أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - محمد صالح آميدي - الظروف الملائمة لتفشي الفساد السياسي و المالي و الاداري















المزيد.....


الظروف الملائمة لتفشي الفساد السياسي و المالي و الاداري


محمد صالح آميدي

الحوار المتمدن-العدد: 3028 - 2010 / 6 / 8 - 00:32
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


الظروف الملائمة لتفشي الفساد السياسي و المالي و الاداري
(بيئة الفساد)
الحلقة الاولى
ان ظاهرة الفساد تحكمها مجموعة عوامل متداخلة ومتفاعلة فيما بينها، وهذه العوامل تمثل بطبيعتها المباشرة او غير المباشرة الجذور الأساسية التي تنبت عليها فروع وأغصان شجرة الفساد..فالجذر الأول يتمثل في وجود أدارة غير كفؤة و مترهلة و هي صفة ( متلازمة مع السلطات الحكومية، و الحزبية حيث تؤدي الى تفشي الفساد بأنواعه.. منها تناحر الأحزاب ومنافستها الغير مشروعة للانفراد بالسلطة والادعاء انها الممثل الحقيقي لاردة الشعب، و منها غياب الديمقراطية او عجزها وافتقار السلطة الى آليات دينامكية لتطبيق القوانين النافذة..
كما ان الاحزاب السياسية في المجتمعات المتخلفة مثل المجتمع الكردستاني تخلق لها هالة عظيمة من السمو والقدسية ترفض بموجبهما اي نقد او اجتهاد او رأي متناقض مع موقف الحزب .. عليه فان الظروف المختلفة لتفشي مرض الفساد بشكل عام تدعو الى تناولها واحداً بعد الاخر لكي نتمكن من تحديد اهداف الاحزاب في كوردستان وتحديد موقعها وصلاحياتها وفق المعايير الدولية.
ومن هذه الاسباب والعوامل مايلي:

اولاً: البنى الحكومية المتناحرة
كلما كانت البنى التحتية الحكومية متجانسة ومتناغمة بعضها مع البعض الاخر، كانت الظروف الموضوعية مهيأة لمكافحة الفساد السياسي والإداري والمالي.. فعندما تكون السلطة التشريعية دؤوبة على مناقشة مشروعات القوانين بشكل ديمقراطي وبسلاسة كبيرة نابعة من توجهات واراء فريق الموالاة والمعارضة كون الطرفين يمثلون ارادة الشعب.. والسلطة التنفيذية تلتزم بتنفيذ القوانين بشكل خلاق ومبدع يعكس مقاصد الشعب عبر ممثليه.. والسلطة القضائية تتناول مهماها وفق احكام الدستور والقوانين المرعية وتمارس واجباتها القضائية بحرص شديد.. فتمر الامور وفق منهج محدد نابع من سياسة الدولة.. والعكس هو الصحيح فكلما كانت البنى الحكومية متناحرة ومتنافسة وفق مبدأ الأنانية السياسية، كان الفساد ضيفاً وقوراً على الاجهزة الادارية والحزبية.
التجانس والتناغم بين اجهزة الحكومة، أمر في غاية الاهمية لان ذلك يعكس ان لتلك الحكومة هوية سياسية محددة نابعة من تفاهم قيادات جميع الاجهزة الحكومية على مضمون تلك السياسة.. و بالتالي فان لها برنامج مدروس يتم تطبيقه بشكل شفاف وعلني تتجلى منها السياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية للحكومة.. و بالتأكيد فان تلك الهوية قد تقننت الى تشريعات وانظمة معممة على جميع الاجهزة الحكومية ..
