أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعد سامي نادر - يوميات هولندية (3)*- في الطريق الى أمستردام-















المزيد.....

يوميات هولندية (3)*- في الطريق الى أمستردام-


سعد سامي نادر

الحوار المتمدن-العدد: 3036 - 2010 / 6 / 16 - 23:27
المحور: كتابات ساخرة
    



عمري ثلاثة وستين سنة، بعد ساعة، سأركب الطائرة لأول مرة في حياتي. كوني عراقي، سيتفهم العراقيون موقفي وسبب خوفي ايضاً. وسيعذرني كل من عانى مثلي، سنوات عزل إنساني لعينة ، وحجر سياسي داخل حظيرة وطن وراعٍ لا يصلح حتى للغنم، لم يرضعنا غير المهانة والخوف.
لكن خوفي في لحظاتي الأخيرة هذه يختلف. إنه حصانة ذاتية تبرره حججي الخاصة وحرصي الآني. أظن، ان تفاؤلي في أواخر عمري بعد عقود من اليأس، ملـَّكني إحساساً لا يتعلق بأهمية ما تبقى من حياتي فحسب، بل بأهمية حريتي والخوف عليها ، بعد عقود من تحفظي وخوفي منها.
طمأنت نفسي بحركات رياضية هستيرية لاخماد مخاوفي: لم الخوف!. آية الكرسي معي دسها للتو في جيبي دكتور عمر. و ما زالت شمعَتـَي "أم داني" الوردة، تحترق في كنيسة القديس جرمانوس، تسهل وصولي وتنير لي درب أمستردام. مضافا لهما دعاء زوجتي الحبيبة المتواصل الذي لا يخيب. يقيناً إن الله سيستجيب لدعاء عباده الصالحين الطاهرين.
صوت النداء الاخير لرحلة أمستردام يتعالى. بدأت نواقيس الخوف تقرع من جديد، مع صدى مزحة "أبو داني" الخبيثة: 20 ألف قدم....20 الف قدم".
بابتسامات بليدة صفراء تداركت فيها شحوب وجهي وأخذت نفسا عميقا وودعت الجميع بغصة وحشرجة خنقت صوتي، ختمتها بدمعتي أسى حارقة لفراق أحسبه أبدياً بلا عودة.
سيراً، توجهت الى الطائرة تودعني نواقيس قلبي الجبان بنشيدها الجنائزي على ايقاع رتابة هلوستي: 20 ألف قدم، 20 ألف قدم.
**********
في الطائرة انتابني شعور بالحب. روح شابة مغامرة، وثـّابة، ممتلئة حيوية وتفاؤل. متلهفة للقاء عائلتي الحبيبة. روح جديدة غمرتني فجأة. راحت تمارس فتوَّتها مع قلبي الجبان المرتعد الهرم، لتفك قيد ارتباطي بماضي تركته خلفي، على بعد 20 الف قدم!.
لآن، في لحظات قراراتي الحاسمة، كان تغيير العادات والجو والمكان يتساير مع هاجسي الشيخوخة والخَرف اللذان يخيفاني. حماقة أن أطفئ ما تبقى من سنين عمري باللهاث ببلادة وراء سراب وعود الوطن. مجترا ذكرياتي الجميلة ومتأسفا على نجاحاتي الضائعة. جل طموحي، مكان نظيف وآمن لأدفن فيه قريبا من أحبتي الذين ودعتهم الواحد تلو الآخر.
صوت يهذي: تباً للشيخوخة!! أنا روحك. شدّّ أزر ثورة ربيعها.. واحرص على فرصتك الأخيرة من الضياع.. لا تخف. تمتع بفسحة أمللك الأخيرة، حتى على حافة قبر من علو 20 الف قدم.
ليس غريباً ما يفعله دهر من العزلة واليأس. حياة بليدة بلا بدائل أو خيارات. دون أدنى طموح ولا حتى مبادرات شخصية للتغيير. لكن الغرابة الاكثر عهراً، مواصلة هذا الميكانيك الوطني فعله بدقة في حياتي ليمنحني شعورا أغرب: المكابرة بحبي وتمسكي بمتع ونعيم عذابات قبرِيَ الوطني: قدرنا الجماعي المكتوب في دهاليزنا المظلمة!. تباً لهذا الصوت المدوي الخالد في أعماقي، ما انفكت كلماته توخزني كلما فكرت بالأغتراب:
"عجباً هذا الثرى نألفه.... وإلى أتفهِ ما فيه نحنُّ "
خَلدَ في ذهني، كخلود "جواهره" العظيم.
¬¬¬إرضاءً لقرار فراري المصيري ، تداركت: لمَ ألوم نفسي؟؟ لا مفر!: ذكرياتي الاخيرة، مرّة مؤرقة ، أنستني كل شيء جميل.. لا سلطة تحميني..أملي، نفق مظلم بلا حتى بصيص ضوء او رجاء بالتغيير!!. لمَ الخجل؟؟. ما من شيء يغريني للبقاء ويثنيني عن قرار الفرار.
شجاعتي زاولت سحرها وتندَّرتْ!!:على أي أرتفاع كان حينها الراحل "الماغوط"* حين ذكـَّرنا ألمه وسخريته المرّة، بحب الوطن:( ليس هناك ما يربطني بهذه الأرض سوى... الحذاء )..ولإقناع نفسي: ألم يكن "الماغوط" هو الآخر وطنياً.؟.
لكنها 20 الف قدم عن الارض.. يا رجل!..يا للرهبة!
