إلى مواطنة لبنانية تخليدا لذكرى 26 مايو وانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني

عبدالحق فيكري الكوش

الحوار المتمدن-العدد: 3033 - 2010 / 6 / 13 - 16:02
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    

إلى المواطنة دلال غسين

إنها سنة حميدة أحاول سنها، بين جيلنا نحن الأدباء الجدد في العالم العربي، أن نخاطب بعضنا البعض بلغة القلب الجميل، بلغة بسيطة و مفهومة و واضحة وطموحة، لغة تعلو فوق متاريس الأنظمة العربية الغاشمة، أنظمة القهر و البؤس، فوق الواقع بإحباطاته الكثيرة، و معذرة لو حملت رسائلي عبق التاريخ ، تعرفين أني لا أستنشق العالم العربي الا من خلال النفس التاريخي ، و لا ينبض قلبي الا نبضا تاريخيا عربيا وأني أهوى حمل المعول و النبش في هذا التاريخ، و جمع المستحاثات التاريخية التي تذكرني بأجدادي، كيف كانوا يفكرون، و كيف نهضوا، و كيف أفلسوا؟..
و لعلي بهاته الرسالة تؤرخ لكل ما هو سلبي أو ايجابي في حياتنا وما اعترضنا كجيل جديد وواحد من هموم مشتركة.. تؤرخ للماضي و شهر من شهور الهزائم و الكبوات والتاريخ العربي المكلوم وشهر الانتصارات القليلة و نقط الضوء التي تعد على رؤوس الأصابع، هو ذاك شهر يونيو ..
لا معنى للإنترنت دون هذا التواصل الفكري و الأدبي و الثقافي و الحضاري بين الأطراف الحكيمة و التي تمتلك خاصية التمييز و الإدراك ..
وهكذا يصير للانترنت دوره و قيمته كما يقول المهدي المنجرة عالم المستقبليات في مجمل حوار توصله (الصفحة (132 – 133)) " و بدون إستراتيجية و بدون الوعي و ارتفاع المستوى التربوي و الثقافي و العلمي و التكنولوجى لدى الشعوب، يبق الانترنت ألعوبة في يد نخبة تتسلى به، لان العنصر الجديد في الانترنت هو ما يسمى ب « Inter-activty » أي الاتصال التفاعلي".
ثم يردف في استجواب خص به جريدة الخضراء الجديدة ليومه 18 فبراير 199 أن "الانترنت سلاح ومعرفة"...
نحن نعيش أزمة تواصل في العالم العربي، و لا أقصد التواصل الأفقي أي بين الشعوب و الشعوب العربية، و لكني أقصد التواصل العمودي الذي تحول إلى نوع من التسلية بين أطرافه، فكان من نتائجه هذا الركام من المجاملات الذي يفضح هاته الأطراف و يجعلها عارية أمام التاريخ و المسؤولية و الثقافة و الانترنت ...
لكننا نتعلم و نجتهد، و لسنا متشائمين، دخولنا إلى عالم الانترنت، أشبه بعودة كائن من العصر الحجري إلى عالم ناطحات السحاب..
لا يجب أن نعمم و لا يجب أن نتسرع في أحكامنا، فنحن حديثو العهد بلعبة التواصل هاته، و ثمة اجتهادات ملحوظة لصياغة مشروع جماعي و لو على مساحة افتراضية في انتظار أن ينضج واقعيا، و لدينا الكوادر و الأطر التي لا تحتاج إلا لإرادة سياسية من لدن الحكومات لتحويل رزنامة الأفكار هاته إلى حقائق، و مخاض المشاريع مثل أي مخاض طبيعي، مؤلم و يحتاج إلى "أم حاضنة" أو مؤسسة حاضنة و محتضنة و مشتل لرعاية المشروع و تغذيته، و إستراتيجية و سياسة لرعاية و تربية هذا المشروع..
لنبتعد عن لغة الفكر، و لنقترب من لغة الأدب و إن كنت لا أستطيع التخلص من لغة الأرقام و لغة التاريخ و لغة المستقبل...
ديدني في أن أختلف و أبتكر أسلوبا جديدا في التواصل وكسر رتابة لغة الاتصال بيننا.. نحن هذا الجيل العربي الذي يحمل السماء على كتفه، إبداع يكون محمودا و غنيا من حيث المنهج و من حيث الغاية و الهدف، وأملي أن تقرئي هاته الأسطر، قراءة المريد لشيخه، وقراءة التلميذ لفيلسوفه، و قراءة الطفل و الطفلة لأبيهما، و قراءة الوردة و الزهرة للندى وجزيئات الماء...