هنا اود ان اثير موضعاَ مهماً يتعلق بفهمنا للهوية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحكومة .. فبعد انهيار المعسكر الاشتراكي وعودة اكثرية دوله الى الاقتصاد الحر، برزت فكرة او توجه سياسي لدينا في الشرق الادنى والاوسط، ان الفكر الاشتراكي سواءً الماركسي منه او الاشتراكي الديمقراطي قد انتهى بأنتهاء المعسكر المذكور والى الابد.. و بالتالي رفض جميع مرتكزاته العلمية بما فيها فكرة القطاع العام وتحديد ودعم الاسعار الضرورية مثل اسعار الطاقة والمواد الغذائية التي تسارعت وتائرها بشكل حاد نحو الارتفاع.. او التدخل في بعض الظواهر الاحتكارية لدى بعض الشركات والافراد بحجة كونها تمثل السلوك الاشتراكي السوفياتي.. مما اضرت وتضر بشكل مستمر بالوضع الاقتصادي ضرراً فادحاً .. كما ان اصحاب تلك الفكرة نسوا او تناسوا ان الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية في الوقت الحاضر تحكم ثلاثة ارباع الدول الاوربية.. كما ان بلوغ حزب اليسار الالماني بقيادة اوسكار لافنتين النجاح في الولايات الصناعية في غرب المانيا، للمرة الاولى في حياة هذا البلد، أمر مخالف للفكرة التي يراود المسؤولين العراقيين والكوردستانين عن انتهاء الفكرة الاشتراكية او بالأحرى الخطوات الضرورية لحماية الشرائح الاجتماعية الوسطية من جشع المستغلين او من الحوادث الطارئة التي تعصف بالاقتصاد، مثل الازمة الاقتصادية والمالية العالمية الاخيرة. حيث قدم الرئيس الفرنسي والرئيس الامريكي اوباما مشروعاً بالتدخل السريع لوقف الانهيار الكبير الذي اطاح بالاقتصاد الرأسمالي، ومن ضمن تلك الخطوات، التدخل في السوق والبورصات الائتمانية وفق تدخل مباشر، مما اثارت تلك الخطوات حفيظة اليمين في امريكا وفرنسا وتم اتهامهم بالاشتراكين الجدد.
كما نلاحظ ان الحزبين الكوردستانين الحاكمين (حدك واواك) لا يحملان هوية سياسية محددة، فهما ليس بالعلمانيين ولا المتدينين وليس بالاشتراكيين والرأسماليين.. بل ان الصفة الوحيدة المشتركة بينهما هي الشمولية المفرطة.. بالاخص في مجال التمسك بالسلطة وعدم افلاتها من ايديهم بصرف النظر عن النتائج والممارسات الخاطئة والاخطاء القاتلة التي اضرت بالمسيرة القومية والوطنية الكوردية..
فالحزبان لا يحملان هوية سياسية معينة يطمئن اليها اصحاب الفكر والثقافة، بل ان سياستهما لازالت سياسة الكفاح المسلح والتمسك ببعض الشعارات مثل الحكم الذاتي الحقيقي او الفيدرالية وشعار الكوردوارية .. في حين ان هذه الشعارات لا تصنع ولا تمثل الهوية السياسية للدولة والحكومة. بل يستوجب ان يكون للحزبين هوية سياسية نابعة من جذور فكرية واضحة.. فرغم ادعائهما انهما حزبان علمانيان، الا انهما يملكان تنظيمات خاصة برجال الدين وتضم عشرات الشخصيات الدينية المتزمتة. و ان شروط العلمنة لا تنطبق عليهما وفق جميع المقاييس. بل توجد تيارات فكرية علمانية في صفوف الحزبين، و هي تيارات غير منظمة بل عبارة عن اراء شخصية.
من جانب اخر فان القادة الحكوميين يتصورون ان حركة الاعمار والبناء الجارية في الاقليم هي نابعة من فكر سياسي معين، و هو الحداثة والانماء وفق مبدأ التطور العلمي، الا انها لا تمثل سوى حركة اعمارية وبناء عشوائي ومزاجي غير مخطط .. . و غير معتمد على دراسات علمية نابعة من الجدوى الاقتصادية لتلك المشاريع مما تمخضت عنها مضاعفات كبيرة.. مثل التضخم السكاني في المدن والقصبات وترك القرى والمزارع من قبل مالكيها والهجرة الى المدن.. وبروز كوارث بيئية كبيرة مثل معالجة الانقاض والقاذورات .. وظهور التلوث البيئي في المدن والقصبات الكوردية .. كما ان تلك العملية العشوائية، قد اخلت بأولويات تنفيذ المشاريع الضرورية مثل مشاريع الطاقة والمواصلات والبنى التحتية الضرورية بدلاً من المشاريع الثانوية والمزاجية ذات الصبغة الدعائية التي انجزها حكومة الإقليم بمبالغ طائلة..
هذه العشوائية في العمل المرفقي الحكومي يؤدي الى تناحر الوزارات والسلطات بعضها مع البعض الاخر.. مما يؤدي الى بروز ظاهرة الفساد المالي والاداري في الاجهزة الحكومية.
كما أن الاقليم يفتقر في الوقت الحاضر الى مؤسسة تخطيطية ناجحة وذات خبرة متعددة الجوانب، تقوم باعداد دراسات لجميع المشاريع الاقتصادية والسكنية والخدمية وفق اولويات مدروسة.
ان العامل السياسي الذي تجسد بشكل واضح في المنافسة الحزبية غير الصحيحة بين الاحزاب المهيمنة في كوردستان خلال السنوات الماضية قد وضع الجهاز الاداري في حالة عجز او ترهل كبيرين. فنتيجة لتلك السياسات الخاطئة قامت الاحزاب بشكل عشوائي ودون اي تخطيط أو حساب مستقبلي بتعين اعداد كبيرة من المستهلكين والمتطفلين في المؤسسات الحزبية والحكومية بناءً على الولاء الحزبي والمحسوبية وتتغذى على المال العام دون ان تكون لديها اي محل في العملية الاقتصادية. فنشاهد ان هناك جيش من الموظفين( ) .. فعدد المعلمين او المعلمات في بعض المدارس الابتدائية داخل المدن اكثر من عدد طلاب صف كامل.. في حين ان هناك مدارس ابتدائية في النواحي او القرى او المجمعات تشكو من قلة المعلمين والمعلمات.. كما ان هناك دوائر رسمية تحتوي على عدد هائل من الموظفين بحيث ان مجموعة من الموظفين يتناوبون في الجلوس وراء منضدة العمل.. لكثرة عددهم..
عليه يستوجب على القادة الكوردستانين المباشرة باعادة النظر في سياساتهم العشوائية والمباشرة بسن الدستور الاقليمي واعادة بناء الوزارات والاجهزة الحكومية وفق نمط العمل المؤسساتي المفتوح .. لكي تتمكن من مواجهة التيار العولمي الحديث.. و التطورات الاقتصادية والادارية والمالية الحديثة.. وفق ضوابط علمية معينة تحدد بموجبها مسؤوليات الكوادر الوزارية والادارية بما يخدم الجهد الوظيفي البناء، واعادة النظر في علاقة الموظف ودائرته بالمواطن.. و واجبات الموظف والتزاماته الوظيفية وحقوقه وامتيازاته الخدمية.. وفق هذا التوجه نستطيع القضاء على الفساد الاداري .. بعد تأمين المستلزمات الضرورية الاخرى لنجاح البرنامج.
ان التناحر بين الاجهزة الحكومية تؤدي الى بروز مراكز قوى وتكتلات طفيلية في الادارات بشكل عام. و بعكسه فان التناغم والتنسيق والعمل الجماعي والاستشاري فيما بينهم يقلل من فرص الفساد بشكل عام.

الظروف الملائمة لتفشي الفساد
(بيئة الفساد)
المحامي محمد صالح آميدي
[email protected]

(الحلقة الثانية)
ثانياً: تركيز السلطة بيد (مجموعة اولكارشية) منتخبة او غير منتخبة:
السلطات الحكومية العليا هي محور العمل الوظيفي، حيث تحتاج الى خبرات ادارية وعلمية وتكنوقراطية وثقافية مختلفة .. و لا يمكن تركيز تلك الصلاحيات بيد نخبة سياسية معينة بحجة ان حزبها يتولى الحكم .. بل يستوجب الاعتماد على الطاقات المختلفة لكي تكون خطط وبرامج الحكومية واسعة المدارك والتفكير.. بالاخص في مجال الاقتصاد والسياسة الادارية والمالية المرتبطة بالبنى الاجتماعية الحديثة..