ـ أُتـْركْ الماغوط وحذاءه وتذكر!!.. انك.. ..
-إجل 20 ألف قدم.. قريب من الرب، أين المفرْ؟ هذا طريق أمستردام..عسى ان يكون طريق التوبة!!.
ـ إقرأ المعوذات!!.
ـ لم أحفظها.
ـ إسمع! أمامك من يبسمل ويتعوذ الشيطان بصوت عال.
ـ (أنت توسوس.. أنت شيطان) قالها "الزرقاوي" في شرحه "نهج الضلالة"
- مَن يكون؟
-يقولون انه شيطان، إرهابي!!
- تعوذ؟ ألا تخاف الشياطين؟
- ألعن!!. هذا جنون!! يكفيني شرور شياطين الأنس. لِمَ أحرك شراً مات برأسي منذ عقود.
ـ هل أنت مسلم؟
ـ الحمد والشكر لله.. مسلم وبالثلاث.. سلم الناس من يدي ولساني وعيني!!. وكما ترى الشقراء التي بجنبي. لم أطلب من ربي ان يجعلها بعيني، بقرة!. أنا المسلم الحقيقي لا يغور نظري بالتفاصيل.
ـ استغفر ربك.. لا تحميك أجواء الغرب الكافر!! ..الصلاة لله.. نجاة.
ـ غفرانك اللهم ربي.. فالأصلي ما دامت لك وحدك:
) بسم الله الرحمن الرحيم ..........آمـيــن )
ـ ما هذا، آمين ! هل أنت مسيحي؟.
ـ أعوذ بالله!! أشهد أن لا إله إلا الله...واشهد ان محمدا عبده ورسوله .. ألا تكفي الشهادتين لأكون مسلما.. لكن! عليها اللعنة، مدرسة المبشرين تلك. أفسدتني، دسَّت لي في صغري هذه ال (آمين) الكافرة!.
ـ "آمـيـــن"!! يا للضلالة.. جاءك الموت يا تارك الصلاة!.
ـ غفرانك ربي، انك الغفور الرحيم. بل أرحم الراحمين.. انا من الساهون عنها. لم أصل سابقاً. ألهتني الحياة.. هَمٌ كبير هي الحياة.. والله يعلم ما في الصدور. لكني وكما سمعت وهو السميع المجيب، حفظتها مؤخراً عن ظهر قلب وبايمان خالص، مع نوعين من الأذان.
ـ نوعين من الأذان!!.
ـ مجبرا طبعا لا بطل!!.. حفظتها تقيةً!!. أهيئ نفسي لأي امتحان مذهبي يفاجئني على قارعة طريق عملي..
ـ إذن!!..لمَ لا تصلي ؟
ـ إنها الشيخوخة. "الآنزهايمر" اللعين، كثير النسيان. لقد تهت!. ما بين التركيز على الشكليات وبين المضمون.. ونسيت المفردات وتسلسل الآيات. إنها سخرية الخرف على ما أظن. إن بعض الظن إثم.
ـ ماذا؟
ـ خوفي، امتزج مع خرف الشيخوخة.. تباً لهما، لقد أنسياني حتى أين أضع يدي حين أصلي كي أرضي أحد الطرفين!!..
- منهُما؟..
- أنا، لحد هذه اللحظة لا أميز بينهما، إلا في الصلاة..أعوذ بالله.. وفي الاذان أيضاً.
ـ أتخاف الطرفين؟
ـ أخاف كل الأطراف والمتطرفين وبالأخص الإرهابيين منهم. كارثة أن تنسى و تتوهم ما بين تعليق اليدين أو تسبيلهما. بربك!! حل لي هذا اللغز المحير: مع مَنْ سأُحشر بعد الذبح؟؟ إنني بلا خيار..: ( قتلانا شهداء في الجنة قتلاهم في النار ). أرأيت؟؟ إنها فتوى لغز!!.
- انك محق.. يصعب عليّ حلّ هذه الأحجية!. لا تحزن أنت إنسان مسلم بحق سلم الناس من يدك ولسانك وعينك. أحفظ مني هذا الدعاء..اكتبه أربعة وأربعون مرة وابعثه الى أحد عشر صديق.. بعد اربعة ساعات ستكون قي مأمن، بحفظ الرحمن وصونه..
- 1...............................11 دوت كوم!
- شكراً.. سبحانك ربي!! يا للروعة...إنها هولندا.. وصلت الجنة!!
******
(3)*- اعتذر.. سحبت يومياتي رقم 3 من النشر لتعديلها ونسيت اعادته للنشر بتسلسل اليوميات..( العتب: أما على نظري!!. أو الشيخوخة!! ..أو الشيطان!!)
*- محمد الماغوط: شاعر سوري تقدمي.



#سعد_سامي_نادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - رحمة الله الواسعة من الجهل والجاهلية!!-_
- يوميات هولندية-8 - سوبرانو الحي الذي لا يطرب -
- الى أخي..- شيخ العارفين -
- يوميات هولندية-7
- قصة قصيرة- اعتداد -
- نوافذ الفنار
- يوميات هولندية -5: - نحيب من الجنة -
- يوميات هولندية- 6 - دون كيخوت وطواحين الدم -
- يوميات هولندية -4 : - حديث في السياسة والنار -
- - هُبَليات -
- - حلم -
- يوميات هولندية 2 (آنزهايمر )
- يوميات هولندية- 1 (إرثٌ وحقيبة )


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعد سامي نادر - يوميات هولندية (3)*- في الطريق الى أمستردام-