أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - معتز حيسو - أزمة اليسار : فكر أحادي واقع مستعصي















المزيد.....


أزمة اليسار : فكر أحادي واقع مستعصي


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 3044 - 2010 / 6 / 25 - 20:30
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


إن الحوار حول أزمة اليسار يفترض بداهة مشاركة الأطراف والقوى المتعيّنة واقعياً، لكن ما يطفو على السطح هو إسهامات نقدية على المستوى الشخصي لمثقفين خارج الأطر السياسية، مما يعني بأن الجهات التي يفترض بها أن تقوم بدراسة أسباب أزمة اليسار ما زالت خارج الحوار. و رغم أهمية ما يدور من حوارات فردية لمثقفين مستقلين ومستقيلين عن الحراك السياسي المنظم والمؤطر، فإنه لم يزل يدور في إطار البحث في سطح ظواهر الأزمة المتجددة، وعلى قاعدة ذات الأزمة. مما يعني بأن من يتنطح لبحث أزمة اليسار ( على المستوى النظري ، المنهجي، السياسي) يعاني من انعكاس مفاعيل الأزمة على ممارسته الإبستمولوجية( نظرية المعرفة تتناول: حدود وصدق وأصل وطبيعة ومصدر المعرفة البشرية) والسياسية. وهذا يعني ضرورة الدراسة النقدية للأدوات المعرفية الماركسية التي من خلالها يتم نقد أزمة اليسار، وإعادة تحديد آليات البحث النظري( البراكسيس) في سياق التطور الاجتماعي العام، أي أن المدخل لنقد الأزمة يجب أن يمر من بوابة نقد المفاهيم والقوانين المحددة للممارسة السياسية والنظرية.إذ لا يمكن أن يتم علاج واقع سياسي/ نظري مأزوم بذات الأدوات المعرفية المأزومة، ومن خلال منظور تجارب سياسية مأزومة أيضاً. وهذا يدلل على تقاطع أزمة الفكر مع أزمة الواقع وتناقضاته التي عليها تتعيّن الممارسة السياسية،إذ لا يمكننا أن نحصر أزمة اليسار بكونها أزمة وعي، رغم أنها بجانب مهم هي كذلك، لكن عندما يتخلف الوعي/ الفكر، عن حركة الواقع يجب أن نبحث عن سبب الأزمة ليس في مستوى الوعي وأشكال تجلياته ولا في حقل إنتاج الفكر، بل في المسافة الفاصلة بينه وبين الواقع، أي في حقل النشاط الاجتماعي، وتحديداً في الحقل السياسي. وفي هذا المستوى يجب أن نحدد الأطراف السياسية وغير السياسية المحددة لسياق الإنتاج النظري، والمتحكمة بالحراك السياسي والاجتماعي،والتي تقود عملية التغيير.. . ويمكننا أن نلاحظ في سياق البحث كيف تتقاطع الأزمة في مستويات: العقل النظري وأدواته المعرفية، مع الممارسة السياسية، مع الواقع السياسي والاجتماعي الذي في إطاره يتجدد اليسار ويتحول ويتغير بعيداً عن حامله الاجتماعي. وكيف تنعكس هذه المستويات في تشكيل بنية ونمط تفكير التشكيلات اليسارية بكافة تموضعاتها السياسية.
