أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - تضامن النساء















المزيد.....



تضامن النساء


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 924 - 2004 / 8 / 13 - 10:30
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


. فى طفولتى المبكرة قبل أن أعرف من هو أبى، عرفت أمى، عرفتها بالشكل والرائحة والاسم والجسم، كان جسمها هو جسمى أو يشبه جسمى، كنت أتضامن مع أمى ضد أبى والعالم الخارجى، لكن شيئا ما حدث جعلنى أبتعد عن أمى، كنت طفلة لا أعرف بالضبط ماذا يبعدنى عن أمى، وماذا يبعد أمى عنى، ربما هو أبى كان يقف بينى وبين أمى، أو ربما هو العالم الخارجى كان يخدعنى، يصور لى أن الأب هو كل شىء، الاسم والشرف والاحترام والدين والعلم والماضى والحاضر والمستقبل والدنيا والآخرة.

لم يكن للأم شىء من كل هذا. بدأت أثور ضد أبى والعالم الخارجى من أجل أمى. تصورت أن أمى سوف تفرح وتتضامن معى، لكنها تضامنت مع أبى والعالم الخارجى ضدى. هذه أول صدمة فى طفولتى. كنت فى السادسة من عمرى حين تلقيت الصدمة الأولى فى أمى. رأيتها واقفة تبتسم والأيادى الغليظة تنتزعنى من الفراش، تربط ذراعى وساقى، وتستأصل بالموس عضوا من جسدى.

أصابتنى خيبة أمل فى أمى، أصبحت أتجه نحو أبى، بدا أبى كأنما يحنو علىَّ أكثر من أمى، كأنما يحبنى أكثر من أمى، أى خديعة وأى وهم تسرب إلى عقلى دون أن أدرى.

كم مضى من العمر وأنا أعيش هذا الوهم؟ قبل أن تموت أمى بقليل أو ربما بعد أن ماتت بدأت أدرك الحقيقة. كانت الحقيقة مثل جبل الثلج الغارق تحت الماء. تكشف عن نفسها جزءا جزءا.

حيث بلغت الخمسين من العمر وبعد أن دخلت السجن أدركت أن تضامن النساء أخطر من السلاح النووى. لم يكن يهدد إدارة السجن إلا التضامن بيننا نحن النساء. بعد أن خرجت من السجن أدركت أن تضامن النساء يمكن أن يسقط النظام الحاكم.

ألهذا السبب كان تنظيم النساء من المحرمات فى نظر الأحزاب السياسية جميعا، يمين ويسار، وحكومة ومعارضة؟! منذ بدأنا تجميع صفوف النساء فى مصر عام 1982 تضافرت القوى الحكومية وغير الحكومية على ضرب أى محاولة يمكن أن توحِّد النساء.

النساء أنفسهن كن يضربن المحاولة مثل الرجال. كالأم التى تضرب ابنتها إرضاء للزوج المسيطر أو الأب الحاكم. منذ عام 1982 وحتى هذا العام 2000 كم محاولة ضربت؟ بعد كل ضربة ننهض من جديد ونجمع صفوف النساء. ثمانية عشر عاما نحاول توحيد جهود المرأة المصرية دون جدوى. وفى عام 1999 شكلنا لجنة تحضيرية، أكثر من مائة شخص من أجل تكوين الاتحاد النسائى المصرى. عقدنا الاجتماعات، نشرنا الدعوة بين الجمعيات النسائية. بدأت الفكرة تنتشر. تحمست لها أعداد كبيرة من الشابات والشباب، وجمعيات المرأة فى المحافظات. قررنا عقد إجتماع يوم 22 أغسطس عام 1999 للإعلان عن بدء تكوين الاتحاد النسائى المصرى. قبل موعد الاجتماع بأيام قليلة فوجئنا بحملة صحفية ضد الاجتماع، وتصريحات حكومية أن هذا الاجتماع غير قانونى.

وفى عام 1992 نشرت كتابا كاملا بعنوان معركة جديدة فى قضية المرأة، يوضح الكتاب كيف أغلقت الحكومة المصرية جمعية تضامن المرأة العربية بقرار غير قانونى يوم 15 يونيو 1991، رفعنا قضية ضد الحكومة فى المحكمة الإدارية بمجلس الدولة، وانقضى تسعة أعوام دون أن يصدر قرار المحكمة.

وتستمر المعركة حتى اليوم من أجل تضامن النساء. بدأت ظاهرة جديدة هذا العام هى تضامن الأم مع ابنتها ضد الأب أو الأخ. يوم 17 يونيو 2000 دافعت أم عن حياة ابنتها حتى الموت. الابنة الصغيرة تعرضت للاغتصاب وحملت سفاحا. بدأت علامات الحمل تظهر على الفتاة الصغيرة. ذاع الأمر بين أهل قرية "الرواتب" التابعة لمركز أبوطشت بمحافظة قنا فى صعيد مصر. عقد رجال الأسرة مجلسا واتخذوا قرارا. قتل الفتاة لمحو العار. وقع الاختيار على شقيقها (اسمه بدر نور الدين) للإجهاز عليها، ويساعده فى ذلك عمها (عبد الفتاح) وابن عمتها (عبده محمود) وابن عم أبيها (أحمد راشد)، أربعة رجال أشداء يعملون بالفئوس فى الأرض، استدرجوا الفتاة الصغيرة بمفردها لقتلها، لكن أمها الواعية أدركت ذلك، كانت تقف لهم بالمرصاد تحول دون قتل ابنتها، اتفق الرجال على خداع الأم وابنتها، قالوا أن ابن عمتها عبده محمود سوف يتزوج منها تغطية على العار (ربما هو الذى تسبب فى الحمل لا نعرف) ولكنه سيتزوج منها بعد إجهاضها من الحمل السفاح، أصرت الأم على الذهاب مع ابنتها مع بعض سيدات الأسرة لمتابعة عملية الإجهاض، التى تمت داخل عيادة طبيب فى نجع حمادى، ظلت الفتاة ثلاثة أيام تحت الملاحظة بالعيادة، وفى اليوم الثالث طلبت الأم عودة ابنتها، أحست أن مؤامرة تدبر لقتل ابنتها، هددت بإبلاغ الشرطة إذا تعرضت ابنتها لمكروه، تم اصطحاب الأم لمرافقة ابنتها فى العودة بصحبة ابن عمتها عبده محمود، واتفقوا مع سائق أجرة على السير فى طريق زراعى بعيد عن البيوت لتمكينهم من تنفيذ الجريمة، فى ليلة الحادث كان الثلاثة الرجال الآخرون ينتظرون فى الطريق، وهناك حاولوا انتزاع الفتاة من يد والدتها لقتلها، إلا أن الأم تشبثت فى استماتة لحماية ابنتها، وقدمت نفسها فداء لها وهى تستغيث وتستعطفهم بالصفح عنها، لكن طعنات السواطير هوت على جسد الأم يضربها الأربعة رجال حتى أصبحت جثة ممزقة أمام ابنتها، ثم انهالوا على البنت الصغيرة بالسواطير بعد قتل الأم، وتم تمزيق الجثتين إلى اثنى عشر قطعة، ألقوا بها فى الترعة داخل أكياس بلاستيك كبيرة.

