أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - تجمع اليسار الماركسي في سورية - جدل - العدد 7 أيار / مايو 2010















المزيد.....



جدل - العدد 7 أيار / مايو 2010


تجمع اليسار الماركسي في سورية

الحوار المتمدن-العدد: 3020 - 2010 / 5 / 31 - 08:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



مجلة فكرية - سياسية- ثقافية






يصدرها
تجمع اليسار الماركسي في سوريا -تيم-

العدد 7 أيار / مايو 2010











افتتاحية العدد
نقد مفهوم "العولمة"وظروف ظهور المفهوم
أدى فك ارتباط الدولار بالذهب عام 1971 بمبادرة من نيكسون ، إلى تعاظم إمكانية توليد مشتقات مالية تعاظماً كبيراً (سندات الخزينة وديونها ، الأسهم ، أوراق اسمية للنقود ) وتعاظم ما يسمى الاستثمار في "حافظة الأوراق المالية" كما ظهر في هذه الفترة ما يسمى بـ التكنولوجيا ذات الطابع الدولي. إن التكنولوجيا الجديدة ، التي دفعتها الحرب العالمية الثانية إلى الأمام دفعة قوية ، ذات نطاق عالمي أكثر بكثير من التكنولوجيا القديمة، ومن ثم فإن لها دلالات خاصة بالنسبة لسير العمليات الإمبريالية الجارية وفي المستقبل. وأوضح جانب لهذا النطاق هو تكنولوجيا الفضاء . فذلك العدد الكبير من محطات "الفضاء" حول الكرة الأرضية التي يديرها الفنيون الأميركيون هو أحد سمات الموقف الدولي . وكذلك يعتبر الدور الرائد للأقمار الصناعية الأميركية كوسيلة للاتصالات إحدى هذه السمات. فلم تعد "لايف" و "ريدرزدايجست" و "تايم" وأفلام هوليود ومطبوعات جهاز الاستعلامات الأميركي فقط في متناول الجميع، بل أن برامج التلفزيون الأميركية أيضاً صارت من الممكن رؤيتها فوراً: جميع الوسائل النافعة في تحقيق الوحدة "الثقافية" التي تعكس قيادة الولايات المتحدة للنظام الإمبريالي . وجاء مع هذا أيضاً ترتيب قانوني دولي جديد ، كما أشار وزير الخارجية راسك : "ولنشرع في بناء نظام واحد في العالم كله للاتصالات عن طريق الأقمار الصناعية أنشأنا مؤسسة دولية جديدة تسهم المندمجات الأميركية في ملكيتها بنصيب مع 45 حكومة"[1]
بالإضافة إلى ذلك ، لتكنولوجيا الطاقة الذرية والعقول الإلكترونية(شبكات الربط الإلكتروني؛ الإنترنت والهاتف النقال) سمات دولية خاصة . فالاستثمارات الضخمة في البحوث والتنمية التي تتطلبها هذه الصناعات تتيح ميزة خاصة للمندمجات التي تبلغ من كبر الحجم درجة توفر لها العمل على نطاق دولي .. ينبغي أن نلاحظ التزاوج السعيد بين التكنولوجيا الجديدة والمندمجات الدولية
يضاف إلى ما سبق الدور المذهل الذي بات يلعبه الاستثمار المباشر للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي . فطبقاً لما يؤكده المجلس الأميركي لغرفة التجارة الدولية يتجاوز مجموع قيمة إنتاج الشركات الأميركية في الخارج كثيراً عن 100 بليون دولار في العام. أي أنه على أساس مجموعة الإنتاج تعتبر المشروعات الأميركية في الخارج ثالث اقتصاد في العالم إذا صح أن نستخدم هذا المصطلح... وبطبيعة الحال تعتبر هذه المشروعات من كبار مستهلكي المواد الأولية والعناصر الأخرى المحلية التي تتكون منها المصنوعات." غير أنه من الجلي أن مركز الولايات المتحدة كمستثمر خارجي في أوربا متفوق على الجميع. بكلمة، فإن تدويل رأس المال بين البيوت العملاقة بلغ اليوم مستوى أكثر ارتفاعاً بكثير مما كان عليه ً عندما كتب لينين مؤلفه عن الإمبريالية[2]
وعلينا أن نضيف و نقرر كقانون للرأسمالية الاحتكارية : أن الفائض الاقتصادي يميل للارتفاع من حيث حجمه المطلق ومن حيث نسبته إلى الناتج الكلي معاً كلما تطور النظام الرأسمالي.
يحقق النظام الرأسمالي الاحتكاري زيادة في فائض الإنتاج عبر الآليات التالية:
1- التسعير الاحتكاري
2- ميل تكاليف الإنتاج للانخفاض نتيجة التقدم السريع والمتواصل في التكنولوجيا وفي إنتاجية العمل
3- إعانات الدولة الرأسمالية الاحتكارية (الدولة الإمبريالية) للبحوث الزراعية والصناعية وإعانات تسهيل اندماج الشركات القومية في الصناعات الرائدة (شيبات الذاكرة ) بهدف زيادة حصة الشركة "القومية " الأميركية في السوق الدولية.[3]
قد يبدو هذا من ناحية الشكل حجة في مصلحة الرأسمالية الاحتكارية ، إذ تبدو على هذا الشكل نظاماً رشيداً أو تقدمياً. ولو أمكن فصل اتجاهها لخفض التكلفة عن التسعير الاحتكاري على نحو ما ، وإيجاد وسيلة لاستخدام ثمار الإنتاجية المتزايدة لمصلحة المجتمع ككل ، لأصبحت هذه الحجة قوية فعلاً. ولكن هذا بالضبط ما لا يمكن تحقيقه. إن الحافز الكلي لخفض التكلفة هو زيادة الأرباح ، ويمكّن تركيب الأسواق الاحتكاري الشركات من الحصول على نصيب الأسد في ثمار الإنتاجية المتزايدة على شكل أرباح أعلى. وهذا يعني أن التكاليف المتناقصة في ظل الرأسمالية الاحتكارية تنطوي على توسيع حدود الربح باستمرار. بدوره ينطوي توسيع حدود الربح باستمرار على أرباح إجمالية تزيد ليس فقط بصفة مطلقة وإنما كحصة من الناتج القومي أيضاً. هكذا تتراكم باستمرار كتل نقدية هائلة لدى حفنة من الدول الإمبريالية سوف تجد مجالاً لتحركها في القروض قصيرة الأجل للدول التي تخضع لشروط صندوق النقد الدولي ، وفي المضاربات المالية الدولية عبر بنوك الرهن العقاري وصناديق الاستثمار.
وجاءت الفترة بعد حرب 1973 في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل وما تلاها من ارتفاع كبير في أسعار النفط ، لتحرك موجة من الكساد العالمي . فإذا ما ربط هذا الكساد وبطء نمو الاقتصاد الرأسمالي مع التحسس الإمبريالي لتباطؤ النمو السوفييتي باتجاه انعدامه ، نستطيع تبصر ما قامت به حكومة الولايات المتحدة في عهد ريغان وحومة المملكة المتحدة في عهد تاتشر من إجراءات ليبرالية جديدة شملت الاتجاه نحو خصخصة مؤسسات الدولة وشملت أيضاً تحرير حركة رؤوس الأموال العاملة في الاستثمار المباشر؛ خاصة رأس المال قصير الأجل والمضاربات الدولية
واعتباراً من 1979 سنة الإعلان الرسمي عن تبني هذه السياسات الليبرالية الجديدة ، سوف تظهر القروض قصيرة الأجل و المضاربات المالية كوسيلة لتحريك الفائض الاقتصادي من دون زيادة في الإنتاج الحقيقي ، لكنها ستلعب في الوقت نفسه دوراً مدمراً لأسواق بكاملها (أزمة النمور الآسيوية وانهيار أسواقها 1997 ، ومن ثم أزمة الغذاء العالمي والارتفاع الجنوني في أسعار مواد الغذاء الرئيسية خاصة الأرز، والارتفاع الجنوني في أسعار النفط الخام ) ، وآخرها الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت ببنوك الاستثمار وبنوك الرهن العقاري في الولايات المتحدة وامتدت بسرعة لتشمل الاقتصاد الرأسمالي عامة متسببة بموجة ركود اقتصادي وكساد شاملة.
ففي صيف 1997 "تعرضت النمور الآسيوية لحركة واسعة من المضاربات وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج بكميات هائلة مما عرّض موازين مدفوعاتها لعجز شديد. وقد تم تمويل هذه المضاربات من خلال التحويلات الخاصة والقروض الخارجية قصيرة الأجل التي شكلت في التحليل النهائي ، أموالاً ساخنة Hot Money تتطاير بسرعة من سوق نقدي لآخر في شكل أسراب جارحة تنقض على الأرباح الموجودة في ما سمي بالأسواق الناشئة بجشع شديد . ثم تلتهمها وتخرج سريعاً للخارج إلى سوق آخر ...
والحقيقة أن التزايد الهائل الذي حدث في حركة رأس المال الدولي المضارب في السنين الخمسة الأخيرة [1994-1999 ] إنما يعود إلى تأثير عولمة[انفلات] أسواق النقد من خلال تحرير المعاملات المالية وسرعة حركة وانتقال رؤوس الأموال في لمح البصر عبر وسائل الربط والاتصالات الإلكترونية بين مختلف أصقاع العالم وصعوبة مراقبة هذه الحركة من قبل البنوك المركزية . كما عضّد نمو هذه الحركة تطور الابتكارات المالية التي وفرت أشكالاً مختلفة ومتعددة من الاستثمار المضارب . كما عكست هذه الحركة النشاط الواسع الذي قامت به الشركات عابرة القوميات في هذا المجال وكذلك نشاط ما سمي بصناديق الاستثمار Investment Funds التي يصل عددها الآن على صعيد العالم إلى حوالي 770 صندوقاً استثمارياً ضخماً. تم حشد الموارد المالية لها من شركات التأمين وصناديق التأمين والمعاشات وكبريات الشركات الصناعية . وهذه الصناديق تتعامل الآن في أصول مالية تتجاوز بكثير حجم الاحتياطيات الدولية التي تملكها البنوك المركزية في مختلف دول العالم. وتشير البيانات المتاحة إلى أن المعاملات المالية في الأسهم والسندات عبر الحدود (للمقيمين وغير المقيمين) في البلدان الصناعية كانت في حدود 10 % من الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان في عام 1980 ، لكنها الآن ، تزيد على 100 % من هذا الناتج .. وقد ارتبط تزايد المعاملات المالية العالمية في الأسهم والسندات (أو فيما يسمى بالاستثمار في الحافظة المالية Portfolio Ivestment) بذلك النمو غير العادي الذي حدث في تداول النقد الأجنبي يومياً على الصعيد العالمي . فالمتوسط اليومي لحجم المعاملات في أسواق الصرف الأجنبي قد ارتفعت من حوالي 200 مليار دولار في منتصف الثمانينات إلى حوالي 1,2 تريليون دولار يومياً في عام 1996 ، وهو ما يعادل 85 % من حجم الاحتياطيات الدولية لجميع بلاد العالم . وذلك يوضح مدى الصعوبة التي أصبحت تواجهها البنوك المركزية في التأثير في أسعار صرف عملاتها الوطنية أمام جحافل رأس المال المالي الدولي قصير الأجل."[4]
"هذا النشاط المضارب الهائل الذي أصبحت تتسم به الحركة الدولية لرؤوس الأموال وعلى نحو يتجاوز بكثير حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، أصبح يشير إلى حقيقة خطرة جداً . وهي أن الشطر الأكبر من الأرباح التي أصبحت تحققها كبريات الشركات الصناعية في العالم لم يعد يتحقق في مجال الإنتاج الحقيقي ، بل في الاستثمار في حافظة الأوراق المالية . وهذا دليل دامغ على الطابع الطفيلي الذي تتسم به الرأسمالية الاحتكارية المعاصرة (الإمبريالية الرأسمالية) . كما أن هذا النشاط المضارب يقف وراء كثير من الأزمات النقدية والمالية التي حدثت في بلاد كثيرة (ومن بينها دول النمور الآسيوية) بسبب ما يسببه من ارتفاع جنوني في الأسعار دون مبرر حقيقي . ثم هبوطها مرة واحدة. تماماً مثل بالون ينتفخ أكثر من اللازم ولا بد أن تأتي لحظة انفجاره . وفي ضوء هذا النشاط المحموم والجنوني الذي حدث في ارتفاع أسعار الأصول المالية والمادية بسبب المضاربات نشأت ما تسمى " الاقتصادات المنفوخة ) التي من أنشطة المضاربات وتتهددها الأزمات " [5]
وإذا أضفنا سعي النظام الإمبريالي لاستعادة ما فقدته الشبكة الإمبريالية بعد الحرب العالمية الثانية وتفكك الدولة السوفييتية كعقبة كانت قائمة أمام حرية التحرك الأميركي الإمبريالي تكون لوحة ما يدعى بالعولمة قد اكتملت .
"فبعد انتصار الثورة الروسية 1917 دخل عنصر جديد في هذا الصراع التنافسي : النزوع إلى إعادة السيطرة على هذا الجزء من العالم الذي انفلت من النظام الإمبريالي والحاجة إلى منع مناطق أخرى من الهرب من الشبكة الإمبريالية. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية أدى اتساع الجزء الاشتراكي من العالم وتحطيم القسم الأكبر من النظام الاستعماري إلى زيادة حدة النزوع إلى إنقاذ أكبر قدر ممكن من الشبكة الإمبريالية واستعادة الأقاليم التي فقدتها. وفي هذا الإطار يتخذ الغزو صوراً مختلفة حسب الظروف: عسكرية وسياسية واقتصادية ."[6]
ومنذ 1945 كانت الظاهرة الجديدة هي تولي الولايات المتحدة زعامة النظام الإمبريالي بأكمله. إذ أنه نتيجة لنضجها الاقتصادي وقوتها العسكرية من ناحية وللتدمير الذي أحاق بمنافسيها من ناحية أخرى صار لدى الولايات المتحدة القدرة والفرصة لتنظيم الشبكة الإمبريالية المعاصرة وقيادتها.. وقد سارت عملية تنظيم النظام الإمبريالي بعد الحرب عن طريق الوكالات التي أنشئت قرب نهاية الحرب : الأمم المتحدة، البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي. وقد استطاعت الولايات المتحدة ، لأسباب مختلفة ، أن تمارس في كل منها دور الزعامة. وتم تدعيم هذا النظام عن طريق أنشطة هيئة التعمير والإغاثة ومشروع مارشال وبرامج المعونة الاقتصادية والعسكرية العديدة التي تمولها واشنطن وتسيطر عليها. [7]
لقد حاول أيديولوجيو الإمبريالية إحلال "العولمة " كمفهوم أيديولوجي وهو يؤشر إلى تحولات جزئية في عمل الإمبريالية وسياسات ليبرالية جديدة قائمة على حرية حركة رؤوس الأموال عبر الدول وعلى خصخصة المشروعات وعلى محاولة إعادة الأجزاء التي تفلتت من الشبكة الإمبريالية ، ومعتمدة على التطور التكنولوجي ذي الطابع الدولي ، محل مفهوم الإمبريالية الاقتصادي/ السياسي الشامل وذي المغزى الاجتماعي (الطبقي). لكن المحاولة فشلت إلى حد كبير مع سلسلة الغزوات الأميركية ومع احتلال العراق وأفغانستان وأخيراً مع الأزمة المالية والاقتصادية الكبيرة التي انفجرت عبر إفلاس بالجملة لبنوك الاستثمار وبنوك الرهن العقاري في الولايات المتحدة
وبعد : فإن "الدرس الهام الذي يجب تعلمه من تاريخ الرأسمالية هو أن المشاكل الكبرى (الأزمات الاقتصادية) لا تؤدي إلى انهيارها انهياراً أوتوماتيكياً... فمصير الرأسمالية في النهاية سوف تحدده فقط الطبقات الناشطة داخل المجتمع والأحزاب القائمة على هذه الطبقات والتي لديها الإرادة والقدرة على استبدال النظام القائم" [8]
هوامش
[1] هاري ماجدوف: الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم
[2] ماجوف : الإمبريالية مرجع سابق
[3] بول باران و بول سويزي : رأس المال الاحتكاري
[4] د. رمزي زكي : "المحنة الآسيوية "..
[5] د. رمزي زكي : المحنة الآسيوية..
[6] ماجدوف: الإمبريالية مرجع سابق..
[7] ماجدوف : الإمبريالية مرجع سابق..
[8] ماجدوف : الإمبريالية ، مرجع سابق



















المقالات









كلمة الأستاذ الدكتور سمير أمين بمناسبة منحه جائزة ابن رشد للفكر الحر 2009





الأزمة: الخروج من أزمة الرأسمالية أم الخروج من الرأسمالية المتأزمة!
سمير أمين
تقديم: الرأسمالية: مرحلة عابرة في التاريخ
إن مبدأ التراكم بلا نهاية وهو أساس الرأسمالية هو المرادف للنمو الرأسي المتسارع، وهو مثله مثل السرطان، يؤدي للموت. وكان جون ستيوارت ميل يفهم هذه الحقيقة ولكنه تصور أن "حالة من الثبات" يمكن أن توقف هذه العملية غير العقلانية، كما كان كينز يشاركه في تصوره لهذه العقلانية. ولكن أياً منهما لم يفهم كيف يمكن فرض التجاوز الضروري للرأسمالية، ولكن ماركس، بفهمه للدور الجوهري لصراع الطبقات الجديد، هو الذي فهم كيف يمكن قلب سلطة الطبقة الرأسمالية، المركزة اليوم في أيدي فئاتها العليا. والتراكم، وهو المرادف كذلك لعملية الإفقار، يرسم لنا الإطار الموضوعي للصراع ضد الرأسمالية. ولكن هذا الصراع يعبر عنه بشكل رئيسي، التباين المتعاظم بين رفاهية مجتمعات المركز المستفيدة من الريع الإمبريالي، وبين بؤس التخوم المسودة. وهكذا يصير هذا الصراع المحور المركزي للبديل: "الاشتراكية أو الهمجية".
والموضوع الرئيسي لهذا الخطاب هو أن الأزمة الحالية ليست أزمة مالية، ولا هي مجموع الأزمات المتراكمة لنظام، ولكنها أزمة الرأسمالية الإمبريالية للاحتكارات، التي تتعرض سيطرتها العليا المنفردة للمساءلة مرة أخرى من جانب البرولتاريا بصفة عامة، ومن جانب شعوب وأمم التخوم المسودة حتى لو كانت بازغة ظاهرياً. وعلى ذلك فالتحدي الحقيقي هو الآتي: هل ستتقابل هذه الصراعات لتفتح الطريق – أو عدة طرق – أمام الانتقال الطويل للتحول للاشتراكية العالمية؟ أو هل ستبقى متفرقة، بل هل ستتعارض الواحد مع الآخر فتفقد فاعليتها، وبذا تترك المبادرة لرأس المال الاحتكاري؟ وهذا الكتاب لا يحاول الرد على هذا التساؤل، بل يكتفي بأن يقدم العناصر التي تسمح بتحليل التحدي الذي نتحدث عنه.
الإفقار على المستوى العالمي في مركز القلب من أزمة الحضارة الرأسمالية.
لإثبات هذه العلاقة المركزية بالنسبة لتحليلي، بدا لي من الضروري في البداية أن أخضع التاريخ الحديث لاختبار "المدى الطويل". فكان من الضروري الرجوع لبداية تكوين الرأسمالية على أساس التناقضات في الأنظمة السابقة عليها ("الأنظمة الخراجية" كما أسميها)، وبهذا أقف مع الأقلية من المفكرين الذين لا يؤمنون بأن الرأسمالية قد نتجت عن ""المعجزة" الأوروبية، أو "الاستثناء الأوروبي". فأنا أؤكد، على العكس من هؤلاء، أن التناقضات الأساسية ذاتها كانت موجودة في داخل جميع الأنظمة الخراجية السابقة على الحداثة، وأن تجاوزها عن طريق الرأسمالية كان في سبيله للحدوث في البلدان غير الأوروبية.
والرأسمالية "الأوروبية" لم تكن سوى أحد الأشكال الممكنة للرد على ضرورة التطور العام، ولذا فمن المهم توضيح القسمات الخاصة لهذا الشكل. وقد لخصت هذه القسمات في جملة بسيطة وهي: التراكم بالنهب – لا في المرحلة الأولي (التراكم البدائي أو الأولي) فحسب – بل في جميع مراحلها. فهذه الرأسمالية "الأطلنطية"، بمجرد نشأتها، أخذت في غزو العالم وأعادت تشكيله على أساس الاستمرار في نهب المناطق التي استولت عليها، والتي صارت التخوم المسودة للنظام.
ولا يتعلق الأمر بالتاريخ (الماضي الذي جرى تجاوزه) وإنما بالحاضر (وبالمستقبل طالما بقينا في إطار الرأسمالية التاريخية)، وبالرأسمالية القائمة – التي لا يُتصوّر قيام غيرها. وهذا يعني أنه علينا أن ندرس جميع تناقضات الرأسمالية – في أشكالها القديمة والجديدة – والتحديات التي تمثلها – في تعبيراتها القديمة والجديدة كذلك – في هذا الإطار. علينا أن نجمعها حول المحور المركزي للعولمة المستقطِبة وهي الشكل الخاص للعولمة الرأسمالية منذ نشأتها، أي منذ خمسة قرون وحتى اليوم. وهذه العولمة ليست جديدة، بل قد بدأت مع تدمير الأمريكتين وإعادة تشكيلهما وفق متطلبات التراكم عن طريق النهب، والذي تم في القرن التاسع عشر، منذ عام 1850 تقريباً. ومع ذلك فقد فشلت هذه العولمة "المنتصرة" في فرض وجودها بشكل مستقر، فبعد أكثر بقليل من نصف قرن من الانتصار، الذي بدا وكأنه يعني "نهاية التاريخ"، اهتزت قوائمها تحت تأثير الثورة الروسية، والصراع المنتصر لتحرير بلدان آسيا وأفريقيا الذي شغل تاريخ القرن العشرين، وكون الموجة الأولى للصراع من أجل تحرير العاملين والشعوب.
ومن هنا فالرأسمالية التاريخية تحمل ما شئت من الصفات فيما عدا الثبات والبقاء، فهي لا تعدو كونها مرحلة عابرة من التاريخ. والطعن الأساسي في قيامها – الذي تعتقد الغالبية من مفكري "اليسار" أنه غير "ممكن" (بل حتى غير مرغوب فيه) – يشمل تهديدها عن طريق الصراع من أجل تحرير العاملين (البرولتاريا في مجموعها حسب تعبيري)، وصراع الشعوب المسودة (أي شعوب التخوم التي تكوِّن 85% من الإنسانية)، ولا يمكن الفصل بين هذين الجناحين من الصراع. فلا يمكن الخروج من إسار الرأسمالية عن طريق نضال البرولتاريا في مجموعها وحده، ولا عن طريق نضال الشعوب المسودة وحده. فلا خروج من الرأسمالية إلا إذا ارتبط هذان الجناحان من التحدي الواحد بالآخر، وبقدر قوة هذا الارتباط. وليس من "المؤكد" أن يتحقق هذا الارتباط وفي هذه الحالة قد يجري "تجاوز" الرأسمالية بانهيار الحضارة، بل ربما حتى انتهاء الحياة البشرية. ومن ناحية أخرى، من الممكن تحقق هذا الارتباط.
من أزمة طويلة لأخرى
ربما يكون الانهيار المالي في سبتمبر 2008 قد فاجأ الاقتصاديين التقليديين "للعولمة السعيدة"، وأربك بعض مخترعي خطاب العولمة المنتصرة منذ "سقوط جدار برلين"، كما يقولون، لكنه لم يفاجئنا نحن. فقد كنا ننتظر وقوعه – دون التنبؤ بتاريخ محدد على طريقة المنجمين – لأنه ببساطة يدخل ضمن تطور الأزمة الطويلة الأمد للرأسمالية الشائخة التي بدأت منذ أوائل سبعينات الفرن الماضي. ومن المفيد العودة لأزمة الرأسمالية الطويلة في القرن العشرين، فالتشابه بين مراحل تطور هاتين الأزمتين مثير للعجب.
دخلت الرأسمالية الصناعية المنتصرة للقرن التاسع عشر في أزمة ابتداءً من عام 1873، فقد تدهورت معدلات الربح للأسباب التي أوضحها ماركس. وكان رد فعل رأس المال القيام بحركة مزدوجة للتركيز، وللتوسع المعولم. فقد اغتصبت الاحتكارات الجديدة لنفسها جزءاً من إجمالي فائض القيمة الناتج من استغلال العمال، كما أسرعت في استكمال الغزو الاستعماري لكوكب الأرض. وسمحت هذه التحولات الهيكلية بقفزة جديدة للأرباح، وبدأت "المرحلة السعيدة" – من 1890 وحتى 1914 – للسيادة المعولمة لرأسمال الاحتكارات المالية. وامتدح الخطاب السائد للمرحلة الاستعمار (بالحديث عن "المهمة الحضارية")، ووصف العولمة بأنها مرادفة للسلام، وانضمت أحزاب الاشتراكية الديمقراطية العمالية لهذا الخطاب. ومع ذلك فقد انتهت "المرحلة السعيدة" التي اعتبرها أغلب المفكرين المرموقين في ذلك الوقت "نهاية التاريخ" بالحرب العالمية الأولى، وكان لينين وحده الذي توقع ذلك. وكانت المرحلة التالية التي استمرت حتى غداة الحرب العالمية الثانية، مرحلة "الحروب والثورات". وبعد عزل الثورة الروسية ("الحلقة الضعيفة" للنظام) في عام 1920، وبعد هزيمة الآمال في الثورة في أوروبا الوسطى، أعاد رأس المال المالي نظام "المرحلة السعيدة" رغم كل الاعتبارات. وأدت هذه الإعادة للانهيار المالي لعام 1929، والكساد الذي ترتب عليه واستمر حتى الحرب العالمية الثانية.
وهكذا "فالقرن العشرون الطويل" – 1873 ـ 1990 – هو قرن ظهور أزمة النظام العميقة الأولى للرأسمالية الشائخة (لدرجة أن لينين اعتبر أن رأسمالية الاحتكارات هي "المرحلة العليا" للرأسمالية)، وكذلك قرن الموجة الأولى المنتصرة للثورات ضد الرأسمالية (في روسيا والصين)، والحركات المعادية للإمبريالية لشعوب آسيا وأفريقيا.
وبدأت أزمة النظام العميقة الثانية في عام 1971، مع تخلي الولايات المتحدة عن قاعدة الذهب لتحويل الدولار، أي بعد قرن كامل تقريباً من بداية الأزمة الأولى. وهبطت معدلات الأرباح والاستثمار والنمو (ولم تعد أبداً لقيمتها في السنوات 1945/1975). ورد رأس للمال على التحدي كما في الأزمة السابقة، بحركة مزدوجة للتركيز والعولمة، وهكذا أقام هياكل "المرحلة السعيدة" الثانية (1990/2008) للعولمة المالية التي تسمح للمجموعات الاحتكارية بتحقيق الريع الاحتكاري. واستمعنا للخطاب القديم مرة أخرى: فالسوق هو الذي يضمن الرواج والديمقراطية والسلام؛ إنها "نهاية التاريخ". وانضم اشتراكيو أوروبا كما في السابق للبرالية الجديدة. ومع ذلك فقد ارتبطت هذه "المرحلة السعيدة" الجديدة منذ بدايتها بالحرب، وهي حرب الشمال ضد الجنوب المعلنة منذ عام 1990. وكما أدت العولمة المالية الأولى إلى 1929، أدت نظيرتها الثانية إلى 2008. ونحن الآن على شفا لحظة حرجة من الزمان قد تكون الفاتحة لموجة جديدة من "الحروب والثورات"، خاصة والسلطات القائمة لا تفكر إلا في إعادة النظام إلى ما كان عليه قبل الانهيار المالي. والتشابه بين تطور هاتين الأزمتين الطويلتين للنظام الرأسمالي الشائخ ملفت للأنظار، ولكن هناك مع ذلك اختلافات لها أهمية سياسية.
الخروج من أزمة الرأسمالية أم الخروج من الرأسمالية المتأزمة؟
خلف الأزمة المالية تقف أزمة نظام رأسمالية الاحتكارات
الرأسمالية المعاصرة هي قبل كل شيء رأسمالية الاحتكارات بكل ما يعنيه ذلك (الأمر الذي لم يكن إلا جزئياً حتى الآن). وأعني بهذا أن الاحتكارات هي وحدها التي تتحكم في إعادة إنتاج نظام الإنتاج في مجمله، وهي "مالية" بمعنى أنها وحدها التي تسيطر على سوق رؤوس الأموال. وهذه الطبيعة المالية تضفي على أسواق المال والنقود – وهي أسواقهم التي يتنافسون على السيطرة عليها – صفة السوق السائدة التي تسيطر بدورها على أسواق العمل وأسواق تبادل السلع. وهذه الطبيعة المالية المعولمة تحول الطبقة البرجوازية الحاكمة إلى طُغمة (أوليغاركية) تجمع الريع، فالأوليغاركيون ليسوا من الروس فقط كما يقال كثيراً، بل هم المسيطرون في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان. و يجب تحديد الشكل الجديد للعولمة الرأسمالية التي تقابل هذا التحول من نظيرتها في "المرحلة السعيدة" الأولى، وقد عبرت عن ذلك في جملة واضحة وهي: تحول الإمبريالية من صيغة الجمع (أي القوى الإمبريالية المتصارعة باستمرار فيما بينها)، إلى الإمبريالية الجماعية للثالوث (الولايات المتحدة وأوروبا واليابان).
والاحتكارات التي ظهرت رداً على أزمة الأرباح الأولى قامت على أسس زادت من عنف المنافسة بين القوى الإمبريالية الرئيسية في تلك المرحلة، وأدت إلى الصراع العسكري الكبير الذي بدأ في عام 1914، واستمر عبر سنوات سلام فرساي ثم الحرب العالمية الثانية حتى عام 1945. وقد أطلقنا أريجي، وفرانك، وفالرشتاين، وأنا (سمير أمين) منذ عام 1970، على هذه المرحلة اسم "حرب الثلاثين عاماً"، وقد تابعنا آخرون في استخدام هذا الوصف.
وفي المقابل، قامت الموجة الثانية من التركيز الاحتكاري في أعوام السبعينيات على أسس مختلفة تماماً، في إطار نظام أطلقتَ عليه: "الإمبريالية الجماعية" للثالوث (الولايات المتحدة وأوروبا واليابان). وفي هذه العولمة الإمبريالية الجديدة لا تسيطر المراكز عن طريق سيادة احتكارات الإنتاج الصناعي (كما كان الحال حتى الآن)، ولكن عن طريق وسائل أخرى (السيطرة على التكنولوجيا، والأسواق المالية، والحصول على الموارد الطبيعية للكوكب، ووسائط المعلومات والاتصال، وأسلحة الدمار الشامل). وهذا النظام الذي أسميته "التمييز العنصري (الأبارتهيد) على المستوى العالمي"، ينطوي على الحرب الدائمة ضد الدول والشعوب المعارضة، وهي الحرب التي بدأت منذ عام 1990، بعملية السيطرة العسكرية على العالم من جانب الولايات المتحدة وحلفائها التابعين في حلف الأطلنطي. والطبيعة المالية لهذا النظام، ترتبط في تحليلي بطبيعته الاحتكارية المؤكدة، فهي علاقة عضوية أساسية. وهذا الرأي الذي فصلته في الكتاب، ليس السائد في الأدبيات الكثيرة للاقتصاديين التقليديين، بل حتى في أغلب الكتابات الانتقادية المتعلقة بالأزمة الحالية.
وهذا النظام في مجموعه هو الذي يمر حالياً بالصعوبات
والوقائع أمامنا: فالانهيار المالي لم يعد يؤدي لمجرد تراجع أو ركود مؤقت، بل إلى كساد عميق. وحتى قبل ذلك، كانت الأبعاد الأخرى لأزمة النظام بادية للعيان. فنحن نذكر العناوين العريضة - أزمة الطاقة، والأزمة الغذائية، وأزمات البيئة والتغيير الإيكولوجي – ونطالع كل يوم التحليلات المتعلقة بهذه التحديات المعاصرة، وبعضها جيد جداً. ومع ذلك فأنا أنتقد بشدة هذه الطريقة في معالجة أزمة النظام الرأسمالي التي تعزل الأبعاد المختلفة للتحديات بعضها عن البعض. بناء عليه أعيد تسمية "الأزمات" المختلفة بوصفها الأوجه المتعددة لذات التحدي وهو الموجه لنظام العولمة الرأسمالية المعاصرة (لبرالية كانت أم لا)، القائمة على أساس أن الريع الإمبريالي يُجبى على المستوى العالمي لصالح رأسمالية الاحتكارات. وتجري المعركة الحقيقية على هذه الأرض الحاسمة بين الاحتكارات التي تعمل على إنتاج وإعادة إنتاج الظروف التي تسمح لها بالاستيلاء على الريع الإمبريالي، وبين ضحاياها جميعاً وهم العاملين والشعوب. وهكذا، "فأزمة الطاقة" ليس سببها ندرة بعض مواردها (البترول بالطبع)، ولا من باب أولى الآثار المخربة لأنماط الإنتاج والاستهلاك الشرهة في استخدام الطاقة السائدة حالياً. وهذه جميعاً أوصاف صحيحة ولكنها مجرد حقائق بسيطة معروفة للكافة. ولكن الأزمة ناتجة عن رغبة الاحتكارات الإمبريالية الجماعية في أن تضمن احتكارها للحصول على الموارد الطبيعية للكوكب سواء أكانت نادرة أم لا، بحيث تحصل على الريع الإمبريالي، وسواء بقي استخدام هذه الموارد على حاله (الإسراف في الطاقة)، أو جرى إتباع سياسات "بيئية" صحيحة جديدة.
وبالطريقة نفسها، فأزمة الغذاء ليس سببها التوسع في إنتاج الوقود من المصادر النباتية على حساب الغذاء، رغم أن هذا التوسع حقيقي وضار، ولكن سببها الحقيقي هو التراكم عن طريق النهب لفلاحي العالم، الذين اتسعت حركتهم خلال سنوات "المرحلة السعيدة" التي قاربت على الانتهاء تحت أعيننا اليوم. وهذا النهب للفلاحين (في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية) هو الشكل الرئيسي لعملية الإفقار (بالمعنى الذي يرسمه ماركس لهذا "القانون") المرتبط بالتراكم. وهذا النهب مرتبط ارتباطاً لا ينفصم بإستراتيجية حصول الاحتكارات على الريع الإمبريالي سواء أُنتج الوقود من مواد الغذاء أم لم يُنتج.
الخروج من أزمة الرأسمالية أم الخروج من الرأسمالية المتأزمة؟
العنوان الذي اخترته لهذا الكتاب، كنت قد اقترحته بالاشتراك مع أندريه جوندر فرانك في عام 1974. فقد قادنا التحليل الذي اقترحناه للأزمة الكبرى التي كنا نعتقد أنها بدأت بالفعل إلى الاستنتاج بأن رد فعل رأس المال سيكون بالقيام بموجة جديدة من عمليات التركيز وعلى أساسها سيقوم بنقل المصانع على نطاق واسع، وهو ما أثبتته الوقائع التالية تماماً. وقد كان عنوان مداخلتنا في ندوة "المانيفستو"[بيان الحزب الشيوعي] في روما في ذلك التاريخ، هو: "دعونا لا ننتظر 1984" (في إشارة لكتاب جورج أورويل الشهير بنفس العنوان). فقد دعونا اليسار الراديكالي وقتها للتوقف عن مساعدة رأس المال على "الخروج من الأزمة" لإتباع استراتيجيات تؤدي "للخروج من الرأسمالية المتأزمة". وقد تابعت خط التحليل هذا بعناد لا أعتذر عنه. وقد اقترحت رؤية للأشكال الجديدة لسيطرة المراكز الإمبريالية مبنية على أُسس للسيطرة تختلف عن الشكل القديم للاحتكارات الصناعية الأمر الذي أكده صعود الاقتصادات "البازغة" (الناشئة) مؤخراً. وقد سميت العولمة الجديدة "بالتمييز العنصري (الأبارتهيد) على نطاق العالم"، الذي يؤدي للإدارة العسكرية للعالم، ويستمر، تحت ظروف جديدة، في عملية الاستقطاب المرتبط بتوسع "الرأسمالية كما هي في الواقع".
هل ستكون الموجة الثانية لتحرير الشعوب مجرد "تكرار" للقرن العشرين أم أفضل؟
ليس هناك من بديل للمستقبل الاشتراكي .
تحكم عالمنا المعاصر الاحتكارات المالية للولايات المتحدة وأوروبا واليابان، التي لا تسيطر على الحياة الاقتصادية وحسب، وإنما على الحياة السياسية واليومية كذلك. وهناك كذلك الاحتكارات الروسية التي تحاول الدولة الروسية السيطرة عليها، وفي الصين هناك رجال الدولة. وفي بقية بلدان الكوكب نجد الأوتوقراط ( المستبدين المتخفين أحياناً وراء بعض مظاهر "الديمقراطية الانتخابية" ذات المستوى المنخفض). وتمر إدارة العالم تحت هذه الاحتكارات بحالة أزمة. وتعتقد احتكارات الشمال أنها ستبقى في مراكز السلطة بعد انتهاء الأزمة، فهي لا تشعر بالتهديد. أما الأوتوقراطيات في الجنوب فحالتها الهشة بينة، وهذا يعني أن العولمة الحالية هشة بدورها. فهل ستتعرض للتشكيك في بقائها تحت تأثير ثورة الجنوب كما حدث في القرن العشرين؟ هذا أمر محتمل، ولكنه محزن، لأن الإنسانية لن تبدأ السير على طريق الاشتراكية، وهي البديل الوحيد للفوضى، إلا إذا هُزمت سلطة الاحتكارات وحلفائها وخدامها في بلدان الشمال والجنوب معاً.
عاشت أممية الشعوب في مواجهة كوزموبوليتية (عولمية) الاحتكارات.
هل من الممكن عودة رأسمالية الاحتكارات المالية المعولمة لاعتلاء صهوة الحصان؟
الرأسمالية "لبرالية" بطبيعتها لا بالمعنى الجميل للكلمة، ولكن بمعنى التحقيق الكامل لسيطرة رأس المال لا على العمال والاقتصاد فحسب، ولكن على جميع مظاهر الحياة الاجتماعية. فلا يوجد "اقتصاد السوق" (وهو التعبير الشائع عن الرأسمالية)، دون "مجتمع السوق"، ورأس المال يجري وراء هذا الهدف الوحيد. إنه يجري وراء المال ... التراكم في حد ذاته. وقد فهم ماركس هذه الحقيقة جيداً، ومن بعده بعض المفكرين الانتقادين مثل كينز، ولكن لم يفهمها الاقتصاديون التقليديون بمن فيهم اليساريون.
وقد فرضت الطبقات الحاكمة بعناد هذا النموذج للسيطرة الكاملة لرأس المال طوال سنوات الأزمة الطويلة وحتى عام 1945. وكان الانتصار الثلاثي للديمقراطية، والاشتراكية، وحركة تحرير الشعوب، هو وحده الذي سمح باستبدال التعايش الصدامي للأنظمة الثلاثة المقننة: "دولة الرفاهية" للاشتراكية الديمقراطية في الغرب، والاشتراكية كما هي في الواقع في الشرق، والوطنية الشعبية في الجنوب، بالنموذج الرأسمالي القح. لكن انقطاع أنفاس هذه الأنظمة الثلاث، ثم انهيارها، سمح بعودة السيطرة الكاملة لرأس المال النيولبرالي (الليبرالي الجديد). وقد جمعت بين هذه "اللبرالية" وبعض الصفات الجديدة الأخرى فيما أطلقت عليه اسم "الرأسمالية الشائخة".
وكان الكتاب الذي ظهر في عام 2001 حاملاً هذا الاسم من الأعمال النادرة في تلك الحقبة، التي بدلاً من اعتبار النيوليبرالية المالية المعولمة "نهاية التاريخ"، حللها كنظام شائخ غير مستقر محكوم عليه بالانهيار ابتداءً من بعده المالي (كعب أخيل، كما كتبت). وقد ألقى الاقتصاديون التقليديون آذاناً صماء لكل ما يمس أفكارهم الجامدة الدوغماطيقية، للدرجة التي جعلتهم لا يتصورون وقوع الانهيار المالي لعام 2008. أما من اعتبرتهم وسائط الإعلام من المنتقدين فلا يستحقون هذا الوصف، فـ ستيغليتس مثلاً يعتقد أنه من الممكن عودة النظام بشكله السابق – اللبرالية المالية المعولمة – إلى وضع القيادة بشرط القيام ببعض التصحيحات. أما أماراتيا سين فيعظ بتطبيق مبادئ الأخلاق دون أن يجرؤ على النظر إلى الرأسمالية على حقيقتها الحتمية في الواقع.
دفعت الكوارث الاجتماعية التي سببتها اللبرالية – الجنة الدائمة للرأسمالية كما وصفتها – لبعض الحنين للماضي القريب أو البعيد. ولكن هذا الحنين ليس الرد على التحدي، فهو نتيجة لغياب الفكر النظري الانتقادي بما سمح بعدم فهم التناقضات الداخلية، وحدود أنظمة ما بعد الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي جعل التآكل والتخبطات ثم انهيار هذه الأنظمة تبدو وكأنها كوارث غير متوقعة. ومع ذلك، ففي الفراغ الذي خلقه غياب الفكر النظري الانتقادي، أخذ وعي ذو بعد جديد بالأزمة النظامية للحضارة يشق طريقه، وأشير هنا للمدافعين عن البيئة. ولكن الخضر الذين قرروا أن يميزوا أنفسهم بوضوح عن الزرق (المحافظون واللبراليون)، وعن الحمر (الاشتراكيون)، وضعوا أنفسهم في مأزق لأنهم لم يدمجوا البعد البيئي للتحدي مع الانتقاد الجذري للرأسمالية.
كانت جميع الظروف مهيأة إذن لانتصار – المؤقت فعلاً وإن بدا أنه "نهائي" – البديل المسمى "الديمقراطية اللبرالية". وهو فكر بائس – بل إنه ليس فكراً بالمرة – يتجاهل قول ماركس القاطع بشأن هذه الديمقراطية البرجوازية التي تتجاهل أن من يقررون ليسوا هم المعنيين بهذه القرارات المتخذة. من يقررون اليوم، مستندين للسلطة المستمدة من المِلكية، هم أصحاب رأس المال الاحتكاري والدول التابعة لهم. وبطبيعة الأشياء فالعمال والشعوب الخاضعة لهم هم ضحايا هؤلاء المتمكنين. وكان من الممكن أن تنجح هذه الأوهام لبعض الوقت حيث لم يتمكن ذوو الأفكار الدوغماطيقية من أن يفهموا أسباب تخبط هذه النظم لما بعد الحرب العالمية. لذلك بدا أن "الديمقراطية اللبرالية" هي "أفضل النظم الممكنة".
ولكن الكارثة الليبرالية تفرض إعادة الانتقاد الجذري للرأسمالية على أسس الفكر الماركسي كما يقتضي الأمر، وهذا الكتاب يدخل في إطار مساهمة المؤلف في هذا الجهد.
واليوم، تعمل السلطات القائمة، التي لم تتوقع ما حدث، على إعادة النظام ذاته كما كان. ونجاحهم في ذلك، مثل نجاح المحافظين في عام 1920 – الذي أدانه كينز في حينه دون استجابة – لن يؤدي إلا إلى مضاعفة عنف التناقضات التي أدت للانهيار المالي في عام 2008. والاجتماع الأخير لمجموعة العشرين (في لندن في أبريل 2009) لا تعني بالمرة "إعادة بناء العالم"، وليس من المصادفة أن تبعتها فوراً قمة الأطلنطي وهي الذراع المسلح للإمبريالية اليوم، وما أكدته من تعزيز جهدها العسكري في أفغانستان، فالحرب الدائمة للشمال ضد الجنوب يجب أن تستمر. وليس أقل خطورة أن اقتصاديي "اليسار" قد انضموا منذ وقت طويل لأغلب أطروحات الاقتصاد الشائعة، وأقروا بالفكرة – الخاطئة – عن رشاد السوق. فقد ركزوا جهودهم على تحديد شروط هذا الرشاد، متخلين بذلك عن ماركس – الذي أثبت عدم رشاد السوق من وجهة نظر تحرير العاملين والشعوب – باعتبار أن فكره "قد عفا عليه الزمن". إنهم يعتقدون بمرونة الرأسمالية، وأنها تتكيف مع متطلبات التقدم التكنولوجي (وحتى الاجتماعي إذا فُرض عليها ذلك). واقتصاديو "اليسار" هؤلاء لم يكونوا على استعداد لفهم أن الأزمة التي انفجرت كانت حتمية، وهم أقل استعداداً لمواجهة التحديات التي تواجه الشعوب بسبب هذه الأزمة. ومثل بقية الاقتصاديين المبتذلين، يعملون على تخفيف حدة الأضرار، دون أن يفهموا أنه لتحقيق ذلك يجب إتباع طريق آخر، وهو تجاوز المنطق الأساسي للرأسمالية. وبدلاً من محاولة الخروج من الرأسمالية المتأزمة، يتصورون أنه من الممكن الخروج من أزمة الرأسمالية.
هل من الممكن حدوث تقدم في نضال تحرير الشعوب؟
تتميز الإدارة السياسية لسيطرة رأس المال الاحتكاري على العالم، بالضرورة، بالعنف الشديد. فللاحتفاظ بوضعها كبلدان متمتعة بالرفاهية، تضطر بلدان الثالوث الإمبريالي للاستحواذ على الموارد الطبيعية للعالم لها وحدها. ولتحقيق هذا الهدف تكتسب العولمة الإمبريالية طابعها العسكري، وهو ما أطلقت عليه "إمبراطورية الفوضى" (وهو عنوان أحد كتبي في 2001)، وقد استخدم البعض هذا الوصف بعد ذلك.
وتنفيذاً لسياسة واشنطن للسيطرة العسكرية على العالم والتي أدت لعدد من "الحروب الوقائية" بحجة "الحرب على الإرهاب"، ادعى حلف الأطلنطي لنفسه الحق في "تمثيل الجماعة الدولية" مهمشاً بذلك الأمم المتحدة وهي الهيئة الوحيدة الجديرة بذلك الحق.
وبالطبع فالأهداف الحقيقية لا يمكن التصريح بها، ولإخفائها اختارت القوى المسيطرة أن تستخدم خطاب الديمقراطية، وأعطت لنفسها "الحق في التدخل" لفرض "احترام حقوق الإنسان"!
وفي الوقت نفسه، أفرغت السلطة المطلقة للاحتكارات ممارسات الديمقراطية البرجوازية من مضمونها. ففي حين كانت الأوضاع القديمة تقتضي التفاوض السياسي بين المكونات الاجتماعية للكتلة الحاكمة من أجل إعادة إنتاج سلطة رأس المال، فرضت الإدارة السياسية الجديدة للاحتكارات، عن طريق عملية لا تسييس منظمة، نظام "الوفاق العام" (طبقاً للنموذج الأمريكي)، ليحل المستهلك والمتفرج السياسي محل المواطن النشط الضامن للديمقراطية الحقيقية. وهذا الفيروس الليبرالي (طبقاً لعنوان كتيب نشرته في عام 2005)، يلغي فرصة اختيار البدائل الممكنة، ويقيم بدلها الوفاق حول اختيار الديمقراطية البرلمانية الشكلية.
وأساس المأساة هو انقطاع أنفاس النماذج الثلاثة للإدارة الاجتماعية التي أشرنا إليها أعلاه، ثم انهيارها. وهكذا انتهت الموجة الأولى للنضال من أجل التحرر ولم تبدأ الموجة الثانية بعد، وفي الظلام الذي يفصل الموجتين تحوم الوحوش، كما يقول غرا مشي.
وفي الشمال، تؤدي هذه التطورات إلى تفريغ الديمقراطية من مضمونها، يختفي هذا التراجع تحت ستار خطاب "ما بعد الحداثة" الذي يدعي اختفاء الأمم والطبقات من المسرح السياسي ليحل محلها "الفرد" الذي صار العضو الفاعل في التحول الاجتماعي. وفي الجنوب، تحتل أوهام أخرى واجهة المسرح، مثل وهم تنمية رأسمالية مستقلة في إطار العولمة تسود بين الطبقات المسيطرة والمتوسطة للبلدان "الناشئة"، ويشجعها النجاحات التي تحققت في العقود القريبة. وهناك كذلك الأوهام الماضوية (الدينية أو العرقية) في البلدان المتروكة لحالها.
والأمر الأخطر هو أن هذه التطورات تساعد على الالتفاف حول "أيديولوجية الاستهلاك" بافتراض أن النمو الكمي للاستهلاك يعني التقدم. وقد بين ماركس أن طريقة الإنتاج هي التي تحدد طريقة الاستهلاك وليس العكس كما يدعي الاقتصاد المبتذل. وهنا يضيع الأمل في مستوى أعلى للرشاد الإنساني وهو أساس المشروع الاشتراكي، وتضيع الفرص الهائلة التي يمنحها التقدم التكنولوجي للإنسانية لتحقيق الازدهار للأفراد والمجتمعات في الشمال كما في الجنوب، تحت تأثير التبديد المستمر لها من أجل تحقيق التراكم الرأسمالي المتواصل. والأخطر من ذلك، هو الارتباط بين التقدم المستمر في الإنتاجية الاجتماعية وبين آليات الإفقار (الواضح على المستوى العالمي كما في حالة الهجوم على المجتمعات الفلاحيّة) وقد شرح ماركس هذه الفكرة بوضوح.
والوقوع في الانحراف الأيديولوجي الناتج عن الرأسمالية ليس وقفاً على المجتمعات المرفهة للمراكز الإمبريالية، فشعوب التخوم، وإن كانت غالبيتها العظمى محرومة من المستويات المعقولة للاستهلاك، فإن طموحها للوصول إلى مستويات استهلاك مناظرة للشمال المرفه، قد يعميها عن حقيقة أن تطبيق منطق الرأسمالية التاريخية يجعل من المستحيل تعميم مستواها في الاستهلاك على الكوكب بأكمله.
من السهل أن نفهم إذن أن ازدياد حدة التناقضات الداخلية الراجعة للتراكم الرأسمالي هي السبب المباشر للانهيار المالي في عام 2008. ولا يمكن تصور الخروج من الفوضى الناتجة عن ازدياد حدة التناقضات الداخلية للنظام دون تدخل قوى تحمل فكراً بديلاً (وفي هذا السياق حددتُ "الطريق الثوري" في مواجهة فكرة تجاوز نظام فقد جدواه تاريخياً بمجرد "التقادم"). وفي ظل الأوضاع الراهنة، تبقى حركات الاحتجاج الاجتماعية، على الرغم من ارتفاع وتيرتها بوضوح، عاجزة في مجموعها عن التشكيك في النظام الاجتماعي المرتبط برأسمالية الاحتكارات لعدم امتلاكها برنامجاً سياسياً في مستوى التحديات.
ويختلف الحال كثيراً اليوم عن الوضع السائد في حقبة الثلاثينيات حيث كانت تتواجه قوات تنادي بخيارات اشتراكية من جانب، وأحزاب فاشية من الجانب الآخر، ونتج عن هذه المواجهة قيام الجبهة الشعبية والصفقة الجديدة (New Deal) من جانب، والحلول الفاشية من الجانب الآخر.
وتعمق الأزمة شيء لا يمكن تجنبه، حتى في حالة نجاح عودة نظام سيطرة رأس المال الاحتكاري للسلطة – وهو أمر لا يمكن استبعاده. وفي هذه الحالة لا يمكن استبعاد تجذر أشكال النضال، رغم ما قد يواجهه ذلك من عراقيل.
ويعني هذا التجذر في بلدان الثالوث، وضع شعار نزع ملكية الاحتكارات على جدول الأعمال، وهو أمر يبدو مستبعداً في المدى القريب. وبناء عليه لا يمكن استبعاد فكرة استمرار استقرار مجتمعات الثالوث حتى بالرغم من الاضطرابات الناتجة عن الأزمة. وفي المقابل هناك احتمال قائم "بتكرار" موجة نضال التحرر التي سادت في القرن الماضي وبالتالي تهديد النظام من جانب بعض تخومه.
وهنا احتمال لمرحلة جديدة لـ "صحوة الجنوب" (طبقاً لعنوان كتابي الصادر في عام 2007 الذي يعتبر مرحلة باندونج كالمرحلة الأولى لتلك الصحوة). وفي أحسن الظروف يمكن للتقدم الناجح في هذا الاتجاه أن يفرض على الإمبريالية التراجع عن مشروعها الإجرامي الجنوني بالسيطرة العسكرية على العالم. وفي هذه الحالة يمكن للحركة الديمقراطية في بلدان المركز أن تساهم بإيجابية في تحقيق هذا الهدف. وفضلاً عن ذلك، فانخفاض الريع الإمبريالي الذي تستفيد منه هذه المجتمعات، والراجع لإعادة ضبط التوازنات الدولية لمصلحة الجنوب (وخاصة لمصلحة الصين) سيعمل على إيقاظ الوعي الاشتراكي. ولكن من ناحية أخرى، ستبقى مجتمعات الجنوب في مواجهة ذات التحديات مما يضع حداً لتقدمها.
ويبقى سيناريو "التكرار الدقيق" أقل من أن يحقق سير الإنسانية في الطريق الطويل نحو الاشتراكية العالمية، فأحد الشروط المهمة الضرورية لجعل هذا الهدف ممكناً هو بالتأكيد تجديد الفكر الماركسي الخلاق.
أختم إذن بتكرار عبارة غرامشي: تحليل متشائم، ولكن إرادة متفائلة..
























