد المتبعة في تصاميم تلك الابنية .
لكن الامور سرعان ما تبدلت وتغير اتجاهها ، واعتباراً من الخمسينات ، امست العمارة الدينية في اوروبا مجالا خصباً لتطبيقات اكثر الافكار المعمارية جرأة واقداما ً، اقدام وجرأة اتسما على كثير من المغالاة والتطرف ! وتعد الكنيسة التى صممها جيوفياني ميكالوجي (1891-1972) Giovanni Michelucci بالقرب من فلورنسا (1963 ) مثالا بينا في تطبيقات ذلك الاتجاه ؛ والمعلوم ان " ميكالوجي " ، عد سابقاً كاحد المعماريين الوظيفيين المرموقين صاحب تصميم محطة فلورنسا (1933-1936) وغيرها من التصاميم التى دائما كانت تتسم بعقلانيتها ومصداقيتها التركيبية . في عمارة كنيسة فلورنسا لم يبق اياً من تلك المبادئ السلبقة ؛ ففي تكويناتها التخطيطية انطلق المعمار من فكرة الخيمة المرفوعة بواسطة اغصان الاشجار ، والمثير في الامر ، ان " ميكالوجي " حول هذه الفكرة المتخيلة مباشرةً الى مبنى واقعي ؛ مبنى اتسم على لا عقلانية تركيبية مذهلة !
ففي احياز المنظر الداخلي للكنيسة ـ يتدلى سقف القبو الخرساني ثقيلا على شكل التواءات محدبة الى الاسفل ، وهذه الالتواءات ترفع ( تغرز ؟) بواسطة مساند خرسانية دقيقة ، موقعة عرضا وبتعمد في فضاءات المجال الداخلى لها .في المعالجات التكوينية-التركيبية لهذا المبنى يلفت النظر نزعة الابتعاد كلياً عن المفهوم التركيبي الدارج للمباني الخرسانية المعتادة . ان غرابة عمارة الكنيسة ولا منطقيتها الفضائية والانشائية اثارت فضول سيل من الزائرين المسرعين لرؤية هذا الحدث المعماري المثير . وبهذا فان الهدف الذي وضعته الكنيسة امام المعمار قد تم بلوغه ، ووجد له حلاً على جانب كبير من الكفاءة ...والاثارة .
وكما نلاحظ من ذكر سياق الامثلة التى وردت تواً ، فان التيار التعبيري الذى اكتسحته سابقاً موجة الافكار الوظيفية في العشرينات وبداية الثلاينات ، قد اعيد الاعتبار له مرة اخرى في نهاية العقد الخمسيني ؛ وليس بمقدور محاولة تسميته في هذه المرحلة بتيار" التعبيرية الجديدة " ان يغير شيئاً من صميم وحقيقة توجهاته ومنطلقاته . ان انصار هذا التيار ما فتئوا يعتقدون بان لا مندوحة في ايفاء قدر ضروري من الاهتمام للجانب الوظيفي ، لكنهم في جانب اخر يأمنون بان قيمة الفكرة المعمارية واهميتها تظلان حاضرتين في مسعى الغرابة التعبيرية والتأكيد على الاهمية التأثيرية لشكل المعالجات المعمارية الفنية لدى المتلقي . □□

د. خالد السلطاني
مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
كوبنهاغن- الدانمرك



#خالد_السلطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرور سبع سنوات على رحيل الشاعر الجواهري ( 27 تموز - يوليو - ...
- موالي صدام المدعية - بالثقافة - تسعى - لتبيض - سيرة الدكتاتو ...
- منجز العمارة الاسلامية مسجد السليمانية في اسطنبول نضوج الحل ...
- صفحات من كتاب - قرن من الزمان .. مئة سنة من العمارة الحديثة ...
- مدرسة اولوغ بيك : جماليات مكان التعلم .. والتعليم
- حديث هادئ ، في معمعة كلامية
- صفحات من كتاب - العمارة العراقية الحديثة: السنين التأسيسية - ...
- العلم العراقي الجديد: ملاحظـات تنظيـمية وفنـية سريعـة
- منجز العمارة الاسلامية (3 ) عمارة - مسجد امام - في اصفهان
- صفحات من كتاب - قرن من الزمان .. مئة سنة من العمارة الحديثة ...
- بمناسبة فوزها بجائزة - بريتزكير- العالمية عمـارة - زهـاء حدي ...
- عام على احداث جسام في حياة الشعب العراقي
- مبنى - السفارة الامريكية - ببغداد : تـناص معماري .. لمفاهيم ...
- منجز -اوسكار نيماير- التصميمي : مفرد .. بصيغة الجمع
- افرازات الحكم الشمولي -الصدامي- :العمارة .. انموذجـاً
- يورن اوتزن-... والعمارة الاسلامية
- صديقي : حسب الشيخ جعفر


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - عمارة اسمها .. التعبيرية