فمنذ تشكيل الكابنة الاولى لحكومة أقليم كوردستان لكلا الحزبين، ظهرت وجوه معروفة كقادة سياسين ووزراء ووكلاء الوزارات ومسؤولين في الاجهزة الامنية وقوى الامن الداخلي وقادة البشمركة، وتم تغيرهم بين آونة واخرى وفق اتفاقيات المحاصصة بين الحزبين الحاكمين. الا ان السلطة الفعلية والحقيقية في الاقليم تكمن في قيادة الحزبين الرئيسين. فبخصوص الحزب الديمقراطي الكوردستاني تنحصر السلطة الحقيقية في يد عائلة المرحوم مصطفى البارزاني، فكل شخص ينتمي الى تلك العائلة يستطيع ان يفعل كل شئ في مؤسسات حكومة أقليم كوردستان وهم الامراء والنهاة في المنطقة التي يسيطرون عليها، وفي اكثر الاحيان يستغلون نفوذهم العائلي لكسب منافع شخصية هائلة. كما أن الحلقة الثانية تمثل اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية، فأوامرهم تنفذ فوراً لدى جميع الوزراء والمسؤولين الادارين، وترتكب مخالفات مالية وقانونية كبيرة لصالحهم دون أي اعتراض او رفض، لان ذلك يشكل خطورة على مركزه ووظيفته.
أما بخصوص الاتحاد الوطني الكوردستاني فانه يقلد (حدك) بشكل كبيرفي جميع المخالفات والتطبيقات الادارية الخاطئة. فاوامر السيد جلال الطالباني تنفذ فوراً في جميع الوزارات والدوائر الحكومية، كما ان رغبات ابنائه واخوته وعوائلهم تتحقق بشكل انسيابي وعلى حساب مصالح الشعب.. فلا توجد قوة او سلطة او شخص ترفض طلبات ورغبات أعضاء العائلة الطالبانية. كما ان نفوذ اعضاء المكتب السياسي بالاخص المقربين لرئيس الحزب تنفذ فوراً ودون أي تأخير وعلى حساب المال العام وممتلكات الحكومة الكوردستانية.
هؤلاء القادة من كلا الحزبين هم الوجوه التقليدية المعروفة او النخبة الاليكارشية التي تملك السلطة في أقليم كوردستان، ورغم بلوغهم أعماراً طويلة ومرضهم وعاهاتهم المستديمة.. الا انهم باقون في دفة الحكم والسلطة ولا يفسحون الفرص للعناصر الحزبية الشابة والطموحة والمخلصة لتولي المسؤوليات.
إن هذه الفئة النخبوية الحاكمة في كوردستان بدون منافسين، يعتمدون على كوادر حزبية وادارية معينة . حيث قدموا خدمات كثيرة خلال السنوات الماضية لهم على حساب مصالح الشعب والدولة.. و اكثرهم يتعاطون الفساد المالي والاداري والسياسي وغدو القطط السمان وأصحاب مصالح كبيرة وينتفعون بشكل غريب دون مراعاة جميع القوانين واللوائح المالية. مما يشكلون بؤرة كبيرة للفساد بجميع انواعه.
الا ان الغريب في أمر حكومة الاقليم ان جميع الكوادر الوظيفية الاختصاصية منها والعادية ايضاً يتم تعينهم بتزكية من الحزبين او اجهزتهما الامنية.. او يتم ترشيحهم وفق مبدأ المحسوبية الشخصية او المنسوبية الحزبية او العائلية او العشائرية.. و لا يتم الاهتمام مطلقاً بالكفاءة والاختصاص.. مما اصبحت الاجهزة الحكومية مترهلة وغير كفوءة ومعتمدة على مبدأ التعليمات الجارية من الاعلى الى الاسفل وتطبيقها بميكانيكية وجمود فكري، لانه يفتقرالى مدارك وظيفية واسعة والى اختصاص واستقلالية .. لذا يقوم بنقل الامر والتعليمات بشكل آلي بعيد عن النضج والفهم الموضوعي مما تأتي النتائج بشكل عكسي.. او غير مناسب للهدف المرجو منه. نود هنا ان نتناول صفات الموظفين الادارين الفاعلين في مؤسسات حكومة اقليم بالاخص في ديوان رئاسة مجلس الوزراء وديوان الوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة. و بالطبع فان هذه الصفات لا تنطبق على جميع الموظفين والكوادر الإدارية. الا ان الصفة الشاملة هي المعول عليها مما تطغي على التصرفات الإدارية صبغة ذات طابع عام .
ان أكثرية الكوادر الوظيفية في الاجهزة الإدارية بعد انتفاضة آذار/1991 هم الموظفون المسلكيون في أجهزة ومؤسسات الحكم الذاتي الكارتوني التابع لنظام صدام حسين.. و كانوا بشكل عام موظفون مهمشون وليس لهم خبرة إدارية عدا القلة منهم .. لان مؤسسات الحكم الذاتي الكارتوني كانت مؤسسات مهمشة أساساً وفق سياسة سلطة بغداد.. حيث كانوا يفتقرون الى الثقافة الإدارية والقانونية .. بل كانوا من ذوي الشخصيات المقهورة والخوًافة في ظل نظام البعث.. حيث كان المدير العام او مدير الدائرة القانونية في المجلس التنفيذي او التشريعي ينفذ تعليمات ضابط امن المجلس بشكل دقيق خوفاً من بطش النظام.. وفي أكثر الأحيان كانوا يحاولون كسب رضاء المسؤولين البعثتين بشتى الطرق والأساليب لكي يحافظوا على وضعهم ومراكزهم الوظيفية المهددة دائماً بالنقل والتجريد كما يعتبر عملية التزليف والتملق الذي يقدمه الى مسؤوله ألبعثي نوع من أنواع الشطارة الوظيفية وشجاعة كبيرة .. مما أصبحت نفسيته متشبعة بروح الانتهازية والتملق والانقهار النفسي.. و أصبح سلوكه يتسم بأسلوب الخسة والدناءة المفرطة.( )
من جانب أخر كان سلوك هؤلاء الموظفين تجاه الشعب والمواطنين تتسم بنفس أسلوب الكوادر البعثية تجاههم .. وهذا أمر طبيعي بان تقلد الضحية صفات وسلوكيات جلاديه عندما يتعامل مع فئة أضعف منهما.
وبعد الانتفاضة جاءت الاحزاب الكوردستانية، واستلمت تلك الدوائر والمؤسسات وبموظفيها وكوادرها السابقة بشكل ميكانيكي ودون اية تجربة ادارية او قانونية .. معتمدين على قدراتهم وكفاءاتهم الادارية .. علماً ان هؤلاء الذوات قد استغلوا فرصة افتقار المسؤولين الكوردستانين والكوادر الحزبية الى الخبرات الوظيفية .. مما عكسوا لهم بان الادارة لا تسير الا بهدى افكارهم وخبرتهم التي هي بالاساس خبرة مهمشة وسطحية.. و لا زال هناك عدد لا بأس بهم يتربعون في زوايا ديوان مجلس الوزراء وديوان الوزارات الاخرى ويرتزقون من قوت الشعب ويهيئون لمسؤوليهم خطط ومعالجات إدارية خاطئة وغير قانونية لتلافي أخطاء الوزراء والمسؤولين الحكوميين .. مدعيين في ذلك انها طرق قانونية وإدارية .. الا انها في حقيقة الأمر ليست الا تصرفات وجرائم تقع تحت طائلة القانون والعقاب.
و الخطأ الاكبر الذي ارتكبه الكابينات الوزارية الخمسة التي تولت الحكم في الاقليم هو قيامهم بتعيين بعض المسؤولين الادارين في ديوان رئاسة المجلس وديوان الوزارات على اساس الهوية الحزبية أو على اساس المحسوبية والمنسوبية للمسؤولين الكوردستانين . فتم تعين طبيب بشري ليقود ديوان رئاسة المجلس وفق مبدأ المنسوبية، أو خريج المعهد الاسلامي ليقود اخطر وظيفة مالية في الاقليم وأعقدها الا وهو مدير البنك المركزي لاقليم كوردستان. و كما تم جلب عدد كبير من أشباه الأميين ليتولوا الادارات العامة والمسؤوليات الكبيرة والحساسة في حكومة الاقليم وخلال تجربتهم تبين لهم ان هؤلاء ليسوا الا اشخاص حزبين ليست لهم اية علاقة بالوظيفة والادارة مما زاد الطين بله. حيث انهم يحملون شهادات دراسية مزورة وان بعض منهم قد سجلوا اسمائهم في الكليات والدراسات العليا ونالوا شهادات عليا دون ان يجلس يوماً واحداً على المقاعد الدراسية. ( )
كما ان الخطأ الاكبر يكمن في تعيين بعض المستشاريين الذين يحملون بعض الشهادات الاجنبية في بعض الاختصاصات التي حصلوا عليها في الزمن الماضي، دون ان يمارس مهنته في دول المهجر. واصبحت معلوماته قديمة وغيرنافعة، او ان اكثرهم قد فقدو تأهيلهم العلمي بسبب عدم الممارسة، من جانب اخر فان الاختصاصي الاجنبي لا يتمكن من العمل والنجاح بكفاءة في ظل مؤسسات حكومة أقليم كوردستان بالاخص في المجالات الادارية والتنظيمية. لان دوائرنا وهياكلها تفتقرالى البنى التحتية المؤسساتية المتواجدة في الدول الاوربية. كما ان الخبير الاجنبي، يفتقر الى الخبرة العامة في مجال المنظومة الادارية والقانونية للعراق وكوردستان. مما يصبح عاجزاً من تحقيق نتائج ايجابية، جاء اصلاً من اجل تطبيقها. مما يصبح مهموماً وكسولاً، و بعدها يتعود على التقاليد المطبقة في الادارات ويترك واجباته وأرائه الحقيقية بسبب يأسه من تحقيق النتائج المرجوه من وجوده في مؤسسات أقليم كوردستان.
ان العمل المؤسساتي في الدوائر الرسمية يثبت جدارة وقدرة الموظف الكفوء من غيره، لان المسؤوليات الوظيفية محددة ومقسمة على كل موظف حسب خبرته وكفاءته ونشاطه واخلاصه وتفانيه للعمل.. اما الموظف الكسول والمتملق والانتهازي الذي يبحث عن ثغرة ولو صغيرة بغية الوصول الى الوزير او المدير العام والتقرب اليه لتحقيق منافع خاصة. هو الموظف الذي اعتبر توظيفه منذ البداية مشروع تجاري ونفعي شخصي ليس اداة لتقديم الخدمة العامة للمواطنين او تنفيذ المشاريع وخطط الحكومة المقررة وبهذه السلوكية فان اول امر يشغل بال الموظف او الاداري الكسول هو الغرفة المستقلة والاثاث الجديد والتلفزيون ذات الشاشة الكبيرة وجهاز الكومبيوتر وقطعة الارض ومخصصات الوظيفة والنثرية والدورات والايفادات الى خارج الوطن. و اذا قارنا بين امتيازاته وواجباته الوظيفية او خبرته الادارية لاتضح بانه مجرد خريج كلية، لا زالت صياغة جملة او كتاب او رسالة رسمية أمر صعب ومعقد له او معجزة كبيرة. كما ان احدى صفات هذه الشريحة من الموظفين هي المبالغة في المهام التي انجزها، و مطالبة حقوق مضعفة. لان الموظف الكفوء لا يبرز نفسه على اكتاف زملائه، بل يعتمد اعتماداً كبيراً على انجازاته الحقيقية وحفاظه على المصلحة الوطنية من خلال شباك وظيفته الصغير.
كما أن التسيب الوظيفي في جميع مؤسسات اقليم كوردستان، قد خلق حالة خطيرة لدى اكثرية الموظفين، وهي عدم انجاز مهامهم وواجباتهم بتعمد مسبق، حيث يحاول الموظف اتباع اسلوب المماطلة في انجاز معاملات المواطنين وبحجج واهية وتحت الخيمة القانونية او التعليمات الادارية.. كما يحاول تطبيق بعض الفقرات على اية معاملة لا يرغب من انجازها، و تحت ذرائع شتى. أما اذا شعر بدفئ المراجع، و توقع ان صاحب المعاملة مهيأ بدفع رشوة اليه، فانه سوف ينجز المعاملة ويعقبها لدى جميع الموظفين او من له علاقة بها خلافاً لجميع القوانين وتجاوزاً على جميع التعليمات والاوامر الرسمية. والغريب في الامر انه لا يهاب أي شئ لا من العقوبات او من المحاسبة من مديره بسبب مخالفاته ورشاويه المستمرة.
هذه الظاهرة تمارس بشكل كبير في دوائر ومؤسسات حكومة أقليم كوردستان وبشكل شبه علني، انها نابعة من التسيب الاداري وعدم المحاسبة وفرض العقاب على كل من تسول له نفسه بارتكاب تلك الافعال التي تشكل جوهر الفساد الاداري. لان المحاسبة والعقوبة الادارية من خلال جهاز اداري مؤسساتي، سوف يترك اثراً ايجابياً على اوضاع الادارة.
كما ان هناك ظاهرة من ظواهر السلطة البعثية لا زالت مطبقة في دوائر حكومة اقليم كوردستان. و هي ان المدير العام المعتمد من قبل قيادة الحزب او من قبل المسؤولين يملك صلاحيات اكبر من صلاحيات وزيره او اي وزير اخر. او أن مصير جميع الوزارات مرتبطة بموافقة مدير عام المالية كونه شخص له اعتبار كبير لدى القيادة.. حيث ان وزير الصحة او العدل او البلديات على سبيل المثال يسترجي من المدير العام للمالية الموافقة على صرف تخصيصات وزارته، وهذا دليل ان هناك خلل قانوني واداري مؤسساتي في حكومة أقليم كوردستان، تمنح المدير العام السيطرة الفعلية على حكومة اقليم كوردستان تحت ذريعة الحفاظ على المال العام!!كما انها دليل على ان حكومة الاقليم لا تطبق مبادئ الميزانية العامة، وليس لها انفاق سنوي محدد تضع تحت تصرف كل وزارة وفق جدول الموازنة السنوية. و تكون الوزارة مسئولة بتطبيق مبادئ الانفاق المقررة، كونه أي الوزير هو المسئول الاول في وزارته وعليه تطبيق القوانين بحذافيرها ويكون مسئولا أمام السلطات المالية في الاقليم لاي خرق او مخالفة يرتكبها هو او موظفيه. الا ان المديرية العامة للمالية قد احتكرت جميع امور المالية في الاقليم ووضع الميزانية السنوية للاقليم تحت تصرفها، رغم وجود أقسام وشعب كاملة في جميع الوزارات، وليس بامكان أي وزير الموافقة على صرف مبلغ ولو بسيط، الا بعد استحصال المديرية العامة للمالية، و ذلك بحجة الحفاظ على المال العام. في حين ان الهالة التي صنعتها هذه المديرية هي هالة مزيفة ومنفوخة وغير حقيقية، او انها تدعي بانها تملك اسراراً مالية خطيرة تتعلق بالصفقات السرية، مما يستثمرها للاحتفاظ بوظيفته وتوسيع صلاحياته على حساب تلك الاسرار. بل ان هذا الادعاء بحد ذاته اتهام للمسؤولين الحكومين والحزبيين.
من جانب اخر فان ملاكه الوظيفي في الوقت الحاضر هو (وكيل وزير المالية) الا انه لم يترك وظيفته الاولى (مدير عام المالية) ويمارس وظيفة وكيل الوزير، وهذا امر غريب لم نشاهده في اية حكومة من حكومات العالم المتخلف والمتحضر. الا ان القصد هنا واضح، حيث انه لا يفسح المجال لاي شخص ان يتقرب الى وظائفه. حيث انه يعتقد بان تلك المناصب هي ملكه الشخصي !. اوانه يتصور بانه الوحيد في هذا الاقليم يفهم الامور المالية!!. فهو يطمع في منصب الوزير او وكيل الوزير، الا انه لا يترك وظيفة المدير العام، لان صلاحيات الصرف المالي من اختصاص المديرية العامة !. او انها تنطوي على سر خطير يفضح الجميع!!.
قبل صدور قانون ديوان الرقابة المالية لاقليم كوردستان الرقم (2) لسنة 2008 والصادر من البرلمان الكوردستاني، كانت هناك مديرية للرقابة المالية تابعة لرئاسة الاقليم، الا انها كانت جامدة وتتحرك بايعاز من المديرية العامة للمالية. و رغم وجود عدد كبير من الملاك والموظفين. بل كانت تلك المديرية تعمل تحت اشراف وزارة المالية .. في حين انها كانت مديرية للرقابة المالية أي ان مهماها الوظيفية تدقيق ومراقبة اوجه الصرف والتخصيص في جميع دوائر الدولة.. الا انها لم تتحقق في أي معاملة او قضية مالية في الاقليم خلال السنوات الماضية. و إن تحركت فقد اوعزت اليها المديرية العامة للمالية. ( )
هذا هو مثال صغير جداً على اوجه الفساد الاداري والمالي.. لان كل ملاك او وظيفة له واجبات وصلاحيات محددة قانوناً.. فوزير المالية في حكومة الإقليم هو المسئول الاول عن جميع ممتلكات الخزينة في الاقليم وله الحق في البت في أي موضوع يتعلق بوزارته، و له الحق في ممارسة جميع صلاحياته بشكل قانوني .. و كما ان المدير العام للمالية هو موظف لدى وزير المالية.. ويستوجب تنفيذ جميع تعليماته القانونية بشكل حرفي.. أما اذا أصبح المدير العام اكبر من الوزير، فيعني اننا طبقنا مبادئ صدام على إداراتنا.. لان صدام كان نائباً لرئيس الجمهورية، الا انه كان ذو صلاحيات اكبر من رئيس الجمهورية من جميع النواحي. !!
هنا ماذا يشعر الوزير .. ؟.. هل يشعر انه وزير.. ؟ طبعاً لا !!. اذاً لماذا ندعي ان يكون القانون هو السيد في هذا البلد؟.



#محمد_صالح_آميدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- لجنة مستقلة: الأونروا تعاني من -مشاكل تتصل بالحيادية- وإسرائ ...
- التقرير السنوي للخارجية الأمريكية يسجل -انتهاكات جدية- لحقوق ...
- شاهد: لاجئون سودانيون يتدافعون للحصول على حصص غذائية في تشاد ...
- إسرائيل: -الأونروا- شجرة مسمومة وفاسدة جذورها -حماس-
- لجنة مراجعة أداء الأونروا ترصد -مشكلات-.. وإسرائيل تصدر بيان ...
- مراجعة: لا أدلة بعد على صلة موظفين في أونروا بالإرهاب
- البرلمان البريطاني يقرّ قانون ترحيل المهاجرين إلى رواندا
- ماذا نعرف عن القانون -المثير للجدل- الذي أقره برلمان بريطاني ...
- أهالي المحتجزين الإسرائيليين يتظاهرون أمام منزل نتنياهو ويلت ...
- بريطانيا: ريشي سوناك يتعهد بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا في ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - محمد صالح آميدي - الظروف الملائمة لتفشي الفساد السياسي و المالي و الاداري