قراءة معاصرة
لابن خلدون
د. غريغوار مرشو
يتدافع عديدٌ من الباحثين والمفكرين ومراكز الأبحاث إلى استبعاث الذكرى المئوية السادسة لغياب ابن خلدون (1332-1406) سواء خارج نطاق الجامعات أو داخلها. كل ذلك من أجل الاحتفاء به على أساس أن فكرَه الفلسفي بتفرعاته التاريخية الاجتماعية والسياسية معاصرٌ. وهذا من موقع الاعتقاد أن فكره وثيق الارتباط بواقعنا نظراً لما عكسته في تحليلاته من أوضاع في زمنه تناظر ما نحن فيه من أوضاع عربية قائمة ومؤثرة في سير الاجتماع العربي السياسي وما نجمَ عنه من عقل عربي.
فسؤالي هنا هل احتفاليتنا به هي من أجل تكريم أمواتنا العظماء ومن قبيل رد الجميل لهم أو التباهي بهم فحسب؟ وهل إحياؤنا لذكراه هو من باب الاستنساخ على أساس ماتركه لنا من إرث علمي يمكن أن يكون مفتاحاً مسلَّماً باليد لقراءة واقعنا اليوم؟ ثم إذا كان في جوانب عديدة من فكره تتقاطع مع ما نعيشه في حاضرنا فهل تتماهى مع ما كان يحكمُ عصره من مسار ومآل محتوم؟ إذا كان مفكرنا ابن خلدون سلَّط الأضواء، كشاهد، على أسباب الأُفول للحضارة العربية الإسلامية ودق ناقوس الخطر بعد فوات الأوان، فهل نحن نستقيل عقلاً وفكراً وبحثاً ونكون شهوداً سلبيين على مآل الحال الكارثي المنقادين إليه؟ أم نتدارك الأمر باستفزاز عقولنا وتحريضها على التفكُّر والتبصُّر لا التذكُّر والتبطُّر لاستخلاص الدروس والعبر مثلما استفز ابن خلدون عقله وأنتج ما أنتجه من إرث مضيء استثمرته الدول- الأمم الأوروبية للنهوض وأنجبت حضارتها؟ ألا يُحمِّلنا ذكراه مسؤوليات جِسام تتطلب منا استكمال واجتراح مفاهيم جديدة تستنهضُ طاقات مجتمعاتنا المهدورة والمصادرة لنكون جديرين بما تحمَّله مفكرُنا من مسؤوليات تجاه عصره، لكن قبل فوات الأوان؟
انطلاقاً من هذه المساءلات سأحاول استخلاص بعض النقاط الإستراتيجية التي أوحتها لي مقدمة ابن خلدون، تحديداً، على الصعيد المعرفي.
أولاً- ما يحتاجه العرب والمسلمون وبقية الشعوب هو تغيير نظرتهم للتاريخ ومن ضمنه تاريخهم ويخرجون من غَفْلَةِ المنظورات المذهبية والعقائدية والاجتزائية الخانقة. لكن ليصار إلى معرفة واكتناه الكيفية. يُستلْزم التعامل مع واقع العالم المتغير الذي هو حاضر التاريخ البشري، لأن المسألة ليست مسألة التاريخ بحد ذاته وتصنيمه وإنما هي مسألة حاضر بمختلف معطياته الجديدة. لقد تأسس الوعي العربي الإسلامي الحديث على نظرات استيهامية للتاريخ وما يهمها من هذا التاريخ هو البطولات والأمجاد التي اعتقلت في أحيان كثيرة في مقصورات الأسطرة والخرافة مما ضخَّ في نمط هذا الوعي وعياً مزيفاً مضللاً بواقع التاريخ الذي تتحرك قوانينه كما تتحرك قوانين العالم المعاصر مع اختلاف المتغيرات والمعطيات المستجدة. وهي قوانين تشي دروسها عن أن تاريخ الأمم هو صعود وتراجع ثم صعود في مسار آخر وفق الإرادة العامة. إذ لا توجد أمة خرجت من التاريخ إلى الأبد إلا إذا كابرت وأصرَّت على إعادته بحرفيته أو استنساخه.
ثانياً- تكمن أهمية تأسيس وعي التاريخ على نحو صحيح لأية أمة حينما تشتد معاناة شعبَها في حاضره إلى الحد الذي يمدُّ نُخبَهُ المسؤولة بعناصر الرؤية الصحيحة بما يمرُّ به هذا الشعبُ عوضاً عن الصريخ والعويل والاستمرار في جلد الذات والبكاء على المصير الشقي. أقول ذلك لأن الوعي بحقيقة التاريخ دون تغليب تيار مذهبي على آخر أو جماعة على أخرى هو شرط لامناص منه لفهم واقع هذا العالم والتعامل معه بكيفية عملية صادقة صحيحة، بخلاف النظرة الاستيهامية الرومانسية التي لا ترى ضالتَها إلا في حياة الأفراد والجماعات على حساب التعامل مع واقع العالم وتحدياته المتسارعة والزاحفة، لأن مثل هذه النظرة إن بقيت هي الطاغية على ردود فعل الأمة فإن مصيرها محكوم إما بالانتحار البطيء وإما بعودة المكبوت ليثأر وحشياً من الحاضر.
يحضرني هنا موقفُ ابن خلدون نفسه برؤيته التاريخية حينما استطاع أن يتعامل مع واقع الغزو المغولي لديار الإسلام بلقاء تيمورلنك عند أسوار دمشق والتحدث معه، رغم هول الكارثة في تلك اللحظة، مطالباً إياه الحد من دمار الغازي. نجد بالمقارنة أن بعض شعراء عرب تلبَّستهم الحساسية الشعرية المفرطة- أبرزهم خليل حاوي- انتحروا جسدياً وحرفياً، حيال واقع الغزو الإسرائيلي الذي بدا لحظتها مروعاً في حسّ الشاعر، لكن له ما قبله وما بعده في رؤية المؤرخ الذي يستبصر، بحسه الفلسفي الشامل، المشهد في تواصله البعيد لا في لحظته الآنية السريعة فحسب.
لعله ليس من قبيل المصادفة أن نرى ابن خلدون حينما شرح علمه الجديد في العمران البشري والاجتماع الإنساني "الذي أعثر عليه البحث وأدى إليه الغوص" حسب تعبيره حرص على التنبيه أنه "ليس من علم الخطابة" لدرايته بطغيان هذا الجانب البلاغي أو البياني في التكوين العربي على حساب الجانب البرهاني العقلي. فبهكذا وعي بالتاريخ على نحو علمي يُصبح مقدمة لفهم العالم المعاصر موضوعياً على اختلاف تحدياته وضغوطاته. إذ لا يمكن بأي شكل من الأشكال لأية سياسة أو حركة أو أمة أن تعيش استيهامات معزوة للتاريخ أن تواجه العالم وتحدياته وتتمكن من تغييره لصالحها. بذلك يغدو وعي التاريخ والعالم المعاصر وجهان لحقيقة واحدة.
ثالثاً- يبقى تحذير ابن خلدون فيما نبه إليه من دورة انهيار تاريخي شبه حتمي للأنظمة السياسية العربية الإسلامية التي تباشر بالحزم والتقشف، ثم تنتهي أجيالها التالية تدريجياً إلى الترف والاستهلاك المهلك والتقليد الأعمى.. المسار الذي يُفقدها استحقاقات فضيلة الممانعة والمدافعة عن حياض الأوطان. هذه الدورات التي حلَّلها ابن خلدون هل تستطيعُ أنظمتنا السياسية الراهنة تحطيم أغلالها والتحرر منها مع شعوبها والاستقواء بها، إلى آفاق تاريخية جديدة ترتسم فيها الآمال القابلة للتحقق؟.
في الحقيقة الجواب ليس سهلاً أمام هذا القانون الخلدوني الذي استند إلى شواهد تاريخية متواترة ونلمسه اليوم لمس اليد ونراه بأم العين المجردة، في العديد من الأنظمة العربية الراهنة التي رهنت إرادتها لإملاءات الخارج والاستقواء به على حساب شعوبها، مما جعل ارتسام النور في آخر هذا النفق يبدو متجاوزاً لزمن ابن خلدون. لكن إذا كان لابد من أن يتمثل فهو يتمثل في حركة إصلاح شجاعة وجذرية شاملة للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. غير أن هذه الأمنية العظيمة مشروط تنفيذها وانجازها فيما لو امتلكت هذه الأنظمة السياسية العربية إرادة التغيير المتماشي مع حركة التاريخ وليس الإبقاء على الوضع الشمولي الراهن الذي يوفر للقوى الطامعة فرصة الاحتلال بذريعة التحرير ودعاوى الإنقاذ بينما الحقيقة هي تقسيم المقسم وزرع الفتنة مابين الجماعات المحلية والوقوع في المجهول، تحت شعار "الفوضى الخلاقة" أو "الديمقراطية" الملغَّمة بأسلحة الدمار الشامل.
وفي مضمار تلخيص ابن خلدون لواقع نهاية مثل هذه الأنظمة في ماضينا يتكلم بإصرار عن مخاطر "الترف المؤذن بخراب العمران" المتمثل في عصرنا بالمظاهر الاستهلاكية الاستعراضية المتسببة والمنفلتة التي تعيشها نخب هذا النظام العربي في لامبالاة بالأخطار المحدقة. بصريح العبارة لو كان ابن خلدون حياً يرزق وشاهد الانقضاض المفجع اليوم على أرباح الأسهم خاصة في دول النفط بما تعكسه من عقلية متقاعسة تُضاعف الربح بلا إنتاج لكان لسان حاله يقول صارخاً: "هذا هو الترف المؤذن بخراب العمران… أي عمرانكم الراهن اليوم".
ثم يترافق، بنظر ابن خلدون، مع هذا "الترف في تخريب العمران" ظلمُ الرعية" حسب تعبيره، الذي يضطر هؤلاء إلى الانقلاب على سلاطينهم واصطفافهم إلى جانب الأعداء، داعياً سلاطين عصره إلى اكتساب قلوب "الرعية" بالمودة والإحسان والعفو تعزيزاً لدولهم ذاتها. وفي تحذير آخر يُنبِّه إلى أن "التجارة من السلطان مضرة بالرعايا ومفسدة الجباية"، بما معناه النظام الضريبي في عصره، وهو ما يشي عن واقع الفساد واجتياحه النظام العربي إلى يومنا هذا بمختلف أبعاده المدمرة.
رابعاً- لقد بدا أن ابن خلدون كان معادياً في الظاهر للفلسفة عندما كتب يقول "إبطال الفلسفة وفساد منتحليها" لكنه في واقع الأمر، وفي ضوء ما عرفناه عن فلسفته الاجتماعية والتاريخية يُعتبر في مقدمة أولئك المفكرين السبَّاقين الذين أنزلوا الفلسفة من الفضاءات الأفلاطونية إلى الأرض من أجل فهم العالم. فقد قطع مع فلسفة الميتافيزيقا لإحلال محلها فلسفة الفيزياء المجتمعية التي يمكن لعقل الإنسان أن يتفاعل معها. والواقع أن نهجه العقلاني الواقعي هذا يبقى من خلال مقدمته ليس مجرد دروس وعبر في كيفية قراءة الواقع والتاريخ وإنما مهمازاً يستفز عقولنا ويحضها على إعمال التفكر على واقعنا لتأسيس وعي عربي جديد قادر على التعامل مع العالم بموضوعية فاعلة وإلا سيكون مصيرنا ليس مندرجاً في نفس المسار الانهياري الذي استعرضه ابن خلدون لا بل مندرجاً في نفس المآل الذي لحق بالهنود الحمر ولكن في القرن الواحد والعشرين. كل من يتناول فكره بغاية اختزاله إلى اختصاص محدد فهو يغمطُ حقه ويسيء لفهم فلسفته. وإذا كان ابن خلدون قد شغل وأدهش وأذهل كل من تناول فكرَه في عصره وما بعده فهذا يدلُّ على أنه أراد أن يُعيدَ للفلسفة جذوتها ومكانتها كأم للعلوم لا كأَمَة للعلوم كما هو سائد ورائج في عالمنا العربي الإسلامي. وخاصة في زمن حيث كان فيه ابن خلدون تلتهم الأمة كل ألوان حرائق الفساد والإفساد والتمزق للحمة الأمة. "إن هذا يجعلنا نفكر بضرورة البدء بتجفيف منابع الفساد والإفساد المستشري في واقعنا الحالي.. تماماً كما رآه ابن خلدون في عصره" يجعلنا مما حثَّه على تجنيد كل أشكال التراكم المعرفي في عصره من أجل تشخيص مجريات الإحداث. كما أن يعتقَ الفلسفة من قبضة الذين شيَّعوا مراسم دفنها ثم عادوا ومسخوها وحرَّفوها عن رسالتها الحقيقية إلى أن حوَّلوها إلى الانشغال الحصري بالإلهيات أو الانصراف إلى تصنيع المعميات والحذلقات والسفسطات اللفظوية بطريقة إتجارية هابطة. كل ذلك بدلاً من أن يكون صُلبُ اهتمامها ممحوراً حول شؤون الدنيا وشجون العباد لتدبر إدارة أمور حياتهم، على اختلاف الأصعدة، بدراية وحكمة. لقد كان ينطوي إذاً هاجس ابن خلدون على وضع الحكام والسلاطين والفقهاء أمام مسؤولياتهم تجاه دنياهم ودينهم كون الله استخلف البشر على هذه الأرض ليتدافعوا فيما بينهم من أجل إعمارها والسمو بإنسانية الإنسان لا استعباده وممارسة كل أشكال الضغوطات الابتزازية المادية والمعنوية عليه.














ملف العدد


حول الإمبريالية
نصوص مقترحة لطاولة مستديرة
مع وقائع ندوة حوارية

المحتويات:
1- نجيب رومية: حول كتاب لينين: "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية- وصف مبسط"
2- نايف سلّوم: " حول الإمبريالية
استعراض الأدب الاقتصادي/ السياسي الماركسي بعد الحرب العالمية الثانية "
3- محمد سيد رصاص: "من "الإمبريالية" إلى "العولمة""
4- معتز حيسو: حول الإمبريالية








حول كتاب لينين:
"الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية- وصف مُبسّط"
نجيب رومية
إن الدراسة التي قام بها مؤسسا الماركسية للعلاقات الإنتاجية في المجتمع الرأسمالي من حيث نشوئها وتطورها وانهيارها هي دراسة للنظام الرأسمالي في الفترة التي سبقت المرحلة الاحتكارية. ولكن في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حلت محل المرحلة ما قبل الاحتكارية في النظام الرأسمالي مرحلة جديدة احتكارية هي الإمبريالية. ولم يعش ماركس وإنجلز ليشهدا المرحلة الاحتكارية للرأسمالية، لذلك لم يستطيعا دراستها. وقد اضطلع المكمل العظيم لرسالة ماركس وإنجلز، لينين بمهمة تحليل الإمبريالية تحليلاً ماركسياً.
وفي الثلث الأخير من القرن التاسع عشر لوحظت في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلدان الرأسمالية المتطورة ظواهر جديدة هامة. فقد رافق نمو الصناعة تركز وتمركز للرأسمال، الأمر الذي أدى بدوره إلى تكوين الاحتكارات الصناعية. وبسرعة خارقة شغلت الاحتكارات المراكز القيادية في اقتصاد البلدان الرأسمالية، وحوّل تركّز الأعمال المصرفية المصارف إلى مراكز مالية جبارة، وتمركزت في أيدي الاحتكارات تدريجياً مقادير هائلة من رؤوس الأموال. ونتيجة لتركز الإنتاج وظهور الاحتكارات واندماج البنوك مع الصناعة نشأ الرأسمال المالي. وخلال فترة قصيرة شغل الرأسمال المالي مكان السيادة في البلدان الرأسمالية، واستولت الطغمة المالية-ملوك الرأسمال المالي- على سلطة لا مثيل لها في كل مجالات الاقتصاد والسياسة في حياة المجتمع البورجوازي. ونمت التجارة العالمية بسرعة مع نمو الإنتاج. وحلت في المكان الأول إلى جانب ذلك ظاهرة جديدة خاصة بعصر الاحتكارات هي: تصدير الرأسمال. وسرعان ما حوّل تصدير الرأسمال أغلبية سكان الكرة الأرضية إلى موضوع استغلال من قبل الطغمة المالية التابعة لحفنة من البلدان المرابية. وراحت الاحتكارات الكبرى تتقاسم السوق العالمية فيما بينها بعد أن بسطت سيطرتها الكاملة على أسواق بلدانها الداخلية. وكونت الكارتيلات الدولية التي استهدف نشاطها التقسيم الاقتصادي للعالم. وخلال الربع الأخير من القرن 19 تم التوزيع الجغرافي للعالم بين الدول الكبرى وتبع ذلك صراع حامي الوطيس لتقسيم العالم بالعنف.
إن تطور الرأسمالية وقواها المنتجة وعلاقاتها الإنتاجية وتناقضاتها المستعصية ذات الحدّة المتزايدة، كل هذا هيّأ للانتقال من الرأسمالية القديمة ما قبل الاحتكارية إلى الإمبريالية.
إن مجموعة الظواهر الجديدة المحددة للامبريالية في تطور الرأسمالية تطلبت بشدة من الماركسيين تقديم تحليل علمي. إن الانتقال إلى الإمبريالية أوجد ظرفاً تاريخياً جديداً لنضال البروليتاريا الطبقي في سبيل الاشتراكية. لقد أفلست القيادات النظرية وقادة الأممية الثانية التي كانت قائمة قبل الحرب العالمية الأولى في حل هذه المسألة إفلاساً تاماً، فطمس هؤلاء القادة الجوهر الحقيقي للإمبريالية خدمة للبورجوازية وسمّموا الطبقة العاملة بسمّ الشّك بقواها، ودفعوا الحركة العمالية إلى طريق مميتة هي طريق التهادن مع أشد أعداء البروليتاريا ضراوة-البورجوازية الإمبريالية العدوانية.
وقام المحرفون تحت شعار (إعادة النظر) في موضوعات الماركسية الأساسية بإحلال اختلاقات العلم البورجوازي اللاعلمية الكاذبة محل التعاليم المبرهنة للطبقة العاملة. أما الانتهازيون الذين بقوا إلى حين متسترين بقناع (الأرثوذكسية) فاكتفوا بترديد الموضوعات الماركسية ترديداً جامداً ثم رفضوا في الظرف التاريخي اللازم إعطاء جواب ماركسي على القضايا التي طرحها العصر التاريخي الجديد، ثم انضموا إلى المحرفين المفضوحين وراحوا يؤكدون معهم "هَرَمَ" الماركسية!! ولم يبق من الأحزاب العمالية في الدول الكبرى إلا الحزب الذي أنشاه لينين في روسيا، حزب البلاشفة حزباً مخلصاً للماركسية الحية الفعالة الخلاّقة . وقاطع حزب البلاشفة الانتهازيين بحزم وقاد نضالاً لا هوادة فيه ضدّ المحرفين، وضرب مثلاً حياً على تطبيق النظرية الماركسية كمرشد للعمل في كل مراحل النضال الثوري. خانت أحزاب الأممية الثانية قضية الاشتراكية في أعوام الحرب العالمية الأولى، وخانت المصالح الحيوية للطبقة العاملة وانحدرت إلى مستنقع الاشتراكية الشوفينية. ولم يوجد حزب في مستوى القضية سوى حزب البلاشفة الذي كان في مستوى القضايا التي طرحها الظرف المعقد للحرب الإمبريالية أمام حزب البروليتاريا الثوري.
لقد ناضل الحزب الشيوعي المخلص لقضية الاشتراكية والأممية البروليتارية نضالاً دائباً حازماً ضد الحرب الإمبريالية المجرمة ومن أجل تحويل هذه الحرب الإمبريالية إلى حرب وطنية في سبيل قلب سلطة البورجوازية وانتصار الثورة البروليتارية في روسيا. وفضح لينين دون رحمة عملاء الإمبريالية وكشف المنشأ الحقيقي والطابع الدموي للحرب العالمية الأولى. ونضجت في أعوام الحرب العالمية الأولى في روسيا أعظم ثورة شعبية كما نضج انهيار القيصرية والإمبريالية نضوجاً مباشراً، وأعد الحزب الشيوعي الطبقة العاملة لتقويض أسس الرأسمالية. وأكد لينين في مقدمة كتابه عن الإمبريالية ضرورة الإلمام بالسؤال الاقتصادي الأساسي الذي لا يمكن دون دراسته فهم شيء في مجال تقدير الحرب المعاصرة والسياسة المعاصرة. وهذا السؤال بالذات هو: مسألة الجوهر الاقتصادي للإمبريالية. أنشأ لينين كتابه عن الإمبريالية (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية) في عام 1916 ولكن الكتاب لم يطبع إلا بعد قلب السلطة القيصرية في عام 1917.
ولاحظ لينين في مقدمة الطبعة الفرنسية والطبعة الألمانية لكتابه أنه قد طرح أمامه مهمة إظهار لوحة تطور الاقتصاد الرأسمالي العالمي في علاقاته لدولية المتبادلة في بداية القرن العشرين عن طريق معطيات الإحصائيات الرسمية واعترافات العلماء البورجوازيين في جميع البلدان.
إن البحث اللينيني عن الإمبريالية هو ثمرة عمل جبار . وكتابه (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية) لا يعتبر على وجه العموم أرسخ ما كتب عن الإمبريالية فحسب علمياً، بل إنه يبدو أيضاً نوعاً من الحصيلة النقدية لكل ما كتب قبله في هذا الموضوع، إذ أن لينين فد أعمل في سابقيه ثناء أو تحطيماً، إلا أنه استخدمهم جميعاً. يقول كرجنتسيف في كتابه "حياة لينين": "من أجل كتابة هذا الكتاب كان قد قرأ مئات الكتب بكل اللغات ونسخ شواهد طويلة ، وكتب ثلاثة مجلدات من الأعمال التمهيدية والمسودات. إنه لم يهمل أي كتاب أو مقال هام يتعلق بالإمبريالية".
يتألف كتاب لينين من قسمين: فبينما تحدد الفصول من الأول حتى السادس ما هي العناصر التي تؤلف الإمبريالية حسبما ظهرت في التاريخ فإن الفصول من السابع وحتى العاشر قد خصصت بالأحرى لصياغة تركيب حول الإمبريالية ونقدها بوصفها معطى إجمالياً.
الفصول من الأول وحتى السادس:
يبرهن لينين أولاً على أن [النمو العجيب في الصناعة والعملية بالغة السرعة لتركيز الإنتاج في منشآت تزداد ضخامة، هما ما يؤلف إحدى الخصائص الأشد تمييزاً للرأسمالية]. ويورد لينين منذ ذلك الوقت مثال الولايات المتحدة، حيث يخرج حوالي نصف الإنتاج عن واحد بالمائة من إجمالي عدد المنشآت، أي عن ثلاثة ألاف منشاة عملاقة، تهيمن على 268 فرعاً صناعياً. ويستطرد قائلاً "يبدو من هنا أن التركيز عندما يبلغ درجة معينة من نموه، يؤدي من تلقاء ذاته- كما يقال- إلى الاحتكار مباشرة، ذلك أن بضع عشرات من المنشآت العملاقة تستطيع أن تتوسع بسهولة..". ثم يخلص إلى القول: "إن هذا التحول الذي يقلب المنافسة إلى احتكار هو إحدى الظاهرات الأعظم أهمية - إن لم تكن هي الأهم- في اقتصاد الرأسمالية الحالية".
ويتمسك لينين بماركس الذي كان في كتابه (رأس المال):
"يبرهن بتحليل الرأسمالية على صعيد النظرية والتاريخ، على أن المنافسة الحرة تولّد تركيز الإنتاج، وأن هذه بدورها عندما تبلغ درجة معينة من نموها تؤدي إلى الاحتكار". ويلح لينين على أن [الاختلافات القائمة ما بين البلدان الرأسمالية بصدد نزعتي الحماية وحرية التبادل مثلاً لا تترتب عليها إلا اختلافات زهيدة] في شكل أو في تاريخ ظهور الاحتكارات. ويوضح مرة أخرى:"مولد الاحتكارات، وهو نتيجة تركيز الإنتاج هو قانون عام وأساسي في تطور الرأسمالية في الطور الحالي".
ولا يمكن برأي لينين تقدير بأس الاحتكارات ودورها على نحو كامل إلا تبعاً لدور المصارف الذي صار بارزاً. ثم يدرس لينين بإنعام النظر التركيز المصرفي وسرعة حدوثه، ولاسيما في ألمانيا لكي يبرز: "كيف أن تركيز رؤوس الأموال واتساع الأعمال يعدلان من أهمية المصارف على نحو جذري". وهو يوضح أن المصارف عندما تتخذ عملياتها "اتساعاً هائلاً" يصل لها الأمر أولاً إلى معرفة أوضاع الرأسماليين المنعزلين، ثم إلى الإشراف عليهم، وأخيراً إلى تقرير مصيرهم".
وبعد ملاحظة أن استبدال الرأسمالية الجديدة التي يسيطر عليها الاحتكار بالرأسمالية التنافسية العتيقة يستتبع فيما يستتبع تناقصاً في أهمية البورصة، يلح لينين على فكرة أن "منتهى تطور المصارف إنما هو الاحتكار". وأن نتيجته هي "تبعية أتمّ فأتمّ للرأسمالية الصناعية نحو المصرف". ويظهر هذا من خلال "الارتباط الشخصي ما بين المصارف والمنشآت الصناعية والتجارية الضخمة، واندماج الأولى والأخيرة عن طريق اقتناء الأسهم ودخول مديري المصارف في مجالس الإشراف أو مجالس الإدارة للمنشآت الصناعية والتجارية، والعكس بالعكس". وينهي لينين فصله الثاني بقوله: "إن القرن العشرين يسجل على هذا النحو منعطفاً، حيث تحل الرأسمالية الجديدة محل القديمة، وحيث تحل سيطرة رأس المال المالي محل سيطرة رأس المال على وجه العموم.
[إن رأس المال المصرفي هذا- أي رأس المال النقدي-الذي يتحول في الحقيقة وعلى هذا النحو إلى رأس مال صناعي أدعوه الرأسمال المالي. إن رأس المال المالي هو إذن رأس المال الذي يتوفر للمصارف والذي يستخدمه الصناعيون]. بهذا الاقتباس عن هيلفردينغ يباشر لينين فصله الثالث. ثم يعمد إلى وصف "كيف أن سيطرة الاحتكارات الرأسمالية في نطاق الإنتاج البضاعي والملكية الخاصة كنظام عام لا بد لها من أن تغدو سيطرة الطغمة المالية".
إنه يرى أن ثمة بالأساس "نظام المساهمة" الذي يسمح بالتحكم في أعمال إحدى الشركات المساهمة باحتلال ما لا يزيد 40 % من أسهمها. ليس من شأن هذا التحكم أن يزيد من قدرة المحتكرين إلى ما لانهاية فحسب بل أنه يبيح أيضاً أسوأ أنواع التلاعب. إذ أن زعماء الشركة الأم ليسوا مسؤولين في نظر القانون عن الشركات الفعلية المستقلة حقوقياً يضيف رأس المال المالي إلى الأرباح الحاصلة من الشركات الفرعية العاملة في الصناعة والتجارة الأرباح الفاحشة التي يحنيها من تأسيس الشركات وإصدار الأوراق المالية، ومن قروض الدولة ..الخ.. تسهم هذه الأرباح وتلك في تثبيت سيادة الطغمة المالية. ولذا ففي فترات التراجع حيث تبيد المنشآت الصغيرة أو غير المستقرة، تمارس المصارف الكبيرة شراء الأسهم بثمن بخس وعمليات (تنقية) و(إعادة التنظيم) التي تؤدي إلى تعاظم بأسها. ويلاحظ لينين أخيراً أن الرأسمالية تختص "بإقامة الفصل ما بين تملك رأس المال وتطبيقه في الصناعة" ما بين رأس المال النقدي ورأس المال الصناعي، ما بين صاحب الريع المزدهر بالأول والصناعي الذي يستثمر بالثاني.
إن الإمبريالية في نظر لينين "تلك الدرجة العليا من الرأسمالية". حيث يبلغ هذا الفصل "مبلغاً هائلاً" "إن هيمنة رأس المال المالي على كل أشكال رأس المال تعني سيطرة صاحب الريع والطغمة المالية، وتعني وضعاً خاصاً يتبوؤه عدد قليل من الدول "القوية" من الوجهة المالية بين سائر الدول".
يبدأ لينين فصله الرابع والأساسي بهذا التوكيد القاطع "إن ما كان يميز الرأسمالية القديمة، حيث كانت المنافسة الحرة مطلقة السيادة، إنما كان تصدير البضائع. وما يميز الرأسمالية الراهنة، حيث تسود الاحتكارات إنما هو تصدير رؤوس الأموال". ولكنه بعدما أكد هذا راح يبرهن عليه ويشرحه:
ينتج "فائض من رؤوس الأموال" ضخم في البلدان المتقدة عن نمو الرأسمالية الاحتكارية والمالية التي سبق دراستها. ولكن النمو غير المتكافئ هو أحد قوانين الرأسمالية، ومن جرائه ومن جراء البحث عن جعل الربح يصل إلى حده الأقصى، فإن رؤوس الأموال الفائضة هذه لا تتوظّف في بلدان منشئها، مع أن الزراعة متخلّفة في هذه البلدان، بل يتم تصديرها بالأحرى إلى البلدان المتخلفة حيث تكون الأرباح عالية.
"إن ضرورة تصدير رؤوس الأموال ردّها إلى (فرط نضج) الرأسمالية في بعض البلدان، حيث يفتقر رأس المال إلى ميادين التوظيف "المؤاتية" نظراً لتخلف الزراعة وبؤس الجماهير..
يبين لينين استناداً إلى الأرقام أن تصدير رؤوس الأموال "لم يبلغ نمواً عجيباً إلا في مطلع القرن العشرين". ثم يرى أن الإمبريالية البريطانية أميل أن تكون "مستعمرة" في حين أن الإمبريالية الفرنسية "يمكن نعتها بالمرابية".
يبدو أن موضوعة لينين حول تصدير رؤوس الأموال ، في معارضة تصدير البضائع، تُفهم أحياناً على نحو رديء وتُفَسّر على أنها حلول تصدير الأول محل الثاني، وهذا تفسير مغلوط دون شك. إن تصدير رؤوس الأموال يكتسب عند لينين أهمية خاصة" ليس إلا..
إن لينين بعيد عن أن يرى فيه ما يحل محل تصدير البضائع، إذ هو يلاحظ ويوضح أنه كثيراً ما "يغدو تصدير رؤوس الأموال إلى الخارج..وسيلة لتشجيع تصدير البضائع" الذي غدا عسيراً من جرّاء التوسع في الحماية بالتعرفات الجمركية.
إن الشيء الجوهري الذي ينبغي تذكره عن لينين بصدد تصدير رؤوس الأموال هو أن رأس المال المالي يمدّ شباكه على بلدان العالم كافة" بهذه الوسيلة وأن "البلدان التي تصدر رؤوس الأموال قد تقاسمت العالم بالمعنى المجازي للكلمة". يلاحظ لينين بداية وفي الفصل الخامس أن الرأسمالية قد خلقت السوق العالمية منذ عهد بعيد" وفي إطار هذه السوق الدولية كانت الأمور تسير "على نحو طبيعي" نحو تفاهم دولي بين أكبر اتحادات المحتكرين (نحو تشكيل كارتلات دولية). وهو يدعم موضوعته، على الأخص بالاتفاق الذي تم عام 1907 على تقاسم العالم ما بين التروستات الألمانية والأميركية للكهرباء، بعدما أوضح كيف أن كلاً منهما قد تشكل من قبل عن طريق الإدغام والمساهمة. إلا أن مثل هذه الاتفاقات على تقاسم العالم ليس لها عند لينين أي طابع نهائي، وهي لا تنفي عمليات تقاسم جديدة تنجم عن تغير في نسبة القوى. إن اقتسام العالم هو نتاج صراع دائم، ويمكن إعادة البحث فيه تبعاً لنتائج هذا الصراع. وثمة تحليل آخر ينطلقان من حالة عينية يتيح للينين إيضاح أن "الاحتكارات الخاصة والاحتكارات العائدة للدولة تختلط في عهد رأس المال المالي" إذ أن الأولى والأخيرة ليست إلا حلقات في سلسلة الصراع الإمبريالي..من أجل اقتسام العالم".
ينهي لينين في فصله الخاص بهجوم مسدد إلى كاوتسكي إذ أن المذكور وبعد الآخرين كانوا يخمنون أن تطور الكارتلات الدولية يفسح المجال للأمل بالسلم بين الشعوب في النظام الرأسمالي.
إن الكاوتسكية ذلك التيار الفكري الدولي الذي يمثّله في النمسا (باور) وفي إنكلترا (ماكدونالد) وفي فرنسا (ألبيرتوم) وفي جميع بلدان العالم جمهور من الاشتراكيين والإصلاحيين والمسالمين والديمقراطيين البورجوازيين والقساوسة.
لقد حاول كاوتسكي أن يصور الأمر وكأن الإمبريالية ليست إلا شكلاً خاصاً من سياسية الرأسمال المالي، لا ارتباط له إطلاقاً ارتباطاً ضرورياً بجوهر الإمبريالية الاقتصادي. وأكد كاوتسكي أن الإمبريالية هي نتاج الرأسمالية الصناعية المتطورة كثيراً، وتتجسد في سعي البلدان المتطورة صناعياً لتضم المزيد من المقاطعات الزراعية إليها.
لقد أبان لينين أن هذا التعريف بكامله غير علمي، وأكد أن كاوتسكي إذ يسمي نفسه ماركسياً يخطو في الواقع إلى الوراء بالنسبة إلى الاشتراكي الليبرالي المكشوف (هوبسن) الذي تمثل آراؤه نموذجاً للنقد البورجوازي الصغير التافه الذي يوّجه للإمبريالية. إن التعريف الذي أعطاه كاوتسكي للإمبريالية كما يشير لينين ليس خاطئاً فقط ولكنه أيضاً أساس لمجموعة كاملة من الآراء تختلف كلياً عن النظرية الماركسية ، والممارسة الماركسية.
إن المدافعين عن الرأسمالية يهتموّن أعظم اهتمام بالسعي إلى فصل السياسة الإمبريالية عن أساسها الاقتصادي لكي يفصلوا بين الاحتكارية في السياسة والاحتكارية في الاقتصاد، وعن نظرية كاوتسكي عن الإمبريالية ينشأ استنتاج وكأن سيطرة الاحتكارات في الاقتصاد يمكن أن تقترن بنهج عملي في السياسة غير احتكاري وغير عنيف وغير إلحاقي، وكأن اقتسام العالم السياسي الذي تم في عصر الإمبريالية يمكن أن يقترن بسياسة لا إمبريالية، وهذا يعني خنق وطمس التناقضات الجذرية للمرحلة الاحتكارية في الرأسمالية بدلاً عن كشف أعماقها. إن هذا هو الإصلاحية البورجوازية بدلاً عن الماركسية. هذا التفسير للإمبريالية خدم أثناء الحرب العالمية الأولى انتهازيي الأممية الثانية كمنطلق نظري لإحلال سياسة خائنة تهدف إلى إنقاذ الرأسمالية وخدمة البورجوازية محل السياسة الثورية الهادفة إلى قلب الرأسمالية. إن التزييف الكاوتسكي للماركسية أتاح لخونة الطبقة العاملة مجالاً واسعاً لدعم حكوماتهم البورجوازية في ظروف حرب القرصنة 1914-1918.
وينوّه لينين مرة أخرى في الفصل الخامس بـِ موضوع الصراع بين التكتلات الرأسمالية، "إذ أن أشكال الصراع يمكن أن تتغير، وهي تتغير باستمرار لأسباب شتى مؤقّتة وخاصةً نوعاً ما، في حين أن جوهر الصراع، أن محتواه الطبقي لا يسعه أن يتغيّر حقيقةً ما دامت الطبقات موجودة". ويوضح قائلاً: "لا يتقاسم الرأسماليون العالم بسبب رذالة خاصة فيهم، لكن لأن درجة التركيز التي تمّ بلوغها ترغمهم على ولوج هذه الطريق بغية جني الأرباح وإنهم يقتسمون بما يتناسب مع "رؤوس الأموال" مع "القوى الراهنة".
وعلى التوازي مع تقاسم العالم اقتصادياً بين الاتحادات الرأسمالية، "تنشأ بعض العلاقات بين الاتحادات السياسية، بين الدول، قائمة على أساس اقتسام أقاليم العالم ، على أساس الصراع من أجل المستعمرات، الصراع من أجل المجال الاقتصادي".
ويلاحظ لينين في فصله السادس أن السياسة الاستعمارية للبلدان الرأسمالية قد أنجزت تقاسم العالم عند عتبة القرن العشرين، أي أنه لن يمكن في المستقبل إلا إجراء تقاسم جديد تنتقل بموجبه بعض الأقاليم من "مالك" إلى سواه. وهو يقوم بتأريخ وتقدير نتائج الفتوحات الاستعمارية يبدو له أن "من غير المشكوك فيه أن انتقال الرأسمالية إلى طورها الاحتكاري، إلى رأس المال المالي، يرتبط باحتدام الصراع من أجل اقتسام العالم".
والأمر هو كذلك لأن "هذه الاحتكارات تكون على جانب من المتانة عندما تحصر في أيديها هي وحدها مصادر المواد الأولية كافةً.. وكلما كان تطور الرأسمالية متقدماً، حدث الإحساس بالعوز إلى المواد الأولية، وازدادت المنافسة مرارة، وصار البحث عن مصادر المواد الأولية محموماً في أرجاء الكون، واحتدم الصراع للاستيلاء على المستعمرات".
يلاحظ لينين أن "الوسائل التقنية تتطور في أيامنا بسرعة لا تُصَدَّق". ويلفت النظر إلى أن "رأس المال المالي لا يهتم فقط بمصادر المواد الأولية المعروفة منذ الآن" بل إنه "يهتم أيضاً بالمصادر الممكنة ". ومع أن لينين كان يذكر الحديد والنفط إلا أنه يولي مع ذلك أهمية خاصة للمواد الأولية الزراعية.
وأخيراً فقد كان بوسع لينين أن يلاحظ منذ زمن أن "رأس المال المالي والسياسة الدولية الموافقة له..يخلقان لأجل اقتسام العالم اقتصادياً وسياسياً أشكالاً انتقالية شتى من تبعية الدول". إنه يعني هنا "الأشكال المتنوعة من البلدان التابعة التي تنعم اسمياً بالاستقلال السياسي ولكنها في الحقيقة واقعة في شباك التبعية المالية والدبلوماسية". وهناك حالة أشباه المستعمرات، وهناك أشكال أخرى تقع بين بين- يذكر لينين الأرجنتين والبرتغال- حيث تؤلف هذه الحالات جميعاً في عصر الإمبريالية الرأسمالية "نظاماً عاماً" و"جزءاً لا يتجزأ من مجموعة العلاقات التي تتحكم في اقتسام العالم". الفصول 7-8-9-10.
"ينبغي لنا الآن أن نحاول تقديم النتيجة". هذا ما يقوله لينين مباشرة ثم يعيد رسم معالم الفصول الستة الأولى ليعطي بعدها تعريفه الشهير للإمبريالية، الذي يشمل سماتها الأساسية الخمس:
1-تركيز الإنتاج ورأس المال تركيزاً بلغ من نموه درجة عالية إلى حد أنه خلق الاحتكارات ذات الدور الحاسم في الحياة الاقتصادية.
2-اندماج رأس المال المصرفي ورأس المال الصناعي وخلق الطغمة المالية على أساس رأس المال المالي هذا.
3-تصدير رؤوس الأموال خلافاً لتصدير البضائع يرتدي أهمية خاصة.
4-تشكيل اتحادات رأسمالية احتكارية دولية تتقاسم العالم فيما بينها.
5-إنجاز تقاسم أقاليم العالم من جانب أكبر الدول لرأسمالية.
ويعود لينين ملخصاً وموضحاً فيقول:
"الإمبريالية هي الرأسمالية التي بلغت طوراً من نموها حيث تأكدت سيطرة الاحتكارات ورأس المال المالي وحيث اكتسب تصدير رؤوس الأموال أهمية في المقام الأول، وحيث بدأت التروستات الدولية تتقاسم العالم، وانتهى اقتسام أقاليم الكرة الأرضية كلها بين أكبر البلدان الرأسمالية...إن الإمبريالية بالمفهوم المذكور تمثل دون ريب طوراً خاصاً في تطور الرأسمالية".
إن معظم الفصل السابع يناقش تعريف الإمبريالية ويعرّي مفهوم كاوتسكي الذي واصل نقده طوال الفصل التاسع وعنوانه "نقد الإمبريالية". تستوقف لينين في الفصل الثامن سمة جوهرية للإمبريالية ، إذ يرى أنها تحظى على وجه العموم بأهمية أقل مما تستحق وهي "الصفة الطفيلية الخاصة بالإمبريالية". وتجد هذه الطفيلية التعبير عنها بأشكال رئيسية ثلاثة:
1- يكشف لينين في الرأسمالية الاحتكارية نزعتين متناقضتين: فتثبيت السعر الاحتكاري من جهة (يزيل حوافز التقدم التقني إلى حد ما). فهناك براءات تحفظ في الأدراج إلى أن يغدو استعمالها أمراً لا مناص منه.
ومن جهة أخرى فإن (امتلاك تخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح عن طريق إدخال التحسينات التقنية، يدفع إلى التحولات) إلا أنه يضيف:
إن النزوع إلى الركود والتعفّن، الخاص بالاحتكار يواصل تأثيره من جهته، ويتفق له أن يتقلب إلى حين في بعض الفروع الصناعية وبعض البلدان).
2-الإمبريالية هي تراكم ضخم من رأس المال النقدي في عدد ضئيل من البلدان). يذكر لينين أرقاماً عن بريطانيا: بلغ رأس المال البريطاني الموظف في الخارج عام 1893 حوالي 15% من ثروة المملكة المتحدة، ويبلغ فيها دخل أصحاب الريوع خمسة أضعاف دخل التجارة الخارجية. وفي حين أن الدخل القومي البريطاني قد تضاعف مرتين ما بين 1865-1898 فإن الدخل القادم من الخارج قد تضاعف تسع مرات في الفترة ذاتها. ينجم عن هذا اتساع فائق لفئة أصحاب الريع أي الذين يعيشون من (قص قسائم الأرباح). وهم أناس منعزلون تماماً عن الاشتراك في أية منشأة (أناس مهنتهم هي البطالة). يرى لينين في هذا جوهر (الطفيلية الإمبريالية) المميزة ليس لبريطانيا وحدها بل ولكل البلدان الإمبريالية التي تغدو "دولاً ذات ريع" أي مرابية.
"إن الدولة ذات الريع هي دولة الرأسمالية الطفيلية المتعفنة".
يرجع لينين إلى هوبسن الذي يتصوّر أن مثل هذا الوضع قد يتطور حتى يبلغ أشكالاً من التفسخ الكامل، فيقبل هذه الفرضية: "إذا كانت قوى الإمبريالية لا تلاقي مقاومة" ..ثم يضيف"إن ما لا ينبغي نسيانه هو القوى التي تهبّ في وجه الإمبريالية عموماً، وفي وجه الانتهازية خصوصاً".
3- يستشهد لينين بهوبسون ثانية إذ يقول الأخير إن دولة الطفيلية الإمبريالية تسيطر على مستعمراتها وتوابعها "بغية إثراء طبقتها الحاكمة وإفساد طبقاتها الدنيا حتى تخلد إلى الهدوء". كما يستشهد بأنجلز الذي كان منذ عام 1858، يرى البروليتاريا الإنكليزية تزادا تبرجزاً، والذي كتب عام 1882 "أما العمال فإنهم يتمتعون بكل هدوء ، مع المحافظين والأحرار) باحتكار إنكلترا الاستعماري وباحتكارها للسوق العالمية".
ويلحظ لينين أيضاً أن المهاجرين يتدفقون باضطراد على ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة لإشغال الوظائف الأردأ دخلاً، في حين أن العمال الوطنيين يغدون مراقبين أو يقومون بالأشغال الأجود دخلاً. وكتب "إن الإمبريالية تسعى إلى أن تخلق أيضاً بين العمال فئات ذات امتيازات، وأن تسلخها عن الكتلة الكبيرة من الطبقة الكادحة". وأيضاً "تتغلغل الأيديولوجية الإمبريالية كذلك في الطبقة العاملة التي لا يفصلها سور صيني عن سائر الطبقات".
أما الفصل التاسع فقد أتى فيه لينين على نقد نظرية كاوتسكي عن (ما فوق الإمبريالية) أو "ما بعد الإمبريالية".
يسوق لينين أقوال كاوتسكي التالية: "ليس محالاً من الوجهة الاقتصادية الخالصة أن تجتاز الرأسمالية طوراً جديداً، تمتد فيه سياسة الكارتلات إلى السياسة الخارجية هو طور ما بعد الإمبريالية، أي ما فوق الإمبريالية، طور اتحادات إمبرياليات العالم أجمع وليس صراعها ، طور توقف الحروب في النظام الرأسمالي، طور "استغلال الكون على نحو مشترك"."من قبل رأس المال المالي المتحد على الصعيد الدولي". وأيضاً "ألا يمكن أن تحل محل السياسة الإمبريالية الحالية سياسة جديدة، سياسة ما بعد الإمبريالية التي تستبدل بصراع رؤوس الأموال الوطنية بعضها مع بعض استغلال الكون على نحو مشترك من قبل رأس المال المالي المتّحد على الصعيد الدولي؟ إن هذا الطور الجديد من الرأسمالية هو على أية حال ممّا يمكن تصوره".
يتلخص نقد لينين في أنّ "أقوال كاوتسكي عن ما بعد الإمبريالية، الخالية من كل محتوى على الإطلاق، ليس من شانها بين أمور أخرى إلا تشجيع الفكرة التي تنطوي على خطر عميق، وتسوق الماء إلى طاحونة المدافعين عن الإمبريالية وهي الفكرة القائلة أن سيطرة رأس المال المالي تُوهن على ما يزعمون وجوه عدم التكافؤ ووجوه التناقض في الاقتصاد العالمي، هذا في حين أنها تشددها في الحقيقة".
ومن هنا تنشأ حتمية تبدل نسبة القوى بين البلدان المختلفة، الأمر الذي يؤول إلى حتمية الحروب فيما بينها بهدف إعادة اقتسام قسري لمناطق النفوذ والمستعمرات، إعادة اقتسام العالم ما دامت الإمبريالية تحتفظ بسيادتها، ولا توجد في العالم قوى تستطيع إبداء مقاومة فعّالة لاتجاهاتها الهدامة. وليست التحالفات (ما بين الإمبرياليين) أو (ما بعد الإمبريالية) إلا "هدنات" ما بين الحروب، ثم إن لينين يوافق هيلفردينغ الذي يلحظ الارتباط ما بين الإمبريالية وتشديد الاضطهاد القومي في البلدان التابعة أو المستعمرة مما يؤدي إلى "تأجيج المقاومة". ومن هنا ينشأ "احتدام التناقضات القائمة إلى الحد الأقصى في هذا المضمار أيضاً". إن نظرية كاوتسكي هي بنظر لينين "خداع للجماهير" إنها انتهازية ورجعية من حيث الأساس، وبالتالي فلا تنسجم مع الماركسية إطلاقاً.
لقد أظهر مجرى التاريخ صحة النضال اللينيني ضد الكاوتسكية بكل أشكالها. إن الفصل العاشر والأخير يحمل عنوان "مكان الإمبريالية في التاريخ". إن مجرد كون الإمبريالية اقتصادية في الجوهر، كونها رأسمالية الاحتكارات يكفي إذن لتعيين مكانها في التاريخ، إذ أن الاحتكار الذي ينشأ عن المنافسة الحرة، "هذا الانتقال من النظام الرأسمالي إلى نظام اقتصادي واجتماعي أعلى".
يذكر لينين بأربع ظاهرات للرأسمالية الاحتكارية:
1- يولد الاحتكار من تركيز الإنتاج عندما يبلغ درجة عالية جداً من التطور.
2- أدت الاحتكارات إلى تفاقم الاستيلاء على أهم مصادر المواد الأولية.
3- نشأ الاحتكار عن المصارف، إذ أن اتحاد رأس المال الصناعي ورأس المال المصرفي قد أدى إلى سيطرة الطغمة المالية.
4- نشا الاحتكار عن السياسة الاستعمارية التي بلغت غايتها
"الاحتكارات، الطغم المالية، النزوع إلى السيطرة بدلاً من النزوع إلى الحرية، استغلال عدد متعاظم من الأمم الصغيرة أو الضعيفة على يد حفنة من الأمم الغنيّة أو القوية- كل ذلك ولّد ما للإمبريالية من سمات مميزة تجعلها توصف بأنها الرأسمالية الطفيلية أو المتعفنة". ثم يستطرد لينين ليقول: "إنه من الخطأ الاعتقاد بأن هذا النزوع إلى التعفن ينفي نمو الرأسمالية نمواً سريعاً". فرغم أن تطور الرأسمالية يضحي أكثر تفاوتاً على وجه العموم "فإن الرأسمالية، على الجملة تتطور أسرع من ذي قبل بما لا يقاس".
ثم يعود لينين إلى فكرة أن الأرباح الاحتكارية العالية تسمح للرأسمالية "بإفساد بعض فئات العمال، وإفساد أقلية عمالية على جانب من الأهمية لأجَل موقوت". وهذا "ما يخلق صلة الوصل ما بين الإمبريالية والانتهازية" يؤدي هذا التحليل إلى صوغ ما يعتبره بكل وضوح بمثابة قاعدة ذهبية "الأمر الأشد خطورة بهذا الصدد هو أولئك الناس الذين لا يريدون فهم أن النضال ضد الإمبريالية يبقى عبارة فارغة وكذّابة إذا هو لم يرتبط دونما فكاك بالنضال ضد الانتهازية".
ينتج من كل هذا أنه ينبغي وصف الإمبريالية بأنها "شبيه برأسمالية انتقالية" أو بالأصح "رأسمالية محتضرة". إن علاقات الإنتاج الاجتماعية والملكية الخاصة عندما تبلغ مرحلتها الاحتكارية "تؤلف وعاء لم يعد يناسب محتواه ، وهو سوف يتفسخ بالضرورة إذا ما أُجّلت إزالته بصورة مصطنعة، ويمكن أن يبقى في حالة التفسخ زمناً طويلاً نسبياً (هذا إذا ما طال أمد شفاء الخرّاج الانتهازي، إلا أن إزالته سوف تتم حتماً".
إن إحدى النقاط الرئيسية في النقد اللينيني هي أن للإمبريالية نزعة توسعية بحكم الجوهر وبحكم الضرورة ("يتقاسم الرأسماليون العالم...لأن درجة التركيز التي تمّ بلوغها ترغمهم على ولوج هذه الطريق". وعلى هذا فالإمبريالية مدفوعة بل محكوم عليها أن تسيطر على العالم أجمع ولهذا الغرض فهي مدفوعة إلى احتلاله واقتسامه وإعادة اقتسامه.

تذييل
أ-أشكال الاحتكارات: إن الأشكال البسيطة للاحتكارات هي الاتفاقات المؤقتة على الأسعار. ويتعهّد الشركاء في اتفاق من هذا النوع على التقيد بأسعار المبيع المتفق عليها خلال فترة زمنية محدّدة؟
إن هذه الاتفاقات (البول-الرينغ-الكورنير) غالباً ما تكون غير ثابتة. وهي سرعان ما تنهار فور تغير الظرف في السوق.
وتحمل طابعاً أوطد الاتفاقات الاحتكارية حول الأسعار وشروط التصريف المسماة بالكارتيلات والسنديكات، فتتقاسم الشركاء في الكارتيل أسواق التصريف فيما بينهم ويتعهدون بعدم تخفيض أسعار بضائعهم عن الحدّ المتفق عليه. وغالباً ما يحدد الشركاء معدّلاً للتصريف ويتعهدون بعدم إنتاج بضاعة فوق المعدل، وإذا ما خالف أحدهم المعدل يدفع غرامة إلى الصندوق المشترك. إن كل مؤسسة من المؤسسات المشتركة في الكارتيل تحتفظ باستقلالها في مجالي الإنتاج والتجارة. أما في السنديك فتفقد المؤسسات استقلالها التجاري إلا أنها تحتفظ باستقلالها الحقوقي والإنتاجي. أما تصريف البضائع بل وشراء المواد الأولية أحياناً فيقعان في أيدي إدارة السنديك.
وهناك شكل أرقى من الاتحادات الاحتكارية هو التروست. فالمؤسسات المستقلة تفقد بدخولها التروست ليس فقط استقلالها التجاري وإنما استقلالها في الإنتاج أيضاً. إن المؤسسات المستقلة بدخولها التروست تنصهر كلية في مؤسسة واحدة وتنتقل إدارتها إلى إدارة التروست، ويتحول أصحاب المؤسسات إلى ممولين للتروست يأخذون من أرباحه بنسبة ما لكل منهم من الأسهم، وتنظم التروستات الإنتاج وتفرض الأسعار وتحدد شروط بيع البضائع وفترات الدفع وتوزيع الأرباح. ومع تشكل التروست تغلق عادة بعض المؤسسات الداخلة فيه. ويتركز الإنتاج في المصانع والفبارك التي تدر أرباحاً أكبر. وغالباً ما تدخل السنديكات والتروستات في اتحادات احتكارية كبيرة تسمى الكونزرنات. وتشترك في الكونزرنات الكبيرة عشرات وأحياناً مئات المؤسسات من مختلف فروع الصناعة. كما تدخل فيها المؤسسات التجارية والمصارف ومؤسسات النقل وما شابه ذلك.
وتنتقل أسهم المؤسسات الداخلة في الكونزرن إلى أيدي الجماعات الكبرى الممولة فيه، وتقوم هذه الجماعات بالرقابة والسيطرة على كميات الرأسمال الضخمة ـ وهكذا فإن الممارسة العلمية في النظام الرأسمالي يعرف مختلف أشكال الاحتكارات، من الاتفاقات المؤقتة حتى الاتجاهات العملاقة التي تشمل شتى أنواع الاقتصاد. ومهما اختلفت أشكال الاحتكارات فإن غايتها واحدة وهي السيطرة على الإنتاج والسوق، واستخدام هذه السيطرة في سبيل الحصول على أرباح فاحشة. وخلال بضع عشرات من الأعوام نما دور الاحتكارات في اقتصاد البلدان الرأسمالية وحجمها وحصتها نمواً عملاقاً.
رأس المال المالي: إن البنوك بحيازتها شتى أنواع الأوراق الثمينة والأسهم وسندات القرض من مختلف الشركات تؤسس شركات مساهمة جديدة لتصبح شريكة في مؤسسات التجارة والنقل والصناعة. وفي الوقت نفسه تمتلك الاحتكارات الصناعية أسهم البنوك المرتبطة بها. وهكذا ترتبط البنوك العملاقة بالاتحادات الاحتكارية في الصناعة أوثق ارتباط، وتجري عمليات دمج الرأسمال الاحتكاري الصناعي والمصرفي. ويحمل رأسمال الاحتكارات الصناعية والمصرفية المندمج هذا اسم رأس المال المالي. إن سيادة الرأسمال المالي هي إحدى الظواهر الرئيسية للمرحلة الرأسمالية الاحتكارية ـ الامبريالية. لذا يطلقون على الامبريالية اسم عصر رأس المال المالي أيضاً. إن اصطلاح (رأس المال المالي ) قد انتشر انتشاراً واسعاً في المنشورات الماركسية حتى قبل الحرب العالمية الأولى، وخاصة بعد ظهور كتاب رودلف هيلفردينغ. إلا أن هيلفردينغ قد عالج رأس المال المالي على أنه الرأسمال المصرفي المسيطر في الصناعة. وقد استنتج أن البنوك تسيطر على الصناعة على أساس تعميم الوقائع المتعلقة بصورة رئيسية بألمانيا في بداية القرن العشرين. هذا الفهم لرأس المال المالي كان وحيد الجانب ولذا فهو لم يكن صحيحاً. وقد أعطى لينين على أساس تعميم الحقائق الوفيرة جداً التي تصف الوضع لا في ألمانيا فحسب وإنما في البلدان الأخرى أيضاًَ تعريفاً شاملاً علمياً لمفهوم الرأسمال المالي. إن تعريف لينين لرأس المال المالي يشمل ثلاثة عناصر هامة: "ـ تركز الإنتاج ـ الاحتكارات الناشئة عن التركز ـ تشابك البنوك أو اندماجها مع الصناعة. هذا هو تاريخ نشوء رأس المال المالي ومحتوى هذا المفهوم " إن بداية القرن العشرين هي بالذات نقطة الانعطاف من الرأسمالية القديمة ما قبل الاحتكارية إلى الرأسمالية، من سيطرة رأس المال عموماً إلى سيطرة رأس المال المالي.
* - كارتيل: كلمة فرنسية تعني: الاتفاق والاتحاد.
* - سنديكا: كلمة من أصل إغريقي تعني: الاتفاق والاتحاد.













حول الإمبريالية الجديدة
استعراض الأدب الاقتصادي/ السياسي الماركسي بعد الحرب العالمية الثانية
مع فهرست بالكتب الاقتصادية/ السياسية التي تعالج الإمبريالية والتخلف و"العولمة"
نايف سلّوم
تمهيد مفتاحي
يكتب لينين في المقدمة المؤرخة في نيسان 1917 : "هذا الكتاب الذي أعرضه على أنظار القارئ وضعته في مدينة زيورخ في ربيع سنة 1916 .. وقد وضعت الكتاب آخذاً بعين الاعتبار الرقابة القيصرية . ولذا كنت مضطراً إلى الاقتصار بدقة على التحليل النظري وحده ولاسيما الاقتصادي . كذلك إلى منتهى الحذر في صياغة العدد الضئيل من الملاحظات السياسية الضرورية ؛ مضطراً إلى التلميح ؛ إلى لغة لقمان الرمزية..
الرقابة القيصرية أجبرت لينين على قصر تحليله على الجانب النظري ، وتحديداً الاقتصادي ، وإلى منتهى الحذر في صياغة العدد الضئيل من الملاحظات السياسية الضرورية لاستكمال التحليل الاقتصادي، وذلك كي يصل الكتاب إلى أكبر عدد ممكن من المهتمين وحتى لا تمنع الرقابة ظهوره.
.. لغة لقمان تلك اللغة الرمزية اللعينة" ص 5 في صياغة كهذه تظهر هامشية المسألة التراثية عند لينين ، خاصة التراث الديني في المشرق العربي.
"آمل بأن يساعد كتابي على فهم المسألة الاقتصادية الأساسية التي لا يمكن بدون دراستها فهم شيء في ماهية الحرب المعاصرة والسياسة المعاصرة ، نعني مسألة كنه الإمبريالية الاقتصادي" ص 5 (مقدمة مؤرخة : بتروغراد ، 26 نيسان 1917)
مقدمة للطبعتين الألمانية والفرنسية:
"إن مهمة الكتاب الأساسية كانت ولا تزال : أن يبين بموجب مجمل أرقام الإحصاءات البورجوازية التي لا تقبل الجدل وبموجب اعترافات العلماء البورجوازيين في جميع البلدان ، كيف كانت في بدء القرن العشرين ، قبيل الحرب الإمبريالية العالمية الأولى ، الصورة الإجمالية للاقتصاد الرأسمالي العالمي ضمن علاقاته العالمية.. " ص 7
سيكون من المفيد للكثيرين من الشيوعيين في البلدان الرأسمالية المتقدمة أن يتبينوا بمثل هذا الكتاب "العلني " من وجهة نظر الرقابة القيصرية .. بطلان نظرات الاشتراكيين المسالمين وعقدهم الآمال على " ديمقراطية عالمية " ص7
"إن الدليل على طابع الحرب الاجتماعي الحقيقي، أو بالأصح على طابعها الطبقي الحقيقي ، لا يكمن طبعاً في تاريخ الحرب الدبلوماسي ، بل في تحليل الحالة الموضوعية للطبقات المسيطرة في جميع الدول المتحاربة. وبتصوير هذه الحالة الموضوعية لا ينبغي اخذ أمثلة وأدلة منعزلة (نجد دائماً أمثلة منعزلة لتبرير أي فكرة)، بل ينبغي حتماً أخذ مجمل الأدلة عن أسس الحياة الاقتصادية في جميع الدول المتحاربة وفي العالم كله" ص8
يتطلب منهج لينين الديالكتيكي في القراءة أخذ مجمل الأدلة عن أسس الحياة الاقتصادية لدول العالم والدول المتحاربة جميعاً..
.. السكك الحديدية هي حامل جميع الفروع الرئيسية في الصناعة الرأسمالية (هذا في المرحلة الصناعية من تطور الرأسمالية) 1770-1870 أما في المرحلة الإمبريالية (الاحتكارية-المالية) فقد دخلت السيارة بقوة والمواصلات الجوية والربط الإلكتروني والاتصالات الفضائية. لقد حلت السيارة محل القطار في السيطرة في حقل المواصلات.
.. إن تفاوت التطور (تفاوت تطور سكك الحديد) هو حاصل الرأسمالية الاحتكارية الحديثة في النطاق العالمي . وهذا الحاصل يُظهر أن الحروب الإمبريالية هي أمر محتوم إطلاقاً على هذا الأساس الاقتصادي طالما بقيت وسائل الإنتاج ملكاً خاصاً (طالما بقيت مسيطرة علاقات الإنتاج الرأسمالية /علاقات الملكية الخاصة الرأسمالية).. ص9
تظهر العبارة علاقات الحروب الإمبريالية بتفاوت تطور البلدان الرأسمالية وباستمرار سيطرة الملكية الخاصة الرأسمالية.
في الواقع فإن الخيوط الرأسمالية التي تربط بألوف الشباك هذه المشاريع (سكك الحديد كاختصار أو علامة) بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج بوجه عام ، قد جعلت من هذه السكك الحديدية أداة لظلم مليار من الناس (أشباه المستعمرات إضافة إلى المستعمرات) أي لظلم أكثر من نصف سكان الأرض في البلدان التابعة، والعبيد أجراء الرأسمال في البلدان "المتمدنة" "ص 9
بينما كان ظهور السفينة ذات المحرك البخاري أداة جبارة لتحرير آلاف العبيد من عبودية العمل العضلي ، لكن هذه السفينة ذاتها غدت أداة لاستعباد الملايين في المرحلة الإمبريالية للرأسمالية (ضد النزعة التقنوية) حيث تحولت قوى الإنتاج من أدوات تحرير وبناء إلى أدوات هدم وظلم وعسف وتدمير في العصر الإمبريالي وهي إشارة إلى رجعية الإمبريالية بالمعنى التاريخي رغم التقدم الاقتصادي والتقني. يكتب لينين: "إن الملكية الخاصة القائمة على عمل صغار أصحاب الأعمال ، والمزاحمة الحرة ، والديمقراطية .. إن جميع هذه الشعارات التي يخدع بها الرأسماليون وصحافتهم العمال والفلاحين قد اندرجت بعيداً في طيات الماضي . لقد آلت الرأسمالية إلى نظام عالمي لظلم الأكثرية الكبرى من سكان الأرض استعمارياً وخنقها مالياً من قبل قبضة من البلدان "المتقدمة" " ص 9
.. الانقسام العالمي لحركة العمال بأكملها قد اتضح الآن على أتمه (الأمميتان الثانية والثالثة) . وقد اتضح كذلك واقع النضال المسلح والحرب الأهلية بين الاتجاهين: المناشفة والاشتراكيون الثوريون في روسيا يؤيدون كولتشاك ودينكين ضد البلاشفة .. فما هو إذن الأساس الاقتصادي لهذه الظاهرة التاريخية ذات الأهمية العالمية ؟ (ظاهرة الانتهازية في الحركة البروليتارية وانقسام البروليتاريا العالمية )..
إنه بالضبط في الطفيلية والتعفن الملازمين للرأسمالية في أعلى مراحلها التاريخية ؛ أي مرحلة الإمبريالية ، أو الرأسمالية المحتضرة .
يكتب لينين: "فالرأسمالية كما برهن في الكتاب الحالي ، قد أبرزت الآن حفنة من الدول في منتهى الغنى والقوة تنهب العالم كله بمجرد "قص الكوبونات" [المضاربات المالية والقروض قصيرة الأجل] . واضح أن الربح الإضافي (من تصدير الرساميل) إضافة إلى الربح الذي يعتصره الرأسماليون من عمال بلاد"هم" يمكن من رشوة زعماء العمال والفئة العليا التي تكون ارستقراطية العمال .. وأثناء الحرب الأهلية بين البروليتاريا والبورجوازية يقف هؤلاء حتماً ، بعدد كبير ، إلى جانب البورجوازية .."
.. وإذا لم يدرك المرء الجذور الاقتصادية لهذه الظاهرة (الانتهازية في حركة البروليتاريا) ، إذا لم يقدر أهميتها السياسية والاجتماعية حق قدرها لا يستطيع أن يخطو خطوة في ميدان حل المهام العملية التي تواجه الحركة الشيوعية والثورة الاجتماعية المقبلة .
الإمبريالية هي عشية الثورة الاجتماعية البروليتارية . وقد ثبت ذلك منذ 1917 في النطاق العالمي . Imperialism is the eve of the social revolution of the proletariat. This has been confirmed since 1917 on a world-wide scale
الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية نظراً لطفيلية الرأسمالية واحتضار الرأسمالية في هذه المرحلة. وهي عشية الثورة الاشتراكية لأنها ،عن طريق التمركز والاحتكار ، وضعت الأسس الاقتصادية والتقنية على المستوى العالمي للاشتراكية . ليس التمركز والاحتكار هما ما يحدد طبيعة بلد على كونه إمبريالياً ، ولكن التمركز والاحتكار في كنف علاقات الإنتاج الرأسمالية (في كنف وتحت سيادة الملكية الخاصة الرأسمالية ) . وهو ما يميز بين الاحتكار في الاقتصاد الصيني والاحتكار في الاقتصاد الأمريكي أو الياباني .(ضد الفهم التقنوي للتاريخ)
المقدمة مؤرخة في 6 تموز /يوليو 1920
أثناء السنوات الخمسة عشرة أو العشرين الأخيرة ولاسيما بعد الحرب الأميركية الأسبانية (1998) والحرب الإنكليزية البيويرية (1899- 1902 ) أخذ الأدب الاقتصادي وكذلك السياسي في العالمين القديم والجديد (أوربا وأمريكا الشمالية ) يتطرق أكثر فأكثر إلى مفهوم "الإمبريالية" لوصف العصر الذي نجتازه .. ففي سنة 1902 صدر في لندن ونيويورك مؤلف للاقتصادي الإنكليزي ج. هوبسون عنوانه : "الإمبريالية" .. وقد أعطى وصفاً ممتازاً مفصلاً لخواص الإمبريالية الاقتصادية والسياسية الأساسية . وفي سنة 1910 صدر في فيينا مؤلف الماركسي النمساوي رودولف هلفردينغ : "الرأسمال المالي؛ أحدث المراحل في تطور الرأسمالية ".. هذا الكتاب عبارة عن تحليل نظري قيم للغاية "لأحدث المراحل في تطور الرأسمالية " كما ينص العنوان الثانوي لمؤلف هيلفردينغ " ص15
.. إن ما قيل في السنوات الأخيرة عن الإمبريالية (حتى بداية الحرب العالمية الأولى )، لم يتعد في الجوهر ، دائرة الأفكار التي عرضها ، أو بالأصح التي لخصها المؤلفان المذكوران.." ص16 .. وسنسعى فيما يأتي لنعرض، بإيجاز وبأبسط شكل ممكن ، صلة وترابط خواص الإمبريالية الاقتصادية الأساسية . ولا نتطرق إلى الناحية غير الاقتصادية في المسألة مهما كانت جديرة بذلك " ص 16
إذا وضعنا هذه الملاحظة الخاصة بالتحليل النظري الاقتصادي المجرد للإمبريالية وخواصها الاقتصادية الأساسية مقابل كلام لينين في المقدمة الذي مفاده: "وضعت الكتاب آخذاً بعين الاعتبار الرقابة القيصرية . ولذا كنت مضطراً إلى الاقتصار بدقة على التحليل النظري وحده ولاسيما الاقتصادي ، وكذلك إلى منتهى الحذر في صياغة العدد الضئيل من الملاحظات السياسية الضرورية " ص 5 نفهم أن التجريد الاقتصادي غير كاف لمقاربة الإمبريالية كظاهرة اقتصادية سياسية في الرأسمالية .. وهذه المقاربة هي طموح مناضل سياسي من طراز رفيع كلينين. لكن الرقابة .. وضرورة وضع كتاب "علني" يصل إلى أكبر عدد ممكن من المهتمين ويرصد ظاهرة جديدة في الرأسمالية جعلت لينين يقصر البحث على التحليل النظري الأساسي (الاقتصادي) إلى حد ما .
فصول الكتاب(عرض إجمالي)
1- تمركز الإنتاج والاحتكارات ص 16-37
2- البنوك ودورها الجديد ص 37-61
3- الرأسمال المالي والطغمة المالية ص 61-82
يأتي الفصل الرابع كتمفصل بين اللحظتين المحلية والعالمية للاقتصاد الإمبريالي الرأسمالي
4- تصدير الرأسمال ص 82-90 (لاحظ أيها القارئ صغر حجم هذا الفصل)
(تصدير الرأسمال كذراع ضاربة للاحتكار وللطغمة المالية)
الفصلان 5، 6 هي تداعيات و نتائج للفصول الأربع الأولى، كما تشيران إلى الدور المتعاظم للدولة الإمبريالية واقتران رأس المال المالي مع الدولة الإمبريالية في حركة واحدة:
5- اقتسام العالم بين اتحادات الرأسماليين ص 90-102
6- اقتسام العالم بين الدول الكبرى ص 102-118
الفصول اللاحقة هي التبعات القومية والسياسية ، وانعكاسات عمل النظام الإمبريالي على الحركة العمالية في البلدان الإمبريالية والمتخلفة . والفصول اللاحقة هي أيضاً تقييم الظاهرة الجديدة و الحكم على الإمبريالية: مغزاها التاريخي ومكانتها في التاريخ العالمي وآفاق حركتها..
7- الإمبريالية مرحلة خاصة في الرأسمالية ص 118-134 (استمرار الرأسمالية والإنتاج البضاعي والصناعة الكبيرة بوسائل جديدة وقوى هائلة ؛ بالتالي استمرار الاستغلال الطبقي والظلم القومي بوسائل جديدة ومتعاظمة الجبروت)
8- طفيلية الرأسمالية وتعفنها ص 134-147 (هذه الطفيلية وذاك التعفن والاحتضار للرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية يفسر عنوان كتاب لينين من كون الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية؛ لقد غدت البورجوازية في العصر الإمبريالي رجعية على طول الخط في ظل جميع النظم ملكية كانت أم جمهورية ، "ديمقراطية" كانت أم فاشية . تترافق هذه المرحلة أو الطور من الرأسمالية بظهور الانتهازية العمالية كظاهرة دولية من نتائجها الانقسام في الحركة العمالية العالمية ، كما تفسر طفيلية الرأسمالية في العصر الإمبريالي سيطرة المضاربات على الاقتصاد العالمي بشكل خطير ، وبطريقة تجعل ملاحظة لينين التي مفادها أن الإمبريالية تزعزع الإنتاج البضاعي الذي هو أساس الرأسمالية مع أنها تبقيه لأنه جوهرها المادي: وعلى هذا الجوهر المادي يقوم جبل من المضاربات المالية الماحقة للاقتصادات وللبشر على السواء.
9- انتقاد الإمبريالية (مواقف جميع الطبقات من الإمبريالية ) ص 147-166
10- مكانة الإمبريالية في التاريخ ص 166-174 (خلاصة البحث ، واستعراض جميع مستويات التعريف أو التحديد للإمبريالية ، وربط جميع هذه المستويات في مفهوم واحد أساسه الاحتكار واقتران البنوك مع الشركات الاحتكارية الصناعية واقتران رأس المال المالي مع قوة الدولة تحت سيادة الملكية الخاصة الرأسمالية. علينا هنا أخذ مفهوم الإمبريالية من جميع هذه الوجوه المترابطة ؛ فالظلم القومي والإلحاق والعسكرة والغزو والانتهازية في حركة العمال كظاهرة دولية كلها وجوه مرتبطة بظهور الاحتكار والإمبريالية كاندماج لرأس المال المالي مع قوة الدولة الرأسمالية )
مستويات التعريف أو التحديد:
1ً- نشأ الاحتكار عن تمركز الإنتاج البالغ درجة عالية جداً في تطوره . يكتب بوخارين في كتابه: "الإمبريالية والاقتصاد العالمي" ص 171 : " نحن نفهم بالتركُّز ؛ زيادة رأس المال عن طريق رسملة القيمة الزائدة (تحويل قوة العمل الحية إلى رأس مال ) التي أنتجها رأسمال. و نفهم بالتمركز : جمع وحدات رأسمالية فردية مختلفة مع بعضها البعض بحيث تشكل وحدة اقتصادية جديدة أكبر "
2ً- يقود سير الاحتكار إلى تسريع الاستيلاء على أهم مصادر الخامات (احتكار مصادر المواد الخام )
3ً- تحول البنوك من وسيط متواضع إلى محتكر للرأسمال المالي
4ً- نشأ عن الاحتكار سياسة حيازة المستعمرات . فالرأسمال المالي قد أضاف إلى بواعث السياسة الاستعمارية القديمة -العديدة- الصراع من أجل مصادر الخامات ، من أجل تصدير الرساميل ، من أجل مناطق النفوذ ، من أجل الأقاليم الاقتصادية بشكل عام.
*الاحتكارات والطغمة المالية تشدد النزوع إلى السيطرة بدلاً من النزوع إلى الحرية ، واستثمار قلة من البلدان الغنية للبلدان المتخلفة .
*وصف الرأسمالية في هذه المرحلة الإمبريالية بالطفيلية (رأس المال المالي المضارب) أو المتقيحة أو المتعفنة أو المحتضرة. ميل الدولة الإمبريالية إلى المراباة ، وميل رأس المال المالي إلى المضاربة الواسعة بدلاً من الاستثمار المنتج.
*هذا التعفن لا ينفي نمو الرأسمالية من الناحية الاقتصادية والتقنية بسرعة أكبر من قبل ، ولكن بشكل متفاوت سواء بين القطاعات الصناعية المختلفة أو بين الدول الرأسمالية.
*ميل أقوى للتعفن لدى البلد الأقوى بالرساميل.
* الأرباح الفاحشة ورشوة قسم من الطبقة العاملة ، وظهور الانتهازية في حركة الطبقة العاملة ، وميل البروليتاريا للانقسام على المستوى العالمي
*علاقة الانتهازية بالإمبريالية كرأسمالية طفيلية متعفنة .
** من كل ما تقدم وقلناه عن طبيعة الإمبريالية الاقتصادية نستنتج أنها أعلى مراحل الرأسمالية ، لأنها رأسمالية محتضرة باتت فيها البورجوازية طبقة رجعية وآفلة بالمعنى التاريخي .
الإمبريالية مرحلة انتقالية وهي عشية الاشتراكية ، عبر التمهيد لها بالتمركز والاحتكار. أي تهيئة الأساس الاقتصادي للاشتراكية.
.. إن التشابك المتزايد للإنتاج واكتسابه الصفة الاجتماعية (مشاركة عدد كبير من البشر في العملية الإنتاجية ) يجعل الإمبريالية عشية الثورة الاجتماعية . وبقدر تناقض هذا التشابك مع الملكية الفردية الرأسمالية التي غدت قشرة كارثية في سبيل تحرر البشرية وسعادة البشرية . سوف تستفيد الدولة الاشتراكية من هذا التشابك وذاك التمركز للإنتاج ، ومن التطور الهائل في قوى الإنتاج لخدمة وفرة اشتراكية تفيد عموم السكان.
ليس كل احتكار إمبريالية فالدولة الاشتراكية سوف تحافظ على تمركز الإنتاج وعلى احتكارات الدولة كدولة اشتراكية ، كما هو الحال في الصين وروسيا بعد الثورة الاجتماعية في كل منهما.
الذي يعطي الاقتصاد طابعه ليس التمركز ، بل تمركز واحتكار في كنف الملكية الخاصة الرأسمالية . وهذا ما يميز الاقتصاد الصيني عن طبيعة الاقتصاد الأميركي أو الياباني.


I- كتاب بول باران: "الاقتصاد السياسي للتنمية "، ترجمة أحمد فؤاد بلبع، مراجعة الدكتور حامد ربيع ، دار الحقيقة بيروت . الطبعة الثانية أيلول 1971 . وهو ترجمة كتاب :
"The Political Economy of Growth Paul Baran Monthly Review Press New York 1962 "
وقد ترجمت كلمة Growth بالتنمية والأصل أن تترجم بـ "النمو" . ويبدو أن المترجم العربي أراد أن يوحي بأهمية الكتاب للعالم المتخلف فبدّل الترجمة من النمو إلى التنمية حيث يقابل الكلمة الأخيرة كلمة Development ؛ حيث توحي الكلمة بالتحول مع الانتقال من توجيه اقتصادي معين إلى آخر معاكس كالتحول من النمط الرأسمالي إلى الاشتراكية ؛ أي توجيه التنظيم الاقتصادي للمجتمع بطريقة مضادة.
النمو يضمر مبدأ كمياً؛ نمو الرأسمالية في غرب أوربا بعد القطيعة مع الأسلوب الإقطاعي للإنتاج ، بينما التنمية تضمر مبدأ كيفياً بالدرجة الأولى .
النمو: زيادة ، ثمرة تنمية سابقة . بينما التنمية : التي تكشف وتنمي تشير إلى وجود عقبات إضافية ، وإلى دور فاعل للبنية السياسية في التنظيم الاقتصادي أكبر من المعهود. كما تنمّ عن عقبات ذات طابع اجتماعي / سياسي (طبقي)
إن بول باران وهذا أحد مؤلفاته الأساسية قد مات في 26 مارس/آذار 1964 . وبموته غاب اقتصادي ماركسي كبير، وغاب حسب تعبير بول سويزي ، وليوهوبرمان "المناضل الفكري لصراع الطبقات" . هذا ما كتبه شارل بتلهايم في تقديمه للطبعة الفرنسية للكتاب ؛ تموز 1966 .
يقول بتلهايم: "رأيت باران مرة أخرى عام 1959 في ستريزا ، أولاً في مؤتمر عالمي للسيسيولوجيا ، حيث قدم عرضاً مشرقاً حول الماركسية ومسائل عصرنا . ثم قابلته في نفس السنة في فرصوفيا في ندوة عالمية نظمها شغيلة العلم . ولقد كرست هذه الندوة أعمالها لدور العلم في التنمية الاقتصادية . وتكلم فيها باران عن دور العلوم الاجتماعية ، وبرهن بدقة كيف أن التحليل العلمي يظهر أن العقبات الرئيسية أما تنمية البلدان ضعيفة التصنيع قد تكونت بسبب من بنياتها الاقتصادية الاجتماعية وبسبب ارتباط الطبقات أو الشرائح المنعمة بالامتيازات مع الإمبريالية " ص 6. ويضيف بتلهايم بالقول: "إنني أعتقد أن واحدة من إضافاته الأساسية هي تحليله للفائض الاقتصادي ومضمونه وأشكاله المختلفة وتناقضاته المرتبطة بوجوده وتزايده " ص 6
يتكون الكتاب في طبعته الثانية والصادرة عن دار الحقيقة – بيروت من 400 صفحة قياس مدرسي ، يحتوي على مقدمة الطبعة الفرنسية بقلم شارل بتلهايم تموز 1966 ، ومقدمة للطبعة الأولى بقلم المؤلف ؛ ديسمبر 1956 ، ومقدمة لطبعة 1962 آذار، وثمانية فصول :
1- نظرة عامة 2- مفهوم الفائض الاقتصادي 3- السكون والحركة في ظل الرأسمالية الاحتكارية(1 ) 4- السكون والحركة في ظل الرأسمالية الاحتكارية (2) 5- حول جذور التخلف 6- نحو علم لدراسة صور التخلف (1) 7- نحو علم لدراسة صور التخلف (2) 8- الارتقاء الصعب
وسوف نقدم عرضاً مفصلاً إلى حد ما للفصل الثاني ؛ "مفهوم الفائض الاقتصادي" نظراً لعلاقته الوثيقة بالأزمة الرأسمالية الراهنة والتي نجمت بشكل مباشر عن المضاربات المالية الواسعة في قطاع العقارات والمواد الغذائية الأساسية وفي قطاع النفط ، وفي الأسواق الناشئة من قبل كأسواق النمور الآسيوية نهاية تسعينات القرن العشرين.
يكتب باران في مقدمة الطبعة الأولى: "لقد انتهيت من إعداد مخطوط هذا الكتاب في خريف 1955 ، ثم جرت في العالم أحداث ترتبط ارتباطاً مباشراً بالموضوعات التي عالجتها هنا . ولكنني قاومت كل ما يغريني بإضافة ما احتوته من أدلة إلى تلك التي يتضمنها الكتاب كل في موضعه وقدرت أن أحاول إيجازها في هذه المقدمة"
وتقدم أحداث الشرق الأوسط التي بلغت ذروتها في العمل العسكري الذي اتخذته إنكلترا وفرنسا وإسرائيل ضد مصر [العدوان الثلاثي] ، شاهداً قوياً يؤيد إحدى النظريات الرئيسية في هذا الكتاب ، ألا وهي أن طبيعة الإمبريالية المعاصرة لم تنصلح ، ولم يتعدل عداؤها الفطري لكل مبادرة أصيلة تتخذها البلاد المتخلفة لتنمية اقتصادها . ويعد الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية في هذا الصراع برهاناً على التنافس الذي لا يفتر بين البلدان الإمبريالية ، وكذلك على عجز الدول الإمبريالية القديمة المتزايد على المحافظة على نفوذها أمام سعي الولايات المتحدة إلى زيادة نفوذها وسلطانها. وإليكم العبارات المريرة التي وردت في جريدة الإيكونوميست اللندنية : " يجب أن ندرك أننا لسنا نداً للأميركيين ، ولا نكون ، وأن لنا الحق في أن نبين الحد الأدنى من مصالحنا القومية ، وأن نتوقع من الأميركيين احترامها ، ولكن علينا بعد ذلك أن نتطلع إلى قيادتهم " (عدد 17 نوفمبر 1956 ) مقدمة.. ص 9 .. ويضيف باران: "والتطورات الأخيرة في البلدان الاشتراكية الأوربية أوثق صلة بما تتضمنه هذه الدراسة ، أو ما اعتمدت عليه من آراء . فتصريحات خروتشوف المتعلقة ببعض جوانب حكم ستالين ، وما تلاها من أحداث في بولندا والمجر ، طرحت على الملأ بقوة جديدة : " كم هو شاق وصعب ارتقاء البلاد المتخلفة إلى مجتمع أفضل وأكثر ثراء . ولكنه يكون من قبيل "عبادة الفرد " أن نعزو كل الجرائم والأخطاء التي ارتكبت في الاتحاد السوفياتي قبل الحرب العالمية الثانية ، وفي كل بلدان شرق وجنوب شرق أوربا بعدها ، إلى الشخصيات الشريرة لستالين وبريا وشركائهما، فالأمور ليست بهذه البساطة، ومن المفهوم أن يتجه الشعور العام إلى إلقاء مسؤولية ما ارتكبته القيادة على النظام بكامله الذي ينبغي أن ننبذه . فليست الاشتراكية هي التي يمكن أن نحملها حقاً وزر الأعمال الضارة التي ارتكبها ستالين والدمى التي كان يحركها، وإنما هو النظام السياسي الذي نشأ عن اندفاع نحو تنمية بلد متخلف بسرعة خطيرة ، في حين يتهدده العدوان الخارجي وتواجهه مقاومة داخلية . وظهور مثل ذلك النظام السياسي في تلك الظروف الفريدة التي كانت سائدة في روسيا عقب استيلاء هتلر على السلطة ، وفي بلدان شرقي وجنوب شرقي أوربا في أثناء السنوات المرعبة للحرب الباردة لا يقيم الدليل على أن الاشتراكية هي بطبيعتها نظام للقهر والإرهاب- وما يعنيه ذلك- وهو درس تاريخي بالغ الدلالة – هو أن الاشتراكية في البلاد المتأخرة المتخلفة لها ميل قوي نحو أن تكون اشتراكية متأخرة متخلفة. وما حدث في الاتحاد السوفييتي والبلاد الاشتراكية في شرق أوربا يؤكد الحقيقة الماركسية الأساسية وهي أن درجة نضج موارد المجتمع الإنتاجية هي التي تحدد السمة العامة للحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية . وما حدث هناك لا انعكاس له مطلقاً على كون التحول الاشتراكي في الغرب بصفة جوهرية عقلانياً ومرغوباً فيه وزاخراً بالاحتمالات ، بل في الحقيقة يزيد في الحاجة إلى هذا التحول على وجه السرعة لأن المجتمع الاشتراكي للبلاد المتقدمة لا يكون مضطراً على تنظيم مسيرة شاقة نحو التصنيع ، أو مرغماً على أن يقتطع من الاستهلاك الشعبي أجزاء كبيرة من دخول شديدة الانخفاض، أو مكرهاً على أن يخصص للأغراض العسكرية أجزاء كبيرة من ناتج إجمالي بسيط . ومثل هذا المجتمع الاشتراكي لن يشن فحسب الحرب على التبديد وفوضى الإنتاج والتدهور الثقافي والخلقي ، بل سيلقي بثقله أيضاً في المساعدة على حل كل مشكلات المرض والجوع والعوز في الأجزاء المتخلفة من العالم. ص 10-11
ونظراً لأهمية الفصل الثاني ؛ "مفهوم الفائض الاقتصادي " وراهنيته في إضاءة الأزمة الأخيرة للرأسمالية وتفسيرها من حيث الجوهر ،ً فسوف نجري عرضاً مفصلاً وقراءة لهذا الفصل.
الفصل الثاني : مفهوم الفائض الاقتصادي ص 76-99
يعرض باران نوعين من الفائض الاقتصادي في ظل الرأسمالية الاحتكارية :
1- الفائض الاقتصادي الفعلي: وهو الفرق بين الإنتاج الفعلي الجاري للمجتمع ، واستهلاكه الجاري الفعلي ، وهو يتطابق بذلك مع الادخار والتراكم الجاريين ، ويتجسد في الأصول من جميع الأنواع التي تنضاف إلى ثروة المجتمع في الفترة المعنية . التسهيلات، المعدات الإنتاجية ، البضائع المخزنة والأرصدة الأجنبية والذهب المكتنز"
2- الفائض الاقتصادي الاحتمالي : وهو مفهوم يؤشر ويبين لاعقلانية النظام الرأسمالي، "مع ازدياد الأدلة على ارتباطه بالتبديد، وهما أبعد ما يكونا عيوباً عرضية في الرأسمالية .. لم تعد هذه المسائل ثانوية وقليلة الأهمية كما يصورها الاقتصاديون البورجوازيون "
الفائض الاقتصادي الاحتمالي هو الفرق بين الناتج الذي يمكن إنتاجه في ظروف طبيعية وتكنولوجية معينة بالاعتماد على الموارد الإنتاجية التي يمكن استخدامها ، وبين ما يعد استهلاكاً ضرورياً. وتحقيقه يفترض سلفاً توزيع الناتج الاجتماعي وإعادة تنظيم الإنتاج بصورة حادة بدرجة أو أخرى . كما يستلزم تغيرات عميقة في هيكل المجتمع . ويظهر تحت أربعة عناوين:
أ- الاستهلاك المفرط للمجتمع(وهو وضع سائد لدى أصحاب الدخول المرتفعة، وإن كان يسود بين ما يسمى بالطبقات الوسطى في الولايات المتحدة) . [يبدو قسم من هذا الاستهلاك المفرط فائض إنتاج اجتماعي فعلي].
ب- الناتج الذي يفقده المجتمع نتيجة وجود عمال غير منتجين. ولكن ليس كل عمل غير منتج مباشرة عمل غير ضروري (العلماء، الأطباء ، المعلمون )
ج- الناتج الذي يفقده المجتمع بسبب التنظيم غير العقلاني والقائم على التبديد للجهاز الإنتاجي الموجود.
د- الناتج الضائع بسبب البطالة الناشئة أساساً عن فوضى الإنتاج الرأسمالي ، ونقص الطلب الفعال.
إن مقولة الفائض الاقتصادي الاحتمالي نفسها كحضور فعلي تتجاوز النظام الاجتماعي الرأسمالي القائم ، لأنها لا ترتبط فقط بمجرد النشاط الملحوظ للتنظيم الاجتماعي /الاقتصادي المعين، بل أيضاً بالصورة الأقل جلاء (المتخيلة) لنظام اجتماعي أكثر عقلانية.."
يكتب بول باران وبول سويزي في "رأس المال الاحتكاري" : "أوضحنا في الفصل الثالث أنه يوجد في ظل الرأسمالية الاحتكارية - نظراً لطبيعة سياسة السعر والتكلفة التي تتبعها الشركات العملاقة- ميل قوي ومنهجي لزيادة الفائض من حيث حجمه المطلق ومن حيث نسبته إلى الناتج الكلي أيضاً.. ويجري امتصاص الفائض أو استخدامه بوجه عام [استهلاك واستثمار الرأسماليين] على ثلاثة أنماط:
1- استهلاكه 2- استثماره 3- تبديده
الاستهلاك: يزيد استهلاك الرأسماليين بصفة مطلقة ، وهو أمر متوقع بالطبع ، ولكنه سيهبط من حيث نسبته إلى الفائض، وسيهبط أيضاً أكثر من حيث نسبته إلى الدخل الكلي.. يتضح أنه لا يمكن توقع أي حل لمشكلة امتصاص الفائض من هذه الناحية .. وقد رأينا فعلاً أن الفائض يميل في الواقع (الرأسمالي الاحتكاري) للارتفاع من حيث نسبته إلى الدخل الكلي.
الاستثمار: كنا نحلل ما يمكن أن يسمى بالنسبة لـ ستايندل وآخرين بالاستثمار "الداخلي" أي الاستثمار الذي يوجه إلى منافذ تنشأ عن الميكانيكية الداخلية للنظام . وقد رأينا أن هذه الميكانيكية تميل لتوليد مقدار متزايد بانتظام من الفائض الذي يسعى للاستثمار. ولكنها (آليات الرأسمالية الاحتكارية) لا تستطيع بطبيعة الحال توليد زيادة مقابلة في حجم المنافذ الاستثمارية ، لذلك فإنه إذا كانت المنافذ الاستثمارية الداخلية هي وحدها المتوفرة فإن الرأسمالية الاحتكارية ستتردى في حالة من الكساد الدائم . سيترجم ميل الفائض للارتفاع إلى بطالة متزايدة [نقص نسبي في الاستثمارات الجديدة] .
لكن ليست جميع الاستثمارات داخلية ، فهناك أيضاً الاستثمار "الخارجي" ويعرّف بأنه كل استثمار يتم مستقلاً عن عوامل الطلب التي تولدها الميكانيكية العادية للنظام . مثلاً، يخترع أسلوب فني جديد للإنتاج يتيح لسلعة معينة النزول إلى السوق بسعر أرخص كثيراً، وقد يتم استثمار في مصنع يستخدم هذا الأسلوب بالرغم من أنه لم يحدث أي تغير في الطلب على السلعة. ولدينا ثلاثة أنواع للاستثمار الخارجي:
1- استثمار لمواجهة احتياجات السكان المتزايدين
2- استثمار في الطرق الجديدة للإنتاج والمنتجات الجديدة
3- استثمار أجنبي.
نخلص إلى أنه لم يعد محتملاً أن يسهم التقدم التكنولوجي إسهاماً كبيراً في حل مشكلة امتصاص الفائض أكثر مما تسهم به الزيادة السكانية.
أما الاستثمار الأجنبي "فهو أداة شديدة الفعالية لتحويل الفائض المولد في الخارج إلى البلد المستثمِر [الأم] . وفي هذه الظروف ، يكون من الواضح بالطبع أن الاستثمار الأجنبي يزيد مشكلة امتصاص الفائض حدة أكثر مما يساعد على حلها".
إن أحد تناقضات الرأسمالية الاحتكارية الأساسية هي : تحرك جدول الربحية دوماً باتجاه الصعود يقابله اتجاه للنزول في معدل التشغيل المحدث (فرص العمل الجديدة).
.. إن القوى التي تعمل في اتجاه مضاد قائمة (بمعونة الدولة الإمبريالية؛ دولة الرأسمالية الاحتكارية وبغيرها ) ولو أنها لم تكن موجودة لسقط النظام تلقائياً منذ زمن بعيد فعلاً. ومن هذه القوى التي تعمل باتجاه مضاد :
1- لنشاط التسويقي : يتحول النشاط التسويقي إلى علاج قوي لميل الرأسمالية الاحتكارية للتردي في حالة من الركود المزمن
2- الحكومة المدنية [دولة الرفاه أو الرعاية الاجتماعية] ؛ ميزانية الدولة والإنفاق الحكومي الخاص والعام . زاد الإنفاق الحكومي الكلي في الولايات المتحدة الأميركية 1929-1957 من 1/10 الناتج القومي الإجمالي تقريباً إلى 1/4 وأغلبها زيادة دفاعية. يكتب ألبرتيني: "إن ارتقاء دولة الرفاهية مرتبط بالعديد من الصراعات الاجتماعية وبتطور أيديولوجي طويل . وفي الواقع نجد وراء وضع الضمان الاجتماعي ، تحولاً عميقاً في المجتمع وفي الاقتصاد ، فالعناية أفضل ولكن بكلفة أكثر . وطرح تنظيم المدن مشكلات الإسكان التي لا يمكن أن تنهض بها سوى السلطات العامة . فالأسرة لم تعد أسرة الماضي الكبيرة .. فقد أصبحت الثقافة عاملاً في النمو لا يتسنى للدولة إهماله . أما بشأن الشيخوخة فإن تطور مستويات المعيشة يفترض تقاعديات خارج متناول تقويم الدخل الفردي .. لقد فهم الضمان الاجتماعي منذ نشأته على أنه وسيلة لتثبيت الدخل ، فهم يكافحون الأزمة بفصل الدخل عن الإنتاج وبإتاحة الفرصة للاستهلاك بالبقاء على الحالة نفسها حينما يهبط الإنتاج . هذا هو مشروع خطة بيفردج p. Beveridge المعتمدة أثناء الحرب من قبل الحكومة البريطانية للوحدة الوطنية والذي سيبدأ تنفيذه من قبل الحكومة العمالية لما بعد الحرب " وصناديق التأمين والمعاشات هذه سوف تستثمر في المضاربات المالية وتتسبب في الأزمة الراهنة للرأسمالية الاحتكارية.
3- لعسكرة والإمبريالية : يلاحظ التوسع السريع في الاحتياجات العسكرية للولايات المتحدة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. يكتب ج. م. ألبرتيني: "من عام 1954-1969 وبعبارة أخرى من نهاية حرب كوريا إلى حرب الهند الصينية الثانية أنفقت الولايات المتحدة الأميركية 450 مليارا من الدولارات لغايات حربية (كان الناتج القومي غير الصافي في عام 1969 : 160 مليارا فقط).. ثم عرفت الولايات المتحدة ، من جديد اقتصاد حرب حقيقيا ؛ إن حمولة القنابل التي ألقيت على فيتنام معادلة لزنة القنابل التي ألقيت على الألمان بين 1939-1945 . وكان أكثر من 10% من العمال يعملون بلا انقطاع ، مباشرة أو بصورة غير مباشرة ، من أجل "الدفاع الوطني" .. واشترت الدولة الأميركية 93% من إنتاج الطائرات والصواريخ و 60% من إنتاج السفن الحربية و 38 % من إنتاج الراديو والإذاعة و 21% من الإنتاج الكهربائي ".. لقد أخذنا على سبيل المثال الظرف الأميركي ، وأن أهمية النفقات العسكرية قد أثرت في الواقع في جميع البلاد الرأسمالية الصناعية ، عدا اليابان . لكن اليابان استفادت فيما بعد كثيراً جداً من حروب كوريا والفيتنام وغدت النفقات الحربية حافزاً هائلاً للنمو الصناعي . ولما ضمت هذه النفقات إلى دولة الرفاهية أعطت النفقات العامة وزناً في الفعالية الاقتصادية مجهولاً إلى ذلك الحين."
الفائض الذي لا يمتص هو أيضاً فائض فعلي وفائض احتمالي .
واعتباراً من 1979 سنة الإعلان الرسمي عن تبني السياسات الليبرالية الجديدة في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ، سوف تظهر المضاربات المالية كوسيلة لتحريك الفائض الاقتصادي من دون زيادة في الإنتاج الحقيقي ، لكنها ستلعب في الوقت نفسه دوراً مدمراً لأسواق بكاملها (أزمة النمور الآسيوية وانهيار أسواقها 1997 ، ومن ثم أزمة الغذاء العالمي والارتفاع الجنوني في أسعار مواد الغذاء الرئيسية خاصة الأرز، والارتفاع الجنوني في أسعار النفط الخام ) ، وآخرها الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت ببنوك الاستثمار وبنوك الرهن العقاري في الولايات المتحدة ، وامتدت بسرعة لتشمل الاقتصاد الرأسمالي عامة متسببة بموجة ركود اقتصادي وكساد شاملة.
يكتب د. رمزي زكي:"تعرضت النمور الآسيوية لحركة واسعة من المضاربات وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج بكميات هائلة مما عرّض موازين مدفوعاتها لعجز شديد في صيف 1997. وقد تم تمويل هذه المضاربات من خلال التحويلات الخاصة والقروض الخارجية قصيرة الأجل التي شكلت في التحليل النهائي ، أموالاً ساخنة Hot Money تتطاير بسرعة من سوق نقدي لآخر في شكل أسراب جارحة تنقض على الأرباح الموجودة في ما سمي بالأسواق الناشئة بجشع شديد . ثم تلتهمها وتخرج سريعاً للخارج إلى سوق آخر. .. والحقيقة أن التزايد الهائل الذي حدث في حركة رأس المال الدولي المضارب في السنين الخمسة الأخيرة [1994-1999 ] إنما يعود إلى تأثير عولمة [انفلات] أسواق النقد من خلال تحرير المعاملات المالية وسرعة حركة وانتقال رؤوس الأموال في لمح البصر عبر وسائل الربط والاتصالات الإلكترونية بين مختلف أصقاع العالم وصعوبة مراقبة هذه الحركة من قبل البنوك المركزية . كما عضّد نمو هذه الحركة تطور الابتكارات المالية التي وفرت أشكالاً مختلفة ومتعددة من الاستثمار المضارب . كما عكست هذه الحركة النشاط الواسع الذي قامت به الشركات عابرة القوميات في هذا المجال وكذلك نشاط ما سمي بصناديق الاستثمار Investment Funds التي يصل عددها الآن على صعيد العالم إلى حوالي 770 صندوقاً استثمارياً ضخماً. تم حشد الموارد المالية لها من شركات التأمين وصناديق التأمين والمعاشات وكبريات الشركات الصناعية . وهذه الصناديق تتعامل الآن في أصول مالية تتجاوز بكثير حجم الاحتياطيات الدولية التي تملكها البنوك المركزية في مختلف دول العالم. وتشير البيانات المتاحة إلى أن المعاملات المالية في الأسهم والسندات عبر الحدود (للمقيمين وغير المقيمين) في البلدان الصناعية كانت في حدود 10 % من الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان في عام 1980 ، لكنها الآن ، تزيد على 100 % من هذا الناتج .. وقد ارتبط تزايد المعاملات المالية العالمية في الأسهم والسندات (أو فيما يسمى بالاستثمار في الحافظة المالية Portfolio Ivestment) بذلك النمو غير العادي الذي حدث في تداول النقد الأجنبي يومياً على الصعيد العالمي . فالمتوسط اليومي لحجم المعاملات في أسواق الصرف الأجنبي قد ارتفعت من حوالي 200 مليار دولار في منتصف الثمانينات إلى حوالي 1,2 تريليون دولار يومياً في عام 1996 ، وهو ما يعادل 85 % من حجم الاحتياطيات الدولية لجميع بلاد العالم . وذلك يوضح مدى الصعوبة التي أصبحت تواجهها البنوك المركزية في التأثير في أسعار صرف عملاتها الوطنية أمام جحافل رأس المال المالي الدولي قصير الأجل." ص 70-71
ويضيف د. رمزي زكي: "هذا النشاط المضارب الهائل الذي أصبحت تتسم به الحركة الدولية لرؤوس الأموال وعلى نحو يتجاوز بكثير حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، أصبح يشير إلى حقيقة خطرة جداً . وهي أن الشطر الأكبر من الأرباح التي أصبحت تحققها كبريات الشركات الصناعية في العالم لم يعد يتحقق في مجال الإنتاج الحقيقي ، بل في الاستثمار في حافظة الأوراق المالية . وهذا دليل دامغ على الطابع الطفيلي الذي تتسم به الرأسمالية الاحتكارية المعاصرة (الإمبريالية) . كما أن هذا النشاط المضارب يقف وراء كثير من الأزمات النقدية والمالية التي حدثت في بلاد كثيرة (ومن بينها دول النمور الآسيوية) بسبب ما يسببه من ارتفاع جنوني في الأسعار دون مبرر حقيقي . ثم هبوطها مرة واحدة . تماماً مثل بالون ينتفخ أكثر من اللازم ولا بد أن تأتي لحظة انفجاره . وفي ضوء هذا النشاط المحموم والجنوني الذي حدث في ارتفاع أسعار الأصول المالية والمادية بسبب المضاربات نشأت ما تسمى " الاقتصادات المنفوخة ) التي تعاني من أنشطة المضاربات وتتهددها الأزمات " يقول بول باران في الفصل الأخير (الثامن) من كتاب"الاقتصاد السياسي للتنمية" والذي عنوانه الارتقاء الصعب؛ مصير العالم المتخلف وآفاق تحوله:
" في العالم المتخلف تصبح الحقيقة المحورية الصارخة لعصرنا واضحة للعين المجردة ، فالنظام الرأسمالي الذي كان يوماً ما محركاً جباراً للتطور الاقتصادي ، قد تحول إلى عقبة لا تقل جبروتاً أمام تقدم البشرية " ص 338
لم يعد النظام الرأسمالي الاحتكاري عقبة أمام تقدم العالم المتخلف فحسب ، بل بات عقبة أمام تقدم البشرية"
لقد لاحظ توكفيل 1805- 1859 وجود نظم سياسية تشكل عقبة أمام التقدم .. وما لاحظه توكفيل فيما يتعلق بالنظم السياسية يسري على نطاق أوسع مما كان يمكنه هو نفسه أن يتصور" 338.
إن سيماء حكومة ما يمكن الحكم عليها على نحو أفضل داخل مستعمراتها ، فهنالك يجري تكبير لقسماتها فتبدوا أكثر وضوحاً.. فعيوبها هناك تبدوا كما لو كانت من خلال ميكروسكوب . [هربرت فرانكل]
.. والحقيقة أن التباين في البلاد المتقدمة بين ما كان يمكن إنجازه بقوة الإنتاج المتاحة للجميع ، وبين ما تحقق فعلاً على أساسها [بين الفعلي والممكن ] ، إنما هو أكبر بدرجة لا تقارن في البلاد المتخلفة. بيد أنه بينما يحجب هذا التباين في البلاد المتقدمة بواسطة المستوى المطلق العالي للإنتاجية والناتج ، والذي تحقق خلال عصر الرأسمالية ، فإن الهوة في البلاد المتخلفة بين الفعلي والممكن (بالنسبة للفائض) هوة صارخة ، وما تنطوي عليه ينذر بالكارثة.
.. حتى الكتّاب البورجوازيون يسلمون من حين لآخر بأن الانتقال في البلاد المتخلفة إلى تنظيم اقتصادي واجتماعي عقلاني أمر حيوي ملح – في حين يقولون في نفس الوقت بأن البلاد المتقدمة يمكنها بـ "سهولة" أن تظل تحت سيطرة الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية ... بيد أنه لا يمكن أن يوجد ما هو أفدح خطأ ؛ وذلك لأن حكم الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية في البلاد المتقدمة والتأخر الاقتصادي والاجتماعي في البلاد المتخلفة على أوثق ارتباط ، ولا يمثلان سوى جانبين مختلفين لما هو في الواقع مشكلة واحدة. ص 339
يشير تقرير الأمم المتحدة عام 1951 : "إجراءات من أجل التنمية الاقتصادية في البلاد المتخلفة" بالقول: "بالنسبة لعدد من البلاد المتخلفة ، استبعاد إمكانية أي تقدم اقتصادي كبير حتى تحدث ثورة اجتماعية تؤدي إلى تغيير (جذري) في السلطة وتوزيع الدخل" 339
.. إن انتقال الأمم المتخلفة .. إلى نظام اقتصادي/ اجتماعي يكفل لها تنمية تقدمية يتم في وجه مقاومة مريرة من جانب الدول الإمبريالية. وما قاله لينين في عام 1913 عن البلاد الأوربية يمكن أن يقال اليوم أيضاً عن الغرب المتقدم بأسره.(يقول لينين): "في أوربا المتمدينة والمتقدمة ، بما لديها من صناعة للآلات نامية نمواً ممتازاً، ومن حضارة وتكوين يمتازان بالغنى والشمول ، وصلت الأمور إلى لحظة تاريخية تقوم فيها البورجوازية الحاكمة بسبب فزعها من نمو البروليتاريا وقوتها المتزايدة ، بتأبيد كل ما هو متأخر ومحتضر ومنتم للعصور الوسطى . إن البورجوازية البالية تتحد مع جميع القوى العتيقة والبالية في محاولة للمحافظة على عبودية الأجر المتداعية " [لينين: أوربا المتأخرة وآسيا المتقدمة]
هذا التأبيد لكل ما هو متأخر ومحتضر ومنتم للعصور الوسطى يمكن ملاحظته في كل مكان ... وهو يهدف إلى الحيلولة دون وقوع توترات اجتماعية حيثما يكون ذلك ممكناً ، وعلى عرقلة استقرار وتقدم المجتمعات الاشتراكية حيثما تكون مثل هذه الثورات قد حدثت بالفعل.
... فأية آثار قليلة لإنسانية أصيلة ، لا تزال متبقية في وعي البورجوازية منذ أيام شبابها المجيد ، تكاد أن تتلاشى تحت تأثير الصراع الطبقي المحتدم" 340
.. إن الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية .. تنتظر من الدين أن يكون عقبة في جنوب آسيا ، وفي الشرق الأوسط ، كما في أي مكان آخر ، أن يكون حصناً منيعاً ضد الشيوعية وضد التقدم ... إن كل شيء متأخر ومحتضر وينتمي إلى العصور الوسطى في البلاد المتخلفة نفسها يكون على اتفاق تام مع أنصاره والمدافعين عنه في الغرب ، والطبقات المتخلفة التي تهتم اهتماماً حيوياً بأن يكون السكان الخاضعون مجتمعاً روحياً من أفراد يحبون الله... ويعملون بكد من قبيل الواجب وإرضاء الذات ، ولا تكون الحياة بالنسبة لهم مجرد متعة ونمو جسماني ، بل تطور ثقافي و روحي. وهذه الطبقات لا تدخر وسعاً ، وتلقى قدراً كبيراً من التأييد الأميركي ، في جهودها لتدعيم تسلط الخرافات الدينية على عقول أتباعها الذين يتضورون جوعاً . الذي يعني هذه الطبقات المتسلطة في البلدان المتخلفة ويعني المتواطئين معها في الغرب ، في أن يكون ثمن المحافظة على الغموض الديني جوعاً متزايداً ووفيات متزايدة." 343 . الذي يعنيها أو يعني الإمبرياليين أن تمثل هذه الخرافات حاجزاً هاماً في طريق التقدم. .. لكن ما أن يتحول الدين إلى أداة في مواجهة الغزاة والمحتلين حتى تهاجمه الولايات المتحدة الأميركية بأكثر القاذفات تطوراً ويدخل في إطار الإرهاب الدولي والأصولي.
على غرار الارستقراطيين في نهاية العصر الإقطاعي ، فإن الملكيين الاقتصاديين في هذه الأيام الأخيرة للرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية ليسوا واقعين هم أنفسهم تحت تسلط جهالة من هذا النوع ، بيد أنهم يرونها مفيدة تماماً لمن يكدحون لديهم في الداخل والخارج" ص 344
.. والحقيقة أن عجز الرأسمالية عن أن "تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بأشياء مادية" ، عن أن تعمل كإطار للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، هو الذي يرغم ساستها ومحبذيها، سعياً وراء استقرارها ، على الاعتماد على الأعمال البهلوانية بدلاً من الخبز، وعلى التهريج الأيديولوجي بدلاً من العقل . وهكذا فإن الحملة من أجل صيانة الرأسمالية يروج لها اليوم بنشاط أكبر من أي وقت مضى باعتبارها حرباً صليبية من أجل الحرية والديمقراطية . وفي أيام الصراع المبكر ضد الإقطاع، عندما كانت الرأسمالية مَرْكباً قوياً للتقدم ، وعندما كان التنوير والعقل منقوشين على راية الطبقة الرأسمالية الصاعدة ، كان لهذا الزعم على الأقل صلاحية تاريخية جزئية. ولكن هذه الصلاحية كادت أن تضيع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، عندما كان حكم البورجوازية يواجه تهديداً متزايداً من جانب الحركة الاشتراكية الصاعدة ، وحتى عندما أصبح حتى أكثر افتضاحاً أن "ما يقصد بالحرية في ظل ظروف الإنتاج البورجوازية الحالية هو حرية التجارة ، وحرية البيع والشراء" [بيان الحزب الشيوعي] . كما أنها تحولت إلى زيف ونفاق في عصر الإمبريالية ، عندما أصبحت الرأسمالية، بعد أن فقدت السيطرة على ثلث الأرض ، تقاتل دفاعاً عن وجودها نفسه. وكما تنبأ انجلز بألمعيّة، "في يوم الأزمة وفي اليوم الذي يلي الأزمة ... فإن الرجعية كلها وبجميع أنواعها .. ستتجمع حول شعار الديمقراطية الخالصة " [انجلز خطاب إلى بيبل 11 ديسمبر 1884 . التشديد من الأصل]. وكون أن "الرجعية كلها وبجميع أنواعها " ، وأن "الديمقراطية الخالصة" التي تزعم أنها تحارب من أجلها ، ليست سوى حرية خالصة في الاستغلال ، فأمر يمكن أن نلمسه على الفور من لائحة العضوية فيما يسمى العالم الحر. فباكستان وإمارات الشرق الأوسط ، والدكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية .. كلها قد ارتفع بها الصليبيون الإمبرياليون إلى وضع "الدول الديمقراطية"!!
والحجج التحبيذية الفجة التي تعرف الحرية بأنها حرية رأس المال، وتساوي بين مصالح الأقلية الطفيلية والاحتياجات الحيوية للشعب ، وتنظر إلى الإمبريالية كمرادف للديمقراطية ، سيكون من المتعذر عليها أن تسترعي الأنظار إن لم يكن ذلك بالنظر إلى اعتبارين يربطانها ربطاً مباشراً بمشكلة مستقبل التنمية . وأول هذين الاعتبارين متعلق بالأثر العميق لهذه الأيديولوجية وبالظروف التاريخية التي تجعلها تستند إلى التطور الاجتماعي والسياسي والثقافي للأمم الإمبريالية نفسها. وهذا الأثر تجمله ملاحظة ماركس وانجلز القاطعة والتي تقول: "لا يمكن أن تكون الأمة حرة إذا كانت تضطهد أمماً أخرى ".


II- كتاب بول باران- بول سويزي
"رأس المال الاحتكاري" – الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر . ترجمة حسين فهمي مصطفى ، مراجعة . د. إبراهيم سعد الدين 1971 .
الفصل الثالث
"اتجاه الفائض للارتفاع"
ينبغي على أية حال أن نحذر الوقوع في شراك الافتراض بأن الأعمال الكبيرة والأعمال الأصغر متعادلة من حيث الكيف أو أنها ذات أهمية واحدة بالنسبة لطريقة عمل النظام . فالعنصر السائد والمحرك الأول ، هو الأعمال الكبيرة منظمة في شركات مساهمة عملاقة . وتسعى هذه الشركات لتحقيق أقصى الربح وتراكم رأس المال . وهي تدار بواسطة رجال الشركات (مدراء) الذين ترتبط مصائرهم بنجاح الشركات أو فشلها." 61 .. إن الأعمال الأصغر يجب أن تعالج كجزء من المحيط الذي تعمل خلاله الأعمال الكبيرة أكثر من معالجتها كقوة مستقلة على المسرح" 61
.. إن العلاقات داخل الشركة المساهمة مباشرة وهرمية وبيروقراطية . وهنا يسود التخطيط الحقيقي ، مقترناً بتعليمات تهبط من أعلى إلى أدنى ومسؤولية من أدنى لأعلى . وعلى أي حال فإن مثل هذه العلاقات ليست قائمة بالنسبة للنظام ككل." 62
.. من الحقيقي طبعاً أن عدة شركات عملاقة كثيراً ما تعمل في تناسق ، ولكنها تفعل ذلك بقصد خدمة أغراضها الخاصة أكثر مما تستهدف التأثير ، ولا نقول السيطرة على النظام ككل." 62
بوجه عام إن الرأسمالية الاحتكارية غير مخططة مثلها في ذلك مثل الرأسمالية التنافسية التي سبقتها. وتتصل أساساً الشركات الكبرى ببعضها البعض ، وبالمستهلكين والعمال ، والأعمال الأصغر عن طريق السوق . وما زالت ميكانيكية النظام ناتجاً غير مقصود للأعمال المتسمة بمراعاة الذات من جانب الوحدات الكبيرة التي تكونه. ولما كانت علاقات السوق علاقات أسعار بصفة جوهرية فإن دراسة الرأسمالية الاحتكارية ، مثل دراسة الرأسمالية التنافسية (مثل عيسى كمثل آدم) ، يجب أن تبدأ ببحث العمليات الخاصة بميكانيكية الأسعار ." 62 .. إن المشروع الفردي في ظل الرأسمالية التنافسية "متلق للسعر" في حين أن الشركة الكبيرة في عصر الرأسمالية الاحتكارية "صانعة للسعر". ولكن تحليل تأثير هذا الاختلاف على سير النظام ككل كان ضئيلاً بطريقة تدعو للدهشة ."
هناك دراسات نظرية وعملية معاً، عن أسعار السلع الفردية ، أو أسعار منتجات صناعات معينة ، ولكن لا توجد سوى دراسات قليلة جداً عن تشغيل ونتائج نظام السعر الاحتكاري." 63 ..
يمكن البحث عن أسباب هذا الانفصال المتزايد الوضوح بين النظريات الوحدية والجمعية فيما تتسم به الاقتصاديات البورجوازية من طبيعة اعتذارية كما سنرى. إن نتائج إعادة الاندماج التام بين هذين المستويين للتحليل [مستوى الوحدات الإنتاجية والنظام ككل] - إحلال نظام السعر الاحتكاري محل نظام السعر التنافسي التقليدي، وتحليل تأثير ذلك على الاقتصاد كله- تؤدي على الأقل إلى نسف ادعاءات الرأسمالية باعتبارها نظاماً اجتماعياً رشيداً يعمل على زيادة رفاهية وسعادة أعضائه . ولما كان تعزيز هذه الادعاءات من أكبر اهتمامات الاقتصاديات البورجوازية ، فإن الاقتصاديين لم يبدوا بالطبع أي حماس لإتباع سبيل يفضي إلى كشف زيفهم." 64
يقول مؤلفا الكتاب موضوع العرض: "يسلم تواً على كل من اطلع على مؤلفات كاليسكي وستايندل بأننا مدينان كثيراً لهما .. وإذا كنا لم نقتبس منهما أكثر مما اقتبسنا ، ولم نستزد من استخدام صيغهما النظرية بطريقة مباشرة ، فإن ذلك يرجع إلى أننا اهتدينا في خدمة أغراضنا إلى طريقة معالجة أخرى وشكل للعرض أكثر ملاءمة ونفعاً " 65 . جدير بالذكر أن أعمال كاليسكي الطليعية "مقالات عن نظرية التقلبات الاقتصادية ، ودراسات في الدينامية الاقتصادية " قد نشرت عامي 1939 1943 . ويعد كتابه "نظرية الدينامية الاقتصادية" لندن 1954 أشبه بطبعة ثانية جامعة ومنقحة للكتابين السابقين.
.. عندما نقول أن الشركات المساهمة العملاقة صانعة للسعر فإننا نعني أنها تستطيع وتقوم فعلاً باختبار الأسعار التي تحددها لمنتجاتها . هناك بالطبع حدود لحريتها في الاختيار . إذ يصبح فوق وتحت أسعار معينة التوقف عن الإنتاج كلية . لكن نطاق الاختيار غالباً ما يكون واسعاً ، فما الذي يقرر أي الأسعار تحدد داخل هذا النطاق؟ 65
.. إن الشركة المساهمة العملاقة الشائعة .. يغلب أن تكون واحدة من عدة شركات تنتج سلعاً تكفي كل منها لتكون بديلاً للأخرى بدرجة متفاوتة . وعندما تغير إحدى هذه الشركات سعرها ، فإن تأثير ذلك يظهر بالنسبة للأخريات في الحال.
إذا خفضت الشركة أسعارها ، فقد يحدث بعض الطلب الجديد .. ولكن هذا سيؤدي بأن ترد الشركات المنافسة بتخفيض أسعارها ربما لأقل .. والنتيجة الخالصة قد تكون وضع الشركات في وضع أسوأ. في هذه الظروف يتعذر على أية شركة بمفردها – حتى لو كان لديها معلومات كاملة عن الطلب على منتجات الصناعة ككل وعن تكاليفها الخاصة – أن تعرف السعر الذي يصل بأرباحها إلى الحد الأقصى . ولا يتوقف ما يمكن أن تبيعه على سعرها فقط ، بل يتوقف أيضاً على الأسعار التي تحددها الشركات المنافسة ، ولا يمكنها أن تعرف هذه الأسعار مقدماً. وعلى ذلك فقد تجري إحدى الشركات في أي وقت تقديراً دقيقاً للسعر الذي يحقق أقصى الربح، ولكن لن يكون صحيحاً إلا بالمصادفة في حالة عدم توفر المعرفة بردود الفعل لدى المنافسين . ويؤدي التخمين الخاطئ المتعلق بردود الفعل لدى المنافسين إلى التخلي عن التقدير كله وضرورة تعديله مما يؤدي بالمنافسين إلى اتخاذ خطوات جديدة ، وهكذا .. ، مما يحتمل معه أن تنحدر العملية كلها إلى حرب أسعار مدمرة متبادلة." 66 .. لتفادي جميع هذه الأوضاع يصبح الشاغل الأول لسياسة الشركة تحقيق القيام بعمليات الأعمال المنتظمة والمربحة. 67 .. ويتحقق هذا الهدف بوسيلة بسيطة هي حظر خفض السعر كسلاح مشروع في الحرب الاقتصادية . بالطبع فإن هذا كله لم يحدث في الحال ولم يتخذ كقرار واع ." 67
.. إن القرار المضاد لخفض الأسعار ، مثل سائر المحظورات الهامة ، قد انبثق تدريجياً من تجربة طويلة كثيراً ما اتسمت بالمرارة ، وهو يستمد قوته من حقيقة أنه يخدم مصالح القوى المسيطرة في المجتمع وطالما لقي هذا القرار القبول والمراعاة، فإن حالة عدم التأكد الخطيرة تزول من طريق السعي المتعقل نحو أقصى الأرباح" 67
إن النمط السائد في احتكار القلة .. هو نوع من التواطؤ الضمني الذي يتخذ أكثر أشكاله تطوراً "فيما يعرف بقيادة السعر" 69 .. وفقاً لتعريف بيرنز فإن قيادة السعر توجد عندما يكون السعر الذي تعرض معظم وحدات صناعة ما البيع به محدداً عن طريق إتباع السعر المعلن بواسطة إحدى هذه الوحدات . والقائد عادة هو الشركة الأكبر والأقوى في الصناعة ، مثل شركة صلب الولايات المتحدة أو جنرال موتورز. وتقبل الأخريات هذا الدور القيادي المسيطر ليس فقط لأن من مصلحتها أن تفعل ذلك ولكن لأنها تعلم أيضاً أنه إذا نشبت حرب أسعار فإن القائد سيكون أقدر منها على مواجهة الصعاب" 69
إن قيادة السعر بهذا المعنى الضيق هي فقط النوع الأكثر شيوعاً من بين أنواع أخرى كثيرة . ففي صناعة السجاير ، مثلاً تتناوب الشركات الكبيرة في المبادرة بتغيير السعر ، وفي صناعة البترول تتخذ شركات مختلفة المبادرة في أسواق إقليمية مختلفة وفي أوقات مختلفة إلى حد معين . وطالما ظل هذا النموذج المنتظم ، نوعاً ما، قائماً فإن هذه الحالات يمكن أن توصف بأنها أشكال متنوعة لقيادة السعر" . ولكن توجد حالات كثيرة لا يوجد فيها هذا الانتظام : فالشركة التي تبادر بتغيير السعر يبدو تحديدها اعتباطياً.
.. في حال خفض السعر يوجد دائماً احتمال تعمد العدوان ، بأن يحاول خافض السعر زيادة حصته في السوق بخرق الحظر على التنافس السعريّ . وإذا فسر المنافسون الخطوة الأولى على هذا النحو ، فإن حرب السعر قد تنتج عن ذلك وتعم الخسائر الجميع..إن الأسعار في ظل احتكار القلة ، تميل إلى التماسك في جانب الهبوط .. أكثر من جانب الصعود . وتؤدي هذه الحقيقة إلى ميل كبير للصعود في مستوى السعر العام في اقتصاد رأسمالي احتكاري . وينطوي على الصدق قول مجلة "بيزنس ويك" المأثور: بأن نظام السعر في الولايات المتحدة اليوم نظام يسير في اتجاه واحد فقط ؛ إلى أعلى"
.. وبينما تحظر منافسة السعر عادة في ظروف احتكار القلة ، فإن هذا لا يعني أن المنافسة مستبعدة تماماً ، أو أنها لا تلعب دوراً إطلاقاً . إن أية شركة أو مجموعة شركات تعتقد أنه يمكنها دائماً الاستفادة من تكتيكات الأسعار العدوانية التي لن تتردد في استخدامها . ويحتمل بصفة خاصة أن ينشأ مثل هذا الموقف في إحدى الصناعات الجديدة حيث تناور جميع الشركات من أجل المركز وحيث لم يشكل بعد إطار ثابت معقول لحصص السوق. في هذه الظروف قد يضحي المنتجون ذوو التكلفة المنخفضة بالأرباح العائدة بسرعة بقصد زيادة حصتهم في السوق . أما المنتجون ذوو التكلفة المرتفعة العاجزون عن خوض السباق ، فقد يضطرون للاندماج بشروط غير مرضية أو يضطرون للخروج من السوق كلية .على هذا النحو تمر الصناعة بعملية غربلة تثبت في نهايتها شركات معينة مراكزها بقوة . وتثبت قدرتها على الصمود في النضال الشاق . وعند هذه المرحلة ، تجد باقي الشركات أن تكتيكات الأسعار العدوانية لم تعد تبشر بمنافع في الأجل الطويل بحيث تعوض تضحيات الأجل القصير ، لذلك فإنها تحذو حذو الشركات الأقدم في التخلي عن السعر كسلاح تنافسي وتطور نظاماً للتواطؤ الضمني بحيث يلائم الظروف الجديدة .
هنا يمكن أن تتدخل الدولة الرأسمالية الاحتكارية للمساعدة في تسهيل اندماج الشركات القومية (أميركية مثلاً) بحيث تكون قدرتها على المنافسة الدولية أكبر ولكي تزيد من حصتها في السوق العالمية .
"إن الازدياد المضطرد للطابع الاجتماعي للإنتاج يجعل من ميزانية الدولة الرأسمالية الاحتكارية "شريكاً" اقتصادياً للرأسمالية الاحتكارية، يخدم في إنقاذ الشركات المفلسة ، وفي دعم عمليات البحث والتطوير ، ودعم عمليات الاندماج بين الشركات الاحتكارية ، خاصة في القطاعات الرائدة والحديثة ، وفي إعادة توزيع الدخل القومي لصالح البورجوازية الاحتكارية . فعلى سبيل المثال "تسلّم التجمع (سيماتيك: تقانة تصنيع أشباه الموصلات ) من الحكومة الاتحادية الأميركية أكثر من 700 مليون دولار عام 1988 .. لقد أرست المساهمة الاتحادية الأسس الحاسمة للأنشطة التي سهلت التعاون بين مختلف أعضاء التجمع سيماتيك .. ويضاف إلى هذا ، أن الشركات الأميركية استطاعت في عام 1993 احتكار 43.4 % من سوق أشباه الموصلات العالمي متجاوزة بذلك حصة اليابان لأول مرة منذ ثماني سنوات ، كما أن شركات معدات تصنيع أشباه الموصلات الأميركية سيطرت على 50 % من السوق العالمية مقابل 42.9 % لليابان"
.. إن انقضاء مرحلة الغربلة لا يعني عادة انتهاء الصراع من أجل حصص أكبر في السوق ، ولكن يعني ببساطة انتهاء التنافس السعريّ كسلاح في ذلك الصراع.
.. إن الصراع نفسه يستمر ولكن بأسلحة أخرى (ومنها تدخلات الدولة الرأسمالية الاحتكارية) فالاقتصاد لا يعمل كما لو كان مكوناً من احتكارات بحتة ." 72 ومثال ذلك الاقتصاد الزراعي: "إن الأرباح المنخفضة بشكل غير عادي في فرع كبير من فروع الاقتصاد مثل الزراعة تضر بمصالح مجموعة كبيرة وقوية سياسياً من الملّاك الذين يمكنهم عن طريق الضغط والمساومة مع سائر الرأسماليين ضمان التأييد اللازم لاتخاذ إجراء علاجي ، لذلك يصبح من مسؤولية الدولة في ظل الرأسمالية الاحتكارية أن تضمن بقدر الإمكان إدخال حدود الأسعار والربح في الصناعات المنحرفة داخل النطاق السائد في المجرى العام للشركات المساهمة العملاقة " [تتدخل الدولة عبر الدعم لرفع أسعار المنتجات الزراعية حتى تدخل هذه المنتجات في إطار الأسعار التي يقررها سير عمل الشركات الاحتكارية العملاقة]
.. إن وظيفة الدولة في ظل الرأسمالية الاحتكارية هي خدمة مصالح رأس المال الاحتكاري . ووفقاً لما قاله اثنان من دعاة المنافسة الحرة فإنه: "مع كل تقدم للاحتكار في سبيل تحقيق قوة اقتصادية أكبر ، وقبول اجتماعي أكثر تصبح الحكومة الفيدرالية أشد خضوعاً للاحتكار ، وأزيد اعتماداً عليه ، وأميل لإيثاره بما تمنحه من امتيازات وحماية وإعانة .. يترتب على ذلك أن تأثير التدخل الحكومي في الاقتصاد من ناحية ميكانيكا السوق ،مهما كان غرضه الظاهر، هو جعل النظام يعمل أكثر ، لا أقل كنظام مكون فقط من شركات مساهمة عملاقة يصدر عنها الفعل ورد الفعل على نحو ما سبق" 74 .. إن تقوية الاحتكار وتنسيق عملياته ليس بالطبع الوظيفة الوحيدة للدولة في ظل الرأسمالية الاحتكارية ، وسنحلل فيما بعد بشيء من التفصيل .. كيف تلعب الدولة دوراً حاسماً في طريقة سير النظام ، وذلك عن طريق الضرائب وأنشطتها في الإنفاق العام وسياستها إزاء العالم الخارجي" 74 يكتب ج. ألبرتيني: "إن أهمية النفقات العسكرية قد أثرت ، في الواقع في جميع البلاد الرأسمالية الصناعية ، عدا اليابان، لكن اليابان استفادت فيما بعد كثيراً جداً من حروب كوريا وفيتنام . وغدت النفقات الحربية حافزاً هائلاً للنمو الصناعي . ولما ضمت هذه النفقات إلى دولة الرفاهية ، أعطت النفقات العامة وزناً في الفعالية الاقتصادية مجهولاً على ذلك الحين.. إن التصرف بواسطة النفقات العامة من أجل ضبط وتثبيت الطلب (الإجمالي) يكون ميسوراً أكثر عندما تقارب النفقات 40 % من الناتج القومي غير الصافي ، منه حينما لا تتجاوز حاجز 10 % منه "
.. تمتلك الولايات المتحدة حالياً أضخم آلة حرب في "زمن السلم" وتنتشر على منطقة أوسع من العالم ، مما تحقق لأية أمة في التاريخ. إن الإمبريالية تشمل العسكريتاريا، فيما تشمل ، وفي الواقع فإنهما توأمان ، تغذى الواحد منهما على الآخر في الماضي، كما هما يفعلان الآن ، إلا أنه لم يحدث قط حتى، في ذروة السعي لاستعمار أراض جديدة ، أن احتفظت أي من الدول الاستعمارية ، أو مجموعة من هذه الدول ، بآلة حرب ، وبانتشار واسع للقوات ، بالحجم ، والمدى الذي لدى الولايات المتحدة الآن. لقد كان الإنفاق العسكري بالنسبة للفرد الواحد في جميع الدول الكبرى مجتمعة: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، اليابان، لإيطاليا والاتحاد السوفياتي ، في العام 1937 ، أي أثناء التسابق على التسلح والإعداد للحرب العالمية الثانية، لا يزيد عن 25 دولار . (وقد كان الإنفاق العسكري بالنسبة للفرد الواحد في ألمانيا 58.82 دولاراً . أما في عام 1968 فقد بلغ الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة بالنسبة للفرد الواحد ، وبأسعار 1937 مستوى 132 دولاراً.. بالمناسبة فإن تكنولوجيا الطائرة والصاروخ المتطورين ، هي التي تمكن الولايات المتحدة من أن تحتفظ بوضع عسكري على نطاق العالم.. إن جزءاً جوهرياً من الآلة العسكرية الهائلة ، بما في ذلك الآلة التي تملكها دول أوربا الغربية، هي الطريق الأنسب للمحافظة على الشبكة الإمبريالية للتجارة والاستثمار في غياب الاستعمار . لقد أدى الاستقلال السياسي للمستعمرات السابقة إلى صراعات طبقية في الدول الجديدة من أجل الاستقلال السياسي والاقتصادي.. مما يستدعي الدعم العسكري المباشر للطبقات الحاكمة المحلية الموالية للنظام الإمبريالي.."
يكتب هاري ماجدوف: "إذا كانت الدولة القومية في المناطق الرأسمالية تتجه كما نعتقد نحو أن تصبح أكثر أهمية ، لا أقل أهمية، لصالح الشركات متعددة الجنسيات، فما هو موقفنا من الادعاءات التي تروج، بأن هذه الشركات تعمل على إضعاف سيادة الدولة ؟ من الواضح أن هذا السؤال منفصل فيما يتعلق بكل من الدول الرأسمالية المتقدمة والدول الرأسمالية المتخلفة ؛ يجب أن يطرح بالنسبة للدول الرأسمالية المتقدمة والدول الرأسمالية المتخلفة كلاً على حدة. " "
ربما كان أكثر أهمية حقيقة أن تعبير مثل "رأسمالية الدولة" و "رأسمالية الدولة الاحتكارية " يتضمن قطعاً فكرة أن الدولة قوة اجتماعية مستقلة على نحو ما ، تنسق مع الأعمال الخاصة ، وأن حركة النظام تحدد ليس فقط عن طريق تعاون هاتين القوتين ، وإنما تتحدد أيضاً بواسطة الصراعات والمنازعات بينهما.
.. يبدو هذا لنا رأياً مضللاً بشكل خطير . وفي الواقع ، إن ما يبدو كمنازعات بين الأعمال والحكومة هو انعكاسات للنزاع داخل الطبقة الحاكمة . ونعتقد أن من المرغوب فيه تجنب استخدام مصطلحات تتجه لإشاعة ذلك الرأي" 75 .. وقد استخدمنا تعبير " رأس المال الاحتكاري" و " الرأسمالية الاحتكارية " بدون تعديل لسببين : أولاً، لعبت الدولة دائماً دوراً حاسماً في تطور الرأسمالية، وبينما زاد هذا الدور قطعاً من ناحية الكم ، فإننا نشعر بأن الدليل على حدوث تغيير كيفي في عشرات السنين الأخيرة غير مقنع . وفي هذه الظروف ، فإن التأكيد بصفة خاصة على دور الدولة في المرحلة الحاضرة من الرأسمالية الاحتكارية قد يؤدي إلى تضليل الناس بافتراض أن هذا الدور كانت له أهمية ضئيلة في المراحل الأولى للرأسمالية." 74
يكتب يوجين فارغا: "يشكل التحام القوتين- الاحتكارات والدولة- أساس رأسمالية الدولة الاحتكارية .. إن رأسمالية الدولة الاحتكارية توحد قوة الاحتكارات وقوة الدولة في آلية واحدة غرضها إثراء الاحتكارات وقمع الحركة العمالية ونضال التحرر الوطني ، وإنقاذ النظام الرأسمالي ، وشن الحروب العدوانية"
.. إن التخلي عن المنافسة السعرية يعني انتهاء جميع أشكال المنافسة .. وتندرج معظم الأشكال الجديدة من المنافسة تحت عنوان ما نسميه النشاط التسويقي والذي خصص له فصل.. من الكتاب (رأس المال الاحتكاري)
نحن نحصر الاهتمام هنا بتلك الأشكال من المنافسة التي تؤثر تأثيراً مباشراً على تكاليف الإنتاج وبالتالي على حجم الفائض .
يقول مؤلفا الكتاب: "إذا كان حقاً ، كما دللنا ، أن احتكارات القلة تنجح في تحقيق الاقتراب الدقيق من السعر الاحتكاري النظري ، وأن جهودها التي لا تتوقف أبداً لخفض التكاليف ، والتي أكد عليها جيمس إيرلي ، وهي جهود ناجحة بوجه عام ، فإنه يترتب على ذلك بمنطق حتمي أن الفائض ينبغي أن يكون لديه اتجاه قوي ومستمر للصعود " 75
يبدو لنا أن هناك وجهين للمنافسة غير السعرية يتمتعان بأهمية حاسمة هنا:
الأول: يتعلق بما يمكن تسميته دينامية حصص السوق ، والثاني: يتصل بالشكل الخاص الذي يتخذه النشاط التسويقي في صناعات السلع الإنتاجية" 76 .. إن الشركة ذات التكاليف الأقل والأرباح الأعلى ، تتمتع بمزايا متعددة بالنسبة للمنافسين ذوي التكلفة الأعلى في النضال من أجل حصص السوق ... لهذا يوجد حافز إيجابي قوي لدى الشركة المساهمة الكبيرة في صناعة تحتكرها القلة ليس فقط للاتجاه باستمرار إلى خفض التكاليف ، بل ولتنفيذ ذلك بسرعة أكبر من منافسيها 77 ... هناك سبب آخر نعتقد على أنه على درجة من الأهمية بقدر ما يجري تجاهله ، ويتعلق بعلة الوجود المستمر للاتجاه النزولي لتكاليف الإنتاج في الاقتصاد الرأسمالي الاحتكاري بأسره. .. وهو ينبثق من مقتضيات المنافسة غير السعرية في صناعات السلع الإنتاجية.. هنا كما هو الحال في الصناعات المنتجة لسلع الاستهلاك ، يتعين على البائعين أن يسعوا دائماً لوضع شيء جديد في السوق . ولكنهم لا يتعاملون مع المشترين الذين ينصرف اهتمامهم الأول لأحدث المبتكرات أو مجاراة الآخرين ، وإنما يتعاملون مع المشترين المحنكين الذين يهتمون بزيادة الأرباح . لذلك ينبغي أن تصمم المنتجات الجديدة المعروضة على المشترين المحتملين بحيث تساعدهم على زيادة أرباحهم، مما يعني بوجه عام مساعدتهم على خفض تكاليف إنتاجهم... 78
ربما كان أوضح مثل لآثار خفض التكلفة المترتبة على النشاط الابتكاري لصانعي السلع الإنتاجية متوافر في الزراعة . وكما أشار غالبريث " فإنه لن يوجد سوى تطور فني قليل وتقدم زراعي محدود لو لم توجد البحوث المعانة من الحكومة تكملها بحوث الشركات التي تصمم المنتجات وتبيعها للمزارع".
باختصار ، فإن منتجي السلع الإنتاجية يحققون أرباحاً أزيد بمساعدة الآخرين على تحقيق أرباح أزيد ، إن العملية تدعم نفسها ذاتياً وتراكمية، وهي تساعد كثيراً في تفسير التقدم السريع غير العادي لتكنولوجيا وإنتاجية العمل مما يميز الاقتصاد الرأسمالي الاحتكاري المتقدم."
إن قواعد التكلفة التي يفرضها الاقتصاد الرأسمالي الاحتكاري على أقسامه لا تقل شدة عن قواعد سلفه التنافسي، بالإضافة لذلك فإنه يولد دوافع جديدة وقوية للاحتكار . لذلك لا يمكن أن يوجد أي شك حول الاتجاه النزولي لتكاليف الإنتاج في ظل الرأسمالية الاحتكارية .
يحقق النظام الرأسمالي الاحتكاري زيادة في فائض الإنتاج عبر الآليات التالية:
1- التسعير الاحتكاري
2- ميل تكاليف الإنتاج للانخفاض
3- التقدم السريع والمتواصل في التكنولوجيا وإنتاجية العمل
4- إعانات الدولة الرأسمالية الاحتكارية (الدولة الإمبريالية) للبحوث الزراعية والصناعية وإعانات تسهيل اندماج الشركات القومية في الصناعات الرائدة (شيبات الذاكرة ) بهدف زيادة حصة الشركة "القومية " في السوق الدولية.
قد يبدو هذا من ناحية الشكل حجة في مصلحة الرأسمالية الاحتكارية ، إذ تبدو على هذا الشكل نظاماً رشيداً أو تقدمياً. ولو أمكن فصل اتجاهها لخفض التكلفة عن التسعير الاحتكاري على نحو ما ، وإيجاد وسيلة لاستخدام ثمار الإنتاجية المتزايدة لمصلحة المجتمع ككل ، لأصبحت هذه الحجة قوية فعلاً. ولكن هذا بالضبط ما لا يمكن تحقيقه. إن الحافز الكلي لخفض التكلفة هو زيادة الأرباح ، ويمكن تركيب الأسواق الاحتكاري الشركات من الحصول على نصيب الأسد في ثمار الإنتاجية المتزايدة على شكل أرباح أعلى. وهذا يعني أن التكاليف المتناقصة في ظل الرأسمالية الاحتكارية تنطوي على توسيع حدود الربح باستمرار. بدوره ينطوي توسيع حدود الربح باستمرار على أرباح إجمالية تزيد ليس فقط بصفة مطلقة وإنما كحصة من الناتج القومي أيضاً. وإذا افترضنا مؤقتاً ، أن الأرباح الإجمالية تعادل الفائض الاقتصادي في المجتمع لأمكن أن نقرر كقانون للرأسمالية الاحتكارية : أن الفائض يميل للارتفاع من حيث حجمه المطلق ومن حيث نسبته إلى الناتج الكلي معاً كلما تطور النظام.
الواقع أن الأرباح المسجلة بالإحصائيات تقصر عن أن تشمل الفائض الاقتصادي كله . فالفائدة والريع شكلان للفائض أيضاً، وكما سنرى ، فإن أشكالاً أخرى لا تزال تتخذ أهمية حاسمة في ظل الرأسمالية الاحتكارية . وحتى الآن استخدمنا ،مع ذلك ، تعبير الأرباح ليعطي ببساطة الفرق بين دخل المبيعات وتكاليف الإنتاج.
.. يستدعي هذا القانون فوراً المقارنة مع القانون الماركسي التقليدي الخاص بالاتجاه النزولي لمعدل الربح. ويمكننا القول – دون الدخول في تحليل الصيغ المختلفة التي يتخذها هذا الاتجاه (القانون) بأن هذه الصيغ جميعاً تفترض مقدماً وجود نظام رأسمالي تنافسيّ.
ونحن لا نرفض أن نراجع نظرية في الاقتصاد السياسي أضفى عليها القدم مهابة ، بإحلال قانون الفائض المتزايد محل قانون معدل الربح الهابط. وإنما ندخل في الاعتبار ببساطة الحقيقة الثابتة وهي أن هيكل الاقتصاد الرأسمالي قد اعتراه تغيير أساسي منذ وضع تلك النظرية . إن المسائل الجوهرية للغاية المتعلقة بالتغيير الهيكلي من رأسمالية تنافسية إلى احتكارية تجد تفسيرها النظري في هذا الاستبدال." 80
يعترض كالدور على نظرية الفائض الاقتصادي التي يصفها كالتالي: " قد يدلل الاقتصاديون الماركسيون على أنه يمكن توقع الزيادة المنتظمة ليس فقط لإنتاجية العمل وإنما أيضاً لدرجة تركيز الإنتاج وذلك مع تقدم الرأسمالية . ويسبب هذا ضعفاً مستمراً لقوى المنافسة مما ينتج عنه استمرار حصة الربح بالارتفاع بحيث تتجاوز النقطة التي تغطي احتياجات الاستثمار والاستهلاك للرأسماليين ويترتب على هذه الحجة أن يتوقف النظام عن القدرة على توليد قوة شرائية كافية لكي تمضي ميكانيكية التنمية في العمل " . وهذا بالضبط ما حصل في المضاربات المالية الهائلة وهي رؤوس الأموال الفائضة عن الاستثمار والاستهلاك الرأسماليين وهي التي أدت إلى انهيار مئات البنوك الاستثمارية وبنوك الرهن العقاري ودللت الأسعار العالية المضاربة على ضعف وتراجع في القدرة الشرائية وانحطاطها ، حتى لدى العائلات الأميركية المتوسطة.
هناك اعتراض أخير على نظرية الفائض الاقتصادي المتزايدة في ظل الرأسمالية الاحتكارية ، يمكن تناوله بإيجاز كبير ، ونعني به أن اتحادات العمال أصبحت الآن قوية بدرجة كافية حتى تستخلص لأعضائها زيادات من الأرباح الناجمة عن المزج بين التكاليف المتناقصة والتسعير الاحتكاري .." 84
من المحقق أن الاتحادات العمالية تلعب دوراً هاماً في تقرير الأجور النقدية ، وأن العمال في الصناعات الأقوى تنظيماً يحققون لأنفسهم بوجه عام مكاسب أكبر من العمال في فروع الاقتصاد الأضعف تنظيماً. هذا لا يعني أن الطبقة العاملة ككل في وضع يمكنها من التعدي على الفائض أو حتى الاستيلاء على زيادات الفائض التي تفيد، لو تحققت ، الطبقة الرأسمالية بالمقارنة بالطبقة العاملة. والسبب هو أن أرباب الأعمال في ظل الرأسمالية الاحتكارية يمكنهم تعويض تكاليف أعلى للعمل ويعوضونها فعلاً على شكل أسعار أعلى . .. لقد استطاعوا في حالات عديدة خلال السنوات الأخيرة إدماج زيادات الأجور في سياساتهم السعرية الاحتكارية على نحو يرمي إلى تحقيق مقاربة أسرع وأوثق من السعر الاحتكاري النظري أكثر مما كان ذلك ممكناً بطريقة أخرى." 84
وسواء أكانت الشركات المساهمة الاحتكارية قد اعتادت استخدام زيادات الأجور كذريعة لزيادة حدود الربح أم لا، فإنها بلا جدال تملك السلطة لمنع زيادات الأجور من خفض تلك الحدود . وكما أوضح ليفنسون ببراعة ، فإنه"بينما القوة الاقتصادية الجماعية قد تكون فعالة في رفع قيمة العمل (الأجور) ، فإن احتمالات إعادة التوزيع من واقع الأرباح تكون ضئيلة جداً طالما ظل الرأسماليون أحراراً في تحديد أسعارهم وأساليبهم الفنية والعمالة بقصد حماية وضعهم من ناحية الربح" 85
III- كتاب هاري ماجدوف: "عصر الإمبريالية" ترجمة د. عبد الكريم أحمد ، منشورات وزارة الثقافة ، دمشق 1971
العنوان الأصلي للكتاب: The Age of Imperialism
Harry Magdoff, Monthly Review Press
يتكون الكتاب من :
1- مقدمة
2- الإمبريالية الجديدة
3- الشبكة المالية
4- المساعدات والتجارة
5- الإمبراطورية الأميركية واقتصاد الولايات المتحدة
6- ملاحق
الفصل الثاني: الإمبريالية الجديدة
ويتكون من :
"من النقاط الأساسية في نظرية لينين عن الإمبريالية؛ تحديد وضع الإمبريالية باعتبارها مرحلة خاصة في نمو الرأسمالية ظهرت قرابة نهاية القرن التاسع عشر" ص 33
وتتلخص هذه المرحلة كالتالي:
1- نشأة المشروعات الكبرى في ميدان الأعمال
عجلت في نشأة هذه المشروعات تركز القوة الاقتصادية والمالية إلى درجة كافية ، والثورة الصناعية الثانية ، والتي شكلت جزءً لا يتجزأ من عملية التحول من الرأسمالية التي تسود فيها الوحدات الصغيرة المبعثرة و المتنافسة فيما بينها ، إلى الرأسمالية التي سيطرت على المسرح الصناعي والمالي فيها تكتلات كبرى للقوة الاقتصادية . ونستطيع أن نتبين مدى تأثير هذه التطورات التكنولوجية التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر في التعجيل بفاعلية الاتجاهات الاحتكارية عندما نفحص المندمجات العملاقة القائمة في الوقت الحاضر" 38 .. فالصناعات الكبرى .. صارت مشروعات ضخمة ومركزة رأسياً" 40
2- الزحف الجديد نحو المواد الأولية
.. فالصناعة قد خرجت الآن إلى العالم بحثاً عن المواد الأساسية التي بدونها، في أشكالها الجديدة لا بقاء لها... اتسع نطاق إنتاج المواد الأولية من أمريكا الشمالية ، رومانيا وروسيا إلى الأراضي الاستوائية وما وراءها ، إلى أستراليا وأفريقيا الجنوبية وتحللت المناطق التجارية والخطوط التجارية التي كانت مكتفية بذاتها من قبل في شبكة واحدة على نطاق العالم" 42
3- الإمبراطورية والإمبريالية الجديدة
.. لم ينجو ركن في العالم من تأثير هذا الاندفاع الإمبريالي الجديد: فالعالم بأكمله تحول وتكيف لحاجات الصناعة الجديدة المسيطرة في كل من الدول الصناعية ولمقتضيات التنافس بين هذه الدول تحت ضغط هذه الحاجات" 45
4- الإمبريالية والمستعمرات
إن نظام العلاقات الاقتصادية والسياسية المتشابكة الذي نشأ عن هذه الظواهر الجديدة تماماً أو قام ليخدمها أكتنف عصر الإمبريالية . ولم يحدث هذا التغيير الذي تحدثنا عنه فجأة فقد نما مباشرة من اتجاهات متأصلة الجذور في الاقتصاد الرأسمالي والسمة الرئيسية الجديدة هي تركيز القوة الاقتصادية في مندمجات ومؤسسات مالية عملاقة ، وما نجم عن ذلك من تدويل رأس المال.
إن النزوع إلى السيطرة جزء لا يتجزأ من سمات عالم الأعمال ، فهو عالم يزخر بالمخاطر . إذ أن المنافسة الداخلية والخارجية ، والتغييرات التكنولوجية السريعة ، والأزمات ، وغيرها كثيراً ما تهدد رأس المال المستثمر ذاته وليس معدل الربح فحسب، ومن ثم فإن رجال الأعمال يتطلعون باستمرار إلى الطرق التي يستطيعون بها السيطرة على البيئة بهدف التخلص من أكبر قدر ممكن من المخاطرة." 45 ..
( أ ) وأول مقتضيات ضمان السلامة والسيطرة وأكثرها وضوحاً .. تأكيد السيطرة على أكبر قدر ممكن من مصادر المواد الأولية – حيثما وجدت هذه المواد الأولية ، بما في ذلك المصادر المحتملة.. والسيطرة على مصادر المواد الأولية إجراء وقائي ضد ضغط المنافسين وكذلك سلاح هجومي لوضع المنافسين غير المتكاملين في مكانهم . فملكية المواد الأولية والسيطرة عليها تعتبر ، كقاعدة عامة، من الشروط الأولية الجوهرية لقدرة أي مشروع كبير أو مجموعة من المشروعات الكبرى على الحد من المنافسة الجديدة والسيطرة على الإنتاج وعلى أسعار المنتجات المصنعة . فضلاً عن أن حجم المشروعات الكبرى المتكاملة رأسياً يتيح لها الموارد اللازمة لاكتشاف واستغلال مصادر جديدة في جميع أنحاء العالم.. إن تاريخ صناعة البترول هو طبعاً النموذج الكلاسيكي لهذا المبدأ، ولكنه ينطبق أيضاً على الألمنيوم والحديد والنحاس ومواد أخرى.." 46
(ب) إن نموذج معظم المشروعات الصناعية الناجحة يتضمن غزو الأسواق.
.. بعد انتهاء الحرب الأهلية الأميركي بأقل من عشر سنوات ، وتحديداً في عام 1871 كانت نسبة السلع المصنعة أكثر قليلاً من 7 % من صادرات الولايات المتحدة ، وفي عام 1890 ارتفعت النسبة إلى 12 % ، وفي 1900 وصلت إلى حوالي 19 % ...وقد تمخض تعاقب نوبات الكساد التي حدثت ابتداء من 1873 إلى مطلع القرن العشرين عن استجابتين: داخلياً، موجة من التكتلات والجنوح إلى تكوين المشروعات الكبرى [الكساد والجنوح للتكتل والاندماج بين الشركات والبنوك] ؛ وخارجياً، النزوع إلى اقتناص أسواق التصدير؛ بما فيها أسواق من أوربا الصناعية" 47 .. والأسواق الخارجية مطلوبة بمساعدة الدولة وتأييدها لتوفير معدل النمو الذي لا بد منه لدعم الاستثمار الكبير لرأس المال واستغلال الفرص السوقية الجديدة. 48
(ج) والاستثمار في الخارج أسلوب فعال بصفة خاصة في تنمية الأسواق الخارجية والحافظة عليها .49
.. بيد أن هذا الأسلوب في التسرب إلى الأسواق الخارجية يصبح أكثر شيوعاً في عصر المندمجات العملاقة الذي يتميز بالزيادة في حدة التنافس بين الدول فدور الاستثمار الخارجي في اقتناص مصادر المواد الأولية واستغلالها واضح . بيد أن هناك ما هو أكثر حتى من ذلك : ضرورة الاستثمار الخارجي لمقاومة المنافسة ، أو الاستيلاء على الأسواق وغلقها في وجه الغير، في البلاد التي توجد فيها منافسة أيضاً بين المندمجات العملاقة. 49-50
من المألوف أن ينظر إلى المنافسة والاحتكار باعتبارهما نقيضين مباشرين. وهذا صحيح تماماً في تعريفات المعاجم [المدرسية] . بيد أن مصطلحي المنافسة والاحتكار في الكتابات الماركسية يستخدمان للتعبير عن مراحل مختلفة في المجتمع الرأسمالي [واحدة يهيمن عليها التنافس والثانية يهيمن عليها الاحتكار] . ولا يوجد في أي من المرحلتين منافسة بحتة أو احتكار بحت . بل الواقع أن جوهر نظرية الإمبريالية ذاته هو إدراك أن المنافسة توجد داخل المرحلة الاحتكارية .. وتكون في هذه الحالة بين عمالقة من نفس الصناعة (داخل الدولة الواحدة وخارجها ) وبين الصناعات المختلفة (بين الصلب والألمنيوم ومنتجات البلاستيك مثلاً) . هامش ص 49
( د) إن النزوع نحو انتهاز فرص الاستثمار الخارجي والسيطرة على الأسواق الخارجية يرفع مستوى النشاط السياسي في الشؤون الاقتصادية إلى صعيد جديد أكثر حدة .. 52
يقول ماجدوف: "والتبسيط المغالي فيه الذي يعتبر الإمبريالية والاستعمار شيئاً واحداً دون أي فرق لا يشبه نظرية لينين ولا واقع الحال، وبالمثل يخطئ من يفسر نظرية لينين بأن الإمبريالية في جوهرها ناشئة عن حاجة الدول المتقدمة إلى التخلص من فائض يخنقها بقاؤه داخلها، وأن هذا الفائض يتم التخلص منه عن طريق الاستثمار المنتج في المستعمرات " 54
.. إن مرحلة الإمبريالية كما حاولنا أن نبين ، أكثر تعقيداً بكثير من أن تفسر بواسطة أية صيغة مبسطة . فالنزوع إلى اقتناء المستعمرات ليس اقتصادياً فحسب ، بل ينطوي على اعتبارات سياسية وعسكرية في عالم من الدول الإمبريالية المتنافسة." 55
إن القيمة الخاصة لنظرية لينين في إلقاء الأضواء على جميع المؤثرات الرئيسية التي حركت العلاقات الاقتصادية الدولية . وهذه المؤثرات هي التي ترتبط بالطور الجديد للاحتكار وبالأساليب الجوهرية التي يتبعها الاحتكار لتحقيق السيطرة والسيادة على مصادر إمداداته وعلى الأسواق . وحقيقة أن هذه المؤثرات ما زالت هي العوامل الرئيسية حتى الآن تفسر لماذا تعتبر هذه النظرية لا تزال صالحة . ولكن الصور المختلفة التي تعمل هذه العوامل في إطارها تتكيف مع الظروف الجديدة التي تتطلب دراسة مستمرة." 55
وبناء على متطلبات الدراسة المستمرة للظواهر والصور الجديدة للإمبريالية فقد ظهر كتاب هاري ماجد وف: "عصر الإمبريالية" موضوع عرضنا القائم. وألحقه بعد عشر سنوات بكتابه الآخر الهام : الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم " وهو إكمال وتوسيع وتوضيح للكتاب الحالي ورد على النقّاد.
السمات الحديثة للإمبريالية
تتميز إمبريالية الوقت الحاضر بعدد من السمات الجديدة وهذه السمات، هي:
1- تحول موطن التركيز الرئيسي من التنافس على تقسيم العالم إلى الصراع ضد تقلصات النظام الإمبريالي.
2- الدور الجديد للولايات المتحدة كمنظم وقائد للنظام الإمبريالي العالمي
3- نشأة التكنولوجيا ذات الطابع الدولي
i- تعتبر الثورة الروسية المؤشر لبداية الطور الجديد. قبل الحرب العالمية الأولى كانت السمتان الرئيسيتان هما التوسع الإمبريالي ليغطي الدنيا كلها ، والصراعات بين الدول لإعادة توزيع (اقتسام) الأقاليم ومجالات النفوذ. ولكن بعد انتصار الثورة الروسية 1917 دخل عنصر جديد في هذا الصراع التنافسي : النزوع إلى إعادة السيطرة على هذا الجزء من العالم الذي انفلت من النظام الإمبريالي والحاجة إلى منع مناطق أخرى من الهرب من الشبكة الإمبريالية. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية أدى اتساع الجزء الاشتراكي من العالم وتحطيم القسم الأكبر من النظام الاستعماري إلى زيادة حدة النزوع إلى إنقاذ أكبر قدر ممكن من الشبكة الإمبريالية واستعادة الأقاليم التي فقدتها. وفي هذا الإطار يتخذ الغزو صوراً مختلفة حسب الظروف: عسكرية وسياسية واقتصادية ." 56
ii- وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية كانت العمليات السياسية العسكرية داخل العالم الإمبريالي تتم بالأسلوب التقليدي القائم على تكوين الكتل المتحالفة : وكانت المصالح المتنافسة داخل كل كتلة تكبح مؤقتاً من أجل القيام بحملة هجوم أو دفاع مشترك ضد الكتلة الأخرى . وكان تأليف هذه الكتل يتغير مع الوقت وكذلك المزايا التكتيكية التي تشن من اجلها الحملات . ومنذ 1945 كانت الظاهرة الجديدة هي تولي الولايات المتحدة زعامة النظام الإمبريالي بأكمله. إذ أنه نتيجة لنضجها الاقتصادي وقوتها العسكرية من ناحية وللتدمير الذي أحاق بمنافسيها من ناحية أخرى صار لدى الولايات المتحدة القدرة والفرصة لتنظيم الشبكة الإمبريالية المعاصرة وقيادتها.. وقد سارت عملية تنظيم النظام الإمبريالي بعد الحرب عن طريق الوكالات التي أنشئت قرب نهاية الحرب : الأمم المتحدة، البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي. وقد استطاعت الولايات المتحدة ، لأسباب مختلفة ، أن تمارس في كل منه دور الزعامة. وتم تدعيم هذا النظام عن طريق أنشطة هيئة التعمير والإغاثة ومشروع مارشال وبرامج المعونة الاقتصادية والعسكرية العديدة التي تمولها واشنطون وتسيطر عليها. 57
iii- أن التكنولوجيا الجديدة ، التي دفعتها الحرب العالمية الثانية إلى الأمام دفعة قوية ، ذات نطاق عالمي أكثر بكثير من التكنولوجيا القديمة، ومن ثم فإن لها دلالات خاصة بالنسبة لسير العمليات الإمبريالية الجارية وفي المستقبل. وأوضح جانب لهذا النطاق هو تكنولوجيا الفضاء . فذلك العدد الكبير من محطات "الفضاء" حول الكرة الأرضية التي يديرها الفنيون الأميركيون هو أحد سمات الموقف الدولي . وكذلك يعتبر الدور الرائد للأقمار الصناعية الأميركية كوسيلة للاتصالات إحدى هذه السمات [وشبكة الإنترنت والربط الإلكتروني الدولي] . فلم تعد "لايف" و "ريدرزدايجست" و "تايم" وأفلام هوليود ومطبوعات جهاز الاستعلامات الأميركي فقط في متناول الجميع ، بل أن برامج التلفزيون الأميركية أيضاً صارت من الممكن رؤيتها فوراً: جميع الوسائل النافعة في تحقيق الوحدة "الثقافية" التي تعكس قيادة الولايات المتحدة للنظام الإمبريالي . وجاء مع هذا أيضاً ترتيب قانوني دولي جديد ، كما أشار وزير الخارجية راسك : "ولنشرع في بناء نظام واحد في العالم كله للاتصالات عن طريق الأقمار الصناعية أنشأنا مؤسسة دولية جديدة تسهم المندمجات الأميركية في ملكيتها بنصيب مع 45 حكومة" 62
بالإضافة إلى ذلك ، فإن لتكنولوجيا الطاقة الذرية والعقول الإلكترونية سمات دولية خاصة . فالاستثمارات الضخمة في البحوث والتنمية التي تتطلبها هذه الصناعات تتيح ميزة خاصة للمندمجات التي تبلغ من كبر الحجم درجة توفر لها العمل على نطاق دولي .. ينبغي أن نلاحظ التزاوج السعيد بين التكنولوجيا الجديدة والمندمجات الدولية:
A - أن الولايات المتحدة لديها مؤسسات أعمال كبيرة إلى حد أنها تملك ، أو يمكن أن تحصل على رأس مال كاف للتنمية التكنولوجية الضرورية بحيث تستطيع أن تسيطر على الميدان في البلاد الأخرى.
B - لتحظى المؤسسات الأميركية بسند في هذه الزعامة التكنولوجية من المنح الحكومية الضخمة المخصصة للبحوث والتنمية.
C- اكتسبت هذه المؤسسات تجربة في العمليات على النطاق الدولي ، إما لحسابها الخاص أو بالتعاون مع حكومة الولايات المتحدة في العمليات التي تقوم بها الحكومة لتوسيع نطاق أنشطتها العسكرية والمساعدات الخارجية المتنوعة حول العالم.
D - نشأ مع المساعدة الحكومية السخية ، جهاز متكامل للبحوث العلمية والتنمية الفنية في المندمجات الكبرى . وكان من نتائج هذا الجهاز أن قلت إلى حد كبير المدة بين الاكتشافات العلمية والتطبيق العملي بإنتاج سلع جديدة . وهكذا صارت للمندمجات الدولية ميزة عالمية على منافسيها الأصغر والأضعف.
E - أخيراً، جعلت الانجازات التكنولوجية في ميدان الطيران النفاث (والربط الإلكتروني الدولي) من الممكن عملياً التنسيق في إدارة هذه المندمجات على نطاق دولي.
iv- الطلب على المصادر الخارجية للمواد الأولية
أحد السمات المستمرة دون تراجع للإمبريالية حتى يومنا هذا اعتماد المندمجات العملاقة على موارد خارجية للمواد الأولية في سبيل تحقيق مركز احتكاري وزيادة حجم أرباحها. والجديد في إمبريالية اليوم (الإمبريالية الجديدة) أن الولايات المتحدة صارت من الدول التي "لا تملك" فيما يتصل بعدد كبير من المعادن النادرة والعادية... فالعامل الحاسم ليس هو حاجات المستهلك أو حاجة المجتمع ، بل هي السيطرة التي تريدها دوائر الأعمال لتوجيه الإنتاج العالمي والأسعار بما يحقق أرباحاً أكثر.. وفي حين تؤدي أنماط السلوك الاحتكارية إلى اندفاع شديد نحو المصادر الخارجية للمواد، فإن تحول الولايات المتحدة من دولة "تملك" إلى دولة "لا تملك" نجم عنه زيادة حدة النزوع إلى اقتناء الموارد الخارجية والسيطرة عليها." 65
.. إن هذا التحول في مركز الولايات المتحدة من الاكتفاء الذاتي النسبي إلى مركز الاعتماد المتزايد على الموارد الأجنبية يمثل أحد التغييرات الاقتصادية الملحوظة في عصرنا. وكانت بداية الحرب العالمية الثانية نقطة التحول الرئيسية في هذا التغيير.
وفيما يتصل بالنمو الاقتصادي الأميركي على المدى الطويل ، وكذلك فيما يتصل بالدفاع القومي ، يمثل هذا التحول للولايات المتحدة من مركز المصدر للمعادن والموارد المعدنية إلى مركز المستورد عاملاً بالغ الدلالة في وضع السياسة الاقتصادية الخارجية .
v- المواد الإستراتيجية
تشكل مصادر المواد الأولية أحد عناصر السياسة الخارجية ، لا على أساس ما يتعلق بالاحتياجات المباشرة للولايات المتحدة فحسب ، بل كذلك على أساس أنه مما يهم الولايات المتحدة ومن مسؤولياتها بوصفها زعيمة "العالم الحر" ، أن تؤمن حصول بلاد غرب أوربا واليابان على المواد الأولية.
.. إنه من الجلي أن للولايات المتحدة مصلحة قومية كبرى في تكوين ائتلاف للعالم الحر يضم الدول الصناعية في غرب أوربا واليابان مع المناطق المتخلفة في آسيا والشرق الأوسط بقدر كاف من التناسق والوحدة. 77
Vi – الولايات المتحدة كأكبر مصدر للرأسمال
جاء ،مع التغيرات السياسية والعسكرية بعد الحرب العالمية الثانية ، عندما تولت الولايات المتحدة دور الزعامة بلا منازع للرأسمالية العالمية ، جاء التفوق الحاسم للولايات المتحدة كمصدرة لرأس المال. وفي حين أسهمت الحاجة الملحة إلى تنمية مصادر المواد الأولية الأجنبية في دفع عجلة تصدير رأس المال بعد الحرب ، أضاف التزايد السريع للاستثمار في المشروعات الصناعية الأجنبية (خاصة في البلدان المتطور؛ أوربا الغربية وكندا ) بعداً جديداً لتدويل رأس المال.
.. إن أبرز التغيرات الملحوظة طوال السنوات السبعين الماضية تقريباً هو ما حدث من تبادل المراكز بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (بريطانيا). فقد هبط نصيب بريطانيا في التجارة العالمية المصنعة من 23 % إلى 12 % ، في حين زاد نصيب الولايات المتحدة من 12 إلى 21 % ص 78
.. ومما هو جدير بالملاحظة بصفة خاصة أن مبيعات المشروعات الخارجية التابعة لشركات أميركية أم في جميع الصناعات قد صارت عام 1965 أكثر من الصادرات من السلع المصنوعة في الولايات المتحدة ذاتها. وأكثر من ذلك ، كانت الزيادة خلال هذه السنوات في حالة المشروعات الخارجية التابعة أكثر منها في الصادرات. فالمبيعات في مجموع الصناعات ارتفعت بالنسبة للمشروعات الخارجية التابعة بمقدار 140 % في حين لم ترتفع الصادرات من الولايات المتحدة إلا 55 % . ص 82 .. وتسهم المبيعات من المشروعات الصناعية في الخارج في غزو الأسواق الخارجية بنصيب مزدوج: فهي لا تستولي على نصيب في سوق البلد الذي يوجد فيه المشروع التابع فحسب، ولكنها تدخل أيضاً في مسالك التجارة الخارجية للدول المتنافسة (أي تصدر من البلد الذي يعمل فيه فرع الشركة الأميركية إلى بلدان أخرى)
وهكذا فإن المصانع التابعة للولايات المتحدة الموجودة في أوربا تبيع 77 % فقط من إنتاجها في الأسواق المحلية الأوربية ، وتمثل الصادرات إلى البلدان الأخرى 22 % من المبيعات. ويلاحظ أن نسبة الصادرات في البلدان المتخلفة صغيرة نسبياً (أمريكا اللاتينية وغيرها) .83
إن الاستثمار المباشر للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي يلعب دوراً مذهلاً. فطبقاً لما يؤكده المجلس الأميركي لغرفة التجارة الدولية يتجاوز مجموع قيمة إنتاج لشركات الأميركية في الخارج كثيراً عن 100 بليون دولار في العام. أي أنه على أساس مجموع الإنتاج تعتبر المشروعات الأميركية في الخارج ثالث اقتصاد في العالم إذا صح أن نستخدم هذا المصطلح... وبطبيعة الحال تعتبر هذه المشروعات من كبار مستهلكي المواد الأولية والعناصر الأخرى المحلية التي تتكون منها المصنوعات."
.. وفيما يتعلق بالإنتاج الصناعي تتركز العمليات الخارجية أساساً في كندا وأوربا (34.8 % في كندا ، 40.3 % في أوربا عام 1966 من مجموع الاستثمارات الأميركية الخارجية الصناعية) .. ومنذ الحرب العالمية الثانية ، وفي بيئة يؤثر فيها مشروع مارشال (تعمير أوربا واليابان من قبل أمريكا ابتداء من 1947 )، وحلف شمال الأطلسي ، كان الاتجاه الرئيسي هو تدفق رأس المال الأمريكي المستثمر في الإنتاج الصناعي إلى أوربا" 85 .. بيد أن الولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي يعمل على غزو هذه الأسواق.. . فالبيوت الإنكليزية تستثمر في فرنسا وألمانيا . وبلجيكا تستثمر في فرنسا وألمانيا وإنكلترا، غير أنه من الجلي أن مركز الولايات المتحدة كمستثمر خارجي في أوربا متفوق على الجميع
.. تظهر الأرقام التي يوردها ماجدوف مدى الترابط بين الاتجاهات الاحتكارية وتدفق الاستثمارات على أوربا: في أكبر ثلاثة أسواق أوربية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) تملك ثلاث مندمجات أمريكية- هي أسو، جنرال موترز، وفورد- 40 % من الاستثمارات الأمريكية المباشرة." 88
باختصار فإن تدويل رأس المال بين البيوت العملاقة بلغ اليوم مستوى أكثر ارتفاعاً بكثير مما كان عليه منذ خمسين عاماً عندما كتب لينين مؤلفه عن الإمبريالية. 88
فهرست تفصيلي لباقي الفصول
عرض الفصل الثالث : الشبكة المالية
عناوين فرعية:
1- الجهاز المصرفي الأميركي يتخذ الطابع الدولي
إن أكبر مناطق نمو النشاط المصرفي الأميركي اليوم ليست في الولايات المتحدة ولكن خارجها- كما يخلق التوسع في الخارج أيضاً أول شبكة مصرفية دولية حقيقية. وهذا التطور في النشاط المصرفي هو التكملة المناسبة للدور الجديد للولايات المتحدة كقائد للنظام الإمبريالي ومنظمة له" 91
.. من الطبيعي ، والدولار يحتل المركز الرئيسي كعملة دولية والولايات المتحدة تحتل المركز الأول كمصدرة ومستوردة للسلع والخدمات ورأس المال، أن تسارع مصارف الولايات المتحدة إلى القيام بذات الدور النسبي في المالية الدولية الذي كانت تقوم به المؤسسات البريطانية الكبرى في القرن التاسع عشر" 94 .. فالحربين العالميتين .. اكتسحت العقبات التي كانت تعرقل هذا التطور.."96
2- فروع المصارف تهيمن على سوق العالم الرأسمالي
تدخل مصارف الولايات المتحدة الأسواق الخارجية بثلاث طرق:
a- باستخدام المصارف الأجنبية كوكلاء لها.
b- بإنشاء فروع تقوم بكل العمليات المصرفية كما تفعل في الولايات المتحدة . ومثل هذا النشاط يتم في ظل القوانين المصرفية السائدة في البلد المضيف.
c- بإنشاء مندمجات فرعية . وتقوم هذه المندمجات بشراء حصص في البنوك الأجنبية . وتنشئ مصارفاً وشركات مالية في الخارج، وتستثمر في أنواع مختلفة من الأعمال غير المصرفية أيضاً.
وفي ذات الوقت الذي تنتشر فيه المصارف الأميركية في البلاد المتخلفة ، وبخاصة أمريكا اللاتينية التي يوجد فيها حوالي نصف الفروع الخارجية تقريباً، يكتسب نفوذها في البلاد الصناعية مركزاً استراتيجياً بصورة متزايدة وقد لاحظت مجلة "فورشن" أنه قد "صار من العبارات المألوفة في الدوائر المصرفية هو أن : المصارف الأوربية الحقيقية في أيامنا أمريكية" 105
3- التوسع الخارجي عن طريق التوابع المصرفية
.. والأداة النشطة الأخرى التي تستخدمها المصارف الأمريكية للتوغل في شرايين المالية الدولية هي الشركة المندمجة التابعة..
وضعت وعدلت قوانين تسهل هذا الأمر منها: قانون الاحتياطي الفيدرالي في عهد الرئيس ويلسون، وتعديل 1919 لقانون الاحتياطي الفيدرالي المعروف باسم "قانون الحافة" . والواقع أن هذه المراسيم التشريعية سمحت للمصارف الأمريكية بإنشاء مندمجات تابعة
( أ) لتسهيل إنشاء الفروع في البلاد التي لا تسمح قوانينها بالفروع المصرفية
(ب) لتتيح للمصارف أن تعمل على نطاق أوسع للأنشطة المالية والاستثمارية في الخارج. وقد سمح لهذه المندمجات التابعة بأن تتجاوز الأنشطة المالية العادية التي تقوم بها المصارف المحلية ، بما في ذلك الاستثمار المباشر في عمليات غير مالية – مثل الصناعة والتعدين والتجارة – التي لا يسمح للمصارف في الولايات المتحدة بالقيام بها. ص 108
يمكن تقسيم العمليات العديدة التي تقوم بها هذه المندمجات التابعة إلى ثلاث فئات:
الأولى: أنشئت شركات مصرفية ومالية في كندا وسبع بلاد أوربية و8 بلاد في أمريكا اللاتينية وبلدين أفريقيين . وتقوم هذه الشركات بدورها بأنشطة استثمارية متنوعة ، بالتعاون مع بعض المصارف المحلية في كثير من الحالات ومع المصرفيين الدوليين الآخرين، وأحياناً مع حكومة الولايات المتحدة.
الثانية: تستخدم المندمجات التابعة في شراء حصص صغيرة أو كبيرة (مسيطرة) في المصارف في الخارج.
ثالثاً: تستخدم المندمجات التابعة (للشركة الأم) في الحصول على ملكية مجموعة كبيرة متنوعة من المشروعات الصناعية ومشروعات الخدمات في الخارج ، وبخاصة في البلاد المتخلفة .111
وإلى الآن كنا نصف جانباً واحداً من جوانب تدويل المالية الأميركية – وهو يتعلق ببناء شبكة من الفروع والمندمجات التابعة للاستثمار في الخارج . ولكن ينبغي أن نتذكر أن ذلك لا يمثل سوى جانب واحد من عملية التدويل – وهي عملية تتجسد في انتقال السوق المركزي الدولي لرأس المال من أوربا إلى الولايات المتحدة وصعود الدولار إلى مركز العملة العالمية الرئيسية. ص112
4- الدولار كعملة عالمية: نيويورك مصرف العالم.
5- تكتلات العملة كأدوات للهيمنة
.. إن الاستخدامات التي يمكن أن تستعمل فيها هذه الترتيبات النقدية تصبح واضحة تماماً عندما نفحص استخدامها كوسائل للهيمنة من جانب العواصم الكبرى على مستعمراتها أو في أوقات الأزمة الاقتصادية.124 .. وقد صارت احتمالات الهيمنة التي ينطوي عليها استخدام عملة بذاتها أكثر وضوحاً أثناء الحرب العالمية الثانية.(اتفاقات الدفع من قبل المتعاملين والذين هم ضمن منطقة النفوذ) 125
6- طريقة خفض قيمة العملة
7- صور متباينة في عمليات خفض قيمة العملة
8- المراكز المالية تخلق نقدها الخاص
9- مالية الولايات المتحدة
إن أوسع استخدام لا مثيل له للقوة المالية بغرض الهيمنة على الأجزاء الأخرى من العالم هو ذلك الذي تمارسه الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية . ففي كل عام منذ 1950 باستثناء سنة واحدة إبان أزمة قناة السويس، كان ميزان مدفوعات الولايات المتحدة في حالة عجز. وهناك ثلاث نقاط يجب فهمها تماماً وبوضوح فيما يتصل بهذا العجز المستمر:
النقطة الأولى: إن العجز حدث واستمر فقط كجزء لا يتجزأ من دور الولايات المتحدة بوصفها المنظم والقائد للنظام الإمبريالي ... إن العجز يستخدم في تمويل :
* النفقات العسكرية (ما ينجم عنها من تحويل دولارات إلى الخارج فقط وليس جميع النفقات)
* مساعدات عسكرية ومعونات اقتصادية : الأدوات التي تستخدم لكي تمارس الولايات المتحدة هيمنتها على الدول الأخرى
* استثمارات دوائر الصناعة والمالية الأميركية في البلاد الأجنبية
النقطة الثانية: ويتم تمويل العجز بزيادة كمية الدولارات الأمريكية عن طريق الائتمان الذي تخلقه الحكومة والمصارف .. إن صكوك مديونية الحكومة الأميركية وسندات الخزينة الأميركية تقبل كنقود... ففي ظل نظام العملة الاحتياطية ، عندما يعمل بطريقة سليمة ، يكون المستفيد الأول من أية زيادة في المقدار المتاح من النقد الدولي هو بوضوح العملة الاحتياطية ذاتها.
النقطة الثالثة: تستطيع الولايات المتحدة تمويل ما تتعرض له من عجز لأنها مصرف العالم.. وبقية العالم الرأسمالي على استعداد (مع بعض التردد أحياناً) لقبول الدولار كأصول احتياطية.
فقد أعلن مستر ديلون: "إننا نتمتع بميزة حقيقية تماماً عندما يسمح لنا بتمويل ما يلحق بميزاننا من عجز بواسطة زيادة كمية الدولارات التي تقتنى في الخارج. فإذا لم نكن عملة احتياطية ، وإذا لم نكن مصرف العالم، لما أمكن حدوث ذلك. "147 فضلاً عن ذلك أن الاستقرار السياسي والمقدرة الاقتصادية والعسكرية الضخمة للولايات المتحدة ساعدت أيضاً على زيادة الرغبة في الاحتفاظ بالتوازنات هنا أكثر من أي بلد آخر في العالم. ص 148
يقول ماجدوف: يدرك مستر روسا .. الدلالات الثورية .. لأي خروج جذري على النظام النقدي الدولي الحالي" 151
الفصل الرابع : المساعدات والتجارة
عناوين فرعية
1- النفقات العسكرية و "السلام الأمريكي"
2- المساعدات الأجنبية: أداة سيطرة
إن المساعدات الاقتصادية والعسكرية مثل العنصرين الآخرين الرئيسيين في عجز ميزان المدفوعات ، يقصد بها خدمة أهداف السيطرة. وكما قال الرئيس جون ف. كيندي: "إن المساعدات الخارجية هي أسلوب تحافظ بواسطته الولايات المتحدة على مركز النفوذ والهيمنة في أنحاء العالم ، وتدعم عدداً كبيراً من البلاد التي كان لابد أن تنهار أو تنتقل إلى الكتلة الشيوعية" 161
3- تنفيذ السياسات الأمريكية العسكرية والسياسية
4- المساعدات الاقتصادية من أجل سياسة الباب المفتوح
.. إن القسم الأكبر من المساعدات حتى الاقتصادية منها .. يقصد به في نهاية الأمر إما أغراض عسكرية أو أغراض سياسية مباشرة." 171 .. وقد لخص الاتجاه الرئيسي بوضوح لسياسة الباب المفتوح تقرير لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب جاء فيه : "إن أهم سبب هو أن الدول التي عقدت العزم على التنمية، تكون المشاركة في هذه العملية هي السبيل الوحيد الذي يتيح لنا فرصة توجيه هذا التنمية على أفضل أسس تخدم مصالحنا " 174
5- المساعدات الخارجية ودوائر الأعمال الأمريكية
في حين تغطي المساعدات الخارجية مجموعة متنوعة من النشاطات الحكومية وتستخدم كأداة للهيمنة الاقتصادية والعسكرية والسياسية في العالم المتخلف ، تحصل دوائر الأعمال على فوائد مباشرة ، فورية وعلى المدى البعيد، من هذا النشاط.. 181
6- المساعدات الخارجية: "رسالة إمبريالية" للرجل الأبيض
7- السيطرة عن طريق صندوق النقد الدولي
8- المساعدات والمديونية
التبعية الاقتصادية من جانب البلاد المتخلفة بوصفها موردة للطعام والمواد الأولية للبلاد المتقدمة تنجم عنها تبعية مالية أيضاً . وتعمل هذه التبعية المالية بدورها على تعزيز التبعية الاقتصادية. وتسير هذه العملية عادة على الخطوط التالية : أن تقلبات الطلب على المنتجات الأولية ، ومن ثم تقلب أسعارها عند تصديرها من البلاد المتخلفة ، يخلق عجزاً متكرراً في ميزانها. ويمول هذا العجز بالاقتراض من الدول الدائنة . ويتطلب رد الدين ، دفع الأقساط والفوائد ، أن يخصص قسم من الصادرات في المستقبل لهذه القروض بدلاً من شراء الواردات التي تدعو إليها الحاجة. ومن ثم يبدأ الإقراض من جديد لسد ثمن الواردات العادية. وتصير دورة التبعية المالية الاقتصادية هذه أكثر حدة كلما حاول البلد المدين أن يتقدم بالأسلوب الرأسمالي المألوف." 214
تأخر نمو الصادرات في البلاد المتخلفة والقيود على الصادرات من قبل الدول المتقدمة صناعياً ص223، 227 ولكي يتقدم بلد متخلف بالفعل عليه أن ينجز ذلك بأسلوب مختلف عن الأسلوب الرأسمالي ؛ أن يتقدم بالأسلوب الاشتراكي الماركسي. نقتطف أخيراً من كتاب ماجدوف: الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم: "الدرس الهام الذي يجب تعلمه من تاريخ الرأسمالية هو أن المشاكل الكبرى (الأزمات الاقتصادية) لا تؤدي إلى انهيارها انهياراً أوتوماتيكياً... فمصير الرأسمالية في النهاية سوف تحدده فقط الطبقات الناشطة داخل المجتمع والأحزاب القائمة على هذه الطبقات والتي لديها الإرادة والقدرة على استبدال النظام القائم" ص 140
فهرست لدراسة المؤلفات الاقتصادية/السياسية المترجمة إلى العربية بعد الحرب العالمية الثانية ، والتي تعالج موضوع الإمبريالية الجديدة و التغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي وقضايا التخلف.
1- ج. م. ألبرتيني "لفهم الاقتصاد العالمي ، ترجمة د. مصطفى عدنان السيوطي مراجعة عيسى عصفور منشورات وزارة الثقافة 1986 " فصل : الازدهار الكبير 1945-1975
2-توماس سنتش : الاقتصاد السياسي للتخلف" ترجمة فالح عبد الجبار 1978 المجلد 2 ، القسم الأول : أسباب التخلف وخصائصه
3- بول باران الاقتصاد السياسي للتنمية " ، ترجمة أحمد فؤاد بلبع مراجعة الدكتور حامد ربيع ط2 1971 الفصل الثاني "مفهوم الفائض الاقتصادي" ص76 مع تصفح الفصل الأخير : الارتقاء الصعب.
4- بول باران وبول سويزي : رأس المال الاحتكاري بحث في النظام الاقتصادي والاجتماعي الأميركي ترجمة حسين فهمي مصطفى مراجعة دكتور إبراهيم سعد الدين الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1971 الفصل الثالث: اتجاه الفائض للارتفاع ص 61 مع تعداد أشكال امتصاص الفائض
5-هاري ماجدوف: الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم ترجمة مؤسسة الأبحاث العربية 1981
المحتويات: تعريف بالكاتب- تقديم للطبعة العربية- المقدمة ملاحظة فنية.
التاريخ: التوسع الأوربي منذ 1763 – التوسع الإمبريالي بين المصادفة والتصميم – الإمبريالية : مسح تاريخي.
النظرية والعالم الثالث: الإمبريالية من دون مستعمرات- الخرافات الاقتصادية والإمبريالية- الشركة متعددة الجنسيات والتنمية: هل يتناقضان- النزعة العسكرية والإمبريالية- تأثير السياسة الخارجية الأميركية على البلدان المتخلفة- رأس المال، التكنولوجيا، والتنمية.
الرد على النقاد: هل الإمبريالية ضرورية حقاً- كيف تعمل من القبّة حبّة.
من مؤلفاته المعروفة "عصر الإمبريالية"، وكتاب "ديناميات الرأسمالية الأميركية ونهاية الازدهار: الاقتصاد الأمريكي في السبعينات" وضعه بالاشتراك مع بول سويزي.
6- يوجين فارغا : القضايا الاقتصادية / السياسية للرأسمالية تعريب أحمد فؤاد بلبع دار الفارابي أيار 1975 . الفصول : قضايا رأسمالية الدولة الاحتكارية ص 65 الارستقراطية العمالية بع الحرب العالمية الثانية 15 ، تدفق رأس المال خلال تسوية معدل الربح 171 ، طاقة السوق الرأسمالية 197 ، والتغيرات في دورة تكرار الإنتاج في أعقاب الحرب العالمية الثانية 249
7- أوسكار لانغه: الاقتصاد السياسي ، القضايا العامة تقديم وتعريب الدكتور محمد سلمان حسن، ط1 1967 ط4 1982 تصفح عام
هاري ماجدوف: عصر الإمبريالية ، الفصول 2 : الإمبريالية الجديدة 31 ، الشبكة المالية ص 89 ، الإمبراطورية الأميركية واقتصاد الولايات المتحدة 241
8- بيير جاليه : الامبريالية عام 1970 ترجمة فؤاد مرقص دار الحقيقة 1970 الفصل العاشر تناقضات الامبرياليين واندماجهم ، الامبريالية الأميركية، الفصل الحادي عشر التناقض الرئيسي، والفصل الأول عودة إلى المصادر.
9- ارنست ماندل : النظرية الاقتصادية الماركسية الجزء الثاني ترجمة جورج طرابيشي دار الحقيقة بيروت الفصل الثالث عشر: الإمبريالية ، 119 الفصل الرابع عشر عصر أفول الرأسمالية ص 180 ملحق: ذروة الرأسمالية الجديدة ومستقبلها 262 الفصل الحادي عشر : الأزمات الدورية ص 5
10-ارنست ماندل: "الرد الاشتراكي على التحدي الأميركي " ترجمة الدكتور نعيم الخوري دار دمشق من دون تاريخ
11- ميشيل تشوسودوفسكي : "عولمة الفقر" ترجمة محمد مستجير مصطفى دار سطور 1998
12- ما العولمة: الاقتصاد العالمي وإمكانات التحكم . تأليف بول هيرست ، جراهام تومسون. ترجمة فالح عبد الجبار . عالم المعرفة عدد سبتمبر 2001 رقم 273 . جاء في بداية الكتاب:
"إن من الحصافة بمكان أن ندرس النظام الاقتصادي العالمي من منظور تاريخي أطول . وأن نقر بأن التغيرات الحالية وإن كانت مهمة ومتميزة فإنها ليست بلا سابق ، كما أنها لا تنطوي بالضرورة على نقلة باتجاه نمط جديد من النظام الاقتصادي" المؤلفان.
"إن وجود الدولة القومية كمنبع لحكم القانون يؤلف شرطاً جوهرياً مسبقاً للضبط من خلال القانون الدولي كما أنها ، بوصفها سلطة عمومية نافذة ضرورية لبقاء التجمعات القومية (التعددية)" المؤلفان. يكتب ماندل: "أدت دوماً تقوية سلطة الدولة –دون أن تلغي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج- إلى تقوية قبضة أقدر جماعات الرأسمال الكبير.. " الرد الاشتراكي على التحدي الأمريكي ص 154 .. وكلما ازدادت الشروط الاقتصادية سوءاً كلما ازدادت تدخلات الدولة والحكومة في الاقتصاد".. ماندل مذكور 125
13- ميشيل تانزر: الاقتصاد السياسي للبترول العالمي . ترجمة جمال عون دار الحقيقة بيروت ، ط1 1974
14-شيريل بييار: البنك الدولي دراسة نقدية " ترجمة أحمد فؤاد بلبع، تقديم: د. رمزي زكي. دار سينا ط1 1994
15- د. رمزي زكي : المحنة الآسيوية ؛ قصة صعود وهبوط دول المعجزات الآسيوية " دار المدى للثقافة والنشر ط1 2000 . القسم الثاني يحلل أسباب وجذور الأزمة ودور المضاربات المالية ، وهو قسم هام بشكل لافت.
16-ف. بوليانسكي: "التأريخ الاقتصادي اعصر الإمبريالية" في جزأين. ترجمة عبد الإله النعيمي ، مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي ط1 1988
17- توماس سنتش: "نقد نظريات الاقتصاد العالمي، في جزأين ." ترجمة عبد الإله النعيمي مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية . ط1 1990
18- مايكل تانزر: التسابق على الموارد؛ الصراعات المستمرة على المعادن والمحروقات. ترجمة حسني زينة . مؤسسة الأبحاث العربية ط1 1981
19- ج. م. ألبرتيني: "التخلف والتنمية في العالم الثالث " ترجمة ياسين الحافظ ط3 1980 دار الحقيقة بيروت.
20- د. سمير أمين: "التراكم على المستوى العالمي؛ نقد نظرية التخلف" ترجمة حسن قبيسي ، دار ابن خلدون ط2 1978
21- فرانسوا بيرو: "رأس المال المالي والإنتاج؛ وخلل توازن الاقتصاد العالمي " ترجمة د. ناجي الدراوشة ، منشورات وزارة الثقافة دمشق 1988
22- فرانسوا بيرو: "الضياع والمجتمع الصناعي" ترجمة د. ناجي الدراوشة منشورات وزارة الثقافة دمشق 1990
23- يوجين فارغا: "رأسمالية القرن العشرين" نقله إلى العربية صلاح مزهر ولطف الله مزهر، راجعه مأمون أبو الذهب، الناشر مؤسسة العلاقات الاقتصادية والقانونية ط1 1972
24- تأليف مجموعة من الاقتصاديين ، تحرير ديتر سنجهاز: ""الإمبريالية وإعادة الإنتاج التابع ترجمة ميشيل كيلو منشورات وزارة الثقافة دمشق 1986
نشير إلى أهمية دراسة كتاب لينين الإمبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية- وصف مبسط ، وكتاب بوخارين: الإمبريالية والاقتصاد العالمي. ترجمة رجاء أحمد مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية ط1 1990 وهو مؤلف من 15 فصلاً . وتوجد ترجمة مصرية لكتاب لينين بعنوان: "الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية " ترجمة دكتور راشد البراوي، الطبعة الثالثة 1954 مكتبة النهضة المصرية . وواضح الخطأ في ترجمة العنوان لأن الإمبريالية غير الاستعمار. راجع الفصل الرابع من كتاب : ماجدوف: "الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم" وهو بعنوان : الإمبريالية من دون مستعمرات. ويقسم الفصل إلى المحاور التالية: 1- ضغط فائض رأس المال 2- معدل الربح المنخفض 3- الاحتكار والاستثمار الخارجي 4- الإمبريالية والأزمة 5- دور الحكومة ؛ تأملات في النظام السياسي 6- الإمبريالية بلا مستعمرات
25- جون كينيث غالبريث : الدولة الصناعية الحديثة" ترجمة يحي علي أديب مطبعة وزارة الثقافة دمشق 1972
26-: ديفد هارفي: "الإمبريالية الجديدة" - ترجمة: وليد شحادة إصدار: دار الحوار الثقافي2004، بيروت
27- الإمبريالية الجديدة : حمزة علوي و هاري ماجدوف ، ترجمة كمال أبو الحسن ، دار الطليعة بيروت 1970 . وهو عبارة عن مقالتين واحدة للكاتب الباكستاني المقيم في بريطانيا حمزة علوي وأخرى لـ ماجدوف الماركسي الأمريكي الشمالي هي الفصل الخامس و الأخير من كتابه "الإمبريالية" وهو تحت عنوان: "الإمبراطورية الأمريكية واقتصاد الولايات المتحدة"
28 - د. رمزي زكي: "الاقتصاد السياسي للبطالة(تحليل لأخطر مشكلات الرأسمالية المعاصرة) " عالم المعرفة العدد 226 ت1 1997 .








