التخبط وممارسات التجهيل – حسن بن محمد بن بزرجميد - نموذجاً

مختار العربي

الحوار المتمدن-العدد: 923 - 2004 / 8 / 12 - 08:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

التاريخ الإسلامي يحفل بالشذوذ الذي صاحب ممارسة السلطة وإقامة ممالك وسلاطين وممارسة التجهيل على الشعب الديني (أي الذي يتخذ من الدين كيان وحياة لا يمكن خارجه أن يعيش أو أن يكون! ولأن السلطة الدينية كانت ولم تزل هي معني واحد بالنسبة للفكر الإسلامي فكان أن اختلطت الأمور وتعقدت الأشكال السياسية والاجتماعية فالسلطة الدينية جزءاً من السلطة السياسية ولا يمكن فصلهما عن بعض فهما جسد واحد يرتديه الحاكم بأمر الله وأمر غرائزه، وأزمة السلطة السياسية لم تكن لعجزاً في الرؤية أو التطبيق بل لأنها أنشأت علماً جديداً يسمى (الإسلام السياسي)!
كيف يكون الإسلام سياسياً؟
يكون الإسلام سياسياً إذا ما استنبطت الأحكام الدينية على عهد سابق يختلف جملة وتفصيلاً عن هذا العهد ليتطابق والمصلحة الشخصية في ممارسة التعتيم والتجهيل للمؤمنين والجاهلين بعدم وجود دستور إسلامي موحد قيم يمكن للمسلمين إقامة أركان دولتهم الحديثة عليه!، السؤال أيضاً، إذا كان لا بد من وجود دستور إسلامي؟ فبأي دستور سوف يعملون؟
بالدستور الجاهلي القبلي؟ الذي حاول النبي إيقاف زحف الوعي البدائي عليه فاختطلت الأحكام وتم تغليف الحقيقة بعدة مسميات؟ أم بالدستور الصديقي (نسبة لأبي بكر الصديق) الذي حاول أو أمر بمحاربة مانعي الزكاة وأطلق يد قائده خالد بن الوليد ليقيم الإرهاب إسلاماً وسياسة وكانت مرجعيته دينية ومرجعية خالد في الإرهاب دينية أيضاً !! ومالك بن نويرة يكفينا! أم بالدستور (العمري) الذي أسس لمصالح الشعبوية في الدولة وطرد الإنسان من ذاته ليخلي الجزيرة من العلوج! أم بالفتنة وما أدراك ما الفتنة!!
ونحاول أن نسلط الضوء على فترة من أشد فترات التاريخ عتمة وأعقدها رؤية فترة انفجار الإسلام السياسي في أبشع صوره! فترة الوعي الإرهابي الذي استندت عليه دويلات تتخذ من الإسلام سلطة لتقيم مذابح الفساد الأخلاقي وتجعل من الإنسان مغوليُ ببدائيته! فترة حكم حسن بن محمد بن بزرجميد، الوالي الإسماعيلي الذي أعلن القيامة وانتهاء العبادة والتحرر من الشرائع الدنيوية وإقامة دولة الإنحلال والشذوذ!!
إذاً من هو حسن بن محمد بن بزرجميد؟ ولماذا نموذجاً؟
هو حسن بن محمد بن حسن الذي تسلم مقاليد السلطة في الدولة الإسماعيلية بعد وفاة والده الذي كان والياً متشدداً متمسكاً بشرائع العقيدة الإسماعيلية (فقد كان متشدداً في أتباع الشرائع الذي أرساها أبوه حسن والإمام (الصباح) فيما يتعلق بأسلوب الدعاية ونشر تعاليم الإسماعيلية وإقامة دولة الإرهاب والخوف، فالتاريخ يحفظ لنا ما كان عليه الحشاشون والفرق التي تمتهن إرهاب الدولة السياسي ، وقد ظهرت هذه الفرق إبان حكم الدولة العباسية في بغداد وذلك بن أن زالت مكامن الخوف من الأخر!!
من هم الاسماعيليون:
(الحركة الإسماعيلية من حيث الشكل جمعية سرية لها نظامها الخاص ، وقسمها وشعائرها ولها درجات من الوظائف والمعرفة، وكانت وكانت أسرارها تحفظ جيداً فلا يعرف منها سوى شظايا متناثرة مضطربة، وقد كان مناظروهم التقليديون يصورون الإسماعيلية كعصابة من العدميين المضللين الذين يخدعون الأغرار عبر مراحل متعاقبة من الحط بعقلياتهم وفي أخر تلك المراحل يكشفون لهم عن كفرهم الكامل المريع، أما الكتاب الإسماعيليون فقد كانوا ينظرون إلى فرقتهم باعتبارها حفيظة على أسرار مقدسة وشعائر تقدمية لا يمكن للمؤمن بالعقيدة أن يطلع عليها إلا بعد برنامج طويل من الإعداد والإرشاد، وكان التعبير الشائع الذي يطلق على تنظيم الفرقة هو (الدعوة!) ، والقائمون بها (دعاة ) الذين يماثلون القسس المعينين ) – من كتاب الحشاشين أول فرقة إسلامية ثورية – للكتاب برنارد لويس – ترجمة محمد موسى الغرب...
وفي المراحل المتأخرة انقسموا إلى مراتب عليا ودنيا مختلفة من المبشرين والمعلمين والمجازين، ويأتي تحتهم المستجيبون وهم الطبقة الدنيا من أعضاء الفرقة، وفوقهم الحجة (بالفارسية تعني خوجا)وهو الداعية الأكبر ، وكانت كلمة (الجزيرة) لتستخدم لتدل على الاختصاص الاقليمي أو العرقي الذي يرأسه الداعي، وكان الإسماعيليون كغيرهم من الفرق والطوائف الإسلامية – يسمون زعمائهم الدينيين بالشيوخ (بالفارسية بير) وكان الاسم الشائع لعضو الفرقة (الرفيق).
كان هذا ما دون وتم تأريخه عن الفرقة الإسلامية الإسماعيلية التي اشتهر أتباعها بـ(الحشاشين).
حسن بن محمد بن بزرجميد وإعلان القيامة:-
كان حكم حسن في بداية الأمر خالياً من الأحداث الهامة لم يميزه سوى بعض التخفف من الإتباع الحازم للشريعة الذي كان سائداً من قبل ، ولكنه فجأة وبعد عامين ونصف العام من ولايته وفي منتصف شهر الصوم (رمضان) أعلن قيام (العهد الألفي السعيد).
تتفق المصادر التي كتبت عن الإسماعيلية جمعيها على سرد قصة غريبة ، ((ففي اليوم السابع عشر من شهر رمضان من عام 559هـ (8أغسطس 1164م) أمر حسن بإقامة منبر في فناء قلعته المسمية (ألموت بالفارسية – بالعربية تعني عش النسر) يواجه الغرب ترفرف على أركانه الأربعة رايات أربع خضراء بيضاء حمراء صفراء كبيرة ، وجاء الناس من مختلف الجهات وتجمعوا في الفناء ، فالذين أقبلوا من الشرق لزموا الجانب الأيمن والذين جاءوا من الغرب وقفوا في الجانب الأيسر والذين جاؤا من الشمال وقفوا في مواجهة المنبر. ولما كان المنبر يواجه الغرب لذلك كانت ظهور المجتمعين نحو مكة ، وتقول نبذة إسماعيلية في وصف ما حدث:-
(( بعد قرابة الظهر نزل السيد حسن على ذكره السلام من القلعة مرتدياً ثوباً أبيض وعمامة بيضاء ، وتقدم نحو المنبر من الجانب الأيمن ، وارتقاه في خطى وئيدة ، وتوجه بالتحية ثلاث مرات الأولى لأهل الديلم ثم إلي الذين على اليمين ثم إلى اليسار ، وظل جالساً برهة ثم وقف مرة أخرى وهو ممسك بسيفه وتحدث بصوت عالي: مخاطباً سكان العوالم الثلاث عالم الجن وعالم الأنس وعالم الملائكة : وأعلن أنه قد وصلته رسالة من الإمام المختفي تحمل تعليمات تقول:
(( إن إمام عصرنا يبعث إليكم بتحياته وسلامه ويبلغكم أنه دعاكم خدمه الخصوصين المختارين ، وأنه حرركم من أعباء قواعد الشريعة وأحضركم إلى القيامة!!!!!!)). و بالإضافة إلى ذلك فقد قال بأن الإمام الغائب قد عينه وكيلاً له وحجة ، وعلى الجميع الطاعة وإتباع شئونه الدينية والدنيوية وأوامره تعتبر ملزمة ، وعندما أتم حسن خطبته نزل من على المنبر وصلى ركعتين سماه صلاة الاحتفال!؟ ثم أمر بالمائدة فمدت ودعا الناس إلى قطع صيامهم والمشاركة في الطعام والاتبهاج!!! ، وبعث بالرسل يحملون هذه التعاليم إلى بقية أقاليم المملكة ))
وقال حسن بأن عصر الدنيا قد انتهي وأن القيامة قد جاءت وأمر أفراد شعبه بأنه يقولون بذلك ويتعاملون مع هذا الحدث بهذه عطية الرب لعباده المخلصين!!!
كم يشبه حسن الوالي الإسماعيلي هذا كثيرًُ ممن يعيشون معنا الآن ولكنهم يأخذون أشكالاً مختلفة وأطروحات تعتلي الشذوذ الإيجابي وهم كثيرون يكفينا الطغاة الذين تمتلئ بهم بلداننا ويعيشون في قمم خوفنا من الغد ويجمدون ثوراتنا عليهم بفعل الدين ونحن نستسلم لهم في خضوع ونكبر ونهلل لهم لندعم من وجودهم الله أكبر الله أكبر – تحكي إرادة الشعب المظلوم والقلب المقهور واليد المقيدة... فلينبت ألف حسن طالما هناك جماهير تكبر وتهلل للفضيحة!! وأيما فضيحة فضيحة العقل في زمن ظهور عقيدة الإنسان! فالإنسان هو محور الوجود ومداره وأساس افتراضه ووتطوره ، إذا لنهلل ولنكبر للإنسان ونترك الحسنيون يقيمون قيامتهم بمفردهم ونكتفي بإلقاء نظرة شفقة على ثوار الهزيمة....

#مختار_العربي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات