أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد البشيتي - إنَّها أسوأ صيغ الاعتراف بإسرائيل!















المزيد.....

إنَّها أسوأ صيغ الاعتراف بإسرائيل!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3033 - 2010 / 6 / 13 - 13:56
المحور: القضية الفلسطينية
    


ماذا تقول إذا جاءكَ أحدهم طالباً منكَ أن تُنْكِر أنَّ باريس هي عاصمة فرنسا، أو أنْ تعترف بأنَّ لندن هي عاصمة فرنسا؟

أفْتَرِض وأتوقَّع أنَّ عقلك أوِّلاً هو الذي سيمنعكَ ويردعكَ؛ ذلك لأنَّه يأبى إنكار ما هو في منزلة "البديهية"، أو "المُسلَّمة"، فإنَّ باريس، لا لندن، ولا أي مدينة أخرى، هي عاصمة فرنسا، وإنَّ "الجزء هو دائماً أصغر من الكل"، وإنَّ "الحب الأفلاطوني أو العذري لا يُنْجِب أطفالاً".

على أنَّ سلطان العقل، ومهما قوي واستبدَّ بكَ، ليس دائماً بالقوَّة التي لا تُقْهَر، فلو أنَّ الشخص نفسه طلب منكَ الطلب نفسه في مقابل مبلغ من المال (مثلاً) فإنَّكَ، عندئذٍ، قد تتمرَّد على سلطان العقل، وتتجرَّأ، بالتالي، على هذا الإنكار، أو الاعتراف، فإنَّ في التاريخ من الشواهد الكثيرة ما يؤكِّد أنَّ البشر يمكن أن يناصبوا بديهية هندسية ما العداء إذا ما قضت مصالحهم بذلك.

وفي تعصُّبنا، أو في تعصُّب العقل مِنَّا، لكل أمر في منزلة "البديهية"، قد نُتَّهم بأننا مارقون عن مبدأ "نسبية الحقائق"، فإنَّه لَمِن عداد البديهيات الهندسية أن تقول إنَّ الخطَّين المتوازيين لا يلتقيان، وإنَّ مجموع زوايا المثلَّث 180 درجة؛ لكن من الحماقة بمكان، وبحسب ما أكَّه وأثبته آينشتاين في نظرية النسبية العامة، أن تقول إنَّ الخطَّين المتوازيين لا يلتقيان حتى في الفضاء المنحني، وإنَّ مجموع زوايا المثلَّث يظل 180 درجة حتى على سطح الشمس.

إنَّني، وانتصاراً وتعصُّباً للعلم أوَّلاً، وللعقل والمنطق، ولحقائق التاريخ، أو التاريخ الحقيقي، التاريخ الذي لا تُفْسِد علميته وموضوعيته وحقائقه خرافات وأوهام وأباطيل "العهد القديم"، أقول إنَّها لبديهية، من وزن البديهية الهندسية، أنْ ليس لليهود، أو لبني إسرائيل، أو لـ "الشعب اليهودي"، أي حق "قومي" أو "تاريخي"، أو "شرعي" من وجهة نظر التاريخ وحقائقه، في أرض فلسطين، كل فلسطين.

لن أُنْكِر هذه البديهية العلمية والتاريخية؛ لأنَّني إذا أنكرتها فلن يبقى لديَّ من رادع عقلي يردعني عن إنكار البديهيات الأقل وزناً كبديهية أنَّ باريس هي عاصمة فرنسا، وأنَّ الجزء أصغر من الكل.

لن أُنْكِرها إلاَّ إذا زيَّن لي "عقلي السياسي" أمر إنكارها، وفي طريقة ما، أي إذا ما قضت مصلحة حقيقية واقعية كبرى لي بإنكارها، وفي طريقة ما.

الشعب الفلسطيني له مصلحة حقيقية واقعية كبرى في أنْ تُحلَّ مشكلته القومية بما يمكِّنه من أن يقيم له دولة قومية مستقلة ذات سيادة، يشمل إقليمها قطاغ غزة، وكل الضفة الغربية، وتتَّخِذ من القدس الشرقية عاصمة لها؛ وبما يمكِّنه أيضاً من أن يحلَّ مشكلة لاجئيه، وهم غالبية أبنائه، حلاَّ "عادلاً ـ واقعياً"، يُسْمَح بموجبه للدولة الفلسطينية تلك بأن تكون (قانونياً وسياسياً وعملياً) للشعب الفلسطيني بأسره.

قُلْتُ إذا جاءني أحدهم، وطلب منِّي أنْ أُنْكِر أنَّ باريس هي عاصمة فرنسا، في مقابل مبلغ من المال، احتاج إليه كاحتياجي إلى أن أحْفَظ لنفسي أسباب، أو بعض أسباب، البقاء، فإنَّني يمكن أنْ أُلبِّي له طلبه هذا، وفي طريقة ما؛ أمَّا أنْ يَطْلُب منِّي ذلك في مقابل "لا شيء"، أو أعطيه ما يريد من غير أنْ يَطْلُب، فهذا أمْرٌ يأباه "العقل العام"، و"العقل السياسي" على وجه الخصوص.

لو كانت الأشياء جميعاً سوداء اللون (ولا اختلاف بينها في درجة سوادها) لَمَا استطعنا تمييز شيء من شيء؛ ولو كانت جميعاً بيضاء اللون (ولا اختلاف بينها في درجة بياضها) لَمَا استطعنا أيضاً تمييز شيء من شيء، فالشيء يتميَّز بضدِّه، أي من خلال مقارنته بضدِّه، فَدَعُونا نقارِن، توصُّلاً إلى التمييز.

لقد قرَّر نتنياهو أن يَخْرُج من جلده، فخاطب الشعب الفلسطيني قائلاً: إنَّني لم ولن أُنْكِر حق العرب (أو حق الشعب الفلسطيني على وجه التحديد) في أرض فلسطين.

لو قالها لكانت القارعة، وما أدراك ما القارعة!

"لم ولن أُنْكِر" إنَّما تعني "إنَّني أقرُّ واعترف"؛ فبماذا يُقِرُ ويعترف؟

إنَّه يقرُّ ويعترف بالحق القومي والتاريخي للشعب الفلسطيني في "أرض فلسطين"، أي في كل فلسطين، وليس في "أرض إسرائيل".

أمَّا إذا تَرْجَمْنا قوله الافتراضي هذا بالعربية، وبالعربية الفصحى، فإنَّنا سنفهمه، عندئذٍ، على أنَّه إقرار واعتراف من نتنياهو، وبصفة كونه رئيساً للحكومة الإسرائيلية، بأنْ ليس لـ "الشعب اليهودي" من حقٍّ (قومي وتاريخي) في "أرض فلسطين (كلها)"، والتي ليست بـ "أرض إسرائيل"، فكل ما زعمه اليهود من حقوق قومية وتاريخية لهم في فلسطين إنَّما كان، باعتراف نتنياهو نفسه، كذبة كبرى.. حتى "أرض إسرائيل" كانت كذبة كبرى.

وتخيَّلوا، أيضاً، حتى تَكْتَمِل "المقارَنة"، وتُسْتَنْفَد، أنَّ نتنياهو قد قال هذا، أي أنكر تلك "البديهية" اليهودية، من غير أنْ "يُكافأ" فلسطينياً، أي بلا مقابل فلسطيني!

من أجل أنْ يحصل الشعب الفلسطيني على ذلك الحل (النهائي) لمشكلته القومية، بأبعادها كافَّة، يمكن (وربَّما يصبح هذا الممكن ضرورياً) أن يعترف الفلسطينيون، عبر قيادتهم المعترف بها، بأنَّ لإسرائيل الحق في العيش في أمن وسلام، وضِمْن حدود (هي حدود الرابع من حزيران 1967) آمنة ومعترَف بها (فلسطينياً أيضاً).

وهذا "الحق" إنَّما تَكْتَسِبه إسرائيل اكتساباً، أي "يصبح لها" إذا ما ارتضت ذلك الحل (النهائي) للمشكلة القومية للشعب الفلسطيني؛ أمَّا إذا لم ترتضه فلن يصبح لها، أو لن يبقى لها؛ لأنَّه "حقٌّ مشروط" لا "مُطْلَق".

أعْلَم أنَّ إسرائيل (والآن على وجه الخصوص) تَرْفُض أنْ يُعْتَرَف بها، فلسطينياً وعربياً، على هذا النحو، وبهذا المعنى، وبهذا الشرط، فهي تريد اعترافاً فلسطينياً وعربياً بها على أنَّها "دولة يهودية"، وتريد لهذا الاعتراف أن يكون اعترافاً صريحاً بحقِّها في الوجود، وبشرعية هذا الحق.

إذا أصرَّت إسرائيل على هذا الاعتراف، شكلا ومحتوى، فإنَّ القيادة الفلسطينية يمكنها، عندئذٍ، أن تعترف بإسرائيل بما يوافِق "الشرعية الدولية"، التي يمكن ويجب تمييزها من الشرعية المستمدَّة من حقائق التاريخ الحقيقي، والتي بميزانها (أي بميزان تلك الحقائق) نَزِن الحقوق القومية للشعوب، فنميِّز، بالتالي، شرعييها من باطلها.

وهذا إنَّما يعني أن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"، إقليمها هو نفسه المُعيَّن دولياً بموجب "قرار التقسيم"، فليس من "دولة يهودية" مُعْتَرف بها دولياً إلاَّ هذه؛ ويعني، أيضاً، أنْ يَعْتَرِف الفلسطينيون بأنْ ليس من شرعية يتمتَّع بها "الحق اليهودي" في فلسطين إلاَّ الشرعية الدولية المستمدَّة من قرار الأمم المتحدة الرقم 181 (قرار التقسيم).

أمَّا الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل، والذي لا يحظى بالشرعية الفلسطينية، ولا بشرعية التاريخ وحقائقه، ولا بشرعية العِلْم والعقل والمنطق، ولا حتى بالشرعية الدولية، فهو الذي يكون من قبيل "لم ننكر قط، ولن ننكر أبداً، حقَّ اليهود (أو الحق اليهودي) في أرض إسرائيل"، فإنَّ في "عدم الإنكار" هذا "إنكار" لفلسطين، وللحقِّ القومي والتاريخي للشعب الفلسطيني في فلسطين!

والمأساة تَعْظُم عندما يقترن "عدم الإنكار" ذاك، و"الإنكار" هذا، بسياسة إسرائيلية أنْتَجَت من الحقائق ما حَمَل الرئيس الفلسطيني محمود عباس على استنتاج مؤدَّاه أنَّ "حل الدولتين" شرع يتلاشى!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة -المواطَنة-.. عربياً!
- -أسطول نجاد- بعد -أسطول أردوغان-!
- -النفاق-.. سياسة عربية!
- ظاهرة أردوغان
- هل نجرؤ على الانتصار؟!
- معبر رفح.. تُغْلِقه مصر فتَعْبُر تركيا!
- امتزاج -الأحمر- ب -الأزرق-!
- جماهير -إعلامية فضائية-!
- الشرق الأوسط الخالي من السلاح النووي!
- -الانتخاب- و-التزوير- صنوان!
- قانون لانتخابات نيابية -أخلاقية-!
- القانون الانتخابي الجديد في الأردن.. هل يأتي ب -برلمان قديم- ...
- هذا الاستئساد الأثيوبي!
- نتنياهو -رجل الحقيقة-!
- نحن يوسف يا أبي..!
- -الطوارئ- هي طريقة في الحكم!
- تفويض مباشر.. ومفاوضات غير مباشرة!
- العابسون أبداً!
- متى يأخذ عمال العالم مصيرهم بأيديهم؟!
- هل التاريخ يعيد نفسه؟


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد البشيتي - إنَّها أسوأ صيغ الاعتراف بإسرائيل!