من "الإمبريالية" إلى "العولمة"
محمد سيد رصاص
لم يعد يذكر مصطلح الامبريالية عند اليساريين العرب في مرحلة ما بعد الحقبة السوفييتية، فيما راج مفهوم العولمة في الفترة اللاحقة لذلك، وانضم لترداده الكثير من القوميين والإسلاميين.
كانا لمصطلح الأول مرتبطاً بالثنائية القطبية الموزعة بين واشنطن وموسكو، واستخدم لأغراض مفهومية تحليلية، ودعائية - تحريضية ضد الغرب، وخاصة مع نسب ارتباطه المعرفي الذي يعود إلى كتاب لينين "الإمبريالية" (1916).
لم يقدم مستخدموه العرب إضافات معرفية تذكر عليه، رغم كون المنطقة العربية مداراً ومحوراً لنشاط غربي كثيف على مدار القرن المنصرم، بل اقتصروا على ترداد مقولات لينين وبيير جاليه بشكل استظهاري، ليحولوا ذلك المفهوم إلى شيء أقرب للثنائية المانوية القديمة بين (الشر=الظلام) و(الخير=النور)، بعد أن تم تثبيته في شكل دعائي تحريضي كان مقطوع الصلة مع العملية المعرفية للوقائع، وبالتالي، لم يعد يربطه رابط مع التحليل السياسي للوضع الذي يستند ويقوم على تلك العملية المعرفية، وإذا حاول بعضهم نحت مصطلحات جديدة لمعالجة الموضوع، مثل مهدي عامل، فإن المحتوى الذي قدمه لم يعط جديداً على التحليل اللينيني، وإنما كان ترداداً مضمونياً له ولو بكثير من اللغة الجديدة ذات الطابع المرهق للقارئ، والتي تعود في بنيتها المعرفية إلى الأطروحات الستالينية الجديدة التي قدمها (لوي ألتوسير) في كتابه "قراءة رأس المال)" في عام 1965، الشيء الذي ترافق مع إقصاء خروتشوف وفشل عملية نزع الستالينية.
إن ذلك المصطلح، أي (الإمبريالية)، قد استخدمه لينين من أجل تقديم رؤية اقتصادية للرأسمالية، أعطت جديداً على ما قدمه ماركس في "رأس المال" (1867)، ما شكل مدخلاً له لرؤية الوضع السياسي العالمي في ظرف الحرب العالمية، معتبراً أن (الإمبريالية) تتكون من حلقات، وأن روسيا هي حلقتها الضعيفة-المتخلفة، وأنه يمكن عبر ضرب الأخيرة، (بخلاف نظرية ماركس حول نضوج ممهدات الاشتراكية في البلدان المتقدمة فقط) الدخول في أفق تحديثي تمديني (مثل ما حصل مع الثورة الفرنسية) تعجز عنه البورجوازية الروسية لارتباطها بالقيصرية وإنكلترا وفرنسا، ومن ثم في أفق اشتراكي، وأن المرحلتين متداخلتان، بخلاف نظريته السابقة المقدمة في كتابه "خطتا الاشتراكية الديمقراطية" (1905). بغض النظر عن عدم استطاعة التجربة السوفييتية الدخول في أفق اشتراكي، لتنحصر في نمط من رأسمالية الدولة كان أفقه الاقتصادي-الاجتماعي هو اقتصاد السوق، الشيء الذي جعل يلتسين هو الوريث الشرعي للينين وليس بريجنيف- فإن أصحابنا العرب لم يقدموا شيئاً من العناصر الجديدة كالتي قدمها، عالمياً ومحلياً وفي الاقتصاد والسياسة، التحليل اللينيني.
ما حصل مع (الإمبريالية) يحصل الآن مع (العولمة).
خلال السنوات الأخيرة، لم تتجاوز طرق المستخدمين العرب لمفهوم (العولمة) ما كان عليه الوضع مع المصطلح السابق، مع العلم بأن الكثير من مستخدمي (الإمبريالية) السابقين هم أنفسهم الذين قاموا، الآن، باستبداله (كزر معرفي "يفتح" كل شيء وعلى الصعيد التحريضي) بـ (العولمة)، وإن كان هناك الكثير من اليساريين السابقين، من بعد انتقالهم من مواقع ستالين وسوسلوف إلى ليبرالية جون ستيوارت ميل، قد أصبحوا يرون الخلاص مجسداً في (العولمة)، ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وكوسيلة لمواجهة "الظلاميين" الذين قطعت واشنطن ورقتهم في مرحلة (ما بعد موسكو).
لا ينتبه مردّدو مصطلح (العولمة)، من اليساريين العرب، إلى أن القوى الرئيسية المضادة للعولمة في الغرب الأوروبي هي من اليمين المتطرف، على طراز (لوبان) و(هايدر)، أو من قوى اجتماعية متضررة من مزاحمة المنتجات الأميركية، مثل المزارعين الفرنسيين الذين أصبحوا حصناً لليمين هناك منذ عام 1848، وأن اليسار الأوروبي بشكليه الاشتراكي الديمقراطي والماركسي، ليس على تلك الضفة، وأن من ينضم إلى تلك القوى المضادة للعولمة، أحياناً، يكون إما من المهمشين في الغرب، أو من قوى محلية تخاف على منتجاتها من الاكتساح الاقتصادي العالمي، مما لا يشكل قوة ثابتة اجتماعية أو ذات طابع "تقدمي".
ينتمي المعادون للعولمة، عندنا، إلى أفكار تعود بجذورها إلى التجربة السوفييتية، التي قامت على نظرية (القطع)، مع المركز الإمبريالي وأن ذلك شرط للنمو الذي يمكن أن يحصل من خلال "قلعة محاصرة"، أو إلى تجارب قومية عربية استلهمت النموذج السوفياتي في النمو وإدارة الموارد مع مساعدة ومساندة "الكتلة الاشتراكية". فيما يعود عداء الإسلاميين منهم للعولمة إلى دوافع ثقافية- سياسية وإلى خوف على (الهوية المحلية).
أثبت القرن العشرون أن تجارب (موسكو السوفياتية) و(بيونغ يانغ) و(بغداد) و(القاهرة) و(كابول الطالبانية) قد أصبحت بلا مستقبل، الشيء الذي أدركه (دينغ سياو بينغ)، منذ عام 1978، عندما فهم أن العملاق الصيني لا يمكنه الاستمرار سياسياً، حتى وهو يملك السلاح النووي، من دون الانفتاح الاقتصادي والثقافي على العالم، وأن العملية الثانية تشرط الاستقلال السياسي وتقوّي وضعه وأوراقه، وليس العكس كما كان يظن ماوتسي تونغ، وأنه يمكن مقايضة الاقتصاد والتكنولوجيا بالسياسة، مستغلاً الخلاف الصيني السوفياتي، ومن بعد ذلك شقوق النظام العالمي الجديد، من أجل الحفاظ على رأس الصين، ولو مع بعض الانحناء هنا أو هناك، الشيء الذي تفعله الآن، أيضاً، الأصولية الهندوسية الحاكمة في نيودلهي بالرغم من عدائها الثقافي للغرب، مستفيدة من حاجة الغرب الأمريكي للهند في مواجهة الأصولية الإسلامية، وربما، في المستقبل، لتشكيل سد غربي حدودي أمام الصين.
هناك نظرة خنادقية إلى السياسة في العالم العربي: إما مع موسكو أو واشنطن، أو إما مع "العولمة" أو "الاستقلال" ، فيما لا يُرى الرمادي الذي هو اللون الأساسي للحقائق السياسية وليس الأبيض والأسود، ولا يُدْرَكُ بأنه يمكن أن يفعل العرب ما فعله الصينيون والهنود من خلال جمع الاثنين ولو عبر نسبية فائقة الدقة، حيث لا تنحصر السياسة هناك بين نموذجين متضادين: (صدام) و(الجلبي)، بل يقدم (فاجبايي) ، وقبله (دينغ) نموذجاً متجاوزاً لهما، وخارجاً، بالمرة، عن تلك الثنائية التي تقسّم وتسجن السياسة العربية، الآن، في حدودها الضيقة.
أليس مصطلح (الإمبريالية) أكثر مقاربة، في التحليل وفهم العالم، من مصطلح (العولمة)؟......



































حول الإمبريالية
معتز حيسو
يتزامن رواج تداول مفهوم العولمة مع تراجع نسبي للاستخدام الوظيفي لعدة مصطلحات ومفاهيم ( ديكتاتورية البروليتاريا، الثورة، اللينينية، التناقض، وأخيراً وليس آخراً الإمبريالية التي حددها لينين بكونها رأسمالية احتكارية يندمج فيها رأس المال البنكي مع الاتحادات الصناعية، مما يشكل وفق منظوره رأس مال مالي، وبمستوى آخر حرب الإمبرياليات لاستعمار العالم ،واستتباع الدول المتخلفة، ويمكننا في اللحظة الراهنة المقارنة بين نزوع الدول الرأسمالية المعولمة إلى الهيمنة على مصادر الطاقة بشكل خاص والثروات الخام بشكل عام. ويمكننا إيجاز تحديد لينين للإمبريالية بـ: زيادة حدة تمركز وتركز رأس المال، اندماج رأس المال البنكي مع رأس المال الصناعي، تصدير الرساميل ، تشكيل اتحادات رأسمالية احتكارية تتصارع على اقتسام المستعمرات، لتشكل بآفاقها المستقبلية ( نلحظ تجلياتها بأشكال ومستويات مختلفة)مقدمة لرأسمالية معولمة. ...).

إن تراجع الأحزاب الماركسية،وتحديداً الشيوعية،( أو ما كان يطلق عليها الأحزاب الشيوعية سابقاً،والقوى والتجمعات ذات الشكلانية اليسارية)عن الاشتغال ببعض المفاهيم الماركسية،يدلل موضوعياً على أن آليات التحليل والتوظيف المفاهيمي اتخذت ميولاً ومسارات مختلفة عما كان سائداً في لحظات ومفاصل تاريخية سابقة.

إن دلالة الغياب أو التراجع النسبي لبعضٍ من المفاهيم (الإمبريالية..)التي يمكن اعتبارها من المكونات الأساسية للمنظومة النظرية الشيوعية،وتحديداً اللينينية،( كون مفهوم الإمبريالية يشكّل نتيجة لسيرورة التحليل الاقتصاد السياسي للينين)،يدلل من وجهة نظرنا على تباين و تناقض و اختلاف آليات التحليل النظري الإبستمولوجي وأيضاً آليات الممارسة السياسية التي خضعت وتخضع لجملة من التحولات التي يمكن في بعض اللحظات اعتبارها تحولات موضوعية تعبّر عن التحولات والتغيرات الاجتماعية العامة في المستوى الكلي والعام على مختلف المستويات،انطلاقاً من المستوى الاقتصادي وصولاً إلى المستوى السياسي المترابط والمتحدّد نظرياً بالمستوى الاقتصادي( النمط، الشكل). وإذا كانت هذه المتغيرات في سياقها الموضوعي الصحيح، فإن مجمل التحولات في سياق الممارسة السياسية والنظرية، يمكن اعتبارها دلالة موضوعية على المتغيرات والتحولات العالمية. مما يعني التأكيد على إعادة البحث النقدي في المنظومة الماركسية عموماً، والشيوعية بنمطها اللينيني بشكل خاص، وتحديداً بعض القوانين المحدّدة للممارسة النظرية و السياسية، وهذا ليس انتقاصاً منها، ومن كونها مرجعية تمثل أحد الأدوات المعرفية التحليلية. بل يمثل ضرورة لترسيخ حيويتها وقدرتها التحليلية.

وإذا سلمنا بداهة بأن الإمبريالية تشكل مرحلة موضوعية في سياق السيرورة المعولمة للنظام الرأسمالي، فإنها، أي الإمبريالية، وفق المحددات المشكّلة لها، والتي أوردها لينين في كتابه ( الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية) والتي اعتمدتها كآليات تحليل سياسي ونظري معظم إن لم يكن جميع التشكيلات والتجمعات السياسية الشيوعية الرسمية وغير الرسمي، وكثيراً من المنظرين والسياسيين، تنطبق على الدول الصناعية العظمى بأشكال ومستويات مختلفة ومتباينة، وفق آليات وأشكال تعبّر عن مستويات التطور الصناعي. أي إن المحددات النظرية البنيوية للإمبريالية/ تمركز رأس المال ، اندماج رأس المال البنكي مع الرأسمال الصناعي( تحوّل رأس المال الصناعي لرأس مال مالي)، اندماج القطاعات الصناعية، تصدير بعض القطاعات والفروع الصناعية، وأيضاً تصدير الرساميل إلى الدول الطرفية وتحديداً الصناعية الناشئة منها....، لم تتشكل في سياق علاقات الإنتاج الرأسمالي فقط، بل وفي علاقات الإنتاج الاشتراكي المحقق، ولدقة التحديد/في أشكال رأسماليات الدولة في التجارب الاشتراكية المحققة.
ويجب علينا في هذا السياق أن نؤكد على الفارق الجوهري بين النموذجين، والذي تجلى بأشكال علاقة دول الاشتراكيات المحققة ودعمها لبلدان المحيط، ولحركات التحرر الوطني، و بين دول رأسمالية كلاسيكية عملت وما زالت على محاربة حركات التحرر الوطني،ووأدها في المهد، و تعمل على إعادة تقسيم الأسواق العالمية، وزيادة تمركز الرساميل في دول المركز، مما يعني زيادة الفجوة والتناقض بين دول الجنوب ودول الشمال، إضافة إلى أشكال توظيف الرساميل وفق أنماط وأشكال تزيد من حدة التناقض الطبقي، أي زيادة مستويات الفقر والبطالة في دول الجنوب بشكل خاص ومحدّد، وباقي دول العالم، وتحديداً المندمجة منها بعلاقات الإنتاج الرأسمالي العالمي، ليتجلى التناقض الاجتماعي بمستويات وأشكال مختلفة. ويتعيّن ما أردناه وفق أشكال ملموسة في سياق سيرورة تحويل دول الجنوب، في مرحلة تراكم الفائض النقدي من خلال تصدير كتل نقدية ضخمة على شكل قروض، إلى دول تابعة ومرتهنة لقرارات الدول الرأسمالية، وأيضاً تحويلها إلى دول مندمجة في سياق النظام الرأسمالي العالمي. لتتحول الديون إلى سيفاً مسلطاً على رقاب كافة الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمفقرة... في إطار التحول البنيوي لسلطة الدولة عبر اندماجها السياسي والاقتصادي في سيرورة الميول الرأسمالية المعولمة إلى أدوات لرأس المال المعولم، لتتحول في هذا سياق مجتمعات الدول الجنوبية لبؤر دائمة التوتر لأسباب متعددة.

وثمة تساؤل يطرح نفسه هنا: هل ما زالت الإمبريالية تشكل كما حدّدها لينين أعلى مراحل الرأسمالية، وهل يشكل مفهوم الإمبريالية حتى اللحظة أداة معرفية وسياسية صالحة للتوظيف السياسي والاقتصادي للرأسمالية العالمية المعولمة؟؟
في محاولة للإجابة على الشق الأول من التساؤل، يمكننا القول: إذا كانت الإمبريالية تشكل مرحلة موضوعية من مراحل تطور الرأسمالية العالمية، وخصوصاً في بلدان المراكز الصناعية الأولى، فإن مضمون وجوهر الرأسمالية، أو قوانينها الأساسية المتمثلة في: تمركز الرساميل وتركزها،الميول الاندماجية بشكليها القسرية والموضوعية، ارتباط القوة العسكرية بحركة رأس المال ودعمها الدائم لميوله التوسعية العولمية.. ما زالت صالحة حتى الآن، ويمكننا أن ندلل على صحة ما أوردناه، من خلال التأكيد على مظاهر تزايد حدة التمركز والتركز لرأس المال في الشركات العابرة للقومية والشركات فوق قومية التي تجتاف وتبتلع في سياق توسعها الأفقي، والعمودي/ الرأسي، كثيراً من الشركات، وحتى اقتصاديات دول مجتمعة، مسببة انهيارات وأزمات اقتصادية على المستوى الدولي في سياق الميول التنافسية والاحتكارية، وتتعزز هذه الميول في سياق الأزمات الاقتصادية البنيوية والدورية للرأسمالية العالمية، وأحياناً تكون نتيجة للأزمة. ( يجب التنويه بأن رأس مال بعض الشركات العابرة للقومية، أو فوق قومية يتجاوز في كمه وتزايد حدة تمركزه، اقتصاديات دول متعددة ....). أما على مستوى الارتباط الوظيفي وتبعية الآلة العسكرية في خدمة الميول التوسعية لحركة رأس المال المعولم، فإن ما يؤكدها هو الإحتلالات الأخيرة للعراق وأفغانستان..، والتدخل في السياسات الداخلية لبعض الدول الإقليمية، والتي يرافقها تزايد حدة الضغوط التي تنبئ بالتدخل العسكري بأشكاله المباشرة. ورغم محاولة أساطين رأس المال وممثليه السياسيين تقديم تدخلها وفرض هيمنتها السياسية والاقتصادية عالمياً، على أنه حرباً ضد الإرهاب الدولي، للحفاظ على السلم والاستقرار العالمي، لكنها في جوهرها الحقيقي تعكس هيمنة رأس المال وظيفياً على القوة العسكرية، بما يخدم ميوله التوسعية، في سياق يترابط مع السياق الموضوعي لتطور الرأسمالية المعولمة، لنرى آليات اشتغالها تعمل على إعادة تقسيم العالم وتحديداً مناطق النفوذ، أو التي يجب أن تتحول إلى مناطق للهيمنة الرأسمالية،على أسس اثنية، طائفية، عشائرية.... وعلى إعادة تقسيم العمل العالمي وفق أشكال جديدة تنويه: (إن طابع الحرب الاجتماعي، يحدده التحليل الموضوعي للطبقات المسيطرة في الدول المتحاربة.).

أما العلامة الفارقة فإنها تتجلى بدور الدولة، الذي حاول دعاة النيو ليبرالية إزاحته جانباً والتخلي عنه، وإطلاق عنان الحرية المطلقة لرأس المال، وتحددّت هذه الميول وتعيّنت وفق أشكال ملموسة ومتحددة واقعياً منذ عام/ 1979/، وساهم في تكريس هذه الميول معرفياً ونظرياً زعيم المدرسة النيو ليبرالية ( ميلتون فريدمان ) وجسدها سياسياً واقتصادياً رونالد ريغان، ومارغريت تاتشر، وكان هذا التحول وفق مزاعم دعاة المدرسة النيو ليبرالية رداً على السياسية الكنزية التي لم تكن ولم تعد قادرة على قيادة الاقتصاد العالمي وإخراجه من أزماته، و هي/ أي السياسات الكنزية/ بالنسبة لمنظرين المدرسة النيو ليبرالية، أحد أسباب أزمات الاقتصاد الرأسمالي. لكن دون أن يعني هذا زوال السمة الطبقية عن بنية الدولة و أجهزتها ومؤسساتها التي تدافع مستميتة عن رأس المال ومصالحه وميوله التوسعية. وكانت السياسات الاقتصادية النيو ليبرالية بجانب منها، نتيجة لأزمتي فيض الإنتاج و التراكم النقدي،الذي ارتبط تصديرهما لبلدان المحيط بزيادة حدة تبعيتها بمراكز الدول الرأسمالية الأولى، إضافة إلى انتقال قسم هام لفروع الشركات الأم إلى بلدان المحيط ذات النمو الصناعي الناشئ ( جنوب شرق أسيا) ويجب أن ننوه بأن ما تم التخلي عنه أو تحطيمه، هو دور الدولة الاجتماعي عموماً، ودورها الحمائي الضابط لحركة رأس المال تحديداً. ويجب التأكيد بأنه وبعد أزمة فيض الرساميل في البلدان الصناعية، والتي تم تصدير جزءاً منها إلى الدول المتخلفة لربطها بنيوياً بحركة الرأسمال العالمي، لتتحول إلى دول مدينة غير قادرة على سداد خدمة الدين، مما أدى إلى استنزاف موادها الأولية وكتلها النقدية الوطنية، ليصبح حجم المبالغ النقدية والمالية التي تدخل أسواق الدول الرأسمالية المركزية من الدول الطرفية أكبر بكثير من النقود التي تصدرها ذات الدول الصناعية الأخيرة، ليعاد من جديد تصدير هذه الرساميل وتوظيفها مجدداً.
لكن و جراء الأزمة الاقتصادية البنيوية للرأسمالية، والتي نشهد تداعياتها وتأثيراتها على كافة الاقتصاديات العالمية، نلاحظ كيف يتم العمل في البلدان الصناعية المأزومة على استعادة دور سلطة الدولة والتأكيد على أهمية دورها في حل إشكاليات وتناقضات وأزمات رأس المال. أي أنه حتى اللحظة لم ينزع الغطاء الطبقي والتدخلي عن سلطة الدولة، التي تمثل نمط الاقتصاد الرأسمالي وتدافع عنه. وهذا التحول أو التغيير الذي لا يمكن توصيفه بأنه طارئ أو مفاجئ، أعاد التفكير في آليات التحليل والممارسة النظرية والسياسية التي سادت بعد تداعي التجربة السوفيتية. أما فيما يتعلق بالجانب الثاني للسؤال، فإننا نرى ضرورة التأكيد على السمة المعولمة لرأس المال المتجاوز والمهدّم في آن، في سياق سيرورة ميوله التوسعية لكافة الحواجز والمعيقات، والتي ارتبط في سياقها اندماج رأس المال الروسي والصيني( ليثبت السياق الموضوعي، بأن التطور الأفقي والعمودي لنمط الاقتصاد الرأسمالي يستغرق ليصل إلى حدوده النهائية كافة التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية، وما خروج بعض التجارب عن الميول العامة للتطور الاقتصادي إلا خروجاً إرادياً عن سيرورة الميول التاريخية العامة). وهذا الميل يدلل على صحة قراء ماركس لحركة تطور الاقتصاد الرأسمالي، وميوله التوسعية المتجاوزة لكافة الأشكال الاقتصادية الما قبل رأسمالية، أو الرأسماليات المتخلفة أو المتباينة عن النموذج الكلاسيكي. وفي هذا الإطار نرى أنه من المهم أن ننوه إلى أن بنية الإمبريالية الرأسمالية بأشكالها المعولمة، و التحولات والتغيرات البنيوية التي طرأت على بعض مفاعيلها، تجاوزت في بعض اللحظات، الإمبريالية الموصوفة والمحدّدة في النصوص الشيوعية الكلاسيكية، والتي يمكن عرضها باختصار، ( تحول آليات اشتغال رأس المال صناعي إلى رأس مال خدمي، ريعي، مضارب يجوب العالم لتحقيق معدلات ربحية عالية، ويتجلى هذا الميل في الابتعاد عن توظيف الرساميل في القطاعات الاقتصادية الإنتاجية التي تتشكل فيها، وينتج عنها فائض القيمة، ويجب التأكيد على تحول رأس المال الصناعي إلى رأس مال مالي يختلف في آليات اشتغاله عن توصيف لينين له، والذي كان يقصد به اندماج رأس المال المصرفي مع الرأسمال الصناعي.)، ويجب التذكير بأن الأزمة الاقتصادية الراهنة للنظام الرأسمالي العالمي،رغم أن جذورها تعود إلى بداية التحوّل إلى النيو ليبرالية، لتتجلى في اللحظة الراهنة بكونها أزمة مالية بدأت من القطاعات والمؤسسات المالية، لتتنقل بسرعة النار في الهشيم إلى القطاعات الإنتاجية، متحولة لأزمة اقتصادية عالمية. فإن أسباب تحول الأزمة المالية التي تشكّل أحد مستويات الأزمة البنيوية للاقتصاد الرأسمالي المعولم، هو تحول الرأسمال الصناعي / الإنتاجي، إلى رأس مال خدمي وريعي ورأس مال مالي يشتغل في المضاربات، البورصات، رهونات، سمسرة مالية، إقراض، خدمات،...و يهيمن على الاقتصاد الرأسمالي المعولم، ويحدد ميوله وأشكاله العامة.
ويمكننا أن ننوه إلى بعض النقاط التي تباينت أو تتباين فيها الرأسمالية المعولمة عما وصّف به لينين الإمبريالية الرأسمالية بكونها أعلى مراحل الرأسمالية،والتي من خلالها أوصد الباب على إمكانيات التطور التاريخي، وفق آليات تحليل تعتمد الحتمية التاريخية، وبنفس الوقت نعتبر النقاط التي سنوردها مجال حوار مفتوح:
ـ ثورة الاتصالات والمعلومات والتكنولوجيا، وأثرها على آليات اشتغال الرأسمالية و في سياق توسعها أفقياً وعمودياً.
ــ التغيرات التي طرأت على بنية الطبقة العاملة والطبقات الاجتماعية، نتيجة للتطور التكنولوجي الهائل،والذي ساهم في تقسيم جديد للعمل على المستوى العالمي، بأشكال ومستويات جديدة، تغيّر علاقة العامل بالآلة، / تغيّر معادلة العمل الذهني/ العمل اليدوي، ازدياد الحاجة إلى قوى عاملة حية فائقة التطور وذات مؤهلات علمية عالية، تغيّر آليات إنتاج فائض القيمة.
ــ زيادة حدة الترابط بين الداخل والخارج، وربط المحلي بالعالمي اقتصادياً، اجتماعياً ، ثقافياً سياسياً ، إنسانياً .
ــ تضاؤل أولوية وأهمية الحدود الجغرافية والقومية على المستوى الدولي نسبياً فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري، وأيضاً الخصوصيات التاريخية والجغرافية.
ــ تراكم رأس المال( فائض نقدي)+ انخفاض معدلات الربح+ عدم الاهتمام برفع مستويات المعيشة وتطوير القطاعات الإنتاجية ، يؤدي إلى تصدير الرساميل إلى مناطق الاستثمار.
ــ تزايد مستويات التطور التكنولوجي في المجالات الإنتاجية، يساهم في زيادة التمركز وتحقيق معدلات ربح مرتفعة.
ــ فيض رأس المال عن معدلات التوظيف الوطني + التطور التكنولوجي الوطني+ انخفاض معدلات الربح ... يؤدي إلى تجاوز الحدود الوطنية والقومية.
في نهاية هذا العرض المختصر، نرى أنه من الضروري التركيز على أهمية العمل الورشي لبحث المفاهيم النظرية والسياسية، التي بات يشكل طرحها على مستوى الممارسة النظرية والسياسية إشكالية عند الكثير من التشكيلات السياسية، وحتى الأفراد.



وقائع الندوة الحوارية حول الإمبريالية
رؤوس أقلام: مداخلة رويدة
1
-علينا أن نحدد الآن بعد هذا الحوار:
أ-هل الإمبريالية في مرحلتها العليا أم تعيش أزمتها؟
ب-الأزمة الحالية بالرغم من حدتها: هل يوجد بديل تاريخي في الوقت الحالي لها.؟ وفي ظل عدم وجود البديل التاريخي لا يعني أنها قادرة على تطوير نفسها وبالرغم من ذلك تحدث تفاعلات بداخلها عنوانها الرئيسي حتى اليوم هو "انهيار" المركز الرئيسي الذي تمثله الولايات المتحدة.
بالرغم من هذه الأزمات المتتالية هناك ظهور لعدد من المراكز مثل الصين-اليابان- روسيا- وأوربا ويمكن أن نلحظ نمو مراكز جديدة مثل تركيا وإيران وهذا يعني بالضرورة العمل على "إعادة اقتسام العالم" بما يتناسب وحاجة وقدرة هذه الدول. وبما أننا نمتلك الطاقة التي تتمثل بالمواد الأولية إذاً ستكون هذه المنطقة ساحة الصراع ونحن موضوع الصراع في إعادة الاقتسام.
نتيجة:
إذاً علينا تحديد القوى الاجتماعية والسياسية القادرة على التصدي ومواجهة هذه القوة الكبرى، وتأمين الأشكال الفاعلة من التعاون مع هذه القوى- القادرة على التصدي ومعرفة أشكال النشاط الإمبريالي في منطقتنا الذي يلاحظ في : تشجيع المد المذهبي والقبلي وتعميم الفساد وإعاقة التطور الصناعي للحفاظ على التبعية للخارج. والعمل بشكل دائم على إيجاد مبررات الحروب بين هذه الشعوب التابعة.
2
-عندما ذهب دينغ هسياو بنغ رئيس جمهورية الصين الشعبية إلى أمريكا في أول زيارة له وكانت قد سبقته إلى هناك أفكاره في الإصلاح والانفتاح وأنه سيجعل من الصين قوة عظمى تضاهي الولايات المتحدة الأمريكية من كل النواحي. وقف على شرفة البيت الأبيض أمام شاشات التلفزيون لإلقاء كلمة متضمنة أفكاره وآراءه والشعب الأمريكي مذهول أمام شخص قصير القامة أصفر اللون وكأنه يعاني من جوع مزمن كان الشعب الأمريكي يتساءل بذهول أهذا الشخص يقود مليار نسمة وزعيم لأكبر حزب شيوعي في العالم سوف يجعل من الصين أكثر قوة وتقدماً ونمواً من أمريكا نفسها زعيمة "العالم الحر" وأقوى قوة عسكرية في العالم. وعندما انتهى من إلقاء كلمته بدأ الصحفيون الأمريكيون يوجهون إليه الأسئلة بدهشة وازدراء وصلف فرد عليهم بقولته الشهيرة: لا يهم لون القطط ما دامت قادرة على الإمساك بالفئران.



3
- نقتطف من كتاب هاري ماجدوف (الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم) هذه الفقرة التي تلخص الكثير مما قيل وسيقال في هذه الندوة وفي كثير من اللقاءات المماثلة. (إن الدرس الهام الذي يجب تعلمه من تاريخ الرأسمالية هو أن المشاكل الكبرى (الأزمات الاقتصادية) لا تؤدي إلى انهيارها انهياراً أوتوماتيكياً..فمصير الرأسمالية في النهاية سوف تحدده فقط الطبقات الناشطة داخل المجتمع والأحزاب القائمة على هذه الطبقات والتي لديها الإرادة والقدرة على استبدال النظام القائم).
4
- هناك خصائص مشتركة بين النظام الاشتراكي والرأسمالي – وهذه إحدى هذه الخصائص- توظيف الرساميل- ولكن ما هو الهدف من هذا التوظيف
-الطابع الاجتماعي بالرغم من أنه لا توجد سوى الدواعي الاقتصادية والبحث عن أسواق تصريف الإنتاج ورؤوس الأموال.
- نص مفتوح فمن أين نبدأ؟
من خارج النص: ليس في بلادنا رأسمالية قادرة على لعب دور حاسم في الإنتاج والمال والمعرفة. أنظمتها تعمل تحت إشراف رأس المال العالمي فقدت مؤسساتها وقواها الاقتصادية استقلالها وقدرتها وظهرت كتابع مباشر لمصلحة القوى الخارجية ففسدت قياداتها وأفسدت المجتمعات وسحقت كل قوة جادة وبأساليب متعددة وسلبتها كل إمكانات المقاومة. حاولت إحدى هذه الأنظمة رفض الدولار فسحقتها فائدة النظام العالمي مؤكدة مدى الارتباط بين سيطرة رأس المال المالي و الاضطهاد القومي.
من داخل النص: محاولة وضع صياغات جديدة لمعطيات حقبة راهنة.
المفاهيم والرؤى للدعاية والتحريض ضد التخلف أو ضد "الغرب" وأياً كان مصدرها أو مطورها هي نتاج جهد معرفي بشري عبر مراحل ودورات حضارية متنقلة وهي ملك عام للبشرية.
- الانحطاط السياسي واختصار الأوطان برموز وربط الوقائع بالخارج أو بالغيب والركود والاكتفاء بالتلقي والنقل بعيداً عن الحداثة أدى إلى عجز عقلي وتم تبادل البقاء بالحرية والكرامة فمن بايع أطعمناه ومن تكلم قتلناه كل بدعة ضلالة وكل إضافة تحريف وفي كل رأس رقيب فأمسينا أمة لا تقرأ ولا تكتب.
أوضحت ارتدادات الزلزال: وحشية رأس المال فبحث عن عدو جديد مستغلاً ثورة المعرفة فاختلطت الأوراق وسادت الفوضى وانقلبت القيم وارتدت القوى إلى مفاهيم ما قبل الحضارة دفنت الرؤوس وانقلب المناضلون إلى المكان الخطأ؛ أصوليات وقلاع خنادق وحواجز وظلام تحديات لا بد من إبداع حلول لأن الآتي أعظم.
حول النصوص: تؤيد الرأسمالية العالمية تنظيماً مجيّراً لها وتفقد إنسانيتها وتصب القذائف على أصدقاء الأمس إذ لا يمكن لسيد أن يكون حراً كعبده.
وتبدأ بالسيطرة المباشرة على الأسواق والمواد الأولية مستخدمة التجارة والدولار والمصارف والأسعار والأحلاف والهيئات لتأكيد التبعية وكل ذلك بقانون.
ومضات من النصوص: لا تقدم بلا تغيير جذري لبنية المجتمع وإزاحة الوكلاء والاهتمام بالإنتاج الفعلي وتقنين السوق ونظام سياسي مستقل ومنفتح على شعبه للحد من كوارث البيئة والمال والغذاء والاهتمام برأي عام متنور بعيداً عن التزوير المهين لإبعاد الاستبداد عن خلايا المجتمع مجتمع محطم منتقص القيمة والقيم لا يرى هدفاً ولا طريق...يعين خيارات مفروضة بين الاستبداد والاستعمار خيارات تقتل إمكانات الإبداع وقدرات المقاومة.
أيترك النوم والظلام حق العلم: رؤيا نلتزم بها نبدع مهارات نتدرب عليها تساعدنا مشروع يقربنا ولو تدريجياً للاندماج بمسيرة حضارة البشر
- الرأسمالية أخطبوط وصل الكواكب وغرف النوم
- للأنظمة مؤسسات ودوائر أمنية رديفة تحميها، وللشعب رب يحميه
أ.منصور: طرح مفهوم الإمبريالية، إلغاء لشعارات ديماغوجية كالعولمة، والبحث يحمل قيمة سياسية وفكرية خاصة في بلادنا.
نذيرجزماتي: لينين-الإمبريالية: قسم-الرأسمالية النقدية يحمل قيمة مالية.
-عرض عام للكتاب- مع ملاحظات الأستاذ نجيب
- ملاحظات حول قراءة الأستاذ نجيب.
نايف سلّوم: كتاب لينين، كتاب مخاتل. هو شبيه بكتابات دستويفسكي، نص مركّز. يجب التركيز على منهج لينين في القراءة: القانون العلمي بعيداً عن السياسة وتدخل البشر كلحظة أولى . وكتاب لينين راهن في الكثير من جوانبه.
ما هو راهن يشرح الأزمة المالية القائمة .
في ص 69 يقول: موجودات البنوك، الرساميل الموظفة في الإنتاج أقل من تلك الموظفة في المضاربات- هذه السمة هي سمة الأزمة الراهنة-
نقطة أخرى- مفهوم الإمبريالية ظهر قبل لينين لوصف العصر الذي تجتازه البشرية ؛ ظهر المفهوم اعتباراً من 1902 (كتاب هوبسون ؛ الاشتراكي الليبرالي الإنكليزي).
-اختصار مفهوم الإمبريالية بتصدير الرساميل تشويه لنظرية لينين.
خواص الإمبريالية وعلاقاتها المتبادلة – التعفن-الطفيلية – الاحتكار...الخ
- لم يذكر لينين-التركيز بل التمركز-اتحادات الرأسماليين. التمركز يقود إلى الاحتكار.
- ثمة نقص في التركيز علي الفرق بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج بالنسبة للدول المتخلفة، لم تطرح قضية التخلف في زمن لينين.
الدول المتخلفة تحصل على العلاقات الرأسمالية للإنتاج، وليس على قوى الإنتاج المتطورة.
(أغلب الاستثمارات الصناعية تذهب إلى الدول المتطورة، بينما تذهب الاستثمارات بالمواد الخام (الصناعات الاستخراجية) إلى الدول الفقيرة.
-الكارتل والتروست: الكارتل : يأخذ طابعا فيدرالياً ، بينما التروست: مركزي وبيروقراطي
- تقاسم العالم انتهى بعد ظهور الاتحاد السوفييتي. وتحول إلى اندماج جهود الدول الإمبريالية.
- مسألة أشكال الحكم. (الرأسمال المالي ينزع إلى إلغاء الفروق بين أشكال الحكم الرأسمالية، رأسمال أخضع النظم لسياسته- دمج سلطة الدولة بالرأسمال، حيث تم تخفيض النقد لكل مناحي الحياة-(أدب- فكر-علم..الخ)
سعيد: لم يتم التركيز على عنوان الكتاب. العنوان فيه مشكلة ما. فالإمبريالية تظهر كمرحلة نهائية. وإن الرأسمالية محكومة بالانهيار مع هذه المرحلة- وهذا ما أحدث أزمة مع إشاعة هذه الفكرة من قبل علماء الماركسية السوفييت.
نايف سلّوم: كتاب لينين دراسة نقدية حول الجوهر الاقتصادي للإمبريالية، دراسة لينين ؛ أسس المسألة الاقتصادية لفكرة سياسية فكرية غير معالجة.
سعيد : لينين وصل لمفهوم جديد حول القيمة الزائدة كربح احتكاري في زمن الإمبريالية.
- حوار الطاولة المستديرة تم تجاوز مسألة المفاهيم، التي تحتاج إلى شرح.
أم مهند: ما يتعلق بكتاب لينين يحتاج لشرح موسع، خاصة بعد شيوع الفكرة الاشتراكية التي تقول بأن القوانين الاشتراكية ستسود. والإمبريالية لم تتعفن حتى الآن.
الأستاذ نجيب: فهم لينين للنظام الرأسمالي، بأن تطوره هو إمبريالي، رد لينين على كاوتسكي الذي اعتبر أن ثمة ما بعد إمبريالية.
فالوحش الإمبريالي لم يعد وحشاً. (الإمبريالية العليا هي مستقبل الإنسان) حسب كاوتسكي
-المرحلة التالية للإمبريالية هي الاشتراكية مهما طال الأمر.
- ماوتسي تونغ في الخمسينات قال : إن مسألة من سينتصر (اشتراكي أم رأسمالي) مسألة لم تجد حلاً لها بعد.
رد على نايف: علاقات الإنتاج بنية، قوى الإنتاج ليست بنية.
نايف:. نقد مفهوم العولمة: مفهوم العولمة الجديد فيه تكرار فارغ حين يؤكد أن الرأسمالية ظاهرة عالمية. الرأسمالية عالمية منذ بداية ظهورها.
- نقد العنوان ؛ عنوان كتاب لينين : الإمبريالية أعلى مرحلة أو درجة في الرأسمالية يعني أن الإمبريالية هي الرأسمالية في مرحلة الاحتكار. وأن البورجوازية باتت طبقة آفلة اجتماعياً ، وأن الاحتكار هو عشية الثورة الاشتراكية . الاحتكار خلق القاعدة التقنية والمادية للاشتراكية . لم يبق سوى تحطيم القشرة ؛ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، خاصة مع تعاظم الطابع الاجتماعي لعملية الإنتاج والتشريك المتنامي لهذه العملية في ظل عمل الشركة العملاقة الاحتكارية.
- كل مستويات تعريف لينين للإمبريالية لا زالت جديدة وراهنة.
العولمة مصطلح أيديولوجي، صُدّر للتشويه وحجب مفهوم الإمبريالية كمفهوم اقتصادي / سياسي وطبقي.
ما قاله ماجدوف صحيح: الأزمات الاقتصادية لا تؤدي إلى انهيار الرأسمالية. ولن تنهار دون صراعات اجتماعية.
ضرورة التحليل الاقتصادي لبناء برامج سياسية.
هناك مفهومان للعلم: مفهوم دراسة الشرط لدى ماركس، ولينين : كيفية إنتاج العلم. مفهوم العلم ؛ مفهوم الحصر ، دراسة الشرط هو الأهم ماركسياً لإنتاج العلم. والمفهوم الآخر : العلم يعني التنبؤ بالمستقبل . وهذا فيه نقص. كل مبالغة في الاندفاع فيها نقص. يقول غرامشي: القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد
أ. منصور: أسئلة سعيد محقة: التطورات الجديدة أثرت في الشعوب وعلى القوى الاقتصادية وهذا يحتاج لفهم جديد ودراسة.
-لا توجد حركة شعوب، بل أزمة إمبريالية اقتصادية.
-هل يعاد اقتسام العالم مرة ثانية، وهل هذا سينتج حروباً جديدة.
-الآن، هل ثمة إضافات لخصائص الإمبريالية التي حددها لينين.
ملاحظات شفهية
- تماثل خصائص النظامين (اشتراكي- رأسمالي)، كتوظيف الأموال-هي تحقيق الربح من أجل الإنسان. على عكس شهوة الربح لدى الرأسمالية.
-الطابع الاجتماعي للحرب: البحث عن موارد جديدة واقتسام جديد للعالم.
رد نايف على معتز: مفهوم العولمة غير واضح لك حتى الآن.
لينين اشتغل على الاقتصاد الاجتماعي (التاريخ هو صراع طبقات) حول الثروة والسلطة-أي صراع على تنظيم المجتمع.
لينين: لم تعد البورجوازية قادرة على انجاز مهامها التقليدية.
- اقتران سلطة الدولة بالرأسمال المالي هو الإمبريالية وحدة الاقتصادي والسياسي ، أو اقترانهما.
-البورجوازية التي أتت بالإمبريالية- تحتضر لأن البورجوازية كطبقة تاريخية لم تعد بقادرة على القيام بمهمتها الديمقراطية.
-العولمة اعتمدت على التقنية، السياسات الليبرالية جعلت الرأسمال المضارب يتحرك بحرية. كل ذلك مدعم بأيديولوجيا الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني كلها أتت تمهيداً للغزو الأمريكي.
-العولمة مفهوم وفقاعة أيديولوجية ضمن سياسات الإمبريالية.
سعيد: ظهور سمات جديدة للظاهرة الإمبريالية والتفسيرات اللينينية حولها ومفسريها (ماجدوف- باران..الخ) هل يعطينا الحق بأن الرأسمالية تمر بأعلى مراحلها وما هو مدلوله، فهل ستنهار الرأسمالية معها؟.
- لماذا نعتبر أن الرأسمالية قد أفلست.
- قانون الفائض الاقتصادي لا يتناقض مع ميل الربح إلى الانخفاض.
ن.جزماتي:
يجب عدم تحويل الشيوعية إلى دين، في البيان الشيوعي لماركس وأنجلز اعتذرا بأنه بعد ربع قرن لم يطورا مفاهيمهما.
- سقط من حسابنا مجيء نظام اشتراكي آخر.
- سمير أمين يسمي النظام الاقتصادي السوفييتي برأسمالية الدولة.
ن. رومية: أخشى ألا يكون النظام الاشتراكي هو مستقبل البشرية!
- سقوط النظام الاشتراكي (هل يعني أن المفاهيم الاشتراكية غير قابلة للتطبيق).
- تبدل الشكل والجوهر هو هو، فكتاب لينين عن الإمبريالية يمكن أن يستحضر الآن لقراءة ما هو قائم.
-النظام الرأسمالي كوني، والعولمة ليست ذات طابع طبقي، ومفهوم الإمبريالية يحمل طابعاً طبقياً (العولمة لها علاقة بالسياسات الليبرالية الجديدة وبالتقنية)
-البديل الثوري في أزمة، كما النظام الرأسمالي.
-الإطاحة بالأسس هو انتهازية فكرية، ففهم ماركس للنظام الرأسمالي صحيح وفهم لينين أيضاً.
-الفكر الانتقائي فكر تلفيقي، فيجب التمسك بالأسس.
نايف: الحقائق عينية وتتضمن التحزب كلحظة تالية مكملة (حسب هيغل وماركس)
- كيف تتم إعادة النظام الاقتصادي لنفسه. ماركسياً الاحتكار لا يلغي المنافسة، بل يرفعها إلى مستواه ؛ تنافس قلة من المحتكرين ، مع بقاء مؤسسات وسط وصغيرة متعايشة مع الاحتكارات.
-الإمبريالية وتجلياتها المعاصرة وأزمتها وتأثيراتها على بلادنا والموقف منها.
- أزمة المهمة الأممية للتجربة السوفيتية؛ قراءة التجربة نقدياً..
-حتى الآن نحاول ألا نختلف على أساسيات الرأسمالية وأشكال تطورها حتى العصر الإمبريالي..
- أزمة البديل.
-المهام المطروحة أمامنا إذا استطعنا وضعها نربط النظرية بالممارسة.
-الرأسمالية القديمة والجديدة/صنعة كل الرأسمالية والإمبريالية
هناك ما هو قديم بسبب الظرف الدولي (احتدام الصراع من أجل اقتسام العالم) ومنها راهن.
نجيب رومية:
1-هناك نقطة لم يتم التركيز عليها، هل الإمبريالية التي عرفها لينين هي الأعلى؟
الرأسمالية محكومة بالانهيار في فترة الإمبريالية.
2- دراسة نقدية مكثفة جداً. اهتم بتطور الرأسمالية وحاول أن يؤسس لرؤية فكرية بمعالجته للمسألة الاقتصادية.
-الكتاب: - يوجد إضافات هامة جداً بالنسبة لرأسمال ماركس.
-الفرق بين ماركس ولينين هو الفرق بين الربح البسيط والاحتكاري.
المواد المقترحة لطاولة الحوار:
لم يتم تجاوز المفاهيم مثل التركز والتمركز وما هي علاقتها بالتركز
أم مهند: -أهمية العرض الموسع لما طرح حسب التشكيلات الاجتماعية. الإمبريالية ثم انهيار الرأسمالية وبناء النظام الاشتراكي الآن وماذا بعد.
- تداخل ما بين شرح التركز والتمركز....التوضيح
نجيب
- العنوان: صحيح.. فهمنا العلمي يقول أن الاشتراكية تلي الإمبريالية.
-لا يوجد سقوط إلا سقوط الإمبريالية بفعل نضال الشعوب. هناك تفاؤل علمي
نايف: يوجد ضرورة لنقد هذا العنوان نحن نعيد الاعتبار لمفهوم الإمبريالية بعد انتشار مفهوم العولمة.
أبو مهند: -السائل يتوجه للاجتماع ككل. وليس إلى شخص . هكذا خطأ
صالح: المداخلات المكتوبة حول كتب تعالج موضوعة الإمبريالية
- مداخلتي لها طابع أدبي أكثر من أي طابع اقتصادي
تعليق -لا يوجد أي تناقض بين الجيش والطبقة السائدة وخصوصاً الإمبريالية لذلك فإن الطابع الاجتماعي للحرب تتخذه طبقة النظام القائم.
صيغة رأسمال مالي:
-ثورة الاتصال وأثرها
معتز حيسو: -التغيرات التي طرأت على بنية الطبقة العاملة وتأثيره.
ازدياد الحاجة إلى قوة حية فائقة. تغير آليات إنتاج . زيادة التداخل بين الداخل والخارج. تراكم الرأسمال ...يؤدي إلى تصدير الرساميل.
رويدة: خصائص مشتركة بين النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي.
-الطابع الاجتماعي للحل
نايف: - كان المطلوب أن نكتب عن العولمة
-المطلوب معرفة دور الطبقات التاريخي ودور البورجوازية الحاضر والمستقبل
-تحليل ماركس لثورة فرنسا يقول: لم تعد الرأسمالية على المستوى الكوني قادرة على إنجاز مهامها وعلى الاشتراكيين أن ينجزوا مهام البورجوازيين ومهامهم .
- قسم من العمال لم يعودوا ينجزون مهامهم لأنهم أصبحوا انتهازيين.
- أصبحت الإمبريالية قوة خطيرة وهدامة ومدمرة. يؤكد ذلك بوخارين بقوله : إن العسكرة والإمبريالية خاصيتان ملازمتان للرأسمالية في العصر الحديث.
-لماذا رأس المال المالي. لأن سلطة الدولة مع رأسمال المالي والصناعي أدخل مفهوم الإمبريالية.
-في الأزمة الاقتصادية يقول الأمريكان أنه زاد دور الدولة.
- حقيقة البورجوازية لم يعد لها دور تقدمي- كل تصنيع رأسمالي (بورجوازي) يحمل طابعاً سياسي التوجه لمواجهة الميول الشيوعية في البلدان المتخلفة.
-إذا كان الأمريكان مثل الاشتراكيين. لماذا الثورة؟
-الرأسمال يعمل بالإنتاج في جنوب شرق آسيا واسمه رأسمال ساخن. سماه رمزي زكي بالطيور الجارحة.
-كل ذلك يؤدي أن مفهوم الإمبريالية مفهوم نابض
-مفهوم العولمة اعتمدت على عدة عناصر: الاتصالات، الربط الإلكتروني، سرعة تحرك الرأسمال، وقبل ذلك مدعوم بالثقافة الليبرالية الجديدة و مفهوم المجتمع المدني ونهاية التاريخ وصراع الحضارات .. الخ وقبل ذلك مهدت هذه المفاهيم للغزو الأمريكي للعراق ، حيث سقطت سقطت هذه المفاهيم تحت وقع فضيحة الغزو وتعسر قوات الاحتلال في تحقيق أهدافها العدوانية .
سعيد:
-هل ظهور إحداثيات جديدة في ظل الظاهرة الرأسمالية يعطينا الحق أن نقول أن الظاهرة الإمبريالية هي أعلى مراحل التطور الرأسمالي؟
-هل تغير هيكل النظام الرأسمالي وانتقاله من الظاهرة التنافسية إلى الظاهرة الاحتكارية هو انهيار للنظام الرأسمالي.
-لماذا نحن مسجونون بوهم أن الرأسمالية أفلست ولماذا هذا الاعتقاد؟
-هناك قانون الفائض الاقتصادي قانون ميل معدل الربح نحو الانخفاض هذا لا يجب أن ينفي هذا وأقترح أن يتم التركيز على هذا الموضوع.
-القانون الرئيسي للرأسمالية هو السعي نحو الربح الأعلى.
- لماذا لا نتعامل مع الأزمة من جانبين: أزمة الرأسمالية وأزمة البديل ومعالجة الحركات الاجتماعية الموجودة.
نجيب:
-يجب ألا نقتنع أن الإمبريالية مخلدة
-الديمقراطية بواقعنا تعني الانطلاق من موقف واحد تجاه الإمبريالية
-الطابع الطبقي للإمبريالية.
-مستقبل الاشتراكية.
-المطلوب الاعتراف أن البديل الثوري بأزمة تماماً كأزمة الرأسمالية.
-العقل السياسي المبدع يحترم المعجزات.
-نخشى أن تتسرب إلى طروحاتنا الانتهازية الفكرية
-إما الماركسية العلمية أو بديل أيديولوجي آخر.
سعيد
1-هل ظهور إحداثيات جديدة (سمات جديدة) في الرأسمالية، السمات الخمس الأساسية "لينين"، السمات التي تحدث عنها (بول باران/ بول سويزي)، السمات التي تحدث عنها "هاي ماجدوف"، كافية لاعتبار الرأسمالية تعيش في أعلى مراحلها (المرحلة الأخيرة؟)
ملاحظة: يجب إعادة النظر في مفهوم (أعلى) ، هل يعني (المرحلة الأخيرة) أو طور جديد...الخ؟
2-في أوراق الطاولة المستديرة (حول الإمبريالية) ، في عرض د.نايف سلّوم لكتاب (رأس المال الاحتكاري) لـ بول باران- بول سويزي، تمت الإشارة (إشارة بسيطة) إلى المقارنة بين القانون الذي اكتشفه ماركس (ميل معدل الربح إلى الانخفاض مع تغير التركيب العضوي للرأسمال)، وقانون الفائض المتزايد (بول باران).
أرجح أنه من الهام التركيز على القانونين من قبل الحضور، لأهمية القانونين وتداخلهما وارتباطهما على أرض (حركة الواقع)، وأهمية القانونين تتجلى في إمكانية اكتشاف جوانب وإحداثيات جديدة في الرأسمالية الاحتكارية.
أي دراسة العلاقة بين قانون (ميل معدل الربح نحو الانخفاض مع تغير التركيب العضوي للرأسمال)، وقانون (الفائض المتزايد) ، وتفاعلاتهما لتحديد الإحداثيات الجديدة في الرأسمالية الاحتكارية .
3-الملاحظ أنه عند النقاش والحوار حول الإمبريالية (لإغناء هذا النقاش أو الحوار) يتم فقط من زاوية (وصف وتحليل أزمة الرأسمالية) ، دون الحديث عن أزمة الحركات الاجتماعية.
أعتقد أنه يجب تناول موضوع الأزمة من زاويتين:
1-أزمة الرأسمالية وتناقضاتها المستعصية.
2-أزمة الحركات الاجتماعية (في تحركها، تنظيمها ، وبرامجها) وفي تقديم رؤية للبديل (مشروع بديل للنظام الرأسمالي).
غرامشي: (القديم والجديد لا يستطيع أن يولد بعد، وفي هذا الفصل تظهر أعراض مرضية كثيرة وعظيمة في تنوعها).
د.رمزي زكي:
1-تعرضت النمور الآسيوية لحركة واسعة من المضاربات وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج بكميات هائلة مما عرض موازين مدفوعاتها لعجز شديد في صيف 1997. وقد تم تمويل هذه المضاربات من خلال التحويلات الخاصة والقروض الخارجية القصيرة الأجل التي شكلت في التحليل النهائي أموالاً ساخنة (hot money) تتطاير بسرعة من سوق نقدي لآخر في شكل أسراب جارحة تنقض على الأرباح الموجودة في ما سمي بالأسواق الناشئة بجشع شديد. ثم تلتهمها وتخرج سريعاً للخارج إلى سوق آخر.."
2-والحقيقة أن التزايد الهائل الذي حدث في حركة رأس المال الدولي المضارب في السنين الخمسة الأخيرة (1994-1999) إنما يعود إلى تأثير عولمة (انفلات) أسواق النقد من خلال تحرير المعاملات المالية وسرعة حركة وانتقال رؤوس الأموال في لمح البصر عبر وسائل الربط والاتصالات الإلكترونية بين مختلف أصقاع العالم وصعوبة مراقبة هذه الحركة من قبل البنوك المركزية.
3-د.رمزي زكي: الشطر الأكبر من الأرباح التي أصبحت تحققها كبريات الشركات الصناعية في العالم لم يعد يتحقق في مجال الإنتاج الحقيقي ، بل في الاستثمار في حافظة الأوراق المالية. (الطابع الطفيلي للرأسمالية في عصر الإمبريالية).
مداخلة معتز :
بداية أنوه على أن النقاط التي أثارها الأستاذ سعيد ( ترافق انخفاض معدلات الربح مع ارتفاع الفائض الاقتصادي، التغير في التركيب العضوي لرأس المال) على غاية من الأهمية، وتحتاج إلى إفراد حوار خاص بها، لجملة من الأسباب، في مقدمتها : إن تحول شكل حركة رأس المال، وهيمنة رأس المال المالي المضارب، ريعي، خدمي... على رأس المال الإنتاجي، منذ عام / 1979/، أسس لرأسمالية نيوليبرالية، وهذا التحول كان المدماك الأساس للأزمة البنيوية للرأسمالية، والتي نشهد تجلياتها.
ــ أما فيما يتعلق بما قدمه الأستاذ نجيب، فإننا نرى رغم تأكيده على ضرورة التنوع والتعدد والديمقراطية.. في رده على ما تقدمنا به، فإننا نرى خلاف ذلك، وهذا يعود إلى أسباب لا مجال لنقاشها الآن، لكنها باختصار تتعلق بالبنية الفكرية وآليات التحليل.
أما فيما قدمه من تحذيرات حددها في خشيته من أن لا تعود الاشتراكية تمثل المرحلة المقبلة، وإن الرأسمالية يمكن أن تتمكن من تجديد ذاتها، مما يعني إعطاء مبررات لديمومتها، وإن المفكر سمير أمين أكد أن المفاهيم الاشتراكية غير قابلة للتطبيق، وإن الحقيقة دائماً حزبية، ويخشى بأن ما قدمته يساهم في زرع بذور الشك. ...
ــ في سياق ردنا على ما تقدم به الأستاذ نجيب نرى بأن إمكانية تجسيد المفاهيم الاشتراكية عيانياً وفق أشكال ملموسة وواقعية... لا يمكن أن يحددها أياً من المفكرين بأشكال ذاتية، بل هي مجال اشتغال الطبقات الاجتماعية وأحزابها السياسية للانتقال بالمجتمع من القوة والكمون، إلى الفعل والتمكين في سياق سيرورة الحركة التاريخية. وإذ يرى بعض المفكرين والمثقفين عدم إمكانية تحقيق المفاهيم الاشتراكية، فإن مرد ذلك جملة من الأسباب الذاتية والموضوعية. بالتالي فإن خشية الأستاذ نجيب من أن لا تكون الاشتراكية مرحلة مقبلة، أو أن تتمكن الرأسمالية من تجديد ذاتها، فإن هذا يتعلق بالشرط التاريخي، واللحظة التاريخية التي يزداد فيها تعمق هيمنة علاقات الإنتاج الرأسمالية، لذلك فإن شروط الانتقال، أو تجديد بنى أشكال نمط الاقتصاد الرأسمالي المهيمن، لا يتحدد بناءً على رغبات ذاتية، بل على معطيات موضوعية يساهم في تحديدها البنية الكونية للنظام الرأسمالي، وواقع حال البديل الطبقي، ويجب التنويه بأن دخول النظام الرأسمالي في أزمة بنيوية، لا يعني الانتقال للنمط الاشتراكي، لذلك يجب التأكيد على أن النظام الرأسمالي المعولم، قد يعاني من التعفن والتأزم البنيوي لفترات زمنية طويلة، لكن غياب فاعلية البديل الطبقي يساهم في استمرار هيمنة الرأسمالية، حتى لو دخلت الرأسمالية في طور أزماتها المتتالية.
ويلمح الأستاذ نجيب إلى زرع بذور الشك، ومرد تلميحه يمكن أن يكون نسبية الاختلاف في آليات التحليل، أو في منهجية التحليل التي قادتنا إلى نتائج متباينة عما يشكل ميوله المعرفية، لذلك فإنه يرى بأن ما نطرحه يمكن أن يزعزع أو يزرع بذور الشك في البنى المعرفية المستقرة. ونؤكد من جهتنا على أن الشكل النقدي يشكل جوهر التطور المعرفي....
وأخيراً فإن تأكيد الأستاذ نجيب على أن الحقيقة حزبية، يدلل على بقاءه أسيراً لهيمنة أيديولوجية، وهذا يتعارض مع تأكيده بأنه ليس نصياً، ليقع في مطب آخر يؤكد من خلاله على أحادية التحليل.
ــ أما فيما يتعلق بما عرضه الدكتور نايف، فإنه من الصعوبة بمكان استعراضه بالكامل، لذلك أرى ضرورة التوقف النقدي المختصر في رأيه بأن الإمبريالية مصطلح طبقي، بينما يشكل مفهوم العولمة مفهوماً سائباً، وليس طبقياً، ويدلل على / ثورة الاتصالات والمعرفة... / لهذا يجب التنويه بأن مفهوم العولمة من وجهة نظرنا يعبّر عن الرأسمالية في تجلياتها الراهنة، ولا ينحصر بالمستويات أو الأشكال التي طرحها الدكتور، بل يشمل كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.... ومفهوم العولمة بالدرجة الأولى يعبّر عن الكونية الرأسمالية بالمستويين الرأسي والأفقي، ولهذا يجب التأكيد على أن الرأسمالية عالمية ومعولمة، وأزمة البدائل السياسية، ترتبط بمستوى من المستويات بأزمة الرأسمالية البنيوية المولدة للاستبداد والتخلف وأيضاً مولدة لحركات التعصب السلفي الأصولي بأشكاله المذهبية والشوفينية... في الدول المحيطية/ الطرفية.
ــ أما فيما يتعلق بما طرحه الدكتور نايف عن الإمبريالية، فإنني لم أزل متمسكاً بشكل عام بما طرحه لينين من الخصائص المحددة للإمبريالية الرأسمالية ( باستثناء آلية تحديد بنية رأس المال المالي). لكن من وجهة نظري أرى إمكانية تشكّل تجليات جديدة للرأسمالية الراهنة في سياق سيرورة إعادة إنتاج وتجديد ذاتي على قاعدة التأزم البنيوي والتعفن الذي نوه له لينين، والذي لا يحد من إمكانية التطور التقني المتسارع للرأسمالية في سياق ميول تحول أشكال رأس المال. وبناءً على التمدد الكوني للإمبريالية الرأسمالية، وتأثيرها السلبي الذي يطال كافة الفئات والشرائح الاجتماعية، فإني أرى ضرورة أن تعبّر الأحزاب الشيوعية عن كافة الفئات والشرائح الاجتماعية المتضررة من تناقضات الرأسمالية البنيوية، والتي تفترض دوراً أوضح لكافة الطبقات الاجتماعية، وممثليها السياسيين في صيغة وتكريس البدائل السياسية.
أخيراً أقدم اعتذاري إذا أغفلت بعض ما طرح بسبب ضيق الوقت والمساحة.