هذه هى الأم الجديدة التى أصبحت تتضامن مع ابنتها الحامل سفاحا حتى الموت. وكانت الأم فى الماضى القريب تتضامن مع رجال الأسرة فى قتل ابنتها لمحو العار. لا يمكن أن أنسى هذه الأم التى كانت تمشى فى الشوارع تزغرد بالفرح، إلى جوارها يمشى ابنها الأكبر حاملا رأس ابنتها الصغرى على سن السكين بعد أن فصل رأسها عن جسمها، لم تكن الفتاة قد حملت سفاحا، بل كانت تحب زميلها فى العمل وتفكر فى الزواج منه، رآها أخوها تمشى فى الشارع مع زميلها، فانقض عليها بالسكين، وراحت الأم تزغرد بالفرح، وتمشى إلى جواره مرفوعة الرأس بعد أن غسلت العار بالدم. أى عار وأى دم؟ أى خديعة وأى وهم كان يعشعش فى عقول الأمهات كما كان يعشعش فى عقلى منذ الطفولة.

كان صوت أمى يخفت إلى جوار صوت أبى. كان أبى يقول هذا العالم فاسد يا ابنتى قائم على دعامتين الظلم والكذب. مع ذلك كان أبى يرى أن أخى أعلى منى درجة لأنه ذكر، يعطيه ضعف ما يعطينى من مصروف، ويقول، للذكر مثل حظ الأنثيين.

كنت أتطلع لأمى لتقول شيئا، كان أبى يدعم كلامه بكلام الله، لم يكن لأمى أن تعارض كلام الله.

منذ عام 1957 حين كنت طبيبة القرية بدأت الحكومة تطاردنى بهذه التهمة، معارضة كلام الله. لم أقترف إثما إلا التضامن مع فتاة مريضة حملها البوليس بالقوة إلى بيت زوجها، كان يكبرها بواحد وخمسين عاما، يضربها كل ليلة ويغتصبها جنسيا من الخلف وهى ساجدة تصلى لله، كنت الطبيبة المسئولة، واجبى حماية الفتاة من زوجها، لكن قوة البوليس كانت أقوى منى، انتزعوا الفتاة وأعادوها إلى زوجها، ألقت نفسها فى النيل بعد أسبوع، وأنا أصبحت متهمة بالعمل ضد الدين، دخل أسمى القائمة السوداء، تحت إسم عدوة الله. هل التضامن بين النساء يعنى عداوة الله؟

منذ عام 1957 أصبحت متهمة بعدم الإيمان بالله، وفى عام 1962 أضيفت إلىَّ تهمة جديدة هى، عدم الإيمان بالثورة المجيدة، كان زملائى وزميلاتى فى نقابة الأطباء قد انتخبونى لأكون عضوا فى المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية، عقد فى قاعة جامعة القاهرة عام 1962، جلس جمال عبد الناصر فوق المنصة يتوسط الوزراء وكبار رجال الدولة. تبارى أعضاء المؤتمر فى تعريف من هو الفلاح ومن هو العامل. فجأة تلاشت البديهيات والظواهر الواضحة كالشمس. لم يعد أحد يعرف من هو العامل الحقيقى ومن هو الفلاح الحقيقى. كنت شابة صغيرة حديثة العهد بألاعيب السياسة. حين جاء دورى للكلام قلت الفلاح هو الذى بوله أحمر.

فى طفولتى كانت جدتى تقول أن البول الأحمر دليل الصحة والعافية، لم أكن أعرف أنه الدم حتى سمعت أبى يقول أن كل الفلاحين فى مصر يمرضون بالبلهارسيا، وفى كلية الطب عرفت أن أبى كان صادقا، ومات أبى قبل المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية بثلاث سنوات، لم يشهد المباراة حول تعريف من هو الفلاح ومن هو العامل، ولا هؤلاء الذين خلعوا البدل الإفرنجية وارتدوا الجلاليب أو العفاريت الزرق ودخلوا البرلمان أو مجلس الشعب تحت اسم الفلاحين أو العمال.

فى فبراير 1958 بدأت الوحدة بين مصر وسوريا، وفشلت فى سبتمبر 1961. ظلت أسباب الفشل مجهولة. لا يعرف الشعب شيئا عما يدور فى الدوائر العليا. تمتلئ الصحف بالأكاذيب وتسرى الإشاعات.

كان صديقى رجاء الشاعر يعرف ما يدور. كتب قصيدة حذفت الرقابة أهم أجزائها، كشف فيها عن أن الوحدة لم تقم إلا لإنقاذ سوريا من خطر الاشتراكية، وراء قيام الوحدة كان رجال حزب البعث والأثرياء فى سوريا. لم ينفذ جمال عبد الناصر ما أرادوه، طردوه من سوريا وحدث الانفصال.

أصبح رجاء الشاعر مطاردا من البوليس. لم يكن رجاء ينتمى إلى حزب اليسار أو اليمين، كان شاعرا يكتب القصائد، أصبح متهما بالشيوعية، لم يكن أمامه طريق للحياة إلا الهجرة خارج الوطن.

بعد هزيمة عام 1967 لم يعرف أحد سبب الهزيمة. امتلأت الصحف بالأكاذيب. جاءتنى رسالة من رجاء الشاعر، يقول فيها، أعيش فى باريس مع أديب من سوريا وشاعر من العراق، لم يعد الوطن العربى يحتمل وجود الشعراء والأدباء، نتابع هنا ما يحدث فى بلادنا، ما حدث فى مصر يوم 5 يونيو ليس نكسة بل هزيمة كبرى، خططت له الولايات المتحدة مع إسرائيل، أبلغوا الاتحاد السوفياتى كذبا أن إسرائيل تستعد للهجوم على سوريا، أبلغت موسكو هذا الخبر إلى القاهرة، قام عبد الناصر بتهديد إسرائيل إذا اعتدت على سوريا، كانت الخطة هى استدراج مصر إلى الحرب. لم يكن جمال عبد الناصر مستعدا للحرب، لكن المستشارين الامريكيين فى الجيش المصرى غرروا به، شجعوه على طرد القوات الدولية من شرم الشيخ، خرجت القوات الدولية بسرعة دون اعتراض الثالوث المشارك فى الخطة: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ألا يذكرك هذا بالاعتداء الثلاثى على مصر عام 1956؟ ورابعتهم إسرائيل؟ ما أن خرجت القوات الدولية من شرم الشيخ حتى بدأت إسرائيل هجومها على مصر، ضربت الطيران المصرى كله وهو نائم فوق الأرض صباح يوم 5 يونيو 1967، واحتل الجيش الإسرائيلى سيناء بالكامل.

وفى عام 1973 جاءتنى رسالة من رجاء الشاعر، يشرح لى كيف وقعت الثغرة فى حرب أكتوبر 1973، وخسائر الجيش المصرى، كانت الصحف تنشر الأكاذيب ولا أحد يعرف الحقيقة. كتب رجاء الشاعر يقول، لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا مشابها لما حدث فى حرب 1967، أقنعت أنور السادات أنه يمكن أن يحرك القضية السياسية بمعركة عسكرية محدودة، لكن الجيش المصرى بعد أن أسقط خط بارليف أراد أن ينطلق إلى المضايق ومنها إلى تل أبيب، هنا أصدر السادات أمره بإيقاف إطلاق النار، انتهز الجيش الإسرائيلى هذه الفرصة وطوق الجنود المصريين، هكذا وقعت الثغرة.

أعقب هذه الهزيمة استدراج السادات لتوقيع المعاهدة مع إسرائيل فى كامب ديفيد عام 1976، أكبر مسمار فى نعش الوحدة العربية. وجاءت حرب الخليج عام 1991 لتمسح من الخريطة أسم العالم العربى، وتضع بدلا منه اسم الشرق الأوسط تحت سيطرة إسرائيل.

منذ تزوجت شريف عام 1964 لم تكف الحكومة عن مطاردتنا. حصل شريف على عمل فى الهند وغادر مصر عام 1973. عاش وحده فى المنفى أربعة أعوام. أغرق نفسه فى العمل والكتابة وأحب الهنود. بقيت فى مصر لأرعى الابنة والابن، يرتبطان بحياتهما فى المدرسة، الزملاء والزميلات والأهل والأصدقاء والصديقات، لم يكن لنا أن نخلعهما من جذورهما فى هذه السن المبكرة ليعيشا الغربة.

ثم انتقل شريف إلى أديس أبابا فى الحبشة. عاش ثلاثة أعوام أخرى فى المنفى. لم يعد إلى مصر إلا عام 1980، قبل أن يكسر رجال البوليس باب بيتنا ويأخذونى إلى السجن يوم 6 سبتمبر 1981.

بعد خروجى من السجن بدأت النساء والشابات يترددن على بيتى فى الجيزة. ظهرت فى الأفق فكرة إنشاء جمعية تضامن المرأة العربية. تكونت النواة الأولى، مائة وعشرين امرأة من ثمانية بلاد عربية منها مصر. أصبح شعارنا: رفع الحجاب عن العقل، المعرفة قوة، والتضامن بين النساء قوة.

فى عام 1982 بدأنا نؤسس الفرع المصرى تحت اسم الجمعية الأم. وقفت الحكومة المصرية ضدنا ثلاثة أعوام، وصلنى خطاب فى 19 أغسطس 1983 بشعار الدولة النسر، يقول الآتى بالحرف الواحد:

"تقرر رفض تسجيل جمعية تضامن المرأة العربية لعدم موافقة مباحث أمن الدولة، بعد الإطلاع على رد مديرية أمن القاهرة، إدارة البحث الجنائى قسم مكافحة جرائم الآداب العامة."

أرسلت صورة من هذا الخطاب إلى جميع الصحف فى مصر أردت أن أكشف كيف تتعامل الحكومة مع المواطنات من الشعب، كيف تنتهك الحكومة القانون والدستور تحت اسم مكافحة جرائم الآداب العامة. بدأت حملة صحفية ضد وزارة الشئون الاجتماعية، قادها كبار الصحفيين من اليمين واليسار ومن الحكومة أيضا، جريدة الأخبار من أكبر الصحف الحكومية فى مصر، مصطفى أمين من أكبر الصحفيين المصريين، يكتب عمودا يوميا فى جريدة الأخبار تحت عنوان فكرة، يوم 23 أكتوبر 1983 نشر ما يأتى بالحرف الواحد:

فكرة!

منذ عام اجتمع عدد من السيدات بعضهن أساتذة فى الجامعة ومدرسات بها وصحفيات وشاعرات وكاتبات وربات بيوت واتفقن على تأليف جمعية "تضامن المرأة" مهمتها النهوض بالمرأة والدفاع عن حقوقها والارتقاء بها.

وأعترض البعض بأنها حركة عنصرية رجعية تعمل على تكتيل النساء ضد الرجال، وتفصل بين مشاكل المرأة ومشاكل المجتمع. ولكن جمعية تضامن المرأة كانت تفادت هذا الاعترض عندما فتحت عضويتها للرجال، وفعلا اشترك بعض الرجال فى نشاط الجمعية.

ومنذ بداية العام والجمعية فى نشاط مستمر، تجتمع مرة كل أسبوعين، وتقيم ندوات ثقافية وفنية وأدبية وتناقش بعض الكتب التى ترتبط بأهداف الجمعية. ونظمت دراسات عن مشاكل المرأة العاملة ونظرة الصحافة والتليفزيون والإذاعة والسينما إلى المرأة المصرية.

وتقدمت الجمعية إلى وزارة الشئون الاجتماعية لشهرها. وإذا بالجمعية تتلقى خطابا من إدارة مكافحة جرائم الآداب العامة ترفض قيام هذه الجمعية!

ودهشت عضوات الجمعية، ما علاقة بوليس الآداب بجمعية هدفها المساهمة فى رفع المستوى الاجتماعى والثقافى للمرأة فى مختلف المجالات وربط مشاكلها بمشاكل المجتمع. وفتح مجالات جديدة أمام المرأة فى العمل، وتنمية الشخصية الأصلية للمرأة المصرية؟

هل الحديث عن الحرية قلة أدب؟ هلى الكلام عن الديموقراطية عمل فاضح فى الطريق العام؟ هل مطالبة المرأة بمزاولة حقها الانتخابى قلة حياء؟ نفهم أن يكون عمل بوليس الآداب محاربة الفساد؟ ولكن ما علاقة بوليس الآداب بأساتذة الجامعة والمثقفات والمؤلفات والشاعرات؟ أى شىء فى أهداف الجمعية فيه قلة أدب أو قلة حياء؟!

إن رئيسة الجمعية هى الدكتورة نوال السعداوى الكاتبة المعروفة وصاحبة المؤلفات العديدة التى ترجمت إلى عدة لغات، وآخر كتاب لها هو "الإنسان". اثنتا عشرة امرأة فى زنزانة واحدة. وهو مهدى "إلى كل من عرف القهر فى البيت أو فى السجن" وهى رواية عن حياة 12 سيدة قبض عليهن فى 5 سبتمبر سنة 1981 بتهمة أنهن خصوم الحكومة! وبينهن عدد من أبرز أساتذة الجامعة ومدرساتها والصحفيات والكاتبات.

فهل أعتبر بوليس الآداب أن هذا الكلام قلة أدب وقلة حياء ولهذا رفض أن تكون جمعية رئيستها مثل هذه الدكتورة طويلة اللسان؟

وسكرتيرة الجمعية هى الدكتورة منى أبو سنة الاستاذ بكلية التربية بجامعة عين شمس. ومن أعضاء الجمعية الدكتورة لطيفة الزيات والدكتورة ليلى عنان والدكتورة عواطف عبد الرحمن والدكتورة عفاف محفوظ وإنجى رشدى المحررة بالأهرام وعائشة أبو النور الكاتبة بأخبار اليوم والأستاذات عطيات الأبنودى وشهيرة محرز ومنى حلمى والدكتورة سهى عبد القادر !..

يقولون أن الدولة تحيل كل شىء يتعلق بالمرأة إلى بوليس الآداب.

وإذا كان هذا صحيحا، فهذا أمر لا يمكن السكوت عليه فى الوقت الذى أصبح فى مصر وزيرات وسفيرات ووكيلات وزارات وعضوات مجلس الشعب!

صدق .. أو لا تصدق!

مصطفى أمين

وفى جريدة الشعب الناطقة فى ذلك الوقت بلسان حزب العمل الاشتراكى، كتب فتحى رضوان من أكبر رجال السياسة فى مصر يقول فى 22 نوفمبر 1983 تحت عنوان:

دولتنا بوليسية

تفضلت الأديبة الكاتبة الدكتورة نوال السعداوى. فأطلعتنى على خطاب أرسل إليها من السيد المدير العام للمكتب الفنى بالإدارة الإجتماعية بالوايلى بمنطقة القاهرة، مؤرخ فى 9/8/1982 يتضمن قرارا صادرا من سيادته يقضى برفض عدم اشهار جمعية "تضامن المرأة"، وقد ذكر الخطاب المشار إليه كجزء من قرار الرفض ومسبب له ما نصه: عدم موافقة مباحث أمن الدولة.

والحق أننى تولانى عجب لا نهاية له من أن إدارة من إدارات الحكومة، لا تجد حرجا فى أن تعلن ببساطة أنها تعمل لحساب مباحث الدولة، وأنها تتلقى صراحة أوامر وتوجيهات من هذه المباحث فتعمل بها وتطيعها، وتعلن للناس ذلك أى تعلن للناس أنها لا تجد بأسا فى أن تكون ذيلا لإدارة مباحث أمن الدولة. وهذا شىء خطير من كل ناحية فمباحث أمن الدولة هى جهاز من أجهزته العديدة المكونة لجهاز أكبر كثيرا وأضخم، وهو جهاز الدولة الشامل العظيم، ومن ثم فإن هذا الجهاز الجزئى، مهما بلغ من خوف الناس منه وخشيتهم من قدرته على إيذائهم ولا سيما فى ظل قوانين الطوارئ، إلا أنه ليس سيد الحكومة، ولا صاحب الأمر والنهى فيها.

فإذا كانت وزارة الشئون الاجتماعية قد قبلت أن تخضع فى المسائل الخاصة بتأليف جمعيات لتوجيهات إدارة مباحث أمن الدولة وأن تتلقى الأوامر منها فتطيع وتنفذ الأمر، وكأن هذه الوزارة عسكرى من عساكر الشرطة، يوجه فيتجه ويؤمر فيذعن، فقد كان ممكنا أن يتم هذا الأسلوب من الخضوع والطاعة، فى تستر. فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: (إذا بُليتم فاستتروا)، والستر الذى نريد أن نسدله على الوزارة، يقتضيها أن تتلقى خطابات إدارة مباحث الأمن، فتنفذ ما جاء فيها وتتحمل مسئولية القرار الذى أصدرته إدارة المباحث دون أن تعلن أنها تلقت هذا الأمر، تلقت الخطاب الصادر من الوزارة إلى الجمهور المتعامل بوضع هذا الاعتراف المؤذى، فى صدر هذا الخطاب فيعرف الناس جميعا أن حكومتنا هى حكومة بوليسية وأن صاحب السلطة الحقيقية فى تصريف البلاد هو مخبر المباحث الذى يكتب التقرير لإدارة المباحث التابع لها مقترحا عدم الصريح بتأليف تكوين الجمعية التى يطلب تشكيلها عدد من أفاضل أساتذة الجامعة أو عدد من افاضل السيدات والكاتبات وصاحبات الرأى ممن لهن عدد ضخم من التلاميذ والمريدين بدعوى أن هذه الجمعية جمعية شيوعية.

والحكومة البوليسية هى حكومة مكروهة من العالم كله، وبعض الحكومات البوليسية تخفى "بوليسيتها" تحت ستار من المدنية والسرية ولا تفعل ما تفعله وزارة الشئون الاجتماعية علنا وبلا خجل.

فقد سبق أن أخبرنى وكيل تعليم من كليات الجامعة أنه فكر وعدد من زملائه الأساتذة فى تأليف جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان فى إحدى عواصم الصعيد، فجاءهم خطاب مماثل تماما للخطاب الذى وصل السيدات اللواتى فكرن فى تكوين جمعية تضامن المرأة.

والمؤسف حقا أن هذا التصرف الذى يصدر من وزارة ترأسها أستاذة للقانون هى الدكتورة أمال عثمان وهى بحكم ثقافتها، ومهنتها، وعلمها تعرف الحكومة البوليسية، ?تعرف ما يقوله وقاله علماء القانون فى استهجانها، والدعوة إلى وضع حد لخصائصها فى كل بلد.

والطريف الذى يحول الأمر - فى موضوع دس المباحث أنفها فى نشاط الوزارات والمصالح الحكومية إلى مهزلة مبكية ومأساة مضحكة - أن طلب وزارة الشئون الاجتماعية يقول: إن اقتراح منع التصريح بتكوين جمعية تضامن، صدر من إدارة البحث الجنائى لمكافحة جرائم الآداب العامة .. ومعنى ذلك بعبارة واضحة ان تصنيف النشاط الاجتماعى فى وزارة الشئون الاجتماعية اضاف تأليف الجمعيات إلى إدارة تكافح الانحطاط الخلقى، وترويج الفاحشة والعمل على ممارستها، وهو شىء آخر يرينا العقلية التى يحكم بها على نشاط أصحاب الرأى والراغبين فى الخدمة.

فبماذا ننصح السيدات اللواتى أردن أن يدافعن عن حقوق المرأة التى هى فرع أو ربما أصل لحقوق الإنسانية؟! أننصحهن بالكف عن هذه المحاولة الشريفة السامية، وأن يدعن مجتمعنا بلا محاولة لرفع مستواه.

أم ننصحهن، بإنشاء جمعيتهن دون مراعاة قواعد القانون التى تحتم على من تسول له نفسه تكوين جمعية أن يعرض أمره على إدارة تكافح عيوب الآداب وآفاتها.

إنه مصاب يبكى ويضحك، ولكن لا نجد له حلا، إلا أن تدعوا له أن يأخذ بيد هذا البلد، وأن نقول للسيدة أمال عثمان وزيرة الشئون الاجتماعية أنها لا تخدم السيد اللواء حسن أبو باشا الوزير المشرف على إدارة مكافحة جرائم الآداب العامة، ولا تتلقى منه الأوامر، بل إنها لا تخدم السيد رئيس الجمهورية، إنما هى تخدم القانون الذى تعلمته واصبحت استاذة فيه وبفضل هذه الاستاذية اختيرت للوزارة وانها بسبب تبعيتها للقانون وانتسابها إلى اسرته يجب أن تراجع قواعد واساليب العمل فى وزارتها لتمنع صدور خطاب بهذه الصورة المؤذية الجارحة التى نقلنا صيغتها بالحرف الواحد، ولنمنع من باب أولى، صدور قررا مؤسف محزن كالقرار المانع من تكوين جمعية تضامن المرأة.

فتحى رضوان

وفى جريدة الجمهورية، وهى من أكبر الصحف الحكومية فى مصر، كتب صلاح حافظ فى 8 ديسمبر 1983 مقالا شديد اللهجة ضد منطق أمال عثمان وزيرة الشئون الاجتماعية، واعتبر خطابها الرسمى إلينا فضيحة للحكومة المصرية، وأنه لا يزال على مكتبه يلوثه.

وكتب صلاح حافظ يقول بالحرف الواحد:

نعم تلوثه.

فلا شىء ينقض الوضوء فى اعتقادى قدر ما تنقضه ورقة تقول لنساء يعلمن أولادنا فى الجامعة: أحلنا أمركن إلى بوليس الآداب!

ولا شىء يهين مصر، ويلوثها، ويمتهن ثقافتها وحضارتها، ويشهر بها فى العالم كله .. مثل ما يفعله قرار مختوم بختم الدولة يعترف بأن الجهة المختصة بالتعامل مع الاساتذة والمديرات والكاتبات فى مصر هى بوليس الآداب! صحيح أن فى مصر عقولا ومنظمات تعتبر مجرد تعليم المرأة فسقا ودعارة، ?مجرد وجودها فى حقل العمل العام ضلالة وانحلالا. لكن الدولة لا تكف فى دعايتها عن اتهام هؤلاء الناس بالجهل والضلال. فما بالها تتبنى نفس أفكارهم، وتجعل التعامل مع المثقفات والرائدات من اختصاص البوليس المتخصص فى مقاومة الفسق والدعارة؟!

هل تسللت هذه العقول، وتلك المنظمات، إلى داخل جهاز الدولة؟ وهل سيطرت إلى الحد الذى جعل الثقافة والدعارة فى بلادنا وجهين لعملة واحدة، حسابها ورصيدها عند بوليس الآداب؟

كنت اتصور حتى الان أن الرأى فى شئون الجمعيات الثقافية للجهات الثقافية فى الدولة.

لقد تخلفنا كثيرا فيما يبدو، ودون أن نشعر.

ومن ينقذنا من هذا التخلف إلا أن ننسى بعض الوقت الذين يشهرون بنا فى الخارج. ونتلفت بعض الوقت إلى الذين يشهرون بنا فى الداخل.

الذين يلطخون وجه مصر على راحتهم. ويزينون اللطخ بالتوقيعات وختم النسر، ويقدمون للدنيا كلها وثائق تثبت أننا قوم نكره الثقافة كراهية الدعارة، ولا نميز بينهما.

ومتى؟

على مشارف القرن الواحد والعشرين. وبعد سبعة آلاف سنة من حضارة نفاخر بها العالم الذى نزعم أننا نحن الذين علمناه وربيناه!

تخلصوا من هؤلاء يا سادة.

وثقوا أن مصر بعدهم ستستعيد رياداتها، وقيادتها، ودورها الحصين فى العالم، وأنها ستقهر كل الصعاب التى تواجهها.

فالمشكلة ليست عجز مصر وإنما إجهاض حماس شعبها، وقدرته الخلاقة، وفرض التخلف عليها فرضا بأمثال هذه النظم التى لا تطالب راقصات الهرم إلا بدفع الضرائب بينما تحيل الكاتبات وأساتذة الجامعات إلى بوليس الآداب!



* * * *



امتدت الحملة الصحفية ضد آمال عثمان وزيرة الشئون الاجتماعية وضد الحكومة المصرية منذ ديسمبر 1983 حتى نهاية عام 1984، هكذا اضطرت آمال عثمان أن تعترف بشرعية جمعية تضامن المرأة العربية، وجاءنا الخطاب الرسمى من وزارة الشئون الاجتماعية فى 7 يناير 1985 يقرر الموافقة على تسجيل الجمعية.

بعد خمسة شهور فقط التقيت بآمال عثمان وجها لوجه فى مؤتمر المرأة العالمى، الذى عقد فى مدينة نيروبى عاصمة كينيا فى يونيو 1985، رمقتنى بنظرة حمراء، أدركت أنها تكن لى كراهية مكبوتة، وأنها لن تتوانى عن توجيه ضربة إلىَّ عاجلا أو آجلا، فى الظهر أو فى البطن، كانت تسرع الخطى لتلحق بموكب السيدة حرم الرئيس، وفى المساء أقامت آمال عثمان حفل عشاء كبير للسيدة حرم الرئيس دعت إليه جميع النساء المصريات المشاركات فى المؤتمر، جاءتنى الدعوة ولم أذهب إلى الحفل، ليس بسبب آمال عثمان فقط، لكن هذه الحفلات لم تكن تروقنى، لم أحضر فى حياتى كلها حفلا من هذا النوع، فى المؤتمر العالمى للمرأة فى كوبنهاجين عام 1980 أقامت سفيرة مصر، عائشة راتب، حفل عشاء كبير للسيدة حرم الرئيس، دعت إليه جميع النساء المصريات المشاركات فى المؤتمر، لم أذهب إلى الحفل وآثرت أن أقرأ فى سريرى رواية دنمركية جديدة عن مصر القديمة، وفى نيروبى آثرت أن أنام بعد يوم طويل حافل بالعمل واللقاءات مع أعداد كبيرة من نساء العالم.

صديقتى بطة (الدكتورة كاميليا) كانت إحدى المشاركات فى مؤتمر نيروبى، رأيتها فى قاعة كينياتا تهرول فوق كعبها العالى وراء آمال عثمان من أجل اللحاق بموكب السيدة حرم الرئيس، وذهبت بطة إلى حفل العشاء تلك الليلة، وفى الصباح الباكر جاءت إلى غرفتى بالفندق.

- "مش معقول يا نوال اللى بتعمليه ده! ليه ما جيتيش الحفلة؟ كلهم راحوا إلا أنتى؟ مش كفاية اللى عملوه فيكى؟ عاوزاهم يقفلوا الجمعية بتاعتك؟ أنا بصراحة يا نوال باخاف أقول إنك صاحبتى وإلا رفدونى من شغلى! ثم كركرت بطة بضحكتها الطويلة المتقطعة، ضحكت معها ثم قلت: لا يمكن يرفدوكى يا بطة عندك حصانة عائلية برلمانية، أطلقت بطة ضحكة أخرى وقالت، وعندى حصانة دبلوماسية كمان أمال خيبانة زيك يا ست نوال؟

ظلت وزيرة الشئون الاجتماعية على عدائها لجمعية تضامن المرأة العربية، ومع أجهزة الحكومة والأمن، وبعض النساء شجعتهن الوزيرة على تكوين جمعية جديدة للمرأة، لجأت الحكومة إلى مبدأ فرق تسد، امتلأت الساحة المصرية بالجمعيات النسائية، كل أربعة أو خمسة نساء يشكلن جمعية أو مركزا أو رابطة أو شركة مساهمة أو أى شىء، المهم أن تتعدد الفرق وتضرب بعضها البعض، تتنافس ايهما تقترب أكثر من دوائر السلطة والمال والنفوذ.

لم تدخل جمعية تضامن المرأة العربية فى هذا الصراع بين النساء، لكن وزارة الشئون الاجتماعية لم تكف عن مطاردة الجمعية ومعها وزارة الداخلية. أجهزة الأمن والمباحث كانت تتربص، تطارد العضوات فى أماكن العمل والبيوت، تسلط عليهم صحف الجماعات الإسلامية الإرهابية، التابعة للحكومة، بدأنا نقرأ هجوما فى تلك الصحف على أنشطة الجمعية، تحت المانشتات الكبيرة الحمراء والسوداء بدأنا نقرأ عناوين من نوع: جمعية نوال السعداوى الكافرة تنظم مؤتمرات ضد الأخلاق والتراث، جمعية تضامن المرأة العربية مأجورة لهدم الإسلام والآداب العامة.

فى 22 مارس 1990 عقدت جمعية تضامن المرأة العربية اجتماعا كبيرا من أجل الوحدة الوطنية، كانت أحداث القتل الإرهابية تحت اسم الإسلام تغتال الأبرياء فى صعيد مصر، ثم وقعت أحداث أبو قرقاص بالمنيا، وبدأت الفتنة الطائفية تهدد بلادنا. ثم عقدت الجمعية اجتماعا آخر كبيرا ليلة الخميس 29 مارس 1990، زاد عدد المشاركين فى الاجتماع عن المائة، كونوا جميعا الهيئة التأسيسية للجنة المصرية للدفاع عن الوحدة الوطنية. فى الاجتماع الثالث ليلة الخميس 5 إبريل 1990 بلغ أعضاء الهيئة التأسيسية مائة وتسعة وأربعين عضوا وعضوة من مختلف التيارات السياسية أو المدارس الفكرية فى مصر، أجمعوا على ضرورة العمل المتواصل لإخماد الفتنة الطائفية وتوحيد الشعب المصرى نساءا ورجالا.

هنا أدركت الحكومة خطر جمعية تضامن المرأة العربية، هنا بدأت الحرب الضاربة ضد الجمعية وضد عضواتها على رأسهم بطبيعة الحال رئيسة الجمعية نوال السعداوى. بدأت وزارة الشئون الاجتماعية مع وزارة الداخلية إيفاد المراقبين والمفتشين ورجال المباحث إلى أى اجتماع تعقده الجمعية. اشتدت الحملة فى صحف الحكومة والصحف الإسلامية ضد الجمعية الكافرة ورئيستها الزنديقة التى لا تحترم القيم أو الآداب العامة.

ثم قامت حرب الخليج فى يناير 1991، حرب أخرى جديدة فى سلسلة الحروب المتعاقبة منذ نشوء دولة إسرائيل عام 1948، محاولة كبرى من جانب الثالوث القديم، أو الحلفاء الأربعة ضد العالم العربى، الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وزاد عددهم إلى ثلاثين جيشا مسلحين بالقنابل الليزر، ضربوا بغداد ليلة 16 يناير 1991، احترقت بغداد، مات نصف مليون من النساء والأطفال والشباب، وحتى اليوم ونحن فى يونيو عام 2000 لا يزال الشعب العراقى تحت الحصار، يموت فيه كل يوم آلاف الأطفال دون دواء ودون طعام.

إنها حرب النفط الثانية بعد حرب 1973، إنه الاستعمار القديم يرتدى حذاءا جديدا يسميه النظام العالمى الجديد، ويدوس به على أرواح الشعوب من أجل البترول وتنشيط تجارة الاسلحة، وفتح أسواق جديدة فى بلاد ما يسمى العالم الثالث.

النساء والفقراء هم العملة الرخيصة فى الحروب والأزمات. أول من يدفع وآخر من يأخذ. سنة القانون الطبقى الأبوى الذى يحكم عالمنا الحديث وما بعد الحديث.

أرادت الولايات المتحدة أن تستخدم فى حرب الخليج بعض الجيوش العربية كنوع من الغطاء، كنوع من التمويه يحدث دائما فى كل الحروب. هكذا دخل الجيش المصرى والجيش السورى الحرب ضد العراق تحت لواء الجيش الأمريكى وجيوش الحلفاء الثلاثين.

- الحلفاء؟!

فى طفولتى سمعت أبى ينطق كلمة الحلفاء بطرف لسانه. يلفظها كأنها هى بصقة. الحلفاء يا ابنتى هم الاعداء, يتخفى العدو تحت اسم الصديق، ماذا نفعل يا ابنتى ؟! ضحكنا حين سمعنا الإذاعات تقول بصوت السادات عام 1976 صديقى كارتر. ثم ضحكنا حين رددت الإذاعات هذه العبارات عام 1991 مع تغير الاسماء.

وتجمعت النساء العربيات من خمسة عشر دولة عربية فى مؤتمر جمعية تضامن المرأة العربية خلال الفترة من 4-7 سبتمبر 1990، أصدرت النساء المجتمعات بيانا ضد غزو العراق للكويت، وضد قيام حرب الخليج العسكرية، وتم تشكيل لجنة من النساء للعمل على منع الحرب وحل الأزمة بالطرق السلمية.

هنا انتهزت وزارة الشئون الاجتماعية الفرصة لتوجيه ضربتها إلى الجمعية، وصدر قرار آمال عثمان وزيرة الشئون الاجتماعية بإغلاق جمعية تضامن المرأة العربية، ومصادرة أموالها وتحويلها إلى جمعية أخرى اسمها نساء الإسلام. صدر هذا القرار غير القانونى فى 15 يونيو 1991، بدأت حملة فى الصحف الحكومية والإسلامية التابعة لها لتشويه سمعة الجمعية المأجورة الخائنة للوطن، وسمعة رئيستها نوال السعداوى المعادية للإسلام والآداب العامة ومصالح الوطن الكبرى.

لم يصدق أحد هذه الحملة، وبدأت بعض الاقلام تعارض قرار وزيرة الشئون، الذى أصدره نيابة عنها نائب محافظ القاهرة.

فى 21 يوليو 1991 بجريدة الأخبار كتب مصطفى أمين فى عموده اليومى بعنوان "فكرة" ما يلى:

فكرة

فى يوم 15 يونيو 1991 أصدر نائب محافظ القاهرة لمنطقة غرب القاهرة قراراً بحل جمعية لتضامن المرأة العربية.

ونحن نشجع قيام الجمعيات فى بلادنا، وندهش لأن نائب المحافظ يغلق جمعية لتضامن المرأة العربية وينقل أموالها إلى جمعية أخرى بغير أن يذكر سبب هذا الإغلاق.

والذى نعرفه أن هذه الجمعية قامت منذ سنوات طويلة .. منذ إنشائها وهى تلقى المعاكسات، بالرغم من أن الدكتور محمود شريف وزير الحكم المحلى ألقى محاضرة فى هذه الجمعية وفى الوقت نفسه صدر قرار يحظر على الجمعيات بدائرة غرب القاهرة أن تجادل فى الأمور سياسية) ولا نعرف مثل هذا القرار فى أى بلد ديموقراطى وقد عشنا طوال عمرنا نرى نقابة المحامين ونقابة الأطباء وغيرهما من الجمعيات والنقابات تشتغل بالسياسة، وفى ثورة 1919 كانت جمعية المرأة الجديدة تصدر قرارات تهاجم الاحتلال ولم يحلها الإنجليز.

إننا ندهش أن تحل جمعية بغير تحقيق، وبغير أن يوجه إليها ?نبيه إذا أخطأت.

نفهم أن تحل جمعية بسبب الآداب العامة، أو لأنها تدعو إلى قلب نظام الحكم بالقوة، ولكن لا نفهم أن تحل جمعية لأن رئيستها أو أحد أعضائها يعارض الحكومة، وخاصة أن رئيسة هذه الجمعية الدكتورة نوال السعداوى كانت تلقى الخطب والمحاضرات علنا تعارض فيها سياسة الحكومة، وكانت الصحف العالمية تعتبر هذه المعارضة دليلا على أن فى مصر ديموقراطية تسمح بحرية الرأى.

هذا القرار أزعج كثيرا من الجمعيات، فإذا اعترضت جمعية ما على حالة التموين فى البلاد فهذا تدخل فى السياسة! وإذا طالبت جمعية بالإكثار من زراعة البرسيم فهذا تدخل فى السياسة! وإذا طالبت جمعية بمنع استيراد الحمير إلى مصر فهذه سياسة! بل صميم السياسة، كل شىء فى البلد سياسة، ولهذا فمن واجب كل الجمعيات فى مصر أن تسأل ما هى حدود السياسة المسموح بها.

إن الذين أصدروا هذا القرار لم يعلموا حتى الان أن مصر ديموقراطية.

مصطفى أمين

وفى 31 يوليو 1991 كتب فيليب جلاب رئيس تحرير جريدة الأهالى يقول تحت عنوان:

وزارة الشئون

و"الحلفاء" الراشدون

لا يستطيع أحد مهما بلغت جرأته على الحق أن يقنعنا بأن فى مصر حكومة واحدة.

لدينا حكومة تتحدث عن الانفتاح والتعددية والشرعية ولدينا حكومة أو حكومات أخرى تعتقد أن أعظم مظاهر الديموقراطية والتعددية والشرعية. هى تطبيق القانون العثمانلى أو على أحسن الفروض مبادئ الحكم المملوكى.

ولا يستطيع أحد أن يشكل جمعية لممارسة أى نشاط اجتماعى (دعك من النشاط السياسى) إلا بعد إجراءات وتحريات تستدعى تدخل الأمم المتحدة وربما قوات "الحلفاء" الراشدين لدى صاحبة العظمة وزارة الشئون الاجتماعية.

ويبدو أن الوزارة وافقت فى ظروف دولية غير مواتية على تسجيل جمعية تضامن المرأة (المصرية) كما سجلت إدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية المصرية جمعية أخرى دولية بنفس الاسم ذات وضع استشارى فى المجلس الاقتصادى الاجتماعى بالأمم المتحدة.

وما أن بدأت تباشير النظام العالمى الجديد حتى رأت وزارة الشئون الاجتماعية والسيد نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية أن الفرصة أصبحت مواتية لتأديب رئيسة الجمعية المصرية الدكتورة نوال السعداوى والخلط بين الجمعيتين ومصادرة ممتلكاتهما وتسليمهما إلى "محتسب" موظف فى وزارة الشئون يرأس هو نفسه جمعية نسائية مع الاحتفاظ له شخصيا بعشرة فى المائة من هذه الممتلكات جزاء المشقة التى سيعانيها فى عملية الاستيلاء على أموال الغير.