إن أولى إشكاليات الوعي النظري الذي يتم على أساسه نقد الحركة الشيوعية بأشكالها القديمة والمتحولة،هو إخراج المنظومة المعرفية الماركسية التي تجلّت وتعيّنت سياسياً بأشكال ومستويات متنوعة من دائرة النقد. إن نقد تجارب الحركة الشيوعية الرسمية وغير الرسمية التي تحولت في سياق الممارسة السياسية إلى مستوى فكر نظري متعيّن سياسياً، يتم بدلالة أدوات نظرية وسياسية ماركسية تشكلت في إطار أزمة لم يستطع اليساريون في سياقها تحويل الماركسية لقوة مادية تغييريه. بذات اللحظة التي لم يتم إخراجها من وضع تاريخي( سياسي، اجتماعي، اقتصادي) يحتجز تطورها وانبساطها اجتماعياً وسياسياً. ويتقاطع احتجاز تحويل الماركسية إلى قوة تغيير في مستويين موضوعي وذاتي/ عام وخاص. لهذا لا يمكننا فصل الفكر في سياق الممارسة النظرية عن حاملها المادي، وتحديداً عندما تتشكل فجوة بين بنية الفكر ومقدماتها النظرية كقوة جامعة، وبين تشكلّه السياسي والنظري واقعياً. في هذا المستوى بالذات يجب البحث عن التناقضات الإشكالية التي تكتنف الفكر النظري وتمنع تحويله لمشروع تغيير اجتماعي في حقل النشاط الاجتماعي/ الإنساني.
في بحثنا أسباب أزمة اليسار التي تتهدد استمرار أشكال تجلياته الراهنة، مثلما تتهدد سلطة منظري ومفكري اليسار، تتقاطع عدة مستويات أولها: منهج التحليل وأدواته النظرية. ثانياً: الوضع السياسي والاجتماعي. ثالثاً: الممارسة الإبستمولوجية . رابعاً: آليات دراسة ونقد تجارب الحركة الشيوعية.
أولاً: أن تشكّل الممارسة النظرية لحملة الوعي الماركسي تم في سياق محاولة امتلاك منهج وأدوات التحليل النظري والسياسي الماركسي في فضاء أيديولوجي سوفيتي تأملي مبسط يتوافق مع بنيتنا العقلية الموروثة الفاقدة للعقل الفلسفي الجدلي النقدي. ليتشكل في لحظة الممارسة السياسية بكونه وعي نظري وسياسي مأزوم يعيق تحويل الفكر لقوة تغيير اجتماعي، لتبقى في حيز شعارات محتجزة وعاجزة عن تجاوز الأوضاع الراهنة نقداً واستغراقاً لافتقادها الحامل المادي. ليتحول الوعي الماركسي( الأحزاب الشيوعية الرسمية بشكل خاص) في فضائه السوفيتي إلى أحد ملحقات البرجوازية المسيطرة، ومدافعاً عن مشروعها السياسي والطبقي والاجتماعي، حتى بعد فشلها التاريخي في إنجاز مشروعها الاجتماعي،الوطني الديمقراطي.وانقلابها عليه، و تخليها عن البعد الاجتماعي في مشروعها الاقتصادي، وتحولها إلى الليبرالية الاقتصادية المتناقضة بنيوياً مع مصالح أوسع الفئات الاجتماعي. وترابط مع هذا التحول تجفيف منابع الحراك السياسي والمدني، وتجريف تربته، دون أن تتخلى عن اعتمادها على المؤسسة الدينية التي تشكل الغطاء الشرعي والتبريري لممارستها السياسية. وبعد كل التحولات السياسية والاقتصادية المتناقضة مع مضامينها الاجتماعية، ما زالت الأحزاب الشيوعية الرسمية تشكل دعامة أساسية لاستمرار بقاء سلطة برجوازية تقوقعت وتكلست في ممارستها السياسية في مستويين: الأول:النضال المطلبي بأشكال مشوهه ومستويات مقزومة. والثاني: دعم قيام نظام ديمقراطي برجوازي.إذاً: يتحدد الوعي الأيديولوجي الشيوعي الكلاسيكي على قاعدة التكيف مع الواقع السياسي الراهن والدفاع عنه،وإهمال تطوير الصراع الطبقي من أجل التغيير، حتى بعد أن أثبت التطور التاريخي تكيّف واندماج البرجوازية الليبرالية المأزومة بالإمبريالية الرأسمالية.
ثانياً: سيادة الوعي الماركسي نصي صوري لا يخضع للنقاش والتمحيص والنقد. بل يتم الأخذ به كمسلمات مطلقة تحولت في إطار بنية الوعي العقائدي (الديني التقديسي الإطلاقي) الذي يحدد الوعي الاجتماعي العام، ليتلاشى في سياق بنية الوعي الاجتماعي المسيطر وأشكال تجلياته المختلفة والمتباينة،أهمية إدراك الواقع علمياً ودور اليسار الماركسي بكونه قوة تغييريه.
ثالثاً: تحويل المنهج الماركسي المادي لفكر أحادي يقوم على احتكار الحقيقة وتكفير الأخر ووضعه في خندق الارتداد والخيانة، من منظور أحادي متناقض مع أبسط المعايير الديمقراطية في حرية التفكير والتحليل والممارسة النظرية السياسية، ويتفاقم على ذات القاعدة انتفاخ وتضخم الذات، بأشكال مرضيّة ومبتذلة وسطحية لا تعبر عن جوهر وبنية الفكر الماركسي، وتتناقض مع الموضوعية التي يجب أن يتّسم بها حملة الفكر الماركسي.
= الوضع السياسي والاجتماعي: فيما يخص الواقع الاجتماعي العام /الكلي، فإنه يخضع لأزمة عامة مركبة ( سياسية اجتماعية اقتصادية)، والأزمة بشكل أدق، يمكن أن نحددها بكونها أولاً: أزمة معارضات سياسية بكافة مستوياتها وأشكالها، وإن كانت تتجلى بكونها نسبية، والسمات العامة لهذه المعارضات (التماهي مع الوعي الأحادي والشمولي لسّلط السائدة، ومع آليات ممارستها السياسية النابذة للتنوع والتعدد والديمقراطية،عدم تجذّرها في القاع الاجتماعي لأسباب ذاتية وموضوعية،غياب الحاضن الاجتماعي الذي يشكّل الحامل الموضوعي لأي مشروع سياسي..). ثانياً:أزمة سلطات سياسية استبدادية شمولية تحتكر الممارسة السياسية وتقمع الحريات المدنية والسياسية باستخدامها قانون الطوارئ الذي يحجب المؤسسات القضائية والقوانين المدنية، وبذات اللحظة تحتجز السياق الموضوعي للتطور الاجتماعي وتتحكم في ميوله العامة بأشكال تؤبد استمرار سيطرتها الطبقية في إطار التكيّف مع المتغيرات العالمية، وبمستويات وأشكال تحددها مراكز صنع القرار الخارجية، بذات اللحظة التي تعجز فيها عن النهوض بمهامها التنموية الاقتصادية والبشرية..
ثالثاً: أزمة مجتمعية تتجلى من خلال أزمة وعي اجتماعي يتماهى مع وعي سلطوي سائد يميل نحو الفردية والتذرر( الخلاص الفردي). تنامي الأصولية السلفية والتحلل القيمي والفساد المقونن ومظاهر الترف والاستهلاك المبتذل في ذات اللحظة التي يتقاطع فيها مع تنامي ظاهرة تسليع الإنسان ووعيه. وتتقاطع هذه المظاهر مع بقاء غالبية الفئات الاجتماعية في كنف المؤسسات الرسمية ( النقابية، السياسية، الطلابية.. ).هذا المظاهر وغيرها نتاجاً لسلط سياسية مأزومة سياسياً واقتصادياً، وتنعكس هذه النتائج على الواقع الاجتماعي وتحدد تجلياته. وهذا يساهم في ظل هيمنة ثقافة الخوف الناجمة عن استخدام مقونن لآليات القوة الرمزية والعارية في ضبط وتكييف الوعي الاجتماعي، في تعميق انحطاط وتراجع الوعي السياسي، واستقالة اجتماعية عن الممارسة السياسية، أي استقالة الفرد عن ممارسة دوره في التغيير الاجتماعي والسياسي. إن المناخ السياسي العام الذي تتراكب فيه الأزمة بمستوياتها الثلاثية، يجعل من أي ممارسة سياسية أو مدنية، ظاهرة نخبوية تأملية عقيمة غير قادرة على تحريك الركود السياسي والانحدار الاجتماعي. لذلك يمكننا القول بأن تطور الواقع الاجتماعي وحركاته السياسية محتجز نسبياً بفعل الآليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمارسها السلط السياسية.
== منهج التحليل وأدواته النظرية: تشكلت المنظومة المعرفية الماركسية بكونها منهج تحليل ماكروي( كلي) شمولي، تستوعب وتستغرق كافة الأدوات النظرية والمعرفية والعلمية،و التطورات الاجتماعية والتحولات السياسية والنظرية والمعرفية والعلمية... بعيداً عن مفهوم التضايف،(كون المنظومة الماركسية مكتفية بذاتها وبأدواتها ومنهجها المادي في التحليل، هذا ما يحاول تكريسه غالبية المنظرين الماركسيين العقائديين، محولين بذلك الماركسية لنص ديني مقدس )، لتتحول في سياق التباين والتنوع الذي يتعيّن واقعياً إلى مذاهب أحادية جامدة تناقض وتخالف التطور الاجتماعي، وتتخلف عنه بدل أن تستوعبه وتستغرقه في سياق سيرورته التطورية الارتقائية. لذلك يتم العمل على تحويل الواقع الاجتماعي بمستوياته السياسية والاقتصادية إلى مجال لتطبيق المفاهيم والقوانين الماركسية، بدل أن تكون الممارسة السياسية والنظرية بدلالته ودلالة تطوراته وتغيراته الأغنى من كافة المناهج والأدوات النظرية. إذ كما بات واضحاً فإن الممارسة النظرية والسياسية لقوى اليسار ومنظريه تقوم على مبدأ الحتمية والثنائيات المتنافرة والمتضادة والمتصارعة، يتم فيه تحويل المجتمع لساحة صراع،تحاول قوى اليسار جاهدة التحكم بها واحتكار تمثيل قواه الفقيرة والمهمشة. ليغيب عن ممارستهم السياسية والنظرية في سياق تحولهم لطوائف وفرق فكرية متصارعة ((الفرقة الناجية التي تدعي التمثيل الحقيقي والمطلق للماركسية، وكونها وريثة التراث التاريخي للطبقة العاملة/ التي يتلاشى دورها نتيجة لتغير التركيب العضوي لرأس المال/ ووعيها الطبقي / الذي يتعين بدلالة وعي اجتماعي مأزوم))على قاعدة العقل الديني الأحادي مبدأ الحوار الذي يجب أن يقوم على قاعدة الاعتراف بالأخر، والابتعاد عن الانغلاق والجمود العقلي القانع والمقتنع بامتلاكه الحقيقة المطلقة والقراءة الحقيقية للماركسية التي على أساسها يقرأ الواقع بطريقة ستاتيكية سكونية، وعلى هذا الأساس تتجلى الممارسة السياسية بكونها ممارسة شكلية ترتكز على تحويل الفكر لسلطة هيمنة وسيطرة واستبداد، لتتحول هي ذاتها في ذات السياق لسلط استبدادية تحتكر في دوائرها المغلقة والمفرغة على قاعدة اجترار ذات المشاكل بذات الأدوات والمفاهيم، الأدوار وإلصاق التهم الشخصية والسياسية والنظرية بالأطراف الأخرى،وتدور في حوار مغلق لانهاية له حول مفهوم الهوية والثنائيات المتقابلة والمتناقضة، والحتمية التاريخية للتطور البشري (رغم مخالفة واقع التطور لتصورات وتحليلات منظري اليسار الذين يتوهمون امتلاكهم المطلق للمنهج المادي للتحليل وأدواته النظرية). ويتناسى هؤلاء المنظرين بأن التطور التاريخي لا تحكمه مقولات ومفاهيم مغلقة ونصوص جامدة، بل يتحدد على أساس حركة البشر وميولهم الموضوعية ومصالحهم المادية،التي تحددها موازين القوى الاجتماعية والكتل البشرية الرئيسية. إن العلاقات الاجتماعية التي تتعين في سياق التطور الاجتماعي يحكمها التداخل والتشعب والتنوع والتنابذ والصراع...،بعيداً عن النوازع الفردية والأوهام الإرادوية والرغبات والأحلام. أي الارتباط بحركة الواقع والمجتمع على قاعدة استقراء الظروف الاجتماعية والسياسية وميولها التطورية، وصياغة منظومة فكرية سياسية تساهم في التغيير، بعيداً عن التمسك بمفاهيم تلوي عنق الواقع وتطوره الاجتماعي من منظور أحادي(( تنويه:قد تنطبق هذه الملاحظات على غالبية الأيديولوجيات وتجلياتها السياسية، وليس على اليسار فقط)).و لكون القوانين الماركسية تفيد في قراءة الواقع وإدراك صيرورته الموضوعية نقول في هذا السياق بأن الاشتغال فيها وعليها يجب أن يكون مفتوحاً، و على أساس الإمكانية وليس الجبرية والحتمية، ويتجلى هذا من خلال التحول من الواحد، المجرد،المشخص..التي يعبّر عنه القانون،إلى التعدد،الكثرة التي يعبر عنها الواقع المتنوع الذي يفترض الانضباط والمنهجية في سياق التحول من الواحد إلى الكثرة(الواقع المتعيّن) والعكس ( التجريد النظري) وبذات اللحظة من البسيط إلى المركب في سياق تحول التناقضات الرئيسية الثانوية، الأساسية على المستويين الذاتي/ الجزئي، والعام الكلي، ويتوضح هذا من خلال تبدّل موقع هذه التناقضات في إطار الاشتغال السياسي.
== آليات دراسة ونقد تجارب الحركة الشيوعية: في اللحظة التي يتحول فيها الفكر الراديكالي لوعي نخبوي يخصّ فئات اجتماعية محدودة،فإنه يفقد قدرته على التأثير والفاعلية السياسية والاجتماعية والثقافية، و يخسر كنه مشروعه السياسي والاجتماعي عندما ينكفئ ويتقوقع على ذاته، ويتشرنق ممثلوه ودعاته على ذاتهم، ليتحول الواقع إلى حقل تجارب لمقولاتهم ومفاهيمهم وأدواتهم النظرية والمعرفية، بدلاً أن يكون عملهم ونشاطاهم السياسي والفكري والنظري بدلالة الواقع الاجتماعي وتحولاته المتسارعة المعبّرة عن التحولات التي تحدث في بلدان الرأسمالية الكلاسيكية، على قاعدة الارتباط الوظيفي والتبعية، أي ما يحدث في الدخل الوطني في عصر العولمة، يتم بدلالة التحولات الرأسمالية المعولمة.
من هذا المنظور وبناءً على الأوضاع السياسية المتعيّنة واقعياً لكافة الحركات السياسية الأيديولوجية والعقائدية الغائية، وتحديداً اليسارية منها( الشيوعية).نرى بأن التنابذ والتنافر والصراع بين القوى السياسية يجري بعيداً عن التأثير في الأوساط الاجتماعية، بمعنى أن التناقض بين هذه القوى لا يعني إلا ذاتها، لأنها تفتقد العلاقة مع وسطها الاجتماعي، والتأثير به. إن تحويل الفكر الماركسي لعقيدة ومذهب أحادي،يعني بالضرورة تحول أتباعه لفرق ومريدين، لا يختلفون عن الفرق الدينية التي يدعي زعمائها بأنهم وحدهم من سيدخل الجنة. وينعكس هذا الفهم والتحليل بأن كل فرقة يسارية تعتقد أنها الوحيدة التي تمتلك الفكر الماركسي الحقيقي وبالتالي تمتلك مفاتيح التغيير الاجتماعي تحت راية احتكار تمثيل الإرادة الجماهيرية التي يجب أن تخضع والتاريخ لمبادئهم الحتمية والجبرية.
إن تحديدنا لشكل تحوّل الفكر الماركسي وتعيًنه وفق أشكال تجليات الحركات الشيوعية الرسمية وغير الرسمية، المعترف بها وغير المعترف بها، وحتى على مستوى من يدعون بأنهم منظري الفكر الماركسي .... إن هذا التحديد الأولي يمكّننا من استنتاج بعض الآليات النقدية التي يتم على ضوءها ومن منظورها نقد التجارب اليسارية:
ــ رفض كافة التجارب السياسية للحركات الشيوعية لأسباب أيديولوجية وخلافات سياسية.
ــ التمترس والتخندق خلف المفاهيم الماركسية( المقدّسة) بكونها المدخل لقراءة الواقع وتغييره. وعلى قاعدة الحتمية التاريخية التي تأسس عليها الفكر الماركسي، فإنه يتم الاشتغال على لوي عنق التاريخ، و رفض أي قراءة تتباين عما جاء في النصوص الماركسية التي حولها ويحولها أدعياء تمثليها لأيقونات مقدسة.
ـــ عندما يتحول الفكر لعقيدة فإن أتباعه يتعاملون مع الآخرين على قاعدة الكفر والإيمان.
ــ إن تحويل الفكر لهوية شخصية عقائدية صماء وعصماء، يتم من خلالها وعلى أساسها تنضيد الواقع وتوضيبه، ويتم بذات اللحظة شخصنة الفكر وتذويته، لذلك فإن الدفاع عن خصوصية الهوية، يكون بتخوين ولفظ ورفض الآخر المختلف. ليتحول النقد النظري إلى تعدي على كيانية الشخص الحامل لهذا الفكر. بذلك تتحول قراءة الفكر إلى إدانة وتخوين لكل من تخول نفسه ملامسة حدود المنظومة النظرية الماركسية وأدواتها النظرية نقدياً. مما يعني تحويل الفكر الماركسي على أرضية العقل العقائدي المتحجر لحقل راكد وآسن وجامد ينافي ويناقض التحولات والتغيرات.
ــ على أرضية تحويل الفكر الماركسي لقيمة معيارية مطلقة، فإن شكل العلاقة مع الآخرين يقوم من منظور عقل أحادي يدعي احتكار الحقيقة، ويرى التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بمنظور واحد وعقل واحد ورؤية واحدة وبمسار وسيرورة واحدة. أي أن التطور التاريخي له خط صيرورة مستقيم وأحادي، وأي تعرج أو انحناء في استقامته يعني الخروج عن سياق التطور التاريخي المحدد سلفاً، ويتجسد هذا الفهم من منظور إيماني يحول الفكر لأشياء مطلقة...
ــ إن النقاط التي أوردناها تعبّر عن إمكانية تماهي الفكر العلماني /الماركسي/ مع الواقع الاجتماعي والثقافي المتخلف الذي يهيمن عليه العقل القطيعي والاستبداد السياسي العقائدي....
نشير أخيراً إلى أن آليات النقد النظري والسياسي للتجارب السياسية تتم على ذات الأبعاد السياسية والثقافية والاجتماعية التي ذكرناها، أي عندما تتماهى الماركسية مع المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي السائد فإن آليات الممارسة السياسية للحركات الشيوعية، وآليات النقد لهذه التجارب تكون تعبيراً عما هو سائد. أي تعبيراً عن الأزمة، وعلى قاعدتها.لذلك نرى بأن ما يغيب عن آليات النقد والممارسة السياسية والنظرية هو المناخ الديمقراطي والاعتراف بالآخر و ثقافة الحوار، والحاضر الدائم هو العقل الاستبدادي الشمولي الأحادي... ليتحول الحوار النقدي إلى جلد لذّات والتشفّي بالآخر ......