قراءة في كتاب



















فخ العولمة
الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية
تأليف هانس- بيتر مارتين و هارولد شومان
ترجمة عدنان عباس علي، وتقديم د. أ. رمزي زكي
إصدار "عالم المعرفة "الكويت" المرة الأولى 238 في ت1 1998، والمرة الثانية 306 ، ت1 2004












فخ العولمة
قراءة نذير جزماتي
الكتاب على درجة كبيرة من الأهمية إلى حد أن شخصية بوزن أ.د. رمزي زكي استهل تقديم الكتاب بالجملة التالية:"حينما انتهيت من قراءة هذا الكتاب قلت دخيلة نفسي: ما أروع هذا الكتاب، وما أعظم الدروس والعبر التي يخرج بها القاري من قراءته له، بل ما أروع نبل الرسالة التي أراد المؤلفان أن يبعثا بها للقاري، حيث يمتلك المؤلفان رؤية إنسانية حميمة، تدافع عن كرامة الإنسان وحقوقه في هذا العالم الذي أصبح متوحشاً".
ومن حق د.رمزي علينا أن نقول له: "ما أروع هذه المقدمة التي تشكل سفراً قائماً بذاته، سفر تكفي قراءته لاستخلاص أهم الدروس التي أراد المؤلفان أن يُستخلص من عمل أحاط بقضية العولمة من جوانبها المختلفة من خلال رؤية عميقة، ثاقبة، موسوعية، واعية وذات نزعة إنسانية نحن في أمس الحاجة إليها عند تناول هذه القضية."
الفصل الأول
مجتمع الخمس الثري وأربعة أخماس الفقراء-
مسيرو العالم في طريقهم لبناء صرح حضارة أخرى.
يفتتح هذا الفصل بتصوير لقاء لكبار رجال الأعمال وكبار المشاهير في العالم في فندق فيرمونت في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأميركية، لتبادل الرأي بعد كل ما جرى، وخوفاً مما سيأتي. فالعالم كله قد اخذ يتحول إلى ما كان عليه في ما مضى من زمن،" إما أن نأكُل أو نُؤكل". ومن أهم الظواهر التي تشغل بال الجميع هو ارتفاع أرقام العاطلين عن العمل، وعلى سبيل المثال، بلغ عدد الراغبين في العمل في ألمانيا عام 1996 ستة ملايين إنسان..وصافي متوسط مداخيل الألمان في انخفاض مستمر منذ خمس سنوات. أما السبب فهو العولمة. والعولمة هي الأممية التي اخترعها (كمصطلح) القادة العماليون في الحركة الاشتراكية الديموقراطية ليواجهوا به تجار الحروب الرأسماليين. أما الآن فقد صارت الأممية أو العولمة شعار الطرف الآخر، وهناك ما يزيد عن 40 ألف شركة أممية من كل الأحجام تبتز هذا العامل بالعامل الآخر، وهذه الدولة بالدولة الأخرى.
الرأسمالية النفاثـــــــــــة!
إن أممية رأس المال الجديدة تقتلع دولاً بمجملها، وما تقوم عليه هذه الدول من أنظمة اجتماعية من الجذور(يوغوسلافيا ن.ج). وبعد الإصلاحات التي تمت في قرن سادته أفكار الاشتراكية الديموقراطية، تلوح في الأفق حركة مضادة ذات أبعاد تاريخية. والرفاهية التي ينعم بها جمهور عريض من العاملين (في أوربا الغربية وشمال أميركا ن.ج)، لم تكن سوى تنازل اقتضته ظروف الحرب الباردة أو حتمية الرغبة في عدم تمكين الدعاية الشيوعية من كسب موقع قدم (ص34-35) وطالما أن الحرب الباردة انتهت لصالح الرأسمالية الصاعدة بقوة متنامية شبيهة بالقوة التي تندفع بها الطائرات النفاثة الحديثة، فإنها ستهدم الأساس الذي يضمن وجودها أعني الدولة المتماسكة والاستقرار الديموقراطي..وهكذا أخذت البلدان التي تعتبر حتى الآن بلدان الرفاهية تستهلك رأسمالها الاجتماعي، الذي ضمن لها حتى الآن الوحدة والتماسك، بخطى سريعة تفوق حتى سرعة الخطى التي تدمر بها البيئة (ص35)
وإذا كان الرأسماليون قد وجهوا ويوجهون ضربات أليمة إلى الدولة، ويكادون أن يشلوا حركتها فان الواجب يقتضي من السياسيين العمل على إصلاحها وإعادة الأولوية إلى السياسة على حساب الاقتصاد الذي طغى.
الفصل الثاني
كل شيء صار موجوداً في كل زمان و مكان-
ضغوط العولمة والانهيار المعولم..
في هذا العالم الذي تحول بفعل كل المخترعات إلى قرية يدور حولها أكثر من خمسمائة قمر صناعي ويسكنها نحو ستة مليارات إنسان، اختلط الحابل بالنابل أولاً، ويسعى القديم للحفاظ على قدمه في مواجهة عالم يتغير بسرعة. ولو قدر لستة مليارات إنسان،، أن ينتخبوا الحياة التي يريدونها، لانتخب الغالبية العظمى منهم حياة الطبقة الوسطى السائدة في واحد من أحياء سان فرانسيسكو، ولاختارت أقلية منهم مطلعة على واقع الحال وذات كفاءة عالية، بالإضافة إلى ذلك، مستويات الرعاية الاجتماعية التي كانت سائدة في ألمانيا (الغربية ن.ج) في السنوات التي سبقت انهيار الاتحاد السوفياتي، ولكانت التشكيلة المترفة التي تجمع بين فيلا في البحر الكاريبي والرفاهية السويدية حلم الأحلام بالنسبة لها (ص44)
ويعني ذلك فيما يعنيه، أن الرعاية الاجتماعية والرفاهية السويدية قد أصبحتا في خبر كان نتيجة إلغائهما بقوة النشاط غير الشرعي للرأسمالية الجديدة. ويتمثل أسلوب الحياة السائد في كاليفورنيا بالجدارة الإعلامية، وقد أخذت ميزانية صناعة الدعاية والإعلان 250 مليار دولار بغية تهدئة خواطر سكان المعمورة المحبطين بواسطة التيتينمنت) Tittytainment أي خليط التسلية المخدرة والتغذية الكافية. ومادمنا نتكلم عن (التيتينمنت) Tittytainment فان من المناسب التذكير بأن كلفة الفيلم الأميركي في المتوسط 59 مليون دولار، ولا ريب إن هذا المبلغ ليس بوسع المنتجين الأوربيين أو الهنود تحمله، ولا حتى التفكير به. ومن جانب آخر، فان تسعين ثانية في إعلان واحد عابر للقارات تكلف كما يكلفه في المتوسط فيلم سينمائي أوربي.
وغني عن البيان إن مختلف الأنشطة في العالم ومن ضمنها الرياضة تُجهد نفسها لكي تتحول إلى ساحات أوسع للدعاية والإعلان. وكلما اتسعت الدعاية لمادة من المواد هبطت قيمتها وفعاليتها.
حرب على الطبيعة
يسمح تكاثر المدن، وتكاثر سكان المدن ببيع سيارات أكثر تزيد من أزمة البيئة. أما الوجه الآخر للعملة فيتمثل بتخلي المدن في العالم المتقدم عن الصناعات الكلاسيكية في صالح المدن في العالم المتأخر، وبالتالي، انتقال فروع شركات تصنع أحدث الأجهزة إلى مدن الهند أو غيرها، من أجل دفع أجور أقل للعاملين المؤهلين. غير أن سكان العالم بدل أن يتقاربوا يتباعدون، ذلك أن الجزء الأعظم من العالم يتحول إلى بؤس وفاقة، مقابل 358 مليارديراً يمتلكون معاً ثروة تضاهي ما يملكه 5ر2 مليار من سكان المعمورة (ص60)
وإضافة إلى امتناع الدول الغنية عن تقديم المساعدات إلى الدول الفقيرة، فان دول العالم الغني تُحرم يوماً بعد يوم من الأجر الذي كانت تحصل عليه من أصحاب رؤوس الأموال، الذين ينقلون رساميلهم، أو ينقلون جزءاً كبيراً منها إلى مدن أو بلدان لا تأخذ منهم أجراً. وبذلك أصبحت هذه الدول عاجزة عن دفع الضمانات الاجتماعية لأفراد شعبها، الذي يعاني من تناقص فرص العمل. وهكذا وخلافاً للحروب التقليدية التي نشبت في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، لم تعد رحى الحرب تدور بين الدول، بل صارت تدور في الدول نفسها (ص63) ويهدد التفكك والتجزئة الكثير من الدول وخصوصاً في العالم الثالث. وتنطوي على خطر كبير حرب الرأسمالية النفاثة على الطبيعة، ولم تجد فتيلاً حتى الآن مؤتمرات الأمم المتحدة في هذا الشأن خصوصاً .
وإذا كانت بلدان كثيرة في آسيا وأفريقيا قد قضت على نحو 40 بالمائة من مجمل أراضيها المخصصة للزراعة في صالح المصانع وأحياء السكن..الخ، فان الولايات المتحدة الأميركية ستكون في المستقبل في مجال الغذاء أيضاً القوة العظمى.
الفصل الثالث
السوق الريعية بدلاً من الديموقراطية
يتحدث المؤلفان في هذا الفصل عن تصرف مدراء المصارف ومدراء أصحاب المؤسسات المالية الأخرى بأموال الناس تصرفاً غير مشروع، وخارج حدود صلاحياتهم، فينقلون الأموال إلى بلد آخر أو يقدمون قروضاً من وراء دافعي الضرائب، إن كانت الأموال أموالاً عامة، أو من وراء المودعين. وضرب المؤلفان مثلاً على ذلك أزمة عملة (البيزو) المكسيكية، وتعهد الرئيس الأميركي كلينتون بإقراض المكسيك 40 مليار دولار، ومعارضة الكونغرس الأميركي، وقيام صندوق النقد الدولي ومدير بنك التسويات الدولية(سويسرا) بإنقاذ كلينتون الذي أنقذ بدوره (البيزو) رغم أنف الكونغرس الأميركي (ص89-90) (وفي الأزمة المالية الأخيرة ظهر للعيان دور المصارف وأصحاب المصارف ومد رائها في تلقي المساعدات على حساب المال العام ن.ج)
ومن جانب آخر ضاق حكام العالم الغربي من تحرير الأسواق من القيود والحدود وأخذوا يشتكون من عدم خضوع الرساميل لرقابة الحكومات (ص98)، واقتناصها الأرباح بسرعة الضوء باستخدام عدة شبكات كمبيوتر تغطي العالم، إذ يكفي أن يضغط أحدهم على زر الكمبيوتر أو أن يتحدث بالهاتف لكي يتحول الاستثمار من سندات دين حكومي أميركي، إلى استثمار في سندات دين بريطانية أواسهم يابانية في سندات دين على الحكومة التركية (ص102) . وإضافة إلى ذلك فان هناك المراهنات والمضاربات والألاعيب الأخرى التي تدر على بعضهم أرباحاً خيالية في الوقت الذي تؤدي بغيرهم إلى الإفلاس التام. وفي عالم المال هذا لم تعد الودائع مهمة، كما لم يعد منح القروض مهماً، ولم تعد العديد من الشركات الكبرى بحاجة إلى مصارف، فهي نفسها قد صارت على نحو أو آخر مصرفاً. ولعل شركة سمنز (أ.ج) خير مثال على ذلك، فهي تحقق بعملياتها النقدية والمالية أرباحاً تفوق ما تحققه بمنتجاتها المعروفة في أرجاء المعمورة. ومن أبرز صائدي الأرباح في جيل المضاربين الجدد ستنلي در وكنملر الذي يشغل منصب مدير صندوق (كوانتوم) المعروف والذي تعود ملكيته إلى الملياردير الأميركي جورج سيورس. وقد وجد ستنلي في أزمة النقد الأوربي أكبر فرصة في حياته المهنية محققاً في ساعات محدودة أرباحاً بلغت مليار دولار على حساب الجنيه البريطاني الذي خسر حوالي 9 بالمائة من قيمته (ص116-123)
ضريبة الديموقراطية
بصرف النظر عن نتائج الجدل حول حرية أو عدم حرية رؤوس الأموال بالانتقال من بلد إلى آخر، والتهرب من دفع الضرائب وغيرها، فان الانفتاح المالي للدول يجبر هذه الدول على التنافس في تخفيض الضرائب، وتخفيض الإنفاق الحكومي والتضحية بالعدالة الاجتماعية (ص 123) أما الواحات الضريبية فإنها عبارة عن مائة منطقة متناثرة في أرجاء المعمورة وتدير منها المصارف وشركات التأمين وصناديق استثمار أموال زبائنها الأثرياء، وتخلصها بانتظام من قبضة وطنها الأم (124) والمحصلة النهائية لذلك ارتفاع العجز في الموازنة الحكومية، وإجبار الحكومة على التخلي عن العديد من برامج الإصلاح الاجتماعي(133) وإذا كان لا يزال يحق لكل مواطن التصويت، ولا يزال السياسيون يسعون للموازنة بين مصالح الفئات الاجتماعية المختلفة لكسب ود الأغلبية، فان ما يتحقق بعد إجراء الانتخابات يقرره الناخبون القائمون على إدارة الأموال، وهذا يعني توجيه ضربة أليمة إلى الديموقراطية (ص 136)
حرب عصابات في غابات المال
إن العولمة تعني في أسواق المال على أقل تقدير، حتى الآن، أمركة العالم إلى حد ما (145) وكتب تحت عنوان "الضريبة كأداة تساعد على توجيه أسواق المال" أن ثقاة سوق النقد الخالية من الرقابة والضوابط يتزايد عددهم حتى في صفوف النخبة السياسية..وهناك سياسيون حكماء يقدمون منذ سنوات اقتراحات كثيرة ترمي لإدخال الضوابط على أسواق المال من جديد(162)، إلا أن حكومة واحدة لم تتجرأ حتى الآن على مواجهة هذه القوى العاتية (163)
وتسمح الأفانين في سوق المال بتحقيق أرباح في صالح البعض في حين تتحول إلى طامة كبرى بالنسبة للعديد من بهلواني المال(167) ويمكن أن يتسبب مصرف واحد بين ليلة وضحاها، في إفلاس مصارف أخرى في العالم، والمخاطر التي تنطوي عليها أسواق المال العالمية أضحت اليوم أشد خطراً على الاستقرار من الأسلحة النووية(117) ومن ناحية أخرى، يعوق انجاز المعاملات المالية ثلاثة أيام على الرغم من التجهيزات الالكترونية، ويمكن أن يسبب هذا التأخير كارثة لمجمل عالم المال إذا استغل الموقف (ص175)
الفصل الرابع
شريعة الغاب (الأزمة اللامحدودة في سوق العمل والأممية الجديدة)
إن حلول التقنية الحديثة محل الناس سواء تعلق الأمر بالتطور أو بالتسويق، سمح لمؤسسة (فورد) أن تحقق عبر وسائل الربط الالكتروني، الحالة المثلى على المستوى العالمي، وصار بوسعها تفادي الازدواجية في العمل حتى في أبعد فروعها، فاقتصدت تكاليف تصل إلى المليارات وأدت إلى احتمال أن يفقد آلاف كثيرة من الإداريين والمهندسين والباعة، ذوي الكفاءة والرواتب العالية فرص عملهم (ص183) وما يقال عن انجاز"فورد" عام 1994 يقال عن كل قطاع وكل مهنة. وبذلك تلبدت وتتلبد السماء بالغيوم بالنسبة إلى ما يقارب من نصف مليون مستخدم في قطاعي المصارف والتامين(184) وأخذت الغيوم تتلبد حتى بالنسبة إلى الخبراء. ويزداد الأمر تعقيداً عندما تنقل شركات الكمبيوتر بشكل خاص معاملها إلى الهند، ويأخذ ثلاثة هنود أجر سويسري واحد. ومنذ عام 1990 يبحث عن فرصة عمل مماثلة نحو نصف مليون إنسان من روسيا وأوربا الشرقية. وهكذا تتم إزاحة صاحب الأجر الأكبر( من أوربا الغربية وشمال أميركا) في صالح الأجر الأقل (ص187-188)
الرفاهية الوعد الكاذب
خلافاً لما أعلن عند عقد "الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة لـ"الغات" ولـ"منظمة التجارة العالمية"، ولما أعلن على لسان زعماء الليبرالية الجديدة في عام 1979 و1980 في كل من بريطانيا والولايات المتحدة من أن تتمتع المشروعات بحرية أكبر بشأن استثماراتها واستخداماتها للأيدي العاملة، يحقق نمو أكبر ومستوى اقتصادياً أعلى للجميع، فقد كان شعار الرفاهية من خلال التجارة الحرة وعداً كاذباً (ص201-202) وقدم الكاتبان أكثر من مثال عن شركات كبرى انقلبت على أبرز العاملين فيها، مخفضة الأجر، ومبعدة التنظيم النقابي، وصار بإمكان شركة مثل كاتربيلار أن تجعل عمالها يشتغلون اثنتي عشرة ساعة عند الضرورة، وحتى في عطلة نهاية الأسبوع من دون مكافأة إضافية (214) وتكمن المشكلة فقط في أن النمو المتحقق هو برمته من حصة الخمس الثري(216) وعلى سبيل المثال، لا يرتفع أجر العامل المكسيكي الذي يشتغل في مشروع أميركي في المكسيك عن خمسة دولارات في اليوم، في حين بلغ الراتب السنوي لمدير متجر المواد الغذائية العملاق"هانيز" في أميركا 80 مليوناً، أي ما يعادل 40 ألف دولار في الساعة (ص 217)
وشيئاً فشيئاً تصبح سياسة تخفيض الأجور والاستغناء عن عدد من العاملين في هذه الشركة الكبرى أو تلك، سياسة غير محصورة بالولايات المتحدة، وإنما تطبق أيضاً في اليابان وألمانيا، وبريطانيا، مُضافاً إلى ذلك محاربة التنظيم النقابي، مما يدعو إلى إطلاق صفة الجنون المنظم على عملية "تحرير الأسواق" (ص241)
الفصل الخامس
أكاذيب ترضي الضمير- أسطورة الميزة على استقطاب الاستثمارات وخرافة العولمة الدولية العادلة.
على الرغم من قيام المكسيك بتنفيذ ما طلبه منها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والحكومة الأميركية، فقد أصبح نصف السكان في المكسيك في سن العمل، إما عاطلين عن العمل، أو يعملون بأجر يومي من يوم إلى آخر لا غير، فقد حلت الماكينات محل البشر(254) وعلى هذا النحو تثبت التجربة المكسيكية أن الزعم بأن السيادة المطلقة لقوى السوق هي التي ستحقق الرفاهية الاقتصادية، ليس سوى ادعاء ساذج، ولم تكن تركيا (المكسيك الأوربية) أفضل حالاً. وباعتبار إن الكتاب الذي بين أيدينا قد أنجز قبل الانهيارات التي حدثت في بلدان جنوبي شرقي آسيا، فقد أشاد الكاتبان بالنمور الآسيوية المتمثلة بسنغافورة وماليزيا، واندونيسيا، وتايلاند، وكوريا الجنوبية، وهونغ كونغ، وتايوان، تلك الدول التي حققت المستوى الرفاهي العظيم، من دون أن تتخلى حكوماتها عن الدور المنوط بها. ولاحظ الكاتبان أن للمعجزة الآسيوية أيضاً جوانب سلبية، إذا اقترن الازدهار الاقتصادي هناك بالرشوة والاضطهاد السياسي والتدمير الكبير للبيئة والاستغلال غير المحدود، في أغلب الأحيان، للعاملين المحرومين من الحقوق، وللنساء منهم على وجه الخصوص(ص 264). وقد دفعت النقابيتان الاندونيسيتان المعروفتان سوجارتي ومارسينا حياتهما ثمناً لشجاعتهما. وقد عثر على جثمانيهما المشوهين بفعل التعذيب في قمامة المصنع الذي كانتا قد حاولتا تنظيم إضراب فيه.
والخلاصة التي يستخلصها الكاتبان من دروس أوربا وأميركا وآسيا هي :إن أصحاب الامتيازات في الشمال والجنوب، أعني أصحاب الثروة والمستثمرين وذوي المهارات العلمية، هم الفئة التي تحقق لها عولمة الاقتصاديات حصة متزايدة من مجموع الرفاهية المتزايدة في العالم على حساب السكان(276) ويتمثل كسر طوق التردي بـ1- أن يتمحور التحرك المضاد حول إعلاء شأن العمل البشري من الإصلاح الضريبي والمحافظة على البيئة 2- تباطؤ السرعة التي يخطوها استخدام تكنولوجيا الإنتاج الآلي 3- تقسيم العمل بين الأمم.
ولكي تتحقق هذه الأمور لا بد من استعادة الإرادة السياسية، أي استعادة أولوية السياسة على الاقتصاد(ص291)
الفصل السادس
الصراعات ستعود من جديد
ستتسم أوائل القرن الـ21 بالاقتتال أو بالهجرة (أحداث 11/9/2001 ,2003 غزو العراق وأفغانستان، ثم باكستان ن.ج). ومع أن التاريخ لا يعيد نفسه بالضرورة، فان الكثير من الدلائل تشير إلى أن الصراعات التي عمت القارة الأوربية في العشرينات من القرن الـ20، ستعود من جديد، وأخذ الإطار الذي كان يصير المجتمع في بوتقة واحدة ينهار. ومن هنا فان الهزة السياسية الملوحة بمخاطرها في الأفق صارت تتحدى كل الديموقراطيات، وبجلاء لا مثيل له، يظهر هذا التحدي في الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص، وان كان لم يدرس بعد دراسة مستفيضة(296)
إن العالم الهادئ الذي كانت تعيشه الطبقة الوسطى البيضاء لم يعد له وجود يذكر، وخريجو الجامعات الأميركية لن يحصلوا على فرص عمل مناسبة، بل صار عليهم أن يعملوا نادلين، ويتعيّن على 2ر18 مليوناً من المستخدمين المكتبيين الأميركيين، أن يتوقعوا خسرانهم لفرصة عملهم، وإحلال زميلهم الكمبيوتر محلهم في العمل. وإضافة إلى ذلك يتطلب الأمر تخفيض أجور المستخدمين بمقدار 40 بالمئة، وإذا ما لجأ المستخدمون للإضراب، فان الإدارة تعرف كيف تكسره(ص302) وما يقال عن الولايات المتحدة يقال أيضا عن ألمانيا (ونهاية وحدتها). ويزيد الأمور تعقيداً أن أبناء الطبقة الوسطى الذين تتوجه إليهم نيران النخب المالية، بدلاً من توجيه نيران أسلحتهم الكفاحية ضد الذين يضطهدونهم، يوجهون هذه النيران ضد الأغراب في بلدانهم (المسلمين والمآذن والخ ن.ج) وتزدهر الفاشية في ظل ظروف اقتصادية ومالية معينة (316 ) وتنتشر النزعة لتأسيس الاستبدادية انتشار النار بالهشيم (كل الدول العربية التي يحكمها العسكر ن.ج)
الفصل السابع
جناة أم ضحايا ؟
لم يعد القادة السياسيون يمتلكون الكثير من مجالات السيادة الفعلية التي تمكنهم من اتخاذ القرار. والسياسة- حسب غورباتشوف في فيرمونت- تجري وراء الأحداث. وتتسع رقعة الاستقطاب الاجتماعي الذي يؤدي إلى هوة تغدو في نهاية المطاف من العمق بحيث يصبح الصراع الطبقي أمراً لا مفر منه، بدلاً من هذا، فإننا بحاجة إلى تضامن وتكاتف اجتماعيين(ص338) وبالفعل ماذا استطاع السياسيون أن يفعلوا حتى الآن حيال حماية البيئة عموما، وحيال ارتفاع حرارة المناخ المتزايدة خصوصاً؟ وتُسأل مثل هذه الأسئلة عن الزيادة الهائلة في عدد السكان، وعن الدور المتراجع للأمم المتحدة، وعن الانخفاض المريع في فرص العمل.
الفصل الثامن
لمن الدولة؟
قال كورت توخلوسكي عام 1927: إن الإجرام والرأسمالية فقط هما المنظمتان في أوربا تنظيماً عابراً للحدود. وقال في عام 1930: بعدما ينقل أصحاب المشاريع كل ما بحوزتهم من أموال إلى الخارج، يتحدث البعض عن تفاقم الحال(ص347)
يشكل هذا الفصل بياناً عن المؤسسات العملاقة التي تتهرب من دفع الضرائب للدولة مثل شركة ب.م.دبل يو، وسيمينز في ألمانيا، وشركات في اليابان وبلجيكا وغيرها. وهكذا، لم تعد الحكومات المنتخبة ديموقراطياً هي التي تقرر مستوى الضرائب، بل صار القائمون على توجيه تدفقات رأس المال والسلع هم الذين يحددون مقدار المبالغ التي يريدون دفعها. ويتزامن التنافس على دفع أدنى الضرائب، مع تنافس على الحصول على أسخى التبرعات والمساعدات من الدولة (قطع أراضي، مد شوارع وطرق وسكك حديدية، وإيصال الطاقة الكهربائية والماء بلا ثمن (256) وعلى سبيل المثال، تحملت مرسيديس بنز في عام 1993 نسبة 55 بالمئة فقط من مجموع نفقات بناء مصنع جديد لها في آلاباما الولاية الأميركية الفقيرة. وحصلت المؤسسة الأميركية الناشطة في صناعة الأجهزة الالكترونية على 800 مليون مارك أو ما يعادل 35 بالمئة من مجموع الاستثمارات المتوقعة، لقاء تشييدها مصنعاً جديداً لإنتاج شرائح الكمبيوتر في مدينة درسدن، إضافة إلى قروض حكومية وخمسمائة مليون مارك أخرى. وفي المحصلة النهائية لا تمول المؤسسة ولا حتى خمس إجمالي المبلغ المستثمر، أي إن الجزء الأعظم مما ينطوي عليه المشروع من مخاطر ومجازفات يقع على كاهل دافعي الضرائب من المواطنين(ص 358)
ويقدم الكاتبان أمثلة كثيرة أخرى مماثلة ويستنتجان أن وضع الأطفال في بريطانيا في تراجع مستمر، وكذلك التعليم، وفي الوقت ذاته يرتفع معدل الأمية ارتفاعاً متصاعداً في كل من أوربا وأميركا. وفي ألمانيا أغلقت أبواب 46 مرفقاً ترفيهياً لأنه لم يبق ثمة مال يمكن تخصيصه للمبادرات الاجتماعية(366)
مجرمون إلى أقصى حد
يتناول الكتاب تحت هذا العنوان دور الرأسمالية النفاثة في اتساع وتنوع الجريمة على اعتبار أن ما هو في مصلحة التجارة الحرة، هو في مصلحة مرتكبي الجرائم أيضاً، وعلى سبيل المثال ارتفع حجم المبيعات في السوق العالمية من الهيرويين من عام 1970 إلى عام 1990 إلى عشرين ضعفاً. أما التجارة بالسجائر المهربة، والأسلحة والسيارات المسروقة، وإدخال النازحين بصورة غير شرعية، وهي صيغة حديثة من صيغ المتاجرة بالرقيق، ودرت أرباحاً على العصابات الصينية في الولايات المتحدة ، بلغت 5ر2 مليار دولار في العام الواحد (ص268) وأضحت الجريمة المنظمة، عالمياً، أكثر القطاعات الاقتصادية نمواً. إنها تحقق أرباحاً تبلغ 500 مليار دولار في العام. و بإمكان كارتيلات الإجرام إفساد نزاهة الناس، وحتى شراء بعض الإدارات الحكومية (ص371). وتتسرب شبكات الإجرام من البلدان المتخلفة إلى البلدان المتقدمة.
الفصل التاسع
التوقف عن السير على غير هدى (الإفلات من المأزق)
بات واضحاً أن اقتصاد السوق والديموقراطية ليسا الركنين المتلازمين، اللذين يعملان بانسجام وتواؤم على زيادة الرفاهية للمجتمع، فالأمر الأقرب إلى الحقيقة هو أن هناك تعارضاً مستمراً بين كلا النموذجين اللذين يحتلان أهمية مركزية لدى الدول الصناعية الغربية (378)
وفي إجابتهما على السؤال- العنوان الفرعي: هل نتقدم عائدين إلى مرحلة الثلاثينيات المنصرمة؟ عرض الباحثان الثمن الباهظ للثورة الصناعية في أوربا الغربية التي أدت فيما أدت إليه، خلق نظم شمولية. وفي المقابل فان انعدام الأمن من غوائل الدهر المادية، وانعدام الحريات لا يحققان الديموقراطية ويبقى الجميع مهددين في أوربا الغربية، واضطراب أوضاع النساء فيها، والخطر الذي يحمله شرطي العالم الخطر. ويكشفان عن حقيقة مرة، وهي أن ما تمتعت به الطبقات الكادحة في أوربا الغربية وشمال أميركا في الفترة التي أعقبت ثورة أكتوبر عام 1917 لم يكن أكثر من حرب ضد النظام الاشتراكي الذي كان قائماً في الاتحاد السوفياتي، ومن ثم في بلدان أوربا الشرقية. فما دام يتعين مكافحة إمبراطورية الشر في الشرق (أي الاتحاد السوفياتي) كان من المصلحة أن يعم الرخاء والاستقرار أوربا الغربية، كواجهة حسنة للرأسمالية، ودليل أكيد على فشل الشيوعية. إلا أن حاجة واشنطن إلى أوربا انتفت الآن (ص 389) فكشرت أميركا عن أنيابها.
يتمثل الخيار الأوربي الضروري عالمياً بتحقيق العدل بين مصلحة استثمار رأس المال وإفساح المجال أمامه للإبداع، وبين ضرورة وجود الدولة القادرة على حماية حقوق مواطنيها. ولا يعني هذا أبداً خلق جهاز بيروقراطي حكومي من جديد يضع القواعد لكل صغيرة وكبيرة، بل أن العكس هو الصحيح. فعودة أوربا إلى أولوية السياسة حيال الأمور الاقتصادية سيزيح غول البيروقراطية عن الأرض الأوربية الخصبة المغذية(ص391)
ومن ناحية أخرى، يعم الغليان في أوساط الطليعة الاقتصادية والسياسية في أوربا أيضاً، إذ يشعر الكثيرون من أفرادها بضيق شديد من استمرار أمركة القارة الأوربية. وعلى القارة الأوربية أن تحقق اتحادها، وتقوية مجتمعها المدني وتوحيد قوانينها الضريبية وتوحيد نقدها، وإيجاد معايير اجتماعية، وحماية البيئة، والعناية بالنقابات العمالية والتوقف عن تحرير الاقتصاد من دون تعزيز للرعاية الاجتماعية (ص 403)











باب الترجمة












Karl Marx Works 1844
Economic & Philosophic Manuscripts
of 1844 [1]
Written: Between April and August 1844;
First Published: 1932;
Source: Marx. Economic and Philosophic Manuscripts of 1844;
Publisher: Progress Publishers, Moscow 1959;
Translated: by Martin Mulligan;
Transcribed: for marxists.org by Andy Blunden in 2000;
Proofed: and corrected by Matthew Carmody 2009;
See alternate translation.
See also PDF version in one file.
Estranged Labour




"العمل المغترب"
لكارل ماركس
فصل من المخطوطات الاقتصادية و الفلسفية ( 1844 )
ترجمة مازن كم الماز
...علينا الآن أن ندرك الصلة الضرورية بين الملكية الخاصة , الجشع , تقسيم العمل , رأس المال و الملكية العقارية , التبادل و المنافسة , قيمة و تخفيض قيمة الإنسان , الاحتكار , و المنافسة , الخ – الصلة بين نظام الاغتراب هذا بمجمله و نظام النقود .
يجب أن نتجنب تكرار خطأ الاقتصادي السياسي , الذي يقيم تفسيراته على بعض الظروف البدائية المتخيلة . إن ظرفا بدائيا كهذا لا يفسر أي شيء . إنه ببساطة يدفع السؤال إلى مسافة غامضة و رمادية . إنه يفترض كحقائق و أحداث ما يفترض به أن يستنتجه – أعني , العلاقات الضرورية بين شيئين , مثلا بين تقسيم العمل و التبادل . بالمثل يفسر علم اللاهوت أصل الشر بسقوط الإنسان – ذلك يعني أنه يفترض كحقيقة في شكل تاريخ ما عليه أن يفسره . سنبدأ من الواقع الاقتصادي اليوم . يصبح العامل أكثر فقرا كلما أنتج ثروة أكثر , كلما زاد إنتاجه قوة و اتساعا . يصبح العامل حتى سلعة أرخص كلما زاد ما ينتجه من السلع . إن انخفاض قيمة العالم الإنساني تزداد في تناسب مباشر مع زيادة عالم الأشياء . لا ينتج العمل السلع فقط , إنه أيضا ينتج نفسه و العمال أنفسهم كسلعة و هو يفعل ذلك بنفس النسبة التي ينتج بها السلع عموما .
تعني الحقيقة ببساطة أن الشيء الذي ينتجه العمل , نتاجه , يقف معاديا له كشيء غريب , كقوة مستقلة عن المنتج . إن نتاج العمل هو العمل المتضمن و الذي أصبح مجسدا في شيء , إنه تشييء للعمل . إن تحقق العمل هو تشييئه . في مجال الاقتصاد السياسي , يظهر تحقق العمل هذا كفقدان لواقعية العامل , التشييء كفقدان للشيء و العبودية له , الاستيلاء كانتماء , كاغتراب .
هكذا يظهر تحقق العمل إلى هذه الدرجة كضياع للواقع لدرجة أن العامل يفقد واقعيته لدرجة الموت من الجوع . إلى هذه الدرجة يبدو التشيؤ كفقدان للشيء بحيث أن العامل تنتزع منه الأشياء التي يحتاجها بشدة ليس فقط ليعيش بل أيضا ليعمل . يصبح العمل نفسه شيئا يمكن الحصول عليه فقط من خلال جهد شديد و مع انقطاعات تشنجية . إلى هذه الدرجة يبدو استملاك الشيء كاغتراب بحيث أنه كلما زاد إنتاج العامل من الأشياء كلما قلت الأشياء التي يملكها و كلما زاد وقوعه تحت سيطرة إنتاجه , سيطرة رأس المال .
كل هذه النتائج مشمولة في هذه الخاصية , بحيث أن العمال يرتبطون بمنتج العمل كما لو أنها شيء غريب عنهم . لأنه من الواضح وفقا لهذه المقدمة أنه كلما زاد العامل من اجتهاده في عمله كلما زادت قوة العالم المغترب المتشيئ ( الموضوعي ) الذي يخلقه , ضده هو , و كلما أصبح هو و عالمه الداخلي أكثر فقرا , و كلما ضعف انتسابهم إليه . إنه نفس الشيء في الدين . كلما اندس الإنسان أكثر في الإله كلما قل حفاظه داخل نفسه . يضع العامل حياته في الشيء , لكنه لم تعد تنتمي إليه بعد اليوم , بل إلى ذلك الشيء . لذلك كلما كان نشاطه أكبر كلما كانت الأشياء التي يملكها أقل . ما يشكل نتاجا لعمله , فإنه ليس هو . لذلك كلما كان هذا الإنتاج أكبر , كلما كان هو نفسه أقل . يعني تجسيد العامل في إنتاجه ليس فقط أن عمله قد أصبح شيئا , وجودا خارجيا , بل أنه يوجد خارجه , بشكل مستقل عنه و مغترب عنه , و أشياء تواجهه كقوة مستقلة , أن الحياة التي منحها للأشياء تواجهه كعدو و كشيء مغترب .
لنلق الآن نظرة أقرب على التشيؤ , على إنتاج العامل , و الاغتراب , فقدان الشيء , فقدان إنتاجه , الذي يتضمنه . لا يمكن للعامل أن يخلق أي شيء من دون الطبيعة , دون العالم الخارجي الملموس . إنها المادة التي بواسطتها يحقق العمل نفسه , التي بها يكون فاعلا و التي منها , و من خلال وسائلها , ينتج .
لكن كما توفر الطبيعة للعمل وسائل الحياة , بمعنى أن العمل لا يمكنه أن يعيش دون أشياء يمكن أن يمارس نفسه من خلالها , فهي لذلك أيضا توفر وسائل الحياة بالمعنى الأضيق , أي وسائل الوجود الفيزيائي ( أو المادي ) للعامل . كلما زاد استملاك العامل للعالم الخارجي , الطبيعة الملموسة , من خلال عمله , كلما زاد حرمانه لنفسه من وسائل الحياة من وجهين : أولا , يصبح العالم الخارجي الملموس شيئا ينتمي إلى عمله بشكل أقل فأقل , وسيلة حياة لعمله , و ثانيا , كلما أصبح أقل فأقل وسيلة للحياة بالمعنى المباشر , أي وسيلة للوجود المادي للعامل .
بهذين الوجهين , إذا , يصبح العامل عبدا لشيئه , أولا في أنه يتلقى شيء العمل , أي أنه يتلقى العمل , و ثانيا , في أنه يتلقى وسائل وجوده . أولا عندها بحيث يمكنه أن يوجد كعامل , و ثانيا كذات مادية ( أو كموضوع مادي أو فيزيائي ) . ذروة هذه العبودية هي أنه كعامل فقط يمكنه أن يحافظ على وجوده كذات مادية و أنه فقط كذات مادية يكون عاملا . ( يعبر عن اغتراب الإنسان في شيئه وفقا لقوانين الاقتصاد السياسي بالطريقة التالية : كلما أنتج العامل أكثر , كلما قل ما يملكه ليستهلك , كلما زادت القيمة التي يخلقها , أصبح فاقدا أكثر للقيمة , كلما زاد تجسد إنتاجه كلما زاد العامل تشوها , كلما زاد تحضر شيئه ( أي إنتاجه – المترجم ) كلما زادت بربريته , كلما زادت قوة العمل , كلما زاد عجز العامل , كلما أصبح العمل أكثر ذكاءا , كما زاد العامل غباءا و أصبح أكثر عبدا للطبيعة ) . يدخل الاقتصاد السياسي الاغتراب في طبيعة العمل بتجاهل العلاقة المباشرة بين العامل ( العمل ) و الإنتاج . من الصحيح أن العمل ينتج المعجزات ( أو الأعاجيب ) للأغنياء , لكنه ينتج الحرمان للعامل . إنه ينتج القصور , لكن فقط الأكواخ للعامل . إنه ينتج الجمال , لكنه ينتج البشاعة فقط للعامل . إنه يستبدل العمال بالآلات , لكنه يلقي ببعض العمال خلفا نحو أشكال بربرية من العمل و يحول آخرين إلى آلات . إنه يخلق الذكاء لكنه يخلق الحماقة و القماءة للعامل . إن العلاقة المباشرة للعمل بإنتاجه هي علاقة العامل بأشياء إنتاجه . إن علاقة الإنسان الثري بأشياء الإنتاج و بالإنتاج نفسه هو فقط نتيجة لهذه العلاقة الأولى , و تؤكدها . سندرس هذا الجانب الثاني فيما بعد .
لذلك عندما نسأل ما هي العلاقة الأساسية للعمل , فإننا نتساءل عن علاقة العامل بالإنتاج . لقد اعتبرنا الاغتراب حتى الآن , اغتراب العامل , فقط من جانب واحد – أي علاقته بمنتجات عمله . لكن الاغتراب يعبر عن نفسه ليس فقط في النتيجة , بل أيضا في فعل الإنتاج , داخل فعالية الإنتاج نفسها . كيف يمكن لنتاج نشاط العامل أن يواجهه كشيء غريب إذا لم يكن في الواقع يبعد نفسه أثناء فعل الإنتاج عن نفسه ؟ فالإنتاج في نهاية المطاف هو ببساطة خلاصة أو مجمل الفعالية , و الإنتاج . لذا إذا كان نتاج العمل هو الاغتراب , يجب أن يكون الإنتاج نفسه اغترابا فعالا , هو اغتراب الفعالية , فعالية الاغتراب . يلخص اغتراب الشيء عن العمل الاغتراب فقط , الاغتراب في فعالية العمل نفسها .
ما الذي يشكل اغتراب العمل ؟ أولا واقع أن العمل شيء خارجي بالنسبة للعامل – أي لا ينتمي إلى وجوده الضروري , و أنه لذلك لا يقوي أو يثبت نفسه في عمله , بل إنه ينكر ذاته , يشعر بالبؤس و أنه غير سعيد , لا يطور طاقة عقلية و جسدية حرة , بل يميت جسده و يدمر عقله . بالتالي يشعر العامل بنفسه فقط عندما لا يعمل , و عندما يعمل لا يشعر بنفسه . إنه في منزله عندما لا يعمل , و ليس في منزله عندما يعمل . لذلك فإن عمله غير طوعي بل قسري , إنه عمل سخرة . إنه لذلك ليس إشباعا لحاجة بل مجرد وسيلة لتلبية الحاجات خارجه . إن صفته المغتربة تظهر بوضوح في واقع أنه ما أن تزول الإكراهات المادية أو غيرها حتى يتجنبه كالطاعون . العمل الخارجي , العمل الذي يغترب فيه الإنسان عن نفسه , هو عمل تضحية بالنفس , إماتة الجسد . أخيرا , تتجلى الصفة الخارجية للعمل عن العامل في حقيقة أنه لا ينتمي إليه بل إلى شخص آخر , و أنه خلاله لا ينتمي إلى نفسه بل إلى شخص آخر .
تماما كما في الدين تعزل الفعالية العفوية للمخيلة الإنسانية , الدماغ البشري , و القلب البشري , نفسها عن الفرد و تعاود الظهور كفعالية مغتربة للإله أو الشيطان , بحيث أن نشاط العامل ليس نشاطه العفوي . إنه ينتمي للآخرين , إنه فقدان لذاته .
النتيجة هو أن الإنسان ( العامل ) يشعر أنه يتصرف بحرية فقط في أعماله أو وظائفه الحيوانية – الأكل , الشراب , و التناسل , أو في أقصى حد في منزله و زينته – بينما في وظائفه الإنسانية فإنه ليس أكثر من حيوان . صحيح أن الأكل و الشراب و التناسل , الخ , هي أيضا وظائف إنسانية أصيلة . لكن عندما يجري تجريدها عن بقية جوانب النشاط الإنساني و تحول إلى أهداف نهائية و حصرية , عندها تكون حيوانية .
لقد اعتبرنا فعل اغتراب النشاط الإنساني العملي , العمل , من وجهين : ( 1 ) علاقة العامل مع نتاج العمل كشيء مغترب ذا سلطة عليه . العلاقة هي في نفس الوقت علاقة مع العالم الخارجي الملموس , مع أشياء الطبيعة , كعالم غريب يواجهه , في معارضة عدائية . ( 2 ) علاقة العمل مع فعل الإنتاج داخل العمل . هذه العلاقة هي علاقة العامل مع نشاطه الخاص كشيء مغترب و لا ينتمي إليه , النشاط كسلبية أو لا فعالية , قوة على أنها عجز , التناسل على أنه خصاء , طاقة العامل الخاصة الجسدية و الذهنية , حياته الشخصية – لأن الحياة ليست سوى النشاط أو الفاعلية ؟ - كنشاط موجه ضده , مستقل عنه و لا ينتمي إليه . الاغتراب الذاتي , مقارنة مع الاغتراب المشيء المذكور أعلاه .
علينا الآن أن نشتق ميزة ثالثة للعمل المغترب من الميزتين اللتين درسناهما الآن .
الإنسان هو كائن ينتمي إلى جنس ( أو نوع ) , ليس فقط لأنه يجعل من النوع عمليا و نظريا – سواء جنسه أو جنس بقية الأشياء – شيئا له , بل أيضا – و هذه ببساطة طريقة أخرى لقول نفس الشيء – أنه ينظر إلى نفسه كجنس حي راهن , لأنه ينظر إلى نفسه ككائن كوني و بالتالي فهو حر .
حياة الأجناس , سواء للإنسان أو للحيوانات , تكمن ماديا في واقع أن الإنسان , مثل الحيوانات , يعيش على الطبيعة غير العضوية , و لأن الإنسان أكثر كونية من الحيوانات , فكذلك أيضا مساحة الطبيعة غير العضوية التي يعيش عليها أكثر كونية . تماما كما تشكل النباتات , الحيوانات , الحجارة , الهواء , الضوء , الخ , نظريا جزءا من الوعي الإنساني , جزئيا كمواضيع للعلم و جزئيا كمواضيع للفن – طبيعته الروحية غير العضوية الخاصة , وسائله الروحية للحياة , التي عليه أن يعدها أولا قبل أن يستمتع بها و يهضمها – لذلك أيضا فإنها تشكل في الممارسة جزءا من الحياة الإنسانية و النشاط الإنساني . بالمعنى المادي , يعيش الإنسان فقط من هذه المنتجات الطبيعية , سواء في شكل الغذاء , التدفئة , اللباس , المأوى , الخ . تظهر كونية الإنسان نفسها في الممارسة في أن هذه الكونية تجعل من مجمل الطبيعة جسده غير العضوي , ( 1 ) كوسيلة مباشرة للحياة و ( 2 ) كمادة , شيء , و أداة لفعالية حياته . إن الطبيعة هي جسد الإنسان غير العضوي – مما يعني القول الطبيعة بقدر ما تكون غير هذا الجسد الإنساني . يعيش الإنسان من الطبيعة – ذلك يعني أن الطبيعة هي جسده – و أن عليه أن يحافظ على حوار مستمر معها كي لا يموت . القول بأن الحياة الفيزيائية و العقلية للإنسان ترتبط بالطبيعة يعني ببساطة أن الطبيعة ترتبط بنفسها , لأن الإنسان هو جزء من الطبيعة .
العمل المغترب ليس فقط ( 1 ) يؤدي لاغتراب الطبيعة عن الإنسان و ( 2 ) اغتراب الإنسان عن نفسه , عن وظيفته الخاصة , عن نشاطه الخاص , و بسبب هذا , فإنه يؤدي لاغتراب الإنسان عن نوعه أو عن جنسه . إنه يحول حياة جنسه إلى وسيلة لحياة الفرد . أولا إنه يؤدي لاغتراب حياة جنسه و حياة الفرد , و ثانيا , إنه يحول هذا الأخيرة , في شكلها المجرد , إلى هدف للأولى , أيضا في شكلها المجرد و المغترب .
لأن العمل أولا , نشاط الحياة , الحياة المنتجة نفسها , تبدو للإنسان فقط كوسيلة لإشباع حاجة , حاجة الحفاظ على الوجود المادي . لكن الحياة المنتجة هي حياة النوع نفسه . إنها الحياة و هي تنتج الحياة . إن مجمل خاصية النوع , نوع الميزة أو الخاصية , تكمن في طبيعة نشاط حياتها , و النشاط الواعي الحر الذي يشكل خاصية النوع عند الإنسان . تظهر الحياة فقط كوسيلة للحياة .
يوجد الحيوان مباشرة مع نشاط حياته . إنه لا يتمايز عن هذا النشاط , إنه ذلك النشاط بالذات . يجعل الإنسان من نشاط حياته ذاته موضوع إرادته و وعيه . لديه نشاط حياة واعي . ليس الموضوع حتميا عندما يندمج ( يتوحد ) مباشرة . يميز نشاط الحياة الواعي الإنسان مباشرة عن فعالية حياة الحيوانات . فقط نتيجة هذا فهو كائن ينتمي للنوع . أو بالأحرى أنه كائن واع – أي أن حياته الخاصة هي موضوع بالنسبة له , فقط لأنه كائن ينتمي للنوع . فقط بسبب ذلك فإن نشاطه يكون حرا . يقلب العمل المغترب العلاقة بحيث أن الإنسان يجعل , فقط لأنه كائن واع , من نشاط حياته , من وجوده , مجرد وسيلة لوجوده .
إن الخلق العملي للعالم الموضوعي , ترتيب الطبيعة غير العضوية , هو إثبات على أن الإنسان كائن ينتمي للنوع أو الجنس واع - أي كائن يعامل الأجناس على أنها وجوده الضروري أو نفسها ككائنات جنسية أو نوعية . من الصحيح أن الحيوانات تنتج أيضا . إنهم يبنون أعشاشا و منازلا , مثل النحل , القندس , النمل , الخ . لكنهم ينتجون فقط حاجاتهم الخاصة المباشرة أو الآنية أو حاجات صغارهم , إنهم ينتجون فقط عندما تدفعهم حاجاتهم المادية المباشرة لفعل ذلك , فيم ينتج الإنسان حتى عندما يكون متحررا من الحاجة المادية و هو حقيقة ينتج فقط عندما يكون متحررا من حاجة كهذه , إنهم ينتجون أنفسهم فقط , فيم يعيد الإنسان إنتاج الطبيعة كلها , تعود منتجاتهم فورا لأجسامهم المادية , حيث يواجه الإنسان نتاجه الخاص بحرية . تنتج الحيوانات فقط وفقا لمعايير و حاجات الأنواع التي تنتمي إليها , فيم يستطيع الإنسان أن ينتج وفقا لمعايير كل نوع و أن يطبق معياره المتأصل على كل شيء , بالتالي ينتج الإنسان أيضا بالتوافق مع قوانين الجمال .
لذلك ففي تشكيله لأهدافه يثبت الإنسان أنه كائن ينتسب للنوع أو الجنس . إنتاج كهذا يصبح حياة نوعه أو جنسه الفعالة . من خلالها تبدو الطبيعة على أنها عمله و واقعه . لذلك فإن موضوع العمل , هو تشييئ حياة نوع الإنسان : لأن الإنسان ينتج نفسه ليس فقط عقليا أو فكريا , في وعيه , بل بشكل فعال و حقيقي , و لذلك يمكنه أن يرى نفسه في عالم خلقه هو نفسه . في إبعاد موضوع إنتاجه عن الإنسان , ينتزع العمل المغترب لذلك منه حياته المرتبطة بالنوع أو الجنس , موضوعيته الحقيقية المرتبطة بالنوع , و تحول أفضليته على الحيوانات إلى عائق بحيث أن جسده غير العضوي , الطبيعة , قد أخذ منه .
بنفس الطريقة يختزل العمل المغترب النشاط العفوي و الحر إلى وسيلة , إنه يجعل حياة نوع الإنسان وسيلة لوجوده المادي .
الوعي , الذي يأخذه الإنسان من جنسه , يحول إلى اغتراب بحيث أن حياة جنسه تصبح وسيلة له . ( 3 ) لذلك يحول العمل المغترب حياة نوع الإنسان – كل من الطبيعة و قوة جنسه الفكرية – إلى كائن مغترب عنه و وسيلة لوجوده الفردي . إنه يؤدي لاغتراب الإنسان عن جسده , عن الطبيعة على أنها توجد خارجه , عن جوهره الروحي , عن وجوده الإنساني . ( 4 ) نتيجة مباشرة لاغتراب الإنسان عن نتاج عمله , عن نشاط حياته , هو اغتراب الإنسان عن الإنسان . عندما يواجه الإنسان نفسه فإنه يواجه أيضا البشر الآخرين . ما هو صحيح في علاقة الإنسان بعمله , بنتاج عمله , بنفسه , هو صحيح أيضا في علاقته مع البشر الآخرين , مع عمل و موضوع عمل البشر الآخرين .
في العموم يعني افتراض أن الإنسان مغترب عن وجود جنسه أو نوعه أن كل إنسان مغترب عن الآخرين و أن الجميع مغتربون عن جوهر الإنسان . اغتراب الإنسان , مثل كل علاقات الإنسان بنفسه , يتحقق و يعبر عنه فقط في علاقة الإنسان مع البشر الآخرين . في علاقة العمل المغترب , لذلك يعتبر كل إنسان الآخر بما يتماشى مع المعيار و الوضع التي يجد الإنسان نفسه فيه كعامل .
بدأنا من حقيقة اقتصادية , اغتراب العامل و إنتاجه . إننا نعطي هذه الحقيقة شكلا مفاهيميا : العمل المغترب المستلب . لقد حللنا هذا المفهوم , و بقيامنا بذلك حللنا ببساطة الحقيقة الاقتصادية .
دعنا الآن ننتقل إلى رؤية كيف يجب على مفهوم العمل المغترب , المستلب , أن يعبر عن نفسه و يعرضها في الواقع . إذا كان إنتاج العمل مغترب عني , و يواجهني كقوة غريبة , فإلى من ينتمي عندها ؟ إلى كائن آخر سواي . من هو هذا الكائن ؟ الآلهة ؟ من الصحيح أنه في الأزمنة القديمة كان أغلب الإنتاج – مثل بناء المعابد , الخ , في مصر , الهند و المكسيك – كان في خدمة الآلهة , تماما كما كان الإنتاج ينتمي للآلهة . لكن الآلهة لم يكونوا وحدهم أبدا سادة العمل . نفس الشيء صحيح عن الطبيعة . و أي تناقض سيكون لو أن الإنسان أخضع الطبيعة أكثر من خلال عمله و أصبحت المعجزات الإلهية شيئا غير ضروري بشكل أكبر بسبب معجزات الصناعة , كلما كان مكرها أكثر على التخلي عن السرور أو الإنتاج و الاستمتاع بمنتجه بسبب الدفاع عن هذه القوى .
الكائن المغترب الذي ينتمي إليه العمل و نتاج العمل , الذي يجري العمل الخدماتي له , و الذي في سبيل متعته يجري خلق نتاج العمل , لا يمكن أن يكون غير الإنسان نفسه . إذا لم يكن نتاج العمل ينتمي إلى العامل , و إذا واجهه كقوة غريبة , فإن هذا ممكن فقط لأنه ينتمي إلى إنسان آخر غير العامل . إذا كان نشاطه تعذيبا له , فإنه يجب أن يوفر السعادة و المتعة لشخص آخر . ليست الآلهة , ليست الطبيعة , بل الإنسان نفسه فقط يمكن أن يكون هذه القوة الغريبة فوق البشر . انظر إلى العرض السابق عن أن علاقة الإنسان مع نفسه تصبح موضوعية و حقيقية بالنسبة له فقط من خلال علاقته بالبشر الآخرين . لذلك إذا اعتبر نتاج عمله , عمله المتشيء , كشيء غريب , معادي و قوي , شيئا قويا و مستقلا عنه , عندها تكون علاقته مع ذلك الشيء بحيث أن شخصا آخر – غريب , معادي و قوي و مستقل عنه – هو سيده . إذا ارتبط بنشاطه الخاص كنشاط غير حر , فإنه يرتبط به كنشاط في خدمة , تحت حكم , إكراه , و نير شخص آخر .
كل اغتراب ذاتي للإنسان عن نفسه و عن الطبيعة يتظاهر في العلاقة التي يقيمها بين بقية البشر مع نفسه و مع الطبيعة . لذلك فإن الاغتراب الذاتي الديني يتظاهر بالضرورة في العلاقة بين الشخص العادي و الكاهن , أو , بما أننا نتعامل هنا مع عالم روحاني , بين الإنسان العادي و الوسيط ( الروحاني – المترجم ) , الخ . في العالم الواقعي , العملي , يمكن للاغتراب الذاتي أن يكشف عن نفسه فقط في العلاقة العملية , الواقعية , مع بقية البشر . الوسط التي يتقدم فيها الاغتراب هو نفسه وسط الممارسة . لذلك من خلال العمل المغترب لا ينتج الإنسان فقط علاقته مع الشيء و مع فعل الإنتاج كقوى غريبة و معادية , إنه ينتج أيضا العلاقة التي يقف فيها بقية البشر تجاه إنتاجه و منتجه , و العلاقة التي يقف فيها هو تجاه هؤلاء البشر الآخرين . تماما كما يبدع إنتاجه الخاص كفقدان للواقع , كعقاب , و منتجه الخاص كخسارة , كمنتج لا ينتسب إليه , لذلك فإنه يخلق هيمنة غير المنتج على الإنتاج و نتاجه . كما يغترب نشاطه عنه هو , لذلك فإنه يعطي الغريب و فعاليته ما لا ينتمي إلى هذا الغريب
حتى الآن درسنا العلاقة فقط من جانب العامل . الآن , سندرسها من جانب غير العامل .
هكذا من خلال العمل المغترب , يخلق العامل علاقة رجل آخر , الذي هو غريب عن العمل و يقف خارجه , مع ذلك العمل . علاقة العامل مع العمل تخلق علاقة الرأسمالي – أو أي كلمة أخرى يختارها المرء لسيد العمل – مع ذلك العمل .
لذلك فالملكية الخاصة هي نتاج , نتيجة , النتيجة الضرورية للعمل المغترب , للعلاقة الخارجية للعامل مع الطبيعة و مع نفسه . هكذا تشتق الملكية الخاصة من تحليل فكرة العمل المغترب – أي الإنسان المغترب , العمل المغترب , الحياة المغتربة , الإنسان المغترب . من الصحيح أنا نأخذ فكرة العمل المغترب ( الحياة المغتربة ) من الاقتصاد السياسي كنتيجة لحركة الملكية الخاصة . لكن من الواضح من تحليل هذه الفكرة أنه , رغم أن الملكية الخاصة تظهر كأساس و سبب للعمل المغترب , فإنها في الحقيقة نتيجته , تماما كما أن الآلهة لم يكونوا أصلا سبب بل نتيجة التشوش في عقول البشر . أخيرا , لكن هذه العلاقة تصبح تبادلية . فقط عندما يبلغ تطور الملكية الخاصة نقطة ذروته النهائية , الذي هو سرها , تنبثق من جديد , أي , نتاج تحقق هذا الاغتراب .

( تتوقف المخطوطة هنا )

المصدر: prole.info



ركن ا لأدب
















JACK LONDON STORIES OF THE NORTH

To Build A Fire
By Jack London
First published in The Century Magazine, v.76, August, 1908
“The Yukon lay a mile wide and hidden under three feet of ice.”








إشعال النار
جاك لندن
1876- 1916
كان النهار شديد البرد وكثيف الغبرة, عندما انحرف رجل عن الطريق الآتية من "يوكون" وصعد مرتفعاً من الأرض. بدا أمامه طريق تكاد تمحي، تمتد شرقاً صوب غابة الصنوبر. توقف قليلاً في السفح المنحدر محتجاً بالنظر إلى ساعته, كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً, الشمس لا تلمح رغم خلو السماء من الغيم . بدت الأشياء مغطاة بدثار ملموس رقيق كئيب، مما جعل النهار جهماُ ومظلماً. السبب غياب الشمس. هذه الحقيقة لم تزعجه، فقد اعتاد تحمل اختبائها. مرت أيام عديدة لم يلمح فيها الشمس. إنه يعلم أنها ستختفي طويلاً قبل أن تطل من خلف الأفق ثم لا تلبث أن تغطس وراءه وتختفي عن النظر.
ألقى الرجل نظرة على الطريق التي قطعها. كانت "يوكون" تستلقي تحت غطاء ثخين من الجليد المغمور بالثلج. كان غطاء أبيض يتكور في تموجات رقيقة حيث تشكلت عوائق الجليد. لم يكن يشوه ذلك البياض على مدى الرؤية إلا الطريق التي تلتف حول جزيرة الصنوبر جنوباً، والتي تنعطف بعد ذلك شمالاً ثم تختفي وراء جزيرة صنوبر أخرى.
هذا الخيط الأسود كان الطريق ، الطريق الوحيدة، المؤدية إلى "شيلكوت" جنوباً التي تبعد خمسمائة ميل، وإلى "ديبا" والماء المالح، والممتدة شمالاً، شمالاً إلى "داوسون" و"نولاتو"، وأخيراً إلى "سينت ميشيل" على بحر "بيرنج" على بعد ألف وخمسمائة ميل وأكثر.
كل هذا : الطريق اللاحبة الغامضة، واختفاء الشمس، والبرد القارس، وغرابة الجو المشوب بالسحر، لم تُثِرْ في نفس الرجل أي انطباع، ليس لأنه اعتاد رؤيتها، بل لأنه وافد جديد إلى هذه البقاع. وهذا الشتاء هو أول شتاء يمر عليه وهو فيها. إنه سريع البديهة، متحفز، ولكنه تعوزه القدرة على تخيل دلالات الأشياء. إن خمسين درجة تحت الصفر تعني برودة لا تطاق، وهذا كل شيء. فهو لا ينقاد إلى التفكير في ضعفه كمخلوق يتأثر بالحرارة والبرودة، ثم إلى ضعف الإنسان عامة الذي لا يقدر على الحياة إلا ضمن حدود ضيقة للحرارة والبرودة. ولذلك لا تخطر في باله الأبدية ومكان الإنسان في العالم . خمسون درجة تحت الصفر تعني خمسين درجة تحت الصفر، أما أنها شيء أكثر من ذلك فما خطر بباله يوماً أبداً، والصقيع يعني عضة مؤذية يجب الاحتراس منها باستعمال قفاز ودثار وحذاء وجوارب.

واصل الرجل سيره . بصق بإمعان فسمع صوت خشخشة أجفل منها. بصق ثانية فرأى البصقة تتجمد قبل أن تصل الأرض. إنه يعلم أن تجمد البصقة يحصل حين تكون الحرارة خمسين تحت الصفر. أما الآن فهي تتجمد في الهواء، لا شك أنها أكثر من خمسين تحت الصفر. الحرارة لا تهم وهو لا يعلم كم تزيد عن الخمسين. إنه ماض إلى حيث ذهب الأولاد ليطالب بالحق القديم، بالفرع الأيسر من "هندرسون كريك".
لقد قطعوا الحد الذي يفصل الريف الهندي عن غيره. أما هو فقد سلك طريقاً آخر ليرى إمكانية اقتطاع الأخشاب في الربيع في غابة "يوكون" . سيصل المخيم حوالي السادسة مساء. الأولاد سيكونون هناك قرب النار يجهزون العشاء. تذكر أنه يحمل طعاماً . ضغط على الصرة التي دسها تحت قميصه، كان عليه أن يضعها بين جلده وقميصه ليحفظ البسكوت من التجمد. ضحك عندما تذكر البسكوت من التجمد. ضحك عندما تذكر البسكوت المشرب بدهن لحم الخنزير والمحتوي على قطع منه.
توغل الرجل في غابة الصنوبر. الطريق غير واضحة أمامه, لقد سقط مقدار قدم من الثلج منذ مرور أول زلاّجة. وبما أن حمله خفيف سر لكونه بلا زلاجة فهو لا يحمل إلا وجبة غداء ملفوفة بالمنديل.
لقد فاجأه البرد. وهو يفرك يديه وأنفه وصدغيه. لم يق شعره الطويل صدغيه وأنفه البارز المستنفر، من البرد.
كان يعدو وراء الرجل كلب أغبر ضخم لا يختلف عن الذئب في شيء. كان يحس البرد مثل صاحبه. إن غريزته كانت أصوب من فطنة الرجل، فقد عرف أن الطقس غير مناسب للسفر. كانت درجة الحرارة أكثر من خمس وسبعين تحت الصفر وبما أن درجة التجمد هي اثنتان وثلاثون فإن الحاصل يكون مئة وسبع درجات. إن الكلب لا يعرف شيئاً عن درجات الحرارة. فهو لا يدرك آثار البرد كما يدركها الإنسان، ولكنه يشعر بالغريزة أن شيئاً ما يتهدده, لذلك أخذ يراقب حركات الرجل غير المألوفة ويقترب منه ويبتعد، متوقعاً منه أن يدخل مخيماً أو ملجأ و يوقد ناراً. الكلب يعرف النار وهو يطلبها الآن ، أو أنه سينبش الثلج ويحتمي من برودة الهواء. لقد تجمد الشعر على أنفه وفكيه وخطمه، تماماً مثل لحية الرجل الحمراء. طبقة الجليد تنمو بعد كل زفرة رطبة. كان الرجل يمضغ الدخان وكان الجليد يجمد حركة شفاهه ويمنعه من تنظيف ذقنه من السائل المقذوف. لذلك كانت لحيته البلورية التي بلون الكهرمان وصلابته تزداد طولاً على ذقنه. ستتكسر مثل الزجاج إذا سقط على الأرض. لم ينتبه إلى نمو لحيته، فهو يعلم أن هذا هو جزاء ماضغي التنباك في تلك المنطقة.
لقح خرج مرتين في طقس رديء ولكن ليس مثل هذا. ولكنه علم بواسطة "ترمومتر" الروح أن درجة الحرارة انخفضت إلى الخمسين والخمس وخمسين في "سكستي ميل". واصل الرجل سيره في غابة منبسطة عدة أميال ، وقطع سهلاً فسيحاً من جماجم الزنوج، ثم هبط نحو منبع جدول صغير متجمد. وصل أخيراً إلى "هندرسن كريك" إنه الآن على بعد عشرة أميال حتى المفترق. نظر إلى الساعة ، كانت تشير إلى العاشرة, إنه يسير أربعة أميال في الساعة، لذلك فإنه سيصل إلى المفترق في الساعة الحادية عشرة والنصف، لقد قرر أن يحتفل بالوصول إلى هناك بتناول طعام الغداء.
وقف الكلب ثانية على عقبيه مرخياً ذيله وقد ثبطه ما يرى. ترنح الرجل على طول شاطئ النهر. آثار الزلاجات القديمة واضحة، أما آثار آخر الراكضين فقد غطاها الثلج. لم يجيء أي إنسان إلى هذا النهر الساكن منذ شهر. سار الرجل ولم يعد يفكر في شيء ما عدا الغداء الذي سيتناوله عند مفترق الأنهار وأنه سيصل مخيم الأولاد في الساعة السادسة. لا يصحبه أحد ليتحدث معه. ولو كان معه أحد لما استطاع بسبب لثام الجليد الذي يغطي فمه، لذلك تابع مضغ التبغ برتابة ، ولحيته الكهرمانية تزداد طولاً.
تذكر فجأة أن الطقس بارد جداً وأنه لم يعان مثل هذا البرد في حياته.
كان يفرك صدغيه وأنفه بقفا يده ذات القفاز وهو يتابع سيره. كان يستخدم يديه بالتناوب، ولكنه حالما يتوقف عن الفرك ، كان يحس بالخدر يسري في خديه ومن ثم إلى أنفه. تأكد أن أنفه سيتجمد، لذلك أسف لأنه لم يصنع دثاراً لأنفه من النوع الذي يلبسه "بَدْ" في الطقس الرديء، والذي يغطي الخدين ويحميهما. ولكن الأمر ليس هاماً. تجمد الخدين يفضي إلى وجع محمول غير خطير. هذا كل شيء.
رغم أن عقله خال من الأفكار، كان قوي الملاحظة. إنه يراقب كل تغير في النهر، ويراقب الالتواءات، والتعرجات، والأشجار التي تعترض سبيله وخاصة موضع أقدامه. وصل إلى منعطف مرة، وفجأة أجفل مثل جواد وتراجع عن المكان الذي كان يعبره عدة خطوات إلى الوراء. النهر قد تجمد حتى القاع. ما من نهر سائل في شتاء القطب. لكن هناك ينابيع في سفوح التلال تنفجر في الشتاء وتسيل تحت الثلج أو فوق جليد النهر. هذه الينابيع لا تتجمد أبداً مهما يكن الطقس. لقد أدرك خطرها، إنها مثل الفخاخ، فهي تشكل بركاً على عمق ثلاثة إنشات أو ثلاثة أقدام، وأحياناً يخفيها إنش من الجليد المغطى بالثلج وأحياناً أخرى تغطيها طبقات متراكبة من الجليد والماء، فإذا وطئها أحد غاص حتى الخصر بعد أن تتكسر تحت قدميه تلك الطبقات, لقد سمع خشخشة الجليد المغطى بالثلج تحت قدميه. لذلك أجفل منذ قليل وأحس بالرعب. إن ابتلال قدميه أمر شديد الخطورة في مثل هذه الحالة، فهو سيتأخر قليلاً لأنه سيجبر على الوقوف وإشعال نار يجفف بها جواربه وحذاءه الجلدي. أمعن النظر في حوض النهر وضفافه فتأكد أن الماء يأتي من اليمن. فكر قليلاً ثم فرك صدغيه وأنفه وانعطف نحو اليسار بخطى حذرة. تأكد من غياب الخطر فأخذ حفنة من التبغ ومضى متمايلاً بسرعة أربعة أميال.
صادف عدة أفخاخ مماثلة أثناء الساعتين التاليتين. كان للمستنقعات الدفينة مظهر بلوري ومنخفض ينبئ بالخطر. كادت المأساة تقع مرة ، ومرة أخرى اضطر إلى إجبار الكلب على السير أمامه لاشتباهه بالخطر، ولكن الكلب رفض أن يذهب. كان يحرن إلى أن يدفعه الرجل دفعاً ، وبعدئذ يمضي سريعاً عبر السطح الأبيض المستوى. سقط الكلب فجأة وتخبط، ثم ارتقى مكاناً آمناً. لقد ابتلت قوائمه وتجمد الماء عليها فوراً. حاول أن يلحس الجليد عن قوائمه، فجلس على الثلج وأخذ يعضعض الجليد الذي تخلل أظافره. فعل ذلك بدافع الغريزة. فالجليد بين الأظافر يعني تقرح الرِجْل. الكلب لا يعي ذلك، إنه يطيع الدافع الخفيّ الذي يحسه في أعماق وجوده, ولكن الرجل يعي، توصل إلى حكم على الموضوع، فانتزع القفاز وساعد الكلب على تمزيق فتات الجليد. لم يعرض أصابعه أكثر من دقيقة واحدة للهواء. استغرب سرعة سريان الخدر إليها. لبس القفاز وأخذ يضرب صدره بقوة. لا شك أن الطقس بارد.
الساعة الآن الحادية عشرة. النهار في أوج سطوعه والشمس في رحلتها الشتوية جنوباً أبعد من أن تضيء الأفق. الجبال تحجب الشمس عن نواحي نهر "هندرسون كريك" حيث يمشي الرجل ظهراً تحت سماء ضاحية ون أن يلقي ظلاً على الأرض. في الحادية عشرة والنصف وصل إلى حيث يتفرع نهر "هندرسون". فرح للسرعة التي قطع بها المسافة. إذا استمر هكذا فسيصل إلى المخيم في السادسة. فك أزرار قميصه وسحب صرة الطعام . لم يستمر ذلك أكثر من ربع دقيقة. ومع ذلك سرى الخدر في أصابعه , وبدلاً من أن يلبس القفاز أخذ يضرب ساقه بيده، ثم جلس على خشبة مغطاة بالثلج وأخذ يأكل . أدهشه زوال الألم الذي أحدثه في يده الضرب على ساقه. لم يستطع أن يأكل قطعة من البسكوت. عاود خبط أصابعه, ثم لبس القفاز ولكنه عاد وأخرج اليد الأخرى وحاول أن يأكل.
دثار الثلج على فمه، آه ...لقد نسي أن يشعل النار ويذيب هذا الدثار الملعون. ضحك من ضعف ذاكرته، وبينما هو يضحك شعر بالخدر يسري إلى أصابعه العارية، ثم شعر بالوخز الذي أصاب رجليه يتوقف. لم يعلم سبب ذلك. حرك رجليه داخل الحذاء فتأكد أنهما متخدرتان. شعر بالخوف فانتصب واقفاً ولبس قفازه، وأخذ يضرب الأرض برجليه حتى عاد الوخز ثانية. الجو بارد فعلاً. تذكر كلام الرجل الذي صادفه في "سلفر" عن برودة الطقس الشديدة في هذه المنطقة. ضحك عليه في ذلك الوقت . على المرء أن لا يكون واثقاً ثقة عمياء في أي شيء، ليس هناك من خطأ، إن الجو بارد. مشى خابطاً الأرض برجليه ومحركاً يديه في الهواء حتى أحس بالحرارة تدب في جسده. أخرج علبة الكبريت ومضى يفتش عن مكان ليشعل النار فيه. جمع بعض الأغصان الجافة التي جمعتها مياه الربيع الماضي، وبدأ يعمل حذراً فاشتعلت النار.
ذوب الجليد عن وجهه وأكل بعض البسكوت, تغلب الرجل على صقيع الجو، أما الكلب فقد تمدد قرب النار فرحاً على بعدٍ يجنب شعره ألسنة اللهب.
أنهى أكله وملأ غليونه وأخذ يدخن بارتياح. بعد ذلك لبس القفاز وأرخى حواشي قبعته على أذنيه وثبتها، ثم تابع سيره, شعر الكلب بالخيبة وعاوده الحنين إلى النار. هذا الرجل لا يعرف البرد، البرد الحقيقي، البرد في الدرجة المائة والخمسة تحت الصفر، وقد تكون سلالته كلها كذلك، إنما الكلب يعرف، وكل أسلافه يعرفون، وقد ورث المعرفة. إنه يعلم أن السير في مثل هذا الجو أمر غير مستحسن. إنه وقت الاستلقاء في وكر مريح دافئ. وقت انتظار انسحاب الغيوم التي تنفث البرد. لم يكن هناك أي تآلف بين الكلب والرجل.
الكلب عبد أمين للرجل الذي لا يتودد إليه إلا بالسوط والتهديد بالسوط. لذلك لم يكشف الكلب مخاوفه للرجل. كان هم الكلب العودة إلى النار فقط، ولا شأن له في خير الرجل ، ولكن الرجل صفر وهدد فخف الكلب إليه مترنحاً وتبعه.
الرجل يمضغ التبغ ولحيته العنبرية تنمو. أنفاسه تتجمد على شاربيه وحواجبه ورموشه . مضى نصف ساعة لم يصادف أي ينبوع في الفرع الأيسر من نهر "هندرسون".
وفجأة تكسر الثلج تحت قدميه حيث كان يبدو صلباً لا يثير أية مخاوف. تبللت رجلاه حتى منتصف الساق قبل أن يتمكن من التخلص من قشرة الجليد. لعن حظه فهو يريد أن يصل إلى مخيم الأولاد في السادسة. أما الآن فسيتأخر ساعة لأنه سيشعل ناراً ليجفف حذاءه. هذا ضروري في مثل هذا الطقس، إنه يعرف ذلك. توجه نحو قمة المنحدر الذي تسلقه وجمع بعض العشب والأغصان من تحت الصنوبر وكومها فوق الثلج. وضع أولاً أغصاناً ثخينة كي تكون حاجزاُ بين النار والثلج ، ثم وضع فوقها مِزَقاً من لحاء شجر البتولا السهل الاشتعال. قرب عود الثقاب منها فاشتعلت كالورق، وأخذ يلقم اللهب الصغير أعشاباً جافة وأغصاناً دقيقة يابسة. عمل ببطء وحذر، فهو يدرك خطورة الحالة, كان اللهب يكبر كلما ألْهمه أغصاناً أكثر. جلس فوق الثلج وأخذ يسحب الأغصان من الكومة التي تحت الشجرة إلى النار مباشرة. كان عليه ألا يفشل. فعندما تكون الحرارة خمسين درجة تحت الصفر أو أكثر، على الإنسان ألا يفشل في إيقاد النار خاصة إذا كانت رجلاه مبللتين. حين تكونان غير مبللتين يستطيع أن يركض، ولكن الحرارة لا تسترجع بالركض حين تبتلان. الساق المبتلة تزداد تصلباً في الركض...
إن الرجل يعلم هذا كله، فقد كان الرجل العجوز أخبره في "سلفر" عن مثل هذه الحوادث، والآن قد أدرك معنى نصيحته. لقد فقد الحس في رجليه الآن. إن إيقاد النار يتطلب خلع القفاز. ها هي يده تخدر. لقد أسعف سيره الحثيث قلبه في ضخ الدم إلى كافة أطرافه، ولكن القلب أوقف ضخه في اللحظة التي توقف فيها الرجل عن السير. إن الصقيع يهاجم قمة الكوكب العارية، والرجل يتلقى ضربات قاتلة فوق تلك القمة، ودمه يتراجع أمام تلك الضربات. كان دمه ، مثل الكلب، حياً ولكنه يريد أن يختبئ مثله أيضاً لينجو من هذا الصقيع الرهيب. لقد أصابه الجزْر الآن، فغرق في خلايا الجسم. كانت الأطراف أول من شعر بفقد الدم. القدم المبتلة تتجمد بسرعة، والأصابع العارية بدأت تخدر إنما لم تتجمد بعد. الخدان والأنف قد تجمدا أيضاً . الجلد يرتجف وهو يفقد شيئاً فشيئاً دمه.
لقد نجا. سيمس البرد وجهه مساً فقط. ها هو ذا يطعم النار أغصاناً في ثخانة الإصبع فيقوى اشتعالها. وبعد قليل سيطعمها أغصاناً في ثخانة الرسغ، وسيستطيع خلع حذائه الرطب، وأثناء تنشيفها، سيقرب رجله من النار ويفركها بالثلج أولاً. لقد اشتعلت النار. لقد نجا. تذكر نصيحة شيخ "سلفر" وابتسم. كان الشيخ جاداً في وضع قانون وهو : أن على الإنسان ألا يسافر وحيداً والحرارة خمسون درجة تحت الصفر. حسناً! لقد نجا رغم أنه وحده. هؤلاء الشيوخ مثل النساء-بعضهم على الأقل-يريدون فقط أن يحمي الرجل رأسه. كل رجل يستطيع السفر وحده إذا كان رجلاً حقاً. ولكن سرعة تجمد أنفه وخديه أدهشته..لم يظن أن أصابعه ستفقد الحس أيضاً بهذه السرعة.إنه لا يستطيع أن يحركها ليلتقط غصناً. أحس وكأن يده بعيدة عن جسمه وليست منه. فكلما لمس غصناً كان عليه أن ينظر ليرى فيما إذا أمسكه أم لا. لقد كانت الأغصان ملقاة بينه وبين أطراف أصابعه. هذا كله لا يهم . ها هي ذي النار تفرقع وتعده ألسنتها الراقصة بالحياة. بدأ يحل حذاءه الملبس بالجليد. الجوارب الألمانية السميكة الواصلة إلى منتصف الساق، كانت مثل صفائح الحديد ، وسيور الحذاء كانت مثل قضبان الفولاذ الملتوية المعقدة. حاول أن يسحب الحذاء ولكن دون جدوى فاستل سكيناً من جيبه، وقبل أن يقطع السيور حدث شيء . كانت خطيئته....كان عليه ألا يشعل النار تحت شجرة الصنوبر، بل بعيداً عنها، ولكنه اضطر إلى ذلك لسهولة تناول الأغصان من تحتها ورميها في النار مباشرة. لقد سقطت كتلة من الثلج كانت محمولة على غصن كبير. لم تهب رياح منذ عدة أسابيع. كل غصن كان مثقلاً بالثلج. وقد كان سحبه للأغصان يزحزح الثلج عن مكانه. لم يكن تزحزح الثلج ملموساً من قبله. لقد أدى توالي عملية السحب إلى هذه الكارثة.
لقد انهار الثلج عن أحد الأغصان وسقط على النار، وتوالى انهيار الثلج عن الشجرة كلها، ووقع فجأة على الرجل والنار التي انمحى كل أثر لها، وحل محل اشتعالها غطاء من الثلج الناعم المتناثر.
صدمته الحادثة، فقد كانت أول كلمة يسمعها من الموت. نظر إلى مكان النار المنطفئة قليلاً ، ثم هدأت حركاته. قد يكون شيخ "سيلفر" محقاً . لو اصطحب أحداً في رحلته لنجا من الخطر. الرفيق يوقد النار في مثل هذه الحالة . حسناُ! عليه الآن أن يوقد النار ثانية، ويجب ألا يفشل. وحتى لو نجح في ذلك فإنه سيخسر بعض الأصابع. لقد تجمدت قدماه تماماً الآن، وسوف يمر وقت حتى تشتعل النار. خطرت هذه الأفكار بباله وهو منهمك في عمله. صنع قاعدة جديدة للنار بعيداً عن الأشجار الغادرة التي يمكن أن تطفئها أحداهن، ثم جمع أعشاباً جافة وأغصاناً دقيقة وقصيرة. لم يستطع أن يلتقطها بأصابعه، بل جمعها أكواماً بين ساعديه، فحصل بذلك على أغصان غضة وطحالب غير مرغوب فيها. كان هذا أفضل ما يستطيع أن يفعله.
اشتغل بانتظام، وجمع أيضاً كومة من الأغصان الكبيرة ليلقم النار بها بعد أن تقوى. الكلب جالس يراقبه وعلى وجهه رغبة ملحة. كان ينظر إليه على أنه موقد النار، ولكن النار بطيئة القدوم. بعد أن هيأ كل شيء ، بحث عن قطعة من لحاء التنوب في عبه. كان يسمع خشخشتها وإن لم تحس بها أصابعه. عجز عن الإمساك بها، وكان يعلم أن كل لحظة تفوت تزداد ساقاه تجمداً . آلمته هذه الفكرة ولكنه احتفظ بهدوئه. سحب قفازيه بأسنانه وأخذ يضرب جبينه بكل قوته. فعل ذلك وهو جالس، ثم وقف، بينما الكلب جالس فوق الثلج وقد التف ذيله الذئبي حول ساقيه على نحو يوحي بالدفء، وشخصت أذناه وهو يراقب الرجل. أما الرجل ، فقد أحس وهو يضرب جسمه بيديه، أحس بالغيرة إذ رأى الحيوان الدافئ الآمن في دثاره الطبيعي.
بعد فترة قصيرة وصلت إلى الرجل إشارات بعيدة عن عودة الإحساس إلى أصابعه المضروبة. قوي الوخز الضعيف، وتحول إلى خريز مؤلم جداً رحب به الرجل راضياً. خلع قفاز يده اليمنى وقرب لحاء التنوب من النار، أحس بالخدر يسري سريعاً في أصابعه. تناول حزمة الكبريت، ولكن البرد الهائل كان قد طرد الحياة من أصابعه. حاول أن يفصل عوداً من أعوادها، فسقطت الحزمة على الثلج. حاول أن يلتقطها ولكنه فشل. الأصابع المتجمدة لا تستطيع اللمس ولا القبض، كان حذراً جداً . صرف تفكيره عن أطرافه المتجمدة وأنفه وخديه وركز انتباهه على أعواد الثقاب.راقب حركة أصابعه ، فكلما اقتربت من الأعواد حاول ضمها، ولكن الأصابع لم تطعه، ألبس القفاز اليد اليمنى وراح يخبط ركبته بعنف ثم أخذ باليدين، وهما في القفازين، أعواد الثقاب وطرحها على حضنه مع فتات من الثلج، ورغم ذلك فالأمر لم بتحسن.
قرر أن يمسك الحزمة بين كفيه، ويرفعها إلى فمه. عندما فتح فمه أخذ الثلج يتفتت عن ذقنه وشاربيه. قدم فكه السفلي، وطوى شفته العليا، ثم كشط الحزمة بالأسنان العليا محاولاً أن يفصل عوداً من أعوادها. نجح أخيراً في فصل عود فرماه على حضنه ولكنه عجز عن التقاطه باليد، فالتقطه بالأسنان ومرره على حذائه بشدة فاشتعل ولكن بعد عشرين محاولة. قرب العود المشتعل من لحاء التنوب ولكن دخان اشتعاله دخل في فمه وسبب له سعالاً متقطعاً مما أدى إلى وقوع العود على الأرض وانطفائه.
كان شيخ "سلفر كريك" محقاً. فكر في تلك اللحظة وقد ضبط يأسه. على الرجل أن يسافر في صحبة رفيق عندما تكون درجة الحرارة أكثر من خمسين تحت الصفر, أخذ يضرب جسمه بيديه. لم يحس بشيء. نزع القفازين بأسنانه فجأة وقبض على الحزمة بيديه، ساعده عضل الساعدين غير المتجمد على ضغط كفيه على الأعواد، ثم أخذ يمرر الحزمة كلها على حذائه. خمسون عوداً اشتعلت دفعة واحدة، فتوهجت في لحظة كانت الريح فيها هادئة فلم تنطفئ. أمال رأسه جانباً كي يتجنب الغاز الخانق، وقرب الشعلة من قطعة اللحاء الرقيق. وبينما كان يحملها شعر بلحمه يحترق، إنه يشم الرائحة. لقد تحول الشعور إلى ألم لا يطاق، ألم أحس به عميقاً تحت السطح. تحمل ذلك، لم تكن النار تصيب اللحاء فقط، بل كانت يداه المحترقتين تعترضانها وتأخذان قسطاً أكبر من النار.
فقد القدرة على التحمل. تباعدت يداه وسقطت الأعواد مهسهسة فوق الثلج.
لم تذهب محاولته سدى، فقد اشتعل اللحاء. كان يجب أن تبقى مشتعلة، لذلك أخذ يزودها بما يجمعه من أغصان يلتقطها بأطراف يديه. كان يزيل الأغصان الغضة والطحالب الرطبة بأسنانه. آه إن النار تعني الحياة، لذلك حافظ عليها بحذر وارتباك. إن انسحاب الدم من سطح جسده جعله يرتجف ويزداد ارتباكاً. يجب أن لا تنطفئ النار.
يا للحظَ! لقد سقطت الآن طحلبة خضراء على النار. حاول أن يبعدها بأصابعه ولكن كيانه المرتجف فرق نواة النار الصغيرة، الأعشاب والأغصان الدقيقة المشتعلة تباعدت وتبعثرت. لم يستطع أن يجمعها رغم الجهد العظيم الذي بذله . كان يرتجف بشدة. كل غصن أصدر نفثته وانطفأ. وهكذا فشل في إشعال النار.
تلفت حوله يائساً، فوقعت عيناه على الكلب المقعي إزاءه قرب أنقاض النار.حركات الكلب قلقة ومتوجسة. كان يرفع قوائمه بالتناوب ويراوح بينها متلهفاً. خطرت ببال الرجل فكرة غريبة. تذكر قصة رجل داهمته عاصفة ثلجية فقتل عجلاً واندس في جثته، وهكذا نجا من الموت. فلماذا لا يقتل الكلب ويدس يديه في جلده الحار. سيزول الخدر حتماً ويستطيع بعد ذلك إشعال النار مرة أخرى
دعا الكلب دعاء ينم على خوف غريب مما جعل الكلب يرتعب. لم يعهده بهذا الصوت، فاستشعر الخطر، طبيعته النزاعة إلى الشك استشعرت ذلك، وإن لم يحدد نوعه، ولكن في مكان ما، وعلى نحو ما. خوّفه دماغُه من الرجل. بسط أذنيه وازدادت حركاته اضطراباً وتوجساً وأصبحت مراوحته بين ساقيه حركة ملحوظة. لم يتقدم صوب الرجل . لذلك أخذ الأخير يزحف صوب الحيوان الخائف. هذا الوضع غير العادي أثار شكوك الكلب، فابتعد بخفة عنه.
انتصب الرجل أخيراً على رجليه، وحاول جاهداً أن يهدئ نفسه. لبس قفازيه مستعيناً بأسنانه ، ونظر حوله كي يتأكد من انتصاب قامته. فقدان الحس في رجليه جعله يشعر كأنه مفصول عن الأرض. تبددت مخاوف الكلب عندما رأى الرجل منتصباً، وعاد إلى طاعته المعتادة حين سمع صوت التهديد بالسوط.
اقترب من الكلب قليلاً ففقد سيطرته على نفسه، فمد ذراعيه نحوه، ولكنه اكتشف أنه لا يقدر على إلقاء القبض عليه. كان قد نسي أن يديه قد تجمدتا منذ وقت طويل، حدث هذا كله قبل أن يتمكن الكلب من الابتعاد. ثم انقض على الكلب وطوقه بذراعيه، ثم جلس على الثلج لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك. أنّ الكلب عوى وحاول الإفلات من قبضة الرجل. أدرك الرجل أنه لا يستطيع قتل الكلب، ما من سبيل إلى ذلك، إن السكين تحتاج إلى أصابع وعملية القتل تحتاج إلى قوة عضلية. أطلق سراح الكلب فابتعد مهتاجاً وذيله بين ساقيه ونبح ثم توقف على بعد أربعين قدماً وهو ينظر إلى الرجل بعينين مستغربتين وأذنين شاخصتين إلى الأمام.
كانت دهشة الرجل عظيمة حينما اضطر إلى النظر إلى يديه ليعلم فيما إذا كانتا معلقتين أم في جيبيه. أخذ يضرب جنبيه بعنف حتى أحس بالدم يسري في عروقه ويوقف ارتعاد جسمه.
ما من إحساس استيقظ في يديه، فحاول أن يوقف الشعور بأن يديه معلقتان كالثقلين بذراعه، فلم ينجح. رهبة الموت خيمت عليه جائرة وكليلة. إنه في مأزق بين الحياة والموت. فالمسألة ليست الآن مجرد تجمد أصابع أو فقدان أطراف. أثر الصقيع شمل جسمه كله. أخذ يركض مذعوراً على طول النهر والكلب يبتع خطاه التي لا تسير في اتجاه محدد. الهلع الذي أصابه ما أحس به طوال حياته . بدأ يرى الأشياء في بطء وهو يتخبط متعثراً فوق الثلج: الأشجار، السماء، والحور العاري، وضفاف النهر. زالت الرعدة فشعر الرجل بالتحسن، إذا تابع الركض فستدفأ قدماه، وسيصل المخيم أيضاً إذا ركض طويلاً. قد يخسر بعض الأصابع وقسماً من وجهه، ولكن الأولاد سيعتنون به وينقذون البقية منه. ولكن المخيم بعيد ، والصقيع تغلغل في جسمه. سيتجمد لا محالة ويموت. حاول أن يطمس هذه الفكرة ولكنها كانت تقتحم ساحة تفكيره فيردها ويحاول التفكير في أشياء أخرى.
لقد استغرب كيف أنه يستطيع أن يركض على قدميه المتجمدتين، وكيف أنهما يستطيعان حمل ثقل جسمه، بينما لا يحس بهما وهما تدبان على الأرض. بدا لنفسه كأنه ينزلق على السطح، وأصبح يحس بانفصاله عن الأرض. لقد شاهد الزئبق مرة وهو ينزلق على سطح. أترى الزئبق أحس كما يحس هو الآن؟ إن فكرة الركض للوصول إلى المخيم فكرة خاطئة. فهو الآن يفقد القدرة على التحمل. ها هو ذا يتعثر في سيره ويسقط متلاشياً على الأرض. حاول أن ينهض ففشل. كان عليه أن يجلس ويستريح ثم يتابع السير. استعاد أنفاسه وشعر بالدفء والراحة. لم يعد يرتجف. شعر بوهج حام يسري في صدره وجذعه، فلمس أنفه وخديه، ولكنه لم يحس بشيء. إن الركض لم يكن ليبعث الدفء في قدميه ويديه. بدت له أطرافه المتجمدة، كأنها تتمدد. حاول أن يشغل نفسه بالتفكير بأشياء أخرى، ويتناسى الهلع الذي يسببه وضعه الحالي، لكن الإحساس بالخوف كان قوياً حتى أن صورة الموت تجمداً وضحت في خياله تمام الوضوح. كان هذا لا يطاق، لذلك ركض كالمسعور في الطريق. كان يخفف سرعته ولكن فكرة التجمد كانت تدفعه إلى متابعة الركض.
كان الكلب يركض إلى جانبه. سقط مرة فلف الكلب ذيله حول ساقيه وركز نظره مستغرباً مستطلعاً. إن اطمئنان ودفء الحيوان أثارا غضبه. الكلب أسبل أذنيه باستكانة عند سماع كلمات الشتم. استولت على الرجل رعدة عنيفة هذه المرة. إنه يتقهقر في معركته مع الصقيع الذي يزحف من كل الجهات على جسده. فكرة الموت جعلته يركض مائة قدم، لكنه ترنح وسقط. هذا هو الرعب الأخير . عندما التقط أنفاسه وسيطر على أعصابه، وقف وأخذ يوطّن نفسه على لقاء الموت في نبل وجلال. ولكن الأمر لم يكن كذلك . فقد كان مثل ديك يفرفر وهو مقطوع الرأس، هاهي صورة الموت التي خطرت له. حسناً ، كان مضطراً للموت في الصقيع وعليه أن يواجه الموت بلباقة. هدأت الأفكار المضطربة ودبّ النعاس في جفنيه. ما ألذّ النوم في أحضان الموت! إنه مثل التنويم، ليس التجمد سيئاً كما يتصوره الناس . هناك أشكال عديدة للموت أسوأ منه.
تصور الأولاد وهم يبحثون عنه، ويجدون جثته ملقاة على الثلج. تصور نفسه يبحث، ويقف، وينظر معهم. سيكون خارج نفسه عندئذ، لا يمتّ إليها أبداّ، بل يقف معهم وينظر إلى جثته. كان الطقس بارداً حقاً. سيخبر الناس في الولايات عن قسوة هذا البرد إذا عاد. خطرت صورة رجل "سلفر" بباله. رآه بوضوح يدخن غليوناً، ناعماً بالدفء والارتياح. تمتم مخاطباً إياه: أنت على حق أيها العجوز، أنت على حق.
غرق الرجل في غيبوبة ما ذاق ألذ منها في حياته. جلس الكلب إزاءه ينتظر, والنهار يقترب من نهايته في غسق طويل بطيء. ليس من نار مشتعلة في تلك البقاع. جثم الظلام فاشتاق الكلب إلى النار. لم يعهد في حياته رجلاً يجلس فوق الثلج هكذا دون نار. حرّك ساقيه وأنّ أنيناً خافتاً ثم أسبل أذنيه منتظراً تعنيف صاحبه. ولكن الرجل ظل ساكناً. نبح الكلب نباحاً عالياً بعد ذلك، ثم زحف صوب الرجل والتقط رائحة الموت. تراجع الكلب خائفاً. لم يمكث طويلاُ هناك، نبح تحت النجوم الراقصة في السماء الباردة، ثم استدار أخيراً وركض عبر الطريق المؤدي إلى المخيم الذي يعرفه، حيث يوجد هناك أناس آخرون يقدمون الطعام ويوقدون النار.





مأثرة التاريخ بين يديك
عمران
* سيد أنت إذا أعملت فكركْ
وإذا أصغيت للتاريخ دوماً شد أزركْ
لا تضع في قبضة الأقدار أمركْ.
قامة من نار أنت وقد كتبت اليوم سِفركْ
أنت مهد الحقّ هلّا قد جعلت الحق بِكْرَكْ
لا تسرْ في موجة الوهم إذا ما الوهم غرّكْ
قدر أن نجعل الدنيا ربيعاً فتحرّكْ
فَلَك الآتي إذا قاومت والكون تأمركْ
ليتني أبقى لألقاك وقد أعلنت نصركْ.
* زمن الأحرار لا يولد إلّا في الظلامْ
أنت ربّ للزّمان
في الزمان الصعب فالأبطال فرسان الكلامْ
شعلة الحق على راياتهم، رمزُ السلامْ
لا يسيرون برغم الريح إلّا للأمامْ
هذه الأرض لنا ليست لقطعان الطَّغامْ
هم أرادوا جعلها مثل الجحيمْ
وبنو النور أرادوها كجنّات النّعيمْ
* هُم أرادوها سجوناً وقبورا
وبنوها عاهدوا أن تضحك الأرض حبورا
فبرغم القهر والجوع وأعداء الحياةْ
سوف يبقى من لهم حقّ الحياةْ
في متاريس الصمودْ
لبني الإنسان هذي الأرض ليست للقرودْ
* منذ فجر الخلق كانت قصة الإنسان توقاً للحياةْ
وصراعاً بين من لا يملكون
والذين امتلكوا كي يصبحوا القومَ الجُناةْ
إنّما الفجر الجديد المرتجى
صفة الثوار في كل زمان
بزنود من حديدْ
وعقول فجّرتْ في الليل أنوار الصّباحْ
لتكون الأرض مهداً للأمانْ
* كلُّ من يعمل في صنع تواريخ الشعوبْ
يشرب الموت ولا يخشى الدروبْ
فعليّ وأبو ذرّ وكلُّ الثائرين
في ديار الشرق والغرب وفي كل زمانْ
ودعاة الثورة الكبرى لوأد الظلم في كلِّ مكانْ
رسموا بالأحمر القاني دروب النور
ما وَهَنَتْ عزائمهم ولا كلّتْ سواعدهمْ
فلا يُحزنك هذا الجمع، فيه عجائب الدنيا
هناك اليائس الواهي، ومن أفسده الدهرُ
هناك أخو جهالات ومن دانت له الدنيا
فلا يُحزنْك أَنْ عجزوا وأنْ سقطوا
دروب البذل ضيّقة وأنت السالك الفَردُ
غداً يتعاظم الجمع، وصوت الحق يرتفعُ
فنعم المرءُ أنت، فأنتَ
نبراس سيُتَّبَعُ.


























فهرست
*-افتتاحية العدد:
" نقد مفهوم "العولمة"وظروف ظهور المفهوم __
*- المقالات:
1- كلمة الأستاذ الدكتور سمير أمين بمناسبة منحه جائزة ابن رشد للفكر الحر 2009.
د. سمير أمين: " الأزمة: الخروج من أزمة الرأسمالية أم الخروج من الرأسمالية المتأزمة!" ________________________________
2- د. غريغوار مرشو: " قراءة معاصرة لابن خلدون " ________________________________
*ملف العدد:
حول الإمبريالية؛ نصوص مقترحة لطاولة مستديرة ، مع وقائع ندوة حوارية____________________
أ- نجيب رومية: " حول كتاب لينين: "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية- وصف مُبسّط"___________
ب- نايف سلّوم: " حول الإمبريالية الجديدة ؛ استعراض الأدب الاقتصادي/ السياسي الماركسي بعد الحرب العالمية الثانية"___________________________
ج- محمد سيد رصاص: " من "الإمبريالية" إلى العولمة""__________________________
د- معتز حيسو: "حول الإمبريالية" __________
* وقائع الندوة الحوارية حول الإمبريالية______
*- قراءة في كتاب:
نذير جزماتي:" فخ العولمة؛ الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية" ________________________
*- باب الترجمة:
"العمل المغترب" لكارل ماركس. فصل من المخطوطات الاقتصادية و الفلسفية ( 1844 ). ترجمة مازن كم الماز _______________________________
*- ركن الأدب:
1- جاك لندن: " إشعال النار" ____________
2- عمران: " مأثرة التاريخ بين يديك "______
5- فهرست: ______________________



#تجمع_اليسار_الماركسي_في_سورية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريق اليسار - العدد 20: أيار/ 2010 /
- طريق اليسار - العدد 19: آذار/مارس 2010
- طريق اليسار - العدد 18: كانون الثاني 2010
- طريق اليسار ملحق العدد 17
- طريق اليسار العدد 17: كانون الأول 2009
- نعوة مناضل - الرفيق سهيل الشبلي المدلجي
- طريق اليسار - العدد 16: تشرين الأول 2009
- جدل - العددالسادس - تشرين الأول2009
- جدل - العدد الخامس- أيار2009
- طريق اليسار - العدد 15: سبتمبر/ أيلول 2009
- طريق اليسار - العدد 14: تموز 2009
- طريق اليسار - العدد 13: حزيران 2009
- طريق اليسار العدد 12: أيار 2009
- طريق اليسار - العدد11، مارس/ آذار ، 2009
- مشروع المهمات البرنامجية المرحلية
- جدل - مجلة فكرية-ثقافية-سياسية - العدد(4)-شباط2009
- طريق اليسار العدد 10: شباط
- طريق اليسار - العدد / 9 /: كانون الأول/ 2008
- طريق اليسار - العدد الثامن: تشرين الثاني 2008
- طريق اليسار - العدد السابع- سبتمبر/ أيلول2008


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - تجمع اليسار الماركسي في سورية - جدل - العدد 7 أيار / مايو 2010