ونشر نائب المحافظ بيانا يعتمد فيه على بلاغ لسيدة تزعم فيه أن الجمعية المصرية تحتفظ فى بنك مصرى بأموال أخرى لم تبلغ عنها. وهى فى الحقيقة أموال الجمعية الدولية وزعم المسئول أنه راجع وزارة الخارجية فأبلغته أنها لا تعرف شيئا عن الجمعية الدولية مع أن لها ملفا منذ تسجيلها فى الأمم المتحدة. والمدهش هو أن رجالا مسئولين يعتقدون أن من يريد إخفاء أموال عن مراقبة وزارة الشئون الاجتماعية يقوم بإيداعها فى بنك مصرى باسم الجمعية فى عاصمة مصر، مع أن تهريب مثل هذه الأموال يمكن أن يتم بغاية اليسر إلى بنوك فى الخارج لو كان الهدف هو خداع وزارة الشئون والسيد المحافظ كما حدث لما يزيد على 100 مليار دولار فى الخارج، والأكثر إثارة للدهشة هو أن السيد نائب المحافظ استفسر عن حقيقة الجمعية فى وزارة الخارجية فعرف منها أنه ليست هناك جمعية بهذا الاسم رغم الوثائق الرسمية التى تقدمها الدكتورة نوال السعداوى.

ولما كان من المستحيل أن تجهل إدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية المصرية اسم جمعية دولية ذات ملف رسمى لديها، فقد يكون سؤال محافظ القاهرة عن طريق الخطابات الرسمية المعروفة قد وجه إلى وزارة أخرى أو ربما لوزارة الخارجية فى عاصمة أخرى .. أو ربما لم يستدل مندوب المحافظة على عنوان وزارة الخارجية كما حدث منذ أسبوعين عندما سجل أحد "المحضرين" على إنذار موجه لوزارة الصناعة لتنفيذ حكم لصالح عمال المحلة، بأنه لم يستدل على عنوان وزارة الصناعة بالقاهرة.

وهكذا استطاعت وزارة الشئون مع السيد نائب المحافظ أن يعيدا إلى ذاكرة المصريين والقاهرة بعض تقاليد مصر الزاهرة فى عصور العثمانيين والمماليك حتى لا يتوهم أحد أن مبادئنا السياسية والاجتماعية تنبع من خارج بلادنا فى قضية إنشاء الجمعيات بالذات.

وهذا عمل من جلائل الأعمال يمكن أن يبعد الناس ولو لأيام معدودة عن مناقشة أمور كئيبة مثل الارتفاع الصاروخى للأسعار وضريبة الرأس (أو المبيعات) وما يتعرض له العرب من الخليج إلى المحيط دون استثناء من إذلال وإهانة لم يسبق لهما مثيل.

وفى جريدة الأخبار يوم 17 أغسطس 1991 كتب صلاح حافظ تحت عنوان:

وزارة "الجماعات"

عندى "للإسلاميين" فى مصر خبر سعيد:

وزارة الشئون الاجتماعية قررت أن ينوب عنهم، وتنفذ برنامجهم، دون ما حاجة إلى استيلائهم على الحكم!

وقد اختارت الوزارة أن تبشر الأمة المصرية بهذا الفتح العظيم منذ حوالى أسبوعين، وبدأت بقرار لن يصدقه القارئ، وإن كنت أقسم بالله العظيم ثلاثا أنه صدر.

موضوع القرار جمعية اسمها "تضامن المرأة المصرية".

وهى جمعية ترأسها الطبيبة الكاتبة الأديبة نوال السعداوى، ولا أحد يجهل من هى نوال السعداوى. وهذه الجمعية تعمل فى مصر منذ سنوات ولها مقر، ولها صفة اعتبارية، بناء على قرار صادر من وزارة الشئون الاجتماعية.

لكن شيئا ما حدث فجأة فى الوزارة.

شخص ما فى الوزارة لم تعد تروق له هذه الجمعية، وقد يكون السبب أنه يكره النساء المتمردات، أو أن زوجته التحقت بالجمعية وعادت تناقشه بلهجة لم يألفها، أو أنه مسئول عن مراجعة حسابات آلاف من الجمعيات .. ويريد أن يختصر العدد، أو أن السيد البدوى زاره فى المنام وأركبه حصانا أبيض، وقال له "قم وأشطب هذه الجمعية".

المهم على أية حال، هو أنه فعل.

وفى الصباح التالى صدر قرار من الدكتورة أمال عثمان الممثلة للمرأة فى مجلس الوزراء، بإلغاء جمعية "تضامن المرأة المصرية".

ولم يكن فى القرار أسباب، لأن القوانين فى مصر لا تلزم صاحب أى قرار بأن يشرح أسبابه.

لكن هذا لا يهم.

إنما المهم أن القرار فرض على الجمعية أن تسلم بيتها، وأدواتها وأموالها، لجمعية أخرى فى ضاحية المعادى ,,, أسمها "جمعية نساء الإسلام"!

وهذا هو ما يستحق أن نتوقف عنده.

فجمعية "نساء الإسلام" هذه بحكم اسمها جمعية للمسلمات فقط .. والجمعية التى تقرر حلها لكل المصريات، فكيف تسلم جمعية قومية ممتلكاتها وفلوس عضواتها لجمعية لا تقبل فى عضويتها غير فريق المسلمات!

وإذا كانت جمعية نوال السعداوى ضارة، وغير مرغوب فيها ونخشى إذا تركناها أن تلوث البيئة، أو تثير حربا عالمية ثالثة. فلم لا تحل وتؤول أموالها إلى أعضائها, وما معنى اغتصاب ممتلكاتها كما فعل صدام حسين بالكويت؟

إن شيئا كهذا لا يمكن أن يحدث فى بلد متحضر.

وأمام القضاء المصرى الآن دعوى رفعتها هذه الجمعية وستكسبها. لأن القضاء المصرى لا يزال متحضرا والحمد لله.

لكن ما يهمنا هو السؤال الخطير: من الذى قرر حين رأت الوزارة حل الجمعية أن تلتهم فلوسها جمعية دينية؟

قيل لى عندما سألت: إن المسألة أبسط كثيرا مما توهمت، وأن الرجل المكلف بتصفية جمعية نوال السعداوى كان بالصدفة الرجل الذى أسس جمعية نساء الإسلام فاختار على سبيل الكسل أن يضم الجمعية المحلولة إلى الجمعية التى أسسها.

وفى اعتقادى أن هذا عذر أقبح من الذنب.

فمعناه أن مصائر الجمعيات فى بلادنا أصبحت رهنا بمدى راحة بعض الصغار ,, من كبار الموظفين فى أجهزة الدول، وأن حكوماتنا لم تدرك بعد برغم آلاف الدروس اهمية الجمعيات الأهلية فى بناء المجتمع والنظام، وأنها بإهدار كرامة العمل الاجتماعى الأهلى تنهى إلى الابد إمكان التوحد ما بين الناس ونظام الحكم، وتلغى المبادرة الشعبية، والإرادة الجماهيرية، وكل ابتكار يمكن أن يساند اجهزة البيروقراطية البلهاء المتعفنة.

ثم يبقى بعد ذلك السؤال..

من الذى أصبح يحكم هذه الأجهزة البلهاء .. إلى أى مدى أصبحت تديرها "الجماعات"

وهو سؤال: أشفق على الدكتورة أمال عثمان من مواجهته لكننى أدعوها أن تفعل.

فهى بالنسبة لى نموذج لنجاح المرأة فى المناصب الكبرى ونجاحها ينصف موقفى من المرأة عموما. وسيؤلمنى كثيرا أن تقفل عينيها عن مثل هذه الفضيحة فى وزارتها وأن يخرج علينا غدا من يعيرنا قائلا: هذه وزيرتكم ضحكوا عليها. ولا يفلح قوم ولوا أمورهم امرأة!

مع خالص حبى، وتأييدى واحترامى للدكتورة أمال عثمان!

صلاح حافظ

لم تسفر هذه الحملة الصحفية عن شىء، كما أن القضية العاجلة التى رفعناها بالمحكمة الإدارية لم تسفر عن شىء. لقد قررت الحكومة المصرية إغلاق جمعية تضامن المرأة العربية، وكانت وزيرة الشئون الاجتماعية أمال عثمان تنتظر هذه الفرصة منذ أصدرت قرارها بتسجيل الجمعية عام .

لم تدخل صديقتى سامية جمعية تضامن المرأة منذ إنشائها. لم تكن تؤمن بتضامن النساء داخل تنظيم خاص بهم. فقط تؤمن بالحزب السياسى ومشاكل العمال والفلاحين، ثم تغيرت سامية وأصبحت ترأس جمعية نسائية وتتحدث عن النظام الأبوى والختان والعنف ضد النساء حتى حصولها على وسام الختان ثم سرعان مانقلبت على نفسها حين تغيرت موازين الحكومة وبدأت تعلن أنها لم تتكلم عن الختان أو ذلك الشىء الهامشى فى حياة النساء وهو الجنس، إنها فقط معنية بمشكلات الفقر ومحو الأمية بين النساء.

أصبحت هذه هى النغمة الجديدة السائدة فى مصر خلال هذا العام 2000، أصبحت زعيمات الجمعيات النسائية يهرولن إلى مؤتمرات المرأة، ينطقن كلمة "الفقر" بالطريقة ذاتها التى تنطقها الحكومة، وفى المساء يحضرن حفل العشاء الفاخر على ضفاف النيل، تلتهم الواحدة منهم فخذة خروف مشوية، مع رشفات من الكأس البللورى، وترن كلمة "الفقر" فى الجو عارية كالعورة.

وفى اغسطس 1997 بعد عودتى من المنفى، كنت أسير فى شارع قصر العينى حين التقيت وجها لوجه بصديقتى سامية، كانت واقفة عند ناصية الشارع، حيث كانت تعمل فى الصيدلية القديمة هى وزوجها رفاعة، اختفت الصيدلية وانتصب مكانها مبنى كبير تعلوه يافطة لامعة: الشركة التجارية العالمية، مكتب الاستيراد والتصدير، وأدركت أن سامية أصبحت تملك شركة خاصة مع زوجها، أصبح الاثنان من كبار رجال الأعمال فى مصر، يتاجران فى العقاقير والكيماويات وحبوب منع الحمل، وحبوب إعادة الشباب وتنشيط القوى الجنسية لدى الرجال، منها حبوب الفياجرا وحبوب جديدة لم تنزل السوق بعد.

- خلاص يا سامية بقينا نعيش فى دولة رجال الاعمال؟

- ونساء الاعمال يا نوال، يعنى نسيب الرجالة ياخدوا كل حاجة؟ لازم يكون فيه مساواة! واحنا فى عصر العولمة، العالم كله مع العولمة الا انتى يا عزيزتى!

ضحكت سامية ضحكة قصيرة ساخرة، ثم مطت شفتيها الرفيعتين، وقالت، انا شركتى صغيرة بالنسبة لشركة صاحبتك بطة، عارفة رأسمالها كام؟ وكمان جوزى رفاعة مشاركنى فيها، لكن بطة عاملة شركة لوحدها وجوزها حمدى عنده شركة لوحده.

- وبطة بتاجر فى ايه يا سامية، حبوب الفياجرا برضه؟

- الفياجرا سوقها واقف يا نوال، رجل عجوز عنده تسعين سنة بلع الحبوب ومات بالسكتة القلبية، اسمه معروف كتبت عنه الصحف ومن ويومها حصل هبوط كبير فى المبيعات.

- بطة اخبارها ايه؟ بتشوفيها يا سامية؟

- طبعا، بنتقابل دائما فى مؤتمرات رجال ونساء الاعمال مع الوزراء والمسئولين، لكن بطة من نساء الأعمال الشاطرين أوى يا نوال.

- بتاجر فى ايه يا سامية؟

- عاملة مصنع كبير لملابس المحجبات، شوبينج سنتر كبير فى الدقى للزى الاسلامى والجلاليب الفلاحى والقلل الفخار والتحف والآثار القديمة، وعندها مجلة مهمة اوى بتدافع فيها عن تراثنا القديم والهوية الاصلية، والخصوصية الثقافية و…

واطلقت سامية ضحكة قصيرة جافة ثم مطت شفتيها الرفيعتين فى امتعاض: التجارة بالدين لها سوق كبير اوى اكبر من سوق الفياجرا يا نوال، على العموم التجارة حلال، والوزراء بقوا من رجال الاعمال، مش احسن من اللى بيسرقوا، وعندهم حصانة برلمانية؟ خدى الجورنال إقرأى عن السيد الوزير والسيدة الوزيرة، وطبعا عندهم حصانة وماحدش قفل الجمعية بتاعتهم، ولا حد عمل تحقيق معاهم، وشوفى حكاية نواب القروض وسرقات أعضاء مجلس الشعب ?اللى هربوا من اصحاب البلايين من غير ما حد يمسكهم فى المطار، رغم ان ما حدش يقدر يخرج من المطار اذا كانوا عاوزين، و.. ثم تمط شفتيها وتسكت.

حتى المجلات والصحف الحكومية اصبحت تنشر عن ظاهرة تهريب الأموال وفساد النظام السياسى فى مصر. فى مجلة روز اليوسف يوم 24 يونيو 2000 قرأت موضوعا كبيرا تحت عنوان "الشائعات صناعة رجال الاعمال"، جاء بالحرف الواحد: انتشرت الشائعات عن الهروب وسوء الموقف إلى حد ينذر بزعزعة سوق المال"، ثم ما نشيت كبير "ديون رجال الاعمال للبنوك 7 مليارات فقط مشكوك فى تحصيلها من اجمالى 240 مليار جنيه".

وفى جريدة الاهالى، احدى الصحف المعارضة، جاء فى الصفحة الاولى يوم 28 يونيو 2000 هذا المنشيت الضخم: القائمة السرية للقروض التى تواجه خطر الضياع، 25 مليار جنيه، ديون 37 رجل اعمال للبنوك، شركات وهمية، وقروض نظير عمولات وشيكات وسماسرة لنهب الاموال، نواب القروض ليسوا وحدهم، والنظام المصرفى بلا ضوابط"

أزمة الاقتصاد فى مصر اصبحت حديث الساعة، ازمة السيولة وازمة الركود، وانتشرت النكت والفكاهات حول القطط السمان والرؤوس الكبيرة والحيتان اصغرها بلقب وزير أو وزيرة أو نائب بمجلس الشعب أو الشورى.



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوال السعداوي في أكثر حواراتها اثارة تقول لـ- ايلاف-:أنا اهم ...
- قضايا المرأة إذ تتجلى في النهاية شأناً سياسياً
- تحرير المرأة ما بين مسلسل قاسم أمين وخطاب كولن باول... حداثة ...
- كاتبة مصرية في نيويورك : عن بوش وبلير والرومانسية والفساد وا ...
- عالم جديد ممكن . علي منصة القضاء في المحكمة الشعبية العالمية ...
- نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير ج2
- نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير
- نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير ج1


المزيد.....




- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...
- هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
- اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر ...
- “الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - تضامن النساء