إن ما أوردناه حاولنا من خلاله التدليل على أن الواقع السياسي والاجتماعي الراهن،عصي عن التغيير، ليس لأنه لا يوجد منافذ ومعابر يمكن من خلالها العبور بالمجتمع لأشكال سياسية واجتماعية أرقى.بل لأنه يتقاطع في الاستعصاء السياسي الراهن مستويان. الأول: إن الاستبداد السياسي قام ويقوم بتجريف تربة العمل السياسي، ويعمل على القضاء على أي بوادر سياسية علمانية مما يعني تأبيد التخلف الثقافي وسيطرة السلطات السياسية الرسمية باستخدام آليات ( القمع، العنف، الاحتواء،رفض التعدد والتنوع، فرض ثقافة الخوف، تعميم ثقافة الانعزال وفرض الاستقالة المجتمعية من أي عمل سياسي أو مدني جماعي مستقل .... ويساهم في هذا الاعتماد على الثقافة الاجتماعية الدينية، ونصوصها الداعمة لاستمرار السلطة السياسية السائدة)
الثاني: أن الحركات الشيوعية تفتقد لعمقها الاجتماعي،و لحاملها المادي الذي يعتبر أداة التغيير. وتزداد هامشية وانعزال قوى اليسار عن التأثير في سيرورة الواقع الاجتماعي لأسباب ذاتية تتقاطع مع عوامل موضوعية محلية وإقليمية ودولية، تنبئ بتراجع دورها السياسي والاجتماعي وتحديداً بعد انهيار المنظومة السوفيتية، وازدياد تنامي ظواهر المد الأصولي والسلفي الذي باتت سمة التحولات الراهنة. ويتقاطع هذا مع فشل قوى اليسار في إعادة بلورة ذاتها ومشروعها السياسي من منظور جديد في ضوء المتغيرات الراهنة، لتعاني أزمة ذاتية وموضوعية تزيد من عزلتها عن الواقع الاجتماعي وتحولاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تميل نحو الليبرالية والخصخصة وتحرير المال والأسواق وتعميق الملكية الخاصة بكونها تعبيرا عن النمط الرأسمالي المنتصر في الدول الرأسمالية، ودول ( الاشتراكية المحققة). لذلك حتى لو كانت قوى اليسار تمتلك ناصية الحقيقة و مشروعاً إنسانياً وأفقاً مستقبلياً للتطور البشري يقوم على العدالة والمساواة وإلغاء الاستغلال والتفاوت الطبقي، لكن قواها وتجلياتها الراهنة عاجزة عن إحداث أي تغيير في اللوحة السياسية والثقافية والاجتماعية الراهنة، ليبقى الأفق مفتوحاً على احتمالات تطور مجهولة نسبياً.
--------------------------------------------------------------



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إقرار مشروع الضمان الصحي وغياب دور نقابة المعلمين
- الصحافة العربية ( ملاحظات أولية)
- إشكاليات الإعلام الرسمي
- واقع الإعلام في اللحظة الراهنة
- أن تكون يسارياً
- هل بات مفهوم الثقافة عائماً وملتبساً
- تناقضات رأس المال
- أوهام مواطن عربي
- إشكالية اليسار الماركسي مقاربة الواقع اللبناني
- نهايات عربية
- بعض مهام الماركسية واليسار في المرحلة الراهنة
- العلاقات الإيرانية – السورية واقع وآفاق
- التأزم الإيراني وإشكاليات التحول
- لن نكون طائفيين ولن نتشبه بهم
- قراءة لواقع راهن
- القمم العربية واقع وسيرورة
- الإنسان أولاً
- الأزمة الاقتصادية تعيد ماركس إلى الصدارة
- إشكاليات الجمعيات الأهلية ( تمكين وآفاق )
- الإمبريالية( بحث أولي)


المزيد.....




- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - معتز حيسو - أزمة اليسار : فكر أحادي واقع مستعصي