أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - مسيحيو العراق: الجزية أو المجهول!















المزيد.....

مسيحيو العراق: الجزية أو المجهول!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3027 - 2010 / 6 / 7 - 22:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مسيحيو العراق: الجزية أو المجهول!
عبدالحسين شعبان

2010-06-07
قبل أيام تعرضت سيارة كبيرة (باص) تنقل طلاباً مسيحيين إلى هجوم أدى إلى سقوط مواطن وطالبة وجرح نحو 188 آخرين، الأمر الذي أعاد مسلسل قتل وملاحقة وخطف وتهجير المسيحيين من العراق إلى الواجهة، وقد ظلّت هذه المسألة غامضة وملتبسة على نحو شديد بعد احتلال العراق وحتى الآن، ويفسّرها البعض كجزء من أعمال العنف والإرهاب التي تشمل العراق كلّه، والبعض الآخر يعتبرها أعمالاً فردية ومتفرقة، دون النظر إليها كظاهرة منظمة ومنهجية، تتم على نحو شديد الدقة. وبكل الأحوال، فإن هذا الملف الخاص بحقوق الإنسان والانتهاكات ضد المسيحيين لم يفتح على نحو صحيح منذ سنوات، باستثناءات محدودة.
لا شك أن ما يقلقني حد الفزع هو ارتفاع أعداد الضحايا، لكن ما يخيفني وما يضاعف من حيرتي وتشتتي، هو تمزيق النسيج المجتمعي العراقي وغياب التسامح والتعايش والاعتراف بالآخر، الذي كان سمة مميزة للمجتمع العراقي، بل إن الأخطر من ذلك هو صعود نزعات الاحتراب والكراهية والحقد والثأر، تلك التي تصعب معالجتها أو الابتعاد عنها في ظل احتدام الأوضاع، لاسيَّما باستمرار استهداف المكوّنات العراقية، وبخاصة المسيحيون الذين كانوا باستمرار وعلى مدى تاريخهم القديم والحديث مصدر إثراء وخصوبة للمجتمع العراقي، خصوصاً في ظل التنوّع والتعددية والخصوصية الدينية والثقافية تلك، إذ لا يمكن الحديث عن مشاريع طموحة مثل: الديمقراطية والمواطنة والتنمية دون تأمين الحد الأدنى من مستلزمات الحياة، وأعني بذلك حفظ وضبط النظام والأمن العام وحماية أرواح وممتلكات المواطنين، وإلاّ سيصبح أي حديث عن المُثُل والأهداف العليا -ناهيكم عن الحريات والعدالة والمشاركة والمساواة- ليس أكثر من رطانة أقرب إلى لغو فارغ لا معنى له.
لا أدري ولا يمكنني أن أتصوّر كيف يكون المجتمع العراقي بلا مسيحيين وآشوريين وكلدان وأرمن، وبلا صابئة أو أيزيديين أو شبك أو أكراد فيليين أو تركمان أو غيرهم، ولعل هؤلاء كانوا الأكثر استهدافاً على مدى السنوات الماضية، رغم أن التطهير المذهبي والطائفي والإثني شمل المجموعات السكانية الكبرى الأوسع عدداً ونفوذاً وتأثيراً، لكن ما واجه هؤلاء المستضعفين كان مخيفاً بكل معاني الكلمة، لأنه يتعلق بوجودهم.
كان المسيحيون ينتشرون بالأساس في العاصمة بغداد، حيث تتجاور الكنيسة مع المسجد والجامع والكنيست اليهودي قبل تسفير اليهود عام 1950 وما بعده، وتشكّلُ تلك اللوحة، فسيفساء جميلة وتناسقاً باهراً للتنوع والتعددية الدينية، فضلاً عن تعددية اللغة والقومية للعرب والكرد والتركمان والآشوريين وغيرهم. كما ينتشر المسيحيون في البصرة وسهل نينوى، إضافة إلى أربيل ودهوك والسليمانية.
وخلال سنوات الستينيات والسبعينيات، حصلت هجرة واسعة في صفوف المسيحيين بسبب صعود بعض نبرات التمييز، واتسعت خلال الحرب العراقية- الإيرانية، وفيما بعد خلال سنوات الحصار الدولي، وإذا كانت الهجرات لعوائل أو لأفراد أو لمجموعات، فإنها بدأت بعد الاحتلال لكتل سكانية وبشرية هائلة، لاسيَّما بعد أن أصبح العيش عسيراً، وبعد استهدافات مباشرة وتفجيرات لكنائس وأماكن عبادة وقتل لرجال دين، رغم أنهم ليسوا طرفاً في الصراع المباشر الذي اتخذ شكلاً طائفياً وإثنياً، كما عانى المسيحيون من التهميش سياسياً واجتماعياً واقتصادياً تحت ذرائع مختلفة، ولعل ذلك بسبب «الهوية الدينية» أو الانتماء الديني سواء بإعلان مباشر أو من دونه! وقد فشلت الأجهزة الأمنية في حمايتهم من المتطرفين والإرهابيين، وتعرضوا لعمليات قتل وخطف وطرد وترحيل.
وحسب بعض المعلومات المتوفرة، فإن عدد المسيحيين قارب المليون (رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة) خلال فترة التسعينيات، واضطرت مجاميع واسعة منهم إلى الهجرة، وترك مساكنهم ومدنهم بعد الاحتلال. ويمكن القول إن نحو نصف المسيحيين من سكان مدينة البصرة تركوها خلال فترة المد الطائفي وسيادة التعصب المذهبي الذي استحوذ على المدينة، وهذا ما حصل في أحياء الأندلس ومناطق الباشا وجنينة والعشار والطويسة والجزائر وغيرها، وهو الأمر الذي نزفت بغداد بسببه أيضاً، وخسر العراق كفاءات وطاقات مسيحية هائلة في حي الدورة والسيدية وبغداد الجديدة والغدير والبتاوين والمشتل والكرادة وكمب سارة وشارع فلسطين والمنصور والزعفرانية وغيرها!
وخلال فترة المدّ الطائفي الشديد الغلو، وبالترافق مع تنظيمات القاعدة الإرهابية، سمع الناس عبر مكبرات الصوت ومن بعض المساجد والجوامع طلبات غريبة بترك المسيحية والتحوّل إلى الإسلام أو دفع الجزية بصفتهم «كفاراً»، وطلبوا من النساء ارتداء الحجاب، وتسلّمت عوائل مسيحية تهديدات كثيرة، بل إن بعض الرسائل حددت مبلغ الجزية الشهري، واشترطت التخلي عن بعض المهن، مثل بيع الخمور وأشرطة الفيديو والحلاقة وغيرها.
وخلال تلك الفترة العصيبة، نشط الإرهابيون والمتطرفون وأفراد من الميليشيات غير النظامية للطلب من المسيحيين ترك بيوتهم أو أن مصيرهم سيكون الموت، وبالفعل تم تنفيذ بعض العمليات ضدهم، وتعرضت بعض الكنائس إلى التفجير والتدمير، واختطف عدد من رجال الدين كما حصل للقس رعد وشان والقس باسل بلدو والقس سعد سيروب والقس دومكص البازي والقس سامي عبدالأحد والقس هاني عبدالأحد والقس نوزت بطرس. كما اغتيل في بغداد القس عادل عبودي (من الكنيسة السريانية)، والمطران بولس فرج رحو رئيس أساقفة أبرشية الموصل، والقس رغيد عزيز متّى كني من الكنيسة الكاثوليكية مع ثلاثة من الشمامسة، والقس بولس إسكندر بهنام من كنيسة السريان الأرثوذكس، وعدد من الكفاءات العسكرية والطبية والثقافية والأكاديمية في بغداد وبعقوبة والبصرة والموصل وكركوك.
ولهذه الأسباب، اضطر الآلاف من المسيحيين إلى الهرب ومغادرة بيوتهم متوجهين إلى سهل نينوى (الموصل) ومحافظتي أربيل ودهوك، ومن هناك المغادرة إلى الخارج، حيث توجد أعداد كبيرة منهم في سوريا والأردن ولبنان وتركيا، ينتظرون دورهم للرحيل إلى المنافي البعيدة! أما من لم يسعفه الحظ فيعيش في قلق وخوف دائمين وفي ظروف بالغة القسوة، حيث يضطر العديد من العوائل إلى عدم إرسال أبنائهم وبناتهم إلى المدارس بسبب حالات الفزع والرعب، ولو توفّر المال الكافي لدى هؤلاء لغادروا العراق أيضاً.
لقد كانت المسيحية الشرقية عنصر إضافة إيجابية للثقافة العربية- الإسلامية، وكان المسيحيون العراقيون جزءا حيوياً من النسيج الوطني العراقي، وأسهموا في كل فعاليات العراق الفنية والأدبية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، بحيث لا يمكن تصوّر العراق دون وجود المسيحيين منذ القدم وحتى تأسيس الدولة العراقية وإلى اليوم، ثم أليس عيباً علينا جميعاً لو غادر المسيحيون وطنهم العراق متوجهين إلى المنفى، بحجة أن من يطاردونهم يطالبونهم بدفع الجزية، وهي «أطروحة» مضى عليها أكثر من 1400 عام؟ ألم تكن قصور بني العباس تحفل بالكفاءات المسيحية؟!
وجدير بأية حكومة قادمة سواء فائزة بالقائمة (أي حصلت على أغلبية المقاعد) أو بالكتلة النيابية (الكتلة الأكبر في البرلمان حسب تفسير المحكمة الاتحادية)، أن تتوافق لوضع حد لظاهرة العنف والإرهاب وحماية الثروة البشرية من هذا النزيف للعقول والكفاءات والطبقة الوسطى، بدلاً من تعطيل كل شيء، للفوز بهذا المنصب أو ذاك!


8030 العدد - صحيفة العرب القطرية ، الإثنين 7 يونيو 2010م – الموافق 24 جمادى الآخرة 1431هـ



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائفة والطائفية: المواطنة والهوية!!
- العروبة والهوية والثقافية
- حكاية تعذيب!
- العروبة والدولة المنشودة!*
- حوار الذات وجدل الآخر
- ضوء على تدريس حقوق الانسان في العراق*
- إسلام واحد وقراءات مختلفة
- العروبة والمواطنة
- المعرفة عنصر أساسي في التعبير عن الهوية
- العروبة والأيديولوجيا
- المفكر عامر عبد الله في ذكراه العاشرة:الجوهر وجدلية الأمل وا ...
- التسامح: مثل الريح الخفيفة التي تسبق المطر!
- الإعلام وحق الحصول على المعرفة
- العراق ومعركة المياه -مصححة-
- حقيقة السجون السرية في العراق
- حلم وردي مرعب!
- الثقافة والشرعية: الوعي الموروث
- ثقافة التغيير وتغيير الثقافة
- الجواهري وسعد صالح: صديقان وثالثهما الشعر!
- العراق بعد لبنان: تجربة الحكم التوافقي-


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - مسيحيو العراق: الجزية أو المجهول!