فعل القراءة الذي أعلن استقالته في ممالكنا وجمهورياتنا، حضرت مكانه أفعال لم تكن يوما عربية الهوى و الميول و العقيدة، أفعال وثنية هي من شقيقات "التخلف" بكل أنواعه.
أقول لك في البداية أن الصحراء لبنانية، و مزارع شبعا مغربية ..... هكذا أنظر للأمور، من زاوية العاقل "عالم عربي واحد لإنسان عربي واحد"، من المحيط إلى الخليج، و حبل الفرقة "قصير"...
أعرف أن هاته النزعات كلفتنا الكثير، و على سبيل المثال، فنزاع الصحراء كان نزاعا بسيطا في جامعة بين الدولة و مجموعة طلبة، تحول إلى صراع تاريخي، بمعايير دولية، تآمر فيه الشقيق قبل العدو علينا و كان من نتيجته ترحيل 350 ألف مواطن مغربي من الجزائر و تجريدهم من ممتلكاتهم و من نتائجه ثلاثون قتيل و جريح و معطوب و حدود مغلقة بين الجزائر و المغرب، و لا تتوفر عندي الأرقام حول فالفاتورة التي قدمها لبنان في صراعه ضد إسرائيل و الحرب الأهلية الطائفية، و الأرقام بلا شك ستكون مرعبة، و هذا هو ثمن التخلف الفكري و الحضاري و الاستراتيجي.. ، ضياع الرجال و الأموال و الأطر و الجهد السماح للقوى الأجنبية للتغلغل في صدورنا مثلما فيروسات داء السل المنهكة..
أرجو أن تقرئي هذا الخطاب بكل الإنسانية المعهودة فيك و بكل الأريحية و النبل التي تتميز بها المرأة اللبنانية و عموم الشعب اللبناني، لأن هناك نشاز و انزلاق نحو لغة الواقع التي تحضر في مثل هذا الشهر من كل عام "شهر يونيو"..
وأنا أخاطب فيك أيضا من خلال هذا الخطاب " الذكرى المهيبة" "الجلاء الصهيوني عن بقعة عزيزة من ترابنا العربي الطاهر الضمير و الروح و القلب و الكبرياء اللبناني" و هي رمز للأنفة و الشموخ اللبناني الذين هما جزء لا يتجزأ من الأنفة و الشموخ العربي..
أخاطب فيك الإنسان اللبناني و الشعب اللبناني، برجاله و نسائه، و أعرف أن لبنان هامة كبيرة في العالم العربي برجاله و نسائه، وهو موطن مجموعة من السلالات التي كان لها فعلها في التاريخ الإنساني...
و قد احترت في البداية، في الاختيار، أي عيد يمكنه أن يكون مناسبة للاحتفال؟ و تحتفل به كل ألوان الطيف اللبنانية، فكانت ذكرى الجلاء عن الجنوب اللبناني ذكرى تستحق الاحتفال، و محطة من التاريخ اللبناني التي تستحق الوقوف عندها... و لا يوجد من الأعياد أروع من عيد المقاومة و النضال، لأنه وحده يشكل سيمفونية رقص على طبلتها الكبرياء العربي و الأنفة العربية.
الكتابة إلى لبنان ليست مزايدة و لا نفاقا، فنصف عائلتي هناك، وهي من الأسر التي رابطت حول بيروت زمن الحروب الصليبية و من أجل الدفاع عن بيت المقدس.، وهذا واجبنا كعائلة نحو الشعب اللبناني وطني الثاني و نحو كل الشعوب العربية التي يربطنا بها التاريخ ...
ولمن لا يعرف لبنان من أهل العرب ، أقول له أن لبنان مشتق من كلمة " ل ب ن " السامية والتي تعني "أبيض" وذلك بسبب لون الثلوج المكللة لجباله. و مشتقة من كلمة "اللبنى" أي شجرة الطيب، أو اللبان أي البخور، وذلك لطيب رائحة أشجاره وغاباته. و لبنان اسم أشوري مؤلف من "لب" و"أنان" وتعني "قلب الله" إذ اشتهرت جباله كموقع للآلهة عند الأقدمين و ان لبنان حضر في ملحمة جلجامش الطقوسية اثنا عشر مرة...
هو بلد الشعراء علي شلق، وديع عقل، فؤاد سليمان، فوزي المعلوف، يوسف غصوب، رياض معلوف، سعيد عقل، إليا أبو ماضي، الأخوان رحباني، إلياس أبو شبكة، والأخطل الصغير، .. و ووطن فيروز و صباح ووديع الصافي و ماجدة الرومي و مارسيل خليفة ...
يقول مطران شاعر القطرين :

لُبْنَانُ فِي أَسْمَى المَعَانِي لَمْ يَزَلْ
لأُولي القَرَائِحِ مَصْدَرَ الإِيحاءِ
جَبَلٌ أَنَافَ عَلَى الْجِبالِ بِمَجْدِهِ
وَأَنَافَ شَاعِرَهُ عَلَى الشُّعَرَاءِ
يَا أَكْرَمَ الإِخْوَانِ قَدْ أَعْجَزْتَنِي
عَنْ أَنْ أُجِيبَ بِمَا يَشَاءُ وَفَائِي
مَهْمَا أَجِدْ قَوْلِي فَلَيْسَ مُكَافِئاً
قَوْلاً سَمَوْتُ بِهِ عَلَى النّظَرَاءِ

و ليس لبنان ذاك الذي تسوقه لنا الآلة الإعلامية العربية، كمنجم طائفي، و ترصده بعض القنوات العربية لعل سوءا يحدث فيه لتنقل حصريا وقائع الفجائع ودوي المدافع و تأتي بالمولولات من المثقفين و المحللين ليرغدوا و يزبدوا ثم ينصرفوا بعد أداء أتعابهم...
رعى الله لبنان "قلب الله" في عيد الجلاء عن الجنوب اللبناني ..
اعذريني، ففي هذا الشهر تجف منابع اللغة، وأتعمد الإضراب فيه عن الكتابة بمفهومها الأدبي، وعن ديباجة الكلمات الرومانتيكية، لكني قررت أن أكتب إليك، لأنك سيدة لبنانية استثنائية جدا، ولو في هذا الشهر التي تلاحق فيه الأحداث وكاد يكون شهر خيبات عربية...
هو شهر "يونيو" الشهر السادس في السنة في التقويم الجريجوري وأحد الأربعة شهور التي تتكون من 30 يوم، يقولون له في بلاد الشام حزيران، وفي المغرب و تونس والجزائر "جوان" ، و لكن قليل من يعرف أنه الشهر الذي سقطت فيه قرطبة سنة 1236 ، و شهر يونيو الذي سيحتل الصليبيون مدينة أنطاكية سنة 1098 ، أثناء الحملة الصليبية الأولى، و شهر يونيو حيث ستهاجم إسرائيل مصر وسوريا والأردن في حرب الأيام الستة. و شهر يونيو حيث ستدخل القوات الإسرائيلية زهرة المدائن " القدس"، ويصرخ وزير الدفاع الإسرائيلي متبجحا: لقد استولينا على أورشليم ونحن في طريقنا إلى بابل ! و شهر يونيو حيث ستصل - طلائع الصليبيين إلى مدينة القدس تمهيداً لإحتلالها بعد أن استطاعت السيطرة على الجزء الأكبر من بلاد الشام و شهر يونيو من عامه 1981 حيث ستقصف المقاتلات الإسرائيلية المفاعل النووي العراقي، و شهر يونيو من سنة 2006 حيث ستطلق قوات الاحتلال الصهيوني رصاصها غدرا على مجموعة من رواد شواطئ غزة ..
لكنه شهر تحررت فيه الكرامة العربي التي بدأت في شهر أيار بتحرير مدينة "بنت جبيل" أقصى جنوب لبنان على الحدود مع فلسطين المحتلة، و التي عانت من الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 22 عاماً وتحررت صباحه الثالث و العشرين أيار من عامه 2000.
عفوا، تلك خزانة الألم التاريخي، و لا داعي لفتحها... شهر يونيو هو أيضا شهر الأعشاب و الأمل و الورود ، وشهر رسائل الحب، و شهر تظهر المناظر الرائعة فيه للعيون، و شهر تعبق فيه روائح الحبق و الياسمين و الأقحوان، و كل الروائع الزكية و البديعة...
لعلي شخصيا مثل الشهر، شهر الهزائم و الانتصارات، كرونولوجيا من التحولات، و لدت في شهر الانقلابات، عندما كانت لغة الرصاص تتكلم في قصر الحسن الثاني، وعندما كانت الدسائس تطبخ في جماجم بعض رجال الجيش المغربي ... وهذا سبب حضور لغة الارقام و لغة الواقع و تسربهما الى خطاباتي، فيذهبان باستيطانهما العمدي في أدغال هاته اللغة بكل اشراقاتها الرومانسية و الأدبية..
معذرة
شهر يونيو 2010– المناسبة : جلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي عن جنوب لبنان

#عبدالحق_فيكري_الكوش (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات