علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي
الحوار المتمدن-العدد: 3033 - 2010 / 6 / 13 - 05:30
المحور:
الادب والفن
ليس الصباح بمحبب إليه ، على الأقل حين يكون مفلسا . الاستيقاظ باكرا يعني كثرة المصاريف . ينام حتى الثانية أو الثالثة بعد الزوال نوما خفيفا مهددا بأي صوت و أدنى حركة ، لا يشعر بعده براحة أو نشاط . نومه عذاب من نوع مختلف . لا يحلم إلا نادرا ن و إن حصل ذلك ينسى التفاصيل .
مقهى العربي ، المحطة الأولى دائما . السيجارة الأولى مستدانة كالعادة من علي بائع السجائر (في المقهى) . لا قهوة أو شاي أو أغنية ترافق أولى رعشات النكوتين . كثيرون مثله (مفلسون) يشغرون مقاعد دون طلب شيء . لا صوت يعلو فوق صوت . سيمفونية خافتة للهامسين . الفقر يجعل الناس متساوين في البؤس و عقلانيين أكثر من اللازم .
سميرة (نادلة المقهى) تقدم له ، أحيانا ، القهوة على حسابها . نادرا ما ترى عابسة ، كثيرة الكلام و الابتسام ، قصيرة و نحيفة قليلا ، بشرتها بيضاء ، و نظراتها حادة . عيناها كبيرتان ، و تحت الخد الأيمن تموضعت شامة صغيرة تميل إليها خصلات من شعرها الأسود . شابة في الثانية و العشرين من عمرها ، تمضي ساعات العمل في سماع الشتائم و الأسرار و الوعيد و الأخبار ، التي يتبادلها رواد المقهى بينهم . تعلم الكل و لا يعلم عنها إلا ما جادت عليهم به شفتاها الورديتان :
_أنا سميرة من أسفي . عمري اثنين و عشرون سنة .
أدركوا فيما بعد ، من خلال تصفحها اليومي و البطيء للجريدة ، أنها متعلمة . فكر مرة : سيدة فضاء المقهى لا تملك غير البؤس الظليل و أنوثتها ، فلما لا أدعوها للعشاء ، و ألوثها بسم اللذة الأبيض ؟ . لكنه لم يحاول دعوتها قط و لا التقرب منها رغم تلميحاتها المتكررة و نظراتها الغاوية بينما تضع القهوة أو الشاي أمامه . يمنعنه دوما عجب من مواصلة الطريق ، مسخ داخلي يكبل الغريزة يسمونه قيما.
#علاء_كعيد_حسب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