أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم ناصر - شعرية تحظى فيها اللغة بمرتبة هامة















المزيد.....

شعرية تحظى فيها اللغة بمرتبة هامة


كريم ناصر
(Karim Nasser)


الحوار المتمدن-العدد: 3026 - 2010 / 6 / 6 - 22:38
المحور: الادب والفن
    


"بعضه سيدوم كالبلدان" مختبر لإنتاج الأفكار

اقتباسات من عمق اللغة الدلالية:

تقوم معظم قصائد المجموعة الشعرية للشاعر "علي البزاز" على بنية تحمل نبراً خاصاً يكون على الأغلب الأعمّ صادماً، لكن مع اعتبار أنَّ اللغة هي الميكانزم بكونها أساساً لطبيعتها التحتية المرموزة. وفي الأدب المخيالي يطغى الرمز على الفكرة لتصبح تابعة لصيرورات رمزية، إلاّ أنَّ هذه الصِيَغ المعلنة من حيث قوّة كثافتها تفرض حقيقة ماديّة بصيغة أفكار لا تقوم على افتراضات من الخيال، وإنّما يمكن استخلاصها من الواقع المعيش لتعرية ما يغدو مؤذياً:
"أقول للّيل لزعيم الهدم هذا:
في الحطب ما يكفي ليشغل النار عن الاشتعال
وفي الرماد هناك أحياناً رأس مغامر مسرور" ص67
(معاً نقلد الوردة مداها)
لا يعدو الشعر في الحقيقة أن يكون المرجع فقط، لا سيما حين يعالج موضوعاتٍ يصعب تحقيقها في حالة السرد، ونعزو الفرق هنا إلى ما بعد الوظيفة الشعرية، أي إلى ما هو أبعد من ذلك..
ما يكتبه الشاعر "علي البزاز" لا يمكن أن يكون شيئاً بدهياً، وهو معياره الجوهري لصنع شكل مغاير لا ينتمي إجمالاً إلى السرد. وهنا تكمن براعته الشعرية. إنّه يقبض على الثيمة الأشدّ صلابة، وهدفه الأول إشاعة حداثة في الأفكار، محاولة منه لإظهار ما هو معرفي انطلاقاً من ابستومولوجيا شعرية، وفي نفس الوقت نستخلص أنَّ هذا المستوى من الشعر يُوفّر مادة دسمة للقادرين على فهمه بشتّى الطرق حالما تحرز النتائج، ويبقى الفرق في الفهم دلالياً تنتجه قراءة صارمة.
هنالك طريقة أخرى لتجنّب الذاتية تقوم بتغريب الواقع، مثل إثبات الرمز بواسطة الاستعانة باللغة التي هي المفصل الأساس للشعر، وتشتمل على اختيار الثيمات من صنف ما سبق، لإنتاج الأفكار بغية التكثيف بدلاً من تلخيصها على نحو مماثل، وبهذه الطريقة يستطيع أن يضع الناقدَ أمام منظومة فكرية تتطلّب وعياً نقدياً يتعدّى التحليل والقراءة إلى توليد المعاني بعد فتح مغاليق النص، وذلك بفرض قوانين نقدية صارمة موازية بدرجة علاقتها بما هو قائم.

ما هو دلالي وما هو غير دلالي:

عادة ما يلجأ الشاعر إلى صياغة صارمة تحتفظ بمستواها الأُسلوبي بصفة مطلقة، لإيجاد شعرية تحظى فيها اللغة بمرتبة هامة، بعد ذلك يخلق منظوراً تقنيّاً نقيضاً للسائد عن طريق إظهار ما يعدو دلاليا، لإزاحة ما لا يعدو دلالياً. إنَّ تلك المحاولات تُعبّر عن فكرة هي في حقيقتها تفرض نموذجاً إشكالياً لإثارة نوع من الجدل الضمني في إطار التأويل، لبسط المعاني الدلالية على صيغة أفكار، كما في الحالات المذكورة:
"لا يزال هذا البصيص مقيماً بفتيله
ينأى عن فصائل الدغل" ص7
(إبقي ساهرة أيتها الزينة)
"كلّ مفتاح خائف يرتجف بيته معه" ص68
(معاً نقلد الوردة مداها)
"كالألم ونجله
كإجهاض الظلال مما تحمله من مسرّات
تركن حينئذ إلى عناية الحائط" ص46
(مرحباً أيّها الطريح يا حلاّج الوعورة)
نحن نُسمّي هذا الأُسلوب الشعري بالتحديد الانزياح، لأنّه في الإطار نفسه نستطيع أن نُميّز بداهة بين ما هو شعري وما هو غير شعري، انطلاقاً من قوّة درجة وقوعه على الجملة، ولا يوجد في الواقع شعر يخلو من مكوّناته. "إنَّ الانزياح إذاً مفهوم واسع الدلالة" بتعبير جان كوهن، كونه يضبط طبيعته اللغوية والجمالية معاً، ونحن نرى أنَّ قيمة كلّ أدب تكمن في انزياحه اللغوي، بغض النظر عن تجسيد الجانب الجمالي في هذا المقطع، وقد تكون الصيغة ناقصة دائماً في أثناء عدم تحوّلها على مستوى الدلالة، وإذا اقتنعنا بصياغة بديلة يجب أن نُغيّر معناها، لينتفي الغموض إذا ما قارناه بالمعيار، لكيما يجعلها قادرة على انجاز وظيفتها الدلالية بشكل طبيعي، وليس بالطريقة الجمالية فقط، ما دام الانزياح سمة للشعرية والمدلول معاً:
"تأتي خيول الطفل فلا تجد الساحة ولا الفارس
تصل غالباً بعد غروب السباق" ص80
(معاً نقلّد الوردة مداها)
"لا فنار يقدر على توجيه صراخي
بعدما اكتمل نهب رشده
أعكف على المنحدرات أسأل نبلها وأكمن لزنخ الوقت" ص38
(مرحباً أيّها الطريح يا حلاّج الوعورة)
"رجال كالحصرم ضاعوا من أجل العنب" ص103
(معاً نقلّد الوردة مداها)

لا معقولية الشعر مقابل وضوح الرؤية:

الواقع أنَّ فكرة الغموض من شانها أن تخرج الثيمة عن سياق معايير اللغة الدلالية، بكيفية تسمح لجزئيات طارئة أن تلغي الجانب الدلالي من النص..
سيكون ذلك مستحيلاً إذا أخدنا بنمط معيّن لا يتوفّر على معنى استراتيجي، لنجعله مثالاً خالصاً لمحتوى كتاباتنا، وبهذا الاعتبار لا نعتقد أنَّ جمالية الصورة تنبع من صياغة نجهلها، تتعذّر على الفهم:
"أسوار بعيون، نقلّل الفاحش من ذكرياتها"
(مرحباُ أيّها الطريق يا حلاّج الوعورة) ص57
"وأنا مكتوف الانهمار" ص72
(معاً نقلّد الوردة مداها)
"لي مساهمة في توبة الماء من النداوة" ص91
(معا نقلد الوردة مداها)
"جدران تنتصب في الحب" ص63
(مرحباً أيّها الطريق يا حلاج الوعورة)
"عليك بقامتك عجّل في وفاقها وإلاّ ستعوم في الوحوش" ص84
(معا نقلّد الوردة مداها)
"لمَ تقترب هذه المكائد كأنها سلالة غربان
وتترك على فخاخ الوقت في النهار البعيد عن التأنق
ظلالاً لأزهار قائظة المجد؟" ص37
(مرحباً أيّها الطريق يا حلاج الوعورة)
سيظلّ النقد عاجزاً تماماً عن تحليل ما ندعوه البنية غير المعقولة في النص الشعري، وذلك لاستحالة المعاني الملازمة لها " فما لم تكن لقصيدة ما دلالة فلن تُعتبر قصيدة" وهذا بتعبير "جان كوهن" ولكن بما أنَّ الشعر يسمح بتوظيف "الظواهر الدلالية وهي موضوع التأويل" على حدّ تعبير تزفيطان طودوروف، إذاً، فربما لا يكون مستحيلاً معرفة النص حال إخضاعه لدراسة نقدية..
وهكذا تعدّ الدلالة سمة تسعى إلى تقويض ما هو غامض ولو مجازياً، لتعوّض به النقص في التراكيب الشعرية، شريطة أن تأتي العبارات مسترسلة، فالشعر يقتضيه الاسترسال، لأنَّ قيمة صدقه تكمن في انسيابية شعريته، ذلك تقويضاً للغموض الذي يحيط بالقصيدة.
ولا ريب أنَّ تصوّر الغموض على وفق هذا السياق لا يعدو خروجاً كليّ الرؤية عن طبيعته اللغوية، ما دامت اللغة تحقّق عناصر بنائها بطريقة جدلية تتحوّل من بنية إلى أخرى، وليس من فكرة إلى أخرى. "ونحن نسمّي هذا الانتقال من فكرة إلى أخرى لا يربطها بالأولى أيّ رابط، وهذا بالذات من الصِيَغ المطروحة أمامنا الآن إنها تجمع أفكاراً لا علاقة منطقية واضحة بينها" (1)
يمكن أن نعيد الاعتبار إلى الجمل، ونقوم بدور التغيير لتشذيبها من التراكيب المعقّدة، وهي خاصية ثابتة تتضمّنها القصائد، غير أنّنا لا نعتبر مثل هذه السمات الشعرية بديلاً مسلّماً به يحتفظ بمدلول شعري معين، لكوننا نحن نقوم بإنتاجه على مستوى اللاشعري، يجب أن نضع الصياغة الأولى بعين الاعتبار، والفرق هو لغوي ناتج عن تقويم ما هو خارج عن السياق الطبيعي للغة:
"إننا مقبلون على المياه الآسنة التي نجومها تفكيرٌ في هفوة مرموقة" (إبقي ساهرة أيّتها الزينة) ص8
"وبالتأكيد يتبدّل معنى الضفاف،
القناطر الماء والعمران.
هذا كلّه ستقرعه الأجراس بفصاحة النذير" ص8
(إبقي ساهرة أيّتها الزينة)
"رأيتُ مَن يسكب النزهة في كأس مقفرة، ويتفوّه ببحيرة تستلقي أكثر مما تجري"
"كنا نبتكر الحميم من الشرفات" (معاُ نقلّد الوردة مداها) ص104
إنَّ الجمل الشعرية هنا ليست سالبة تماماً، كما أنَّ اللغة تسمح بتقديم مقاربة أعمّ لا تخضع لمنطق محدّد، سيكون للشعر مدلوله باعتباره يُحقّق هذه الغاية في مستوى من التماسك الدلالي، أي بمقدار الانزياح الذي يرتقي إلى مستوى ما هو شعري، وليس هذا شأن الشعر، إذا قيس بمقياس واقعي، وعليه يبقى انطباعنا في إطار التأويل يتلخّص في حقيقة كوننا ربما لا نعتبر الواقعية قاعدة أساسية في هذا المضمار..
يبدو أنَّ الواقعية أكثر هشاشة من غيرها، وهي بالمقابل لا تقبل دوماً بتأويل وحداتها الشعرية في أغلب الأحوال، لعدم عمق بنيتها الدلالية. وحتى نفهم أنَّ الأدب مهمّ، وهو يُعرف بعمقه أنه يجب أن يصاحبه تأويل، وقد يكون الغموض ضرورياً أحياناً للوصول إلى الأشياء، ولكن دون أن ننساق وراء تهويمات فلسفية. فشاعر مثل مَلارمي مشهور بالغموض لا بدَّ أنه يحتاج إلى مجهود كبير لفهمه، لكنه مع ذلك يبقى من علماء الشعر وأهمهم. "فالعمل الأدبي تعبير عن شيء ما، وغاية الدراسة هي الوصول إلى الشيء عبر القانون الشعري" (2)
لعلَّ ما نرمز إليه بالغموض هو ليس تعبيراً اعتباطياً يفترض قانوناً لفهم النص..
في الختام "تظل لا معقولية القصيدة أساسية، ولكنها ليست مجانية أنها الثمن الذي ينبغي دفعه مقابل وضوح من طبيعة أخرى" (3)

لا شيء يضمن للشعر قوة تناغمه غير التماسك اللغوي، ولذلك فإنَّ الكلمات التي لا تنتمي للسياق الشعري تعتبر جزءاً من خارج النص، وهو ما ندعوه الحشو، فلنأخذ هذه الصيَغ كمثال لهذه المقاربة:
"وهؤلاء إذا قالوا شيئاً،
زراعة تسري بالعاقر من الكلام
لأن وجودنا أحادي النفس" (معاً نقلّد الوردة مداها) ص83
"عناقنا صار باحةً فادحة ضباعها" ص79
(معاً نقلّد الوردة مداها)
"يا صيّاد القطيع إنني أمنحكَ الرقبة المتاحة،
وماذا بعد؟" معاً نقلّد الوردة مداها) ص71
فمادة الشعر تتضمّن غالباً وحدات دلالية متماسكة لا تقبل التجزئة، فإنَّ كلّ وحدة شعرية هي جزء من سياق كلّي صِيغَ بتقنية عالية، وما هو خارج هذه المنظومة يبقى في موضع قابل للتعديل يضمن صياغة بديلة، والشعر في كلّ الأحوال لا يُعنى بالحشو مقارنة بالسرد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
(1) جان كوهن ـ بنية اللغة الشعرية ص159
(2) تزفيطان طودوروف ـ الشعرية
(3) جان كوهن ـ كذلك نفس المصدر الأول ص194



#كريم_ناصر (هاشتاغ)       Karim_Nasser#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إختزال الفكرة على حساب البلاغة الصورية
- الصورة المبتكرة استعادة لولادة المعاني
- جمالية الصورة الشعرية في سياق النص
- الضلع: رواية التأويل وأصل المتغيّرات والمتضادّات
- -الضلع- رواية التأويل وأصل المتغيّرات والمتضادّات
- شعرية المعنى شعرية الصورة: ولد كالقهوة لخضر حسن خلف
- الجواهري شاعر عبقري
- اِيتراوالي ضوه اعيونك اهلالين
- العراق هنا: مرآة للفن والمعرفة
- الأغنية العراقية: نجاحها وإخفاقاتها
- كتاب الشمس
- إغتراب الكاتب لا اغتراب النص
- قصائد لا تعارض صيرورة الشعر ولا تقف خارج سياقاته: -الفادن غن ...
- قمر الفرسان
- رحيل جماعي إلى كمال سبتي
- إشكالية النص الشعري الدلالية: عندما تُلغى الشعرية من الخطاب ...
- المخرج العراقي هه فال أمين: البلاغة الصورية هي سرّ الفن السي ...
- إستنطاق الموجودات بلغة فوق واقعية: الأسد خلق الغزالة خلقها ل ...
- أزهار
- القمر البريّ


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم ناصر - شعرية تحظى فيها اللغة بمرتبة هامة